الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالتَّضْمِينِ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا وَالْمَانِعَ مِنْ النُّفُوذِ حَقُّهُ، وَقَدْ زَالَ بِالْإِجَازَةِ، وَأَمَّا إذَا ضَمَّنَ لَمْ يَكُنْ مُسْقِطًا حَقَّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ أَحَدَ بُيُوعِ الْفُضُولِيِّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا الَّذِي أَجَازَهُ الْمَالِكُ وَلَا يَجُوزُ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَعِنْدَ الْإِجَازَةِ يَمْلِكُهُ مَنْ أُجِيزَ شِرَاؤُهُ وَتَبْطُلُ الْبَقِيَّةُ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّ الثَّلَاثِ شَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَحْدَثَ سَبَبَ الضَّمَانِ بِإِزَالَةِ يَدِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَالْمُشْتَرِيَانِ قَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْآخَرَ قَبْلَ إجَازَةِ الْبَيْعِ جَازَ الْعِتْقُ عَلَى الَّذِي أَعْتَقَهُ فَإِنْ أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ إجَازَتُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرَ أَوْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ غَيْرَهُ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ جَازَتْ الْبِيَاعَاتِ كُلُّهَا وَإِنْ ضَمَّنَ غَيْرَهَا يَجُوزُ كُلُّ بَيْعٍ بَعْدَهُ وَيَبْطُلُ كُلُّ بَيْعٍ كَانَ قَبْلَهُ اهـ.
وَفِي قَاضِي خان، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ مُكْرَهًا وَالْمُشْتَرِي غَيْرَ مُكْرَهٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ نَقَضْت الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّ نَقْضُهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا وَالْبَائِعُ غَيْرَ مُكْرَهٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّقْضُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ.
[هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ]
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَالْمُشْتَرِي غَيْرُ مُكْرَهٍ قَالَ قَاضِي خان، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا دُونَ الْبَائِعِ فَهَلَكَ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ يَهْلَكُ أَمَانَةً. اهـ.
وَلَوْ قَالَ ضَمِنَ بَدَلَهُ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْمِثْلِيَّ وَالْقِيَمِيَّ قَالَ رحمه الله (وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آلَةٌ فِي حَقِّ الْمُتَكَلِّمِ لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِلِسَانِ الْغَيْرِ لَا يُمَكَّنُ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرِهُ رَجَعَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ فَقَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ الْمُكْرِهِ فَيَكُونُ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ بِالِاسْتِنَادِ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ غَيْرَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ نُفُوذُهُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُكْرَهِ مِنْ الْفَسْخِ فَإِذَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ نَفَذَ مِلْكُهُ فِيهِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ.
[أَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ وَدَمٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ مُكْرَهًا]
قَالَ رحمه الله (وَعَلَى أَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ وَدَمٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ وَحَلَّ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ) يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِمَا لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ كَالضَّرْبِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ وَبِمَا يَخَافُ يَسَعُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحِلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَاسْتَثْنَى حَالَةَ الِاضْطِرَارِ؛ لِأَنَّهُ فِيهَا مُبَاحٌ وَالِاضْطِرَارَ يَحْصُلُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَهُوَ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالضَّرْبِ بِالصَّوْتِ وَلَا بِالْحَبْسِ حَتَّى لَوْ خَافَ ذَلِكَ مِنْهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ فَإِنَّ الْمُبَاحَ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذَا خِيفَ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ كَانَ طَرَفُ الْعَقْلِ رَاجِحًا، بَلْ فَرْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي لُبِّ الْأُصُولِ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ فَرْضًا فَتَأَمَّلْ فَلَوْ قَالَ بِغَيْرِ مَا يَخَافُ مِنْهُ عَلَى تَلَفِ عُضْوٍ أَوْ نَفْسِهِ لَمْ يُفْتَرَضْ وَإِلَّا اُفْتُرِضَ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَدْنَى الْحَدِّ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا فَإِنْ هُدِّدَ بِهِ وَسِعَهُ أَنْ يُقْدِمَ وَإِنْ هُدِّدَ بِدُونِهِ لَا يَسَعُهُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ.
قُلْنَا لَا وَجْهَ لِلتَّعْزِيرِ بِالرَّأْيِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَحَمَّلُ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ بِأَدْنَى مِنْهُ فَلَا طَرِيقَ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَلَفَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ يَحْصُلُ بِهِ وَسِعَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا قُلْنَا لَا يَسَعُهُ شُرْبُ الْخَمْرِ هَلْ يُحَدُّ أَمْ لَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ بِأَغْلَظِ الْإِكْرَاهَيْنِ تَثْبُتُ حَقِيقَةُ إبَاحَةِ الشُّرْبِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَبِأَخَفِّهِمَا ثَبَتَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ وَالشُّبْهَةُ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحُدُودِ. اهـ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْمَعَاصِي أَنْوَاعٌ نَوْعٌ يُرَخَّصُ لَهُ فِعْلُهُ وَيُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَقِسْمٌ حَرَامٌ فِعْلُهُ مَأْثُومٌ عَلَى إتْيَانِهِ وَقِسْمٌ يُبَاحُ فِعْلُهُ وَيَأْثَمُ عَلَى تَرْكِهِ الْأَوَّلُ الْإِكْرَاهُ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَشَتْمِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ كُلِّ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ الثَّانِي كَمَا لَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا أَوْ يَقْطَعَ عُضْوَهُ أَوْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ أَوْ يَشْتُمَ مُسْلِمًا أَوْ يُؤْذِيَهُ أَوْ عَلَى الزِّنَا وَالثَّالِثُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْخَمْرِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ قَالَ رحمه الله (وَأَثِمَ بِصَبْرِهِ) يَعْنِي إذَا أُكْرِهَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قَتَلَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أَثِمَ
؛ لِأَنَّ التَّنَاوُلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُبَاحٌ وَإِتْلَافَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُبَاحِ حَرَامٌ فَيَأْثَمُ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِبَاحَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْخَفَاءِ.
وَقَدْ دَخَلَهُ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَأْثَمُ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِيهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَأْثَمُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ إذْ الْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ فَيَكُونُ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ قُلْنَا حَالَةُ الِاضْطِرَارِ مُسْتَثْنَاةٌ فَلَا يَكُونُ الِامْتِنَاعُ عَزِيمَةً، بَلْ مَعْصِيَةً قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ إضَافَةُ الْإِثْمِ إلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ مِنْ بَابِ فَسَادِ الْوَضْعِ وَهُوَ فَاسِدٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُبَاحَ إنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَالْإِتْيَانُ بِهِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ وَهَاهُنَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ وَهَاهُنَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ فَصَارَ التَّرْكُ حَرَامًا؛ لِأَنَّ مَا أَفْضَى إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ اهـ.
أَقُولُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْإِثْمَ لَيْسَ عَلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ، بَلْ عَلَى تَرْكِ الْفَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ اهـ.
قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا وَأَيْسَرَهُمَا وَالْمَسَائِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ لَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ يَدَ نَفْسِهِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ قَطْعِهَا؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ أَهْوَنُ مِنْ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَطْعَ يَقْتَصِرُ وَلَا يَسْرِي وَلِهَذَا يُبَاحُ الْقَطْعُ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ إذَا خَافَ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ الثَّانِي لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ لَا يُبَاحُ لَهُ الثَّالِثُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي النَّارِ أَوْ فِي الْمَاءِ أَوْ مِنْ سَطْحٍ إنْ كَانَ لَا يَرْجُو الْخَلَاصَ وَالنَّجَاةَ مِنْ ذَلِكَ يُبَاحُ لَهُ وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ أَنَّ الْإِحْرَاقَ بِالنَّارِ أَشَدُّ مِنْ السَّيْفِ وَالرَّابِعُ عَلَى إكْرَاهِهِ بِالْقَتْلِ بِالسِّيَاطِ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ بِالسَّيْفِ يُبَاحُ لَهُ الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالسِّيَاطِ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ.
قَالَ رحمه الله (وَعَلَى الْكُفْرِ وَإِتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ لَا بِغَيْرِهِمَا يُرَخَّصُ) يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَإِتْلَافِ مَالِ إنْسَانٍ بِشَيْءٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَعْضَائِهِ كَالْقَتْلِ وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ يُرَخَّصُ لَهُ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلِحَدِيثِ «عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ اُبْتُلِيَ بِهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لَهُ كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ قَالَ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» أَيْ عُدْ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ؛ وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ أَنَّهُ لَا يُفَوِّتُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَدُلُّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ بِهِ فَرَخَّصَ لَهُ إحْيَاءً لِنَفْسِهِ وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى بَالِهِ شَيْءٌ سِوَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنْ يَخْطِرَ بِبَالِهِ الْخَبَرُ بِالْكُفْرِ عَمَّا مَضَى بِالْكَذِبِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ كَفَرَ قَطُّ فِيمَا مَضَى، وَقَالَ أَرَدْت الْخَبَرَ عَمَّا مَضَى كَاذِبًا وَلَمْ أُرِدْ كُفْرًا مُسْتَقْبَلًا فَهَذَا يُكَفَّرُ قَضَاءً وَلَا يُكَفَّرُ دِيَانَةً الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي كُفْرٌ فِي الْمَاضِي وَأَرَدْت الْكُفْرَ مُسْتَقْبَلًا فَهَذَا يُكَفَّرُ قَضَاءً وَدِيَانَةً. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ لِلصَّلِيبِ أَوْ سَجَدَ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ لِلصَّلِيبِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ إذَا خَطَرَ بِبَالِهِ أَنْ يُصَلِّيَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِلصَّلِيبِ.
وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يُكَفَّرُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقْبِلًا الثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَمْ أُصَلِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَصَلَّيْت لِلصَّلِيبِ وَفِي هَذَا يُكَفَّرُ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي وَصَلَّيْت لِلصَّلِيبِ مُكْرَهًا فِي هَذَا لَا يُكَفَّرُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْأَصْلِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شَتْمِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي شَيْءٌ وَشَتَمَ مُحَمَّدًا مُكْرَهًا وَفِي هَذَا لَا يُكَفَّرُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً الثَّانِي أَنْ يَقُولَ خَطَرَ بِبَالِي رَجُلٌ مِنْ النَّصَارَى يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ فَشَتَمْته وَلَمْ أَشْتُمْ الرَّسُولَ فَهَذَا كَالْأَوَّلِ قَالَ الْكَرْخِيُّ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ فِي الْعِبَارَةِ وَحَيْثُ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ شَتْمَ النَّصْرَانِيِّ دُونَ الْمُسْلِمِ فِي الْحُرْمَةِ الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ خَطَرَ بِبَالِي رَجُلٌ مِنْ النَّصَارَى فِيهِ فَتَرَكْته وَسَمَّيْت الرَّسُولَ وَفِي هَذَا يُكَفَّرُ قَضَاءً وَدِيَانَةً اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَيُثَابُ بِالصَّبْرِ) أَيْ يَكُونُ مَأْجُورًا إنْ صَبَرَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ حَتَّى قُتِلَ؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا صَبَرَ حَتَّى صُلِبَ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَقَالَ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ وَالِامْتِنَاعَ عَزِيمَةٌ فَإِذَا بَذْلَ نَفْسَهُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ كَانَ شَهِيدًا وَلَا يُقَالُ الْكُفْرُ مُسْتَثْنًى فِي حَالَةِ الْإِكْرَاهِ فَكَيْفَ يَكُونُ حَرَامًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى الْعَذَابِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ دُونَ الْحُرْمَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَأَخَوَاتِهِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الْحُرْمَةُ فَيَنْتَفِي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَهُنَا لَا تَنْتَفِي فَتَبْقَى عَلَى حَالِهَا، وَلَكِنْ لَوْ تَرَخَّصَ جَازَ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَيْضًا مُسْتَثْنًى بِقَوْلِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ بَعْدَ إيمَانِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ