الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا حَبِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الثَّانِي فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَيِّدَ بِهِ أَمَّا الثَّانِي فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ جُعِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا عِنْدَ الْمَالِكِ أَوْ أَحْبَلَهَا الْمَوْلَى لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَهُوَ إحْبَالُهُ أَوْ تَسْلِيطُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً حَامِلًا أَوْ مَحْمُومَةً أَوْ مَجْرُوحَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَبِهَا ذَلِكَ الْعَيْبُ وَلَوْ حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ ابْيَضَّتْ عَيْنَاهَا فَرَدَّهَا فَضَمَانُ النُّقْصَانِ عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ زَالَ فِي يَدِ الْمَالِكِ مَا كَانَ بِهَا مِنْ حُمَّى أَوْ بَيَاضِ الْعَيْنِ يَرُدُّ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ النُّقْصَانَ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَ إنْسَانٍ وَأَخَذَ بَدَلَهُ ثُمَّ نَبَتَ وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ غَصَبَهَا وَوَلَدَهَا مِنْ الْغَاصِبِ رَجُلٌ آخَرُ فَضَمَّنَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ قِيمَةَ الْأُمِّ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ قِيمَةَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ وَيَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَوْ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَجَحَدَهَا وَوَلَدَهَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا وَوَلَدِهَا يَوْمَ الْجُحُودِ وَفِي الْمُنْتَقَى وَلَوْ حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْمَوْلَى فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ ضَمَّنَهُ الْمَوْلَى قِيمَةَ النُّقْصَانِ
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ زَنَى بِمَغْصُوبَةٍ فَرُدَّتْ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَلَا يَضْمَنُ الْحُرَّةَ) وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ الْأَمَةَ وَيَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ صَحَّ مَعَ الْحَبَلِ وَالْحَبَلُ عَيْبٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نُقْصَانُ الْعَيْبِ وَهَلَاكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمَالِكِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّدُّ كَمَا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا وَمَاتَتْ فِي تِلْكَ الْحُمَّى أَوْ زَنَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا وَجُلِدَتْ بَعْدَ الرَّدِّ عِنْدَ الْمَالِكِ وَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا نُقْصَانُ الْبَيْعِ وَكَذَا إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ لِلْمُشْتَرِي حُبْلَى وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْحَبَلِ وَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ اتِّفَاقًا وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا أَخَذَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا وَلَيْسَ فِيهَا عَيْبُ التَّلَفِ وَرَدَّهَا وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ فَصَارَ كَمَا جَنَتْ جِنَايَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ فُعِلَتْ بِهَا بَعْدَ الرَّدِّ وَدُفِعَتْ بِهَا بَعْدَ الرَّدِّ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى الْغَاصِبِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ، فَإِنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ الْوَاجِبُ التَّسْلِيمُ وَبِمَوْتِهَا بِالْوِلَادَةِ لَا يَنْعَدِمُ التَّسْلِيمُ وَفِي الْغَصْبِ السَّلَامَةُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الرَّدِّ فَمَا لَمْ يَرُدَّ مِثْلَ مَا أَخَذَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَافْتَرَقَا عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَفِي فَصْلِ الْحُمَّى الْمَوْتُ يَحْصُلُ بِزَوَالِ الْقُوَى وَأَنَّهُ يَزُولُ بِتَرَادُفِ الْآلَامِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ حَاصِلًا بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قَدْرِ مَا كَانَ عِنْدَهُ دُونَ الزِّيَادَةِ أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِمْ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْوِلَادَةَ هَاهُنَا سَبَبًا لِلْهَلَاكِ وَقَدْ صَرَّحَ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ سَبَبًا لِلْمَوْتِ فَكَانَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَدَافُعٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ سَرَقَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ سَرَقَ الْعَبْدُ فَرَدَّ فَقُطِعَ عِنْدَ الْمَالِكِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ السَّرِقَةِ. اهـ.
[مَنَافِعَ الْغَصْبِ]
قَالَ رحمه الله (وَمَنَافِعَ الْغَصْبِ) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْحُرَّةِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ الْغَصْبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ مَنَافِعَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ كَالْأَعْيَانِ وَلَنَا أَنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ فَحُدُوثُهَا فِي يَدِهِ إذْ هِيَ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَيَمْلِكُهَا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ قَالَ ابْنُ قَاضِي زَادَهْ وَهُنَا سُؤَالٌ لَمْ أَرَ كَثِيرًا مِنْ الشَّارِحِينَ تَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُقْتَضَى هَذَا الدَّلِيلِ أَنْ لَا تَجِبَ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا إذَا حَدَثَ الْمَنَافِعُ فِي يَدِهِ كَمَا فِي اسْتِئْجَارِ الدُّورِ وَالْأَرَاضِيِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا لَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ بِمُقَابَلَةِ مِلْكِهِ مَعَ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ بِالْإِجْمَاعِ
وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْأُجْرَةَ عِنْدَنَا لَا تَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ بَلْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ وَهَذَا السُّؤَالُ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَزْعُمُ حُدُوثَ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ وَالْمُسْتَأْجِرُ يَعْتَقِدُ حُدُوثَهَا عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ فَافْتَرَقَا وَقَوْلُهُ بِالْإِتْلَافِ مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِالْمَنَافِعِ يَعْنِي وَكَذَا مَنَافِعُ الْغَصْبِ لَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا الْإِتْلَافُ قَبْلَ وُجُودِهَا أَوْ حَالَ وُجُودِهَا أَوْ بَعْدَ وُجُودِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ أَمَّا قَبْلَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّ إتْلَافَ الْمَعْدُومِ لَا يُمْكِنُ، أَمَّا حَالَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّ الْإِتْلَافَ إذَا طَرَأَ عَلَى الْمَوْجُودِ رَفَعَهُ، فَإِذَا قَارَبَهُ مَنَعَهُ، أَمَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّهَا تَنْعَدِمُ كَمَا وُجِدْت فَلَا يُتَصَوَّرُ إتْلَافُ الْمَعْدُومِ وَلِأَنَّا لَوْ ضَمَّنَّاهُ الْمَنَافِعَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِذَلِكَ وَلَا بِالدَّرَاهِمِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ لِلْآيَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَاعْتُرِضَ بِمَا إذَا أَتْلَفَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، فَإِنَّهُ
يَضْمَنُهُ بِالدَّرَاهِمِ وَهِيَ لَا تُمَاثِلُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ لَا يُقَالُ مَنَافِعُ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ عِنْدَكُمْ فِي الْوَقْفِ وَمَالُ الْيَتِيمِ وَمَا كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ جَارٍ فِيهِ قُلْنَا الْعِلَلُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَالْقَوْلُ بِضَمَانِ الْمَنَافِعِ فِيمَا ذَكَرَ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ
قَالَ رحمه الله (وَخَمْرَ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرَهُ بِالْإِتْلَافِ) أَيْ لَا يَضْمَنُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُتَقَوِّمَيْنِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُتَقَوِّمًا بِاعْتِبَارِ دِينِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ أَوْ يَتَعَيَّنُ بِنَفْسِهِ إلَى التَّقَوُّمِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ قَالَ رحمه الله (وَيَضْمَنُ لَوْ كَانَا لِذِمِّيٍّ) يَعْنِي يَضْمَنُ إذَا أَتْلَفَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا يَضْمَنُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«فَإِذَا قَبِلُوا عَقْدَ الْجِزْيَةِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ» وَلِأَنَّ حَقَّهُمْ لَا يَزِيدُ عَلَى حَقِّ الْمُسْلِمِ وَلَنَا أَنَّ أَمْرَنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَلِقَوْلِ عُمَرَ لَمَّا سَأَلَ عُمَّالَهُ مَاذَا يَصْنَعُ بِمَا يَمُرُّ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الْخُمُورِ فَقَالُوا نَعْشِرُهَا قَالَ لَا تَفْعَلُوا وَوَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا فَلَوْلَا أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ وَبَيْعُهَا جَائِزٌ لَهُمْ لَمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ فَكَانَ إجْمَاعًا.
وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ فِي الْعِنَايَةِ فَقَالَ لِمَ لَا نَتْرُكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ كَإِحْدَاثِ بَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ وَكَرُكُوبِ الْخَيْلِ وَحَمْلِ السِّلَاحِ، فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْهَا وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِ الرِّجْسِ يَتَنَاوَلُ الْمُسْلِمَ فَبَقِيَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْتَقِدُ تَقَوُّمَهُمَا وَبِخِلَافِ الرِّبَا، فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُقُودِهِمْ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ يَكُونُ لِلذِّمِّيِّ، فَإِنَّا نَقْتُلُهُ؛ لِأَنَّا مَا ضَمِنَّا لَهُمْ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ بِالدِّينِ وَبِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، فَإِذَا كَانَ الذَّابِحُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ السَّيْفِ وَالْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ فَيُمْكِنُ إلْزَامَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى مُتْلِفِهِ الضَّمَانُ، أَمَّا إذَا أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَمَلُّكِهِ وَتَمْلِيكِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ إذَا اسْتَهْلَكَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ فِي حَقِّهِ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ فَكَانَ بِإِسْلَامِهِ مُبَرَّأً عَمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْخَمْرِ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَا؛ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهِمَا إسْلَامُ الطَّالِبِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَسْلَمَ الطَّالِبُ بَعْدَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ الطَّارِئَ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ كَالْإِسْلَامِ الْمُقَارِنِ لِلسَّبَبِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ.
وَلِأَبِي يُوسُفَ إنْ قَبَضَ الْخَمْرَ الْمُسْتَحَقَّ فِي الذِّمَّةِ فَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ قِيمَتِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهَا وَصَارَ كَمَا لَوْ كَسَرَ قَلْبًا لِغَيْرِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْمَكْسُورُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْكَاسِرَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَضْمِينِ قِيمَتِهِ تَمْلِيكُ الْمَكْسُورِ وَذَلِكَ قَدْ فَاتَ وَدَلِيلُهُ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ أَتْلَفَ مَوْقُوذَةَ الْمَجُوسِيِّ مُسْلِمٌ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ لِمَا يَلْزَمُهُ فِي إتْلَافِ خِنْزِيرِ الذِّمِّيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ كَمَا لَوْ كَانَ شَاةً كَمَا فِي مَوْقُوذَةِ الْمَجُوسِيِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ الْخِنْزِيرُ فِي حَقِّهِمْ كَالشَّاةِ فِي حَقِّنَا وَالتَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْإِسْلَامِ فِي خَمْرِ الذِّمِّيِّ يَجْرِي كَذَلِكَ فِي خِنْزِيرِهِ وَقَدْ قَالَ الْفَقِيرُ هَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِدَ نَقْلًا ثُمَّ ظَفِرْت بِالنَّقْلِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ كَانَ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ لِذِمِّيٍّ يَجِبُ عَلَى مُتْلِفِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ الْمُتْلِفُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا غَيْرَ أَنَّ الْمُتْلِفَ إنْ كَانَ ذِمِّيًّا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْخَمْرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتْلِفُ مُسْلِمًا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَفِي الْخِنْزِيرِ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَوْ كَسَرَ بَيْضَةً أَوْ جَوْزَةً فَوَجَدَ دَاخِلَهَا فَاسِدًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ كَسَرَ دَرَاهِمَ إنْسَانٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَفْسَدَتَا لِيفَ حُصْرِ إنْسَانٍ.
فَإِنْ أَمْكَنَ إعَادَتُهُ كَمَا كَانَ أَمَرْنَاهُ بِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ غَصَبَ سُلَّمَ إنْسَانٍ وَفَرَّقَ سِيَاهَهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْإِعَادَةُ كَمَا كَانَ سَلَّمَ الْمَنْقُوضَ سِيَاهًا وَضَمِنَ قِيمَةَ الْحُصْرِ صَحِيحًا وَفِي آنِ الْعُيُونِ غَصَبَ مِنْ آخَرَ عَبْدًا قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ فَخَصَاهُ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفًا نَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ صَاحِبَ الْغُلَامِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ خِصَائِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْغُلَامَ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُقَوَّمُ الْغُلَامُ بِكَمْ يُشْتَرَى لِلْعَمَلِ قَبْلَ الْخِصَاءِ وَيُقَوَّمُ بَعْدَ الْخِصَاءِ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ وَهَذَا خِلَافُ مَا حَفِظْنَاهُ مِنْ مَشَايِخِنَا وَالْمَحْفُوظُ الْمُتَقَدِّمُ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ غَصَبَ خَمْرًا مِنْ مُسْلِمٍ فَخَلَّلَهُ أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدُبِغَ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُمَا وَرَدُّ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ) يَعْنِي يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ يَأْخُذُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ إذَا خَلَّلَهَا بِالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ وَمِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ وَبِالثَّانِي
إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ كَالْعَفْصِ وَالْقَرَظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّخْلِيلَ مُطَهِّرٌ لَهَا بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِفِعْلِهِ وَبِالدِّبَاغِ اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَلِهَذَا يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذُ الْجِلْدَ وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْجِلْدِ غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ مَا فَضَلَ بَيْنَهُمَا وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ وَالرَّهْنِ بِالدَّيْنِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ بِالْجُعْلِ وَأَطْلَقَ فِي التَّخْلِيلِ فَشَمِلَ مَا إذَا خَلَّلَهَا بِمَا لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا لَكِنْ قَالَ الْقُدُورِيُّ أَمَّا لَوْ أَلْقَى فِيهَا مِلْحًا أَوْ خَلَّلَ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَصِيرُ الْخَلُّ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إنْ أَلْقَى فِيهِ الْمِلْحَ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ وَدَفْعُ مَا زَادَ فِيهِ قَالُوا وَمَعْنَاهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَ وَزْنِ الْمِلْحِ مِنْ الْخَلِّ هَكَذَا ذَكَرُوا وَكَأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْمِلْحَ مَائِعًا، وَإِنْ أَلْقَى فِيهِ الْخَلَّ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ الْخَلَّ، وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَصَارَ عِنْدَهُ خَلًّا فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ إنْ كَانَ فِي حِينِهِ وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِينِهِ وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْعَصِيرِ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
وَعَنْ الثَّانِي لَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَصَارَ عِنْدَهُ خَمْرًا أَوْ لَبَنًا حَلِيبًا فَصَارَ عِنْدَهُ مَخِيطًا أَوْ عِنَبًا فَصَارَ زَبِيبًا فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَهُ وَسَلَّمَ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ فِي الدِّبَاغِ فَشَمِلَ مَا إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا لَكِنْ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدَبَغَهُ، فَإِنْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مَجَّانًا وَفِي الْكَافِي، فَإِنْ دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ لَهُ أَخْذُهُ وَإِعْطَاءُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ وَأَطْلَقَ فِي الْجِلْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَخَذَهُ مِنْ مَنْزِلِ صَاحِبِهِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الطَّرِيقِ بَعْدَمَا أَلْقَاهُ صَاحِبُهُ فِيهِ لَكِنْ قَالَ الْقُدُورِيُّ هَذَا إذَا أَخَذَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ أَمَّا إذَا أَلْقَى صَاحِبُهُ الْمَيْتَةَ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَذَهَا رَجُلٌ وَدَبَغَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الثَّانِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ، وَإِنْ أَلْقَاهُ صَاحِبُهُ فِي الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ الْمَدْبُوغُ جِلْدًا مُذَكًّى كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُنَا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَجِلْدِ الْمُذَكَّى شَيْءٌ ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فَالْجَوَابُ فِي الْمَيْتَةِ وَالْمُذَكَّاةِ وَاحِدٌ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَتْلَفَهُمَا ضَمِنَ الْخَلَّ فَقَطْ) يَعْنِي لَوْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُمَا إلَى صَاحِبِهِمَا ضَمِنَ الْخَلَّ وَلَا يَضْمَنُ الْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْجِلْدِ مَدْبُوغًا أَيْضًا وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ وَلِهَذَا يَأْخُذُهُ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَيَضْمَنُهُ لَهُ مَدْبُوغًا بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ مَالِيَّتَهُ وَتَقْوِيمَهُ حَاصِلٌ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ وَفِعْلُهُ مُتَقَوِّمٌ لِاسْتِعْمَالِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِيهِ وَلِذَا كَانَ لَهُ حَبْسُهُ وَالْجِلْدُ تَبَعٌ لِلْمِلْكِ وَمِلْكُهُ بَاقٍ فِيهِ ثُمَّ قِيلَ يَضْمَنُ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلُهُمَا يُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قُوِّمَ الْجِلْدُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدِّبَاغُ بِالدَّنَانِيرِ أَمَّا إذَا قَوَّمَهُمَا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالدَّنَانِيرِ فَيُطْرَحُ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَاقِي وَهُوَ قِيمَةُ جِلْدِ مُذَكًّى غَيْرِ مَدْبُوغٍ وَفِي الْكَافِي، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا وَلَوْ جَعَلَ الْجِلْدَ فَرْوًا أَوْ جِرَابًا أَوْ زِقًّا لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَإِنْ خَلَّلَهَا بِصَبِّ الْخَلِّ فِيهَا قِيلَ يَكُونُ لِلْغَاصِبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا بِمُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ خَلْطَ الْخَلِّ اسْتِهْلَاكٌ وَاسْتِهْلَاكُ الْخَمْرِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَعِنْدَهُمَا إنْ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ، وَإِنْ صَارَتْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ كَانَ الْخَلُّ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمَا كَيْلًا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَإِذَا غَصَبَ تُرَابًا أَوْ لَبِنَةً أَوْ جَعَلَهُ آنِيَةً، فَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فَهُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ إذَا طَحَنَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمَانِ وَفِي الْقُدُورِيِّ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ يَكُونُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ فِي الثَّمَنِ وَلَا يَكُونُ أَخَصَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الذَّخِيرَةِ اتَّخَذَ كُوزًا مِنْ طِينِ غَيْرِهِ كَانَ الْكُوزُ لَهُ، فَإِنْ قَالَ رَبُّ الطِّينِ أَنَا أَمَرْته بِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ رَجُلٌ هَشَمَ طَشْتًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ مِمَّا يُبَاعُ وَزْنًا فَرَبُّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ الطَّشْتَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَكَذَا كُلُّ مَصْنُوعٍ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَتْلَفَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ هَلَكَا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ الْإِجْمَاعُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي التَّقْوِيمِ فَائِدَةٌ عِنْدِي، فَإِنَّ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ بَعْدَ أَنْ يُطْرَحَ عَنْهُ قَدْرُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ قِيمَةُ جِلْدٍ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ بِعَيْنِهَا وَقَوْلُهُمْ لَمْ يَنْظُرْ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَذْبُوحٍ بِعَيْنِهَا وَإِلَى قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَمَا فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ وَالْمَآلُ وَاحِدٌ وَلِهَذَا لَوْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ يَضْمَنُهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ