الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْكَلْبِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأُلُوفُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَلُوفَةٍ، وَالْفَرْقُ الْأَوَّلُ يَتَأَتَّى فِي الْكُلِّ لِأَنَّ بَدَنَ كُلِّ ذِي نَابٍ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فَأَمْكَنَ تَعْلِيمُهُ بِالضَّرْبِ إلَى أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَتَأَتَّى فِي الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ فَإِنَّهُ مُتَوَحِّشٌ كَالْبَازِ ثُمَّ الْحُكْمُ فِيهِ وَفِي الْكَلْبِ سَوَاءٌ فَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلْبَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ الْكَلْبَ الْمَعْهُودَ بَلْ الْكَلْبُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَلِهَذَا اسْتَوَوْا فِيمَا يَقَعُ بِهِ التَّعْلِيمُ وَإِنَّمَا شَرَطَ تَرْكَ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُعْرَفُ بِتَكْرَارِ التَّجَارِبِ وَالِامْتِحَانِ هُوَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِذَلِكَ كَمَا فِي قِصَّةِ السَّيِّدِ مُوسَى وَكَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَكَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم «إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ التَّعْلِيمُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّمَ وَلَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تُعْرَفُ بِالنَّصِّ لَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا نَصَّ هُنَا فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى كَمَا هُوَ عَادَتُهُ ثُمَّ إذَا تَرَكَ الْأَكْلَ ثَلَاثًا لَا يَحِلُّ الْأَوَّلُ وَلَا الثَّانِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالثَّلَاثِ وَكَذَا الثَّالِثُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ وَقَبْلَهُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ.
[التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَمِنْ الْجَرْحِ فِي الصَّيْد]
قَالَ: رحمه الله (وَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَمِنْ الْجَرْحِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ أَعْضَائِهِ) أَمَّا التَّسْمِيَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فَإِذَا ذَكَرْتَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ وَجَرَحَ فَكُلْ» .
وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ " وَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ " فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ يَحْتَاجُ إلَى التَّسْمِيَةِ أَوْ لَا كَالسَّمَكِ، وَقَدْ شُرِطَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي حَتَّى لَوْ رَمَى إلَى السَّمَكِ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَأَصَابَ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَلَوْ قَالَ " فِي صَيْدِ الْبَرِّ " لَكَانَ أَوْلَى وَسَيَأْتِي عَنْ قَاضِي خان وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسَمِّي يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ فَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ إذَا كَانَا لَا يَعْقِلَانِ التَّسْمِيَةَ أَمَّا إذَا كَانَا يَعْقِلَانِهَا أَكَلَ، وَيُؤْكَلُ صَيْدُ الْأَخْرَسِ وَالْكِتَابِيِّ لِأَنَّ الْمِلَّةَ تَكْفِي عَنْ التَّلَفُّظِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَوْ سَمَّى النَّصْرَانِيُّ بِاسْمِ الْمَسِيحِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَالصَّابِئَةُ إنْ أَقَرُّوا بِكِتَابِيٍّ وَنَبِيٍّ يُؤْكَلُ صَيْدُهُمْ وَإِلَّا فَلَا وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ الِاكْتِفَاءُ بِالْجَرْحِ سَالِمًا أَوْ لَا لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنْ جَرَحَهُ وَلَمْ يُدْمِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يَحِلُّ وَقِيلَ يَحِلُّ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ صَغِيرَةً لَا يَحِلُّ إذَا لَمْ يَرْمِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً يَحِلُّ وَأَمَّا الْجَرْحُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْجَرْحِ فَمَنْ شَرَطَهُ فَقَدْ زَادَ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ نَسْخُ مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَكَذَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ وَثَعْلَبَةَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْإِلْزَامُ نَسَخَهُ بِالرَّأْيِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] وَهُوَ يُشِيرُ إلَى مَا قُلْنَا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إخْرَاجُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَهُوَ يَخْرُجُ بِالْجَرْحِ عَادَةً وَلَا يَخْتَلِفُ عَنْهُ إلَّا نَادِرًا فَأُقِيمَ الْجَرْحُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْرَحْهُ صَارَ مَوْقُوذَةً وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِالنَّصِّ وَمَا تُلِيَ مُطْلَقٌ، وَكَذَا مَا رُوِيَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحْمَلْ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْحَوَادِثُ أَوْ كَانَ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ وَالْحَادِثَةُ وَاحِدَةٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَمَّى حَالَةَ الْإِرْسَالِ فَقَتَلَ الْكُلَّ حَلَّتْ وَلَوْ قَتَلَ الْكُلَّ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَلَّ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ شَاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحِلَّ فِي بَابِ الصَّيْدِ يَحْصُلُ بِالْإِرْسَالِ فَتُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ وَقْتَ الْإِرْسَالِ وَالْإِرْسَالُ وُجِدَ وَقْتَ تَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَنَفَذَ، وَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ مَذْبُوحَةً بِفِعْلٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةٍ أُخْرَى وَلَوْ أَضْجَعَ شَاتَيْنِ وَذَبَحَهُمَا بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ حَلَّا.
قَالَ: رحمه الله (فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَا) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: يُؤْكَلُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ كَالْبَازِي لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ ثَعْلَبَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا فَقَالَ إنْ كَانَتْ لَك كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْكَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» وَفِعْلُ الْكَلْبِ إنَّمَا صَارَ ذَكَاةً لِعِلْمِهِ وَبِالْأَكْلِ لَا يَعُودُ جَاهِلًا فَصَارَ كَالْبَازِي وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَدِيٍّ وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَقَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام «إذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي
أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَأَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا أَرْسَلْتَهُ فَقَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمَرْوِيُّهُمَا غَرِيبٌ فَلَا يُعَارِضُ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُحَرَّمُ أَوْلَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَازِي وَالْكَلْبِ قَدْ بَيَّنَّاهُ.
وَلَوْ صَادَ الْكَلْبُ صُيُودًا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدٍ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ مِنْ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ عَلَامَةُ جَهْلِهِ وَلَا مِمَّا يَصِيدُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَمَّا الصُّيُودُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ قَبْلُ فَمَا أَكَلَ مِنْهُ لَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بَعْدَ تَثَبُّتِ الْحُرْمَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَمَا هُوَ مُحْرَزٌ فِي الْبَيْتِ يَحْرُمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ قَدْ تُنْسَى وَقَدْ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ الْجُوعُ فَيَأْكُلُ مَعَ عِلْمِهِ وَلِأَنَّ مَا أَحْرَزَهُ قَدْ أُمْضِيَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْرَزِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ لِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ فَيَحْرُمُ احْتِيَاطًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَكْلَهُ آيَةُ جَهْلِهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ لَا يُنْسَى أَصْلُهَا فَبِالْأَكْلِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَرْكَهُ الْأَكْلَ كَانَ بِسَبَبِ الشِّبَعِ لَا لِلتَّعَلُّمِ وَقَدْ تَبَدَّلَ الِاجْتِهَادُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ فَصَارَ كَتَبَدُّلِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ عِلْمَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا ظَاهِرًا فَبَقِيَ جَهْلُهُ مَوْهُومًا وَالْمَوْهُومُ فِي بَابِ الصَّيْدِ يُلْحَقُ بِالْمُتَحَقَّقِ احْتِيَاطًا مَا أَمْكَنَ وَالْإِمْكَانُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ جَمِيعًا دُونَ الْفَائِتِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّمَا تَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا أَمَّا إذَا تَطَاوَلَ الْعَهْدُ بِأَنْ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ، وَأَكْثَرُ وَصَاحِبُهُ قَدْ قَدَّرَ تِلْكَ الصُّيُودَ لَا تَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ يَتَحَقَّقُ النِّسْيَانُ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا فِي الْمَاضِي مِنْ الزَّمَانِ وَفِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ لَا يَتَحَقَّقُ النِّسْيَانُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا حِينَ اصْطِيَادِ تِلْكَ الصُّيُودِ فَتَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَلَوْ أَنَّ صَقْرًا فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَكَثَ حِينًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ فَأَرْسَلَهُ فَصَادَ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا صَارَ بِهِ مُعَلَّمًا فَيُحْكَمُ بِجَهْلِهِ كَالْكَلْبِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَبْقَى حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْكَلْبِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ، وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَلَوْ أَخَذَ الصَّائِدُ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ وَقَطَعَ لَهُ مِنْهُ قِطْعَةً وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَأَكْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا أَلْقَى إلَيْهِ صَاحِبُهُ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ وَهُوَ عَادَةُ الصَّيَّادِينَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَى إلَيْهِ طَعَامًا آخَرَ وَكَذَا إذَا خَطَفَ الْكَلْبُ مِنْهُ وَأَكَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ، إذْ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالشَّرْطُ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ.
وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ كَمَا إذَا افْتَرَسَ شَاةً بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهُ الْمَالِكُ لِبَقَاءِ جِهَةِ الصَّيْدِيَّةِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ فِيهِ وَلَوْ نَهَشَ الصَّيْدَ فَقَطَعَ مِنْهُ بَضْعَةً فَأَكَلَهَا ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ كَلْبٍ جَاهِلٍ حَيْثُ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ وَلَوْ أَلْقَى مَا نَهَشَهُ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حَتَّى أَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى تِلْكَ الْبَضْعَةِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ مِنْ نَفْسِ الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَضُرُّهُ فَإِذَا أَكَلَ مَا بَانَ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ فِي حَالَةِ الِاصْطِيَادِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ جَاهِلٌ مُمْسِكٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلِأَنَّ نَهْشَ الْبَضْعَةِ قَدْ يَكُونُ لِيَأْكُلَهَا وَقَدْ يَكُونُ حَالَةَ الِاصْطِيَادِ لِيُضْعِفَهُ بِالْقَطْعِ مِنْهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْهُ فَإِنْ أَكَلَهَا قَبْلَ الْأَخْذِ يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَفِي الْهِدَايَةِ لَوْ أَخَذَ الْمُرْسِلُ الصَّيْدَ وَوَثَبَ الْكَلْبُ عَلَى الصَّيْدِ فَأَخَذَ مِنْ الصَّيْدِ، وَأَكَلَ يُؤْكَلُ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ وَالشَّرْطُ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ مَا قَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ كَمَا خَرَجَ مِنْ الصَّيْدِيَّةِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ بِقَتْلِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ بِالْأَكْلِ حَتَّى أَخَذَهُ صَاحِبُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُمْسِكٌ عَلَى صَاحِبِهِ، وَانْتِهَاشُهُ مِنْهُ لَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ وَأَمَّا إذَا أَكَلَ بَعْدَ قَتْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ صَاحِبُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُمْسِكٌ عَلَى نَفْسِهِ فَدَلَّ عَلَى جَهْلِهِ فَلِهَذَا حَرُمَ وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ شَامِلَةٌ
لِلصُّورَتَيْنِ فِيمَا إذَا وُجِدَ افْتِرَاقُهُ فِي الْحُكْمِ وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ قَتَلَهُ فَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ وَثَبَ عَلَيْهِ فَأَنْهَشَ مِنْهُ قِطْعَةً أَوْ رَمَى صَاحِبُهُ بِهَا إلَيْهِ يُؤْكَلُ الصَّيْدُ وَلَوْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ صَاحِبُهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ اهـ.
ثُمَّ الْإِرْسَالُ عَلَى أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِرْسَالُ عَلَى صَيْدٍ وَلَوْ أَرْسَلَ عَلَى مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْأَهْلِ فَأَصَابَ صَيْدًا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ عَلَى مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ لَا يَكُونُ ذَكَاةً شَرْعًا وَلَوْ سَمِعَ حِسًّا وَظَنَّهُ صَيْدًا فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ فَأَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّ آدَمِيٍّ أَوْ مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَكَذَا لَوْ سَمِعَ حِسًّا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ ظَنَّهُ حِسَّ صَيْدٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ أَوْ مَأْكُولٍ فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ تَعْيِينَ الصَّيْدِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْإِرْسَالِ وَلَوْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ تَعْيِينَ الصَّيْدِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَفِي الْمُنْتَقَى وَلَوْ رَمَى ظَبْيًا أَوْ طَيْرًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ وَذَهَبَ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُتَوَحِّشٌ أَوْ مُسْتَأْنِسٌ أُكِلَ الصَّيْدُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّيْدِ التَّوَحُّشُ فَتَمَسَّكُوا بِالْأَصْلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ ظَنَّ حِينَ رَآهُ أَنَّهُ صَيْدٌ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ يَحِلُّ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عِنْدَنَا صَيْدٌ بِحُكْمِ الْأَصْلِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَيْدٍ وَلَوْ رَمَى إلَى بَعِيرٍ نَادٍّ أَوْ غَيْرِ نَادٍّ لَمْ يُؤْكَلْ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ نَادٍّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَعِيرِ الْأُلْفَةُ وَالِاسْتِئْنَاسُ وَلَوْ رَمَى إلَى ظَبْيٍ مَرْبُوطٍ وَظَنَّ أَنَّهُ صَيْدٌ فَأَصَابَ ظَبْيًا آخَرَ لَمْ يُؤْكَلْ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ مُوثَقٍ فِي يَدِهِ فَصَادَفَ غَيْرَهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَلَوْ أَرْسَلَ فَهْدًا عَلَى فِيلٍ، وَأَصَابَ ظَبْيًا لَمْ يُؤْكَلْ وَلَوْ رَمَى سَمَكًا أَوْ جَرَادًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ لَا تَقَعُ عَلَيْهِ الذَّكَاةُ وَفِي رِوَايَةٍ يُؤْكَلُ لِأَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ صَيْدٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ فَوْرُ الْإِرْسَالِ بَاقِيًا كَمَا سَيَأْتِي وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِرْسَالِ أَنْ لَا يُوجَدَ بَعْدَ الْإِرْسَالِ بَوْلٌ وَلَا أَكْلٌ فَإِنْ وُجِدَ وَطَالَ قَطَعَ الْإِرْسَالَ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَفِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ حَبَسَ الْكَلْبَ عَلَى صَدْرِ الصَّيْدِ طَوِيلًا ثُمَّ أَمَرَ بِهِ آخَرَ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ فَوْرُ الْإِرْسَالِ، وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَأَخَذَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ يَحِلُّ أَكْلُهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَلْحَقَهُ الْمُرْسِلُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الْكَلْبِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ)«لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَدِيٍّ إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، وَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحِلُّ، وَالْبَازُ وَالسَّهْمُ فِي هَذَا كَالْكَلْبِ وَفِي الْمُحِيطِ فَإِذَا أَدْرَكَهُ حَيًّا لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِالذَّبْحِ قَدَرَ عَلَى الذَّكَاةِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ لِفَقْدِ الْآلَةِ وَضِيقِ الْوَقْتِ بِأَنْ كَانَ فِي آخِرِ الرَّمَقِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّمَكُّنِ كَمَا ذَكَرْنَا يَحِلُّ وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَوْ أَدْرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ أَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَبْحُهُ بَعْدَ أَخْذِهِ أُكِلَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَمْ تَثْبُتْ عَلَى الذَّبْحِ، وَالتَّمَكُّنَ مِنْ الذَّبْحِ لَمْ يُوجَدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
قَالَ: رحمه الله (وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ أَوْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ أَوْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَمْدًا حَرُمَ) أَمَّا إذَا لَمْ يُذَكِّهِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ حَيًّا صَارَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الِاخْتِيَارِ لِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى فَبِتَرْكِهِ يَصِيرُ مَيْتَةً وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرُ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ بِأَنْ يَقُدَّ بَطْنَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُضْطَرِبًا اضْطِرَابَ الْمَذْبُوحِ فَحَلَالٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ لَا يُعْتَبَرُ فَكَانَ مَيِّتًا حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ كَمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلذَّكَاةِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ هَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا ذَكَّاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الْخَفِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى حَلَّتْ الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَنَحْوُهَا بِالذَّكَاةِ إذَا كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ وَإِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَحِلُّ إلَّا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهَا بَيِّنَةً وَذَلِكَ بِأَنْ تَبْقَى فَوْقَ مَا يَبْقَى الْمَذْبُوحُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ تَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ مِثْلُهَا فَيَكُونُ مَوْتُهَا مُضَافًا إلَى الذَّكَاةِ، وَالسَّهْمُ مِثْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ