الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِتْلَافُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْمُكْرَهِ وَلَا يُوجِبُ وَضْعَ الْخِطَابِ عَنْهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُبْتَلًى وَالِابْتِلَاءَ يُحَقِّقُ الْخِطَابَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَفْعَالَهُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَحَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ وَرُخْصَةٍ وَيَأْثَمُ تَارَةً وَيُؤْجَرُ أُخْرَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ وَقَطْعُ الطُّرُقِ وَالزِّنَا وَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَيُثَابُ عَلَيْهِ إنْ امْتَنَعَ وَيُبَاحُ لَهُ بِالْإِكْرَاهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَيُرَخَّصُ لَهُ بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ وَإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ.
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ قَالَ رحمه الله (هُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فَيَزُولُ بِهِ الرِّضَا) زَادَ فِي الْمَبْسُوطِ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْعَدِمَ بِهِ الْأَهْلِيَّةُ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ أَوْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْخِطَابُ وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِعْلٌ يُوجَدُ مِنْ الْمُكْرِهِ يَحْدُثُ فِي الْمَحَلِّ مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ وَذَكَرَ فِي الْوَافِي أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَهْدِيدِ غَيْرِهِ عَلَى مَا هَدَّدَ بِمَكْرُوهٍ عَلَى أَمْرٍ بِحَيْثُ يَنْتَفِي بِهِ الرِّضَا وَقَوْلُهُ فَيَزُولُ بِهِ الرِّضَا أَعَمُّ مَعَ كَوْنِهِ مَعَ فَسَادِ اخْتِيَارِهِ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى نَوْعَيْ الْإِكْرَاهِ، ثُمَّ إنَّ الشَّائِعَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ هُوَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ نَوْعَانِ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فَقَالَ الْإِكْرَاهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الْمُلْجِئُ وَنَوْعٌ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الَّذِي لَا يُلْجِئُ وَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ لَا يُعْدِمُ الرِّضَا وَهُوَ أَنْ يُهَدَّدَ بِحَبْسِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَوَلَدِهِ، وَهَذَا النَّوْعُ الثَّالِثُ أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْقِسْمَ الثَّالِثَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى شَرْعًا لِعَدَمِ تَرَتُّبِ أَحْكَامِ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ شَرْعًا وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْقِسْمَ الثَّالِثَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْإِكْرَاهِ لُغَةً وَأَطْلَقَ فِي الْإِنْسَانِ فَشَمِلَ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَالْمَعْتُوهَ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا، وَلَوْ أَكْرَهَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ أَوْ الْمَعْتُوهُ رَجُلًا عَلَى قَتْلِ آخَرَ فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ.
[شَرْطُ الْإِكْرَاهِ]
قَالَ رحمه الله (وَشَرْطُهُ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا أَوْ خَوْفُ الْمُكْرَهِ وُقُوعُ مَا هَدَّدَ بِهِ) يَعْنِي شَرْطُ الْإِكْرَاهِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مَعَ بَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الْقَادِرِ عِنْدَ خَوْفِ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مُلْجِئًا وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يَصِيرُ مُلْجِئًا وَمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا شَهِدَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ وَالْمَنَعَةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي السُّلْطَانِ وَفِي زَمَانِهِمَا كَانَ لِكُلِّ مُفْسِدٍ لَهُ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ لِفَسَادِ الزَّمَانِ فَأَفْتَيَا عَلَى مَا شَهِدَا وَبِهِ يُفْتَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحُجَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَصِفَةُ الْمُكْرِهِ وَهُوَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُوقِعُ ذَلِكَ بِهِ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ، وَلَوْ شَكَّ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا تَوَعَّدَ بِهِ لَمْ يَكُنْ مُكْرِهًا؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ فَقْدِ الْأَدِلَّةِ اهـ.
لَا يُقَالُ الشَّرْطِيَّةُ تُنَافِي كَوْنَ ذَلِكَ وَصْفًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطِيَّةَ بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ الْفَاعِلِ وَالْوَصْفَ بِاعْتِبَارِ الْفَاعِلِ وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا غَابَ الْمُكْرَهُ عَنْ بَصَرِ الْمُكْرِهِ يَزُولُ الْإِكْرَاهُ وَنَفْسُ الْأَمْرِ مِنْ السُّلْطَانِ مِنْ غَيْرِ تَهْدِيدٍ إكْرَاهٌ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ يُفْعَلُ فِيهِ كَذَا كَانَ إكْرَاهًا وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ، وَإِذَا أَخَذَهُ وَاحِدٌ فِي الطَّرِيقِ لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى غَوْثٍ يَكُونُ إكْرَاهًا اهـ.
قَالَ رحمه الله (فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ إجَارَةٍ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ مَدِيدٍ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ أَوْ يَفْسَخَ) وَلَمَّا كَانَ الْإِكْرَاهُ تَارَةً يَقَعُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَأُخْرَى فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ إلَيْهِ قَدَّمَهُ وَلَمَّا كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى نَوْعَيْنِ مُلْجِئٌ وَغَيْرُ مُلْجِئٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُفْسِدُ الرِّضَا الَّذِي هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ لِهَذِهِ الْعُقُودِ فَكَذَا ذَكَرَ الْقَتْلَ وَالضَّرْبَ وَلَمَّا كَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى بَيْعِ هَذَا أَوْ بَيْعٍ وَلَمْ يُعَيَّنْ جَاءَ بِالْعِبَارَةِ مُنَكَّرَةً قَيَّدَ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ وَحَبْسٍ مَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَضْرِبُك سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ أَوْ أَحْبِسُك يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا قَالَ فِي الْمُحِيطِ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ لَأَضْرِبَنَّكَ عَلَى رَأْسِك أَوْ عَيْنِك أَوْ مَذَاكِرِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا إذَا حَصَلَ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مَشَايِخُنَا إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ صَاحِبَ مَنْصِبٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ إكْرَاهًا.
وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ مَا يَكُونُ فِي الْحَبْسِ مِنْ الْإِكْرَاهِ لِمَا يَجِيءُ بِهِ مِنْ الِاغْتِمَامِ الْبَيِّنِ وَمِنْ الضَّرْبِ مَا يَجِدُ بِهِ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ لَا يَتَضَرَّرُ إلَّا بِضَرْبٍ شَدِيدٍ وَحَبْسٍ مَدِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِأَدْنَى شَيْءٍ كَالشُّرَفَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ يَتَضَرَّرُونَ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ بِفَرْكِ أُذُنِهِ
لَا سِيَّمَا فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ جَارِيَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَبَاعَ مِنْ إنْسَانٍ كَانَ فَاسِدًا وَالْإِكْرَاهُ بِحَبْسِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ وَلَا يُعْدِمُ الرِّضَا بِخِلَافِ حَبْسِ نَفْسِهِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِحَبْسِ ابْنِهِ أَوْ عَبْدِهِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ أَوْ يَهَبَهُ فَفَعَلَ فَهُوَ إكْرَاهٌ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَضَرَّرُ بِحَبْسِ ابْنِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ حَبْسُ نَفْسِهِ عَلَى حَبْسِ وَلَدِهِ فَإِنْ قُلْت بِهَذَا نُفِيَ الْأَوَّلُ قُلْنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ وَقَوْلُهُ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ أَوْ يَفْسَخَ تَقْدِيرُهُ، وَإِذَا زَالَ الْإِكْرَاهُ إلَى آخِرِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ رحمه الله (وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ لِلْفَسَادِ) يَعْنِي يَثْبُتُ بِالشِّرَاءِ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَسَادُ الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَكُونُ فَاسِدًا إذَا قَالَ الْمُكْرَهُ تَلَفَّظْت بِالْبَيْعِ طِبْقَ مَا أَرَادَ فَإِذَا قَالَ أَرَدْت الْإِخْبَارَ بِهِ كَاذِبًا أَوْ قَالَ أَرَدْت إنْشَاءَ الْبَيْعِ فَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ لَا خِيَارَ فِيهِ وَلَا فَسَادَ أَخْذًا مِنْ التَّفْصِيلِ فِي حَالَةِ الْعِتْقِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ فَيُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ وَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ جَازَ تَصَرُّفُهُ وَإِنَّمَا لَا تَفْسُدُ بِالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ يَرْتَفِعُ بِهَا وَهُوَ عَدَمُ الرِّضَا فَصَارَ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ لِفَسَادِهِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَبَاعَ بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ جَازَ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ خَالَفَ مَقْصُودَ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرِهِ لَحَاقُ الضَّرَرِ بِالْمُكْرَهِ وَالْبَيْعَ بِخَمْسِمِائَةٍ أَضَرَّ بِهِ مِنْ الْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَكَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفٍ إكْرَاهًا لَهُ عَلَى الْأَقَلِّ وَفِي الثَّانِي خَالَفَ إلَى غَيْرِ رَأْيِ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ نَفْعًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ بَاعَ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جُعِلَا كَجِنْسٍ وَاحِدٍ وَفِي التِّجَارَاتِ عَرْضًا وَمَقْصُودًا، وَلَوْ بَاعَهُ بِعَرْضٍ أَوْ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جِنْسِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ جَائِزٍ فَبَاعَ فَاسِدًا لَمْ يَجُزْ فَإِذَا هَلَكَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُكْرِهُ وَعَلَى عَكْسِهِ يَكُونُ رِضًا بِالْبَيْعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَتَى بَاعَ جَائِزًا فَقَدْ أَتَى بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَائِزَ ضِدُّ الْفَاسِدِ وَيُفِيدُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا لَا يُفِيدُهُ الْفَاسِدُ وَالْمُكْرَهَ عَلَى الْبَيْعِ الْجَائِزِ مَتَى بَاعَ فَاسِدًا فَقَدْ أَتَى بِمَا هُوَ أَنْقَصُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ أَنْقَصُ مِنْ الْجَائِزِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ فَوَهَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جِنْسِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَقَبْضُ الثَّمَنِ طَوْعًا إجَازَةً كَالتَّسْلِيمِ طَائِعًا) ؛ لِأَنَّهُمَا دَلِيلُ الرِّضَا وَهُوَ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ التَّسْلِيمِ وَسَلَّمَ حَيْثُ لَا يَكُونُ إجَازَةً، وَلَوْ سَلَّمَ طَائِعًا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ لَا صُورَةُ الْعَقْدِ وَالِاسْتِحْقَاقَ فِي الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ الْإِكْرَاهُ بِهِ إكْرَاهًا عَلَى التَّسْلِيمِ فَيَكُونُ التَّسْلِيمُ أَوْ الْقَبْضُ عَنْ اخْتِيَارِ دَلِيلِ الْإِجَازَةِ وَفِي الْهِبَةِ يَقَعُ الِاسْتِحْقَاقُ فَالْقَبْضُ لَا بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ فَيَكُونُ الْإِكْرَاهُ بِهَا إكْرَاهًا بِالتَّسَلُّمِ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِ الْمُكْرَهِ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ فِي الْإِكْرَاهِ لَا يُفِيدُ لِكَوْنِهِ فَاسِدًا وَالْهِبَةُ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَصْلِ الْوَضْعِ وَتُفِيدُهُ بَعْدَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً فَيَنْصَرِفُ الْإِكْرَاهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ وَإِنْ قَبَضَ مُكْرَهًا، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي لَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَمَنْ هُوَ مُكْرَهٌ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ مَشْرُوطٌ لَهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْعَقْدَ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ وَمَنْ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ وَلَا مَشْرُوطٍ لَهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْآخَرُ الْعَقْدَ فَنَقَضَ الْقَاضِي نَفَذَ وَأُلْزِمَ وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا مُكْرَهًا أَوْ مَشْرُوطًا لَهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا، وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمُكْرَهُ مِنْ آخَرَ بَاعَهُ الثَّانِي مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعُقُودَ كُلَّهَا وَأَيُّ عَقْدٍ جَازَ جَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَجَازَ بَعْضَ الْعُقُودِ فَقَدْ زَالَ الْإِكْرَاهُ وَصَارَ طَائِعًا رَاضِيًا فَجَازَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ فَجَازَتْ الْعُقُودُ وَيَأْخُذُ هُوَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَكِنْ ضَمِنَ فَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلَ نَفَّذَ الْكُلَّ بِتَضْمِينِهِ وَإِنْ ضَمِنَ غَيْرُهُ جَازَتْ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي بَعْدَهُ وَبَطَلَ مَا قَبْلَهُ