الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَهَا بِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِفَاطِمَةَ رضي الله عنها «قَوْمِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ» ، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ: شَاةٌ نَدَّتْ وَتَوَحَّشَتْ فَرَمَاهَا صَاحِبُهَا وَنَوَى الْأُضْحِيَّةَ فَأَصَابَهَا أَجْزَأَهُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا أَقْرَنَ أَعَيْنَ لِلْأُضْحِيَّةِ فَاشْتَرَى كَبْشًا لَيْسَ بِأَقْرَنَ وَلَا أَعَيْنَ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ اهـ.
[ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ فِي الْأُضْحِيَّةِ]
قَالَ رحمه الله: (وَكُرِهَ ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَالْقُرْبَةُ أُقِيمَتْ بِإِنَابَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ الْمَجُوسِيَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فَكَانَ فَسَادًا لَا تَقَرُّبًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وَلَوْ غَلِطَا وَذَبَحَ كُلٌّ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ صَحَّ وَلَا يَضْمَنَانِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ وَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالذَّبْحِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَضْمَنُ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً اشْتَرَاهَا الْقَصَّابُ، وَالتَّضْحِيَةُ قُرْبَةٌ فَلَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا بِالْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُبَدِّلَ بِهَا غَيْرَهَا فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِمَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ فَصَارَ مَأْذُونًا لَهُ دَلَالَةً لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيُخَافُ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ إقَامَتِهَا لِعَارِضٍ يَعْتَرِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً وَشَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَيْهَا وَكَيْفَ لَا يَأْذَنُ لَهُ وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ إلَى الْخَيْرِ وَتَحْقِيقِ مَا عَيَّنَهُ وَلَا يُبَالَى بِفَوَاتِ مُبَاشَرَتِهِ وَشُهُودِهِ لِحُصُولِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَا بَيَّنَّاهُ فَيَصِيرُ إذْنًا دَلَالَةً وَهُوَ كَالصَّوْمِ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَسَائِلُ اسْتِحْسَانِيَّةٌ لِأَصْحَابِنَا ذَكَرْنَاهَا فِي الْإِحْرَامِ عَنْ الْغَيْرِ، ثُمَّ إذَا جَازَ ذَلِكَ عَنْهُمَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّتَهُ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَلَا يُضَمِّنُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكَلَ مَا ذَبَحَهُ تَحَلَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَيُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ الْكُلَّ فِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَا لَهُ أَنْ يُحَلِّلَ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ تَشَاحَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ، ثُمَّ يَتَصَدَّقَ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ فَقَالَ: ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ لَا يَتَوَلَّى صَاحِبُ الْأُضْحِيَّةِ ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ بَلْ يُفَوِّضُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ مَأْذُونًا دَلَالَةً كَالْقَصَّابِ إذَا شَدَّ رِجْلَ شَاةٍ لِلذَّبْحِ فَذَبَحَهَا إنْسَانٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ بَاعَ أُضْحِيَّةً وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا غَيْرَهَا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ تَصَدَّقْ بِالْفَضْلِ وَلَوْ غَصَبَ شَاةً وَضَحَّى بِهَا جَازَ عَنْ أُضْحِيَّتِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْغَصْبِ السَّابِقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً لِأَنَّهُ يَضْمَنُهَا بِالذَّبْحِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَهُ وَلَوْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا تَجُوزُ عَنْ الذَّابِحِ دُونَ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْإِرَاقَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَغْصُوبَةِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مَذْبُوحَةً أَجْزَأَتْ الْمَالِكَ عَنْ التَّضْحِيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَاهَا فَلَا يَضُرُّهُ ذَبْحُهَا غَيْرَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَفِي فَتَاوَى أَهْوَارَ: رَجُلَانِ رَبَطَا أُضْحِيَّتَهُمَا فِي مَرْبِطٍ، ثُمَّ غَلِطَا فَتَنَازَعَا فِي وَاحِدَةٍ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعِيهَا وَلَا يَدَّعِي الْأُخْرَى يُقْضَى بِاَلَّذِي تَنَازَعَا فِيهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ عَنْهُمَا بِهِمَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجُوزُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي لَمْ يَتَنَازَعَا فِيهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهَا مَالٌ ضَائِعٌ وَلَوْ كَانَتْ إبِلًا وَبَقَرًا جَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا رَبَطُوا ثَلَاثَةَ أَضَاحِيَّ فِي رِبَاطٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ وَجَدُوا بِوَاحِدٍ عَيْبًا يَمْنَعُ جَوَازَ الْأُضْحِيَّةِ وَأَنْكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ الْمَعِيبَةُ وَتَنَازَعُوا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَالْمَعِيبَةُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهَا مَالٌ ضَائِعٌ وَيُقْضَى بَيْنَهُمْ بِالْأُخْرَيَيْنِ أَثْلَاثًا. اهـ. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ]
أَوْرَدَ كِتَابَ الْكَرَاهِيَةِ بَعْدَ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّ عَامَّةَ مَسَائِلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ أَصْلٍ، أَوْ فَرْعٍ يَرِدُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ فِي لَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ مَكْرُوهَةٌ وَكَذَا فِي التَّصَرُّفِ فِي الْأُضْحِيَّةِ بِجَزِّ صُوفِهَا وَحَلْبِ لَبَنِهَا وَكَذَا ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ لِذَلِكَ وَتَرْجَمَ الْمُؤَلِّفُ بِالْكَرَاهِيَةِ لِأَنَّ بَيَانَ الْمَكْرُوهِ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ لِوُجُوبِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَتَرْجَمَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِالِاسْتِحْسَانِ لِمَا فِيهِ مِمَّا اسْتَحْسَنَهُ الشَّارِعُ وَقَبَّحَهُ وَتَرْجَمَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِمَا فِيهِ مِمَّا مَنَعَ عَنْهُ الشَّارِعُ وَأَبَاحَهُ، وَالْكَرَاهِيَةُ مَصْدَرُ كَرِهَ الشَّيْءَ كُرْهًا وَكَرَاهَةً وَكَرَاهِيَةً قَالَ فِي الْمِيزَانِ هِيَ ضِدُّ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] إلَخْ فَالْمَكْرُوهُ خِلَافُ الْمَنْدُوبِ وَالْمَحْبُوبِ لُغَةً وَلَيْسَ