الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ بِخِلَافِ الْمَوْلَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَيْهِمَا شَهَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَدَيْنُهُمَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَا لَهُمَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ فَكَانَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِمَا بَعْدَ الدَّيْنِ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ، فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى الْإِقْرَارَ عَلَيْهِمَا فَكَيْفَ يَمْلِكَانِهِ وَوِلَايَتُهُمَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْهُ قُلْنَا لَمَّا انْفَكَّ عَنْهُمَا صَارَ كَمَا إذَا انْفَكَّ بِالْبُلُوغِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِخِلَافِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُمَا تَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنْ مُعَامَلَتِهِمَا فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالْإِذْنِ فَأَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى قَبُولِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ مَوْرُوثَةٍ فِي مِلْكِهِمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَاتِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ انْفِكَاكَ حَجْرِهِ بِالْإِذْنِ كَانْفِكَاكِهِ بِالْبُلُوغِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ]
(فَصْلٌ) وَغَيْرُ الْأَبِ، وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ فَيَصِيرُ الْوَاحِدُ طَالِبًا مُطَالَبًا وَمُسْتَلَمًا وَمُتَسَلِّمًا وَهَكَذَا الْحَالُ وَكَذَا الْأَبُ، وَالْجَدُّ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رحمه الله وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ أَنَّهُ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ قَامَ مَقَامَ شَخْصَيْنِ وَعِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ وَرَأْيُهُ مَقَامَ رَأْيَيْنِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ وَهُوَ بَالِغٌ وَهُوَ يَتَحَمَّلُ لِحَقِّ الْأُبُوَّةِ لِحُقُوقِ الْعَقْدِ نِيَابَةً عَنْهُ حَتَّى إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّغِيرِ وَفِيمَا إذَا بَاعَ مَالَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَبَلَغَ الصَّغِيرُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْأَبِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ لَا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِحَالَةِ.
وَلَوْ اشْتَرَى مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ بِعْته مِنْهُ أَوْ اشْتَرَيْته لَهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ قَائِمٌ مَقَامَ كَلَامَيْنِ وَلِأَنَّ نَفْسَ الْقَبُولِ لَا يُعْتَبَرُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الرِّضَا وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَدْ وُجِدَتْ دَلَالَةُ الرِّضَا.
وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَشْتَرِيَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ لَهُ فَفَعَلَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ لِكَمَالِ هَذِهِ الشَّفَقَةِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْأَبِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ إلَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَقِيلَ إنَّهُ يَجُوزُ وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ مِنْ جَانِبِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ مُبَاحٌ وَلِلصَّغِيرِ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّظَرِ فَيُجْعَلُ الْأَبُ مُتَصَرِّفًا لِلصَّغِيرِ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ.
وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ مَالِ وَلَدِهِ فَبَاعَ مِنْ مُوَكِّلِهِ أَوْ بَاعَ الْوَالِدُ مَالَ أَحَدِ وَلَدَيْهِ بِمَالِ الْآخَرِ أَوْ أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ أَوْ لِعَبْدَيْهِمَا أَوْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا وَوَصِيًّا صَحَّ وَلَوْ أَذِنَ لَهُمَا أَوْ لِعَبْدَيْهِمَا أَوْ وَصِيِّهِمَا فَتَبَايَعَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَفَادَا وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ عَنْهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ فَكَذَا الصِّبْيَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ صَحَّ، فَإِذَا فَعَلَ بِإِذْنِهِ وَصَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ مَالَهُ مِنْ الصَّبِيِّ وَشِرَاؤُهُ مِنْهُ بِشَرْطِ نَفْعٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ وَقِيلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِثَمَانِمِائَةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لِمَا مَرَّ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّ مُخْتَارٌ الْأَبَ وَلَكِنَّهُ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ النَّظَرُ يَلْحَقُ بِالْأَبِ وَيُرْوَى رُجُوعُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ بَاعَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِحَيْثُ يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ جَازَ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ الْعَبْدُ، وَالْوَصِيُّ إذَا بَاعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ
وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى الْأَبُ إذَا أَذِنَ لِابْنَيْهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ أَمَرَ رَجُلَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ أَحَدِهِمَا شَيْئًا لِلْآخَرِ لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ هُوَ الْمُعَبِّرَ عَنْهُمَا، وَإِنْ عَبَّرَ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَته فِي قَوْلِ الْإِمَامِ، وَالثَّالِثُ لَا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ عِنْدَ الْكُلِّ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَوْ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ صَارَ مَحْجُورًا وَكَذَا إذَا مَاتَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ ابْنُهُ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَرِثَهُ الْأَبُ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ.
[بَاعَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ عَبْدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ]
وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا بَاعَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ عَبْدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَضَمِنَ رَجُلٌ لِلْمُشْتَرِي الدَّرَكَ ثُمَّ دَفَعَ الثَّمَنَ فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَوْ دَفَعَ الثَّمَنَ ثُمَّ ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ صَحِيحَةٌ وَبَعْدَهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَعْدَ قَبْضِ الصَّبِيِّ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ قَالَ ادْفَعْ الثَّمَنَ لِلصَّبِيِّ لِيَكُونَ أَمَانَةً عِنْدَهُ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك فَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْمَالِ مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَمَرَ بِدَفْعِهِ إلَى الصَّبِيِّ فَيَنُوبُ قَبْضُ الصَّبِيِّ عَنْ قَبْضِ الضَّامِنِ أَوَّلًا ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ. اهـ. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْغَصْبِ]
أَوْرَدَ الْغَصْبَ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ مَآلًا حَتَّى صَحَّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِهِ وَلَمْ يَصِحَّ بِدَيْنِ الْمَهْرِ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ دُونَ الثَّانِي إذْ الْمَغْصُوبُ مَا دَامَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَا يَكُونُ الْغَاصِبُ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِرَقَبَتِهِ وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَنَظَرَ فِي هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ بِأَنَّ الْغَصْبَ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ الْيَدِ وَالْإِزَالَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ وَاَلَّذِي أَرَى أَنَّ وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ الْمَأْذُونُ يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ وَالْغَاصِبُ يَتَصَرَّفُ لَا بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ فَبَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةُ الْمُقَابَلَةِ بِالْكَلَامِ فِي الْغَصْبِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً. وَالثَّانِي فِي رُكْنِهِ. وَالثَّالِثُ فِي شَرْطِهِ. وَالرَّابِعُ فِي صِفَتِهِ، وَالْخَامِسُ فِي حُكْمِهِ وَالسَّادِسُ فِي أَنْوَاعِهِ وَالسَّابِعُ فِي دَلِيلِهِ وَالثَّامِنُ فِي مَعْنَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَقَوِّمًا أَوْ غَيْرَهُ يُقَالُ غُصِبَتْ زَوْجَةُ فُلَانٍ وَوَلَدُهُ وَيُطْلَقُ عَلَى حَمْلِ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ مَا لَا بِرِضَاهُ يُقَالُ غَصَبَنِي فُلَانٌ عَلَى فِعْلِ كَذَا وَرُكْنُهُ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ شَرْطُهُ كَوْنُ الْغَاصِبِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ وَلِلتَّحْوِيلِ وَصِفَتُهُ أَنَّهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ عَلَى الْغَاصِبِ ذَلِكَ وَحُكْمُهُ وُجُوبُ رَدِّ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَمِثْلِهِ إنْ كَانَ هَالِكًا أَوْ قِيمَتِهِ وَأَنْوَاعُهُ وَهُوَ عَلَى نَوْعٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ وَهُوَ مَا وَقَعَ عَنْ عِلْمٍ أَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ وَنَوْعٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ وَهُوَ مَا وَقَعَ عَنْ جَهْلٍ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] وَمَعْنَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قَالَ رحمه الله (هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ) فَقَوْلُهُ هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ أَخْرَجَ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إزَالَةٌ وَكَذَا لَوْ غَصَبَ دَابَّةً فَتَبِعَتْهَا أُخْرَى أَوْ وَلَدُهَا لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْإِزَالَةِ، وَقَوْلُهُ: فِي مَالٍ شَمِلَ الْمَالَ الْمُتَقَوِّمَ وَغَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ وَبِقَوْلِهِ مُحْتَرَمٍ أَخْرَجَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا وَبِقَوْلِهِ مُحْتَرَمٍ أَخْرَجَ مَالَ الْحَرْبِيِّ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ وَقَوْلُهُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ أَخْرَجَ الْعَقَارَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ غَيْرُ جَامِعٍ وَلَا مَانِعٍ أَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ جَامِعٍ، فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا قَتَلَ إنْسَانٌ إنْسَانًا فِي مُعَارَكَةٍ وَتَرَكَ مَالَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ غَاصِبًا إذْ لَمْ تَزَلْ يَدُ الْمَالِكِ وَلَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا غَصَبَهَا مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُودِعِ أَوْ غَصَبَ مَالَ الْوَقْفِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَزَلْ الْيَدُ الْمُحِقَّةُ وَأَفْتَى الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ تَزَلْ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ هُنَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ وَقْتَ الْغَصْبِ وَإِزَالَةُ الْيَدِ فَرْعُ تَحَقُّقِهَا فَيُزَادُ فِي التَّعْرِيفِ وَبَعْضُهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ الْغَصْبُ شَرْعًا أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ تَقْصِيرَ يَدِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ مَانِعٍ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى السَّرِقَةِ فَيُزَادُ فِي التَّعْرِيفِ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ أَخْرَجَ السَّرِقَةَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ بِغَيْرِ إذْنٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِإِذْنِ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَأْخُوذِ مِلْكَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ مَضْمُونٌ بِالْإِتْلَافِ وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ أَصْلًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ قَالَ رحمه الله
(وَالِاسْتِخْدَامُ وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ غَصْبٌ) ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِخْدَامِ عَبْدِ الْغَيْرِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَى دَابَّةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أَثْبَتَ فِيهِ الْيَدَ الْمُتَصَرِّفَةَ وَمِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْيَدِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ فَيَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ فَيَضْمَنُ أَطْلَقَ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَخْدَمَهُ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ غَاصِبًا فِي الْأَوَّلِ وَقَالَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ هَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا اسْتَعْمَلَهُ لَا فِي أَمْرِ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ غَاصِبًا. اهـ.
وَاسْتِعْمَالُ عَبْدِ الْغَيْرِ غَصْبٌ عَلِمَ أَنَّهُ لِلْغَيْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَوْ جَاءَ وَقَالَ أَنَا حُرٌّ فَاسْتَعْمَلَهُ كَانَ غَاصِبًا لَهُ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ إذَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ: ارْقَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَأْتِ بِالْمِشْمِشِ لِتَأْكُلَ أَنْت فَوَقَعَ مِنْ الشَّجَرَةِ فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الْآمِرُ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَقِيلَ يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ لِآكُلَ أَنَا وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا يَضْمَنُ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَرْسَلَ غُلَامًا صَغِيرًا فِي حَاجَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَرَأَى الْغُلَامُ غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ فَانْتَهَى إلَيْهِمْ وَارْتَقَى شَجَرَةً فَوَقَعَ وَمَاتَ ضَمِنَ الَّذِي أَرْسَلَهُ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ اسْتَخْدَمَ عَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ قَادَ دَابَّتَهُ أَوْ سَاقَهَا أَوْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ ضَمِنَ سَوَاءٌ عَطِبَتْ فِي تِلْكَ الْخِدْمَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَلَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ فِي حَالِ
الِاسْتِخْدَامِ ضَمِنَهُ وَفِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ إذَا اسْتَعْمَلَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ غَاصِبًا وَرَوَى هِشَامٌ أَنَّهُ يَصِيرُ غَاصِبًا نَصِيبَ صَاحِبِهِ وَفِي الدَّابَّةِ يَصِيرُ غَاصِبًا نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ فَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمَتْنِ أَنَّهُ يَصِيرُ غَاصِبًا بِنَفْسِ الْحَمْلِ حَوَّلَهَا عَنْ مَكَانِهَا أَوْ لَا قَالَ فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ رَكِبَ دَابَّةً بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا فِي مَكَانِهَا ذَكَرَ فِي آخَرِ كِتَابِ اللُّقَطَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ حَتَّى يُحَوِّلَهَا وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي الْمُنْتَقَى لَا ضَمَانَ عَلَى رَجُلٍ تَعَدَّى عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ وَلَمْ يُحَوِّلْهَا عَنْ مَوْضِعِهَا وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ وَعَقَرَهَا فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي عَقَرَهَا وَفِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ رَجُلٌ يُكَسِّرُ الْحَطَبَ فَجَاءَ غُلَامٌ وَقَالَ: اعْطِنِي الْقَدُّومَ حَتَّى أَكْسِرَ أَنَا مَكَانُك فَأَبَى صَاحِبُ الْحَطَبِ فَأَخَذَ الْغُلَامُ الْقَدُّومَ فَكَسَرَ فَضَرَبَ فَوَقَعَ بَعْضُ الْمَكْسُورِ عَلَى عَيْنِ الْغُلَامِ لَا يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْحَطَبِ شَيْءٌ.
وَلَوْ وَجَّهَ جَارِيَةً إلَى النَّخَّاسِ لِيَبِيعَهَا فَبَعَثَتْهَا امْرَأَةُ النَّخَّاسِ فِي حَاجَتِهَا فَهَرَبَتْ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ جَارِيَةٌ جَاءَتْ إلَى النَّخَّاسِ وَطَلَبَتْ الْبَيْعَ ذَهَبَتْ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ ذَهَبَتْ وَقَالَ النَّخَّاسُ رَدَدْتهَا عَلَى مَوْلَاهَا فَالْقَوْلُ لَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ النَّخَّاسَ لَمْ يَأْخُذْ الْجَارِيَةَ وَمَعْنَى الرَّدِّ أَمْرُهَا بِالذَّهَابِ إلَى مَنْزِلِ السَّيِّدِ فَلَوْ أَخَذَهَا النَّخَّاسُ أَوْ ذَهَبَ بِهَا إلَى مَنْزِلِ مَوْلَاهَا فَلَا يَصْدُقُ قَوْلُهُ رَدَدْتهَا فَلَوْ قَالَ رحمه الله وَبِالِاسْتِخْدَامِ لَهُ وَالْحَمْلِ وَالتَّحْوِيلِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا عَلِمْت
قَالَ رحمه الله (لَا الْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ) ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى بِسَاطِ الْغَيْرِ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يُرَجَّحُ بِهِ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ مَا لَمْ يَصِرْ فِي يَدِهِ وَالْبَسْطُ فِعْلُ الْمَالِكِ فَبَقِيَ أَثَرُ يَدِ الْمَالِكِ فِيهِ مَا بَقِيَ فِعْلُهُ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ مِنْ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ
قَالَ رحمه الله: (وَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» أَيْ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا وَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ» وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهُ سَرِقَةً وَلَكِنْ يُرِيدُ إدْخَالَ الْغَيْظِ عَلَيْهِ وَ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْيَدَ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَتَوَصَّلُ بِهَا إلَى تَحْصِيلِ ثَمَرَاتِ الْمِلْكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ مَعَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ سِوَى الْيَدِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَسْخُ فِعْلِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَأَتَمُّ وُجُوهِهِ رَدُّ عَيْنِهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَرَدُّ الْعَيْنِ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ وَرَدُّ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ مُخَلِّصٌ فَيُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ أَتَى بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَيْنِ لَا يَعْتَدُّ بِهِ وَلَوْ رَدَّ الْعَيْنَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمَالِكِ بَرِئَ مِنْهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لَمَا بَرِئَ إلَّا إذَا عَلِمَ وَقَبَضَهُ كَمَا فِي قَبْضِ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ وَقَبِلَ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ وَهُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الضَّمَانِ حِينَ قِيَامِ الْعَيْنِ يَصِحُّ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ.
وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ نِصَابٌ يَنْتَقِصُ بِهِ كَمَا يَنْتَقِصُ بِالدَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَوُجُوبُ رَدِّهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ كَمَا سَيَأْتِي وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ فَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ غَصَبَ عَبْدًا حَسَنَ الصَّوْتِ فَتَغَيَّرَ صَوْتُهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَانَ لَهُ النُّقْصَانُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُغَنِّيًا فَنَسِيَ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَاصِبِ لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ وَفِي الْمُنْتَقَى غَصَبَ مِنْ آخَرَ دَوَابَّ بِالْكُوفَةِ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ قِيمَتَهَا بِالْكُوفَةِ قَالَ وَكَذَا الْخَادِمُ وَكَذَا مَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ إلَّا الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا حَيْثُ وَجَدَهَا وَإِنْ اخْتَلَفَ السِّعْرُ؛ لِأَنَّهُ أَثْمَانٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِثْلِيًّا وَقَدْ هَلَكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَ السِّعْرُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي الْتَقَيَا فِيهِ مِثْلَ السِّعْرِ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ أَوْ أَكْثَرَ بَرِئَ بِرَدِّ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي الْتَقَيَا فِيهِ أَقَلَّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْعَيْنِ حَيْثُ غَصَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وَفِي الْخَانِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي الْمَكَانَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالثَّمَنِ وَفِيهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ غَصَبَ حِنْطَةً بِمَكَّةَ وَحَمَلَهَا إلَى بَغْدَادَ قَالَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا بِمَكَّةَ وَلَوْ غَصَبَ غُلَامًا بِمَكَّةَ فَجَاءَ بِهِ إلَى بَغْدَادَ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ أَخَذَ غُلَامَهُ وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ فِي رَجُلٍ غَصَبَ عَبْدًا فَذَهَبَ بِهِ إلَى قَرْيَةٍ فَلَقِيَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَخَاصَمَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ عَبْدَهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ اهـ.
فَلَوْ زَادَ الْمُؤَلِّفُ وَمَكَانَ غَصْبِهِ حَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَقِلُّ لَكَانَ
أَوْلَى
قَالَ رحمه الله (أَوْ مِثْلُهُ إنْ هَلَكَ وَهُوَ مِثْلِيٌّ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْمَغْصُوبِ إنْ هَلَكَ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُمَا بِإِيجَابِ الْمِثْلِ فَكَانَ أَعْدَلَ وَأَتَمَّ فَكَانَ إيجَابُهُ أَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْمِثْلِ فَشَمِلَ النَّاطِفَ الْمَبْذُورَ وَالدُّهْنَ الْمُرَبَّى وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة بِرُقُوم وَمَشَايِخُنَا اسْتَثْنَوْا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ النَّاطِفَ الْمَبْذُورَ وَالدُّهْنَ الْمُرَبَّى فَقَالُوا الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ فِيهِمَا وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَمَنْ أَتْلَفَ عَلَى آخَرَ جُبْنَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْجُبْنِ مَعَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ مَوْزُونٌ وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِيِّ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ الَّذِي لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ وَالْعَدَدُ الْمُتَقَارِبُ وَالْبَيْضُ وَالْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَدِيِّ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ
قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ انْصَرَمَ الْمِثْلِيُّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ) يَعْنِي إذَا انْقَطَعَ الْمِثْلِيُّ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَ الثَّانِي يَوْمَ الْغَصْبِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ هُوَ الْوَاجِبُ وَالْقِيمَةُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِلْعَجْزِ عَنْهُ وَالْعَجْزُ فِي يَوْمِ الِانْقِطَاعِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ وَلِلثَّانِي أَنَّ الْمِثْلَ لَمَّا انْقَطَعَ اُلْتُحِقَ بِالْقِيَمِيِّ وَفِيهِ يُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمِثْلَ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْغَصْبِ وَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ وَلِهَذَا لَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يَعُودَ الْمِثْلُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت وَلِمَ قَدَّمَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّعْلِيلِ وَلَمْ يُوَسِّطْهُ كَمَا هُوَ حَقُّهُ قُلْت لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ
قَالَ رحمه الله (وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْمَذْرُوعُ وَالْحَيَوَانُ وَالْمَعْدُودَاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ وَالْوَزْنِيُّ الَّذِي يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى وَهُوَ الْكَامِلُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِ مَعْنًى وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهُ وَيَحْصُلُ بِهَا مِثْلُهُ وَاسْمُهَا يُنْبِئُ عَنْهُ وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ يَضْمَنُ مِثْلَهُ صُورَةً لِمَا رُوِيَ عَنْ «أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ كُنْت فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَأَتَى بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ عليه الصلاة والسلام فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ الْقَصْعَةَ بِيَدِهَا فَكَسَرَتْهَا وَجَاءَتْ بِقَصْعَةٍ مِثْلِ تِلْكَ الْقَصْعَةِ فِي يَدِهَا فَاسْتَحْسَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ مِنْهَا» الْحَدِيثَ.
وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي «عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ نَصِيبَ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ» وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ وَالْآيَةُ شَاهِدَةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمِثْلُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ وَفِعْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْوَاجِبِ إذْ كَانَتْ الْقَصْعَتَانِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ.
فَعَلَى هَذَا كَانَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يُغَيِّرَ الْعِبَارَةَ فَيَقُولَ وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ فَشَمِلَ مَا إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَهُ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ اسْتَمَرَّتْ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً ثَمَنُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ ثُمَّ هَلَكَ ضَمِنَ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ وَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي الْقَدْرِ ضَمِنَ قِيمَةُ النُّقْصَانِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي السِّعْرِ لَا يَضْمَنُ وَشَمِلَ مَا إذَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ أَوْ نُقْصَانِهَا أَوْ اسْتِمْرَارِهَا عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَأَمَّا إذَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ نَحْوُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَجَازَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنُ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهُ وَقْتَ الْقَبْضِ وَبَطَلَ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَقَتَلَهُ الْغَاصِبُ ضَمَّنَ عَاقِلَتَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ يَوْمَ الْغَصْبِ زَائِدَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي قَوْلِهِمَا لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ حَالًّا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْعَاقِلَةَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَتْلِ زَائِدَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ حَيَوَانًا سِوَى بَنِي آدَمَ فَقَتَلَهُ الْغَاصِبُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَعِنْدَهُمَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ زَادَ الْعَبْدُ ثُمَّ قَتَلَ نَفْسَهُ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ الزِّيَادَةَ. اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهُ حَبَسَهُ