الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَالْإِيصَاءُ وَالْوَصِيَّةُ) وَالْإِيصَاءُ إقَامَةُ الشَّخْصِ مَقَامَ نَفْسِهِ وَالْوَصِيَّةُ هِيَ التَّمْلِيكُ وَكِلَاهُمَا مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا مُضَافَيْنِ إذْ الْإِيصَاءُ فِي الْحَالِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْوَكَالَةِ قَالَ رحمه الله (وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ) يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ وَإِضَافَتُهُمَا إلَى الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ مَحْضٌ فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أَمَرَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ قَالَ إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» .
قَالَ رحمه الله (وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْوَقْفُ مُضَافًا) لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ مُضَافًا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَهُوَ قَيْدٌ لِلْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَيَصِحُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَالَ كَوْنِهِ مُضَافًا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ قَالَ رحمه الله (لَا الْبَيْعُ وَإِجَازَتُهُ وَفَسْخُهُ وَالْقِسْمَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَإِبْرَاءُ الدَّيْنِ) يَعْنِي هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْجِيزُهَا لِلْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِضَافَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْمُكَاتَبِ]
قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَوْرَدَ الْكِتَابَةَ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَقْدٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَبِهَذَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَهَذَا مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ وَقَعَ الِاحْتِرَازُ بِهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ، وَقَدَّمَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْمَالِ لِضَرُورَةٍ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَالْكَلَامُ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً، الثَّانِي فِي مَعْنَاهَا شَرْعًا، وَالثَّالِثُ فِي رُكْنِهَا، وَالرَّابِعُ فِي شَرْطِ جَوَازِهَا، وَالْخَامِسُ فِي دَلِيلِهَا، وَالسَّادِسُ فِي حُكْمِ حُكْمِهَا، وَالسَّابِعُ فِي صِفَتِهَا، وَالثَّامِنُ فِي حَقِيقَتِهَا، وَالتَّاسِعُ فِي سَبَبِهَا، وَالْعَاشِرُ فِي حُكْمِهَا فَهِيَ لُغَةً مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكَتْبِ وَهُوَ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ وَسُمِّيَ الْخَطُّ كِتَابَةً لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ الْحُرُوفِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ كَاتَبَ أَوْ كَتَبَ كِتَابَةً وَمُكَاتَبَةً وَالْمَوْلَى مُكَاتِبٌ بِكَسْرِ التَّاءِ وَشَرْعًا فَهِيَ جَمْعٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ جَمْعُ حُرِّيَّةِ الرَّقِيقِ فِي الْمَآلِ إلَى حُرِّيَّةِ الْيَدِ فِي الْحَالِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَارْتِبَاطُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَشَرْطُ جَوَازِهَا قِيَامُ الرِّقِّ وَكَوْنُ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا وَدَلِيلُهَا مِنْ الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَاخْتُلِفَ فِي الْخَيْرِ قِيلَ هُوَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ الْوَفَاءُ وَالْأَمَانَةُ، وَقِيلَ الْمَالُ وَمِنْ الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَاتَبَ عَبْدًا عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عُشْرَ أُوقِيَّةٍ فَهُوَ عَبْدٌ» وَصِفَتُهَا أَنَّهُ عَقْدٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مَعَ الصَّالِحِ وَالطَّالِحِ وَحُكْمُهَا انْفِكَاكُ الْحَجْرِ وَثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الْيَدِ وَحُكْمُهَا فِي جَانِبِ الْمَوْلَى ثُبُوتُ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ وَسَبَبُهَا رَغْبَةُ الْمَوْلَى فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَاجِلًا وَفِي ثَوَابِ الْعِتْقِ آجِلًا وَرَغْبَةُ الْعَبْدِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَحْكَامِهَا آجِلًا وَعَاجِلًا قَالَ رحمه الله (هِيَ تَحْرِيرُ الْمَمْلُوكِ يَدًا فِي الْحَالِّ وَرَقَبَةً فِي الْمَآلِ) فَقَوْلُهُ تَحْرِيرُ جِنْسٌ دَخَلَ فِيهِ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ وَتَحْرِيرُ الْيَدِ فَقَوْلُهُ يَدًا أَخْرَجَ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ وَأَفَادَ أَنَّ لَهُ يَدًا مُعْتَبَرَةً فَلَوْ كَاتَبَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ لَمْ يَجُزْ كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ فِي الْحَالِّ يَتَعَلَّقُ بِيَدٍ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ وَرَقَبَةً فِي الْمَآلِ الْعِتْقَ الْمُنَجَّزَ وَالْمُعَلَّقَ، وَهَذَا تَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ، وَلَوْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ بِالْحَقِيقَةِ لَقَالَ هِيَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى تَحْرِيرِ الْيَدِ.
[أَلْفَاظُ الْكِتَابَة]
وَأَمَّا أَلْفَاظُهَا فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ لِعَبْدِهِ قَدْ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ تُؤَدِّيهِ إلَيَّ نُجُومًا أَوَّلُ النَّجْمِ كَذَا وَآخِرُهُ كَذَا فَإِنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزْت كُنْت رَقِيقًا فَقَبِلَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ لِعَبْدِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ كُلَّ مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ وَأَنْتَ حُرٌّ فَقَبِلَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ سَنَةٍ وَأَدَّى فِي الشَّهْرِ الْأَخِيرِ جَازَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَيْسَ بِمُكَاتَبٍ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ عَجَزَ بَطَلَتْ اهـ.
قَالَ رحمه الله (كَاتَبَ مَمْلُوكَهُ، وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ بِمَالٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُنَجَّمٍ وَقَبِلَ صَحَّ) أَمَّا جَوَازُهَا مَعَ الصَّغِيرِ؛ فَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ نَافِعٌ وَالصَّغِيرَ الَّذِي يَعْقِلُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ النَّافِعِ، وَأَمَّا جَوَازُهَا بِمَالٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُنَجَّمٍ فَلِإِطْلَاقِ الدَّلِيلِ الصَّادِقِ بِالثَّلَاثِ حَالَاتٍ؛ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ بِهِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسَامِحُهُ وَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ كَاتَبَ عَبْدًا صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ أَدَّى عَنْهُ
أَجْنَبِيٌّ لَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إيجَابٌ وَقَبُولُ وَقَبُولَ مَنْ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ.
وَلَوْ كَاتَبَ عَنْ عَبْدٍ لِرَجُلٍ رَضِيعٍ وَقَبِلَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ وَرَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَدَّى الْوَلَدُ الْكِتَابَةَ عَتَقَ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْكِتَابَةَ انْعَقَدَتْ بِقَبُولٍ مِنْ عَقْدِ الْإِيجَابِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ وُجُوبُ الْمَالِ عَلَى الْعَبْدِ بِهَذِهِ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ نَفْيًا لِلضَّرُورَةِ، وَلَكِنْ اُعْتُبِرَ الْمَالُ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْأَدَاءِ مِنْ الْمُتَبَرِّعِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، بَلْ لَهُ مَنْفَعَةٌ مُخْتَصَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ بِغَيْرِ مَالٍ يَلْزَمُهُ وَذَلِكَ أَنْ نَقُولَ أَنْتُمْ قُلْتُمْ لَوْ وَكَّلَ مَجْنُونًا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَكَّلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَارَ رَاضِيًا بِقَبُولِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَ فِيمَا إذَا قَبِلَ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَأَدَّى عَنْهُ الْأَجْنَبِيُّ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ بِمَالٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَعْلُومِ قَدْرًا وَصِفَةً وَنَوْعًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مُبَادَلَةَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ بِالْمَالِ كَالنِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ جَهَالَةُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ وَجَهَالَةُ وَصْفِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَسْمِيَتِهِ بَيَانُ ذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ جَازَ وَلَهُ الْوَسَطُ وَعَلَى دَابَّةٍ وَثَوْبٍ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ الْجِنْسَ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجِنْسِ مُتَفَاحِشَةٌ فَتَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ وَفِي الْأَوَّلِ جَهَالَةُ وَصْفٍ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى لُؤْلُؤَةٍ أَوْ دَارٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ هُنَا مُتَفَاحِشَةٌ بِمَنْزِلَةِ جَهَالَةِ الْجِنْسِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ شَهْرًا جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ غَيْرُهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَجُوزُ لِلْمَوْلَى، وَقَدْ أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ.
وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ جَازَ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ سَنَةً أَوْ وَصْفٍ جَازَ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ أَبَدًا فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ دُونَ خِدْمَتِهِ وَقَوْلُهُ عَبْدُهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ جَازَ فَنِصْفُهُ مُكَاتَبٌ وَنِصْفُهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ وَعَتَقَ بِأَدَاءِ نِصْفِهِ وَمَا وَصَلَ فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ نِصْفُهُ لَهُ وَنِصْفُهُ لِلْمَوْلَى وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ التَّجَزُّؤ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهَا قَابِلَةٌ لِلتَّجَزُّؤِ. اهـ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُنَجَّمَةً عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مَعَ كُلِّ نَجْمٍ ثَوْبًا قَدْ سَمَّى جِنْسَهُ أَوْ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مَعَ كُلِّ نَجْمٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى كَذَا، وَكَذَا، وَقَالَ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ مَعَ كِتَابَتِك أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ بَعْدِ أَجَلِهِ رُدَّ إلَى الرِّقِّ. اهـ.
وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الشِّرَاءِ يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُكَاتَبِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُعَيَّنَةٍ جَازَ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ هَذِهِ الْأَلْفَ فَأَدَّى غَيْرَهَا لَا يُعْتَقُ، وَإِذَا شَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ لَا يُفْسِدُهَا. اهـ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ الْمَالَ وَاسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ فَهُوَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِبَدَلِهِ. اهـ.
وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالُ السَّيِّدِ لَمْ يَدْخُلْ وَيَدْخُلُ كَسْبُهُ مِنْ رَقِيقٍ وَمَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ وَدَيْنُهُ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرُدُّوا الْكِتَابَةَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى، وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ وَصَايَا مِنْ تَدْبِيرٍ وَغَيْرِهِ بَدَأَ مِنْ تَرِكَتِهِ بِدَيْنِ الْأَجَانِبِ، ثُمَّ بِدَيْنِ الْمَوَالِي إنْ كَانَ ثُمَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ وَتَبْطُلُ وَصَايَاهُ.
قَالَ رحمه الله (وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهِ نُجُومًا أَوَّلُ النَّجْمِ كَذَا وَآخِرُهُ كَذَا فَإِذَا أَدَّيْت فَأَنْت حُرٌّ وَإِلَّا فَقِنٌّ) يَعْنِي يَصِيرُ مُكَاتَبًا بِهَدِّهِ الْمَقَالَةِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ النُّجُومَ فُصُولُ الْأَدَاءِ وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ الْمَالِ فِي أَيِّ مُدَّةٍ شَاءَ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْكِتَابَةَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَقَدْ أَتَى بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ هُنَا مُفَسَّرًا فَتَنْعَقِدُ بِهِ كَمَا إذَا أَطْلَقَ الْكِتَابَةَ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُفَسَّرَ أَقْوَى وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ يَحْتَمِلُ الْكِتَابَةَ وَيَحْتَمِلُ الضَّرْبَةَ وَبِهِ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْكِتَابَةِ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَأَنْتَ قِنٌّ فَضْلَةٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا كَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْكِتَابَةِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى أَلْفٍ وَعَبْدِ مِثْلِهِ فِي الْخِيَاطَةِ وَهُوَ خَيَّاطٌ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْأَلْفِ وَعَبْدِ مِثْلِهِ فِي أَصْلِ الْخِيَاطَةِ لَا مِثْلِهِ فِي الْخِيَاطَةِ اهـ.
وَلَوْ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَهُوَ مُكَاتَبَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَيْسَتْ بِمُكَاتَبَةٍ، بَلْ يَكُونُ إذْنًا اعْتِبَارًا بِالتَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ بِدَفْعَةِ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ يَضْمَنُهَا الرَّجُلُ عَنْ سَيِّدِهِ فَالْكِتَابَةُ وَالضَّمَانُ جَائِزَانِ، وَلَوْ ضَمِنَ عَنْ سَيِّدِهِ لِغَرِيمٍ عَلَيْهِ مَالٌ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ الْكِتَابَةِ أَوْ قَبِلَ الْحَوَالَةِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى أَلْفٍ إلَى نَجْمٍ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَحُطَّ بَعْضَهَا
وَيَقْبِضَ بَعْضَهَا أَوْ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَفِيهِ أَيْضًا، وَلَوْ خَصَّ عَلَيْهِ التَّصَرُّفَ فِي نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَفِيهِ أَيْضًا، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى بَعْضِهِ وَيَحُطُّ الْبَعْضَ جَازَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ سَنَةً بِمَا عَلَيْهِ لِلْخِدْمَةِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ لِلْحَالِّ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مِنْ الْمَوْلَى رَجَعَ بِمِثْلِهِ عَلَيْهِ اهـ.
قَالَ رحمه الله (فَيَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ) يَعْنِي إذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ يَخْرُجُ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ مَالِكِيَّةٌ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ، وَلَوْ شَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ لَا يَخْرُجَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ التَّمَكُّنُ مِنْ أَدَاءِ الْمَالِ، وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالْخُرُوجِ فَيُطْلَقُ لَهُ الْخُرُوجُ.
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ الْيَدِ فَيَحْلِقُ مَعْنَى الْكِتَابَةِ لُغَةً وَهِيَ الضَّمُّ فَيَضُمُّ مَالِكِيَّةَ الْيَدِ الْحَاصِلَةِ لَهُ فِي الْحَالِّ إلَى مَالِكِيَّةِ الرَّقَبَةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ فِي الْمَآلِ فَإِنْ قِيلَ ضَمُّ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهَا وَمَالِكِيَّةُ النَّفْسِ فِي الْحَالِّ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ بِالضَّمِّ أُجِيبَ بِأَنَّ مَالِكِيَّةَ النَّفْسِ قَبْلَ الْأَدَاءِ ثَابِتَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا إذَا جَنَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ وَلَوْ وَطِئَ الْمُكَاتَبَةَ لَزِمَهُ الْعُقْرُ اهـ.
قَالَ رحمه الله (دُونَ مِلْكِهِ) يَعْنِي لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «هُوَ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَإِذَا تَمَّ لِلْمَوْلَى الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ تَتِمُّ الْمَالِكِيَّةُ لِلْعَبْدِ أَيْضًا وَتَمَامُ الْمِلْكِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى عَتَقَ بِعِتْقِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْبَدَلُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِمُقَابَلَةِ الْعِتْقِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ بِدُونِهِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى عَنْ الْبَدَلِ عَتَقَ وَفِي الْمُنْتَقَى، وَقَالَ الْبَانِيُّ لَوْ وَهَبَ الْمَوْلَى الْكِتَابَةَ لِلْمُكَاتَبِ عَتَقَ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ صَحِيحَةٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ فَإِنْ قَالَ الْمُكَاتَبُ لَا أَقْبَلُ كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَالْعِتْقَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ.
قَالَ رحمه الله (وَغَرِمَ إنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ أَتْلَفَ مَالَهَا) ؛ لِأَنَّهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَصَارَ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ وَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَكَسْبِهَا لِتَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى الْمَقْصُودِ بِالْكِتَابَةِ وَهِيَ حُصُولُ الْحُرِّيَّةِ لَهَا وَالْبَدَلِ لِلْمَوْلَى، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَتْلَفَ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهَا فَلَمْ يَحْصُلْ لَهَا الْغَرَضُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَمَنَافِعِ الْبُضْعِ مُلْحَقَةٌ بِالْإِجْزَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِوَضُهُ وَهُوَ الْعُقْرُ عِنْدَ إتْلَافِهِ بِالْوَطْءِ وَانْتَفَى الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَلَوْ قَالَ فَغَرِمَ إلَى آخِرِهِ بَدَلَ الْوَاوِ لَكَانَ أَوْلَى لِإِفَادَةِ الْفَاءِ التَّفْرِيعَ وَفِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا مُدَّةَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ الْخَمْرِ فَإِنْ أَدَّتْ أَلْفًا عَتَقَتْ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِأَدَاءِ مَا يَصْلُحُ بَدَلًا وَالْوَطْءَ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا لَا فِي حَقِّ الِانْعِقَادِ وَلَا فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ وَعَلَيْهَا فَضْلُ قِيمَتِهَا فِي قَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ قِيمَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا الْمُسَمَّى هَذَا إذَا كَانَ الْمُؤَدَّى أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَإِنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَوْلَى خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنْ وُطِئَتْ، ثُمَّ أَدَّتْ أَلْفًا فَعَلَيْهِ عُقْرُهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فَإِنْ قِيلَ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ فِي جَانِبِ الْمَوْلَى، بَلْ لَهُ الْفَسْخُ فَلِمَ لَا يَجْعَلُ إقْدَامَهُ عَلَى الْوَطْءِ دَلِيلًا عَلَى الْفَسْخِ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ قُلْنَا اشْتِرَاطُ الْوَطْءِ لِنَفْسِهِ فِي الْكِتَابَةِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ يَطَؤُهَا مُسْتَوْفِيًا لِمَا شَرَطَهُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ نَصًّا عَلَى تَقْرِيرِ الْعَقْدِ لَا عَلَى فَسْخِهِ وَحَالُهُ دَلِيلٌ عَلَى الْفَسْخِ وَلَا قِوَامَ لِلدَّلَالَةِ مَعَ الصَّرِيحِ وَالنَّصِّ حَتَّى لَوْ فَسَدَتْ الْكِتَابَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا بِاشْتِرَاطِ الْوَطْءِ فِيهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا يُجْعَلُ ذَلِكَ فَسْخًا اهـ.
وَلَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى إنْسَانٍ خَطَأً فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَلَوْ عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ فَحُكْمُهُ كَالرَّقِيقِ كَمَا عُلِمَ فِي مَكَانِهِ وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً خَطَأً قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى، ثُمَّ جَنَى ثَانِيًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى فَقَدْ انْتَقَلَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ رَقَبَتِهِ إلَى ذِمَّتِهِ فَصَارَتْ الثَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ الْمُبْتَدَأَةِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا حَفَرَ الْمُكَاتَبُ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ حَفْرِهِ فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ آخَرُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْأُولَى أَوْ لَمْ يَحْكُمْ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ هُنَا الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ حَفْرُ الْبِئْرِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ سَقَطَ حَائِطُهُ الْمَائِلُ عَلَى إنْسَانٍ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ بِنَقْضِهِ فَقُتِلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ، وَإِذَا وُجِدَ فِي دَارِ الْمُكَاتَبِ قَتِيلٌ فَعَلَيْهِ
أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ فَيَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً عَمْدًا بِأَنْ قَتَلَ إنْسَانًا قُتِلَ بِهِ فَإِنْ جَنَى غَيْرُ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَالْأَرْشُ لَهُ وَالْأَرْشُ أَرْشُ الْعَبِيدِ أَمَّا كَوْنُ أَرْشِهِ لَهُ فَلِأَنَّ أَجْزَاءَهُ لَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَنَافِعِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ أَرْشِهِ أَرْشَ الْعَبِيدِ؛ فَلِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مُخْتَصَرًا.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) شُرُوعٌ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بَعْدَ الصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَةَ تَتْلُوا الصَّحِيحَةَ يَعْنِي لَوْ كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ الْكَافِرَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَا يَصْلُحُ عِوَضًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ، وَلَوْ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يُعْتَقُ، وَلَوْ أَدَّى الْقِيمَةَ عَتَقَ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْلِمَ بَاشَرَ فَلَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا فِي كِتَابَةِ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا وَأَسْلَمَ تَفْسُدُ فَإِذَا فَسَدَتْ بِالْإِسْلَامِ فِي الْبَقَاءِ فَفِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى، وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ ذَلِكَ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ فَإِنْ أَدَّى لَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَيُعْتَقُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ لَا لِأَجْلِ الْكِتَابَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَيْضًا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَتَقَ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ قَبْلَ إبْطَالِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إذَا فَسَدَتْ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَالٍ انْعَقَدَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى الْقِيمَةِ فَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِأَدَائِهَا اهـ.
وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ كَاتَبَ عَلَى أَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ الْخَمْرِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ تَلِدُهُ لَك فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَإِنْ وَلَدَتْ فِي الْفَاسِدَةِ، ثُمَّ أَدَّتْ عَتَقَ وَلَدُهَا مَعَهَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ أَنَّ فِي الْفَاسِدَةِ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الرِّقِّ وَيَفْسَخَ الْكِتَابَةَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَفِي الْجَائِزَةِ لَا يَفْسَخُ إلَّا بِرِضَا الْعَبْدِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ جَمِيعًا بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَأَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى وَرَثَتِهِ عَتَقَ اسْتِحْسَانًا اهـ.
قَيَّدْنَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَكَاتَبَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَاتَبَ مَنْ يَعْلَمُ بِالْأَحْكَامِ، وَلَوْ تَقْدِيرًا فَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحْكَامُ فَكَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ ذَلِكَ وَلَا سِعَايَةَ؛ لِأَنَّهُ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
قَالَ رحمه الله (أَوْ عَلَى قِيمَتِهِ أَوْ عَيْنٍ لِغَيْرِهِ) يَعْنِي الْكِتَابَةَ فَاسِدَةً إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ أَمَّا عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهَا مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ وَجِنْسُهَا كَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَالدَّابَّةَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَا هُوَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى فِي النِّكَاحِ؛ وَلِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ الْقِيمَةُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا وَلَا يُقَالُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدِهِ يَجُوزُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَبْدٌ وَسَطٌ أَوْ قِيمَةٌ، وَلَوْ أَبَى أَخْذَ الْقِيمَةِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى الْقِيمَةِ فَاسِدَةً لَمَا صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِيمَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ثَبَتَ قَصْدًا وَفِيمَا ذَكَرْت ثَبَتَ ضِمْنًا وَيَتَسَامَحُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَمْ يَتَسَامَحْ فِي الْقَصْدِيِّ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ أَدَّى الْقِيمَةَ عَتَقَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ فَسَدَتْ يَبْقَى تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ فَمَتَى تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُؤَدَّى قِيمَتُهُ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالتَّصَادُقِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْ الْمُقَوِّمِينَ عَلَى شَيْءٍ يُجْعَلُ ذَلِكَ قِيمَةً لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَوَّمَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِالْأَكْثَرِ لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ أَقْصَى قِيمَتِهِ.
وَلَوْ كَاتَبَ أَمَةً عَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِهَا لَمْ يَجُزْ وَلَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهَا خِلَافًا لِزُفَرَ قَوْلُهُ أَوْ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ شَيْءٌ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ كَاتَبَ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَهِيَ لِغَيْرِهِ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَعَنْ الْحَسَنِ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَيْنَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَتَسْلِيمُ تِلْكَ الْعَيْنِ لَيْسَتْ فِي قُدْرَتِهِ فَلَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَجَازَ صَاحِبُ الْعَيْنِ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَجَازَ أَوْ لَمْ يَجُزْ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِجَارَةِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْقِيمَةِ وَرُوِيَ الثَّانِي عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ
الْقِيمَةَ فَأَدَّى لَمْ يُعْتَقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ الْمَوْلَى إنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِالدَّفْعِ قَالَ الْمَوْلَى إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ كَمَا لَوْ كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ وَجْهُ مَا ذَكَرَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْعَيْنَ لَمْ يَصِرْ بَدَلًا فِي هَذَا الْعَقْدِ بِتَسْمِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالْعَقْدِ أَصْلًا.
قَالَ رحمه الله (أَوْ بِمِائَةٍ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ وَصِيفًا فَسَدَ) قَوْلُهُ فَسَدَ هَذَا خَبَرٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ كَاتَبَ يَعْنِي لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ وَصِيفًا فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةٌ وَتُقْسَمُ الْمِائَةُ عَلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَالْوَصِيفِ الْوَسَطِ فَمَا أَصَابَ الْوَصِيفُ الْوَسَطُ يَسْقُطُ عَنْهُ وَيَكُونُ مُكَاتَبًا وَتُقْسَمُ الْمِائَةُ بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَالْكِتَابَةِ وَلَهُمَا أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ الْوَصِيفِ هَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى فَسَادِ الْعَقْدِ وَهُنَا اسْتِثْنَاءُ الْعَبْدِ مِنْ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيفَ لَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَتَسْمِيَةُ الْقِيمَةِ تُفْسِدُ الْعَقْدَ؛ وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَشْتَمِلُ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الدَّنَانِيرِ بِأَدَاءِ الْوَصِيفِ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمَوْلَى بَيْعٌ وَمَا كَانَ بِمُقَابَلَةِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ هُوَ مُكَاتَبَةٌ فَيَبْطُلُ لِجَهَالَةِ الْمُثَمَّنِ وَالثَّمَنِ فَهُوَ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ فَلَا يَجُوزُ لِلنَّهْيِ عَنْهَا.
وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ وَبَيَّنَ جِنْسَهُ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ تُرْكِيٌّ أَوْ هِنْدِيٌّ وَلَا الْوَصْفَ أَنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ جَازَتْ الْكِتَابَةُ وَيُصْرَفُ إلَى الْوَسَطِ وَقَدَّرَ الْإِمَامُ الْوَسَطَ بِمَا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ، وَقَالَا هُوَ عَلَى قَدْرِ غَلَاءِ السِّعْرِ وَرُخْصِهِ وَلَا يُنْظَرُ فِي قِيمَةِ الْوَسَطِ إلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ قِيمَتِهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مَعَ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَاتَبَ وَجَعَلَ الْأَجَلَ الْحَصَادَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ لَا تَصِحَّ الْكِتَابَةُ فِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُعَيَّنِ مَجْهُولَةٌ جَهَالَةً فَاحِشَةً وَلِهَذَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِيمَا إذَا شَرَطَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا مُعَيَّنًا أَنْ يَصِحَّ بِالِاتِّفَاقِ نَقَلَهُ فِي الْكَافِي وَالدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَسَدَ فَإِنْ أَدَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَتَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي، وَقَدْ قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ وَلَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَتَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَإِذَا جَاءَ الْمُكَاتَبُ بِالْمَالِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَأَبَى الْمَوْلَى أَنْ يَقْبَلَهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ اهـ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَيُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ يَعْنِي إذَا كَانَ قَبْلَ إبْطَالِ الْقَاضِي وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ عَتَقَ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ يُعْتَقُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَقُ إنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَا يُعْتَقُ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ إلَّا فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ نَصًّا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ، وَكَذَا الْخِنْزِيرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ أَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ وَالْمَيْتَةَ وَالدَّمَ لَيْسَا بِمَالٍ أَصْلًا عِنْدَ أَحَدٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ أَصْلًا فَاعْتُبِرَ فِيهِمَا مَعْنَى الشَّرْطِ لَا غَيْرَ ذَلِكَ بِالتَّعْلِيقِ قَالَ ابْنُ فَرْشَتَةَ هَذَا إذَا كَانَ السَّيِّدُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ اتِّفَاقًا اهـ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِذَا أَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ وَلَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ حَيْثُ قُلْنَا فِي الْمُسْلِمِ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ وَفِي الْكَافِرِ صَحِيحٌ فَأَقُولُ: الْمُسْلِمُ لَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ إذْ الْمُسْلِمُ لَمَّا كَانَ الْخَمْرُ فِي حَقِّهِ لَيْسَ بِمَالٍ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ إرَادَتُهُ التَّعْلِيقَ عَلَى الْأَدَاءِ فَيُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ وَالْكَافِرُ لَمَّا كَانَ فِي حَقِّهِ مَالًا فَالظَّاهِرُ انْتِفَاءُ التَّعْلِيقِ فِي حَقِّهِ، بَلْ إرَادَةُ الْعَرْضِ وَبِالْإِسْلَامِ انْتَفَى كَوْنُهُ عَرْضًا وَالتَّعْلِيقُ مُنْتَفٍ فَلَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ قَالَ رحمه الله (وَسَعَى فِي قِيمَتِهِ) يَعْنِي إذَا عَتَقَ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِلْعِتْقِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ أَتْلَفَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يُنْقِصْ عَنْ الْمُسَمَّى وَزِيدَ عَلَيْهِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَسْأَلَةِ الْخَمْرِ، بَلْ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَمَعْنَاهَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ أَبَدًا أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَهَدِيَّةٍ فَالْخِدْمَةُ أَبَدًا وَالْهَدِيَّةُ لَا تَصْلُحُ بَدَلًا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فَإِذَا أَدَّى الْأَلْفَ عَتَقَ فَإِنْ كَانَ الْأَلْفُ قَدْرَ قِيمَتِهِ لَمْ يَبْقَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ رَجَعَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَلْفُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِدَفْعِهَا، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ الْخَمْرِ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَدْفَعَ الْأَلْفَ وَالرِّطْلَ مِنْ الْخَمْرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ مُخْتَصَرًا قَالَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ
فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ أَنْ يَعْتِقَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ الْمُسَمَّى وَالْعَبْدُ يَرْضَى بِالزِّيَادَةِ حَتَّى يَنَالَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ فَيُزَادُ عَلَيْهِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ لِيَنَالَ الشَّرَفَ وَفِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ يُعْتَقُ بِأَدَائِهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ فِي الْفَاسِدِ ذَكَرَهَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعِتْقِ فِيهِ وَأَثَرُ الْجَهَالَةِ فِي الْفَاسِدِ لَا فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا، وَلَوْ أَدَّى قِيمَةَ الثَّوْبِ لَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِأَنْ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الثَّوْبِ لِصَرِيحِ التَّعْلِيقِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ وَلَمْ يَقُلْ هَرَوِيٌّ أَوْ غَيْرَهُ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ ثَوْبٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ.
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ) يَعْنِي يَصِحُّ عَقْدُ الْكِتَابَةِ عَلَى حَيَوَانٍ إذَا بَيَّنَ جِنْسَهُ لَا نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ لَوْ قَالَ وَصَحَّ عَلَى حَيَوَانٍ بَيَّنَ نَوْعَهُ كَانَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ قَالَ وَصَحَّ عَلَى عَبْدٍ كَانَ أَوْلَى، وَلَكِنْ كَانَ أَخْصَرَ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّفْظَ وَالْوَصْفَ يَجْمَعُ أَجْنَاسًا فَالْجَهَالَةُ فَاحِشَةٌ كَالْحَيَوَانِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ فَلَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ إنْ كَانَ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا كَالْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْحَبَشِيَّ وَالْهِنْدِيَّ وَالتُّرْكِيَّ وَالْأَسْوَدَ فَتَصِحُّ الْكِتَابَةُ إذَا ذَكَرَهُ فَلِذَا فَسَّرْنَا الْحَيَوَانَ بِالْعَبْدِ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ صَحَّ فَظَهَرَ أَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَنَا هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ اخْتَلَفَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمْ وَالنَّوْعَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ اتَّحَدَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمْ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْأَصْلُ أَنَّ جَهَالَةَ الْجِنْسِ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا كَانَ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَذَلِكَ كَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالْحَيَوَانِ وَفِي هَذَا لَا يُعْتَقُ إذَا دَفَعَ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ حَيَوَانًا وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي عَقْدِ غَيْرِ الْمُعَاوَضَةِ كَالنِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ وَذَلِكَ كَعَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ.
فَإِنْ قُلْت إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ أَوْ قِيمَةِ الْعَبْدِ تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ، وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ فَمَا الْفَرْقُ قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْقِيمَةِ جَهَالَةٌ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالْوَصْفِ فِي الْحَالِّ وَالْجَهَالَةُ فِي الْعَبْدِ جَهَالَةٌ فِي الْوَصْفِ دُونَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ فَخِفْت الْجَهَالَةَ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى وَصْفٍ أَوْ عَبْدٍ مُؤَجَّلًا جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ وَبَيَّنَ صِفَتَهُ فَأَتَى بِقِيمَتِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ قَدَّرَ الْوَسَطَ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى قَدْرِ غَلَاءِ السِّعْرِ وَرُخْصِهِ وَلَا يُنْظَرُ فِي قِيمَةِ الْوَسَطِ إلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ، وَلَوْ قَالَ وَصَحَّ عَلَى فَرَسٍ لَكَانَ أَوْلَى وَلَمْ يَحْتَجْ لِلتَّأْوِيلِ.
قَالَ رحمه الله (أَوْ كَاتَبَ كَافِرٌ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ) يَعْنِي يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ لِلْآخَرِ إذَا سَمَّى قَدْرًا مِنْ الْخَمْرِ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ عِنْدَهُمْ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالْعَصِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَيَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فَاسِدًا وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى مُسْلِمًا أَطْلَقَ فِي الْكَلَامِ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ وَالْمُسْتَأْمَنَ وَالْحَرْبِيَّ وَلَا فَرْقَ فِي الذِّمِّيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِنَا أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ دَخَلَ غَيْرَ مُهَاجِرٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُنَا وَالْمُسْتَأْمَنُ مَا دَامَ فِي دَارِنَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُنَا وَإِنَّمَا مَحَلُّ النَّظَرِ لَوْ كَاتِب الْحَرْبِيُّ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَأَدَّى ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَقُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَنَا أَنْ نَحْتَالَ عَلَى مَالِ الْحَرْبِيِّ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَرْضَاهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخِنْزِيرَ هُنَا كَالْخَمْرِ فِي الْحُكْمِ فِيهِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَسْلَمَ فَلَهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهِ وَفِي تَسْلِيمِ عَيْنِ الْخَمْرِ تَمْلِيكُهَا وَتَمَلُّكُهَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى يَمْلِكُهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهَا مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ وَالْقَبْضِ يَرِدُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ غَيْرَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ الْعَبْدِ وَتَمَلُّكًا مِنْ الْمَوْلَى فِي الْحَالِّ عِوَضًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْخَمْرِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْقِيمَةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُسَمَّى وَالْكِتَابَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى مَا يَصْلُحُ بَدَلًا فَفِي الْكِتَابَةِ تَصْلُحُ الْقِيمَةُ بَدَلًا فِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى وَصْفٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ وَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْقِيمَةِ صَحِيحًا أَصْلًا فَكَذَا لَا يَبْقَى عَلَيْهَا قَيَّدْنَا أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْخَمْرَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُعَيَّنًا فَقَدْ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَالتَّسْلِيمُ نُقِلَ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ وَالْمُسْلِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْخَمْرِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا غَصَبَ خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْخَمْرَ مِنْ