الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ النَّصِّ قَالَ رحمه الله (وَيَجُوزُ الرَّضِيعُ لَوْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعٌ لَهُ.
وَالظَّاهِرُ سَلَامَةُ أَطْرَافِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْحِيلَةُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ اكْتَفَى هَذَا بِالظَّاهِرِ فِي سَلَامَةِ أَطْرَافِهِ حَتَّى جَازَ التَّكْفِيرُ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالظَّاهِرِ فِي حَدِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِ أَطْرَافِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَاجَةُ فِي التَّكْفِيرِ إلَى دَفْعِ الْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّافِعِ وَالْحَاجَةُ فِي الْإِتْلَافِ إلَى دَفْعِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِيهِ وَلِأَنَّهُ يُظْهِرُ حَالَ الْأَطْرَافِ فِيمَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ إذَا عَاشَ وَلَا كَذَلِكَ الْإِتْلَافُ فَافْتَرَقَا.
قَالَ رحمه الله (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الثُّلُثُ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ لَا يَتَنَصَّفُ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ السُّنَّةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رَوَاهُ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ وَلَوْ كَانَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَا خَالَفُوهُ.
وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةُ زَيْدٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلَّا عَنْهُ مَوْقُوفًا وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى الْمُحَالِ وَهُوَ أَمَّا إذَا كَانَ أَلَمُهَا أَشَدَّ وَمُصَابُهَا أَكْبَرَ أَنْ يَقِلَّ أَرْشُهَا بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ إصْبَعٌ مِنْهَا يَجِبُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِذَا قُطِعَ إصْبَعَانِ يَجِبُ عِشْرُونَ، وَإِذَا قُطِعَ ثَلَاثَةٌ يَجِبُ ثَلَاثُونَ لِأَنَّهَا تُسَاوِي الرَّجُلَ فِيهِ عَلَى زَعْمِهِ لِكَوْنِهِ مَا دُونَ الثُّلُثِ وَلَوْ قُطِعَ أَرْبَعَةٌ يَجِبُ عِشْرُونَ لِلتَّنْصِيفِ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَقَطْعُ الرَّابِعَةِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا بَلْ يُسْقِطُ مَا وَجَبَ بِقَطْعِ الثَّالِثَةِ، وَحِكْمَةُ الشَّارِعِ تُنَافِي ذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ شَيْئًا شَرْعًا وَأَقْبَحُ مِنْهُ أَنْ تَسْقُطَ مَا وَجَبَ لِغَيْرِهَا وَهَذَا مِمَّا تُحِيلُهُ الْعُقَلَاءُ بِالْبَدِيهَةِ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَعْتَبِرُ الْأَطْرَافَ بِالْأَنْفُسِ وَتَرْكُهُ هُنَا حَيْثُ نَصَّفَ دِيَةَ النَّفْسِ وَلَمْ يُنَصِّفْ دِيَةَ الْأَطْرَافِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ.
قَالَ رحمه الله (وَدِيَةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي مُسْتَأْمَنٍ قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «وَدِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ» وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كَانَا يَجْعَلَانِ دِيَةَ الذِّمِّيِّ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] دَلَالَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ظَاهِرُ مَا هُوَ الْمُرَادُ مَنْ قَوْله تَعَالَى فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُتَقَوِّمُونَ لِإِحْرَازِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِالدَّارِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا مُلْحَقِينَ بِالْمُسْلِمِينَ إذْ يَجِبُ بِقَتْلِهِمْ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِمْ أَنْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ أَمْوَالَهُمْ لَمَّا كَانَتْ مَعْصُومَةً مُتَقَوِّمَةً يَجِبُ بِإِتْلَافِهَا مَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي أَمْوَالِهِمْ فَمَا ظَنُّك فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ نَقْصَ الْكُفْرِ فَوْقَ نَقْصِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ فَوَجَبَ أَنْ تُنْتَقَصَ دِيَتُهُ بِهِ كَمَا تُنْتَقَصُ بِالْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ، فَإِذَا انْتَقَصَ بِأَثَرِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَنْتَقِصَ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ نُقْصَانُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَا بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ بَلْ بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ النِّكَاحَ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَالْحُرُّ الذَّكَرُ يَمْلِكُهُمَا وَلِهَذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا وَالْكَافِرُ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَدَلُهُ كَبَدَلِهِ وَالْمُسْتَأْمِنُ دِيَتُهُ مِثْلُ دِيَةِ الذِّمِّيِّ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رَوَيْنَا.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُلْحَقُ بِدِيَةِ النَّفْسِ]
(فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دِيَةِ النَّفْسِ شَرَعَ يَذْكُرُ مَا يُلْحَقُ بِهَا فِيهَا قَالَ رحمه الله (فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ) يَعْنِي تَجِبُ الدِّيَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله وَفِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ وَالْمَارِنُ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي الْأَصْلِ وَإِذَا قُطِعَ أَنْفَ رَجُلٍ وَذَهَبَ شَمُّهُ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ يُفْتَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ وَفِي الْكَافِي وَلَوْ قُطِعَ الْمَارِنُ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يُزَادُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الشَّمِّ أَنْ يُوضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فَإِنْ نَفَرَ عَنْ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ شَمُّهُ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا جَنَى عَلَيْهِ فَصَارَ لَا يَسْتَنْثِرُ مِنْ أَنْفِهِ وَلَكِنْ يَسْتَنْثِرُ مِنْ فَمِهِ فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا قُطِعَ الْمَارِنُ ثُمَّ الْأَنْفُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبُرْءِ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْمَارِنِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي الْبَاقِي وَفِي جِنَايَاتِ الْحَسَنِ إذَا كَانَ أَنْفُ الْقَاطِعِ أَصْفَرَ كَانَ الْمَقْطُوعُ أَنْفَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَنْفَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَنْفِ الْقَاطِعِ نُقْصَانٌ مِنْ شَيْءٍ أَصَابَهُ أَوْ كَانَ أَخْشَمَ لَا يَجِدُ الرِّيحَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَفِي الْحَاوِي أَخْشَمُ يَعْنِي أَصْغَرَ أَوْ أَخْرَقَ فَالْمَقْطُوعُ أَنْفُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَنْفَ
الْقَاطِعِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دِيَةَ الْأَنْفِ وَفِي الْكُبْرَى: لَوْ قَطَعَ الْأَنْفَ مِنْ أَصْلِ الْعَظْمِ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ مَا يَلِيهِ الْمَارِنُ، فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ ضَرَبَ أَنْفَهُ فَوْقَ الْعَظْمِ فَانْكَسَرَ الْعَظْمُ وَتُدَغْدَغ اللَّحْمُ حَتَّى ذَهَبَ بِالْأَنْفِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ وَهِيَ أَرْنَبَتُهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِنْ قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَظْمٌ وَلَيْسَ بِمِفْصَلٍ وَالْجَوَابُ أَمَّا السِّنُّ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَيْسَ بِعَظْمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَصَبٌ يَنْعَقِدُ وَلَوْ كَانَ عَظْمًا لَنَبَتَ إذَا كُسِرَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِظَامِ وَمُرَادُ مُحَمَّدٍ الْعِظَامُ الَّذِي لَا يُنْتَقَصُ عَلَى حَسَبِ الْمُرَادِ إلَّا أَنَّهُ سَامَحَ وَأَوْجَزَ فِي اللَّفْظِ وَفِي الْقُدُورِيِّ فِي الْأَنْفِ الْمَقْطُوعَةِ أَرْنَبَتُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي الْأَصْلِ إذَا انْكَسَرَ أَنْفُ إنْسَانٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِذَا قُطِعَ كُلُّ الْمَارِنِ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُ عَصَبَةِ الْأَنْفِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَإِذَا قُطِعَ كُلُّ الْأَنْفِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ قَالَ الْقُدُورِيُّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إذَا قُطِعَ كُلُّ الْأَنْفِ يَجِبُ الْفَاضِلُ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَارِنِ أَمَّا عَصَبَةُ الْأَنْفِ عَظْمٌ وَلَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ بِتَفَاصِيلِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَفِي اللِّسَانِ وَالذَّكَرِ وَالْحَشَفَةِ) يَعْنِي الدِّيَةَ أَمَّا اللِّسَانُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ يُرِيدُ بِهِ حَالَةَ الْخَطَأِ، وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُ اللِّسَانِ إنْ مَنَعَهُ عَنْ الْكَلَامِ فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَأَمَّا إذَا مَنَعَهُ عَنْ بَعْضِ الْكَلَامِ دُونَ الْبَعْضِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَدْرِ مَا فَاتَ إنْ كَانَ الْفَائِتُ نِصْفًا يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ رُبْعًا يَجِبُ رُبْعُ الدِّيَةِ وَكَيْفَ نَعْرِفُ مِقْدَارَ الْفَائِتِ مِنْ الْبَاقِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ قَالَ بَعْضُهُمْ يُعْرَفُ بِالتَّهَجِّي بِحُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ كَلَامِ الْعَرَبِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّكَلُّمُ بِنِصْفِ الْحُرُوفِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَعَجَزَ عَنْ النِّصْفِ عُلِمَ أَنَّ الْفَائِتَ نِصْفُ الْكَلَامِ فَتَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّكَلُّمُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ مِنْهَا وَذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ كَانَ الْفَائِتُ هُوَ الرُّبْعَ فَيَجِبُ رُبْعُ الدِّيَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّكَلُّمُ بِرُبْعِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ كَانَ الْفَائِتُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قُطِعَ طَرَفُ لِسَانِهِ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ: أَبَ تَ ثَ فَمَا قَرَأَ حَرْفًا أَسْقَطَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَمَا لَمْ يَقْرَأْهُ أَوْجَبَ الدِّيَةَ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُهَجَّى بِجَمِيعِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وَإِنَّمَا يَتَهَجَّى بِالْحُرُوفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاللِّسَانِ اللَّازِمَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّهَجِّي بِالنِّصْفِ كَانَ الْفَائِتُ نِصْفًا فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّكَلُّمِ بِالثُّلُثِ يَلْزَمُهُ ثُلُثَا الدِّيَةِ قَالُوا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. اهـ.
وَفِي التَّجْرِيدِ الْمُعْتَبَرُ الْحُرُوفُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ فَالْهَوَائِيَّةُ وَالْحَلْقِيَّةُ وَالشَّفَوِيَّةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ الْحُرُوفُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ وَهِيَ الْأَلْفُ وَالتَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشَّيْنُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ وَالْيَاءُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إتْيَانٌ بِحَرْفٍ مِنْهَا يَلْزَمُهُ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ فَأَمَّا الْهَوَائِيَّةُ وَالْحَلْقِيَّةُ وَالشَّفَوِيَّةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ فَالشَّفَوِيَّةُ الْبَاءُ وَالْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالْحَلْقِيَّةُ الْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْغَيْنُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ وَالْقَافُ هَذَا كُلُّهُ فِي لِسَانِ الْبَالِغِ وَالْكَلَامُ فِي لِسَانِ الصَّبِيِّ يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا قَطَعَ لِسَانَ غَيْرِهِ عَمْدًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِقَطْعِ الْبَعْضِ أَوْ قَطْعِ الْكُلِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ الْكُلَّ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِذَا قُطِعَ اللِّسَانُ أَنْ لَا قِصَاصَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْعُيُونِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي اللِّسَانِ إذَا أُمْكِنَ الْقِصَاصُ يُقْتَصُّ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى لَا قِصَاصَ فِي اللِّسَانِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَا قِصَاصَ فِي اللِّسَانِ، وَإِنْ قُطِعَ مِنْ وَسَطِ اللِّسَانِ أَوْ مِنْ طَرَفِهِ، فَإِنْ ادَّعَى ذَهَابَ الْكَلَامِ يَشْتَغِلُ عَنْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَهُ أَوْ لَا يَسْمَعَ وَفِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الذَّكَرِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شَابٍّ وَشَيْخٍ وَلَا بَيْنَ مَرِيضٍ وَصَحِيحٍ وَلَا بَيْنَ ذَكَرٍ خَصِيٍّ وَعِنِّينٍ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ وَيُقْطَعُ ذَكَرٌ يَفُوتُ بِهِ الْإِيلَاجُ لَكَانَ أَوْلَى وَفِي الْمُحِيطِ وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَمَالُ الدِّيَةِ قُلْنَا ذَكَرُ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِيلَاجُ بِنَفْسِهِ فَلَا تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ.
وَفِي ذَكَرِ الْمَرِيضِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّهُ بِزَوَالِ الْمَرَضِ يَعُودُ إلَى قُوَّتِهِ الْكَامِلَةِ وَفِي ذَكَرِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ إنْ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْوَطْءِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ وَيَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي قَطْعِ الْحَشَفَةِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ الْحَشَفَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي التَّجْرِيدِ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ كَامِلَةٌ كَمَالَ الدِّيَةِ وَفِيهِ أَيْضًا وَفِي قَطْعِ الْحَشَفَةِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، فَإِنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَطَعَ بَاقِيَ الذَّكَرِ قَبْلَ
تَخَلُّلِ بُرْءٍ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَامِلَةٌ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَطَعَ الذَّكَرَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ فِي الْحَشَفَةِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي الْبَاقِي، وَإِذَا قُطِعَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَيْنِ مِنْ الرَّجُلِ الصَّحِيحِ خَطَأً إنْ بَدَأَ بِقَطْعِ الذَّكَرِ فَفِيهِ دِيَتَانِ وَفِي التَّجْرِيدِ وَكَذَا إذَا قَطَعَهُمَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ مَعًا فَفِيهِ دِيَتَانِ وَفِي التُّحْفَةِ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ إذَا قَطَعَهُمَا مَعَ الذَّكَرِ جُمْلَةً مَرَّةً وَاحِدَةً فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ دِيَةٌ بِإِزَاءِ الذَّكَرِ وَدِيَةٌ بِإِزَاءِ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ قُطِعَ الذَّكَرُ أَوَّلًا ثُمَّ الْأُنْثَيَيْنِ يَجِبُ دِيَتَانِ أَيْضًا لِأَنَّ بِقَطْعِ الذَّكَرِ تَفُوتُ مَنْفَعَةُ الْأُنْثَيَيْنِ وَهِيَ إمْسَاكُ الْمَنِيِّ فَأَمَّا إذَا قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الذَّكَرَ تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَجِبُ بِقَطْعِ الذَّكَرِ حُكُومَةُ الْعَدْلِ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ إذَا قَطَعَهُمَا خَطَأً كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَطَعَ إحْدَى أُنْثَيَيْهِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ دِيَةٌ وَنِصْفٌ وَلَا يُعْلَمُ ذَهَابُ الْمَاءِ إلَّا بِإِقْرَارِ الْجَانِي.
فَإِنْ قَطَعَ الْبَاقِيَ مِنْ إحْدَى الْأُنْثَيَيْنِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ عَمْدًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِمَا الْقِصَاصُ حَالَةَ الْعَمْدِ، وَإِنْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ كُلَّهَا عَمْدًا فَفِيهَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ كُلَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيهِ وَصَارَ كَاللِّسَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ.
قَالَ رحمه الله (وَفِي الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ) يَعْنِي تَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ أَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ بِذَهَابِهِ تَذْهَبُ مَنَافِعُ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا لِأَنَّ أَفْعَالَ الْمَجْنُونِ تَجْرِي مَجْرَى أَفْعَالِ الْبَهَائِمِ.
وَأَمَّا السَّمْعُ فَلِأَنَّهُ بِفَوَاتِهِ يَفُوتُ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الِاسْتِمَاعِ، وَأَمَّا الشَّمُّ فَلِأَنَّ بِفَوَاتِهِ يَفُوتُ إدْرَاكُ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ وَالْخَبِيثَةِ، وَأَمَّا الذَّوْقُ فَلِأَنَّ بِفَوَاتِهِ يَفُوتُ إدْرَاكُ الْحَلَاوَةِ وَالْمَرَارَةِ وَالْحُمُوضَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَضَى لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ ذَهَبَ بِهَا عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْرَفُ الذَّهَابُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَقِيلَ ذَهَابُ الْبَصَرِ تَعْرِفُهُ الْأَطِبَّاءُ فَيَكُونُ فِيهِ قَوْلُ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ حُجَّةٌ فِيهِ وَقِيلَ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الشَّمْسَ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ، فَإِذَا دَمَعَتْ عَيْنُهُ عَلِمَ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ يُلْقِي بَيْنَ يَدَيْهِ حَيَّةً، فَإِنْ هَرَبَ مِنْهَا عُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَذْهَبْ، وَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ فَهِيَ ذَاهِبَةٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ السَّمْعِ أَنْ يُغَافَلَ ثُمَّ يُنَادَى، فَإِنْ أَجَابَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ وَإِلَّا فَهُوَ ذَاهِبٌ وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَتَطَارَشَتْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا فَجْأَةً غَطِّي عَوْرَتَك فَاضْطَرَبَتْ وَتَسَارَعَتْ إلَى جَمْعِ ثِيَابِهَا فَظَهَرَ كَذِبُهَا.
قَالَ رحمه الله (وَاللِّحْيَةُ إنْ لَمْ تَنْبُتْ وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي أَجْفَانِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا رُبْعُ الدِّيَةِ) يَعْنِي إذَا حَلَقَ اللِّحْيَةَ أَوْ شَعْرَ الرَّأْسِ وَلَمْ يَنْبُتْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّهُ أَزَالَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ وَتَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْآدَمِيِّ وَلِهَذَا يَنْمُو بَعْدَ كَمَالِ الْخِلْقَةِ وَلِهَذَا تُحْلَقُ الرَّأْسُ وَاللِّحْيَةُ وَبَعْضُهَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الدِّيَةُ كَشَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ إذْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْفَعَةٌ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ فِي شَعْرِ الْعَبِيدِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الرَّأْسِ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَالْمَوْقُوفُ فِي هَذَا كَالْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ فَلَا يُهْتَدَى إلَيْهِ بِالرَّأْيِ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ فِي أَوَانِهَا جَمَالٌ فَيَلْزَمُهُ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ جَمَالٌ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَسْبِيحُهُمْ سُبْحَانَ مَنْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَاءِ وَالنِّسَاءَ بِالْقُدُودِ وَالذَّوَائِبِ» بِخِلَافِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَمَالُ، وَأَمَّا شَعْرُ الْعَبْدِ فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَالْجَوَابُ عَنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ دُونَ الْجَمَالِ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِالْحَلْقِ بِخِلَافِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ الْجَمَالُ فَيَجِبُ بِفَوَاتِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْحَيَّةِ فَصَارَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي ذَقَنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ فَلَيْسَ فِي حَلْقِهَا شَيْءٌ لِأَنَّ وُجُودَهَا يَشِينُهُ وَلَا يَزِينُهُ.
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ جَمِيعًا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْجَمَالِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ
وَفِي لِحْيَتِهِ كَمَالُ جَمَالٍ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا انْسَدَّ الْمَنْبَتُ، فَإِنْ نَبَتَ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِفِعْلِ الْجَانِي أَثَرٌ فِي الْبَدَنِ وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ الْمُحَرَّمَ، وَإِنْ نَبَتَ أَبْيَضَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّ لِأَنَّ الْجَمَالَ يَزْدَادُ بِبَيَاضِ الشَّعْرِ فِي اللِّحْيَةِ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ الْبَيَاضَ يَشِينُهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِاعْتِبَارِهِ وَفِي الْعَبْدِ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ تُنْتَقَصُ بِهِ قِيمَتُهُ وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِيهِ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا قِيَاسًا، وَإِذَا ثَبَتَ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً وَالنَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحَاتِ وَيُؤَجَّلُ فِيهِ سَنَةً، فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ فِيهَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَيَسْتَوِي فِيهَا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ وَلَمْ يَنْبُتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَمَّا مَا يَكُونُ مُزْدَوَجًا فِي الْأَعْضَاءِ كَالْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ فَفِي قَطْعِهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَلِأَنَّ تَفْوِيتَ اثْنَيْنِ مِنْهَا تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ أَوْ تَفْوِيتُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ.
وَفِي تَفْوِيتِ الرِّجْلَيْنِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ وَفِي تَفْوِيتِ الْأُنْثَيَيْنِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْإِمْنَاءِ وَالنَّسْلِ وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ بِخِلَافِ ثَدْيَيْ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ فَيَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ وَإِمْسَاكِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَلَمَةٌ يَتَعَذَّرُ عَلَى الصَّبِيِّ الِالْتِقَامُ عِنْدَ الْإِرْضَاعِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ فِي الْحَاجِبَيْنِ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِي الشَّعْرِ وَعِنْدَنَا يَجِبُ فِيهِمَا الدِّيَةُ لِتَفْوِيتِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَرْبَعًا فَهُوَ أَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ فَفِيهَا الدِّيَةُ إذَا قَطَعَهَا وَلَمْ تَنْبُتْ وَفِي أَحَدِهِمَا رُبْعُ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا دَفْعُ الْأَذَى وَالْقَذَرِ عَنْ الْعَيْنِ وَتَفْوِيتُ ذَلِكَ يُنْقِصُ الْبَصَرَ وَيُورِثُ الْعَمَى، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْكُلِّ الدِّيَةُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَجَبَ فِي الْوَاحِدِ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الثَّلَاثِ ثَلَاثُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ إذَا لَمْ تَنْبُتْ فَأَرَادَ بِهِ الشَّعْرَ لِأَنَّ الشَّعْرَ هُوَ الَّذِي يَنْبُتُ دُونَ الْجُفُونِ وَأَيُّهُمَا أُرِيدَ كَانَ مُسْتَقِيمًا لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّعْرِ دِيَةً كَامِلَةً فَلَا يَخْتَلُّ الْمَعْنَى وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْأَشْفَارَ مَعَ الْجُفُونِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ وَالْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ.
وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَعْشَارًا كَالْأَصَابِعِ فَفِي قَطْعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ وَاحِدٍ مِنْهَا عُشْرُ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ الْجُفُونِ الَّتِي لَا شَعْرَ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِذَا كَانَ الْجَانِي عَلَى الْأَهْدَابِ وَاحِدًا وَعَلَى الْجُفُونِ وَاحِدًا آخَرَ كَانَ عَلَى الَّذِي جَنَى عَلَى الْأَهْدَابِ تَمَامُ الدِّيَةِ وَعَلَى الَّذِي جَنَى عَلَى الْجُفُونِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ حَلَقَ نِصْفَ اللِّحْيَةِ فَلَمْ تَنْبُتْ وَحَلَقَ رُبْعَ الرَّأْسِ أَوْ نِصْفَ الرَّأْسِ تَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَا زَالَ الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّ الشَّيْنَ إنَّمَا يَكْمُلُ بِفَوَاتِ الْكُلِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّ نِصْفَ الْحَلْقِ لَا يَبْقَى زِينَةً فَتَفُوتُ الزِّينَةُ بِالْكُلِّيَّةِ بِفَوَاتِ نِصْفِ اللِّحْيَةِ فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الشَّارِبَ وَفِي لِحْيَةِ الْعَبْدِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الْخِدْمَةُ كَالْجَمَالِ لِأَنَّ لِحْيَةَ الْعَبْدِ جَمَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ نُقْصَانٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ لِأَنَّهُ مِمَّا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الْمَالِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَاوِي غَيْرَ الْمُلْتَحِي فِي الْجَمَالِ فَلَمْ يُوجَدْ إزَالَةُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ تَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ لَا الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْجَمَالَ فِي حَقِّهِ مَقْصُودٌ أَيْضًا، وَإِنْ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى مِثْلَ الْأُولَى فَلَا شَيْءَ فِيهَا كَمَا فِي السِّنِّ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى سَوْدَاءَ فَنَبَتَتْ مَكَانَهَا بَيْضَاءُ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَفِي الْعَبْدِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ الْبَيَاضَ فِي الشَّعْرِ مِمَّا يُنْقِصُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ عَيْبٌ وَشَيْنٌ.
قَالَ رحمه الله (وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَمَا فِيهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ) يَعْنِي مَا يَكُون مِنْ الْأَعْضَاءِ أَعْشَارًا كَالْأَصَابِعِ فَفِي كُلِّ إصْبَعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ وَلَوْ قَطَعَ أَصَابِعَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ فَعَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشَرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَفِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ أَوْ الْبَطْشِ وَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ عَشَرَةٌ فَتُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ
فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ أَمَّا مَا فِيهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ لِأَنَّهَا ثُلُثُهَا وَمَا فِيهَا مِفْصَلَانِ كَالْإِبْهَامِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ لِأَنَّهُ نِصْفُهَا وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا فِيهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ، وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ أُذُنَ الرَّجُلِ خَطَأً فَأَثْبَتَهَا الْمَقْطُوعَةُ أُذُنُهُ فِي مَكَانِهَا فَثَبَتَتْ فَعَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُ الْأُذُنِ كَامِلًا قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ هَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْأُذُنَ لَا يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُهَا بِالِاحْتِيَالِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِاتِّصَالِ الْعُرُوقِ، فَإِذَا ثَبَتَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتَّصَلَ الْعُرُوقُ وَزَالَتْ الْجِنَايَةُ فَيَزُولُ مُوجِبُهَا وَفِي الْكُبْرَى، وَإِنْ جَذَبَ أُذُنَهُ فَانْتَزَعَ شَحْمَتَهُ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ دُونَ الْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ مُرَاعَاةِ التَّسَاوِي فِي الْقِصَاصِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَطَعَ أُذُنَ عَبْدٍ أَوْ أَنْفَهُ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) يَعْنِي فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ وَهِيَ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا لِأَنَّ الْكُلَّ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ فِيهِ كَالْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ وَلَئِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ فَفِي الْآخَرِ زِيَادَةُ الْجَمَالِ فَاسْتَوَيَا فَزَادَتْ دِيَةُ هَذَا الطَّرَفِ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا عِشْرُونَ ضِرْسًا وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ ضَوَاحِكَ، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْوَاحِدَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ يَجِبُ فِي الْكُلِّ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ هَذَا إذَا كَانَ خَطَأً، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَوْلُهُمْ: وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَالُوا فِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ وَيُقَالُ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِأَنَّ السِّنَّ اسْمُ جِنْسٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَرْبَعٌ مِنْهَا ثَنَايَا وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ اثْنَانِ فَوْقُ وَاثْنَانِ أَسْفَلُ وَمِثْلُهَا رُبَاعِيَّاتٌ وَهِيَ مَا يَلِي الثَّنَايَا وَمِثْلُهَا أَنْيَابٌ تَلِي الرَّبَاعِيَاتِ وَمِثْلُهَا ضَوَاحِكُ تَلِي الْأَنْيَابَ وَاثْنَيْ عَشَرَ سِنًّا تُسَمَّى بِالطَّوَاحِينِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثَلَاثٌ فَوْقُ وَثَلَاثٌ أَسْفَلُ وَبَعْدَهَا سِنٌّ وَهُوَ آخِرُ الْأَسْنَانِ يُسَمَّى ضِرْسَ الْحُلُمِ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقْتَ كَمَالِ الْعَقْلِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ لِعَوْدِهِ إلَى مَعْنَى أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَبَعْضُهَا سَوَاءٌ. اهـ.
أَقُولُ: فِي هَذَا النَّظَرِ مُبَالَغَةٌ مَرْدُودَةٌ حَيْثُ قِيلَ فِي أَوَّلِهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ خَطَأٌ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ مَا فِي الْكِتَابِ مَعَ أَنَّ تَصْحِيحَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّمَامِ، فَإِنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ طَرِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَدْ ذُكِرَتْ مُرَتَّبَةً فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ فِي التَّنْزِيلِ قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ ذَلِكَ وَيَعُودُ حَاصِلُ مَعْنَاهُ إلَى أَنَّهُ يُقَالُ الْأَضْرَاسُ وَمَا عَدَاهَا مِنْ الْأَسْنَانِ سَوَاءٌ، فَإِنَّهُ إذَا عُطِفَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ يُرَادُ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَا عَدَا الْمَعْطُوفَ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُوفُ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ أَوْ يُقَالُ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي الْإِيرَادِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ فَلَا مَعْنَى لَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَوَابًا دُونَ مَا فِي الْكِتَابِ نَعَمْ الْأَظْهَرُ فِي إفَادَةِ الْمُرَادِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ أَوْ أَنْ يُقَالَ فِي الْأَضْرَاسِ وَالثَّنَايَا كُلُّهَا سَوَاءٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ.
قَالَ رحمه الله (وَكُلُّ عُضْوٍ ذَهَبَ مَنْفَعَتُهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا) أَيْ إذَا ضَرَبَ عُضْوًا فَذَهَبَ نَفْعُهُ بِضَرْبِهِ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَمَا إذَا ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ بِهِ أَوْ عَيْنُهُ فَذَهَبَ ضَوْءُهَا لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا زَالَتْ مَنْفَعَتُهُ كُلُّهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْشُ مُوجِبِهِ كُلِّهِ وَلَا عِبْرَةَ لِلصُّورَةِ بِدُونِ الْمَنْفَعَةِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فَلَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْأَرْشِ إلَّا إذَا تَجَرَّدَتْ عِنْدَ الْإِتْلَافِ بِأَنْ أَتْلَفَ عُضْوًا ذَهَبَ مَنْفَعَتُهُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمَالٌ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ أَوْ أَرْشُهُ كَامِلًا إنْ كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْجَمَالِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ اعْتِبَارُهُمَا مَعًا بَلْ يَكُونُ تَبَعًا لَهَا فَيَكُونُ الْمَنْظَرُ إلَيْهِ هِيَ الْمَنْفَعَةَ فَقَطْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ ثُمَّ إذَا انْفَرَدَ عِنْدَ الْإِتْلَافِ يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ أَلَا تَرَى أَنَّ