الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ الْمُطْلَقِ وَانْتِفَاءُ الْمُقَيَّدِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمُطْلَقِ كَمَا لَا يَخْفَى فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرَ أَنْ يَكُونَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْوَطْءِ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا تَحَقُّقُ الْمُقَيَّدِ فَيَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ الْمُطْلَقِ فِي ضِمْنِهِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْوَطْءُ الْمُقَيَّدُ بَعْدَ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَكَّبَ بَعْدَ الْمُفْرَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُطْلَقِ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ، وَأَيْضًا لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ " فَلِهَذَا عَنَوْا بِهِ الْوَطْءَ " لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمَسِّ إذَا كَانَ نَهْيًا عَنْ الْوَطْءِ وَكَانَ الْعُنْوَانُ بِالْمَسِّ عُنْوَانًا بِالْوَطْءِ أَيْضًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْنُوا الْفَصْلَ السَّابِقَ بِالْوَطْءِ اسْتِقْلَالًا كَمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْوَطْءِ اسْتِقْلَالًا ثُمَّ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَطْءِ الْمُطْلَقِ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَزْلِ الْمَذْكُورَ قُبَيْلَ فَصْلِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّ الْعَزْلَ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ فَإِذَا قَرُبَ الْإِنْزَالُ فَيُنْزِلُ خَارِجَ الْفَرْجِ، وَإِنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَطْءِ الْمُقَيَّدِ هَهُنَا مَا قُيِّدَ بِزَمَانِ الْوَطْءِ فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ مُقَيَّدٌ بِالزَّمَانِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَفِي الْعَزْلِ مُطْلَقٌ عَنْهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْوَطْءِ الْمَذْكُورِ فِي عُنْوَانِ الْفَصْلِ السَّابِقِ أَيْضًا مَا فِي ضِمْنِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي صَدْرِ ذَلِكَ الْفَصْلِ
[فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ]
(فُرُوعٌ) تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ: رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ لَا تُصَلِّي يُطَلِّقُهَا حَتَّى لَا يَصْحَبَ امْرَأَةً لَا تُصَلِّي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُعْطِي مَهْرَهَا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الْكَبِيرُ صَاحِبُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: لَأَنْ أَلْقَى اللَّهَ - وَمَهْرُهَا فِي عُنُقِي - أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ امْرَأَةً لَا تُصَلِّي.
غَمْزُ الْأَعْضَاءِ فِي الْحَمَّامِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مَكْرُوهٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ أَنَّهُ يُبَاحُ ذَلِكَ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَدُونَ الرُّكْبَةِ وَيُبَاحُ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَغْسِلَ الْخَادِمُ لِحْيَتَهُ لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةَ صَاحِبِ اللِّحْيَةِ وَلَا يَغْمِزُ رِجْلَهُ لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةً بِالْخَادِمِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ الْإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْمِزَ الرَّجُلُ إلَى السَّارِقِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَغْمِزَ الْفَخْذَ وَيَمَسَّهُ مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْمِزَ الرَّجُلُ رِجْلَ وَالِدَيْهِ، وَلَا يَغْمِزُ فَخْذَ وَالِدَيْهِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْمِزَ الْأَجْنَبِيَّةَ الرَّجُلُ فَوْقَ الثِّيَابِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَوْفُ الْفِتْنَةِ وَفِي التَّتِمَّةِ وَسُئِلَ الْخُجَنْدِيُّ عَمَّنْ لَهُ أُمٌّ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْمِزَ بَطْنَهَا وَظَهْرَهَا مِنْ وَرَاءَ الثِّيَابِ قَالَ إنْ أَمْسَكَهُ يَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ كَالْخَمْرِ يُمْسِكُهُ الْمُسْلِمُ لِلْمُسْلِمِ لَا يُكْرَهُ، وَإِنْ أَمْسَكَ يَعْتَقِدُ الْإِبَاحَةَ كَمَا لَوْ أَمْسَكَ لِلْكَافِرِ يُكْرَهُ.
سُئِلَ أَنَسُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ قَوْمٍ أَرَادُوا الْخُرُوجَ عَلَى سُلْطَانِهِمْ لِجَوْرِهِ هَلْ يَحِلُّ لَهُمْ ذَلِكَ فَأَجَابَ وَقَالَ: إنْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا - وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ - يَسَعُهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَسَعُهُمْ ذَلِكَ وَسُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَهُوَ أَفْضَلُ لِلْفَقِيهِ أَمْ دِرَاسَةُ الْفِقْهِ قَالَ: حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ قَالَ النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَفِي النَّوَازِلِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ قَالَ طَلَبُ الْأَحَادِيثِ حِرْفَةُ الْمَفَالِيسِ يَعْنِي بِهِ إذَا طَلَبَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَطْلُبْ فِقْهًا وَفِي النَّسَفِيَّةِ اجْتَمَعَ قَوْمٌ يَوْمًا مِنْ الْأَتْرَاكِ وَالْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِي مَوْضِعِ الْفَسَادِ فَنَهَاهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَلَمْ يَنْزَجِرُوا فَاسْتَدْعَى الْمُحْتَسِبَ وَقَوْمًا مِنْ بَابِ السَّيِّدِ الْإِمَامِ الْأَجَلِّ لِيَعْرِفُوهُمْ وَلِيُرِيقُوا خُمُورَهُمْ فَذَهَبُوا مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَظَفِرُوا بِبَعْضِ الْخُمُورِ فَأَرَاقُوهَا وَجَعَلُوا الْمِلْحَ فِي بَعْضِ الدِّنَانِ لِلتَّخَلُّلِ فَأُخْبِرَ الشَّيْخُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَا تَدَعُوا وَاكْسِرُوا الدِّنَانَ كُلَّهَا، وَأَرِيقُوا مَا بَقِيَ وَإِنْ جَعَلُوا الْمِلْحَ فِيهَا قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَنْ أَرَاقَ خُمُورَ الْمُسْلِمِينَ وَكَسَرَ دِنَانَهُمْ وَشَقَّ زِقَاقَهُمْ إذَا ظَهَرَ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ اشْتَرَوْا دَارًا وَبُسْتَانًا مِنْ دُورِ الْمُسْلِمِينَ فِي مِصْرَ وَاتَّخَذُوهَا مَقْبَرَةً هَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا فَيَفْعَلُونَ مَا شَاءُوا كَالْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ لَوْ رَفَعَ بِنَاءً فَمَنَعَ جَارَهُ الشَّمْسَ أَوْ الرِّيحَ أَوْ نَقَبَ جِدَارَهُ أَوْ فَتَحَ أَبْوَابًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ لَحِقَ جَارَهُ نَوْعُ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ إلَّا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَسُئِلَ عَنْ دَارَيْنِ لِرَجُلَيْنِ؛ سَطْحُ أَحَدِهِمَا أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ وَمَسِيلُ مَاءِ الْعُلْيَا عَلَى الْأُخْرَى فَأَرَادَ صَاحِبُ سَطْحِ السُّفْلَى أَنْ يَرْفَعَ سَطْحَهُ أَوْ يَبْنِيَ عَلَى سَطْحِهِ عُلُوًّا هَلْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ وَفِي التَّتِمَّةِ سَأَلْت أَبَا حَامِدٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ ضَيْعَةٌ أَرْضُهَا مُرْتَفِعَةٌ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسُدَّ النَّهْرَ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ بِغَيْرِ رِضَا الْأَسَافِلِ حَتَّى يَسْقِيَهَا قَالَ نَعَمْ.
وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَبْنِي عَلَى حَائِطِ نَفْسِهِ بِنَاءً أَزْيَدَ مِمَّا كَانَ هَلْ لِجَارِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ قَالَ لَا وَإِنْ بَلَغَ عَنَانَ السَّمَاءِ وَسُئِلَ أَبُو الْفَضْلِ عَمَّنْ يَأْخُذُ خَرَاجَ الْقَرْيَةِ عَنْ حَفْرِ النَّهْرِ الْعَظِيمِ فَيَحْفِرُونَهُ بِأَمْسِحَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ الْخَرَاجِ إلَى الْحَفْرِ وَهُنَاكَ مِنْ الْأَقْوِيَاءِ
مَنْ لَا يَحْفِرُ وَلَا يَبْعَثُ أَحَدًا هَلْ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: يُمْنَعُ مِنْ الْمَاءِ.
الِاسْتِبْرَاءُ لُغَةً طَلَبُ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْفُرُوجِ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَفِي الشَّرْعِ طَلَبُ بَرَاءَةِ رَحِمِ الْمَرْأَةِ الْمَمْلُوكَةِ.
وَصِفَتُهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ مِلْكُ الْأَمَةِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَهُوَ يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ اهـ.
قَالَ: رحمه الله (مَنْ مَلَكَ أَمَةً حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَلَمْسُهَا وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ بِسَبَبِ إحْدَاثِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ - عَنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَالِاشْتِبَاهِ -، وَالْوَلَدِ عَنْ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ هَالِكٌ لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ وَمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَالْإِصْلَاحِ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ انْعِلَاقَ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ مِنْ مَاءَيْنِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ يَقُولُ: حُكْمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ الِاخْتِلَاطُ حَقِيقَةً وَاَلَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ هُنَا الِاخْتِلَاطُ حُكْمًا وَهُوَ أَنْ يَبِينَ الْوَلَدُ: مَنْ أَيِّ مَاءٍ هُوَ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمَاءِ الْمُحْتَرَمِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ الْمُحْتَرَمِ كَذَلِكَ كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ وَتَعْبِيرُ الْمُؤَلِّفِ بِمِلْكٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِالشِّرَاءِ لِعُمُومِ الْمِلْكِ، وَالشِّرَاءُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَقُولُ: فِي إطْلَاقِ قَوْلِهِ " مَلَكَ " نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ جَارِيَةً وَهُوَ زَوْجُهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ أَوْ كَانَتْ تَحْتَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ وَلَكِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ أَنْ اسْتَبْرَأَهَا وَقَبَضَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُخْرِجَ هَذِهِ الصُّورَةَ وَلَمَّا كَانَ السَّبَبُ إحْدَاثَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ الْمُؤَكَّدِ بِالْيَدِ نَفَذَ الْحُكْمُ إلَى سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ مِنْ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ، وَمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا.
وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ وَإِدَارَةِ الْحُكْمِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا لِحَقَائِقِهَا وَلَا يَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا فِي أَثْنَائِهَا وَلَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بِالْوِلَادَةِ الَّتِي وَلَدَتْهَا بَعْدَ الْأَسْبَابِ قَبْلَ الْقَبْضِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا لَا يَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا صَحِيحًا وَتَجِبُ إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ وَيَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ بِأَنْ كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهَذَا اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ أَوْ رُدَّتْ الْمَغْصُوبَةُ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةُ أَوْ فُكَّتْ الْمَرْهُونَةُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ وَفِي الْأَكْمَلِ هُنَا إذَا أَبَقَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَإِنْ أَبَقَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى مَوْلَاهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا وَلَوْ أَقَالَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ.
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا بِالْوُجُوبِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ بَعْدَمَا حَاضَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ اعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَبْطَلَ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَطَأْ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَلَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ وَإِذَا حَرُمَ الْوَطْءُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ حَرُمَ الدَّوَاعِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْوَطْءِ أَوْ يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاسْتُشْكِلَ حَيْثُ تَعَدَّى الْحُكْمُ مِنْ الْأَصْلِ - وَهِيَ الْمَسَّةُ - إلَى الْفَرْعِ وَهُوَ غَيْرُهَا حَتَّى حَرُمَتْ الدَّوَاعِي فِي الْمَسَّةِ دُونَهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ اقْتِضَاءِ الدَّلِيلِ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ وَهُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْمُشْتَرَاةِ دُونَ غَيْرِهَا وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ وَفِي الِاسْتِبْرَاءِ فِي