الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكَافِي مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَفِي التَّهْذِيبِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِتَكْفِينِهِ وَتَجْهِيزِهِ بِالْمِثْلِ وَالْمِثْلُ مَا يُلْبَسُ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَقِيلَ فِي الْأَعْيَادِ وَقِيلَ فِي الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، ثُمَّ الدَّيْنُ وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ دَيْنَ الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ دَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْبَعْضُ دَيْنَ الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ سَوَاءً لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ دَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْبَعْضُ دَيْنَ الْمَرَضِ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْمُعَايَنَةِ فَهُوَ دَيْنُ الصِّحَّةِ سَوَاءٌ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَسُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ وَطَلَبَ مِنْهُ الْوَرَثَةُ تَسْلِيمَ ذَلِكَ وَعَلَى الْمَيِّتِ دُيُونٌ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَأَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ فَصَالَحَهُ الْوَرَثَةُ عَمَّا عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ، ثُمَّ دَفَعَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَيْهِمْ هَلْ يَغْرَمُ لِغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ فَقَالَ نَعَمْ وَلَا يَبْرَأُ بِهَذَا الصُّلْحِ وَسُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ وَلَهُ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ مَالٌ وَلَهُ وَرَثَةٌ وَلَا شَيْءَ فِي أَيْدِيهِمْ وَعَلَى الْمَيِّتِ دُيُونٌ عَلَى مَنْ يَدَّعِي صَاحِبُ الدَّيْنِ وَعَلَى مَنْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ عَلَى ذِي الْيَدِ بِحَضْرَةِ الْوَرَثَةِ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَفِي الْفَرَائِضِ لِلْحُسَامِيِّ، ثُمَّ تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ مَا يَبْقَى بَعْدَ الْكَفَنِ وَالدَّيْنِ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى سِهَامِ الْمِيرَاثِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ شَائِعًا نَحْوُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ أَوْ بِالرُّبُعِ لَا تُقَدَّمُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْمِيرَاثِ بَلْ يَكُونُ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكَ الْوَرَثَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُزَادُ حَقُّهُ بِزِيَادَةِ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَيَنْقُصُ حَقُّهُ بِنُقْصَانِ تَرِكَة الْمَيِّتِ.
قَالَ رحمه الله (ثُمَّ بِدَيْنِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ مُقَدَّمَةً عَلَى الدَّيْنِ، وَقَدْ شَهِدْت «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ الدَّيْنَ عَلَى الْوَصِيَّةِ» وَلِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ وَالْبُدَاءَةُ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى وَالتَّقْدِيمُ ذِكْرًا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيمِ فِعْلًا وَالْمُرَادُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لَا دَيْنُ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهَا إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا أَوْ تَبَرَّعَتْ الْوَرَثَةُ بِهَا مِنْ عِنْدِهِمْ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْعِبَادَاتِ نِيَّةُ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلِهِ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِدَارِ الِابْتِلَاءِ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْفَصْلُ فِيهَا وَلَا الْعِبَادَةُ حَتَّى يُجِيزَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ بِخِلَافِ دَيْنِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَأَخَذَ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا فِعْلُهُ وَنِيَّتُهُ ابْتِلَاءً، وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ مَالِهِ وَعَنْ الْعَالَمِينَ جَمِيعًا غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَى الْعَبْدِ بِثُلُثِ مَالِهِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لِيَتَدَارَكَ مَا فَرَّطَ فِيهِ تَفَضُّلًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ فَإِنْ أَوْصَى بِهِ قَامَ فَعَلَ الْوَرَثَةُ مَقَامَ فِعْلِهِ لِوُجُودِ اخْتِيَارِهِ بِالْإِيصَاءِ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ رحمه الله (ثُمَّ وَصِيَّتُهُ) أَيْ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ لِمَا تَلَوْنَا وَفِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَعْنَى بَلْ هُوَ شَرِيكٌ لَهُمْ حَتَّى إذَا سَلِمَ لَهُ شَيْءٌ سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ أَوْ أَكْثَرُ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ وَالْمُوصَى لَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ إلَّا مَا فَضَلَ مِنْهُمَا.
[مِيرَاث أَصْحَاب الْفُرُوض]
قَالَ رحمه الله (ثُمَّ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَهُمْ ذُو فَرْضٍ أَيْ ذُو سَهْمٍ مُقَدَّرٍ) لِمَا تَلَوْنَا وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا فَضَلَ فَلِذِي عَصَبَةٍ ذَكَرٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196]{وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] .
قَالَ رحمه الله (فَلِلْأَبِ السُّدُسُ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] جَعَلَ لَهُ السُّدُسَ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدُ الِابْنِ وَلَدٌ شَرْعًا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وَكَذَا عُرْفًا قَالَ الشَّاعِرُ
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا
…
بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ
وَلَيْسَ دُخُولُ وَلَدِ الِابْنِ فِي الْوَلَدِ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ عُرِفَ كَوْنُ وَلَدِ الِابْنِ كَحُكْمِ الْوَلَدِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَجَمِيعُ أَحْوَالِ الْأَبِ فِي الْفَرَائِضِ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا الْفَرْضُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ السُّدُسُ وَذَلِكَ مَعَ الِابْنِ أَوْ ابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ لِمَا تَلَوْنَا وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ وَذَلِكَ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ الْفَرْضِ بِمَا تَلَوْنَا وَالتَّعْصِيبُ لِمَا رَوَيْنَا وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ التَّعْصِيبُ الْمُطْلَقُ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] ذَكَرَ فَرْضَ الْأُمِّ وَجَعَلَ الْبَاقِيَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ.
قَالَ رحمه الله (وَالْجَدُّ كَالْأَبِ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ فِي نِسْبَتِهِ أُمٌّ إلَّا فِي رَدِّهَا إلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَحَجْبُ أُمِّ الْأَبِ فَيُحْجَبُ الْإِخْوَةُ) أَيْ الْجَدُّ كَالْأَبِ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ فِي نَسَبِهِ إلَى الْمَيِّتِ
أُنْثَى وَهُوَ الْجَدُّ الصَّحِيحُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي رَدِّ أُمِّ الْمَيِّتِ مِنْ ثُلُثِ الْجَمِيعِ إلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَحَجْبُ أُمِّ الْأَبِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ فَإِنَّ الْأَبَ يَرُدُّهَا إلَيْهِ كَالْجَدِّ وَفِي حَجْبِ أُمِّ الْأَبِ فَإِنَّ الْأَبَ يَحْجُبُهَا دُونَ الْجَدِّ، وَإِنْ تَخَلَّلَ فِي نَسَبِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ كَانَ فَاسِدًا فَلَا يَرِثُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّ تَخَلُّلَ الْأُمِّ فِي النِّسْبَةِ يَقْطَعُ النَّسَبَ وَالنَّسَبُ إلَى الْأَبَاءِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلتَّعْرِيفِ وَالشُّهْرَةِ وَذَلِكَ تَكُونُ بِالْمَشْهُورَةِ وَهُوَ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ وَقَوْلُهُ كَالْأَبِ يَعْنِي عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ لِأَنَّ الْجَدَّ يُسَمَّى أَبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ يُوسُفَ عليه الصلاة والسلام {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38] وَكَانَ إِسْحَاقُ جَدَّهُ وَإِبْرَاهِيمُ جَدَّ أَبِيهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] وَهُمَا آدَم وَحَوَّاءُ عليهما السلام فَإِذَا كَانَ أَبًا دَخَلَ فِي النَّصِّ إمَّا بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي ابْنِ الِابْنِ فَكَانَ لَهُ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَبِ وَلَهُ حَالَةٌ رَابِعَةٌ وَهُوَ السُّقُوطُ بِالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ وَيُدْلِي بِهِ فَلَا يَرِثُ مَعَهُ وَإِنَّمَا يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَقَوْلُهُ وَيُحْجِبُ الْإِخْوَةَ يَعْنِي الْجَدَّ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ كَالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَدَّ نَوْعَانِ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ فَالْفَاسِدُ مِنْ جُمْلَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالصَّحِيحُ لَهُ أَحْوَالٌ ثَلَاثَةٌ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَبِ وَحُكْمُهُ حَالَ عَدَمِ الْأَبِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ السَّهْمَ وَالتَّعْصِيبَ حُكْمُ الْأَبِ وَحُكْمُ الْوَاحِدِ السُّدُسُ وَإِذَا كَثُرَ فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْجَدِّ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الَّذِي لَمْ يَتَخَلَّلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ، وَإِنْ تَخَلَّلَ فِي نَسَبِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ فَهُوَ فَاسِدٌ وَالْجَدُّ الصَّحِيحُ كَالْأَبِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي الْفَتْوَى فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْفَتْوَى أَصْلًا لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَأَفْتَى بِهَا الْآخَرُونَ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ كَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ يُفْتِي فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا اخْتَارُوا الْفَتْوَى بِالصُّلْحِ فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ قَالُوا كُنَّا نُفْتِي بِالصُّلْحِ فِي الْأَجِيرِ فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ، وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ هُنَا أَظْهَرُ فَكَانَ الْفَتْوَى بِالصُّلْحِ هُنَا أَحَقَّ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ مَشَايِخُنَا بِأَنَّ الصَّوَابَ فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ أَنْ يُعْطَى الْجَدُّ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ يُقِيمُ بَيْنَ الْجَدِّ وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ نِصْفَيْنِ أُمِرُوا بِالصُّلْحِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ عِمَادُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ لَا يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَقُولَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ عِنْدَ الصِّدِّيقِ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الصِّدِّيقِ، وَأَمَّا أُصُولُ زَيْدٍ رضي الله عنه فَالْأَصْلُ الْأَوَّلُ أَنْ يَجْعَلَ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ كَأَحَدِهِمْ يُقَاسِمُهُمْ وَيُقَاسِمُونَهُ وَيُزَاحِمُهُمْ وَيُزَاحِمُونَهُ مَا دَامَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ كَجَدٍّ وَأَخٍ إذْ لَا يَنْقُصُ مِنْ الثُّلُثِ.
فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ كَجَدٍّ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ يُعْطَى الثُّلُثَ وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الْأَصْلُ الثَّانِي أَنْ يَعْتَبِرَ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ حَتَّى يَظْهَرَ نَصِيبُ الْجَدِّ فَإِذَا ظَهَرَ نَصِيبُهُ وَأَعْطَى نَصِيبَهُ رَدَّ أَوْلَادُ الْأَبِ مَا أَخَذُوا عَلَى أَوْلَادِ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَمُخْتَلَطِينَ وَخَرَجُوا بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَدْ اعْتَبَرَهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَخْرَجَهُمْ فِي الِانْتِهَاءِ بَيَانُهُ جَدٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٌّ وَإِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبٍ يُقْسَمُ كَمَا قُلْنَا، ثُمَّ يُرَدُّ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ عَلَى الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إلَى تَمَامِ النِّصْفِ وَعَلَى الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ، ثُمَّ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ يَكُونُ لَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ فِي حَجْبِ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَطَلْحَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ زَيْدٌ يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مَا دَامَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ بِأَنْ كَانَ لَا يَنْقُصُ نَصِيبُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَأَنْ يَجْعَلَ الْجَدَّ كَأَخٍ آخَرَ وَكَانَ يَجْعَلُ نَصِيبَهُ كَنَصِيبِ الْأَخِ فَإِنْ انْتَقَصَ نَصِيبُهُ مِنْ الثُّلُثِ يُعْطِيهِ ثُلُثَ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ نَفْسُ الْمُقَاسَمَةِ أَنْ يُجْعَلَ الْجَدُّ فِي الْمُقَاسَمَةِ كَأَحَدِ الْإِخْوَةِ.
وَبَيَانُهُ فِي الْمَسَائِلِ إذَا تَرَكَ الرَّجُلُ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَجَدًّا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ لِلْجَدِّ وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ وَيُجْعَل الْجَدُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَأَخٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ فَإِذَا جَعَلْنَاهُ كَأَخٍ آخَرَ نَصِيبُهُ سَهْمَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَيُجْعَلُ كَذَلِكَ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ إخْوَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَجَدًّا يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ