الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي وَجْهٍ لَا تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ ثُمَّ فَعَلَ كُلَّ وَجْهٍ بِالثَّلَاثَةِ.
وَدَلِيلُهُ كَمَا فَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ حَيْثُ قَالَ: وَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ أَحَدُهَا مَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّانِي مَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّالِثُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ فِيهِ إذَا لَمْ يَجِبْ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَ وَلَا يَكُونُ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ وَلَا يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى التَّرِكَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّرِكَةَ لَوْ هَلَكَتْ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَأَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا يُمْكِنُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ الْفَرِيقَانِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ الْمَتْرُوكَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِ التَّرِكَةِ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ وَيُعْطِيَهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَلَوْ قَبَضَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ شَيْئًا كَانَ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فَكَانَ كُلُّ فَرِيقٍ مُثْبِتًا لِنَفْسِهِ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّرِكَةِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ لِخَرَابِ الذِّمَّةِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَارِثِ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا إذَا كَانَ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ فَشَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ لِلْآخَرِ تُلَاقِي مَحَلًّا اشْتَرَكَا فِيهِ فَصَارَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ فَلَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ لِبَقَائِهَا فِي الْمَالِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُمَا إذَا جَاءَ مَعًا كَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَتَتَفَاحَشُ التُّهْمَةُ فَتُرَدُّ.
بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ مَضَى وَثَبَتَ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَلَا تُهْمَةَ، وَالثَّانِي لَا يُزَاحِمُهُ الْأَوَّلُ عِنْدَ صُدُورِهِ فَصَارَ كَالْأَوَّلِ، وَالْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ فِيهَا شَهَادَةُ الْفَرِيقَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ التَّرِكَةَ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِعَيْنٍ كَالْعَبْدِ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُثْبِتَةٌ لِلشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِعَيْنٍ أُخْرَى حَيْثُ تُقْبَلُ الشَّهَادَتَانِ؛ لِأَنَّ لَا شَرِكَةَ فَلَا تُهْمَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْخُنْثَى]
وَهُوَ عَلَى وَزْنِ فُعْلَى بِالضَّمِّ مِنْ التَّخَنُّثِ وَهُوَ اللِّينُ، وَالتَّكَسُّرُ، وَمِنْهُ الْمُخَنَّثُ وَتَخَنَّثَ فِي كَلَامِهِ وَسُمِّيَ خُنْثَى؛ لِأَنَّهُ يَتَكَسَّرُ وَيَنْقُصُ حَالُهُ عَنْ حَالِ الرَّجُلِ وَجَمْعُهُ خَنَاثَى، وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ النِّسَاءِ، وَالرِّجَالِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ فَقَدَّمَ ذِكْرَ الْأَوَّلِ لِمَا أَنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَعَمُّ، وَالْأَغْلَبُ وَهَذَا كَالنَّادِرِ فِيهِ اهـ.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ لَيْسَ بِمَخْصُوصٍ بِمَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ بَلْ يَعُمُّ مَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَنْ لَهُ آلَتَانِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَارَّةَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مَثَلًا جَارِيَةٌ بِأَسْرِهَا فِي حَقِّ الْخُنْثَى أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي أَحْكَامِ سَائِرِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ كُلِّهَا أَوْ جُلِّهَا فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْهِدَايَةِ لِكِتَابِ الْخُنْثَى فَصْلَيْنِ، وَوَضَعَ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ لِبَيَانِهِ، وَالْفَصْلَ الثَّانِيَ لِأَحْكَامِهِ حَيْثُ قَالَ: فَصْلٌ فِي بَيَانِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ فَهُوَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إنَّمَا شَرَعَ حَقِيقَةً فِي بَيَانِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ لَا فِي بَيَانِ أَحْكَامِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَحْكَامَهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ بَيَانَ نَفْسِهِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ شَرَعَ فِي أَحْكَامِهِ أَيْضًا بِتَأْوِيلِ مَا فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ الشُّرُوعِ بِالثَّانِي فِي قَوْلِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ.
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ مَنْ غَلَبَ وُجُودُهُ ذَكَرَ أَحْكَامَ مَنْ هُوَ نَادِرُ الْوُجُودِ. اهـ.
وَإِنَّمَا قَالَ الْمُشْكِلُ، وَلَمْ يَقُلْ الْمُشْكِلَةُ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يُعْلَمْ تَذْكِيرُهُ وَلَا تَأْنِيثُهُ الْأَصْلُ فِيهِ التَّذْكِيرُ قَالَ رحمه الله (هُوَ مَنْ لَهُ فَرْجٌ وَذَكَرٌ) يَعْنِي الْخُنْثَى مَنْ لَهُ فَرْجُ الْمَرْأَةِ وَذَكَرُ الرَّجُلِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْآلَتَيْنِ قَالَ الْبَقَّالِيُّ أَوْ لَا يَكُونُ فَرْجٌ وَلَا ذَكَرٌ وَيَخْرُجُ بَوْلُهُ مِنْ ثَقْبٍ فِي الْمَخْرَجِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ فَيَخْلُقُ ذَكَرًا فَقَطْ أَوْ أُنْثَى فَقَطْ أَوْ خُنْثَى.
قَالَ رحمه الله: (فَإِنْ بَال مِنْ الذَّكَرِ فَغُلَامٌ وَإِنْ بَالَ مِنْ الْفَرْجِ فَأُنْثَى) ؛ لِأَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام سُئِلَ كَيْفَ يُورَثُ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» .
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِثْلُهُ، وَرُوِيَ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ رُفِعَ عَلَيْهِ
هَذِهِ الْوَاقِعَةُ فَجَعَلَ يَقُولُ هُوَ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ فَاسْتُبْعِدَ قَوْلُهُ ذَلِكَ فَتَحَيَّرَ وَدَخَلَ فَجَعَلَ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَا يَأْخُذُهُ النَّوْمُ لِتَحَيُّرِهِ وَكَانَتْ لَهُ بِنْتٌ تَغْمِزُ رِجْلَهُ فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَكَرِهِ فَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ: دَعْ الْمُحَالَ وَأَتْبِعِ الْحُكْمَ الْمَبَالَ فَخَرَجَ إلَى قَوْمِهِ فَحَكَى لَهُمْ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنُوا فَعَرَفَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ وَلِأَنَّ الْبَوْلَ مِنْ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ، وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَقَعُ بِهِ الْفَصْلُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ تِلْكَ الْآلَةِ خُرُوجُ الْبَوْلِ، وَذَلِكَ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ أُمِّهِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ يَحْدُثُ بَعْدَهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا) فَالْحُكْمُ لِلْأَسْبَقِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ وَلِأَنَّهُ كَمَا خَرَجَ الْبَوْلُ حُكِمَ بِمُوجِبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ تَامَّةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ مِنْ الْآلَةِ الْأُخْرَى قَالَ رحمه الله (فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ فِي السَّبَقِ (فَمُشْكَلٌ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ قَالَ رحمه الله:(وَلَا عِبْرَةَ بِالْكَثْرَةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ وَلِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ فَيَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ وَلَهُ أَنَّ كَثْرَةَ مَا يَخْرُجُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الْآلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِاتِّسَاعِ الْمَخْرَجِ وَضِيقِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ وَلِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ دَلِيلٌ بِنَفْسِهِ فَالْكَثْرَةُ لَا يَقَعُ بِهَا التَّرْجِيحُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ كَالشَّاهِدَيْنِ، وَالْأَرْبَعَةِ.
وَقَدْ اسْتَقْبَحَ أَبُو حَنِيفَةَ اعْتِبَارَ ذَلِكَ فَقَالَ: هَلْ رَأَيْت قَاضِيًا يَكِيلُ الْبَوْلَ بِالْأَوَاقِيِ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ بَلَغَ وَخَرَجَتْ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ وَصَلَ إلَى النِّسَاءِ فَرَجُلٌ وَكَذَا إذَا احْتَلَمَ مِنْ الذَّكَرِ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَةِ الذَّكَرِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ فَامْرَأَةٌ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ أَوْ تَعَارَضَتْ فَمُشْكَلٌ) لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ التَّرْجِيحَ، وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَعُدُّ أَضْلَاعَهُ فَإِنَّ أَضْلَاعَ الرَّجُلِ تَزِيدُ عَنْ أَضْلَاعِ الْمَرْأَةِ بِوَاحِدَةٍ.
قَالَ رحمه الله (فَيَقِفُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ وَلَوْ وَقَفَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يُحَاذِيهِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ وَلَا النِّسَاءَ وَإِنْ وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَإِنْ كَانَ بَالِغًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ، وَالْأَصْلُ فِي أَحْكَامِهِ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْأَحْوَطِ فَالْأَحْوَطِ وَيُعِيدُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَاَلَّذِي خَلْفَهُ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَلَوْ كَانَ بَالِغًا حُرًّا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً.
وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا بِجُلُوسِهِ جُلُوسَ الرِّجَالِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعِبَادَاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ يُرِيدُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ إلَّا اسْتِحْسَانًا تَخَلُّقًا وَاعْتِبَارًا، وَفِي الْهِدَايَةِ: صَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعِ امْرَأَةٍ أَنْ يُعِيدَ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ هَذَا إذَا كَانَ الْخُنْثَى مُرَاهِقًا غَيْرَ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَإِنْ بَلَغَ بِالسِّنِّ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَلَامَاتِ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ لَا تُجْزِيْهِ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ قِنَاعٍ إذَا كَانَ الْخُنْثَى حُرًّا، وَفِي السِّغْنَاقِيِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَصَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعِ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ وَهَذَا بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ هَكَذَا لَفْظُ الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ أَنَّ طَرِيقَ الِاحْتِيَاطِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْوُجُوبُ.
قَالَ وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ كَجُلُوسِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ أَحْرَمَ هَذَا الْخُنْثَى، وَقَدْ رَاهَقَ وَلَمْ يَبْلُغْ وَلَمْ يَسْتَبِنْ أَنَّهُ امْرَأَةٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا عِلْمَ لِي بِلِبَاسِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ كَانَ أَحْوَطَ لِجَوَازِ أَنَّهَا أُنْثَى فَلَا يَحِلُّ لَهَا كَشْفُ الْعَوْرَةِ، قَالَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْبِسَ الْحُلِيَّ وَأَرَادَ بِهِ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ إذَا لَمْ يَظْهَرْ بِهِ عَلَامَاتٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى كَوْنِهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ أَيْضًا قَالَ: وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْكَشِفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ أَوْ قُدَّامَ النِّسَاءِ وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ قَدْ رَاهَقَ فَإِنْ قُلْتَ.
وَهَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهِ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ يَخْلُوَ هُوَ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهَا قُلْت نَعَمْ إذَا خَلَا بِالْخُنْثَى رَجُلٌ مَحْرَمٌ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ الْخُنْثَى إذَا خَلَا بِامْرَأَةٍ هُوَ مَحْرَمٌ مِنْهَا وَلَا يُسَافِرُ الْخُنْثَى بِامْرَأَةٍ هِيَ غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَافِرَ الْخُنْثَى مَعَ مَحْرَمٍ مِنْ الرِّجَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا وَلَا يَخْتِنُهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ تَخْتِنَهُ وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يُشْتَهَى أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ صَبِيَّةً فَلَا بَأْسَ لِلنِّسَاءِ أَنْ تَخْتِنَهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُرَاهِقَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُشْتَهَى، وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُرَاهِقَةٍ وَهِيَ تُشْتَهَى أَوْ لَا.
فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتِ حَيْثُ قُلْتُمْ إذَا
مَاتَ الْخُنْثَى يُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ وَلَا يُغَسِّلُهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَمْ تَقُولُوا أَنَّهُ يُشْتَرَى لَهُ جَارِيَةٌ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ أَبِيهِ أَوْ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَمَّ مَالٌ ثُمَّ يَبِيعُهَا الْإِمَامُ بَعْدَمَا غَسَّلَتْهُ وَيُرَدُّ ثَمَنُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ قُلْنَا شِرَاءُ الْجَارِيَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْخُنْثَى لِتَغْسِلَهُ لَا تُفِيدُ إبَاحَةَ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا الْخُنْثَى وَلَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ لِحَاجَةِ الْغُسْلِ فَأَمَّا مَا دَامَ حَيًّا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَيَمْلِكُ الْجَارِيَةَ الَّتِي اُشْتُرِيَتْ لَهُ وَإِذَا مَلَكَ الْجَارِيَةَ الَّتِي اُشْتُرِيَتْ لَهُ كَانَ شِرَاءُ الْجَارِيَةِ يُفِيدُ إبَاحَةَ الْخِتَانِ.
قَالَ رحمه الله (وَتُبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ تَخْتِنُهُ) يَعْنِي بِمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَمْلُوكِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ ذَكَرًا وَلِلضَّرُورَةِ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ رَجُلٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ امْرَأَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ، وَالْأَصْلُ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ هَذَا الْخُنْثَى امْرَأَةً قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ زَوْجَةً فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ لَا يَفْسُدُ وَلَا يَبْطُلُ وَلَا يَتَوَارَثَانِ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُ الْخُنْثَى؛ لِأَنَّ التَّوَارُثَ حُكْمُ النِّكَاحِ النَّافِذِ لَا حُكْمُ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ.
فَإِنْ زَوَّجَهُ الْأَبُ امْرَأَةً وَبَلَغَ وَظَهَرَ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ وَنَحْوُهُ حُكِمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً كَمَا يُؤَجَّلُ غَيْرُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى امْرَأَتِهِ وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ تَزَوَّجَ خُنْثَى مِثْلَهُ فَالنِّكَاحُ يَكُونُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَسْتَبِينَ حَالُهُمَا فَإِنْ تَبَيَّنَ حَالُهُمَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَاتَا قَبْلَ أَنْ يَزُولَ الْإِشْكَالُ لَمْ يَتَوَارَثَا وَإِنْ مَاتَا وَتَرَكَا أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ هُوَ الزَّوْجُ وَأَنَّ الْآخَرَ هُوَ الزَّوْجَةُ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ هَذَا الْخُنْثَى بِشَهْوَةٍ لَيْسَ لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَحَارِمِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرَهُ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ تُبَاعُ) ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أُعِدَّ لِنَوَائِب الْمُسْلِمِينَ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ تَعَذُّرًا لِلْحَاجَةِ، وَهِيَ حَاجَةُ الْخِتَانِ فَإِذَا خَتَنَتْهُ تُبَاعُ وَيُرَدُّ ثَمَنُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا زَوَّجَ امْرَأَةً فَخَتَنَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا صَحَّ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَنَظَرُ الْجِنْسِ أَخَفُّ ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَتَحْصُلُ الْفُرْقَةُ ثُمَّ تَعْتَدُّ إنْ خَلَا بِهَا احْتِيَاطًا وَلَوْ حَلَفَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ بِأَنْ قَالَ: إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ فَوَلَدَتْ خُنْثَى لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَسْتَبِينَ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى لَمْ يَثْبُتْ بِالشَّكِّ، وَلَوْ قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ أَوْ قَالَ كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ وَلَهُ مَمْلُوكٌ خُنْثَى لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ قَالَ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا عَتَقَ لِلتَّيَقُّنِ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا.
وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى: أَنَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُشْكِلًا؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ: إنْ قَالَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ أَنَا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَمِينٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ كَمَا إذَا قَالَتْ الْمُعْتَدَّةُ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ قَوْلِهَا بِأَنْ قَالَتْ فِي مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ.
وَلَا يَحْضُرُ الْخُنْثَى غَسْلَ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَجَّى قَبْرُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى أُقِيمَ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا لَا يَضُرُّهُ التَّسْجِيَةُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وُضِعَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالْخُنْثَى خَلْفَهُ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى وَيُؤَخَّرُ عَنْ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَلَوْ دُفِنَ مَعَ رَجُلٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِلْعُذْرِ جُعِلَ خَلْفَ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزًا مِنْ صَعِيدٍ لِيَكُونَ فِي حُكْمِ الْقَبْرَيْنِ وَكَذَا الرَّجُلَانِ إذَا دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَإِنْ دُفِنَ مَعَ امْرَأَةٍ قُدِّمَ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَيَدْخُلُ قَبْرُهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخُنْثَى مِنْ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ وَلَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ وَلَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةِ وَلَا لِبَيَانِ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِيهِ وَلَا لِبَيَانِ شَهَادَتِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَذَفَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ قَذَفَ الْخُنْثَى رَجُلًا فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ أَمَّا إذَا كَانَ الْقَاذِفُ هُوَ الْخُنْثَى فَلِأَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَاذِفُ رَجُلًا آخَرَ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغَ مِنْ أَحَدِ شَرَائِطِ إحْصَانِ الْقَذْفِ كَالْإِسْلَامِ وَإِنْ قَذَفَ الْخُنْثَى بَعْدَ بُلُوغِهِ بِالسِّنِّ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ عَلَامَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُدَّ حَدَّ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ وَلَوْ قَذَفَ الْخُنْثَى رَجُلًا بَعْدَ ظُهُورِ عَلَامَةِ الرِّجَالِ أَوْ قَذَفَهُ رَجُلٌ فَهُمَا سَوَاءٌ فَيَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى وَإِنْ صَارَ مُحْصَنًا بِالْبُلُوغِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْأُنُوثَةِ
أَوْ الذُّكُورَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا رَجُلًا وَأَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّتْقَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجَامَعُ كَالرَّتْقَاءِ.
وَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا مَجْبُوبًا أَوْ امْرَأَةً رَتْقَاءَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى هُوَ الْقَاذِفُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ مَجْبُوبٌ بَالِغٌ أَوْ رَتْقَاءُ بَالِغَةٌ، وَالْمَجْبُوبُ الْبَالِغُ، وَالرَّتْقَاءُ الْبَالِغَةُ إذَا قَذَفَ إنْسَانًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ سَرَقَ بَعْدَمَا أَدْرَكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ سُرِقَ مِنْهُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً يُقْطَعُ السَّارِقُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَلَوْ قَطَعَ يَدَ هَذَا الْخُنْثَى قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ أَوْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاطِعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَاطِعُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَتَلَ الْخُنْثَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ.
وَإِنْ قَطَعَ هَذَا الْخُنْثَى يَدَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ أَرْشُ ذَلِكَ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ وَإِنْ شَهِدَ مَغْنَمًا يُرْضَخُ لَهُ وَلَا يُسْهِمُ وَإِنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ أَوْ بَعْدَمَا أَدْرَكَ لَا يُقْتَلُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمَّا قَبْلُ فَإِنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ وَرِدَّةُ الصَّبِيِّ لَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ رِدَّةُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَالصَّبِيَّةِ الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ عَلَى الرِّدَّةِ عِنْدَهُمَا وَبَعْدَ الْبُلُوغِ تَصِحُّ رِدَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ رَجُلًا حَلَّ قَتْلُهُ وَلَا يَحِلُّ إنْ كَانَ امْرَأَةً فَلَا يَحِلُّ بِالشَّكِّ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُوضَعُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ حَتَّى يُدْرِكَ وَيَسْتَبِينَ أَمْرُهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَامَةِ.
وَلَوْ كَانَ الْخُنْثَى أَبُوهُ حَيًّا فَقَالَ هُوَ غُلَامٌ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هِيَ جَارِيَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُشْكِلُ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلُ الْحَالِ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ قَتَلَ الْخُنْثَى خَطَأً قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ قَالَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْقَاتِلِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى إنْ كَانَتْ الدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ قَالُوا لَا نَدْرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ أُنْثَى وَوَرَثَةُ الْخُنْثَى ادَّعَوْا أَنَّهُ ذَكَرٌ.
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَالْعَاقِلَةِ زِيَادَةَ خَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالْقَاتِلُ، وَالْعَاقِلَةُ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ فَيُقْضَى عَلَيْهِمْ بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ وَيَتَوَقَّفُ الْعَقْلُ إلَى أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ذَكَرًا وَخُنْثَى وَزَوْجَةً فَمَاتَ الْخُنْثَى بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَادَّعَتْ أُمُّ الْخُنْثَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَأَنَّهُ كَانَ وَرِثَ مِنْ أَبِيهِ نِصْفَ الْمَالِ بَعْدَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَامْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى فَوَرِثَتْ ثُلُثَ ذَلِكَ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى مَاتَ وَتَرَكَ أُمًّا وَأَخًا تَرِثُ الْأُمُّ ثُلُثَ ذَلِكَ النِّصْفِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَيِّتِ وَهُوَ أَخُو الْخُنْثَى لَا بَلْ كَانَتْ الْخُنْثَى جَارِيَةً وَوَرِثَتْ الثُّلُثَ مِنْ الْمَيِّتِ بَعْدَ الثُّمُنِ ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثَتْ أَنْتِ ثُلُثَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَخِي الْخُنْثَى إلَّا أَنَّ الْأَخَ يَسْتَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ ذَكَرًا وَإِذَا أَقَامَتْ الْأُمُّ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ وَلَا يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ يَرِثُ مِنْ أَبِيهِ مِيرَاثَ النِّصْفِ بَعْدَ الثُّمُنِ ثُمَّ تَرِثُ الْأُمُّ ثُلُثَ ذَلِكَ النِّصْفِ مِنْ الْخُنْثَى، وَإِنْ أَقَامَ أَخُو الْخُنْثَى الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ وَلَا يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ وَأَنَّهَا وَرِثَتْ الثُّلُثَ مِنْ الْأَبِ بَعْدَ الثُّمُنِ فَلِأُمِّ الْخُنْثَى ذَلِكَ الثُّلُثُ.
وَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَا الْخُنْثَى كَانَ زَوَّجَهَا مِنْهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَطَلَبَ مِيرَاثَهَا وَصَدَّقَهُ الِابْنُ أَوْ كَذَّبَهُ وَلَمْ تُقِمْ الْأُمُّ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَ الْخُنْثَى عَلَى مَا ادَّعَتْ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَوَرِثَ مِنْ الْخُنْثَى مِيرَاثَ الزَّوْجِ وَوَرِثَ أُمَّ الْخُنْثَى، وَأَخُو الْخُنْثَى مِنْ الصَّدَاقِ الَّذِي يَبْقَى عَلَى الزَّوْجِ وَمَا تَرَكَ الْخُنْثَى وَإِنْ أَقَامَ الْأَخُ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَتْ أَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ وَلَا يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ إنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ أُنْثَى وَتَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ وَلَا تَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْأَخِ أَوْلَى بِالرَّدِّ وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ الَّذِي مَاتَ صَغِيرًا وَتَرَكَ مَالًا أَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهَا إيَّاهُ فِي حَيَاتِهِ وَمَهَرَهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّهُ كَانَ غُلَامًا يَبُولُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الْغُلَامُ وَلَمْ يَكُنْ يَبُولُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ النِّسَاءُ وَكَذَّبَهَا الْأَخُ ابْنُ الْمَيِّتِ قَالَ: اُصْدُقْ الْمَرْأَةَ وَاجْعَلْهُ غُلَامًا وَاجْعَلْ صَدَاقَهَا فِي مِيرَاثِهِ مِنْ مِيرَاثِ الْغُلَامِ.
فَإِنْ أَقَامَ الْأَخُ ابْنُ الْمَيِّتِ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ كَانَ جَارِيَةً يَبُولُ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْجَارِيَةُ قَالَ لَا أَقْبَلُ بَيِّنَتَهُمَا عَلَى ذَلِكَ فَأَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ وَهَذَا إذَا جَاءَا مَعًا فَأَمَّا إذَا أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهَا لِتَرْجِيحِ الْأُولَى بِالْقَضَاءِ فَإِنَّ وَقَّتَ أَحَدٌ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا قَبْلَ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَقْضِي بِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ ذَكَرَ أَنَّهُمَا يَبْطُلَانِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَدَّعِي الصَّدَاقَ وَمَتَى لَمْ تَدَّعِ فَإِنَّهَا تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَإِنْ كَانَ هَذَا الصَّبِيُّ حَيًّا لَمْ يَمُتْ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا.
قَالَ هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ وَلَا أَقْضِي بِشَيْءٍ مِنْهُ بِلَا
تَوَقُّفٍ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَبِينَ حَالُهُ مَتَى أَدْرَكَ وَلَيْسَ حَالَةُ الْحَيَاةِ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْخُنْثَى حِينَ مَاتَ بَعْدَ أَبِيهِ وَهُوَ مُرَاهِقٌ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهُ إيَّاهَا عَلَى هَذَا الْوَقْفِ بِأَلْفٍ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ النِّسَاءُ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَةُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ جَاءَتْ الْبَيِّنَاتُ مَعًا أَوْ جَاءَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَإِنْ جَاءَتَا مَعًا فَلَا يَخْلُو أَمَّا إنْ لَمْ يُوَقِّتَا أَوْ وَقَّتَا وَقْتًا وَوَقْتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ كَانَ وَقْتُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقَ فَإِنْ لَمْ يُوَقِّتَا أَوْ وَقَّتَا وَوَقْتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَاتُ جَمِيعًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَدَّعِ الزَّوْجُ نِصْفَ الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنَّمَا ادَّعَى النِّكَاحَ عَلَى الْخُنْثَى لَا غَيْرَ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا ذَكَرَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُثْبِتَةَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ أَوْلَى وَإِنْ وَقَّتَا وَقْتًا وَوَقْتُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَالسَّابِقُ أَوْلَى فَإِنْ جَاءَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى إنْ جَاءَتْ الْأُخْرَى قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْأُولَى فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا لَوْ جَاءَتَا مَعًا فَأَمَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْأُولَى ثُمَّ جَاءَتْ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ الْأُخْرَى بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاءَتَا مَعًا وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا فَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.
وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهَا إيَّاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِرِضَاهَا وَأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ قَالَ أَجَزْت بَيِّنَتَهُ وَأَجْعَلُهَا امْرَأَتَهُ وَأَجْعَلُ الْوَلَدَ ابْنَهَا، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ هَذَا الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ بِرِضًا مِنْهُ وَأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا وَأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِكَوْنِ الْخُنْثَى رَجُلًا وَأَلْزَمَهُ الْوَلَدُ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الدَّعْوَتَانِ جَمِيعًا وَجَاءَتْ الْبَيِّنَاتُ مَعًا وَلَمْ يُوَقِّتَا أَوْ وَقَّتَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِنَّهَا تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَاتُ جَمِيعًا وَجَاءَتْ الْبَيِّنَاتُ مَعًا فَإِنْ قَامَتْ إحْدَى هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ جَاءَتْ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لَا أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ الثَّانِيَةَ.
وَإِنْ كَانَ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادَّعَى رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهُ إيَّاهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى بِرِضَاهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ أَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْمُسْلِمِ وَأَجْعَلُهَا امْرَأَتَهُ وَأُبْطِلُ بَيِّنَةَ الْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَيِّنَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَيَقْضِي لِلرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ الدَّعْوَى فِي الْمَالِ فَادَّعَى الْمُسْلِمُ مَالًا فِي يَدِ ذِمِّيٍّ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ كِتَابِيَّيْنِ وَأَنَّهُ يَقْضِي بِالْمَالِ بَيْنَهُمَا وَلَا تُرَجَّحُ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ بِالْإِسْلَامِ.
وَلَوْ مَاتَ أَبُو الْخُنْثَى ثُمَّ مَاتَ هَذَا الْخُنْثَى فَادَّعَتْ أُمُّهُ مِيرَاثَ غُلَامٍ وَأَقَرَّ الْوَصِيُّ بِذَلِكَ وَجَحَدَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَقَالُوا هِيَ جَارِيَةٌ قَالَ إذَا جَاءَتْ الدَّعْوَى فِي الْأَمْوَالِ لَمْ يُصَدَّقْ وَعَلَى الْأُمِّ عَلَى مَا ادَّعَى وَإِنْ كَانَ هَذَا الْخُنْثَى حَيًّا لَمْ يَمُتْ فَقَالَ أَنَا غُلَامٌ وَطَلَبَ مِيرَاثَ غُلَامٍ مِنْ أَبِيهِ، وَصَدَّقَهُ الْوَصِيُّ فِي ذَلِكَ وَأَنْكَرَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ ذَلِكَ وَقَالُوا هِيَ جَارِيَةٌ قَالَ لَا أُعْطِيهِ مِيرَاثَ غُلَامٍ وَلَا أُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ كَانَ وُصِيُّهُ أَخُوهُ زَوَّجَهُ امْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى وَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِيرَاثَهَا، وَقَالَ الْوَصِيُّ هُوَ غُلَامٌ وَقَدْ جَازَ النِّكَاحُ وَرِثَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُ، وَقَالَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ: هِيَ جَارِيَةٌ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةُ الَّذِينَ أَنْكَرُوا مِيرَاثَ الْغُلَامِ فِي حَقِّهِمْ وَيَلْزَمُ الْوَصِيُّ الْمُقِرُّ مِيرَاثَ غُلَامٍ فِي نَصِيبِهِ وَتَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْخُنْثَى مِيرَاثَ الْخُنْثَى مِنْ الْمُقِرِّ.
وَإِنْ كَانَ لَهُ أَخٌ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ جَارِيَةٌ وَزَوَّجَهَا رَجُلًا ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى، وَقَدْ رَاهَقَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ وَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى قَبْلَ أَنْ يُعْرَفَ حَالُهُ فَإِنَّ النِّكَاحُ جَائِزٌ عَلَى الْأَخِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْوَصِيُّ وَلَا يَجُوزُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَالنِّكَاحُ الثَّانِي الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ الثَّانِي الَّذِي لَيْسَ بِوَصِيٍّ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ وَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَيُّ النِّكَاحَيْنِ أَوَّلُ قَالَ أُبْطِلُ هَذَا كُلُّهُ وَلَا أُوَرِّثُ شَيْئًا مِنْهُمَا وَإِنْ عَرَفْت الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهَا امْرَأَةٌ وَزَوَّجَهَا رَجُلًا أَنَّهَا أَوَّلُ قَالَ: أُلْزِمُهُ مِيرَاثَ الْأَخِ فِي نَصِيبِهِ وَلَا أُلْزِمُ غَيْرَهُ وَأُبْطِلُ النِّكَاحَ خُنْثَى مُشْكِلٌ مُرَاهِقٌ وَخُنْثَى مِثْلُهُ مُشْكِلٌ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا رَجُلٌ، وَالْآخَرَ امْرَأَةٌ إذَا مَاتَ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ هُوَ الزَّوْجُ وَأَنَّ الْآخَرَ هُوَ الزَّوْجَةُ قَالَ لَا أَقْضِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ جَاءَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ قَبْلَ الْأُخْرَى وَقَضَى بِهَا ثُمَّ جَاءَتْ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ أُبْطِلُ الْبَيِّنَةَ الْأُخْرَى وَقَضَاءُ الْأَوَّلِ مَاضٍ عَلَى حَالِهِ بِشَهَادَةِ لِلْخُنْثَى حَتَّى يُدْرِكَ وَبَعْدَمَا أَدْرَكَ إذَا لَمْ يَسْتَبِنْ أَمْرُهُ يُوقَفُ أَمْرُهُ فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُعْطِي لَهُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَتُوقَفُ الْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ أَوْ يَمُوتُ قَبْلَ التَّبَيُّنِ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَكَرَ دُفِعَتْ الزِّيَادَةُ إلَيْهِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَارِيَةٌ دُفِعَتْ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: يُعْطِي لَهُ نِصْفَ وَصِيَّةِ الْغُلَامِ خَمْسَمِائَةٍ وَنِصْفَ
وَصِيَّةُ الْجَارِيَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَيُعْطَى لَهُ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ وَيُوقَفُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَكَرٌ يُعْطِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أُنْثَى يُؤْخَذُ مِنْهُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ.
قَالَ رحمه الله (وَلَهُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ) يَعْنِي لَوْ مَاتَ أَبُوهُ كَانَ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ نَصِيبِ الذَّكَرِ وَمِنْ نَصِيبِ الْأُنْثَى فَإِنَّهُ يَنْظُرُ نَصِيبَهُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَعَلَى أَنَّهُ أُنْثَى فَيُعْطِي الْأَقَلَّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ مَحْرُومًا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِثَالُهُ: أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَحَدُهُمَا خُنْثَى مُشْكِلٌ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِلْأَخِ الثُّلُثَانِ، وَلِلْخُنْثَى الثُّلُثُ فَيُقَدَّرُ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَلَوْ قُدِّرَ ذَكَرًا كَانَ لَهُ النِّصْفُ.
وَلَوْ تَرَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجًا، وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي وَلِلْخُنْثَى مَا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسُ عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ، وَلَوْ قُدِّرَ أُنْثَى كَانَ لَهُ النِّصْفُ وَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ تَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ.
وَلَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأَخَوَيْنِ مِنْ أُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هُوَ خُنْثَى كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ وَلَا شَيْءَ لِلْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَلَمْ يَفْضُلْ لَهُ شَيْءٌ وَلَوْ قُدِّرَ أُنْثَى كَانَ لَهُ النِّصْفُ فَعَالَتْ الْمَسْأَلَةُ إلَى تِسْعَةٍ.
وَلَوْ تَرَكَ الرَّجُلُ وَلَدَ أَخٍ هُوَ الْخُنْثَى وَعَمًّا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ كَانَ الْمَالُ لِلْعَمِّ وَيُقَدَّرُ الْخُنْثَى أُنْثَى؛ لِأَنَّ بِنْتَ الْأَخِ لَا تَرِثُ وَلَوْ قُدِّرَ ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ لَهُ دُونَ الْعَمِّ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمِّ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لِلْخُنْثَى نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَالتَّوْزِيعُ عَلَى أَحْوَالٍ عِنْدَ الْجَهْلِ طَرِيقٌ مَعْهُودَةٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ، وَالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ إذَا تَعَذَّرَ الْبَيَانُ فِيهِ بِمَوْتِ الْمَوْقِعِ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَلَنَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي وُجُوبِ الْمَالِ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرَ الْمِيرَاثِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَهُوَ الْإِنْشَاءُ السَّابِقُ وَمَحَلِّيَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ، وَالْمُعْتَقَيْنِ بِحُكْمِ ذَلِكَ السَّبَبِ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِالشَّكِّ.
قَالَ رحمه الله (فَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَ ابْنًا لَهُ سَهْمَانِ وَلِلْخُنْثَى سَهْمٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ وَهُوَ مُتَيَقَّنٌ فَيَسْتَحِقُّهُ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّعْبِيِّ نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى وَاخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ أَرْبَعَةٍ لِلذَّكَرِ وَثَلَاثَةٍ لِلْخُنْثَى اُعْتُبِرَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالَةَ انْفِرَادِهِ فَإِنَّ الذَّكَرَ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ كَانَ كُلُّ الْمَالِ لَهُ، وَالْخُنْثَى إنْ كَانَ ذَكَرًا كَانَ لَهُ كُلُّ الْمَالِ وَإِذَا كَانَ أُنْثَى كَانَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ النَّصِيبَيْنِ نِصْفَ الْكُلِّ وَنِصْفَ النِّصْفِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَلِلِابْنِ كُلُّ الْمَالِ فَيَجْعَلُ كُلَّ رُبْعٍ سَهْمًا فَبَلَغَ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَلَيْسَ لِلْمَالِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَأَرْبَعَةُ أَرْبَاعٍ فَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ اعْتِبَارًا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا سَبْعَةٍ لِلِابْنِ أَيْضًا وَخَمْسَةٍ لِلْخُنْثَى وَيُعْتَبَرُ هُوَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ فَيَقُولُ لَوْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ كَانَ أُنْثَى كَانَ أَثْلَاثًا فَالْقِسْمَةُ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ مِنْ اثْنَيْنِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَيُضْرَبُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ سِتَّةً لِلْخُنْثَى عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى سَهْمَانِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ ثَلَاثَةٌ فَلَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ وَلَيْسَ لِلثَّلَاثَةِ نِصْفٌ صَحِيحٌ فَيُضْرَبُ السِّتَّةُ فِي اثْنَيْنِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ لِلْخُنْثَى سِتَّةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ وَلَه أَرْبَعَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى فَيَأْخُذُ نِصْفَ النَّصِيبَيْنِ خَمْسَةً؛ لِأَنَّ نِصْفَ السِّتَّةِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفَ الْأَرْبَعَةِ اثْنَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ يَأْخُذُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةً؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْخُنْثَى ذَكَرٌ سِتَّةٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى ثَمَانِيَةٌ فَنِصْفُ النَّصِيبَيْنِ سَبْعَةٌ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا بِنْتٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تِسْعَةٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْبِنْتِ النِّصْفُ حَالَةَ انْفِرَادِهَا وَلِلِابْنِ الْكُلُّ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ حَالَ انْفِرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُجْعَلُ كُلُّ رُبْعٍ سَهْمًا تَبْلُغُ تِسْعَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ خُمُسٌ وَثُمُنٌ؛ لِأَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ كَانَ لَهُ خُمُسَانِ فَلَهُ نِصْفٌ وَهُوَ الْخُمُسُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى كَانَ لَهُ رُبُعٌ فَلَهُ نِصْفُهُ وَهُوَ الثُّمُنُ فَمَخْرَجُ الْخُمُسِ مِنْ خَمْسَةٍ وَمَخْرَجُ الثُّمُنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَتُضْرَبُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ أَرْبَعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ لِلْخُنْثَى خُمُسُهَا ثَمَانِيَةٌ وَثُمُنُهَا خَمْسَةٌ فَاجْتَمَعَ لَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَالْبِنْتُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ خُمُسَانِ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى رُبُعٌ وَهُوَ عَشْرَةٌ فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالِابْنُ خُمُسَانِ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ وَنِصْفٌ عَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ فَلَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الْمَسَائِلُ وَلَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ