الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَرْجِيحَ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَدَّقَا مَعًا قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ: الْأَشْبَهُ أَنْ تَكُونَ كَالذِّمِّيَّةِ تَجُوزُ وَصِيَّتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلِهَذَا يَجُوزُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهَا وَكَذَا الْوَصِيَّةُ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: صَاحِبُ الْكِتَابِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ السِّغْنَاقِيُّ أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ فَحُكْمُ وَصَايَاهُ حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فَمَا صَحَّ مِنْهُمْ صَحَّ مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَوَصِيَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ وَوَصَايَا الْمُرْتَدَّةِ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا، وَقَالَ قَاضِي خَانْ: الْمُرْتَدَّةُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا كَالذِّمِّيَّةِ فَيَجُوزُ مِنْهَا مَا جَازَ مِنْ الذِّمِّيَّةِ وَمَا لَا فَلَا، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى الْحَرْبِيُّ لِمُسْلِمٍ فَلِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّمْلِيكِ مُنَجِّزًا كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا فَكَذَا مُضَافًا.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بِمَالِهِ كُلِّهِ جَازَ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَحِقَ الْوَرَثَةَ، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّنَا وَلِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَمَانِ، وَالْأَمَانُ كَانَ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ وَرَثَتِهِ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ وَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَيَجُوزُ وَقِيلَ إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ مَعَهُ لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَةٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمَانِ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا، فَصَارَ
كَالذِّمِّيِّ. وَلَوْ أَوْصَى بِبَعْضِ مَالِهِ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الثُّلُثِ وَرَدَّ الْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِمُسْتَأْمَنٍ مِثْلِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ دَبَّرَهُ جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالثُّلُثِ لِمَا بَيَّنَّا وَكَذَا إذَا أَوْصَى لَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِوَصِيَّةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَالذِّمِّيِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا تَصِحُّ عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ مِنْهُ وَتَبَرُّعَاتُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَكَذَا عِنْدَ مَمَاتِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَصِيَّةٌ الذِّمِّيِّ لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فِي دَارِهِمْ حُكْمًا حَتَّى يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِخِلَافِ مِلَّتِهِ جَازَ اعْتِبَارًا بِالْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ مُمْتَنِعٌ كَتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ كَالْمُسْلِمِ وَلَوْ أَوْصَى لِمُسْتَأْمَنٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْمُسْلِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ]
(بَابُ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصَى لَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ وَقَدَّمَ أَحْكَامَ الْمُوصَى لَهُ لِكَثْرَتِهَا وَكَثْرَةِ وُقُوعِهَا فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهَا أَمَسَّ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ عِنْدَهُ وَرَدَّ عِنْدَهُ يَرْتَدُّ) يَعْنِي قَبِلَ عِنْدَ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ وَلَا عُذْرَ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوَصِّيَ إلَى غَيْرِهِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْمُرَادُ بِعِنْدِهِ يَعْنِي بِعِلْمِهِ وَرَدَّهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ أَوْ فِي مَجْلِسٍ غَيْرِهِ، قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ مَسَائِلُهُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فُصُولِ فَصْلٍ فِي حَقِّ الْإِيصَاءِ وَكَيْفِيَّتُهُ، وَفَصْلٍ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ، وَفَصْلٍ فِيمَنْ يَجُوزُ إلَيْهِ الْإِيصَاءُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ، وَفَصْلٍ فِي عَزْلِهِ الرَّجُلَ إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَصِّيَ وَيَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يَبِيتُ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ» وَيَكْتُبُ كِتَابَ الْوَصِيَّةِ هَذَا مَا أَوْصَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ: أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا اعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ أَيْ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلِمَتِهِ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» ثُمَّ يَكْتُبُ وَأَنَا الْعَبْدُ الْمُذْنِبُ الضَّعِيفُ الْمُفَرِّطُ فِي طَاعَتِهِ الْمُقَصِّرُ فِي خِدْمَتِهِ الْمُفْتَقِرُ إلَى رَحْمَتِهِ الرَّاجِي لِفَضْلِهِ، وَالْهَارِبُ مِنْ عَدْلِهِ تَرَكَ مِنْ الْمَالِ الصَّامِتِ كَذَا، وَمِنْ الرَّقِيقِ كَذَا وَمِنْ الدُّورِ كَذَا وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ.
كَذَا إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَيُسَمِّي الْغَرِيمَ وَاسْمَ أَبِيهِ كَيْ لَا تَجْحَدَ الْوَرَثَةُ دَيْنَهُ فَيَبْقَى الْمَيِّتُ تَحْتَ عُهْدَتِهِ وَيَكْتُبُ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَوْصَيْت بِأَنْ يُصْرَفَ مَالِي إلَى وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ وَأَبْوَابِ الْبِرِّ تَدَارُكًا لِمَا فَرَّطَ فِي حَيَاتِهِ وَتَزَوُّدًا وَذُخْرًا لِآخِرَتِهِ وَأَنَّهُ أَوْصَى إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ لِيَقُومَ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ وَتَمْهِيدِ أَسْبَابِ وَرَثَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا يَتَقَاعَدَ فِي أُمُورِهِ فِي وَصِيَّتِهِ وَلَا يَتَقَاصَرَ عَنْ إيفَاءِ حُقُوقِهِ وَاسْتِيفَائِهِ فَإِنْ تَقَاعَدَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَسِيبٌ عَلَيْهِ وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ إذَا عَلِمَ الشُّهُودُ بِمَا فِي الصَّكِّ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِدُونِ الْعِلْمِ لَا تَجُوزُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِلشَّاهِدِ «إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» ، وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ بَعْدَ
مَا قَرَءُوا الصَّكَّ: نَشْهَدُ عَلَيْك فَحَرَّكَ رَأْسَهُ بِنَعَمْ، وَلَمْ يَنْطِقْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ فَإِنْ اعْتَقَلَ وَاحْتَبَسَ لِسَانُهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجُوزُ وَتُعْتَبَرُ إشَارَتُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ حَالَةَ عَجْزِهِ عَنْ النُّطْقِ، وَالْعِبَادَةِ قِيَاسًا عَلَى الْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ النُّطْقِ مِنْ تَحَقُّقٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَارِضُ، وَالْأَصْلِيُّ فِيمَا تَتَعَلَّقُ صِحَّتُهُ بِالنُّطْقِ كَالْعَجْزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَتَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّ الْإِشَارَةَ تَدُلُّ عَلَى النُّطْقِ، وَالْعِبَادَةُ إنَّمَا تَتَّصِلُ إلَى الْبَدَلِ حَالَةَ الْيَأْسِ عَنْ النُّطْقِ وَهُنَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ النُّطْقِ؛ لِأَنَّ اعْتِقَالَ لِسَانِهِ وَاحْتِبَاسَهُ لَا يَدُومُ بَلْ بِعَرْضِ الزَّوَالِ، وَالِانْتِقَالِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَلَا تَقُومُ الْإِشَارَةُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ وَأَنَّ الْإِشَارَةَ مُحْتَمِلَةٌ غَيْرُ مُعْلِمَةٍ.
إلَّا أَنَّ فِي الْأَخْرَسِ تُقَدَّمُ مِنْهُ إشَارَاتٌ مَفْهُومَةٌ وَآلَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى مُرَادَاتِهِ الْبَاطِنَةِ فَزَالَ الِاحْتِمَالُ عَنْ إشَارَاتِهِ فَقَامَتْ مَقَامَ نُطْقِهِ وَعِبَارَتِهِ وَهُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ إشَارَاتٌ مَعْلُومَةٌ حَتَّى يُعْلَمَ بِإِشَارَاتِهِ مُرَادَاتُهُ فَبَقِيَتْ إشَارَتُهُ مُحْتَمِلَةً غَيْرَ مُفْهِمَةٍ فَلَا تَقُومُ مَقَامَ عِبَارَتِهِ فَأَمَّا إذَا طَالَتْ الْغَفْلَةُ أَوْ الْحَبْسَةُ فِي لِسَانِهِ وَدَامَ هَلْ تُعْتَبَرُ إشَارَتُهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ لَا تُعْتَبَرُ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ النُّطْقِ فَلَا تَقُومُ إشَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتِهِ وَقِيلَ تُعْتَبَرُ، وَقَدْ رَوَى هَذَا أَبُو عُمَرَ وَالصَّغَانِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَالَتْ الْغَفْلَةُ صَارَ لَهُ إشَارَةٌ مَعْهُودَةٌ فَتَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ كَمَا فِي الْأَخْرَسِ وَإِضَافَةُ الْوَكَالَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ تَوْكِيلٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوِصَايَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَكَالَةٌ.
وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فِي مَالِهِ كَانَ وَصِيًّا فِيهِ، وَفِي وَلَدِهِ وَإِذَا أَوْصَى إلَيْهِ فِي أَنْوَاعٍ وَسَكَتَ عَنْ نَوْعٍ فَالْوَصِيُّ فِي نَوْعٍ يَكُونُ وَصِيًّا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَعُمَّ وِصَايَتُهُ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ فَجَعْلُ مَنْ اخْتَارَهُ الْمَيِّتُ وَصِيًّا بِبَعْضِ أُمُورِهِ وَصِيًّا فِي كُلِّهَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ غَيْرِهِ وَصِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ وَرَضِيَ بِتَصَرُّفِ هَذَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَصْلَحَهُ وَاسْتَصْوَبَهُ فِي الْوِصَايَةِ فَكَوْنُ هَذَا وَصِيًّا عَلَى الْعُمُومِ أَوْلَى.
وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ وَصِيٌّ إلَى أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ الْأَوَّلُ وَصِيٌّ مَعَ الثَّانِي وَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِيصَاءَ قَابِلٌ لِلتَّوْقِيتِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ أَوْ إثْبَاتُ وِلَايَةٍ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ قَابِلٌ لِلتَّوْقِيتِ فَيَتَوَقَّتُ وِصَايَةُ الْأَوَّلِ بِقُدُومِ فُلَانٍ فَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ انْعَزَلَ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا إلَى أَنْ يَقْدُمَ فُلَانٌ، وَصَارَ الثَّانِي وَصِيًّا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ وَصِيَّةَ الْأَوَّلِ بِالشَّرْطِ وَتَعْلِيقُ الْإِيصَاءِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ وَتَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ، وَالنِّيَابَةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ سَافَرْت فَأَنْت وَكِيلِي فِي أَمْرِي صَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَى عَمْرٍو مَا لَمْ يَقْدَمْ زَيْدٌ وَسَكَتَ فَقَدِمَ زَيْدٌ كَانَ عَمْرٌو وَصِيًّا بَعْدَ قُدُومِ زَيْدٍ وَكَانَ أَقَامَ عَمْرًا وَصِيًّا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ وَوَصِيُّهُ أَوْلَى مِنْ إقَامَةِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت إلَى عَمْرٍو مَا لَمْ يَقْدَمْ زَيْدٌ فَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدْ أَوْصَيْت إلَى زَيْدٍ كَانَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَمْرٌو وَصِيًّا مَعَهُ بَعْدَ قُدُومِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ مَنْ لَيْسَ بِمُخْتَارِ الْمَيِّتِ مَقَامَ عَمْرٍو وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْعَمَلِ وَيَلْحَقُهُ ضَرَرُ الْعُهْدَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ، وَالْتِزَامِهِ، وَإِذَا أَوْصَى إلَيْهِ فَقَبِلَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ رَدَّ لَمْ يَخْرُجْ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَا أَوْصَى إلَّا إلَى مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصْدِقَاءِ، وَالْأُمَنَاءِ فَلَوْ اعْتَبَرَ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَرُبَّمَا لَا يَقْبَلُ فَلَا يَحْصُلُ غَرَضُهُ وَهُوَ الْوَصِيُّ الَّذِي اخْتَارَهُ.
وَقِيلَ لَوْ صَحَّ رَدُّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ تَضَرَّرَ بِهِ وَصَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى قَبُولِهِ بِأَنْ يَقُومَ بِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَالْوَصِيُّ بِقَبُولِ الْوِصَايَةِ الْتَزَمَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ وَقَعَ الْمُوصِي فِي ضَرَرٍ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الْوَصِيِّ فَصَارَتْ الْوِصَايَةُ لَازِمَةً عَلَيْهِ شَرْعًا بِالْتِزَامِهِ نَظَرًا لِلْمُوصِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّةَ لَوْ لَمْ يَصِحَّ رَدُّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَتَضَرَّرُ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ الثُّلُثُ إلَى الْوَرَثَةِ بَلْ الضَّرَرُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ قَبِلَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ثُمَّ رَدَّهُ فِي حَيَاتِهِ مُوَاجِهَةً يَصِحُّ وَلَا يَصِحُّ بِدُونِ مَحْضَرِ الْمُوصِي أَوْ عِلْمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغُرُورِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ طَلَبَ مِنْهُ الِالْتِزَامَ بَعْدَ الْوَفَاةِ لِإِحَالَةِ الْحَيَاةِ وَلَا يُمْكِنُهُ فِي الْأَخِيرَةِ أَنْ يُوَصِّيَ إلَى غَيْرِهِ فَتَضَرَّرَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ شَاءَ قَبِلَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمَيِّتَ مَغْرُورٌ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْأَلَ أَنْ يَقْبَلَهُ أَوْ لَا يَقْبَلَهُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ وَاعْتَمَدَ عَلَى أَنَّهُ يَقْبَلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يُوصِ إلَى غَيْرِهِ فَقَدْ قَصَّرَ فِي أَمْرِهِ فَصَارَ مُغْتَرًّا مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لَا مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الْوَصِيِّ، وَالْقَبُولُ تَارَةً يَكُونُ بِالْقَبُولِ وَتَارَةً بِالْفِعْلِ فَالْقَبُولُ
بِالْفِعْلِ كَتَنْفِيذٍ فِي وَصِيَّتِهِ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ لِلْوَرَثَةِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ كَقَبُولِهِ بِالْقَوْلِ إذْ الْوِصَايَةُ قَدْ تَمَّتْ وَتَقَرَّرَتْ بِمَوْتِ الْوَصِيِّ شَرْعًا فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ الْبُطْلَانَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي.
إلَّا أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ وِلَايَةَ الرَّدِّ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ ضَرَرُ الْوِصَايَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَيْسَ مِنْ صَيْرُورَتِهِ وَصِيًّا بِغَيْرِ عِلْمِهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَصِيِّ إذَا كَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ، وَالْإِبْطَالُ كَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ يَثْبُتُ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُقِرُّ قَبْلَ الْقَبُولِ تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِ الْمُقِرِّ لَهُ فَإِذَا تَصَرَّفَ الْوَصِيُّ فِي التَّرِكَةِ تَصَرُّفًا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهِ تَلْزَمُهُ الْوِصَايَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ إلَّا بِرَدِّ التَّصَرُّفِ وَلَا يُمْكِنُهُ رَدُّ التَّصَرُّفِ فَلَا يَبْقَى لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ لَزِمَتْهُ الْوِصَايَةُ ضَرُورَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى الدُّخُولُ فِي الْوَصِيَّةِ أَوَّلَ مَرَّةٍ غَلَطٌ، وَالثَّانِي خِيَانَةٌ، وَالثَّالِثُ سَرِقَةٌ وَإِذَا ظَهَرَتْ مِنْ الْوَصِيِّ خِيَانَةٌ عَزَلَهُ الْقَاضِي، وَنَصَبَ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ فِي الْإِيصَاءِ أَصْلٌ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْإِيصَاءِ وَفَائِدَتَهَا تَحْصُلُ بِهَا ثُمَّ الْأَوْصِيَاءُ ثَلَاثَةٌ عَدْلٌ كَافٍ، وَغَيْرُ عَدْلٍ كَافٍ، وَفَاسِقٌ مَخُوفٌ عَلَى مَالِهِ فَالْعَدْلُ الْكَافِي لَا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي وَإِنْ عَزَلَهُ يَنْعَزِلُ وَصَارَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ لَلْقَاضِيَ سَطْوَةَ يَدٍ، وَوِلَايَةً شَامِلَةً عَلَى الْكَافَّةِ خُصُوصًا عَلَى مَالِ الْمَيِّتِ، وَالصِّغَارِ فَيَكُونُ عَزْلُ الْقَاضِي كَعَزْلِ الْمَيِّتِ لَوْ كَانَ حَيًّا، قَالَ صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ: الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ.
وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّ لِلْمَيِّتِ وَصِيًّا، وَالْوَصِيُّ غَائِبٌ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَالْوَصِيُّ هُوَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ دُونَ وَصِيِّ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ اخْتِيَارُ الْمَيِّتِ دُونَ وَصِيِّ الْقَاضِي كَمَا إذَا كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا، وَالْعَدْلُ الَّذِي لَيْسَ بِكَافٍ أَوْ ضَعِيفٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَحِفْظِ التَّرِكَةَ بِنَفْسِهِ يَضُمُّ إلَيْهِ غَيْرَهُ.
وَلَا يَعْزِلُهُ لِاعْتِمَادِ الْمُوصِي عَلَيْهِ لِأَمَانَتِهِ وَصِيَانَتِهِ حَتَّى لَا يَنْقَطِعَ عَنْ الْمَيِّتِ مَنْفَعَةُ عَدَالَتِهِ وَيَضُمُّ إلَيْهِ آخَرَ حَتَّى يَزُولَ ضَرَرُ عَدَمِ كِفَايَتِهِ وَهِدَايَتِهِ، وَالْفَاسِقُ الْمَخُوفُ عَلَى مَالِهِ يَعْزِلُهُ الْقَاضِي وَنَصَبَ آخَرَ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ فِي إبْقَائِهِ عَلَى الْوَصِيَّةِ إضْرَارًا بِالْمَيِّتِ، وَالْمَيِّتُ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَزْلِهِ فَقَامَ الْقَاضِي مَقَامَهُ فِي الْعَزْلِ.
وَفِي الْفَتَاوَى: وَلَوْ قَالَ الْوَصِيُّ لِي عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ قِيلَ بِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوِصَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِلُّ الْأَخْذَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهُ إلَّا إذَا ادَّعَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْمُوصَى لَهُ إمَّا أَنْ تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ، وَأَمَّا أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَإِمَّا أَنْ أُخْرِجَك مِنْ الْوِصَايَةِ فَإِنْ أَبْرَأهُ وَإِلَّا أَخْرَجَهُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي آدَابِ الْقَاضِي أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لِلْمَيِّتِ وَصِيًّا آخَرَ فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ الدَّيْنِ خَاصَّةً حَتَّى يُقِيمَ الْأَوَّلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا عَلَى الْخَصْمِ وَلَا يَخْرُجُهُ مِنْ الْوِصَايَةِ مَرِيضٌ.
قَالَ لِآخَرَ: اقْتَضِ دُيُونِي صَارَ وَصِيًّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَا لَمْ يَقُلْ اقْضِ دُيُونِي وَنَفِّذْ وَصَايَايَ لَا يَصِيرُ وَصِيًّا سُئِلَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَوْمٍ ادَّعُوا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمْ، وَالْوَصِيُّ يَعْلَمُ بِذَلِكَ قَالَ يَبِيعُ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ مِنْ الْغَرِيمِ ثُمَّ يَجْحَدُ الْغَرِيمُ الثَّمَنَ فَيَصِيرُ قِصَاصًا عَنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ مَتَاعًا أَوْدَعَهُمْ ثُمَّ يَجْحَدُونَ.
وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَصِيٌّ شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلٌ أَنَّ لِهَذَا عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ يَسَعُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ خَافَ الضَّمَانَ وَسِعَهُ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا شَيْئًا بِعَيْنِهِ كَجَارِيَةٍ وَنَحْوِهَا فَعَلِمَ الْوَصِيُّ أَنَّهَا لِهَذِهِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ غَصَبَهَا قَالَ هَذَا يَدْفَعُهَا إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَرُدَّ عَنْهُ بَلْ رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لَا تَرْتَدُّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَصِحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيَرُدُّ رَدَّهُ عَلَيْهِ فَيَبْقَى وَصِيًّا عَلَى مَا كَانَ كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ فَيَكُونُ مُخَيَّرًا.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ فَاعْتَبَرَ عِلْمَ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى غُرُورِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْمُوَكِّلِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ عَلَى هَذَا عَرَفْت أَنَّ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مُخَالِفًا لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ كَالتَّتِمَّةِ، وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مُرَادَ مَا ذُكِرَ فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ الْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ نَفْسِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَمُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ هُنَا مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَتَوَاقَفَتْ الرِّوَايَاتُ جَمْعًا وَلَمْ تَخْتَلِفْ إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ الْغَايَةِ وَإِلَى هَذَا مَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَقْرِيرِهِ فِي شَرْحِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَبَيْعُ التَّرِكَةِ كَقَبُولِهِ) شَرَعَ الْمُؤَلِّفُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَبُولَ تَارَةً يَكُونُ بِاللَّفْظِ وَتَارَةً يَكُونُ بِالْفِعْلِ
فَالْقَبُولُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَبِيعَ الْوَصِيُّ التَّرِكَةَ قَبْلَ الْقَبُولِ بِاللَّفْظِ فَهُوَ قَبُولُ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْمَوْتِ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْمُوصِي سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْإِيصَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ.
وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ كَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ وَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ أَنْ يُخْبِرَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَمَّا الْإِيصَاءُ فَخِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِحَالِ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمَيِّتِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ إنْ لَمْ يُخْرِجَهُ قَاضٍ مُنْذُ قَالَ لَا أَقْبَلُ) أَيْ الْمُوصِي إلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَالَ أَقْبَلُ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يُبْطِلُ الْإِيصَاءُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ وَضَرَرُ الْمُوصَى لَهُ فِي الْإِبْقَاءِ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْأَوَّلِ أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ يَصِحُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ كَمَا أَنَّ لَهُ إخْرَاجَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا فَإِذَا رَأَى غَيْرَهُ أَصْلَحَ مِنْهُ كَانَ لَهُ عَزْلُهُ وَنَصَبَ غَيْرَهُ وَرُبَّمَا يَعْجِزُ هُوَ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِالْوَصِيَّةِ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي الضَّرَرَ وَيَنْصِبُ حَافِظًا لِمَالِ الْمَيِّتِ مُتَصَرِّفًا فِيهِ فَيَدْفَعُ الضَّرَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: أَقْبَلُ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَمَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِإِخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ، وَالْمُوصِي إلَيْهِ.
فَإِنَّ قَبُولَ الْأَوَّلِ فِي الْحَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى لَوْ قَبِلَ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصِي ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَانَ صَحِيحًا بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إذَا قَبِلَهُ فِي حَالَ الْحَيَاةِ ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ، وَفِي أَنَّ قَبُولَهُ حَالَ حَيَاتِهِ مُعْتَبَرٌ وَقَبُولُ الْأَوَّلِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِيصَاءَ يَقَعُ لِلْمَيِّتِ فَكَانَ رَدُّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهِ إضْرَارًا بِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدِهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ يَبِيعُ مَالَهُ حَيْثُ يَصِحُّ رَدُّهُ فِي غَيْبَتِهِ وَبِغَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمَحْبُوبِيِّ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْوَكَالَةِ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ قَاضٍ إلَى آخِرِهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي هَذَا الْإِخْرَاجِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حُكْمٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ بِقَبُولِهِ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ وَيَصِحُّ الْإِخْرَاجُ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَلْوَانِيُّ.
قَالَ رحمه الله (وَإِلَى عَبْدٍ وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ بَدَّلَ بِغَيْرِهِمْ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي وَيَسْتَبْدِلُ غَيْرَهُمْ مَكَانَهُمْ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى شُرُوطِ الْوِلَايَةِ فَالْأَوَّلُ: الْحُرِّيَّةُ، وَالثَّانِي: الْإِسْلَامُ.
وَالثَّالِثُ: الْعَدَالَةُ فَلَوْ وَلَّى مَنْ ذُكِرَ صَحَّ وَيَسْتَبْدِلُ غَيْرَهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُمْ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوِلَايَةَ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ قِيلَ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ فِي الْعَبْدِ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي غَيْرِهِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ وَقِيلَ فِي الْكَافِرِ بَاطِلَةٌ أَيْضًا لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ أَنَّ أَصْلَ النَّظَرِ ثَابِتٌ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً وَوِلَايَةُ الْفَاسِقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا وَوِلَايَةُ الْكَافِرِ تَتِمُّ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ مَوْلَاهُ وَتَمَكُّنُهُ مِنْ الْحَجْرِ بَعْدَهَا، وَالْمُعَادَةُ الدِّينِيَّةُ دَالَّةٌ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَاتِّهَامِ الْفَاسِقِ بِالْخِيَانَةِ فَيُخْرِجُهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ وَيُقِيمُ غَيْرَهُمْ مَقَامَهُمْ إتْمَامًا لِلنَّظَرِ وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عُذْرًا فِي إخْرَاجِهِ وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي مَنَافِعِهِ كَالْحُرِّ وَإِنْ رَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْقِنِّ، وَالصَّبِيِّ كَالْقِنِّ لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ لَمْ يُخْرِجْهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ وَإِذَا تَصَرَّفَ الصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ الْقَاضِي مِنْ الْوِصَايَةِ هَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَنْفُذُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَنْفُذُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَلَوْ أَوْصَى إلَى عَاقِلٍ فَجُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجْعَلَ مَكَانَهُ وَصِيٌّ لِلْمَيِّتِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْقَاضِي حَتَّى أَفَاقَ الْوَصِيُّ كَانَ وَصِيًّا عَلَى حَالِهِ، وَفِي نَوَادِرِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَالَ إنْ مِتّ أَنْت فَالْوَصِيُّ بَعْدَك فُلَانٌ فَجُنَّ الْأَوَّلُ جُنُونًا مُطْبِقًا فَالْقَاضِي يَجْعَلُ مَكَانَهُ وَصِيًّا حَتَّى يَمُوتَ الَّذِي جُنَّ فَيَكُونُ
الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوصِي وَصِيًّا فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله فِي نَوَادِره فِيمَنْ أَوْصَى إلَى ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ قَالَ يَجْعَلُ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا يَجُوزُ أَمْرُهُ وَإِذَا بَلَغَ ابْنُهُ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَأَخْرَجَ الْأَوَّلَ إنْ شَاءَ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِلَى عَبْدِهِ وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ صَحَّ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ جَازَ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُنْعَدِمَةٌ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهَا وَلِأَنَّ فِيهِ الْوِلَايَةَ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَفِي هَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الصَّادِرَةَ مِنْ الْأَبِ لَا تَتَجَزَّأُ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ تَجَزُّؤُهَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا فَلَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فَلَا مُنَافَاةَ فَإِنْ قِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَيَتَحَقَّقُ الْمَنْعُ، وَالْمُنَافَاةُ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ لَمْ يَبْقَ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ أَوْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ إذَا كَانَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ وَإِيصَاءُ الْمَوْلَى إلَيْهِ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْوَصَايَا قَدْ تُجَزَّأُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَكُونُ فِي الدَّيْنِ، وَالْآخَرُ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِيمَا أَوْصَى إلَيْهِ خَاصَّةً أَوْ نَقُولُ يُصَارُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ أَصْلِهِ وَتَعْيِينُ الْوَصْفِ بِإِبْطَالِ عُمُومِ الْوِلَايَةِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَصْلِ الْإِيصَاءِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيهِ مُضْطَرِبٌ، وَيُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا لَا) يَعْنِي إنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا بِأَنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ كِبَارًا لَا يَجُوزُ الْإِيصَاءُ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ أَوْ يَبِيعُ نَصِيبَهُ فَيَمْنَعُهُ الْمُشْتَرِي فَيَعْجَزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ فَلَا يَفْسُدُ.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ) ؛ لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْوَصِيِّ وَحَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ وَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ، وَلَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُ كَانَ دُونَهُ فَكَانَ إبْقَاؤُهُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ قُدِّمَ عَلَى أَبِ الْمَيِّتِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا شَكَا الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَيْهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى تَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فَاتَتْ الْأَمَانَةُ، وَالْمَيِّتُ إنَّمَا اخْتَارَهُ لِأَجْلِهَا وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ بَعْدَ فَوَاتِهَا وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ عِنْدَ عَجْزِهِ وَيُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ مَاتَ وَلَا وَصِيَّ لَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَيَبْطُلُ فِعْلُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا أَوْ أَوْصَى إلَيْهِمَا بِعَقْدٍ عَلَى حَدِّهِ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَقْدَيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَيْسَانِيُّ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْبُطْلَانِ التَّوَقُّفُ عَلَى إجَازَةِ الْآخَرِ أَوْ رَدَّهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وَكَّلَهُمَا مُتَفَرِّقًا حَيْثُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَّ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ دَلِيلٌ عَلَى عَجْزِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ وَحْدَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ ضَمَّ الْإِيصَاءِ إلَى الثَّانِي يَقْصِدُ بِهِ الِاشْتِرَاكَ مَعَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ لِلْأَوَّلِ فَيَمْلِكُ اشْتَرَاكَ الثَّانِي مَعَهُ، وَقَدْ يُوصِي الْإِنْسَانُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إتْمَامِ مَقْصُودِهِ وَحْدَهُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ عَجْزُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيَضُمُّ إلَيْهِ غَيْرَهُ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيصَاءِ إلَيْهِمَا مَعًا وَلَا كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ فَإِنَّ رَأْيَ الْمُوَكِّلِ قَائِمٌ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ عَاجِزًا لَبَاشَرَ بِنَفْسِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمَّا وَكَّلَ عَلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا مَعًا بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُتَعَاقِبَةِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا مَعًا فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إنَّ الْوَصَايَا سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لِلْأَخَوَيْنِ وَهَذِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصَايَا خِلَافَةٌ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْخِلَافَةُ إذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ كَذَلِكَ فَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْمُوصِي أَيُّهُمَا يُؤْذِنُ بِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّفَقَةِ
إلَيْهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُرَاعَى وَصْفُ ذَلِكَ، وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الِاثْنَيْنِ وَلَمْ يَرْضَ الْمُوصِي إلَّا بِالِاثْنَيْنِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي هَذَا السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ شَطْرِ الْعِلَّةِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ الْقَرَابَةُ، وَقَدْ قَامَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلَا وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفْءٍ يَخْطُبُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَهَاهُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ.
وَلِهَذَا بَقِيَ مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ فَفِي الْوَلِيَّيْنِ أَوْلَى حَتْمًا عَلَى صَاحِبِهِ، وَفِي الْوَصِيَّيْنِ اسْتَوْفَى حَقًّا لِصَاحِبِهِ، فَلَا يَصِحُّ نَظِيرُ الْأَوَّلِ إيفَاءُ دَيْنٍ عَلَيْهِمَا وَنَظِيرُ الثَّانِي اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ لَهُمَا حَيْثُ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِخِلَافِ مَوَاضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ لَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ دَائِمًا أَبَدًا وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَأَخَوَاتُهَا.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، وَأَوْصَى إلَى صَاحِبِهِ جَازَ وَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ: إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ فَقَالَ الَّذِي قَبِلَ لِلسَّاكِتِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي: اشْتَرِ هَذَا لِلْمَيِّتِ فَقُلْ نَعَمْ كَانَ قَبُولًا لِلْوَصِيَّةِ وَإِذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ، وَقَالَ لَهُمَا ضَعَا ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ شِئْتُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَا ذَلِكَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَيَرْجِعُ الثُّلُثُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ قَالَ جَعَلَتْ ثُلُثَ مَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا قَالَ يَجْعَلُ الْقَاضِي وَصِيًّا آخَرَ، وَإِنْ شَاءَ يَقُولُ لِلثَّانِي مِنْهُمَا أَقْسِمْ أَنْتَ وَحْدَك وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَحْدَهُ، وَفِيهِ أَيْضًا سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ بِأَنْ يَشْتَرِيَا مِنْ مَالِهِ عَبْدًا بِكَذَا دِرْهَمًا وَلِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ عَبْدٌ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا سَمَّاهُ الْمُوصِي هَلْ لِلْوَصِيِّ الْآخَرِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ بِمَا نَصَّ الْمُوصِي.
قَالَ إنْ فَوَّضَ الْمُوصِي إلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ فِي ذَلِكَ فَشِرَاؤُهُ مِنْ صَاحِبِهِ جَائِزٌ، وَلَوْ بَاعَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْعَبْدِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَشْتَرِيَا جَمِيعًا لِلْمَيِّتِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: فَهَذَا أَصْوَبُ.
وَفِيهِ أَيْضًا سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَمَّنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَقَالَ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِ فُلَانٍ قَالَ هُوَ وَصِيٌّ تَامٌّ، وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِغَيْرِ رَأْيِ فُلَانٍ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ الثَّانِي هُوَ الْوَصِيُّ التَّامُّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ وَصِيٌّ نَاقِصٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا كِلَاهُمَا وَصِيَّانِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَوَّلُ هُوَ الْوَصِيُّ وَبِهِ قَالَ نُصَيْرٌ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ إنْ قَالَ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِ فُلَانٍ فَهُوَ الْوَصِيُّ خَاصَّةً وَإِنْ قَالَ لَا تَعْمَلْ إلَّا بِرَأْيِ فُلَانٍ فَهُمَا وَصِيَّانِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ، وَقَالَ بِالشُّهُودِ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ شُهُودٍ جَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْهُ بِمَحْضَرِ فُلَانٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ فُلَانٍ يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ لَا تَبِعْ إلَّا بِالشُّهُودِ أَوْ قَالَ لَا تَبِعْ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ فَبَاعَ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ مَحْضَرِ فُلَانٍ لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الْمُوصِي بِعِلْمِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ إلَّا بِعِلْمِ فُلَانٍ.
وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ إلَى رَجُلَيْنِ، وَقَالَ لَهُمَا: ضَعَا ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ شِئْتُمَا أَوْ قَالَ أَعْطَيَاهُ مِمَّنْ شِئْتُمَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أُعْطِيه فُلَانًا، وَقَالَ الْآخَرُ: أُعْطِيه فُلَانًا آخَرَ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ أَوْصَى بِنَصِيبِ بَعْضِ وَلَدِهِ إلَى رَجُلٍ وَبِنَصِيبِ الْبَعْضِ إلَى رَجُلٍ آخَرَ فَهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْكُلِّ وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ وَإِلَى آخَر أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ يُنْفِذَ وَصِيَّتَهُ فَهُمَا وَصِيَّانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيٌّ عَلَى مَا سُمِّيَ لَهُ لَا يَدْخُلُ الْآخَرُ مَعَهُ.
وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِمِيرَاثِهِ فِي بَلَدِ كَذَا إلَى رَجُلٍ وَبِمِيرَاثِهِ فِي بَلَدِ كَذَا إلَى رَجُلٍ وَبِمِيرَاثِهِ فِي بَلَدٍ أُخْرَى إلَى آخَرَ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إذَا جَعَلَ الرَّجُلُ رَجُلًا وَصِيًّا عَلَى ابْنِهِ وَجَعَلَ رَجُلًا آخَرَ وَصِيًّا عَلَى ابْنِهِ أَوْ جَعَلَ أَحَدَهُمَا وَصِيًّا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَجَعَلَ الْآخَرَ وَصِيًّا فِي مَالِهِ الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِيمَا أَوْصَى إلَى الْآخَرِ يَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى مَا شَرَطَ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْوَصِيَّتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأَبَوَيْنِ، وَمَعَهُمْ وَصِيُّ الْأُمِّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ: جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا حَتَّى ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ ثُمَّ أَنَّهُمَا أَعْتَقَا الْجَارِيَةَ وَاكْتَسَبَتْ اكْتِسَابًا ثُمَّ مَاتَتْ وَأَوْصَتْ إلَى رَجُلٍ وَلَمْ تَدَعْ وَارِثًا غَيْرَ ابْنِهَا هَذَا وَهُوَ صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ كَانَ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْوَلَدِ وَحِفْظُهُ لِلْوَلَدَيْنِ لَا لِوَصِيِّ الْأُمِّ فَإِنْ غَابَ الْوَالِدَانِ تَظْهَرُ وِلَايَةُ وَصِيِّ الْأُمِّ فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ
وَلَكِنْ إنَّمَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ فِيمَا وَرِثَ الصَّغِيرُ مِنْ الْإِمَامِ، وَفِيمَا كَانَ لِلصَّغِيرِ قَبْلَ مَوْتِ الْأُمِّ لَا فِيمَا وَرِثَ الصَّغِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَمَا ثَبَتَ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ ثَبَتَ لَهُ وِلَايَةُ كُلِّ تَصَرُّفٍ هُوَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ كَبَيْعِ الْمَنْقُولِ وَبَيْعِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَإِنْ غَابَ أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْآخَرُ حَاضِرٌ.
فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَحِفْظِهِ لِلْوَالِدِ دُونَ وَصِيِّ الْأُمِّ.
وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا غَيْرَ هَذَا الصَّغِيرِ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَالْوَالِدُ الْآخَرُ حَاضِرٌ فَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِلصَّغِيرِ وَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي التَّرِكَتَيْنِ لِلْأَبِ الثَّانِي لَا لِوَصِيٍّ وَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ الثَّانِي غَائِبًا فَلِوَصِيِّ الْأُمِّ حِفْظُ مَا تَرَكَتْ الْأُمُّ فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَإِنْ مَاتَ الْوَارِثُ الثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَوَصِيُّهُ يَكُونُ أَوْلَى مِنْ وَصِيِّ الْأَبِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَهُ وَأَوْلَى مِنْ وَصِيِّ الْأُمِّ فَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ الَّذِي مَاتَ أَوَّلًا أَبٌ وَهُوَ جَدُّ هَذَا الْغُلَامِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَوَصِيُّ الْأَبِ الَّذِي مَاتَ آخِرًا أَوْلَى بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْأَبُ الَّذِي مَاتَ آخِرًا أَبًا وَهُوَ جَدُّ الْغُلَامِ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ أَوْلَى مِنْ أَبِيهِ وَإِنْ مَاتَ وَوَصِيُّ الْأَبِ الَّذِي مَاتَ آخِرًا وَلَمْ يُوَصِّ إلَى أَحَدٍ وَمَاتَ الْأَبُ الَّذِي مَاتَ آخِرًا وَلَمْ يُوَصِّ إلَى أَحَدٍ، وَقَدْ تَرَكَ الْأَبُ الَّذِي مَاتَ أَوَّلًا أَبًا جَدَّ هَذَا الْغُلَامِ وَوَصِيًّا فَإِنَّ وَصِيَّ الْأَبِ الَّذِي مَاتَ أَوَّلًا أَوْلَى مِنْ وَصِيِّهِ فَإِنْ كَانَ مَاتَ الْوَالِدَانِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبٌ وَأَوْصَى كُلُّ وَاحِدٍ إلَى رَجُلٍ إنْ عَرَفَ الَّذِي مَاتَ أَوَّلًا مِنْ الَّذِي مَاتَ آخِرًا فَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِوَصِيٍّ الَّذِي مَاتَ آخِرًا وَإِنْ مَاتَ هَذَا الْمُوَصِّي وَلَمْ يُوَصِّ إلَى أَحَدٍ وَمَاتَ الْأَبُ الَّذِي عُرِفَ مَوْتُهُ آخِرًا وَلَمْ يُوَصِّ إلَى أَحَدٍ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِلْجَدَّيْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِهِ.
قَالَ رحمه الله (إلَّا فِي التَّجْهِيزِ وَشِرَاءِ الْكَفَنِ) ؛ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ أَيْضًا فِي الْحَضَرِ، وَالرُّفْقَةُ فِي السَّفَرِ قَالَ رحمه الله (وَحَاجَةُ الصِّغَارِ، وَالِاتِّهَابُ لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ هَلَاكَهُمْ مِنْ الْجُوعِ، وَالْعُرْيِ وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ خَيْرٌ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ قَالَ رحمه الله (وَرَدُّ وَدِيعَةِ عَيْنٍ وَقَضَاءُ دَيْنٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَمْلِكُهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِخِلَافِ اقْتِضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا فِي الْقَبْضِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ حَقِيقَةُ الْمُبَادَلَةِ وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ وَرَدُّ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَكَذَا حِفْظُ الْمَالِ فَلِذَلِكَ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ وَمَا اسْتَثْنَاهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ إلَّا فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ لِلْمَيِّتِ وَتَجْهِيزُهُ وَطَعَامُ الصِّغَارِ وَكِسْوَتُهُمْ وَرَدُّ وَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا وَقَضَاءُ دَيْنٍ وَتَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا وَعِتْقُ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَالْخُصُومَةُ فِي حُقُوقِ الْمَيِّتِ. اهـ.
وَهَذِهِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ كَمَا تَرَى قَصَرَ الْقُدُورِيُّ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَيْهَا فِي مُخْتَصَرِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَزَادَ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ أَشْيَاءَ بِقَوْلِهِ وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ، وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، وَحِفْظُ الْأَمْوَالِ وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَبَيْعُ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى، وَالتَّلَفَ وَجَمْعُ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ وَهَذِهِ الَّتِي زَادَهَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ فَيَصِيرُ مَجْمُوعُ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ. اهـ. .
قَالَ رحمه الله (وَتَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَعِتْقُ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيٍ قَالَ رحمه الله (وَالْخُصُومَةُ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ) ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهِ مُتَعَذَّرٌ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ الْقَاضِيَ مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا عَاجِزٌ عَنْ الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا يَنْظُرُ إلَى الْمَيِّتِ عِنْدَ عَجْزِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَالْمُوصِي قَدَرَ أَنْ يَجْعَلَ وَصِيَّيْنِ يَتَصَرَّفَانِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ لِتَحْقِيقِ نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْأَوَّلِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَقَضَاءُ دَيْنٍ قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَالْمُرَادُ بِالتَّقَاضِي الِاقْتِضَاءُ وَكَذَا كَانَ الْمُرَادُ فِي عُرْفِهِمْ اهـ.
وَهَذَا يُوهِمُ أَنْ لَا يَكُونَ الِاقْتِضَاءُ الَّذِي هُوَ الْقَبْضُ مَعْنَى التَّقَاضِي فِي الْوَضْعِ، وَاللُّغَةِ بَلْ كَانَ مَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ حَيْثُ قَالَ: الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ. اهـ.
وَيَدُلُّك عَلَى كَوْنِ مَعْنَاهُ ذَلِكَ فِي الْوَضْعِ مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَقَاضَاهُ الدَّيْنَ قَبَضَهُ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الْأَسَاسِ تَقَاضَيْته دَيْنِي وَبِدَيْنِي، وَاقْتَضَيْته دَيْنِي وَاقْتَضَيْت مِنْهُ حَقِّي أَيْ أَخَذْتُهُ اهـ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِتَصَرُّفَاتِ الْأَبِ وَوَكِيلِ
الْأَبِ، وَالْجَدِّ، وَالْقَاضِي وَأَمِينِ الْقَاضِي فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْأَصْلِ: الْأَبُ إذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ اشْتَرَى مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ لِإِتْمَامِ هَذَا الْعَقْدِ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ حَتَّى إنَّ الْأَبَ إذَا قَالَ بِعْت هَذَا مِنْ وَلَدِي بِكَذَا أَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْهُ هَذَا بِكَذَا فَإِنَّهُ يَتِمُّ الْعَقْدُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقُولَ بِعْت وَاشْتَرَيْت، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا بَاعَ مِنْ وَلَدِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبُولَ هَكَذَا ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا مَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ فِي الْكِتَابِ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ لِجَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ وَتَمَامِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيثَاقِ لِحَقِّ الصَّغِيرِ حَتَّى يَتِمَّ مُعَامَلَةُ الصَّغِيرِ وَيَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ مِنْ الِابْنِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَفِي هَذَا الْغَبْنِ الْيَسِيرِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَمْنَعُ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَصَحُّ.
وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ مِنْ ابْنٍ لَهُ، وَالِابْنُ صَغِيرٌ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ وَكَّلَ الصَّغِيرُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكِيلًا وَوَكَّلَ الْأَبُ أَيْضًا ذَلِكَ الْوَكِيلَ فَبَاعَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَذَا هُنَا وَلَوْ كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا وَقَبِلَ مِنْ الْوَكِيلِ جَازَ، وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ مِنْ جَانِبِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ، وَمِنْ جَانِبِ الْأَبِ عَلَى الْوَكِيلِ وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ ذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا اشْتَرَى الْأَبُ عَبْدَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ شِرَاءً فَاسِدًا فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدَ أَوْ يَقْبِضَهُ أَوْ يَأْمُرَهُ بِعَمَلٍ مَاتَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، وَفِي الْمُنْتَقَى اشْتَرَى مِنْ ابْنِهِ عَبْدًا، وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْأَبِ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَهُوَ مِنْ مَالِ الِابْنِ حَتَّى يَأْمُرَهُ الْوَالِدُ بِعَمَلٍ أَوْ يَقْبِضَهُ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ ابْنَانِ فَبَاعَ مَالَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ وَهُمَا صَغِيرَانِ فَإِنْ قَالَ: بِعْت عَبْدَا بَنِي فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ جَازَ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الدِّيَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَّةَ إنَّهُمَا إذَا بَلَغَا فَالْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ تَكُونُ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِمَا وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ رَجُلًا حَتَّى بَاعَ مَالَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ يَجُوزُ، وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَبَ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ مَلَّكَ هَؤُلَاءِ وَكِيلَهُ لِفَقْدِهَا.
وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ وَوَكِيلًا بِالشِّرَاءِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ يَجُوزُ، وَفِي الزِّيَادَاتِ الْأَبُ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ عَدْلًا عِنْدَ النَّاسِ أَوْ كَانَ مَسْتُورًا بِحَالٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ حَتَّى لَوْ كَبِرَ الِابْنُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْقَضَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْمَشَايِخِ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إذَا كَانَ خَيْرًا لِلصَّغِيرِ بِأَنْ بَاعَ بِضَعْفِ قِيمَتِهِ، وَإِنْ بَاعَ مَا سِوَى الْعَقَارِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ: يَجُوزُ وَيُؤْخَذُ الثَّمَنُ وَيُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ خَيْرًا لِلصَّغِيرِ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا، وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَبُ إذَا بَاعَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَا ثَمَنُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِرْهَمٍ يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَى لَهُ مَا ثَمَنُهُ دِرْهَمٌ بِعَشَرَةٍ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ، وَفِي الْأَصْلِ سَوَّى بَيْنَ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَشْبَاهِهَا وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي أَبْوَابِ الْوَصَايَا أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا وَرِثَ مَالًا، وَالْأَبُ مُبَذِّرٌ مُسْتَحِقُّ الْحَجْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبِ، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ: رَجُلٌ بَاعَ عَبْدَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ فِي مَرَضِهِ: قَدْ قَبَضْت مِنْ فُلَانٍ مِنْ الثَّمَنِ مِائَتَيْنِ فَمَاتَ فِي مَرَضِهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُ الْأَبِ وَكَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ هَذَا الْإِقْرَارُ مِنْ الْمَرِيضِ وَلَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ قَبَضْتهَا مِنْ فُلَانٍ فَضَاعَتْ كَانَ مُصَدَّقًا وَلَوْ قَالَ: قَبَضْتهَا وَاسْتَهْلَكْتهَا لَمْ يَكُنْ مُصَدَّقًا.
وَلَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْهَا وَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إذَا أَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ أَوْ فِي مَالِهِ الزِّيَادَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا اشْتَرَى الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ يَنْوِي أَنْ يَرْجِعَ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَقْضِ لَهُ الْقَاضِي بِالرُّجُوعِ وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ رَبِّهِ أَنْ يَرْجِعَ، وَفِي الْمُنْتَقَى: عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَعَلَى الْأَبِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْفُذَ فَهُوَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً يَعْنِي مَالَ الْأَبِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الِابْنِ، وَلَوْ اشْتَرَى لِابْنِهِ دَارًا وَأَشْهَدَ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ يَشْتَرِيهِ مِمَّا لَا يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ دَيْنٍ كَانَ عَلَى الْأَبِ، وَضَمِنَ لِلْأَبِ عَنْهُ، وَذُكِرَ فِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ تَفْصِيلًا فِيمَا اشْتَرَى الْأَبُ لِابْنِهِ قَالَ إنْ كَانَ اشْتَرَى شَيْئًا يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً وَلَا مَالَ لِلصَّغِيرِ لَا يَرْجِعُ الْأَبُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ الْمُشْتَرَى طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً وَلِلصَّغِيرِ مَالٌ أَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى دَارًا أَوْ ضَيَاعًا إنْ كَانَ الْأَبُ
شَهِدَ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَا يَرْجِعُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا أَوْ ضَيْعَةً أَوْ مَمْلُوكًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَإِنْ كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ فَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ أَشْهَدَ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ مَالٌ لَا يَرْجِعُ أَشْهَدَ عَلَى الرُّجُوعِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ ثُمَّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ وَقْتَ الشِّرَاءِ، وَفِي بَعْضِهَا: يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ وَقْتَ نَقْدِ الثَّمَنِ.
وَنَقُولُ: إذَا أَشْهَدَ وَقْتَ نَقْدِ الثَّمَنِ إنَّمَا نَقَدَ الثَّمَنَ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ، وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَجُلٌ اشْتَرَى لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ثَوْبًا وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ أَدَّى الثَّمَنَ فِي مَرَضِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ بِشَيْءٍ.
وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَمَةً لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِذَا أَسْلَمَ الْأَمَةَ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْأَمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ إمْهَارُ الْأَمَةِ وَيَكُونُ عَلَى الْأَبِ قِيمَتُهَا لِلزَّوْجَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: اشْتَرَى الْأَبُ قَرِيبَ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ لَا يَجُوزُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ وَيَجُوزُ عَلَى الْأَبِ، وَلَوْ اشْتَرَى لِلْمَعْتُوهِ أَمَةً كَانَ اسْتَوْلَدَهَا بِحُكْمِ النِّكَاحِ يَلْزَمُ الْأَبُ قِيَاسًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَهَذَا الْقِيَاسُ، وَالِاسْتِحْسَانُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ أَصْلًا فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْأَبَ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ نَفْسِهِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ بِمِثْلِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ وَيَصِيرُ الثَّمَنُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ وَيَصِيرُ هُوَ ضَامِنًا لِلصَّغِيرِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَبَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَفِّيَ دَيْنَهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُ قَضَاءَ دَيْنِ نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَإِذَا صَحَّ رَهْنُ الْأَبِ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ بِمَا فِيهِ وَيَضْمَنُ الْأَبُ لِلصَّغِيرِ قِيمَةَ الرَّهْنِ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ يَضْمَنُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْأَبِ فِي اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَبَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ لَا بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي، وَالْأَبُ إذَا أَقْرَضَ مَالَ نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَأَخَذَ رَهْنًا مِنْ مَالِ وَلَدِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَخُوَاهَرْ زَادَهْ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ: عَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ مَسَائِلَ الْمَعْتُوهُ وَالتَّصَرُّفُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهِ سَنَةٌ مِنْ يَوْمِ صَارَ مَعْتُوهًا، قَالَ وَلَا أَحْفَظُ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ شَيْئًا، قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَّتَ فِي ذَلِكَ شَهْرًا ثُمَّ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الَّذِي قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي الْجُنُونِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمَعْتُوهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْأَحْكَامِ.
وَإِذَا أَرْسَلَ الْأَبُ غُلَامَهُ فِي حَاجَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ ابْنِ صَغِيرٍ لَهُ جَازَ وَلَا يَصِيرُ الْأَبُ قَابِضًا مِنْ ابْنِهِ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْغُلَامُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْوَلَدِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْوَالِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ مِنْهُ حَيْثُ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ عَنْ الِابْنِ بِنَفْسِ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ الْعَبْدُ حَتَّى بَلَغَ الْوَلَدُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْوَلَدِ لَا يَصِيرُ الْوَالِدُ قَابِضًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْوَالِدُ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ وَإِنْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَفِي حِيَلِ الْأَصْلِ ذَكَرَ طَرِيقَ بَرَاءَةِ الْأَبِ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَقَالَ يُخْرِجُ الْأَبُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَقُولُ الْأَبُ إنِّي اشْتَرَيْت وَقَدْ قَبَضْتهَا لِابْنِي بِكَوْنِهِ فِي يَدَيَّ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَبْرَأُ عَنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَشْتَرِ لِابْنِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ شَيْئًا وَعَلَى هَذَا إذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ عَنْهُ فَهُوَ عَلَى مَا قُلْنَا، وَفِي الْهَارُونِيِّ الثَّمَنُ الَّذِي لَزِمَ الْأَبَ بِشِرَاءِ مَالِ وَلَدِهِ فَلَا يَبْرَأُ الْأَبُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ فِي يَدِهِ عَنْ ابْنِهِ وَدِيعَةً وَإِذَا بَاعَ دَارِهِ مِنْ ابْنِهِ فِي عِيَالِهِ، وَالْأَبُ سَاكِنٌ فِيهَا لَا يَصِيرُ الِابْنُ قَابِضًا حَتَّى يُفَرِّغَهَا الْأَبُ حَتَّى لَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ، وَالْأَبُ فِيهَا يَكُونُ الْهَلَاكُ عَلَى الْأَبِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِيهَا مَتَاعُ الْأَبِ أَوْ عِيَالُهُ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ فِيهَا فَإِنْ فَرَّغَهَا الْأَبُ صَارَ الِابْنُ قَابِضًا فَإِنْ عَادَ الْأَبُ بَعْدَمَا تَحَوَّلَ مِنْهَا فَسَكَنَهَا أَوْ جَعَلَ فِيهَا مَتَاعًا أَوْ سَكَّنَهَا عِيَالَهُ وَكَانَ غَنِيًّا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ، وَفِي الْهَارُونِيِّ.
وَلَوْ بَاعَ الْأَبُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ جُبَّةً، وَهِيَ عَلَى الْأَبِ
أَوْ طَيْلَسَانًا هُوَ لَابِسُهُ أَوْ خَاتَمًا فِي أُصْبُعِهِ لَا يَصِيرُ الِابْنُ قَابِضًا حَتَّى يَنْزِعَ ذَلِكَ الْأَبُ وَكَذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ، وَالْأَبُ رَاكِبُهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَيْهَا حِمْلٌ حَتَّى يَنْزِعَهُ عَنْهَا.
وَلَوْ قَالَ الْأَبُ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ اشْتَرَيْت جَارِيَةَ ابْنِي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَابْنُهُ صَغِيرٌ فِي عِيَالِهِ جَازَ الشِّرَاءُ وَيَصِيرُ الْأَبُ قَابِضًا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ إنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ، وَالثَّمَنُ دَيْنٌ عَلَيْهِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْأَبُ لِلصَّغِيرِ أَجِيرًا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ فَالْأُجْرَةُ عَلَى الْأَبِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفُذُ عَلَى الصَّغِيرِ قَالَ الْقَاضِي رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ لَوْ غَصَبَ إنْسَانٌ دَارَ صَبِيٍّ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَمَا ظَنَّك فِي هَذَا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ رَوَى وُجُوبَ أَجْرِ الْمِثْلِ إلَّا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ خَيْرًا لِلصَّغِيرِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ النُّقْصَانُ وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَبًا وَأَوْصَى كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُنَفِّذَ وَصَايَاهُ وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ وَوَرَثَةٌ صِغَارٌ وَتَرَكَ مَتَاعًا وَعَقَارًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، وَفِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لَمْ يُذْكَرْ هَذَا الْفَصْلَ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى هَذَا الْبَيَانِ فَإِنَّهُ أَقَامَ الْجَدَّ مَقَامَ الْأَبِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا تَرَكَ وَصِيًّا، وَأَبًا فَالْوَصِيُّ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ فَالْأَبُ أَوْلَى.
وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَأَوْصَى لِوَصِيِّهِ فَهُوَ أَوْلَى ثُمَّ وَصَّى الْقَاضِي، وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْقَاضِيَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ بَعْضُ أُمَنَاءِ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي خُصُومَةٌ مَعَهُ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَنُوبِ عَنْهُ الْقَاضِي إذَا بَاعَ عَلَى صَغِيرٍ دَارًا فَإِذَا هِيَ لِصَغِيرٍ آخَرَ هُوَ فِي وِلَايَتِهِ لَا يَجُوزُ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْمُنْتَقَى: الْقَاضِي إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ الْيَتِيمِ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَشَارَ إلَى الْمَعْنَى، وَقَالَ: لِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي مَالَ الصَّغِيرِ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ وَحُكْمُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ وَذُكِرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ فِي أَوَّلِ مَسَائِلِ النِّكَاحِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ الْيَتِيمَةَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَهَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْقَاضِي يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ، وَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: إذَا اشْتَرَى مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ مِنْ وَصِيِّ الْيَتِيمِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي جَعَلَهُ وَصِيًّا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْقَاضِي إذَا بَاعَ أَمِينُ الْقَاضِي مَالَ الصَّغِيرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ الثَّمَنَ حَتَّى أَمَرَ الْقَاضِي الْأَمِينَ أَنْ يَضْمَنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي فَضَمِنَ صَحَّ ضَمَانَهُ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي
أَمِينِ الْقَاضِي. وَالْأَبُ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ وَضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي نَصْبَ الْوَصِيِّ فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَنْصِبُ فَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْفَصْلَ بِتَمَامِهِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرْنَا ثَمَّةَ: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَرَادَ نَصْبَ الْوَصِيِّ لِصَغِيرٍ هَلْ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّغِيرِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ وَإِذَا نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا لِلصَّغِيرِ، وَخَصَّ لَهُ نَوْعًا مِنْ الْأَنْوَاعِ تَقْتَصِرُ وِصَايَتُهُ عَلَى ذَلِكَ النَّوْعِ فَالْوِصَايَةُ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي قَابِلَةٌ لِلتَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْوِصَايَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ عَنْ غَيْرِ وَصِيٍّ فَقَالَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ: جَعَلْتُك وَكِيلًا فِي تَرِكَةِ فُلَانٍ فَهُوَ وَكِيلٌ فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ خَاصَّةً حَتَّى يَقُولَ لَهُ: بِعْ وَاشْتَرِ وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُك وَصِيًّا فَهُوَ وَصِيٌّ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا اشْتَرَى الْقَاضِي مِنْ مَتَاعِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ فَإِذَا رَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ نَظَرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ أَجَازَهُ وَإِلَّا لَمْ يُجِزْهُ وَكَرِهَ الْقَاضِي شِرَاءَهُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْقَاضِي إذَا اسْتَأْجَرَ لِلْيَتِيمِ أَجِيرًا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ بِحَيْثُ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَلَوْ قَالَ الْقَاضِي تَعَمَّدْت الْجَوَازَ تَنْفُذُ الْإِجَارَةُ عَلَى الْقَاضِي وَيَجِبُ جَمِيعُ الْأَجْرِ فِي مَالِ الْقَاضِي وَإِذَا أَقْرَضَ مَالَ الْيَتِيمِ صَحَّ.
قَالَ رحمه الله (وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيُّ التَّرِكَتَيْنِ) أَيْ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ فَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ وَلَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكْهُ وَلِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ فَصَارَ كَوَصِيِّ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَصِيًّا فِي مَالِ الْوَكِيلِ خَاصَّةً دُونَ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي
مِثْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ.
وَكَذَا الْوَصِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَصِّيَ فِي مَالِ الْمُوصَى لَهُ وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ تَصَرَّفَ بِوَصِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْوَصِيِّ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ وَلَوْ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَمَّا لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى الْجَدِّ فَإِذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ لِلْوَصِيِّ تَنْتَقِلُ إلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ وَإِلَى الْوَصِيِّ فِي الْمَالِ ثُمَّ الْجَدِّ قَامَ مَقَامَ الْأَبِ فِيمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ الْإِيصَاءَ فِيهِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ ثُمَّ الْجَدُّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِيمَا لَهُ وِلَايَتُهُ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ فَيَنْزِلُ الثَّانِي مَنْزِلَتَهُ فِي التَّرِكَتَيْنِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ بَلْ وَجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الْمَنِيَّةُ صَارَ رَاضِيًا بِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ الْمَوْتِ قَبْلَ تَتْمِيمِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ مَا فَوَّضَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ فِيهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْصُلَ مَقْصُودُهُ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يُوجَدْ دَلَالَةُ الرِّضَا بِالتَّفْوِيضِ إلَى غَيْرِهِ بِالتَّوْكِيلِ.
قَالَ رحمه الله (وَتَصِحُّ قِسْمَتُهُ عَنْ الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ عَكَسَ لَا) يَعْنِي قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ وَعَكْسُهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَا إذَا قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدَّ عَلَيْهِ وَيَصِيرَ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمَيِّتِ شَيْئًا غَرَّ فِيهِ الْمَيِّتُ.
وَالْوَصِيُّ أَيْضًا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَتَنْفُذُ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمُوصَى لَهُ أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمَيِّتِ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عِنْدَ غَيْبَتِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ مَا قَرَّرَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُوصِي كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تُنَفَّذْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فَيَتْوَى مَا تَوَى مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ مِنْ عَلَى الشَّرِكَةِ وَلَهُ الْبَيْعُ فِي مَالِ الصِّغَارِ، وَالْقِسْمَةُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْكِبَارِ فَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ لِلْحِفْظِ إلَّا الْعَقَارَ فَإِنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَقِسْمَتُهُ عَلَى الْوَرَثَةِ الْكِبَارِ حَالَ غَيْبَتِهِمْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَقِسْمَةُ الْوَصِيِّ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَعَ الْمُوصَى لَهُ أَوْ فِيمَا بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَمَّا قِسْمَتُهُ مَعَ الْمُوصَى لَهُ جَائِزَةٌ مَعَ الصِّغَارِ، وَفِي الْمَنْقُولِ وَقَبْضُ نَصِيبِهِمْ وَأَمَّا فِي الْعَقَارِ لَا تَجُوزُ عَلَى الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعُ مَعْنًى وَلَهُ وِلَايَةُ بَيْعِ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكِبَارِ دُونَ بَيْعِ الْعَقَارِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ.
وَذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْعَقَارِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبُ مَعَ الْوَرَثَةِ وَذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوب أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَقَامَ الْوَصِيَّ مَقَامَ نَفْسِهِ وَأَثْبَتَ الْوِلَايَةَ لَهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ عَجْزِهِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَحْتَاجُ فِي تَنْفِيذِ وَصَايَاهُ إلَى إيصَالِ التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ يُثَابُ بِوُصُولِ التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ كَمَا يُثَابُ بِوُصُولِ الْوَصِيَّةِ إلَى الْمُوصَى لَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ نَظَرًا لِلْمُوصَى وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ الْقِسْمَةَ عَلَى الْكِبَارِ الْحُضُورِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْحَاجَةِ الْفَاضِلَةِ فَيُمْكِنُ تَأْخِيرُهَا إذَا امْتَنَعُوا عَنْ الْقِسْمَةِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ بِخِلَافِ الْحَاجَةِ الضَّرُورِيَّةِ لَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهَا؛ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ تَوَهُّمَ الضَّيَاعِ، وَفِي الضَّيَاعِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا، وَفِي تَأْخِيرِ الْحَاجَةِ الْفَاضِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ تُوهِمُ الضَّيَاعَ، وَفِي الضَّيَاعِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَيِّتِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَحِلُّ الْقِسْمَةُ إذَا ضَاعَ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ يَضِيعُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا يَبْقَى يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ.
وَقِسْمَةُ الْوَصِيِّ الْمِيرَاثَ بَيْنَ الصِّغَارِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْوَصِيِّ مَالَ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ لِلصَّغِيرِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلصَّغِيرِ فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ يَكُونُ الْآخَرُ فِيهِ مَضَرَّةٌ ظَاهِرَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فَلَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَلِي الْعَقْدَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ هَذِهِ الْقِسْمَةِ أَنْ يَبِيعَ حِصَّةَ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ مَشَاعًا وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً بَاعَ حِصَّةَ أَحَدِ الصِّغَارِ مِنْ آخَرَ ثُمَّ يُقَاسِمُ مَعَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ حِصَّةُ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ كَيْ يَمْتَازَ حَقُّ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانُوا الْوَرَثَةُ صِغَارًا وَكِبَارًا، وَالْكِبَارُ غُيَّبٌ
لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي بَيْعَهُ عَلَى الْكِبَارِ فَكَذَلِكَ قِسْمَتُهُ، وَفِي الْعُرُوضِ لَهُ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ كَمَا يَلِي بَيْعَهَا؛ لِأَنَّ الْكِبَارَ الْغُيَّبَ الْتَحَقُوا بِالصِّغَارِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّ الْكُلَّ صِغَارٌ وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ صِغَارًا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ فَكَذَا هَذَا وَإِنْ كَانَ الْكِبَارُ حُضُورًا جَازَ قِسْمَتُهُ عَنْ الصِّغَارِ مَعَ الْكِبَارِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قِسْمَةٌ جَرَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَالْقِسْمَةُ بَيْنَ الصِّغَارِ جَرَتْ مِنْ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي الْقِسْمَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ فِي حَقِّ الصِّغَارِ جُمْلَةً فَالْقِسْمَةُ فِي حَقِّ الْكِبَارِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا جَرَتْ بَيْنَ الْكَبِيرِ، وَالْوَصِيِّ فِي نَصِيبِ الصِّغَارِ وَإِذَا قَسَّمَ الْوَصِيَّانِ التَّرِكَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ بَعْضِهِمْ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَكِلَاهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا التَّفَرُّدَ بِالْقِسْمَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْقِسْمَةِ إلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَكَّلَ صَاحِبَهُ فِي الْقِسْمَةِ فَتَصِيرُ قِسْمَتُهُ مَعَ صَاحِبِهِ كَقِسْمَتِهِ مَعَ نَفْسِهِ.
قَالَ رحمه الله (فَلَوْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ رَجَعَ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ لَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ رَجَعَ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فَيَرْجِعُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى مَا فِي يَدِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَيَأْخُذُ بِثُلُثِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ فِي حَقِّهِ وَإِذَا هَلَكَ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ قَدْرَ الثُّلُثِ مَا قَبَضُوا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَصِيَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَالْوَرَثَةُ بِالْقَبْضِ فَيُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجَّةٍ فَقَاسَمَ الْوَرَثَةُ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ يَحُجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ فَضَاعَ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ يَحُجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ الْبَاقِي وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الْمُقَرَّرُ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَحُجُّ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْمَنَاسِكِ.
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي وَأَخَذُ حَظَّ الْمُوصَى لَهُ إنْ غَابَ) أَيْ إنْ غَابَ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ تَصِيرُ الْوَصِيَّةَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ.
وَالْقَاضِي نَاظِرٌ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ وَإِقْرَارُ نَصِيبِ الْغَائِبِ وَقَبْضُهُ مِنْ النَّظَرِ فَيُنَفَّذُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ وَلَا عَلَى الْقَاضِي وَهَذَا فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ تَابِعٌ حَتَّى جَازَ أَخْذُهُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ مُرَابَحَةً وَأَمَّا مَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا الْقِسْمَةُ.
قَالَ رحمه الله (وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ) أَيْ يَصِحُّ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَلَوْ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ عَنْ الْغُرَمَاءِ فَكَذَا الْوَصِيُّ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ لَا بِالصُّورَةِ، وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ الْمَالِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ أَخْلَفَ شَيْئًا، وَهُوَ الثَّمَنُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَهُمْ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.
قَالَ رحمه الله (وَضَمِنَ الْوَصِيُّ إنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْصَى بِبَيْعِهِ، وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ إنْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ بَعْدَ هَلَاكِ ثَمَنِهِ عِنْدَهُ) مَعْنَاهُ إذَا أَوْصَى بِبَيْعِ عَبْدِهِ، وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبَاعَ الْوَصِيُّ الْعَبْدَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْهَلَاكِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ لَمْ يَرْضَ بِبَدَلِ الثَّمَنِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْبَائِعُ وَهُوَ الْوَصِيُّ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِضَمَانِ الْوَصِيِّ فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَلَا فِي الطَّعَامِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْبَيْعِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ أَوْ بِغَيْرِ طَلَبٍ وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَالْوَصِيُّ تَارَةً يَضْمَنُ وَتَارَةً لَا يَضْمَنُ فَإِذَا أَمَرَ الْوَصِيُّ الْمُسْتَوْدِعَ أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الْيَتِيمِ فَأَقْرَضَ ضَمِنَ الْمُسْتَوْدِعُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فَلَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ وَالْأَمْر بِهِ فَلَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ بِالْإِقْرَاضِ، وَلَوْ قَضَى الْوَصِيَّانِ دَيْنًا لِرَجُلٍ ثُمَّ شَهِدَا أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا لَمْ يَحُزْ وَيَضْمَنَانِ إنْ ظَهَرَ دَيْنٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَغْرَمًا؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا ضَامِنَيْنِ مَا دَفَعَا إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا دَفَعَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَلَوْ شَهِدَا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَا جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا
بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَلَا يَدْفَعَانِ مَغْرَمًا وَهُوَ لُزُومُ قَضَاءِ الدَّيْنِ.
وَمَسَائِلُ الْإِطْعَامِ عَلَى فُصُولٍ: الْأَوَّلِ: لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لِكَفَّارَةِ يَمِينِهِ، وَغَدَّى الْوَصِيُّ عَشَرَةَ ثُمَّ مَاتُوا قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يُغَدِّي وَيُعَشِّي عَشَرَةً أُخْرَى وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ غَدَّاهُمْ بِأَمْرِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ التَّغْدِيَةَ إطْعَامٌ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ، وَفَاتَ الْإِكْمَالُ لَا بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا وَإِنْ قَالَ: أَطْعِمُوا عَنِّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ غَدَاءً وَعَشَاءً، وَلَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةً فَغَدَّى عَشَرَةً ثُمَّ مَاتُوا فَإِنَّهُ يُعَشِّي عَشَرَةً سِوَاهُمْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ سَدُّ عَشَرَةِ خُلَّاتٍ وَرَدُّ عَشَرَةِ جَوْعَاتٍ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّغْدِيَةِ، وَالتَّعْشِيَةِ وَبِالْمَوْتِ فَاتَ ذَلِكَ فَيُغَدِّي وَيُعَشِّي غَيْرَهُمْ فَأَمَّا إذَا نَصَّ عَلَى الْإِطْعَامِ غَدَاءً وَعَشَاءً فَالْجَمْعُ، وَالتَّفْرِيقُ سَوَاءٌ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ قَالَ: أَطْعِمْ عَنِّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَغَدَّى عَشَرَةً ثُمَّ مَاتُوا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ قِيَاسًا وَلَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا وَيُعَشِّي غَيْرَهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْإِطْعَامِ مُطْلَقًا فَالْتَحَقَ بِالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ شَرْعًا فِي الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْغَدَاءِ، وَالْعِشَاءِ فَسَوَاءٌ فَرَّقَ أَوْ جَمَعَ جَازَ.
رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا مَالًا، وَقَالَ: إنْ مِتُّ فَادْفَعْهُ إلَى ابْنِي فَدَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرَهُ ضَمِنَ حِصَّتَهُ وَلَا يَكُونُ هَذَا وَصِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ فَبَقِيَ أَمِينًا لِلْوَرَثَةِ، وَالْأَمِينُ إذَا دَفَعَ مَالَ الْوَرَثَةِ إلَى أَحَدِهِمْ ضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ أَدْفَعُهُ إلَى فُلَانٍ غَيْرِ وَارِثٍ ضَمِنَ الْمَالَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا خَلَطَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ بِمَالِهِ، فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ حِفْظِهِ كَيْفَمَا كَانَ مَرِيضٌ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ قَرَابَتُهُ يَأْكُلُونَ مِنْ مَالِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: إنْ أَكَلُوا بِأَمْرِ الْمَرِيضِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ وَارِثًا ضَمِنَ وَمَنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ حُسِبَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: احْتَاجَ الْمَرِيضُ إلَى تَعَاهُدِهِمْ فِي مَرَضِهِ فَأَكَلُوا مَعَهُ وَمَعَ عِيَالِهِ بِغَيْرِ إسْرَافٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ.
رَجُلٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَ وَصِيَّهُ رَقِيقَهُ لِلْغُرَمَاءِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ عِنْدَهُ أَوْ مَاتَ بَعْضُ الرَّقِيقِ فِي يَدِ الْوَصِيِّ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَصِيِّ وَيَرْجِعُ بِهِ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ عَامِلٌ لِلْغُرَمَاءِ وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ وَلَحِقَهُ فِيهِ ضَمَانٌ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَعْمُولِ لَهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَصِيِّ لَمْ يَرْجِعْ الْوَصِيُّ بِالثَّمَنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغُرَمَاءُ أَمَرُوهُ بِبَيْعِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لَهُ بِعْ رَقِيقَ الْمَيِّتِ وَاقْضِنَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانُوا قَالُوا: بِعْ عَبْدَ فُلَانٍ هَذَا رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَيَّنُوهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِنْ دَيْنِهِمْ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِأَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِمْ.
وَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ فَقَالَ الْوَصِيُّ لَا أَبِيعُهُ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ، وَقَدْ ضَاعَ الثَّمَنُ رَجَعَ بِهِ الْوَصِيُّ عَلَى الْغَرِيمِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَكِنَّ الْوَصِيَّ بَاعَ الرَّقِيقَ لِلْوَرَثَةِ الْكِبَارِ فَهُمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِمَنْزِلَةِ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي رَقِيقَ الْمَيِّتِ لِلْغُرَمَاءِ فَضَاعَ الثَّمَنُ عِنْدَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الرَّقِيقَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ لَا عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْغُرَمَاءِ كَأَنَّهُمْ نَالُوا الْبَيْعَ بِأَنْفُسِهِمْ.
رَجُلٌ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنَّمَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ قَبْلَ أَنْ يَجْنِيَ فَلَمَّا جَنَى لَمْ يَكُنْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْتِقَهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْجِنَايَةَ عَنْهُ فَإِذَا أَعْتَقَهُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي عِتْقِهِ، وَالْجِنَايَةُ لَازِمَةٌ لَهُ فَإِنْ قَالَ الْوَصِيُّ عِنْدَ الْقَاضِي: قَدْ اخْتَرْت إمْسَاكَ الْعَبْدِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ شُهُودًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَيَدْفَعَ الْعَبْدَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ غَيْرَ الْعَبْدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ وَيُؤَدِّيَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ بَعْد مَا اخْتَارَهُ فَالْجِنَايَةُ دَيْنٌ عَلَى الْأَيْتَامِ حَتَّى يُؤَدُّوهَا.
قَالَ رحمه الله (وَيَرْجِعُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ بِهِ فِي تَرِكَتِهِ كَالْوَكِيلِ.
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ عَامِلًا لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهَا وَمَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ بَلْ بِحُكْمِ الْغُرُورِ، وَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ عَلَيْهِ يُقْضَى مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا فِي سَائِرِ دُيُونِ الْمَيِّتِ، وَفِي الْمُنْتَقَى: لَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ فَكَانَ غُرْمُهُ عَلَيْهِمْ.
قَالَ رحمه الله (وَفِي مَالِ الطِّفْلِ إنْ بَاعَ مَالَهُ وَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ
رَجَعَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ قَالَ رحمه الله (وَهُوَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي حِصَّتِهِمْ) أَيْ الصَّبِيُّ يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ لِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ احْتِيَالُهُ بِمَالِهِ لَوْ خَيْرًا لَهُ) أَيْ يَجُوزُ احْتِيَالُ الْوَصِيِّ بِمَالِ الْيَتِيمِ إذَا كَانَ فِيهِ خَيْرٌ بِأَنْ يَكُونَ الثَّانِي أَمْلَأَ إذْ الْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ إنْ حَكَمَ بِسُقُوطِهِ حَاكِمٌ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ إذَا مَاتَ الثَّانِي مُفْلِسًا أَوْ جَحَدَ الْحَوَالَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَا يَرَى رُجُوعَ الدَّيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ.
وَقَوْلُهُ لَوْ خَيْرًا بَيَّنَ أَنَّهُ يَصِحُّ احْتِيَالُهُ إذَا كَانَ الثَّانِي خَيْرًا مِنْ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ مَا إذَا كَانُوا سَوَاءً فَفِي الذَّخِيرَةِ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ إنْ كَانَ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ بَيْعِهِ مَالَ الْيَتِيمِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَيْثُ يَجُوزُ، وَالْحَوَالَةُ لَا تَجُوزُ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ وَلَوْ احْتَالَ بِمَالِهِ وَأَخَذَ الْكَفِيلَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَمْلَأَ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ، وَقَدْ أَخَذَ الدَّيْنَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْحَوَالَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمْلَأَ مِنْ الْمُحِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِمُدَايِنَةِ الْمَيِّتِ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِمُدَايِنَةِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ أَوْ شَرًّا لَهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ خَيْرًا لَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى إنَّهُ إذَا أَدْرَكَ وَأَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ شَرًّا لَهُ جَازَ ذَلِكَ وَيَضْمَنُ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ شَرًّا.
قَالَ رحمه الله (أَوْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَشِرَاؤُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَفِي اعْتِبَارِهِ انْسِدَادُ بَابِ الْوِصَايَةِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ، وَالصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ، وَالْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْإِذْنُ فَكَّ الْحَجْرَ، وَالصَّبِيُّ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُونَهُ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ تَبَرُّعٌ وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِمَا وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَهَذَا إذَا تَبَايَعَ الْوَصِيُّ لِلصَّغِيرِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ وَيَشْتَرِي مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْعٌ فَلَا يَجُوزُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ حَالٍ هَذَا فِي وَصِيِّ الْأَبِ وَأَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَلِلْأَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَالْغَبْنُ يَسِيرٌ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ يَرْغَبَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِضَعْفِ الثَّمَنِ أَوْ يَكُونُ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ إلَى الثَّمَنِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ يُفْتَى وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ فَشَمِلَ الْعُرُوضَ، وَالْعَقَارَ وَمَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْعَقَارِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ صِغَارًا وَسَيَأْتِي حُكْمُ تَصَرُّفِهِ وَإِذَا كَانُوا كِبَارًا أَوْ مُخْتَلَطِينَ وَإِذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ مَسَائِلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يُصَدَّقُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَقِسْمٌ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَقِسْمٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَمَّا الْأَوَّلُ إذَا قَالَ الْوَصِيُّ: إنَّ أَبَاك تَرَكَ رَقِيقًا وَأَنْفَقْت عَلَيْهِمْ أَوْ قَالَ اشْتَرَيْت رَقِيقًا وَأَدَّيْت الثَّمَنَ ثُمَّ مَاتُوا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى مَا فِيهِ إصْلَاحُ الصَّغِيرِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ وَعَلَى رَقِيقِهِ مِقْدَارَ حَاجَتِهِمْ إصْلَاحٌ لَهُمْ فَيُصَدَّقُ فِيهِ وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْ فُلَانٍ الْعَبِيدَ الَّذِي فِي يَدِهِ وَدَفَعْت الثَّمَنَ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ يُصَدَّقُ عَلَى الصَّبِيِّ دُونَ ذُو الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الشِّرَاءِ، وَالْبَيْعِ وَتَنْمِيَةِ مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ إصْلَاحٌ لَهَا لِكَيْ لَا يَسْتَأْصِلَهَا النَّفَقَةُ، وَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْت رَجُلًا لِرَدِّ الْآبِقِ صُدِّقَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ فِعْلٌ هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ شَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلَاحِ الصَّغِيرِ وَإِحْيَائِهِ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي لَوْ قَالَ أَنْفَقْت مِنْ مَالِي لِأَرْجِعَ عَلَيْك لَمْ يُصَدَّقْ وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: اسْتَهْلَكْت مَالًا فَأَدَّيْت ضَمَانَهُ وَأَنْفَقْت عَلَى أَخٍ لَك كَانَ زَمَنًا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَمْ يَكُنْ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّطٍ عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلَا عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى مَحَارِمِهِ قَبْلَ فَرْضِ الْقَاضِي وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ لَوْ
قَالَ أَبَقَ غُلَامُك وَأَدَّيْت جُعْلَ الْآبِقِ وَأَدَّيْت
خَرَاجَ أَرْضِك عَشْرَ سِنِينَ. وَقَالَ الْوَارِثُ: لَمْ تُؤَدِّ إلَّا حَظَّ سَنَةٍ صُدِّقَ الْوَصِيُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَصَمَا، وَالْأَرْضُ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ بِأَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ، وَقَالَ الصَّبِيُّ: كَانَتْ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْوَصِيُّ: كَانَتْ صَالِحَةً فَعَلَى الْخِلَافِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْحَالِ يُصَدَّقُ الْوَصِيُّ إجْمَاعًا بَعْدَمَا أَنْفَقَا عَلَى مُدَّةِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَقَرَّ بِمَا لَيْسَ بِمُسَلَّطٍ عَلَيْهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْغَلَّةِ، وَالتَّسْلِيطُ يَتَحَقَّقُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ إنَّ عَبْدَك جَنَى فَفِدْيَتُهُ بِكَذَا أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ إنْسَانٍ فَأَدَّيْت ضَمَانَهُ مِنْ مَالِك لَا يُصَدَّقُ فَكَذَا هَذَا لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ شَرْعًا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَّلَ مَالَ الصَّبِيِّ وَأَخَذَ بِإِزَائِهِ عِوَضًا يُعَدُّ لَهُ أَوْ مَنْفَعَةً فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُزَارَعَةِ إلَّا بِالْخَرَاجِ فَكَانَ الْخَرَاجُ بَدَلَ مَالِهِ لِيَقَعَ مُقَابِلَهُ وَكَذَلِكَ إصْلَاحُ أَمْرِ أَرْضِهِ، وَالْوَصِيُّ مُسَلَّطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ إذَا كَانَ فِيهِ إصْلَاحٌ وَإِرْفَاقٌ وَلَوْ أَحْضَرَ الْوَصِيُّ رَجُلًا إلَى الْقَاضِي فَقَالَ إنَّ هَذَا رَدُّ عَبْدِ الصَّبِيِّ مِنْ الْإِبَاقِ فَوَجَبَ لَهُ الْجُعْلُ، وَفِي يَدِي مَالُ هَذَا الصَّبِيِّ فَأُعْطِيهِ هَلْ يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي قِيلَ هَذَا عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَقِيلَ: لَا يُصَدِّقُهُ بِالْإِنْفَاقِ فَيَحْتَاجُ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ ثَمَّةَ ادَّعَى وُجُوبَ الْجُعْلِ فِي مَالِهِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّطٍ عَلَى الدَّعْوَى لِغَيْرِهِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَهُنَا ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَدَّعِ الْجُعْلَ فِي مَالِهِ لِلْحَالِ فَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِإِحْيَاءِ مَالِهِ وَإِصْلَاحِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَبَيْعُهُ عَلَى الْكَبِيرِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَلِي الْعَقَارَ وَيَلِي مَا سِوَاهُ فَكَذَا وَصِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا وَلَا الْأَبُ كَمَا لَا يَمْلِكُ عَلَى الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا فِيمَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ حِفْظَ ثَمَنِهَا أَيْسَرُ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ، وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ لِلْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَاعَ الْعَقَارَ ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ فَإِذَا ثَبَتَ فِي الْبَعْضِ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ وَلَوْ كَانَ يَخَافُ هَلَاكَ الْعَقَارِ وَيَمْلِكُ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ حِفْظًا لِلْمَنْقُولِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ: فَإِنْ قُلْت عِلْمُ حُكْمِ مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ كِبَارًا غَيْبًا أَوْ الْكُلُّ صِغَارًا بَقِيَ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ كِبَارًا وَبَعْضُهُمْ صِغَارًا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا وَكِبَارًا، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ أَوْصَى لِوَصِيِّهِ بَيْعَ الْعُرُوضِ، وَالْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَحِصَّةَ الصَّغِيرِ فِي الْعَقَارِ وَأَمَّا حِصَّةُ الْكِبَارِ الْحَضَرُ فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا، وَإِنْ كَانُوا غَائِبِينَ فَيَمْلِكُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ) أَيْ الْوَصِيُّ لَا يَتَّجِرُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ فَإِنْ قُلْتَ هَذِهِ الْعِبَارَةُ عَلَى إطْلَاقِهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِي غَيْرِهِ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ، وَلَا يَتَّجِرُ لِنَفْسِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ وَوَصِيُّ الْأَخِ، وَالْعَمِّ، وَالْأُمِّ فِي مَالِ تَرِكَتِهِمْ مِيرَاثًا لِلصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْأَبِ فِي الْكَبِيرِ الْغَائِبِ بِخِلَافِ مَالٍ آخَرَ لِلصَّغِيرِ غَيْرُ مَا تَرَكَهُ الْمُوصِي حَيْثُ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَهُوَ الْأَخُ وَمَنْ بَعْدَهُ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا وَصِيُّهُمْ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَالْجَدِّ حَيْثُ يَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فِيمَا تَرَكَهُ مِيرَاثًا.
فَكَذَا وَصِيُّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَيُشْهِدُ لِلْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهَا تِجَارَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِمَصَالِح الْيَتِيمِ وَاجِبٌ عَلَى الْوَصِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِئْجَارِهِ وَصِيٌّ كَانَ فِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِأَخَوَيْنِ فَقَالَ دَفَعْت إلَى أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ وَكَذَّبَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَهُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى الدَّفْعِ، وَالرَّدِّ فَيُصَدَّقُ فِيهِ، وَصِيٌّ عِنْدَهُ أَلْفَانِ لِيَتِيمَيْنِ فَأَدْرَكَا فَدَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا أَلْفًا وَصَاحِبُهُ الْآخَرُ حَاضِرٌ وَجَحَدَ الْقَابِضُ الْقَبْضَ مِنْهُ يَغْرَمُ الْوَصِيُّ خَمْسَمِائَةٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ لَا تَجُوزُ وَلَوْ كَانَ الْقَابِضُ مُقِرًّا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْوَصِيُّ وَرَجَعَ بِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ بَقِيَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِيمَا قَبَضَهُ صَاحِبُهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَالْوَصِيُّ بِالدَّفْعِ صَارَ ضَامِنًا وَمَتَى أَدَّى الضَّمَانَ مَلَكَ الْمَضْمُونَ وَهُوَ نَصِيبُ الْجَاحِدِ