الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَيْسَ لَهُ النَّقْضُ وَالْحَائِطُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ بَنَى الْحَائِطَ لَا مِنْ تُرَابِ هَذِهِ الْأَرْضِ فَلَهُ النَّقْضُ وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ رَجُلٌ بَنَى حَائِطًا فِي كَرْمِ رَجُلٍ مِنْ تُرَابِ كَرْمِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلتُّرَابِ قِيمَةٌ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ لِلتُّرَابِ قِيمَةٌ فَالْحَائِطُ لِلْبَانِي وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْبِنَاءِ. اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ مَا إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يَنْقُضَ الْبِنَاءَ وَيَرُدَّ السَّاجَةَ هَلْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ نَقَضَ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَمْلِكُ النَّقْضَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحِلُّ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ سُئِلَ عَمَّنْ غَصَبَ سَاجَةً فَأَدْخَلَهَا فِي بِنَائِهِ أَوْ تَالَّةً فَغَرَسَهَا فِي أَرْضِهٍ أَوْ غُصْنًا فَوَصَلَهُ بِشَجَرَةٍ فَوَهَبَهَا الْغَاصِبُ مِنْ الْمَغْصُوبِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِهَذِهِ الْهِبَةِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ وَلَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لِلْغَاصِبِ وَهَبْت لَك السَّاجَةَ أَوْ التَّالَّةَ أَوْ الْغُصْنَ قَالَ نَعَمْ قِيلَ كَيْفَ وَقَدْ وَهَبَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لِلْغَاصِبِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَاهِبُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ انْقَطَعَ وَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ قَالَ بَلَى وَهَذَا فِي الْمَعْنَى إبْرَاءٌ لَهُ عَنْ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْعَيْنِ وَفِي الْخَانِيَّةِ كَسَرَ غُصْنًا لِرَجُلٍ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَلَوْ كَانَ الْكَسْرُ فَاحِشًا بِأَنْ صَارَ حَطَبًا أَوْ وَتَدًا وَفِي الْأَصْلِ غَصَبَ مِنْ آخَرَ دَارًا وَنَقَشَهَا بِعَشَرَةِ آلَافٍ ثُمَّ جَاءَ رَبُّ الدَّارِ قِيلَ لَهُ إنْ شِئْت فَخُذْ الدَّارَ وَأَعْطِ الْغَاصِبَ مَا زَادَ فِيهَا.
وَفِي الذَّخِيرَةِ مُشْتَرِي الدَّارِ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا هَدَمَهَا وَأَدْخَلَهَا فِي بِنَائِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ، فَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ قَلِيلًا يَتَيَسَّرُ رَفْعُهُ يَرْفَعُهُ وَيَرُدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَتَعَذَّرُ رَفْعُهُ، وَإِنْ شَاءَ لَا يَرْفَعُهُ بَلْ يَتْرُكُهُ وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَفِي الْقُدُورِيِّ وَلَوْ غَصَبَ مِنْ آخَرَ دَارًا وَجَصَّصَهَا ثُمَّ رَدَّهَا قِيلَ لِصَاحِبِهَا أَعْطِ مَا زَادَ التَّجْصِيصُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُ الدَّارِ أَنْ يَأْخُذَ الْغَاصِبُ مَا جَصَّصَهُ قَالَ هِشَامٌ قُلْت لِمُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ وَثَبَ عَلَى بَابٍ مَقْلُوعٍ وَنَقَشَهُ بِالْأَصَابِعِ قَالَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ الدَّارِ قُلْت: وَإِنْ كَانَ نَقَشَهُ بِالنَّقْرِ وَلَيْسَ بِالْأَصَابِعِ قَالَ فَهَذَا مَالٌ مُسْتَهْلَكٌ بِالْبَابِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَالْبَابُ لَهُ وَكَذَا لَوْ نَقَشَ إنَاءَ فِضَّةٍ بِالنَّقْرِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ مَوْضُوعُ مَسْأَلَةِ السَّاجَةِ إذَا بَنَى الْغَاصِبُ حَوْلَ السَّاجَةِ أَمَّا لَوْ بَنَى عَلَى نَفْسِ السَّاجَةِ لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَالِكِ بَلْ يُنْقَضُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَنَى حَوْلَهَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا وَإِذَا بَنَى عَلَيْهَا كَانَ مُتَعَدِّيًا وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ
[ذَبَحَ الْمَغْصُوبُ شَاةً أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا فَاحِشًا]
قَالَ رحمه الله: (وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا فَاحِشًا ضَمِنَ الْقِيمَةَ وَسَلَّمَ الْمَغْصُوبَ أَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ) وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ وَقَطَعَ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّارِ وَالنَّسْلِ وَفَوَاتِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ فِي الثَّوْبِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ تَضْمِينِ جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَتَرْكِهِ لَهُ وَبَيْنَ تَضْمِينِ نُقْصَانِهِ وَأَخْذِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ إذَا أَخَذَ اللَّحْمَ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَالسَّلْخَ زِيَادَةٌ فِيهَا لِانْقِطَاعِ احْتِمَالِ الْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهَا وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِلَحْمِهَا يَتَعَيَّنُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ يَضْمَنُ قَاطِعُ الطَّرَفِ جَمِيعَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ قَطْعِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَالِحٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ صَالِحًا قَبْلَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَلَا كَذَلِكَ الدَّابَّةُ، فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ وَلَا لِلرُّكُوبِ بَعْدَ الْقَطْعِ قَيَّدَ التَّخْيِيرَ بِذَبْحِ الشَّاةِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ ذَبَحَ حِمَارَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَلَكِنْ يُضَمِّنُهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يَمْسِكَ الْحِمَارَ وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ كُلَّ الْقِيمَةِ وَلَا يَمْسِكُ الْحِمَارَ، وَإِنْ قَتَلَهُ قَتْلًا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَلَوْ قَطَعَ يَدَ حِمَارٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ قَالَ الْإِمَامِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْجَسَدَ وَضَمَّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسِكَ الْجَسَدَ وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَفِي الْمُنْتَقَى هِشَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ حِمَارٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ رِجْلَهُ وَكَانَ لِمَا بَقِيَ مِنْهُ قِيمَةٌ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ وَفِي النَّوَازِلِ إذَا قَطَعَ أُذُنَ الدَّابَّةِ أَوْ بَعْضَهُ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَلَوْ قَطَعَ أُذُنَيْهَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَعَنْ شَيْخِهِ رضي الله عنه إذَا قَطَعَ ذَنَبَ حِمَارِ الْقَاضِي يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ. اهـ.
أَقُولُ: وَيُلْحَقُ بِحِمَارِ الْقَاضِي حِمَارُ الْمُفْتِي وَالْعَالِمِ وَالْأَمِيرِ وَفِي التَّجْرِيدِ وَالصَّحِيحُ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْخَرْقِ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ أَنَّ الْخَرْقَ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرَ مِمَّا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا تَفُوتُ الْجَوْدَةُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الْقَطْعُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ فَاحِشٌ
غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ وَهُوَ مَا بَيَّنَّا وَقَطْعٌ يَسِيرٌ وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمَالِكِ وَلَكِنْ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ وَقَطْعٌ فَاحِشٌ مُسْتَأْصِلٌ لِلثَّوْبِ وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ الثَّوْبَ قَطْعًا يَصْلُحُ لِمَا يُرَادُ مِنْهُ وَلَا يَرْغَبُ فِي شِرَائِهِ فَعَنْ الْإِمَامِ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَ الْمَقْطُوعَ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَقْطُوعَ لَهُ وَعِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ اهـ.
فَظَهَرَ أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْخَرْقِ الْفَاحِشِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي الْمُنْتَقَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَصَبَ شَاةً فَحَلَبَهَا ضَمِنَ قِيمَةَ اللَّبَنِ. اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَفِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ) يَعْنِي مَعَ أَخْذِ عَيْنِهِ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَنَقَصَ بِذَلِكَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ وَقَالَ الشَّارِحُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ قِيلَ مَا يُوجِبُ نُقْصَانَ رُبُعِ الْقِيمَةِ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ وَقِيلَ مَا يَنْقُصُ بِهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ إتْلَافِ جَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ وَالِاسْتِهْلَاكُ مِنْ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْوِيتِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ وَالنُّقْصَانُ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْوِيتِ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَائِهَا وَهُوَ تَفْوِيتُ الْجَوْدَةِ لَا غَيْرُ وَلَا عِبْرَةَ بِقِيَامِ أَكْثَرِ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الرُّجْحَانَ إنَّمَا يُطْلَبُ إذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا وَمَتَى أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا لَا يَضُرُّ التَّرْجِيحُ وَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ إذَا كَانَ فَاحِشًا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، فَإِنَّ التَّعَيُّبَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا فَالْمَالِكُ فِيهِمَا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْعَيْنَ وَلَا يَرْجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ وَبَيْنَ أَنْ يُسْلِمَ الْعَيْنَ وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا هَذَا إذَا قَطَعَ الثَّوْبَ وَلَمْ يُجَدِّدْ فِيهِ صَنْعَةً، وَأَمَّا إذَا جَدَّدَ فِيهِ صَنْعَةً فَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ وَفِي الْأَصْلِ غَصَبَ ثَوْبًا فَعَفَنَ عِنْدَهُ أَوْ اصْفَرَّ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَمَا نَقَصَ مِنْهُ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ يَسِيرًا وَلَوْ فَاحِشًا خُيِّرَ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ. اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَلَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِي أَرْضِ الْغَيْرِ قُلِعَا وَرُدَّتْ) أَيْ قُلِعَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَرُدَّتْ الْأَرْضُ إلَى صَاحِبِهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» أَيْ لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ وَصْفُ الْعِرْقِ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ وَهُوَ الظُّلْمُ وَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ كَمَا يُقَالُ صَائِمٌ نَهَارَهُ وَقَائِمٌ لَيْلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] وَلِأَنَّ الْأَرْضَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَهْلَكَةً وَلَا مَغْصُوبَةً حَقِيقَةً وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا شَيْءٌ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهَا وَرَدِّهَا إلَى مَالِكِهَا كَمَا إذَا أَشْعَلَ طَرَفَ غَيْرِهِ بِالطَّعَامِ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ السَّاحَةِ وَيَأْخُذَهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قِيمَةً فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْأُخْرَى وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلَ غَيْرِهِ فِي دَارِهِ وَكَبُرَ فِيهَا وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِهَدْمِ الْحَائِطِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرَ رَأْسَهُ فِي قِدْرٍ مِنْ النُّحَاسِ فَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَقَدْ اسْتَوْعَبْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا فِي مَسْأَلَةِ نُقْصَانِ الْأَرْضِ فَلَا نُعِيدُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ. اهـ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ ضَمِنَ لَهُ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مَقْلُوعًا وَيَكُونَانِ لَهُ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونُ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَعَيَّنَ فِيهِ النَّظَرُ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا مَقْلُوعًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَلْعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ فِيهَا فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَقْلُوعًا وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَتِهَا أَنَّهُ يُقَوِّمُ الْأَرْضَ وَبِهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ وَيَسْتَحِقُّ قَلْعَهُ أَيْ أُمِرَ بِقَلْعِهِ وَتُقَوَّمُ وَحْدَهَا لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ وَلَا غَرْسٌ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا لَوْ قَالُوا وَهَذَا لَيْسَ بِضَمَانٍ لَقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا بَلْ هُوَ ضَمَانٌ لِقِيمَتِهِ قَائِمًا مُسْتَحِقَّ الْقَلْعِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ضَمَانًا لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا أَنْ لَوْ قَدَّرَ الْبِنَاءَ أَوْ الْغَرْسَ مَقْلُوعًا مَوْضُوعًا فِي الْأَرْضِ بِأَنْ يُقَدِّرَ الْغَرْسَ حَطَبًا وَالْبِنَاءَ آجِرًا أَوْ الْبِنَاءَ حِجَارَةً مُكَوَّمَةً عَلَى الْأَرْضِ فَيُقَوَّمُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَمَّ إلَى الْأَرْضِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ الْحَطَبِ وَالْحِجَارَةِ الْمُكَوَّمَةِ دُونَ الْمَبْنِيَّةِ
قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ صَبَغَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَمِثْلَ السَّوِيقِ أَوْ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ ثَوْبًا وَصَبَغَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ
إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَمِثْلَ السَّوِيقِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَصْبُوغَ وَالْمَلْتُوتَ وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِقَلْعِ الصَّبْغِ بِالْغَسْلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَيُسَلِّمُهُ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ انْتَقَصَ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ بِخِلَافِ السَّمْنِ لَتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ وَلَنَا أَنَّ الصِّبْغَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالثَّوْبِ وَبِجِنَايَتِهِ لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُ مَالِهِ فَيَجِبُ ضَمَانُهُ حَقَّهُمَا مَا أَمْكَنَ فَكَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَوْلَى بِالتَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَصْلِ وَالْآخَرُ صَاحِبُ وَصْفٍ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْأَصْلِ وَكَذَا السَّوِيقُ أَصْلٌ وَالسَّمْنُ تَبَعٌ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ التَّمَيُّزَ مُمْكِنٌ بِالنَّقْضِ وَلَهُ وُجُودٌ بَعْدَ النَّقْضِ فَأَمْكَنَ إيصَالُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَيْهِ وَالصَّبْغُ يَتَلَاشَى بِالْغَسْلِ فَلَا يُمْكِنُ إيصَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا انْصَبَغَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ كَإِلْقَاءِ الرِّيحِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ لِرَبِّ الثَّوْبِ الْخِيَارُ بَلْ يُؤْمَرُ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِتَمَلُّكِ الصِّبْغِ بِقِيمَتِهِ وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ انْحِصَارُ الْحُكْمِ فِيمَا ذَكَرَ وَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ بَاعَهُ فَيَضْرِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ مَالِهِ.
وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ فِي وُصُولِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ وَتَتَأَتَّى بِغَرَامَةٍ يَضْمَنُ فِيهَا مِثْلَ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ انْصَبَغَ بِنَفْسِهِ أَيْضًا وَالْجَوَابُ فِي اللَّتِّ كَالْجَوَابِ فِي الصِّبْغِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مِثْلَ السَّوِيقِ وَفِي الصِّبْغِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ السَّوِيقَ وَالسَّمْنَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِخِلَافِ الصِّبْغِ وَالثَّوْبِ قَالَ فِي الْكَافِي قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يَضْمَنُ قِيمَةَ سَوِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ الْقَلْيُ فَلَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا كَالْخُبْزِ وَمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ أَسْوَدَ فَهُوَ نُقْصَانٌ وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، فَإِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ فِي زَمَانِهِ كَانُوا يُمْنَعُونَ عَنْ لُبْسِ السَّوَادِ وَفِي زَمَانِهِمَا بَنُو الْعَبَّاسِ كَانُوا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ وَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْمُخْتَصَرِ لِلَوْنِ الصِّبْغِ؛ لِأَنَّ مِنْ الثِّيَابِ مَا يُزَادُ بِالسَّوَادِ وَمِنْهَا مَا يَنْقُصُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ حَقِيقَةً فَلَوْ صَبَغَهُ فَنَقَصَهُ الصِّبْغُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَرَجَعَتْ بِالصِّبْغِ إلَى عِشْرِينَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنْظَرُ إلَى ثَوْبٍ يَزِيدُ فِيهِ ذَلِكَ الصِّبْغُ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَمْسَةً يَأْخُذُ رَبُّ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةً؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ نُقْصَانِ قِيمَةِ ثَوْبِهِ عَشَرَةً وَوَجَبَ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ قِيمَةُ صِبْغِهِ خَمْسَةً فَالْخَمْسَةُ بِالْخَمْسَةِ قِصَاصًا وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ النُّقْصَانِ وَهُوَ خَمْسَةٌ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ.
قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْمَغْصُوبُ كُلُّهُ، وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُهُ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُطَالِبَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَهُوَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالصَّبْغِ شَيْئًا وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِهِ إلَّا تَلَفُ مَالِهِ وَكَيْفَ يَسْقُطُ عَنْ الْغَاصِبِ بَعْضُ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بِالْإِتْلَافِ وَالْإِتْلَافُ مُقَرِّرٌ لِوُجُوبِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فَكَيْفَ صَارَ مُسْقِطًا لَهُ هُنَا وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ نَاظِرٌ إلَى حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ أَنْ يَدْفَعَ الْعَشَرَةَ ضَاعَ مَالُ الْغَاصِبِ وَهُوَ الصَّبْغُ مَجَّانًا وَذَلِكَ ظُلْمٌ وَالظَّالِمُ لَا يُظْلَمُ فَأَوْجَبْنَاهَا عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ فَوَصَلَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَ كُلَّ حَقِّهِ مَا عَلَيْهِ وَمَا بَقِيَ لَهُ كَوْنُ الْإِتْلَافِ مُقَرِّرًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُسْقِطًا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِالنَّظَرِ إلَى النُّقْصَانِ وَالْإِسْقَاطَ بِالنَّظَرِ إلَى عَيْنِ الصِّبْغِ فَتَأَمَّلْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ غَصَبَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عُصْفُرًا وَصَبَغَ بِهِ ثَوْبَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَلَوْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا وَمِنْ آخَرَ عُصْفُرًا ضَمِنَ مِثْلَ عُصْفُرِهِ وَخُيِّرَ رَبُّ الثَّوْبِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا وَعُصْفُرًا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَصَبَغَهُ بِهِ كَانَ لِرَبِّهِمَا أَنْ يَأْخُذَهُ مَصْبُوغًا وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ وَمِثْلَ عُصْفُرِهِ وَلَوْ كَانَ الْعُصْفُرُ لِرَجُلٍ وَالثَّوْبُ لِآخَرَ فَرْضِيًّا أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ مَصْبُوغًا كَمَا لَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ الْمَالِكُ كَانَ خَلْطُ الْمَالَيْنِ اسْتِهْلَاكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِذَا اتَّخَذَ الْمَالِكُ يَكُونُ الْخَلْطُ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلَوْ صَبَغَ الرَّاهِنُ الثَّوْبَ بِعُصْفُرٍ خَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ وَالْعُصْفُرُ رَهْنًا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَمِثْلَ عُصْفُرِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِأَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ رَهْنًا فِي يَدِهِ فِي الْمُنْتَقَى.
قَالَ هِشَامٌ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَلَطَ بِهَا دَرَاهِمَ مِنْ مَالِهِ قَالَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ دَرَاهِمَ الْمُخَالِطِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ فَهُوَ مُسْتَهْلِكٌ وَضَمِنَ الدَّرَاهِمَ الْمَغْصُوبَ، وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْخَالِطِ أَقَلَّ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَرَاهِمَهُ، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ بِالْمَخْلُوطِ بِقَدْرِ دَرَاهِمِهِ قُلْت: فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَمَا مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ قَالَ لَا أَدْرِي، أَمَّا قَوْلُهُمَا فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ