الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْغَاصِبِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ وَلَهُ الْخَمْرُ لَا غَيْرُ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِالْخَمْرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْخِنْزِيرِ فَنَقُولُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِنْزِيرٍ مُعَيَّنٍ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ، بَلْ لَهُ الْخِنْزِيرُ الْمُعَيَّنُ وَالْمُسْلِمُ لَا يُمْنَعُ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ الذِّمِّيُّ خِنْزِيرًا فَأَسْلَمَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ فَلَوْ كَانَ الْخِنْزِيرُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا يَنْتَقِلُ إلَى قِيمَةِ نَفْسِ الْمُكَاتَبِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ قِيمَةُ الْقِيَمِيِّ تَقُومُ مَقَامَ عَيْنِهِ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا قَالَ رحمه الله (وَعَتَقَ بِقَبْضِهَا) يَعْنِي يُعْتَقُ بِقَبْضِ قِيمَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَسَلَامَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِأَحَدِهِمَا تُوجِبُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ لِلْآخَرِ، وَإِذَا أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ أَيْضًا لِتَضَمُّنِ الْكِتَابَةِ تَعَلُّقًا بِأَدَاءِ الْخَمْرِ كَمَا إذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْكَافِي هَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَالْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ الشِّيرَازِيِّ وَنَجْمُ الدِّينِ الْأَفْطَسِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالنَّيْسَابُورِيّ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ والتمرتاشي.
وَلَوْ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يُعْتَقُ، وَلَوْ أَدَّى الْقِيمَةَ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْتَقَلَتْ إلَى الْقِيمَةِ وَلَمْ يَبْقَ الْخَمْرُ بَدَلًا فِي هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا عَلَى الْخَمْرِ ابْتِدَاءً وَبَقِيَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلَى قِيمَتِهِ صَحِيحًا عَلَى حَالِهِ فَخَرَجَ الْخَمْرُ عَنْ كَوْنِهِ بَدَلًا فِيهِ ضَرُورَةٌ وَبِأَدَاءِ غَيْرِ الْبَدَلِ لَا يُعْتَقُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُسْلِمِ حَيْثُ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ الْمَشْرُوطِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَيَضْمَنُ لِمَوْلَاهُ قِيمَةَ نَفْسِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فَرْقٌ آخَرُ وَفَرَّقَ فِي النِّهَايَةِ بِفَرْقٍ ثَالِثٍ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى الْخَمْرِ ابْتِدَاءً حَيْثُ يُعْتَقُ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا كَاتَبَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يُعْتَقُ مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الِابْتِدَاءِ تَأَكَّدَ انْعِقَادُهُ عَلَى الْخَمْرِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي عَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْخَمْرِ انْعَقَدَتْ مَعَ الْفَسَادِ فَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ الْمَشْرُوطِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالْكِتَابَةُ انْعَقَدَتْ صَحِيحَةً عَلَى تَقْدِيرِ إذَا بَدَّلَ يَصِحُّ أَدَاؤُهُ وَقَامَتْ الْقِيمَةُ مَقَامَ الْحُجَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ حَتَّى تُعْتَقَ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ إلَى هَذَا أَشَارَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَمَا لَا يَجُوزُ]
الظَّاهِرُ أَنَّ اكْتِفَاءَ الْمُصَنِّفِ فِي عِنْوَانِ هَذَا الْبَابِ بِمَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ لِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرًا مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ وَمَا لَا يَجُوزُ فَإِنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ يَنْبَنِي عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ اهـ.
قَالَ رحمه الله (لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّيِّدِ مِنْ الْعَقْدِ الْوُصُولُ إلَى بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَمَقْصُودَ الْعَبْدِ بِهِ الْوُصُولُ إلَى الْحُرِّيَّةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَقَدْ لَا يَتَّفِقَانِ فِي الْحَضَرِ فَاحْتَاجَ إلَى السَّفَرِ وَيَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ يَفْعَلُونَهُ إظْهَارًا لِلْمُسَامَحَةِ وَاسْتِجْلَابًا لِقُلُوبِ النَّاسِ، وَقَدْ يُحَابِي فِي صَفْقَةٍ لِيَرْبَحَ فِي أُخْرَى وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَلَوْ زَادَ فِي الثَّمَنِ أَوْ حَطَّ بِسَبَبِ عَيْبٍ جَازَ، وَلَوْ حَطَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ لَا يَجُوزُ وَشِرَاءُ الْمُكَاتَبِ وَبَيْعُهُ مِنْ مَوْلَاهُ جَائِزٌ، وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَا رِبْحَ فِيهِ جَازَ وَلَا يَبِيعُ الْمَوْلَى مَا اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ مُرَابَحَةً مَا لَمْ يُبَيِّنْ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ عَتَقَ فَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ جَازَتْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ بَاعَ مِنْ مُكَاتَبِهِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا صَرِيحُ الرِّبَا وَالْمُكَاتَبَ فِي كَسْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبَ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ أَوْ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ. اهـ.
وَلَا يُقَالُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ دُونَ مِلْكِهِ فَيَكُونُ تَكْرَارًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ عَلِمْت هُنَاكَ وَإِنْ رَهَنَ أَوْ ارْتَهَنَ أَوْ أَجَّرَ أَوْ اسْتَأْجَرَ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ ضِمْنًا لَا تَصْرِيحًا وَمَا عُلِمَ ضِمْنًا لَا يَكُونُ مُكَرَّرًا فَتَأَمَّلْهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ زَنَى الْمُكَاتَبُ أَوْ سَرَقَ مِنْهُ يَجِبُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ يُخَاطَبُ اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ) إنْ هَذِهِ وَصْلِيَّةٌ، وَهَذَا الْكَلَامُ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ يَعْنِي لَهُ أَنْ يُسَافِرَ وَإِنْ شَرَطَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ الْبَلَدَ كَمَا لَوْ خَصَّ لَهُ نَوْعًا مِنْ التَّصَرُّفِ دُونَ غَيْرِهِ
كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ مُخَالِفَةٌ لِمَا اقْتَضَى عَقْدُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا فَكُّ حَجْرِ الْيَدِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْدَادِ وَالِاخْتِصَاصِ بِنَفْسِهِ وَمَنَافِعِ نَفْسِهِ وَاكْتِسَابِهِ وَأَنْ لَا يَتَحَكَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَيُحَصِّلَ الْمَالَ بِأَيِّ وَجْهٍ شَاءَ فَكَانَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ بَاطِلَةً وَالسَّفَرُ مَظِنَّةَ تَحْصِيلِ الْمَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] .
وَالْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا إذَا كَانَ دَاخِلًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَدَلِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ خِدْمَتَهُ أَوْ مُكَاتَبَتَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَمُبَادَلَةَ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِالشُّرُوطِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَمَا هُنَا قَالَ فِي الْعَتَّابِيَّةِ وَالتَّمَكُّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ هُوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَاَلَّذِي لَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ هُوَ الَّذِي لَيْسَ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا فِيمَا يُقَابِلُهُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا فِيمَا يُقَابِلُهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مُقَابَلَةَ فَكِّ الْحَجْرِ وَحُرْمَةَ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ تَخْصِيصٌ لِلْفَكِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَتَأَمَّلْ أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ تَخْصِيصًا لِلْفَكِّ وَالْحُرِّيَّةِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ دَاخِلًا فِيهَا فَإِنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ أَخَصَّ مِنْهُ كَمَا إذَا عَرَّفْنَا الْإِنْسَانَ بِالْحَيَوَانِ الضَّاحِكِ فَتَأَمَّلْ اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَتَزْوِيجُ أَمَتِهِ) يَعْنِي لِلْمُكَاتِبِ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ فَيَمْلِكُهُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ اكْتِسَابٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى بَاقٍ فِيهَا فَمَنَعَهَا مِنْ الِاسْتِبْدَادِ بِنَفْسِهَا وَفِيهِ تَعَيُّبُهَا وَرُبَّمَا يَعْجَزُ فَيَبْقَى هَذَا الْعَيْبُ فَيَكُونُ عَلَى الْمَوْلَى ضَرَرٌ وَلَيْسَ مَقْصُودَهَا بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا الْمَالُ وَإِنَّمَا هُوَ التَّحْصِينُ وَالْإِعْفَافُ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ أَمَتِهَا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كَسْبُ الْمَالِ فَيَجُوزُ لَهَا كَمَا يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَالتَّزْوِيجُ لَيْسَ مِنْهَا فَلَا يَمْلِكُونَهُ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ اكْتِسَابُ الْمَهْرِ وَدَفْعُ النَّفَقَةِ كَمَا فِي تَزْوِيجِ الْمُكَاتِبِ أَمَةَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا مُرَكَّبَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَتَأَمَّلْ.
قَيَّدَ بِالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَ نَفْسَهُ وَوَلَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَا فِيهِ اكْتِسَابُ مَالٍ، بَلْ فِيهِ شَغْلُ رَقَبَتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَفِي الْمُحِيطِ زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً فَأَعْتَقَ فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُوجِبُ فَكَّ الْحَجْرِ فِي الِاكْتِسَابِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَفَلَ مَالًا، ثُمَّ أَعْتَقَ نَفَذَتْ كَفَالَتُهُ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ فَعَتَقَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِعَبْدٍ فَأَعْتَقَ فَأَجَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهَا وَإِنَّمَا يُمْنَعُ ظُهُورُهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَسَقَطَ حَقُّ الْغَيْرِ بِالْعِتْقِ فَظَهَرَ النَّفَاذُ مُطْلَقًا وَلَا تَجُوزُ هِبَةُ الْمُكَاتَبِ وَصَدَقَتُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَكَفَالَتُهُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ أَعْتَقَ تُرَدُّ لَهُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً، وَلَوْ دَفَعَ مُضَارَبَةً أَوْ أَخَذَ مَالًا مُضَارَبَةً جَازَ وَيَجُوزُ لَهُ شَرِكَةُ الْعَنَانِ لَا الْمُفَاوَضَةِ وَيَجُوزُ إقْرَارُ الْمُكَاتَبِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَالِاسْتِيفَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلتُّجَّارِ مِنْهُ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ عَلَى وَلَدِهِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ بِجِنَايَةٍ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ وَتَرَكَ مَالًا كَانَ ذَلِكَ لِأَبِيهِ وَأُخِّرَ إقْرَارُهُ وَصَارَ هُوَ الْخَصْمُ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْمُقَرُّ لَهُ فِي حَقِّهِ بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى وَلَدِهِ بِدَيْنٍ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ اكْتَسَبَ الْوَلَدُ مَالًا وَأَخَذَهُ الْأَب نَفَذَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ مُكَاتَبٌ أَوْ مَأْذُونٌ فِي يَدِهِ أَمَةٌ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ أَوْ مُكَاتَبَتُهُ فَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ فِيهِ جَازَ وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ دَفَعَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْوَدِيعَةِ لِغَيْرِهِ يَصِحُّ اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ) يَعْنِي يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ فَيَمْلِكُهَا كَمَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ، وَقَدْ يَكُونُ الْكِتَابَةُ أَنْفَعَ مِنْ الْبَيْعِ إذْ الْبَيْعُ يُزِيلُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَالْكِتَابَةُ لَا تُزِيلُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْبَدَلِ فَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ فَأَوْلَى أَنْ تَجُوزَ الْكِتَابَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْعِتْقِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ عَلَى مَالٍ قُلْنَا إنَّمَا مَلَكَهُ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ عَلَى مَالٍ وَتَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ مَقْصُودَةٌ وَفِي الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ مَجْهُولُ النَّسَبِ اشْتَرَى عَبْدًا فَكَاتَبَهُ فَاشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَمَةً فَكَاتَبَهَا، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَوْلَى الْأَعْلَى الْمَجْهُولُ النَّسَبِ أَنَّهُ عَبْدٌ لِلْمُكَاتَبِ
فَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عَلَى حَالِهَا لِلْمُكَاتَبِ الْأَعْلَى وَالْمُكَاتَبُ الْأَعْلَى مُكَاتَبٌ لِلْمُكَاتَبِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ لَمْ تَثْبُتْ بِدَلِيلٍ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ فَبَقِيَ حُرًّا فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مُكَاتَبًا لِلْحُرِّ لَا لِعَبْدِ مُكَاتَبِهِ، وَهَذَا كَمَجْهُولَةِ النَّسَبِ إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهَا وَيُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ الْأَعْلَى بَدَلَ الْكِتَابَةِ إلَى الْمُكَاتَبِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ مَجْهُولَ النَّسَبِ لَمَّا أَقَرَّ بِالرِّقِّ لَهَا صَارَ هُوَ وَجَمِيعُ أَكْسَابِهِ مَمْلُوكًا لَهَا وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مِنْ جُمْلَةِ أَكْسَابِهِ وَمَتَى صَارَ مَجْهُولُ النَّسَبِ عَبْدًا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ لَا يَبْرَأُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِالْأَدَاءِ إلَى الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُكَاتَبَةُ تُؤَدِّي مُكَاتَبَتِهَا إلَى الْمُكَاتَبِ الْأَعْلَى.
ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَا مُتَعَاقِبًا أَوْ مَعًا فَإِنْ أَدَّيَا مُتَعَاقِبًا فَأَيُّهُمَا أَدَّى أَوَّلًا إلَى صَاحِبِهِ عَتَقَ وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ إمَّا عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَأَيُّهُمَا أَدَّى آخِرًا عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ حُرًّا صَارَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ وَإِنْ أَدَّيَا مَعًا عَتَقَا وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُرِنَ بِعِتْقِ صَاحِبِهِ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَهْلًا لِلْوَلَاءِ حَالَ عِتْقِ صَاحِبِهِ وَإِنْ عَجَزَ أَحَدُهُمَا صَارَ مَمْلُوكًا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ مَجْهُولِ النَّسَبِ وَإِنْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ فَقَدْ صَارَتْ أَمَةً لِلْمُتَكَاتَبِ وَالْمُقِرِّ عَبْدَهُمَا فَصَارَا جَمِيعًا لِلْمُكَاتَبِ وَإِنْ عَجَزَا مَعًا عَتَقَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَصَارَ الْمَجْهُولُ مَعَ الْمُكَاتَبِ عَبْدَيْنِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَقَرَّ بِرَقَبَتِهِ لِمَجْهُولِ النَّسَبِ وَمَجْهُولُ النَّسَبِ أَقَرَّ بِرَقَبَتِهِ وَجَمِيعِ أَكْسَابِهِ لِلْمُكَاتَبَةِ فَقَدْ صَارَ الْمُكَاتَبُ مُقِرًّا بِرَقَبَتِهِ لِلْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ لَمَّا قَبِلَتْ الْمُكَاتَبَةَ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَقَدْ أَقَرَّتْ بِرَقَبَتِهَا لِلْمُكَاتَبِ فَقَدْ اجْتَمَعَ إقْرَارُهَا وَإِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ سَابِقٌ عَلَى إقْرَارِ مَجْهُولِ النَّسَبِ وَآخِرُ الْإِقْرَارَيْنِ نَاسِخٌ لِأَوَّلِهِمَا؛ لِأَنَّ لِلْآخَرِ رَدَّ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ لِلثَّانِي فَصَحَّ فَصَارَ الِاعْتِبَارُ لِإِقْرَارِ مَجْهُولِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُهُمَا، وَهَذَا كَرَجُلٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِعَبْدِ رَجُلٍ وَأَقَرَّ مَوْلَى الْعَبْدِ وَهُوَ مَجْهُولُ النَّسَبِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِهَذَا الْمُقِرِّ فَهُمَا جَمِيعًا مَمْلُوكَانِ لِعَبْدِ مَجْهُولِ النَّسَبِ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِلْمُكَاتَبَةِ وَالْمَوْلَى لِلْمُكَاتَبَةِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ أَقَرَّ لِلْمُكَاتَبِ بِالرِّقِّ لِمَجْهُولِ النَّسَبِ صَارَا مَمْلُوكَيْنِ لِلْمُكَاتَبَةِ اهـ.
مُخْتَصَرًا قَالَ رحمه الله (وَالْوَلَاءُ لَهُ إنْ أَدَّى بَعْدَ عِتْقِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَعَتِيقُهُ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْوَلَاءِ عِنْدَ عِتْقِ الثَّانِي وَكَانَ مِلْكُهُ تَامًّا فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَثَبَتَ لَهُ ضَرُورَةً وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ أَدَّيَا مَعًا عَتَقَا وَثَبَتَ وَلَاؤُهُمَا مِنْ الْمَوْلَى وَفِي الْأَصْلِ وَإِنْ عَجَزَ الْأَوَّلُ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ وَلَمْ يُؤَدِّ الثَّانِي مُكَاتَبَتَهُ بَعْدُ بَقِيَ الثَّانِي مُكَاتَبًا عَلَى حَالِهِ وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْأَوَّلِ بَقِيَ الثَّانِي يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَعْجِزْ، وَلَكِنْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَلَمْ يُؤَدِّ الثَّانِي مُكَاتَبَتَهُ أَيْضًا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ تَرَكَ الْأَوَّلُ مَالًا كَثِيرًا سِوَى مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ الثَّانِي وَبِهِ وَفَاءٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا تَنْفَسِخُ كِتَابَتُهُ فَيُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَمَا بَقِيَ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَلِمَوْلَاهُ وَيُؤَدِّي الثَّانِيَ مُكَاتَبَتَهُ إلَى وَارِثِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا أَدَّى وَعَتَقَ كَانَ وَلَاؤُهُ لِابْنِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَرِثُ وَرَثَتُهُ. الْمَذْكُورُ الثَّانِي إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً سِوَى مَا تُرِكَ عَلَى الْمُكَاتَبِ الثَّانِي وَهُوَ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ مُكَاتَبَةُ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ مُكَاتَبَةِ الْأَوَّلِ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ تَنْفَسِخُ مُكَاتَبَةُ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ عَبْدًا وَيَبْقَى الثَّانِي مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَةُ الثَّانِي مِثْلَ مُكَاتَبَةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ.
وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ حَلَّ مُكَاتَبَةُ الثَّانِي وَقْتَ مَوْتِ الْأَوَّلِ فَتَنْفَسِخُ كِتَابَةُ الْأَوَّلِ فَيُؤَدِّي الثَّانِي إلَى الْمَوْلَى وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ الثَّانِي لِلْحَالِّ وَبِحُرِّيَّةِ الْأَوَّلِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ مُكَاتَبَةِ الثَّانِي تَكُونُ لِوَرَثَةِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ حُرٌّ وَيَكُونُ وَلَاءُ الثَّانِي لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ لَا لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ وَإِنْ حَلَّ الْمُكَاتَبُ لِلثَّانِي بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَوْلَى الْفَسْخَ مِنْ الْقَاضِي حَتَّى حَلَّتْ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا مَاتَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ حَلَّ مَا عَلَى الثَّانِي وَإِنْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي الْفَسْخَ تُفْسَخُ كِتَابَةُ الْأَوَّلِ فَظَهَرَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ لَوْ قَالَ أَوْ عَتَقَا مَعًا بِأَدَاءِ مُكَاتَبَتِهِمَا لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّ الْوَلَاءَ لَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا مَاتَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ حَلَّ مَا عَلَى الثَّانِي، وَقَدْ تَرَكَ وَفَاءً إلَّا أَنَّهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ وَلَمْ يَخْرُجْ الدَّيْنُ حَتَّى أَدَّى الْأَسْفَلَ إلَى الْأَعْلَى يُنْظَرُ فِي الْوَلَاءِ وَالْمِيرَاثِ إلَى يَوْمِ أَدَّى الْكِتَابَةَ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ عَنْ ابْنٍ وَلَمْ يَتْرُكْ
إلَّا مَا عَلَى الثَّانِي وَمَاتَ الثَّانِي وَتَرَكَ وَلَدًا مَوْلُودًا فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى فِيمَا بَقِيَ عَلَى أَبِيهِ وَيُؤَدِّي إلَى الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبَةِ الْأَوَّلِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يَكُونُ لِابْنِ الْأَوَّلِ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَعَتَقَ الْوَلَدُ الْأَوَّلُ مَعَ عِتْقِ أَبِيهِ وَوَلَاءُ الثَّانِي لِابْنِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ امْرَأَتَهُ فَكَاتَبَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَإِنْ وَلَدَتْ فَهُوَ مَعَهَا فِي الْكِتَابَةِ وَمَعَ الْأَبِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَ أُمَّهُ وَعَبْدًا هُوَ زَوْجُهَا كِتَابَةً وَاحِدَةً فَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ كَالْحُرِّ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا لِسَيِّدِهِ) يَعْنِي إذَا أَدَّى الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ الْأَوَّلُ كَانَ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِ الْأَوَّلِ لَا لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ جَعْلُ الْمُكَاتَبِ مُعْتَقًا لِكَوْنِهِ رَقِيقًا فَيَلْحَقُهُ فِيهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَهُوَ مَوْلَاهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَيَلْحَقُهُ فِيهِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَدَّى الْأَوَّلُ بَعْدُ لَا يَتَحَوَّلُ عِتْقُ الْمُعْتَقِ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ جَرِّ الْوَلَاءِ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّ مَوْلَى الْجَارِيَةِ هُنَاكَ لَيْسَ بِمُعْتَقٍ مُبَاشَرَةً، بَلْ تَسَبُّبًا بِاعْتِبَارِ إعْتَاقِ الْأَصْلِ وَهِيَ الْأُمُّ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ إلَى الْعِلَّةِ وَالتَّعَذُّرِ عِنْدَ عَدَمِ عِتْقِ الْأَبِ، وَإِذَا أُعْتِقَ زَالَتْ الضَّرُورَةُ فَيُحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَى قَوْمِ الْأَبِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ مَتَى ثَبَتَ عَلَى أَحَدٍ لَا يُحْتَمَلُ النَّقْلُ إلَى غَيْرِهِ كَالنَّسَبِ.
قَالَ رحمه الله (لَا التَّزَوُّجَ بِلَا إذْنٍ) يَعْنِي لَا يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ يَعِيبُ نَفْسَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ ذِمَّتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلَمْ يُطْلِقْ لَهُ إلَّا عُقُودَ تَوَصُّلِهِ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ عَقْدٌ فِيهِ اكْتِسَابُ مَالٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ فَجَازَ بِاتِّفَاقِهِمَا لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي رَقَبَتِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ وَطْءَ أَمَتِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ يُؤَاخَذُ الْمُكَاتَبُ بِعُقْرِهَا فِي الْحَالِ قَالَ رحمه الله (وَالْهِبَةَ وَالتَّصَدُّقَ إلَّا بِالْيَسِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَبَرُّعٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْهُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ضِيَافَةٍ وَإِعَارَةٍ لِيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ فَيَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَتَوَابِعِهِ وَلَا يَهَبُ بِعَرَضٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً، وَكَذَا لَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِقْدَارَ الْيَسِيرِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّهُ يَتَصَدَّقُ وَيَهَبُ بِقَدْرِ الْفَلْسِ وَرَغِيفٍ وَفِضَّةٍ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ وَيَأْخُذُ الضِّيَافَةَ الْيَسِيرَةَ وَيُهْدِي الطَّعَامَ الْمُهَيَّأَ لِلْأَكْلِ بِقَدْرِ دَانَقٍ، وَلَوْ وَهَبَ أَوْ أَهْدَى دِرْهَمًا فَصَاعِدًا لَا يَجُوزُ قَالَ رحمه الله (وَالتَّكَفُّلَ وَالْإِقْرَاضَ) ؛ لِأَنَّهُمَا تَبَرُّعٌ وَلَيْسَا مِنْ ضَرُورَةِ التِّجَارَةِ وَلَا مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَا فَرْقَ فِي الْكَفَالَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَالنَّفْسِ بِإِذْنٍ أَوْ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ تَبَرُّعٌ وَلَا يَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ بِمَالٍ أَذِنَ الْمَوْلَى فِيهَا أَوْ لَا،.
وَكَذَا الْحَوَالَةُ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا مَتَى صَحَّتْ تَتَعَدَّى ضَرُورَةً إلَى الْمَالِ بِأَنْ يَعْجِزَ عَنْ إحْضَارِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَهُوَ تَبَرُّعٌ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ إذَا كَفَلَ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَقَعَتْ بَاطِلَةً فَإِنْ كَفَلَ بِمَالٍ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَمْ يَلْتَزِمْ الْمَوْلَى الْكَفَالَةَ، وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَفَلَ عَبْدَهُ لِآخَرَ رَجَعَ السَّيِّدُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ بَطَلَ الْمَالُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَلَكَ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَالْكَفِيلُ أَدَّى مَا كَفَلَ بِهِ رَجَعَ عَلَى الْأَصْلِ إنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَرْجِعُ، وَلَوْ أَدَّى الْمَوْلَى رَجَعَ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَإِعْتَاقَ عَبْدِهِ) ، (وَلَوْ بِمَالٍ وَبَيْعِ نَفْسِهِ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِمَّنْ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَلَوْ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ إسْقَاطَ الْمِلْكِ عَنْ الْعَبْدِ بِمُقَابَلَةِ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَبَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ كَمَا بَيَّنَّا فَلَا يَمْلِكُهُ قَالَ رحمه الله (وَتَزْوِيجَ عَبْدِهِ) يَعْنِي لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ، وَكَذَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيُّبٌ لَهُ وَنَقَصَ فِي الْمَالِ لِكَوْنِهِ شَاغَلَا لِلرَّقَبَةِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ رحمه الله (وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ كَالْمُكَاتَبِ) ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ كَالْمُكَاتَبِ فَيَمْلِكَانِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ عَامًّا فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ كَالْمُكَاتَبِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي وَأَمِينِهِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ خَاصًّا بِالتِّجَارَةِ كَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمَأْذُونِ فَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَلَا الْكِتَابَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ الثَّانِي يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَجَعَلَ فِي النِّهَايَةِ شَرِيكَ الْمُفَاوَضَةِ كَالْمُكَاتَبِ وَجَعَلَهُ فِي الْكَافِي كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلِكُلٍّ
وَجْهٌ قَالَ الشَّارِحُ جَعْلُهُ كَالْمَأْذُونِ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ قَالَ رحمه الله (وَلَا يَمْلِكُ مُضَارِبٌ وَشَرِيكٌ شَيْئًا مِنْهُ) يَعْنِي لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ التِّجَارَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
قَالَ رحمه الله
(وَلَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ) لِمَا ذَكَرَ مَا هُوَ دَاخِلٌ فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَأَنْهَاهُ شَرْعٌ يَذْكُرُ مَا هُوَ دَاخِلٌ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالتَّبَعُ يَتْلُو الْأَصْلَ وَإِنَّمَا يُكَاتِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْعِتْقَ فَيُجْعَلُ مُكَاتَبًا مَعَهُ تَخْفِيفًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْإِعْتَاقُ صَارَ مُكَاتَبًا مِثْلَهُ لِلتَّعَذُّرِ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَلَا تَعَذُّرَ فِي حَقِّهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ بَيَانُهُ وَذِكْرُ الِابْنِ وَالْأَبِ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا، بَلْ جَمِيعُ مَنْ لَهُ قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ يَدْخُلُونَ فِي كِتَابِهِ تَبَعًا لَهُ وَأَقْوَاهُمْ دُخُولًا الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ أَبِيهِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يَسْعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرِي يُؤَدِّي الْبَدَلَ حَالًّا وَالْإِيرَادُ فِي الرِّقِّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ وَالْبَعْضِيَّةَ الثَّابِتَةَ حَقِيقَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ تَبَعِيَّتَهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ وَالْبَعْضِيَّةُ فِيهِمَا حُكْمًا فِي حَقِّ الْعَقْدِ لَا حَقِيقَةً فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً بَعْدَ الِانْفِصَالِ قَالَ الْأَكْمَلُ وَتَقْدِيمُ الْأَبِ فِي الذِّكْرِ لِلتَّعْظِيمِ، وَأَمَّا فِي التَّرْتِيبِ فَيُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْلُودًا أَوْ مُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ وَالْمَوْلُودُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُشْتَرَى فَالْمَوْلُودُ يَظْهَرُ حَالُهُ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْمُشْتَرَى فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْأَبُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ حَالَ حَيَاةِ وَلَدِهِ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الْبَدَلُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا اهـ.
وَإِنَّمَا قَالَ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ صَارَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مُكَاتَبًا لَصَارَ أَصْلًا وَلَبَقِيَتْ الْكِتَابَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ الْأَصْلِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ يُبَاعُ الْأَبُ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ مِنْ الْأَوْلَادِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ إذَا عَتَقَ الْمُشْتَرَى لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ، وَأَمَّا إذَا عَتَقَ الصَّغِيرُ الَّذِي تَكَاتَبَ عَلَيْهِ يَسْقُطُ مِنْ الْبَدَلِ مَا يَخُصُّهُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرَى تَبِعَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ فِي أَصْلِ الْبَدَلِ لِتَقَرُّرِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْعَقْدِ وَالْبَدَلُ فِي مُقَابَلَتِهِ فَسَقَطَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُ وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ مَلَكَ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ أَوْ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ تَكَاتَبَ عَلَيْهِمْ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدًا مِنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا أَوْ وَاحِدًا مِنْ أَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا تَكَاتَبَ عَلَيْهِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَخَاهُ وَنَحْوَهُ لَا) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى أَخَاهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَحَارِمِهِ لَا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الصِّلَةِ تَشْمَلُ الْقَرَابَةَ الْمُحَرِّمَةَ لِلنِّكَاحِ وَلِهَذَا يُعْتَقُ عَلَى الْحُرِّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَ لَهُمْ وَلَا يَقْطَعُ يَدَهُ إذَا سَرَقَ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا وَلَيْسَ لَهُ مِلْكٌ حَقِيقَةً لِوُجُودِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ الرِّقُّ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةَ وَلَدِهِ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، وَلَوْ وَجَدَ كَنْزًا وَالْكَسْبُ يَكْفِي لِلصِّلَةِ فِي الْأَوْلَادِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ يُخَاطَبُ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَلَا يَكْفِي فِي غَيْرِهَا حَتَّى لَا يُخَاطَبَ الْأَخُ بِنَفَقَةِ أَخِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَالدُّخُولُ فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ فَتَخْتَصُّ بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ قَرَابَةٌ تُشْبِهُ بَنِي الْأَعْمَامِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَحِلِّ الْحِلْيَةِ وَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَدَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَتُشْبِهُ الْوِلَادَ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْمُنَاكَحَةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَحُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهُنَّ فَأَلْحَقْنَاهَا بِالْوِلَادِ فِي الْعِتْقِ وَبَنَى الْأَعْمَامِ فِي الْكِتَابَةِ تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ عَلَى الْعَكْسِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ اشْتَرَى الْعَمَّ وَالْعَمَّةَ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِيرَا مِثْلَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُكَاتَبُ عَلَيْهِمَا اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ اشْتَرَى الْعَمُّ أُمَّ وَلَدِهِ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ مَعَ وَلَدِهِ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فَتَتْبَعُهُ أُمُّهُ فَامْتَنَعَ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ وَلَا تَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى لَا يُعْتَقَ بِعِتْقِهِ وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ إذَا اشْتَرَتْ زَوْجَهَا غَيْرَ أَنَّ لَهَا أَنْ يَتْبَعَهُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ مِنْ جِهَتِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهَا بِدُونِ الْوَلَدِ جَازَ لَهُ بَيْعُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ كَالْحُرِّ إذَا اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ وَحْدَهَا بِدُونِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَكُونَ لِلْمُكَاتَبِ وَبَيْنَ أَنْ يَعْجَزَ فَيَكُونَ لِلْمَوْلَى فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ
مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَهُوَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ إلَّا أَنَّ بَيْعَهَا امْتَنَعَ تَبَعًا لِلْوَلَدِ وَمَا ثَبَتَ تَبَعًا يَثْبُتُ بِشَرَائِطِ الْمَتْبُوعِ، وَلَوْ ثَبَتَ بِدُونِ الْوَلَدِ لَثَبَتَ ابْتِدَاءً وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ فَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ.
وَقَدْ اشْتَرَاهَا مَعَ وَلَدِهَا فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِمَا لَكِنْ إنْ أَدَّى مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ عِنْدَ الْمَوْتِ عَتَقَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَتْ أَنَا أُؤَدِّي جَمِيعَ الْمَالِ حَالًّا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا وَلِلْمَوْلَى بَيْعُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُكَاتَبٌ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ فَدَخَلَ بِهَا وَوَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَمَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ فَالْوَلَدُ يَسْعَى فِيمَا عَلَى أَبِيهِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ فِي حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ فَإِنْ أَدَّتْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ حِينَ مَوْتِهِ عَتَقَتْ وَإِلَّا رُدَّتْ فِي الرِّقِّ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا وَفِي الْهِدَايَةِ، وَإِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَكَسْبُهُ لَهُ وَفِي الْيَنَابِيعِ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَاعْتَرَفَ بِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهُ فَإِنْ تَرَكَ مَعَهُ أَبُوهُ وَلَدًا آخَرَ اشْتَرَكَا فِي الْكِتَابَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُمْ وَلَا سِعَايَتُهُمْ فَإِنْ أَدَّى الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ الْبَدَلَ عَتَقَ وَعَتِّقُوا جَمِيعًا وَإِنْ عَجَزَ رُدَّ فِي الرِّقِّ وَرُدُّوا فِي الرِّقِّ إلَّا أَنْ يَقُولُوا نَحْنُ نُؤَدِّي الْمَالَ السَّاعَةَ فَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي لِعَجْزِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَإِنْ أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ وَلِلْمُكَاتَبِ مَالٌ كَثِيرٌ كَانَ الْمَتْرُوكُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ لِلْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ يَرِثُونَ الْجَمِيعَ مِنْهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ وَلَدًا فَاشْتَرَتْ وَلَدًا آخَرَ، ثُمَّ مَاتَتْ يَسْعَى الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى النُّجُومِ وَمَا كَسَبَهُ الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى أَخَذَهُ أَخُوهُ فَمَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلِلْمَوْلُودِ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ الْمُشْتَرَى بِأَمْرِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا الْمُشْتَرَى أَدَّى الْكِتَابَةَ حَالَ مَوْتِهَا حَالًّا وَإِلَّا رُدَّتْ فِي الرِّقِّ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ، وَقَالَا كَسْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ خَاصَّةٌ وَيَسْعَيَانِ عَلَى النُّجُومِ وَإِنْ تَرَكَ الْوَلَدَ الْمُشْتَرَى دُونَ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ حَالًّا أَوْ يُرَدَّ فِي الرِّقِّ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ وَكَسْبُهُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّعْوَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ لَهُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْكِتَابَةِ وَكَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَمْلُوكِهِ فَكَانَ كَسْبُهُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ التَّسَرِّي فَمِنْ أَيْنَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ الْأَمَةِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْكِتَابَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا لَا يَمْلِكُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ أَمَةٍ لَكِنْ إنْ وَطِئَ وَادَّعَى النَّسَبَ ثَبَتَ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ جَارِيَةٌ بَيْنَ حُرٍّ وَمُكَاتَبٍ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ قَالَ الْوَلَدُ وَلَدُهُ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِهِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِهَا وَنِصْفَ قِيمَتِهَا وَلَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَالْحُرِّ وَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ زَوْجِهَا دَخَلَ الْوَلَدُ فِي كِتَابَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْغَارَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْأُمَّهَاتِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْأُمَّ لَمْ تَصِرْ مُكَاتَبَةً قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ.
فَإِنْ قُلْت إذَا ثَبَتَ لِلْوَلَدِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ يَثْبُتُ لِلْأُمِّ حَقُّهَا وَهُنَا ثَبَتَ لِلْوَلَدِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَيَسْعَى إنْ ثَبَتَ لِلْأُمِّ حَقُّهَا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا عَنْ الْوَلَدِ قُلْت لِلْكِتَابَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ فَثَبَتَ لِلْأُمِّ هَذَا الْحُكْمُ دُونَ الْكِتَابَةِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا تَصِيرُ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِلْوَلَدِ قُلْت؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَرَدَ عَلَيْهَا وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ عَدَمَ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِيرَ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِلْوَلَدِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِيرَ مُكَاتَبَةً أَصَالَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ وَابْنَهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي عَنْ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لَا تَصِيرُ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِلْوَلَدِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا عَنْ الْوَلَدِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ وَطْءَ أَمَتِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْأَمَةُ يُؤَاخَذُ الْمُكَاتَبُ بِعُقْرِهَا فِي الْحَالِ وَفِي الزِّيَادَاتِ مُكَاتَبَانِ بَيْنَهُمَا جَارِيَةٌ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا وَيَصِيرُ الْوَلَدُ مُكَاتَبًا مَعَهُمَا فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا مَا عَلَيْهِ عَتَقَ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ فِي حَقِّهِ وَعَتَقَ الْجُزْءُ مِنْ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهُ وَبَقِيَ نَصِيبُ الْآخَرِ مُكَاتَبًا لِلْآخَرِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا عَتَقَ فَحِينَ عِتْقِ نَصِيبِهِ مِنْ الْوَلَدِ عَتَقَ نَصِيبُ الثَّانِي مِنْ الْوَلَدِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلَدِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ دَخَلَ فِي كَاتَبْته كَمَا سَيَأْتِي كَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَقْوَى دُخُولًا مِنْ الْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ وَالدُّخُولَ يُفِيدُ قُوَّةً عَلَى مُكَاتَبٍ قَيَّدَهُ كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ
- رحمه الله (وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ وَكَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَكَسْبُهُ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْأَوْصَافِ الْحُكْمِيَّةِ فَكَانَ مُكَاتَبًا تَبَعًا لَهَا فَكَانَتْ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ مِنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا فَصَارَ كَنَفْسِهَا وَهِيَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَوْ قُتِلَ هَذَا الْوَلَدُ تَكُونُ قِيمَتُهُ لِلْأُمِّ دُونَ الْأَبِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَبِلَا الْكِتَابَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَعَلَى وَلَدِهِمَا الصَّغِيرِ فَقُتِلَ الْوَلَدُ حَيْثُ تَكُونُ قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَكُونُ الْأُمُّ أَحَقَّ بِهِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ فِي الْكِتَابَةِ هُنَا بِالْقَبُولِ عَنْهُ وَالْقَبُولَ وُجِدَ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِمَا وَكَسْبُهُ لَهُمَا وَالْأَوْجُهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِمَا؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الدُّخُولِ هُوَ الْكَسْبُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ تَأَمُّلٌ إذْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَائِدَتُهُ أَنْ يُعْتَقَ بِعِتْقِهِمَا سَوَاءٌ اكْتَسَبَ أَوْ لَا قِيلَ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ فَائِدَةَ دُخُولِ الْوَلَدِ فِي كِتَابَةِ الْأَبِ هُوَ كَوْنُ الْكَسْبِ لَهُ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ الْأَبَ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَتَأَمَّلْ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ تَكَاتَبَ عَلَيْهَا إلَى قَوْلِهِ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا لِيُفِيدَ أَنَّ هَذَا أَقْوَى حَالًا مِنْ الْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُكَاتِبُ مُفْلِسًا سَعَى هَذَا فِي الْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِهَا.
قَالَ رحمه الله (مُكَاتَبٌ أَوْ مَأْذُونٌ نَكَحَ بِإِذْنِ حُرَّةٍ بِزَعْمِهَا فَوَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ فَوَلَدُهَا عَبْدٌ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حُرَّةً بِزَعْمِهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَوَلَدَتْ فَاسْتَحَقَّتْ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي، وَقَالَ الثَّالِثُ وَلَدُهَا حُرٌّ بِالْقِيمَةِ يُعْطِيهَا لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْحَالِّ إذَا كَانَ تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ يُعْطِيهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ بِمَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْأَمَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بَعْدَ الْعِتْقِ إذَا كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةُ لَهُ، وَكَذَا إذَا غَرَّهُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ أَوْ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُكَاتَبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَإِنْ غَرَّهُ حُرٌّ رَجَعَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا، وَكَذَا حُكْمُ الْمَهْرِ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يُرْجِعُ بِهِ فِي الْحَالِّ إنْ كَانَ التَّزَوُّجُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَإِلَّا فَبَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدٍ بِالْمَهْرِ كَمَا عُلِمَ فِي مَوْضِعِهِ وَحُكْمُ الْغُرُورِ يَثْبُتُ بِالتَّزَوُّجِ دُونَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا رَغْبَةً لِحُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِهَا وَصَارَ مَغْرُورًا كَالْحُرِّ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَوْلُودٌ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ فَيَكُونُ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَتُرِكَ هَذَا فِي الْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَالْعَبْدُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ فِي الْحُرِّ مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ وَاجِبَةٍ فِي الْحَالِّ وَفِي الْعَبْدِ بِقِيمَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ هَكَذَا ذَكَرُوا هُنَا، وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ إذَا لَزِمَهُ بِسَبَبٍ أَذِنَ فِيهِ الْمَوْلَى يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِّ وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ فَلِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَلَا قِيمَةُ الْوَلَدِ فِي الْحَالِّ وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى مَا سَنَذْكُرُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ ثَبَتَ لَهُ حُرِّيَّةُ الْيَدِ وَالْمَأْذُونَ فَكَّ السَّيِّدُ حَجْرَهُ فَثَبَتَ لَهُ مَا يَثْبُتُ لِلْحُرِّ وَأَعْطَيْنَاهُمَا حُكْمَ الْأَحْرَارِ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ مَا أَذِنَ فِيهِ الْمَوْلَى بِالنِّكَاحِ فَتَوَقُّفُ صِحَّةِ ذَلِكَ عَلَى إذْنِهِ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لِلْحِلِّ لَا لَأَنْ يَضْمَنَ ذَلِكَ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا فِيهِ كَالْحُرِّ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ فِيهِ تَنَاوَلَ الْبَيْعَ، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا فَافْتَرَقَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِزَعْمِهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتِبَ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِحَالِ الْمَرْأَةِ لَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ وَطِئَ أَمَةً بِشِرَاءٍ فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ فَرُدَّتْ فَالْعُقْرُ فِي الْمُكَاتَبَةِ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَمَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَوَطِئَهَا، ثُمَّ رَدَّهَا بِحُكْمِ الْفَسَادِ عَلَى الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ فِي الْحَالِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفَ تَارَةً يَقَعُ صَحِيحًا وَتَارَةً فَاسِدًا وَالْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ يَنْتَظِمَانِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِنَوْعَيْهِمَا فَكَانَا مَأْذُونَيْنِ فِيهِمَا كَالْوَكِيلِ بِهِمَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِّ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ بِنِكَاحٍ أُخِذَ بِهِ مُذْ عَتَقَ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَوَطِئَهَا يُؤَاخَذُ بِالْعُقْرِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَكَذَا الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ لَهُ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ وَلَا مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَالْكَفَالَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِّ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى أَمَةً فَوَطِئَهَا فَاسْتُحِقَّتْ حَيْثُ يُؤَاخَذُ بِالْعُقْرِ فِي الْحَالِّ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَجَبَ الْعُقْرُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ وَلَا مِنْ الْكَسْبِ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْإِذْنَ وَلَا عَقْدَ الْكِتَابَةِ فَيُؤَخَّرُ مَا وَجَبَ فِيهِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْتِزَامِهِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ وَفِي الْأَصْلِ إذَا وَقَعَ الْمُكَاتَبُ عَلَى امْرَأَةٍ كَانَ