الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَوْقَاتِ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ سَوَاءً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي اللَّيْلِ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِ إلَّا بِالْعَزِيمَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَقِيبَ التَّسَبُّبِ هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ وَإِنْ بَيَّنَ مُدَّةً تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ كَانَ حِينَ يُهَلُّ يُعْتَبَرُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِلَّا فَالْأَيَّامِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ عَلَى صِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يُبْصَرُ الْهِلَالُ، وَقَالَ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ اهـ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي زَادَهْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ تَفْسِيرُ مَعْنَى حِينَ يُهَلُّ إذْ قَدْ عُلِمَ مَعْنَاهُ مِنْ التَّفْسِيرِ السَّابِقِ قَطْعًا، بَلْ مُرَادُهُ بِذَلِكَ بَيَانُ أَثَرِ قَوْلِهِ حِينَ يُهَلُّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ، بَلْ الْمُرَادُ مَعْنَاهُ الْعُرْفِيُّ وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الشَّهْرِ اهـ.
يَعْنِي إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِي لَيْلَةِ الْهِلَالِ أَوْ فِي يَوْمِهَا تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا مَضَى شَيْءٌ مِنْ الشَّهْرِ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ وَيُكَمَّلُ مِنْ الْأَخِيرِ وَيَبْقَى غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْأَهِلَّةِ فَكَذَا الْبَقِيَّةُ. اهـ.
[أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ]
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» قَالَ الْأَكْمَلُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ فِي الْفَاسِدَةِ مَعَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَرِهَ الْحَمَّامَ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «أَنَّهُ سَمَّاهُ شَرَّ بَيْتٍ» ، وَقَالَ عُثْمَانُ إنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَهُ لِلنِّسَاءِ لَا لِلرِّجَالِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْحَمَّامَاتِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَفِي الْخُلَاصَةِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا فِي قَرْيَةٍ فَوَقَعَ الْجَلَاءُ فِي الْقَرْيَةِ وَنَفَرَ النَّاسُ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ أَوْ نَفَرَ بَعْضُ النَّاسِ لَا تَسْقُطُ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ حَمَّامٌ لِلرِّجَالِ وَحَمَّامٌ لِلنِّسَاءِ فَأَجَّرَهُمَا جَمِيعًا وَسَمَّى حَمَّامًا جَازَ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ بَابُ الْحَمَّامَيْنِ وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَابٌ عَلَى حِدَةٍ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ. اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا بِبَدَلٍ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ حَالَ جَرَيَانِ الْمَاءِ وَانْقِطَاعِهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ شَيْلُ الرَّمَادِ وَالسِّرْقِينِ وَتَفْرِيغُ مَوْضِعِ الْبَالُوعَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فَسَدَتْ. اهـ.
وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ امْتَلَأَ مَسِيلُ مَاءِ الْحَمَّامِ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ تَفْرِيعُهُ، وَلَوْ امْتَلَأَتْ الْبَالُوعَةُ فَعَلَى الْآجِرِ تَفْرِيغُهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ تَفْرِيغَ مَسِيلِ الْمَاءِ يُمْكِنُ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْبِنَاءِ.
وَأَمَّا الْبَالُوعَةُ فَلَا يُمْكِنُ تَفْرِيغُهَا بِنَفْسِهِ إلَّا بِنَقْضِ شَيْءٍ مِنْ الْبِنَاءِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ نَقْضَ شَيْءٍ مِنْ الْبِنَاءِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ رَبُّ الْأَرْضِ فَجُعِلَ تَفْرِيغُهُ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَيْضًا اسْتَأْجَرَ حَمَّامَيْنِ سَنَةً فَانْهَدَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ تَرْكُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا سَنَةً فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى مَضَى شَهْرَانِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ وَامْتَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ وَلَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ هُنَا تَفَرَّقَتْ فِي حَقِّ الْمَنَافِعِ فَلَا يُوجِبُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ وَهُنَاكَ فِي الْقَبْضِ، وَإِذَا انْهَدَمَ الْحَمَّامُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ انْهَدَمَ أَحَدُ الْحَمَّامَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْبَاقِي لَازِمٌ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ بَعْدَ التَّمَامِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا وَعَبْدًا لِيُقَوَّمَ عَلَيْهِ فَانْهَدَمَ الْحَمَّامُ بَعْدَ قَبْضِهِمَا فَلَهُ تَرْكُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْعَبْدِ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ لَهُ وَإِنْ هَلَكَ الْعَبْدُ، فَلَيْسَ لَهُ تَرْكُ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْعَبْدِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي مَنْفَعَةِ الْحَمَّامِ اسْتَأْجَرَ الْحَمَّامَ وَدَخَلَ بِنَوْرَةٍ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ رَبِّ الْحَمَّامِ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا بِغَيْرِ قِدْرٍ وَاسْتَأْجَرَ الْقِدْرَ مِنْ آخَرَ فَانْكَسَرَ الْقِدْرُ بَعْدَ شَهْرٍ فَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ لَازِمَةٌ دُونَ أُجْرَةِ الْقِدْرِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ قِدْرًا غَيْرَهُ وَيَسْتَعْمِلَهُ فِي الْحَمَّامِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا شَهْرًا فَعَمِلَ فِيهِ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الشَّهْرِ الثَّانِي لِلْعُرْفِ.
[أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَجَّامِ]
قَالَ رحمه الله (وَالْحَجَّامِ) أَيْ جَازَ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَجَّامِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «احْتَجَمَ وَأَعْطَى أُجْرَتَهُ» وَبِهِ جَرَى التَّعَارُفُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا، وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ لَا يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ عَسْبِ التَّيْسِ وَكَسْبِ الْحَجَّامِ وَقَفِيزِ الطَّحَّانِ» ، قُلْنَا هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَالَ لَهُ رَجُلٌ إنَّ لِي عِيَالًا وَغُلَامًا حَجَّامًا أَفَأُطْعِمُ عِيَالِي مِنْ كَسْبِهِ، قَالَ نَعَمْ» وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الصِّحَّةَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ جَرَيَانِ عَقْدٍ فِيهِ، قَالَ رحمه الله (لَا أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ وَمَهْرَ الْبَغِيِّ» ؛ وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِحْبَالُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا أَخْذُ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ الْمَاءِ وَهُوَ نَجِسٌ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا
يَجُوزُ وَالْمُرَادُ هُنَا اسْتِئْجَارُ التَّيْسِ لِيَنْزُوَ عَلَى الْغَنَمِ وَيُحْبِلَهَا بِأَجْرٍ أَمَّا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَجْرٍ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَبْقَى النَّسْلُ، وَفِي الْمُحِيطِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ فِي الْحَدِيثِ هُوَ أَنْ يُؤَاجِرَ أَمَتَهُ عَلَى الزِّنَا وَمَا أَخَذَهُ مِنْ الْمَهْرِ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ الْإِمَامِ إنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ بِأَنْ زَنَى بِأَمَتِهِ، ثُمَّ أَعْطَاهَا شَيْئًا فَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا، ثُمَّ أَعْطَاهَا مَهْرَهَا أَوْ مَا شَرَطَ لَهَا لَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ فَيَطِيبُ لَهُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ حَرَامًا.
قَالَ رحمه الله (وَالْأَذَانُ وَالْحَجُّ وَالْإِمَامَةُ وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ عِبَارَةً لَا يُنَافِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَالْفِقْهِ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «لَا تَأْخُذْ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» ؛ وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَقَعُ لِلْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَى عَمَلٍ وَقَعَ لَهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُعَلِّمُ إلَّا بِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْمُتَعَلِّمِ فَيَكُونُ مُلْتَزِمًا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَالْفِقْهِ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْأَجِيرُ، وَكَذَا الْأَجِيرُ يَكُونُ لِلْآمِرِ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَنْهُ نِيَابَةً وَلِهَذَا لَا تُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْمَأْمُورِ فِيهِمَا، بَلْ أَهْلِيَّةُ الْآمِرِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكَافِرَ فِيهِمَا وَلَا يَجُوزُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَا قَالُوا وَيُنْتَقَضُ هَذَا بِمَا ذَكَرُوا فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ وَأَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ قُيِّدَ بِأَفْعَالِ الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُعَلِّمَ وَلَدَهُ الْكِتَابَةَ أَوْ النَّحْوَ أَوْ الطِّبَّ أَوْ التَّعْبِيرَ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْكُبْرَى تَعْلِيمُ الْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ وَالْوَصَايَا بِأَجْرٍ يَجُوزُ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُعَلِّمَ وَلَدَهُ الشِّعْرَ وَالْأَدَبَ إذَا بَيَّنَ لَهُ مُدَّةً جَازَ وَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى إذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ تَعَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُدَّةً فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ إذَا تَعَلَّمَ. اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِ الصَّنْعَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْحَفْرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَإِذَا أَجَّرَهُ عَبْدُهُ لِيُعَلِّمَهُ كَذَا عَلَى إعْطَاءِ الْمَوْلَى شَيْئًا مُعَيَّنًا فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ شَرَطَ الْمُعَلِّمُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُعْطِيَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا وَيَقُومُ عَلَى غُلَامِهِ فِي تَعْلِيمِ كَذَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا، فَلَمَّا فَرَغَ وَتَعَلَّمَ قَالَ الْمُعَلِّمُ لِي الْأُجْرَةُ عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ كَذَا، وَقَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ لِي الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُعَلِّمِ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَإِنْ كَانَ سَيِّدُ الْعَبْد هُوَ الَّذِي يُعْطِي فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمُعَلِّمُ هُوَ الَّذِي يُعْطِي فَالْأُجْرَةُ عَلَى الْمُعَلِّمِ. اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَقَالُوا بَنَى أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ الْجَوَابَ عَلَى مَا شَاهَدُوا مِنْ قِلَّةِ الْحُفَّاظِ وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِمْ؛ وَلِأَنَّ الْحُفَّاظَ وَالْمُعَلِّمِينَ كَانَ لَهُمْ عَطَايَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَافْتِقَادَاتٍ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي مَجَازَاتِ التَّعْلِيمِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَهَذَا الزَّمَانُ قَلَّ ذَلِكَ وَاشْتَغَلَ الْحُفَّاظُ بِمَعَائِشِهِمْ فَلَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِالْجَوَازِ، وَالْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يُفْتِي بِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَجِبُ وَيُحْبَسُ عَلَيْهَا وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا أَخَذَ الْمُعَلِّمُ مِنْ الصَّبِيِّ شَيْئًا مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ دَفَعَ الصَّبِيُّ ذَلِكَ إلَى وَلَدِ الْمُعَلِّمِ لَا يَحِلُّ لَهُ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْحُصُرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ مِنْ أَبِ الصَّغِيرِ. اهـ.
وَفِي الْحَاوِي لِلْكَرَابِيسِيِّ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْتِمَ عِنْدَهُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ أَجْرًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا شَرْعًا أَمَّا إذَا سَمَّى أَجْرًا لَزِمَ مَا سَمَّى لَكِنْ يَأْثَمُ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا عَقَدَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا إلَّا أَنْ يَهَبَ الْمُسْتَأْجِرُ مَا بَقِيَ مِنْ تَمَامِ الْقَدْرِ أَوْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُ مَا فَوْقَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَأْثَمُ، وَكَذَا إذَا قَالَ اقْرَأْ بِقَدْرِ مَا قَدَرْت عَلَيْهِ فَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا قَرَأَ، وَهَذَا يَجِبُ حِفْظُهُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ.
أَقُولُ: وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَحْمِلُونَ جِنَازَةً وَيَغْسِلُونَ مَيِّتًا إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجِدُ مَنْ يُغَسِّلُهُ غَيْرُهُمْ وَلَا مَنْ يَحْمِلُهُ فَلَا أَجْرَ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُمْ فَلَهُمْ الْأَجْرُ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ رَجُلًا لِيَقْتُلَ مُرْتَدًّا أَوْ أَسِيرًا أَوْ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُصْحَفًا لِيَقْرَأَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ قَرَأَ فِيهِ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَالْقَاضِي كَالْإِمَامِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْقَاضِي رَجُلًا لِيَقُومَ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ شَهْرًا جَازَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ رَجُلًا لِيَقْتَصَّ لَهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَيَجُوزُ عِنْدَ الثَّالِثِ وَفِي قَاضِي خان أَهْلُ الذِّمَّةِ إذَا اسْتَأْجَرُوا ذِمِّيًّا لِيُصَلِّيَ بِهِمْ
أَوْ لِيَضْرِبَ النَّاقُوسَ لَهُمْ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَجُوسِيُّ مُسْلِمًا لِيُقِيمَ لَهُ النَّارَ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّارِ مُبَاحٌ. اهـ.
وَفِي النِّهَايَةِ يَعْنِي يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعَلُّمِ الْفِقْهِ وَفِي الرَّوْضَةِ وَفِي زَمَانِنَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُعَلِّمِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي زَادَهْ أَقُولُ: وَفِيمَا ذَكَرُوا مِنْ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ نَظَرٌ قَوِيٌّ بَيَانُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ مَاهِيَّةِ الْإِجَارَةِ وَهِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَظَائِرِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ مَا الْتَزَمَهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَالِاسْتِحْسَانُ فَرْعُ تَحَقُّقِ مَاهِيَّةِ الْإِجَارَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَهَذَا مَحَلٌّ تُسْكَبُ فِيهِ الْعَبَرَاتُ أَقُولُ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِجَارَةَ فِي تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ عَلَى أَمْرَيْنِ عَلَى التَّلْقِينِ وَالتَّعْلِيمِ فَفِي الْقِيَاسِ نَظَرُوا إلَى التَّعْلِيمِ وَجَعَلُوا التَّلْقِينَ تَابِعًا لَهُ فَقَالُوا لَا يُمْكِنُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ نَظَرُوا إلَى التَّلْقِينِ وَجَعَلُوا التَّعْلِيمَ تَابِعًا لَهُ فَقَالُوا بِالْجَوَازِ فَاخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ، وَالْأَذَانُ وَالْإِمَامَةُ دَخَلَا تَبَعًا فَتَدَبَّرْهُ فَإِنَّهُ جَيِّدٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ أَفْتَوْا بِجَوَازِ ذَلِكَ إذَا ضَرَبَ لَهُ مُدَّةً، وَعِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِئْجَارِ أَصْلًا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ. اهـ.
وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَلَوْ امْتَنَعَ أَبُو الصَّبِيِّ مِنْ دَفْعِ الْوَظِيفَةِ جُبِرَ عَلَيْهِ وَحُبِسَ عَلَيْهِ اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْمَلَاهِي) ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَقَبَضَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ لَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ ذِمِّيٌّ اسْتَأْجَرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِيعَةً يُصَلِّي فِيهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الذِّمِّيِّ مَعْصِيَةٌ وَإِنْ كَانَتْ طَاعَةً فِي زَعْمِهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُسْلِمِ مَسْجِدًا لِيُصَلِّيَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يُمْلَكُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ دَارًا مِنْ مُسْلِمٍ فَاتَّخَذَ فِيهَا مُصَلَّى لِنَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ فَإِنْ جَمَعَ الْجَمَاعَةَ وَضَرَبَ النَّاقُوسَ فَلِصَاحِبِهَا مَنْعُهُ، وَلَوْ أَرَادَ بَيْعَ الْخَمْرِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ فِي السَّوَادِ لَا يُمْنَعُ، وَأَمَّا فِي سَوَادِ خُرَاسَانَ فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ، مُسْلِمٌ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي دَارِهِ وَيَجْمَعُ الْقَوْمَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ، وَكَذَا الذِّمِّيُّ لَوْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمًا لِيَرْعَى لَهُ الْخَنَازِيرَ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا لِيَحْمِلَ لَهُ مَيْتًا أَوْ دَمًا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ نَقْلَ الْمَيِّتِ وَالدَّمِ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ النَّاسِ مُبَاحٌ مَاتَ مَيِّتٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَاسْتَأْجَرُوا مُسْلِمًا لِيَحْمِلَهُ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَجْرَ لَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ عَلِمَ الْأَجِيرُ أَنَّهَا جِيفَةٌ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ الْأَجْرُ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَنْقُلَ الْمَيِّتَ الْمُشْرِكَ إلَى الْمَقْبَرَةِ يَجُوزُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ الْغِنَاءُ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ مِنْهَا الْوَصِيَّةَ لِلْمُغَنِّيِينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ، وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ مَنْ قَالَ لِمُقْرِئِي زَمَانِنَا أَحْسَنْت عِنْدَ قِرَاءَتِهِ يَكْفُرُ، وَفِي الْكُبْرَى رَجُلٌ جَمَعَ الْمَالَ وَهُوَ كَانَ مُطْرِبًا مُغَنِّيًا هَلْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ لَهُ وَإِنْ كَانَ بِالشَّرْطِ يَرُدَّهُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ يَتَصَدَّقْ بِهِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ، وَأَمَّا الْمَعْصِيَةُ نَحْوُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ نَائِحَةً أَوْ مُغَنِّيَةً أَوْ لِتَعْلِيمِ الْغِنَاءِ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَنْحِتَ لَهُ مِزْمَارًا أَوْ طُنْبُورًا أَوْ بَرْبَطًا فَفَعَلَ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمُسْلِمَ لِيَبْنِيَ لَهُ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً جَازَ وَيَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَتْهُ امْرَأَةٌ لِيَكْتُبَ لَهَا قُرْآنًا أَوْ غَيْرَهُ جَازَ وَيَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ إذَا بَيَّنَ الشَّرْطَ وَهُوَ إعْدَادُ الْخَطِّ وَقَدْرُهُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمًا لِيَحْمِلَ لَهُ خَمْرًا وَلَمْ يَقُلْ لِأَشْرَبَهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَفِي الْمُحِيطِ السَّارِقُ أَوْ الْغَاصِبُ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَحْمِلُ الْمَغْصُوبَ أَوْ الْمَسْرُوقَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ نَقْلَ مَالِ الْغَيْرِ مَعْصِيَةٌ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَا يَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْغِنَاءِ وَاللَّهْوِ وَالنَّوْحِ وَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَلَا عَلَى الْحِدَاءِ وَقِرَاءَةِ الشِّعْرِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا أَجْرَ فِي ذَلِكَ هَذَا فِي الطَّبْلِ إذَا كَانَ لِلَّهْوِ أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَطَبْلِ الْقِرَاءَةِ وَطَبْلِ الْعُرْسِ وَفِي الْأَجْنَاسِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الْعُرْسِ دُفٌّ يُضْرَبُ بِهِ لِشُهْرَةِ الْعُرْسِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ الطَّبْلَ إنْ كَانَ لِلَّهْوِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لِلْغَزْوِ وَالْقَافِلَةِ يَجُوزُ.
قَالَ رحمه الله (وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ) أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَفَسَدَ إلَى آخِرِهِ فَشَمِلَ مَشَاعًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا يَجُوزُ بِشَرْطِ بَيَانِ نَصِيبِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَا يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ لَهُمَا أَنَّ الْمَشَاعَ مَنْفَعَةٌ وَتَسْلِيمُهُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِالتَّهَايُؤِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ