الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ وَكَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ بِأَنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ وَكَالْعَارِيَّةِ، وَإِذَا جَازَ إعَارَةُ الْمَشَاعِ فَأَوْلَى أَنْ تَجُوزَ إجَارَتُهُ فَإِنَّ تَأْثِيرَ الْمَشَاعِ فِي مَنْعِ التَّبَرُّعِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي مَنْعِ الْمُعَاوَضَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ لَا تَجُوزُ وَبَيْعُ الْمَشَاعِ جَائِزٌ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِجَارَةِ الِانْتِفَاعُ وَالِانْتِفَاعُ بِالْمَشَاعِ لَا يُمْكِنُ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمِلْكُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ وَالتَّخْلِيَةُ اُعْتُبِرَتْ تَسْلِيمًا فِي مَحَلٍّ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَفِي الْمَشَاعِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَلَا مِنْ الْقَبْضِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ تَسْلِيمًا وَلَا يُعْتَبَرُ بِالتَّهَايُؤِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ حُكْمًا بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْقِسْمَةِ بَعْدَ الْمِلْكِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَجَّرَهُ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُيُوعَ فِي حَقِّهِ إذْ الْكُلُّ فِي يَدِهِ وَلَا عِبْرَةَ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحَاجَةِ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْعَقْدُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِغَيْرِهَا وَهُوَ مَنْفَعَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَحَدَ زَوْجَيْ الْقِرَاضِ لِقَرْضِ الثِّيَابِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ وَإِنَّمَا الشُّيُوعُ يَظْهَرُ لِتَفَرُّقِ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَفِيمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي نَصِيبِهِ وَبَقِيَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَطَرَأَ الشُّيُوعُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَضُرُّ وَالْعَارِيَّةُ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فَلَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ، وَعِنْدَ التَّسْلِيمِ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِجَمِيعِهِ لِوُجُودِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ فَصَارَ كُلُّهُ عَارِيَّةً وَلَا شُيُوعَ.
وَفِي الْمُغْنِي الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ فِرِشْتَا الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي الْخَانِيَّةِ إجَارَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَفِيمَا لَا يُقْسَمُ فَاسِدَةٌ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.
وَفِي التَّهْذِيبِ، وَإِذَا سَكَنَ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي التَّهْذِيبِ، وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ لَا يُفْسِدُهَا إجْمَاعًا كَمَا إذَا أَجَّرَ كُلَّهَا، ثُمَّ تَفَاسَخَا فِي النِّصْفِ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهَا يَبْقَى فِي الْبَاقِي وَفِي الصُّغْرَى وَطَرِيقُ جَوَازِهَا فِي الْمَشَاعِ أَنْ يَلْحَقَهَا حُكْمٌ لِتَصِيرَ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ وَتَبْقَى فِي نَصِيبِ الْحَيِّ صَحِيحَةً وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ رَضِيَ وَارِثُ الْمَيِّتِ وَهُوَ كَبِيرٌ أَنْ يَكُونَ حِصَّتُهُ عَلَى الْإِجَارَةِ وَرَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةُ الْمَشَاعِ لَكِنَّهَا مِنْ الشَّرِيكِ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ رَجُلَانِ أَجَّرَا دَارَهُمَا مِنْ رَجُلٍ جَازَ وَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ مَاتَ لَا تَبْطُلُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَفِي الْأَصْلِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عُلُوَّ مَنْزِلٍ لِيَمُرَّ فِيهِ إلَى حُجْرَتِهِ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ قَالَ الطَّوَاوِيسِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُنَا وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ.
وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ لِرَجُلٍ وَالْعَرْصَةُ لِرَجُلٍ آخَرَ أَجَّرَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ بِنَاءَهُ مِنْ صَاحِبِ الْعَرْصَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْعَرْصَةَ دُونَ الْبِنَاءِ يَجُوزُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا لِيَبْسُطَ عَلَيْهِ ثِيَابًا أَوْ يَشُدَّ بِهَا الدَّابَّةَ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً مِنْ الشَّجَرِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَاةً لِيَحْلُبَ لَبَنَهَا أَوْ صُوفَهَا لَا يَنْعَقِدُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ حَائِطًا لِيَضَعَ عَلَيْهَا جَذَعًا أَوْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا سُتْرَةً أَوْ يَضَعَ فِيهِ وَتَدًا لَا يَجُوزُ وَالْحَائِطُ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ فَقَدْ اسْتَأْجَرَ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ طَرِيقًا لِيَمُرَّ فِيهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا.
[اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ]
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ وَهُوَ اللَّبَنُ فَصَارَ كَاسْتِئْجَارِ الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ لِشُرْبِ لَبَنِهَا وَالْبُسْتَانِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَتَهُ، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَالْإِجْمَاعُ فِي ذَلِكَ وَجَرَى التَّعَامُلُ بِهِ فِي الْأَعْصَارِ وَتَحْقِيقُهَا عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى التَّرْبِيَةِ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْعَقْدُ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ وَالتَّرْبِيَةُ وَالْخِدْمَةُ تَابِعَةٌ لَهَا وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالظِّئْرُ الْمَرْأَةُ ذَاتُ اللَّبَنِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً كَذَا فِي قَاضِي خان وَفِي ابْنِ فِرِشْتَا فَلَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ يَحْكُمُ أَبُو يُوسُفَ بِبَقَاءِ الْعَقْدِ وَأَبْطَلَهُ مُحَمَّدٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَأَجَّرَتْ الْأَمَةُ الْفَاجِرَةُ أَوْ الْكَافِرَةُ نَفْسَهَا ظِئْرًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ التِّجَارَةِ، وَلَوْ رَضَعَ الصَّبِيُّ جَارِيَةَ الظِّئْرِ أَوْ خَادِمُهَا فَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الظِّئْرَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَتْ الظِّئْرُ ظِئْرًا فَأَرْضَعَتْهُ فَلَهَا الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ تُرْضِعَ الصَّبِيَّ بِنَفْسِهَا فَأَرْضَعَتْهُ بِمَنْ ذُكِرَ
فَلَهَا الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الرَّضَاعِ عَلَيْهَا بِنَفْسِهَا لَا يُفِيدُ.
وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ أَهْلُ الصَّغِيرِ أَرْضَعْتِيهِ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ لَك، وَقَالَتْ أَرْضَعْته بِلَبَنِ آدَمِيَّةٍ فَلِي الْأَجْرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَإِنْ شَرَطُوا عَلَيْهَا إرْضَاعَ الصَّبِيِّ فِي مَنْزِلِ الْأَبِ، فَلَيْسَ لِلظِّئْرِ أَنْ تَخْرُجَ بِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ فِي مَنْزِلِ الْأَبِ أَجْوَدُ لِلصَّبِيِّ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوا الظِّئْرَ فِي مَنْزِلِهِمْ إنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْرِيدِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً وَمَا جَازَ فِي اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ جَازَ فِي الظِّئْرِ وَمَا بَطَلَ هُنَاكَ بَطَلَ هُنَا وَفِي الْأَصْلِ، وَإِذَا جَازَتْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شُرِطَ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَنَّهَا تُرْضِعُ الصَّبِيَّ فِي مَنْزِلِ الْأَبِ اُعْتُبِرَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَرْطٌ يُنْظَرُ لِلْعُرْفِ إنْ كَانَتْ تُرْضِعُ فِي مَنْزِلِ الْأَبِ أَوْ فِي مَنْزِلِهَا يُعْمَلُ بِهِ وَإِلَّا فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ أَرْضَعَتْ الصَّبِيَّ فِي مَنْزِلِ الْأَبِ أَوْ فِي مَنْزِلِهَا. اهـ.
قَالَ الْأَكْمَلُ فَإِنْ قُلْت الظِّئْرُ أَجِيرٌ خَاصٌّ أَوْ مُشْتَرَكٌ، قُلْت هُوَ أَجِيرٌ خَاصٌّ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَبْسُوطِ قَالَ لَوْ ضَاعَ الصَّبِيُّ مِنْ يَدِهَا أَوْ وَقَعَ فَمَاتَ أَوْ سُرِقَ مِنْ حُلِيِّ الصَّبِيِّ أَوْ ثِيَابِهِ شَيْءٌ لَمْ تَضْمَنْ الظِّئْرُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَمَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا قَالَ لَوْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِقَوْمٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ فَأَرْضَعَتْ كُلًّا مِنْهُمَا صَحَّ وَتَصِيرُ الْمُرْضِعَةُ أَمِينَةً وَهَذِهِ خِيَانَةٌ مِنْهَا وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُهُمَا مَعًا فَقُلْنَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ كَامِلًا نَظَرًا إلَى أَنَّهَا مُشْتَرَكٌ وَيَأْثَمُ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا خَاصٌّ.
قَالَ رحمه الله (وَبِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا) ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْأُجْرَةَ مَجْهُولَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهَا شَفَقَةً عَلَى الْأَوْلَادِ، بَلْ يُعْطِيهَا مَا طَلَبَتْ وَيُوَافِقُهَا عَلَى مُرَادِهَا وَالْجَهَالَةُ إنَّمَا تُمْنَعُ إذَا أَفَضْت إلَى الْمُنَازَعَةِ أَطْلَقَ فِي طَعَامِهَا أَوْ كِسْوَتِهَا فَشَمِلَ مَا إذَا بَيَّنَ جِنْسَهَا أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ قَالَ الْحَدَّادِيُّ إذَا لَمْ يُوصَفْ ذَلِكَ فَلَهَا الْمُتَوَسِّطُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا بَيَّنَ جِنْسَ الثِّيَابِ أَوْ صِفَتَهَا وَعَرْضَهَا وَبَيَّنَ كَيْلَ الطَّعَامِ وَصِفَتَهُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اشْتَرَطَتْ طَعَامَهَا وَكِسْوَتَهَا عِنْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَسَمَّتْ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً عِنْدَ الْفِطَامِ وَلَمْ تُضِفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالُوا مَعْنَى تَسْمِيَتِهِ الدَّرَاهِمَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يَدْفَعَ الطَّعَامَ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عَلَى التَّقْدِيرِ سَمَّا بَدَلَ الدَّرَاهِمِ طَعَامًا، وَإِذَا بَيَّنَ كَيْلَ الطَّعَامِ وَصِفَتَهُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ أَجَلًا وَفِي الْكِسْوَةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ إلَّا مُؤَجَّلًا، كَذَا فِي الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الظِّئْرِ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ قَالَ فِي قَاضِي خان اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ شُهُورًا فَمَاتَ الْأَبُ فَقَالَ عَمُّ الصَّغِيرِ أَرْضِعِيهِ وَأَنَا أُعْطِيك الْأَجْرَ فَأَرْضَعَتْهُ شَهْرًا بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ حِينَ اسْتَأْجَرَهَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَإِذَا مَاتَ بَطَلَتْ فَإِذَا قَالَ الْعَمُّ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ وَصِيًّا كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْعَمِّ، وَلَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ حِينَ اسْتَأْجَرَهَا الْأَبُ لَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الْأَبِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الظِّئْرُ مِنْ الرَّضَاعِ وَالصَّغِيرُ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا تُخَيَّرُ عَلَى أَنْ تُرْضِعَهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا قَالُوا هَذَا إذَا عَقَدَتْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَإِذَا عَقَدَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْقَاضِي ظِئْرًا لِلْيَتِيمِ كَانَ حَسَنًا، وَإِذَا كَانَ لِلرَّضِيعِ أُمٌّ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ فَأُجْرَةُ إرْضَاعِهِ عَلَى أَقَارِبِهِ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِمْ مِنْهُ وَيَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أُمَّهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ وَبِنْتَه وَأُخْتَه اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا) لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَا يُمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ إبْطَالِهِ وَلِهَذَا كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَفْسَخَ هَذَا الْعَقْدَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ يَشِينُهُ إجَارَتُهَا بِأَنْ كَانَ وَجِيهًا بَيْنَ النَّاسِ أَوْ لَمْ يَشِنْهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَأَنْ يَمْنَعَ الصَّبِيَّ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَالسَّهَرَ يُذْهِبُ جَمَالَهَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ الصِّيَامِ تَطَوُّعًا لَكِنْ إذَا ثَبَتَتْ الزَّوْجِيَّةُ بِإِقْرَارِهِمَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَنْكُوحَةُ بِالرِّقِّ لَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ بُطْلَانِ النِّكَاحِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ وَفِي الْأَصْلِ إذَا عَقَدَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجُ لَا يَشِينُهُ ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ فِي الصَّحِيحِ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَشْرَافِ وَأَجَّرَتْ نَفْسَهَا ظِئْرًا فَلِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الْفَسْخِ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهُمْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يَمْنَعَ أَقَارِبَ الظِّئْرِ مِنْ الْمُكْثِ فِي مَنْزِلِهِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ إذَا كَانَ يُؤَدِّي
ذَلِكَ إلَى الْإِخْلَالِ بِالْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الصَّغِيرِ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ مَرِضَتْ أَوْ حَبِلَتْ فُسِخَتْ) يَعْنِي إذَا حَبِلَتْ الْمُرْضِعَةُ أَوْ مَرِضَتْ فَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحُبْلَى وَالْمَرِيضَةِ يَضُرُّ الصَّغِيرَ وَهِيَ أَيْضًا يَضُرُّهَا الْإِرْضَاعُ فَكَانَ لَهَا وَلَهُمْ الْخِيَارُ، وَلَوْ تَقَيَّأَ الصَّبِيُّ لَبَنَهَا لِأَهْلِهِ الْفَسْخُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ سَارِقَةً، وَكَذَا إذَا كَانَتْ فَاجِرَةً ظَاهِرُ فُجُورِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً، قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ عَيْبُ الْفُجُورِ فِي هَذَا فَوْقَ عَيْبِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ كُفْرَهَا فِي اعْتِقَادِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ فِي نِسَاءِ بَعْضِ الرُّسُلِ كَامْرَأَتَيْ نُوحٍ وَلُوطٍ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَا بَغَتْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، هَكَذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «وَلَمْ يَتَزَوَّجْ نَبِيٌّ فَاجِرَةً» ، وَكَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ لَبَنَهَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا وَلَهَا ذَلِكَ أَيْضًا، وَكَذَا عُيِّرَتْ بِهِ، وَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَوْ الظِّئْرُ انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا ظَهَرَ الظِّئْرُ كَافِرَةً أَوْ زَانِيَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ حَمْقَاءَ كَانَ لَهُمْ الْفَسْخُ وَفِي الْأَصْلِ أَرَادُوا سَفَرًا وَأَبَتْ الْخُرُوجَ فَلَهُمْ الْفَسْخُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ سَيِّئَةً بَذِيَّةَ اللِّسَانِ.
وَكَذَا إذَا أَذَاهَا أَهْلُهُ بِاللِّسَانِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ، وَكَذَا إذَا كَانَ أَلْفُهَا الصَّبِيُّ وَلَمْ يَأْخُذْ لَبَنَ غَيْرِهَا وَهِيَ تُعَيَّرُ بِذَلِكَ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الِاعْتِمَادُ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمُحِيطِ انْتَهَتْ مُدَّةُ إرْضَاعِ الظِّئْرِ وَالصَّغِيرُ لَا يَأْخُذُ إلَّا ثَدْيَهَا تَبْقَى الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ جَبْرًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ كَمَا لَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ تَبْقَى بِالْأَعْذَارِ، وَلَوْ مَاتَ أَبُو الصَّغِيرِ لَمْ تَنْقَضِ الْإِجَارَةُ سَوَاءٌ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ صَبِيَّيْنِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ نِصْفُ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا الْوَفَاءُ بِهَذَا فَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ظِئْرَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْعَقْدُ فِي أَحَدِهِمَا وَانْفَسَخَ فِي الْأُخْرَى بِحِصَّتِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الصَّبِيَّيْنِ أَنَّ فِي الظِّئْرِ يُقْسَمُ الْأَجْرُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَفَاوِتَانِ فِي الْإِرْضَاعِ وَفِي الصَّبِيِّ الْإِيجَارُ وَقَعَ لَهُمَا وَاسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْبَدَلِ وَهُوَ لَبَنُ الظِّئْرِ فَيَجِبُ الْمُبْدَلُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ. اهـ.
وَفِي الْمُنْتَقَى اسْتَأْجَرَ امْرَأَتَهُ لِتُرْضِعَ ابْنَهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَاةً لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْبَهَائِمِ لَهُ قِيمَةٌ فَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ لَبَنِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ وَالْإِجَارَةُ عَلَى الْخِدْمَةِ، وَلَوْ الْتَقَطَ صَبِيًّا فَاسْتَأْجَرَ لَهُ ظِئْرًا حَالًّا فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ. اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَعَلَيْهَا إصْلَاحُ طَعَامِ الصَّبِيِّ) لِأَنَّ خِدْمَةَ الصَّبِيِّ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا، وَهَذَا مِنْهُ عُرْفًا وَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَغَسَلَ ثِيَابَهُ مِنْهُ وَالطَّعَامُ وَالثِّيَابُ عَلَى الْوَالِدِ وَالدُّهْنُ وَالرَّيْحَانُ أَعَلَى الظِّئْرِ كَمَا هُوَ عَادَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَفِي عُرْفِ دِيَارِنَا مَا يُعَالَجُ بِهِ الصَّبِيُّ عَلَى أَهْلِهِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الظِّئْرِ الدُّهْنُ وَالرَّيْحَانُ وَطَعَامُ الصَّبِيِّ عَلَى أَهْلِهِ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَعَلَى الظِّئْرِ أَنْ تُهَيِّئَهُ لَهُ، وَفِي الْيَنَابِيعِ وَعَلَيْهَا طَبْخُهُ وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْضُغَ الطَّعَامَ لِلصَّبِيِّ وَلَا تَأْكُلُ شَيْئًا يُفْسِدُ لَبَنَهَا وَتَضْمَنُ بِهِ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ) لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهَا مِنْ الْعَمَلِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ، وَهَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْوَجُورُ الدَّوَاءُ يُوجَرُ فِي وَسَطِ الْفَمِ أَيْ يُصَبُّ يُقَالُ لَهُ مِنْهُ وَجَرْت الصَّبِيَّ وَأُوجِرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. اهـ.
أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ هَذَا إيجَارًا لَا إرْضَاعًا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا وَجَرْته بَدَلَهُ وَإِنْ كَانَ إرْضَاعًا فَكَيْفَ يَقُولُ الشَّارِحُ هَذَا إيجَارٌ لَا إرْضَاعٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِلَفْظِ الشَّيْءِ غَيْرَهُ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ كَقَوْلِهِ قُلْت اُطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا فَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ الْإِيجَارَ بِلَفْظِ الْإِرْضَاعِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ قُيِّدَ بِلَبَنِ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ خَادِمِهَا أَوْ جَارِيَتِهَا أَوْ بِلَبَنِ ظِئْرٍ اسْتَأْجَرْتهَا بِلَا عَقْدٍ فَلَهَا الْأُجْرَةُ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ دَفَعَ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ بِنِصْفِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ طَعَامَهُ بِقَفِيزٍ مِنْهُ أَوْ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ جَعَلَ الْأُجْرَةَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَقْدِرُ بِغَيْرِهِ فَلَا يُعَدُّ قَادِرًا فَإِذَا نُسِجَ أَوْ عُمِلَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ نِصْفَ هَذَا الطَّعَامِ بِنِصْفِهِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ مَلَكَ فِيهِ النِّصْفَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ
وَمَنْ حَمَلَ طَعَامًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ عَمَّا لَا يَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، هَكَذَا قَالُوا قَالَ الشَّارِحُ وَفِيهِ إشْكَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ إلَّا فِي الصَّحِيحَةِ مِنْهَا بِالْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ تُمْلَكُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ، الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ.
وَقَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ يُنَافِي الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إذَا مَلَكَ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ فَكَيْفَ يَمْلِكُ وَبِأَيِّ سَبَبٍ يَمْلِكُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَلَكَ هُنَا بِالتَّعْجِيلِ وَالتَّسْلِيمِ كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِهِ فِي تَقْرِيرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَا وَدُفِعَ إلَيْهِ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَلَكَهُ فِي الْحَالِ يَعْنِي ابْتِدَاءً بِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَتَسْلِيمِ الْأَجْرِ إلَى الْأَجِيرِ بِالتَّعْجِيلِ وَمَعْنَى لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ قَبْلَ الْعَمَلِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَ الْأَجْرَ بِالتَّسْلِيمِ بِسَبَبِ أَنَّهُ صَارَ شَرِيكًا فِي الطَّعَامِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ قَالَ احْمِلْ لِي هَذَا الْكُرَّ إلَى بَغْدَادَ بِنِصْفِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا وَتَفْسُدُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ إنْ وَصَلَ إلَى بَغْدَادَ لَا يَتَجَاوَزُ الْمُسَمَّى وَمَشَايِخُ بَلْخٍ وَالنَّسَفِيُّ جَوَّزُوا حَمْلَ الطَّعَامِ بِبَعْضِ الْمَحْمُولِ وَنَسْجَ الثَّوْبِ بِبَعْضِ الْمَنْسُوجِ لِتَعَامُلِ أَهْلِ بِلَادِهِمْ بِذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ وَمَشَايِخُنَا رحمهم الله لَمْ يُجَوِّزُوا ذَلِكَ وَقَالُوا هَذَا التَّخْصِيصُ تَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ لَا يُخَصُّ الْأَثَرُ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَشْتَرِطَا قَفِيزًا مُطْلَقًا فَإِذَا عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ ثَوْبًا لِيَنْسِجَهُ بِنِصْفِهِ أَوْ بِثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَبِهِ أَفْتَى الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالسَّيِّدُ الْإِمَامُ الشَّهِيدُ.
وَمَشَايِخُ بَلْخٍ يُفْتُونَ بِالْجَوَازِ لِعُرْفِ بِلَادِهِمْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ. اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ لَهُ إرْدَبًّا بِبَعْضٍ مِنْهُ أَوْ حِمَارًا لِيَحْمِلَ لَهُ إرْدَبًّا بِبَعْضٍ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا بِنِصْفِ مَا رَبِحَ فِيهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ حَائِكًا لِيَنْسِجَ هَذَا الثَّوْبَ بِنِصْفِهِ عَلَى أَنْ يَزِيدَ رِطْلًا مِنْ عِنْدِهِ فَنَسَجَ وَزَادَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَيَضْمَنُ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلْحَيَّاكِ رِطْلًا مِنْ الْغَزْلِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيُنَجِّزَ لَهُ طُولَ النَّهَارِ بِدِرْهَمٍ؛ فَلِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ يُوجِبُ كَوْنَ الْمَعْقُودِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ وَذِكْرَ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَ الْعَمَلِ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ اُسْتُحِقَّ الْأَجْرُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْعَمَلِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا الْعَقْدُ جَائِزٌ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فِي الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْغَدِ، وَذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ هُنَا أَنَّ الْيَوْمَ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا إلَّا لِإِثْبَاتِ صِفَةٍ فِي الْعَمَلِ، وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِالذَّاتِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ذَكَرَ الْيَوْمَ قَصْدًا وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَ لَهُ هَذَا الثَّوْبَ قَمِيصًا الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَوْ قَالَ لِيَخِيطَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ لِيَخِيطَهُ قَمِيصًا وَيَفْرُغَ فِي الْيَوْمِ جَازَ.
وَلَوْ قَالَ بِشَرْطِ أَنْ يَفْرُغَ أَوْ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ فِي الْيَوْمِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ قُلْت وَرَدَ فِي بَابِ الرَّاعِي إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لَوْ اسْتَأْجَرَهُ شَهْرًا لِيَرْعَى غَنَمَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى الْعَمَلِ لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الْعَمَلِ عَلَى الْوَقْتِ وَالْعِلَّةُ الَّتِي اقْتَضَتْ فَسَادَ الْعَقْدِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ فَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يَفْسُدَ فِي الرَّاعِي كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَيَجُوزُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ كَمَا جَازَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّاعِي تَرْجِيحًا لِلْمُقَدَّمِ فِي الذِّكْرِ وَمَا الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا، أَقُولُ: الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ إنَّمَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ إذَا ذُكِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُجَوِّزُ إفْرَادَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ بَيَانُهُ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَوْمًا لِيَبْنِيَ لَهُ بِالْجِصِّ وَالْآجُرِّ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ فَكَانَ ذِكْرُ الْبِنَاءِ لِبَيَانِ نَوْعِ الْعَمَلِ، وَهَذَا الْعَمَلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ ذُكِرَ الْعَمَلُ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فَإِنْ بَيَّنَ قَدْرَ الْبِنَاءِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ اهـ.
فَعَلَى مَسْأَلَةِ الْخُبْزِ بَيَّنَ قَدْرَ الْمَحَلِّ تَفْسُدُ وَفِي مَسْأَلَةِ الرَّاعِي لَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْغَنَمِ الْمَرْعِيِّ فَلَا يَفْسُدُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ