الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ ضَمِنُوا النَّفَقَةَ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يُحَصِّلُوا مَقْصُودَهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَفِي الثَّانِي حَصَّلُوا مَقْصُودَهُ وَزِيَادَةً.
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ سَفَرَهُ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً، وَسَقَطَ فَرْضُ مَنْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ بِقَدْرِهِ، وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا} [النساء: 100] الْآيَةَ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ سَفَرُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ كُتِبَ لَهُ حَجٌّ مَبْرُورٌ فَيَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَعَمَلُهُ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا ثَلَاثَ» الْحَدِيثَ، وَالْمُرَادُ بِالثَّلَاثِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مِنْ الثَّوَابِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ لَهُ وَطَنٌ، وَأَمَّا مَنْ لَا وَطَنَ لَهُ فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ إنَّمَا كَانَ يَتَجَهَّزُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَكَذَا إذَا حَجَّ غَيْرُهُ لِأَنَّ وَطَنَهُ حَيْثُ حَلَّ قَالَ رحمه الله (وَالْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ مِثْلُهُ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ فَحَجَّ عَنْهُ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاجِّ عَنْ نَفْسِهِ إذَا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى يُحَجَّ عَنْهُ كَمَا بَيَّنَّا مِنْ وَطَنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ]
(بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْبَابِ ذِكْرَ أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَحْكَامِهَا عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصُ أَبَدًا يَتْلُو الْعُمُومَ وَقَوْلُهُ: جِيرَانُهُ كَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّمَ ذِكْرَ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ نَظَرًا إلَى مَا فِي التَّرْجَمَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْوَاوُ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَأَنْ يُقَالَ قَدَّمَ ذِكْرَ الْجِيرَانِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِمْ قَالَ رحمه الله (جِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ) يَعْنِي لَوْ أَوْصَى إلَى جِيرَانِهِ يُصْرَفُ ذَلِكَ لِلْمُلَاصِقِينَ لِجِدَارِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُجَاوِرَةِ وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ» حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ الشُّفْعَةَ غَيْرُ الْمُلَاصِقِ بِالْجِوَارِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ صُرِفَ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ جَارُ الْمَحَلَّةِ وَجَارُ الْأَرْضِ وَجَارُ الْقَرْيَةِ فَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ فِي الِاسْتِحْسَانِ، وَفِي قَوْلِهِمَا جَارُ الرَّجُلِ هُوَ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّتَهُ وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمُّونَ جَارًا عُرْفًا وَشَرْعًا «قَالَ عليه الصلاة والسلام: لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَصِيَّةِ لِلْجِيرَانِ بِرُّهُمْ، وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ وَاسْتِحْسَانُهُ يَنْتَظِمُ الْمُلَاصِقِينَ وَغَيْرَهُمْ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ لِيَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ مَعْنَى الِاسْمِ، وَالِاخْتِلَاطُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الْجَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا» قُلْنَا هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْجَارُ السَّاكِنُ، وَالْمَالِكُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمُ، وَالذِّمِّيُّ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ هَذَا يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِجَارٍ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَا فِي يَدِهِ لِلِاخْتِصَاصِ بِهِ ثَبَتَ لَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى إلَّا بِالتَّمْلِيكِ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَنِيًّا بِخِلَافِ الْقِنِّ، وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَالْأَرْمَلَةُ تَدْخُلُ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا مُضَافٌ إلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ الَّتِي لَهَا بَعْلٌ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ فَلَمْ تَكُنْ جَارًا حَقِيقَةً، وَفِي الْمُنْتَقَى وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِجِيرَانِهِ فَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ يُقَسَّمُ عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ لِأَهْلِ مَحَلَّةٍ كَذَا أَوْ لِأَهْلِ مَسْجِدٍ كَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله رَجُلٌ أَوْصَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ مِنْ جِيرَانِهِ ثُمَّ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ بِمِائَةٍ يُنْظَرُ فِيمَا أَوْصَى لِهَذَا وَفِيمَا يُصِيبُهُ مَعَ الْجِيرَانِ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا بِاسْمِ الْجِيرَةِ وَقَدْ آثَرَهُ الْمُوصِي بِتَعَيُّنِ الْمِائَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا آخَرَ فَإِذَا كَانَ نَصِيبُهُ مَعَ الْجِيرَانِ أَكْثَرَ يَكُونُ رُجُوعًا عَمَّا سُمِّيَ لَهُ وَشِرْكًا لَهُ مَعَ الْجِيرَانِ كُلِّهِمْ.
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِمُجَاوِرِي مَكَّةَ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ فَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ صُرِفَ إلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ قُسِّمَتْ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْإِحْصَاءِ وَتَقْدِيرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يُحْصَوْنَ إلَّا بِكِتَابٍ وَحِسَابٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ الْمِائَةِ لَا يُحْصَوْنَ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ يُحْصَوْنَ وَقِيلَ الْأَمْرُ
مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهُوَ الْأَحْوَطُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِكُهُولِ أَهْلِ بَيْتِهِ فَهُوَ لِأَبْنَاءِ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ، وَالشَّابِّ إذَا احْتَلَمَ إلَى ثَلَاثِينَ، وَالشَّيْخِ مَنْ كَانَ شَيْبُهُ أَكْثَرَ فَهُوَ شَيْخٌ وَإِنْ كَانَ السَّوَادُ أَكْثَرَ فَهُوَ لَيْسَ بِشَيْخٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْكَهْلَ مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً إلَى خَمْسِينَ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا بَلَغَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً صَارَ كَهْلًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا بَلَغَ الثَّلَاثِينَ وَخَالَطَهُ الشَّيْبُ فَهُوَ كَهْلٌ وَإِنْ لَمْ يُخَالِطْهُ فَهُوَ شَابٌّ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الِاعْتِبَارُ بِالسِّنِّ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ مُرَاعَاةً فِي حَقِّ الْكُلِّ عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ، وَفِي بَعْضِهَا اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ الْأَمَارَةُ، وَالْعَلَامَةُ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَعَارَفُونَ ذَلِكَ وَأَطْلَقُوا الِاسْمَ عِنْدَ وُجُودِ الْعَلَامَةِ وَهُوَ الشَّمْطُ، وَالشَّيْبُ قَالَ رحمه الله (وَأَصْهَارُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ، وَفِي الصِّحَاحِ: الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمُحَرَّمِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] النَّسَبُ مَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ، وَالصِّهْرُ الَّذِي يَحِلُّ نِكَاحُهُ كَبَنَاتِ الْعَمِّ، وَالْخَالِ وَأَشْبَاهِهِنَّ مِنْ الْقَرَابَةِ الَّتِي يَحِلُّ تَزْوِيجُهَا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ النَّسَبِ سَبْعًا وَمِنْ الصِّهْرِ سَبْعًا {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] وَمِنْ الصِّهْرِ سَبْعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] إلَى قَوْلِهِ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] .
قَالَ فِي الْمُغْرِبِ عَقِيبَ ذِكْرِهِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لَا ارْتِيَابَ فِيهِ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مُحْرِمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحْرِمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ أَصْهَارٌ وَشَرْطُهُ أَنْ يَمُوتَ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا مِنْ بَائِنٍ سَوَاءٌ وَرِثَتْ بِأَنْ أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ أَوْ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ، وَالْبَائِنَ يَقْطَعُهُ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الْأَصْهَارُ فِي عُرْفِهِمْ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مُحْرِمٍ مِنْ نِسَائِهِ الَّذِي يَمُوتُ هُوَ وَهُنَّ نِسَاؤُهُ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ، وَفِي عُرْفِنَا أَبُو الْمَرْأَةِ وَأُمُّهَا وَلَا يُسَمَّى غَيْرُهُمَا صِهْرًا قَالَ رحمه الله (وَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ، وَالْعَمَّاتِ، وَالْخَالَاتِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مُحْرِمٍ مِنْهُ مُحْرِمٌ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ يُسَمَّوْنَ أَخْتَانًا وَقِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَفِي عُرْفِنَا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا أَزْوَاجَ الْمَحَارِمِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ قَالَ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَخْتَانِهِ أَوْ لِأَخْتَانِ فُلَانٍ فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَخْتَانَ أَزْوَاجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرِّمٍ مِنْهُ كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ، وَالْأَخَوَاتِ، وَالْعَمَّاتِ، وَالْخَالَاتِ وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مُحَرِّمٍ مِنْ أَزْوَاجِ هَؤُلَاءِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَهُمَا أَخْتَانٌ.
كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ قَالَ مَشَايِخُنَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَمَّا فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ اسْمُ الْخَتَنِ يُطْلَقُ عَلَى زَوْجِ الْبِنْتِ وَزَوْجِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرِّمٍ مِنْهُ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى ذِي رَحِمٍ مُحَرِّمٍ مِنْهُ مِنْ أَزْوَاجِ هَؤُلَاءِ، وَالْعِبْرَةُ لِلْعُرْفِ، وَفِي الْكَافِي: وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ، وَاللَّفْظُ يَشْمَلُ الْكُلَّ قَالَ: وَلَا يَكُونُ الْأَخْتَانُ مِنْ قِبَلِ أَبِي الْمُوصِي يُرِيدُ بِهِ أَنَّ امْرَأَةَ الْمُوصِي إذَا كَانَتْ لَهَا بِنْتٌ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ وَلَهَا زَوْجٌ فَزَوْجُ ابْنَتِهَا لَا يَكُونُ خَتَنًا لِلْمُوصِي فَلَوْ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ مِنْ نِسَاءِ الْمُوصِي فَهِيَ صِهْرُهُ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ وَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ، وَالْأَخْذُ بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْعُرْفِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ مَنْ كَانَ صِهْرًا لِلْوَصِيِّ يَوْمَ مَوْتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةَ الْمَوْتِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الصِّهْرُ مَنْكُوحَةً لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ مُعْتَدَّةً عَنْهُ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَمَّا إذَا كَانَتْ بَائِنَةً بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ بِتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ فَلَا وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَخْتَانِ إنَّمَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ مَنْ كَانَ خَتَنًا لِلْمُوصِي عِنْدَ مَوْتِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِقِيَامِ النِّكَاحِ بَيْنَ مَحَارِمِهِ وَأَزْوَاجِهِنَّ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَيَسْتَوِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً أَوْ حُرَّةً عَلَى دِينِهِ أَوْ غَيْرِ دِينِهِ كَمَا فِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ: أَوْصَيْت لِزَوْجَةِ ابْنِي بِكَذَا فَهُوَ عَلَى زَوْجِهَا يَوْمَ مَاتَ الْمُوصِي، وَلَوْ قَالَ لِأَزْوَاجِ ابْنَتِي وَلِابْنَتِهِ أَزْوَاجٌ قَدْ طَلَّقُوا، وَزَوْجٌ حَالَ الْمَوْتِ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَالْوَصِيَّةُ لِلْكُلِّ وَلَوْ أَوْصَى لِامْرَأَةِ ابْنِهِ فَهَذَا عَلَى امْرَأَةِ ابْنِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي وَإِنَّمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى لَوْ كَانَ لِابْنِهِ امْرَأَةٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَتَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَالْخِيَارُ إلَى الْوَرَثَةِ يُعْطُونَ أَيَّتَهمَا شَاءُوا وَيُجْبَرُونَ عَلَى أَنْ يُبَيِّنُوا فِي أَحَدِهِمَا.
قَالَ رحمه الله (وَأَهْلُهُ زَوْجَتُهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلُّ مَنْ يَعُولُهُمْ وَتَضُمُّهُمْ نَفَقَتُهُ غَيْرَ مَمَالِيكِهِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِالنَّصِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93]، وَقَالَ تَعَالَى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ} [الأعراف: 83] ، وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةً لِلزَّوْجَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ النَّصُّ، وَالْعُرْفُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَآلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ) ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ الْأَقْرَبُ، وَالْأَبْعَدُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَرَابَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَى أَبِيهِ وَإِنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ فَكَانُوا مِنْ جِنْسٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْآبَاءِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ أَوْصَى بِمَالِهِ لِقَرَابَتِهِ فَالْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ يَثْبُتُ بِالِاتِّصَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنْ أَوْصَى لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِذَوِي أَرْحَامِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ اثْنَانِ فَصَاعِدٌ الْأَقْرَبُ وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّهُ الْوَاحِدُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُحَرَّمُ وَغَيْرُ الْمَحْرَمِ، وَالْبَعِيدُ، وَالْقَرِيبُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَهُمَا أَنَّ الْقَرَابَةَ اسْمٌ عَامٌّ يَعُمُّ الْكُلَّ وَيَشْمَلُهُمْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبَائِلَ قُرَيْشٍ وَأَنْذَرَهُمْ» فَأَكْثَرُ بَنِي هَاشِمٍ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ مِنْهُ وَبَعِيدٌ عَنْهُ فِي الْقَرَابَةِ وَلِأَنَّ إطْلَاقَ الْقَرِيبِ فِي اسْتِعْمَالِ الْكَلَامِ فِي الْأَبَاعِدِ مِنْ الْأَقَارِبِ أَكْثَرُ مِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ بَعُدَ مِنْهُ هَذَا قَرِيبٌ مِنِّي وَلَا يُقَالُ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُ كَالْعَمِّ هَذَا قَرِيبِي.
وَالْقَرَابَةُ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ فَصَاعِدًا كَاسْمِ الرَّجُلِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ أَرْبَعَةِ شَرَائِطَ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِاسْمِ الْجَمْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ قَرَابَتِي مِنْ الْغُرْبِ وَمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ فِيهِ وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ، وَالْجَمْعُ مِنْ وَجْهٍ مُلْحَقٌ بِالْجَمْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْمِيرَاثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ اسْتِحْقَاقَ الْمَالِ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ، وَفِي الْمِيرَاثِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَيَكُونُ الْأَبْعَدُ مَحْجُوبًا بِالْأَقْرَبِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ» ، وَالْأُخْتِيَّةُ تَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ، وَالْمُشَارَكَةَ فِي أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ.
وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمُوصِي حَتَّى إنَّ أَوْلَادَ الْعَمِّ لَا تَسْتَحِقُّهُ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ صِلَةُ الْقَرَابَةِ فَيَخْتَصُّ بِهَا مَنْ يَسْتَحِقُّ الصِّلَةَ بِالْقَرَابَةِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ الْمُوجِبَةِ لِلصِّلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا صِلَةُ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ، وَالْعِتْقِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ، وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ يَرِثُ مِنْ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْمُوصِي صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقَرَابَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا لِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْمُوصِي مَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَالِدَانِ، وَالْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الْقَرَابَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] فَقَدْ عَطَفَ الْأَقْرَبِينَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ، وَالْبَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ وَاسْمُ الْقَرَابَةِ لَا يُطْلَقُ مَعَ وُجُودِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْبَعْضِيَّةِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى يَدْخُلُونَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْقَرِيبِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يَدْخُلُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَبِ يَتَنَاوَلُهُ وَيَتَنَاوَلُ اسْمَ الْقَرِيبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَوْ كَانَ وَاحِدًا يَسْتَحِقُّ نِصْفَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَا يُعْتَبَرُ لِلْمُزَاحِمِ أَكْثَرُ مِنْ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ.
قَالَ رحمه الله: (وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هُوَ بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ جِهَةُ الْأَبِ، وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّوْنَ قَرَابَتَهُ فَلَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ مِنْهُمْ وَكَذَا أَهْلُ نِسْبَتِهِ وَأَهْلُ نَسَبِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَبُ، وَالْجَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَصْلُ النَّسَبِ، وَالْجَدَّ أَصْلُ نَسَبِ أَبِيهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ كَانَ الْأَبُ الْأَكْبَرُ حَيًّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمُضَافِ لَا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَوْ أَوْصَتْ الْمَرْأَةُ لِجِنْسِهَا أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِهَا لَا يَدْخُلُ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ لَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَقَرَابَتِهِ.
قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ أَوْ لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَرْحَامِهِ أَوْ لِأَنْسَابِهِ) فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَلَا يَدْخُلُ الْوَالِدَانِ، وَالْوَلَدُ، وَالْوَارِثُ وَيَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي مِثْلِ أَبِي طَالِبٍ وَعَلِيٍّ رضي الله عنه -
إذَا وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَقْرِبَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ أَبِي طَالِبٍ وَعَلَى هَذَا وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ الْإِسْلَامَ وَيَدْخُلُونَ عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ إدْرَاكَ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ شَرَطَ إسْلَامَهُ صَرَفَهُ إلَى أَوْلَادِ عَلِيٍّ لَا غَيْرُ وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْرِك الْإِسْلَامَ لَهُمَا أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْقَرِيبِ حَقِيقَةٌ لِلْكُلِّ إذْ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَكُونُ اسْمًا لِكُلِّ مَنْ قَامَتْ بِهِ.
فَيَتَنَاوَلُ مَوَاضِعَ الْخِلَافِ ضَرُورَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَفِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَكَذَا فِي أُخْتِهِ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَا تُخَالِفُ الْأُخْتَ فِي الْأَحْكَامِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ تَلَافِي مَا فَرَّطَ فِي إقَامَةِ الْوَاجِبِ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ، وَالْوُجُوبُ يَخْتَصُّ بِذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَيَّدَهُ بِمَا ذَكَرَهُ وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ قَيَّدَهُ بِالْأَبِ الْأَدْنَى وَلَا تَدْخُلُ قَرَابَةُ الْأَوْلَادِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَمَّوْنَ أَقْرِبَاءَ عَادَةً وَمَنْ يُسَمِّي، وَالِدَهُ قَرِيبًا يَكُونُ مِنْهُ عُقُوقًا إذْ الْقَرِيبُ فِي عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ: مَنْ تَقَرَّبَ إلَى غَيْرِهِ بِوَاسِطَةِ غَيْرِهِ وَتَقَرُّبُ الْوَالِدِ، وَالْوَلَدِ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَلِهَذَا عَطَفَ الْقَرِيبَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى:{الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] ، وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ وَلَوْ كَانَ مِنْهُمْ لَمَا عَطَفُوا عَلَيْهِمَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ وَقِيلَ مَا ذَكَرَاهُ إلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي أَقْرِبَاءِ الْإِنْسَانِ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَثْرَةً وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَفِيهِمْ كَثْرَةٌ لَا يُمْكِنُ إحْصَاؤُهُمْ فَيَصْرِفُ الْوَصِيَّةَ إلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدِّ أَبِيهِ وَأَوْلَادِ أُمِّهِ وَجَدِّ أُمِّهِ وَجَدَّتِهِ وَجَدَّةِ أُمِّهِ وَلَا يَصْرِفُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَيَسْتَوِي الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَفِي الْمِيرَاثِ يُرَادُ بِالْجَمْعِ الْمُثَنَّى فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْأَقَارِبِ وَأَمَّا فِي الْإِنْسَانِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ نَسَبٍ، وَفِيهِ لَا تَدْخُلُ قَرَابَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَكَيْفَ دَخَلُوا فِيهِ هُنَا قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَوْ تَرَكَ الْمُوصِي وَلَدًا يَجُوزُ مِيرَاثُهُ وَتَرَكَ عَمَّيْنِ وَخَالَيْنِ فَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْعَمَّيْنِ وَإِنَّمَا شَرَطَ قِيَامَ الْوَلَدِ كَيْ لَا يَكُونَ الْعَمَّانِ وَارِثَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْوَصِيَّةُ بَيْنَ الْعَمَّيْنِ، وَالْخَالَيْنِ أَرْبَاعًا لِاسْتِوَائِهِمْ فِي تَنَاوُلِ اسْمِ الْقَرِيبِ وَلَوْ كَانَ عَمًّا وَخَالَيْنِ فَلِلْعَمِّ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِلْخَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَإِنْ تَرَكَ عَمًّا وَعَمَّةً وَخَالًا وَخَالَةً فَالْوَصِيَّةُ لِلْعَمِّ، وَالْعَمَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْكَافِي: إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَالْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: لِأَرْحَامِهِ وَلِذَوِي أَرْحَامِهِ وَلِأَنْسَابِهِ وَلِذَوِي أَنْسَابِهِ، وَلَوْ قَالَ لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِذِي نَسَبْته أَوْ لِقَرَابَتِهِ فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا إذْ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَالْوَاحِدُ فَصَاعِدًا بِلَا خِلَافٍ.
وَفِي الْكَافِي وَلَوْ أَوْصَى لِذَوِي قَرَابَتِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَمْعُ لِاسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ فَكُلُّهُ لِلْعَمِّ عِنْدَهُ قَالَ وَيُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَرَابَةُ الْمُوصَى لَهُ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا وَقْتَ الْإِيصَاءِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي ذُو رَحِمٍ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي النَّوَازِلِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: الْوَصِيَّةُ لِلْقَرَابَةِ إذَا كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَازِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: إنَّهَا جَائِزَةٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ لِكَوْنِهَا صِلَةً، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَهْلِ بَيْتِهِ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ كُلُّ مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُحَرَّمُ، وَالْقَرِيبُ، وَالْبَعِيدُ وَنَسَبُ الْإِنْسَانِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَكُلُّ مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نِسْبَتِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ قَالَ إلَّا إذَا كَانَ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ بَنِي أَعْمَامِ الْوَصِيِّ وَعَشِيرَتِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَرَابَةِ أُمِّ الْمُوصِي وَإِذَا أَوْصَى لِجِنْسِهِ فَهَذَا وَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ بَيْتِهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ وَلَدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ قُرَشِيًّا وَكَذَلِكَ أَوْلَادُ الْخُلَفَاءِ يَصْلُحُونَ لِلْخِلَافَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مِنْ الْإِمَاءِ وَاعْتُبِرُوا مِنْ جِنْسِ قَوْمِ آبَائِهِمْ فَصَارَ قَوْلُهُ: وَجِنْسُهُ وَقَوْلُهُ لِأَهْلِ بَيْتِهِ سَوَاءٌ وَكُلُّ مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ إنْ أَوْصَى لِآلِهِ فَهَذَا وَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ بَيْتِهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمْ يُسْتَعْمَلُونَ اسْتِعْمَالًا
وَاحِدًا.
يُقَالُ: آلُ مُحَمَّدٍ وَأَهْلُ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَآلُ عَبَّاسٍ وَأَهْلُ بَيْتِ عَبَّاسٍ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَهْلِهِ أَوْ لِأَهْلِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ لِلزَّوْجَةِ خَاصَّةً دُونَ مَنْ سِوَاهَا قِيَاسًا إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَجَعَلْنَا الْوَصِيَّةَ لِكُلِّ مَنْ يَكُونُ فِي عِيَالِهِ وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَيَضُمُّهُمْ بَيْتَهُ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ مَمَالِيكُهُ فَلَوْ كَانَ أَهْلٌ فِي بَلْدَتَيْنِ أَوْ فِي بَيْتَيْنِ دَخَلُوا تَحْتَ الْوَصِيَّةِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ) فَهِيَ لِعَمَّيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَلَفْظُ الْجَمْعِ يُرَادُ بِهِ الْمُثَنَّى فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَذَا هُنَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ الْأَقْرَبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَالَ رحمه الله:(وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ كَانَ لَهُ النِّصْفُ وَلَهُمَا النِّصْفُ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ كَانَ لِلْعَمِّ نِصْفُ مَا أَوْصَى بِهِ وَلِلْخَالَيْنِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِ فِيهِ وَهُوَ الْإِتْيَانُ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُضَمُّ إلَى الْعَمِّ الْخَالَانِ لِيَصِيرَ جَمْعًا فَيَأْخُذُ هُوَ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَيَأْخُذَانِ النِّصْفَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ جَمِيعُ اعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ لِلْعَمِّ إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ لَا غَيْرُ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمْعِ فِيهِ وَيُرَدُّ النِّصْفُ إلَى الْوَرَثَةِ لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ وَأَدْنَاهُ اثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ.
وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يُرَدُّ إلَى الْوَرَثَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ اسْتَوَيَا) ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَانِ وَمَعْنَى الْجَمْعِ قَدْ تَحَقَّقَ بِهِمَا فَاسْتَحَقَّا حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَخْوَالٌ مَعَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الضَّمِّ إلَيْهِمَا لِكَمَالِ النِّصَابِ بِهِمَا وَلَوْ انْعَدَمَ الْمُحَرَّمُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَيِّدَةٌ بِهَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ وَلَا تَخْتَصُّ الْأَعْمَامُ بِالْوَصِيَّةِ دُونَ الْأَخْوَالِ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَلِوَلَدِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ) يَعْنِي لَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ شَيْءٌ يَقْتَضِي التَّفْضِيلَ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ قَالَ فِي الْعَيْنِيِّ عَلَى الْهِدَايَةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَلَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ وَلَدُ الصُّلْبِ وَلَهُ وَلَدُ وَلَدٍ فَالْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لَهُ وَلَيْسَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ شَيْءٌ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْكَافِي: لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَجَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لَهُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقَالَ: إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَهُ وَلَدُ الصُّلْبِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى كَانَ الثُّلُثُ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَلَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ وَلَدِهِ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ لِصُلْبِهِ وَاحِدٌ أَوْ لَهُ وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ لِلَّذِي لِصُلْبِهِ نِصْفُ الثُّلُثِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَكَانَ مَا يَبْقَى لِوَلَدِ وَلَدِهِ بِالسَّوِيَّةِ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى.
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
وَلَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ أَوْ لِابْنِ فُلَانٍ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ كَانَ فُلَانٌ أَبَا قَبِيلَةٍ يَعْنِي أَبَا جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ كَتَمِيمِ لِبَنِي تَمِيمٍ وَأَسَدٍ لِبَنِي أَسَدٍ أَوْ كَانَ فُلَانٌ أَبَا خَاصٍّ لَيْسَ بِأَبٍ لِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ وَاعْلَمْ بِأَنَّ أَوْلَى الْأَسَامِي فِي هَذَا الْبَابِ الشَّعْبُ بِفَتْحِ الشِّينِ سُمِّيَ شَعْبًا لِتَشَعُّبِ الْقَبَائِلِ مِنْهَا، وَلِهَذَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] ثُمَّ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخِذُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ فَمُضَرُ شَعْبٌ وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ وَقُرَيْشٌ عِمَارَةٌ وَقُصَيٌّ بَطْنٌ وَهَاشِمٌ أَبُو جَدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَخِذٌ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَصِيلَةٌ.
وَإِذَا أَوْصَى لِبَنِي قُرَيْشٍ وَقُرَيْشٌ عِمَارَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ أَوْلَادُ مُضِرّ وَكِنَانَةَ وَتَدْخُلُ أَوْلَادُ قُرَيْشٍ وَأَوْلَادُ قُصَيٍّ وَهَاشِمٌ وَأَوْلَادُهُ، وَالْعَبَّاسُ وَأَوْلَادُهُ وَإِذَا أَوْصَى لِبَنِي قُصَيٍّ وَهُمْ بَطْنُهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ أَوْلَادُ مُضَرَ وَكِنَانَة وَأَوْلَادُ قُرَيْشٍ وَيَدْخُلُ مَنْ دُونَهُمْ، وَإِذَا أَوْصَى لِبَنِي هَاشِمٍ الَّذِي هُوَ فَخِذٌ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَدْخُلُ مَنْ دُونَهُمْ مِنْ أَوْلَادِ الْفَصِيلَةِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي الْفَصِيلَةِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ أَوْلَادُ الْعَبَّاسِ وَأَوْلَادُ أَبِي طَالِبٍ وَأَوْلَادُ عَلِيٍّ وَلَا يَدْخُلُ مَنْ فَوْقَهُمْ قَالَ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ: مِثَالُ الْفَخِذِ مُضَرٌ.
وَمِثَالُ الْبَطْنِ بَنُو هَاشِمٍ وَمِثَالُ الْقَبِيلَةِ قُرَيْشٌ وَمِثَالُ الشَّعْبِ الْعَرَبِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا أَوْصَى لِوَلَدِ عَلِيٍّ وَهُمْ فَخِذٌ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مَنْ فَوْقَهُمْ، وَهُمْ أَوْلَادُ قُرَيْشٍ؛ لِأَنَّهُمْ فَوْقَهُمْ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ جِئْنَا إلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَنِي فُلَانٍ وَفُلَانٌ الْقَبِيلَةُ وَلَهُ أَوْلَادٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ فَإِنَّ ثُلُثَ مَالِهِ يَكُونُ بَيْنَ الذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ مِنْ أَوْلَادِهِ بِالسَّوِيَّةِ إذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كُنَّ أُنَاسًا كُلُّهُنَّ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْكِتَابِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ لَهُنَّ وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا كُلُّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ كُلَّهُ فَأَمَّا إذَا كَانَ فُلَانٌ أَبًا وَاحِدًا وَلَهُ أَوْلَادُ ذُكُورٌ كُلُّهُمْ فَإِنَّ ثُلُثَ مَالِهِ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ أَوْلَادُهُ إنَاثًا كُلُّهُنَّ لَا شَيْءَ لَهُنَّ
وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ أَبًا خَاصًّا وَأَوْلَادُ فُلَانٍ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: الْوَصِيَّةُ لِلذُّكُورِ مِنْهُمْ دُونَ الْإِنَاثِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ، وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ بْنُ خَالِدٍ السَّمْنِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَكَى الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ وَمَا يَرْوِيهِ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْنِيُّ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَكَانَ يَجْعَلُ لِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا كَانَ أَوَّلًا وَآخِرًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَقُولُ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ قِيَاسٌ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ اسْتِحْسَانٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ أَوْلَادٌ صُلْبِيَّةٌ وَكَانَ لَهُ أَوْلَادُ أَوْلَادٍ هَلْ يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ يَدْخُلُونَ كُلُّهُمْ.
وَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادُ بَنَاتٍ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا كُلُّهُمْ أَوْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا لَا غَيْرَ وَإِنْ كَانَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إنَاثًا كُلُّهُنَّ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُنَّ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ أَنْشَدَ
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا
…
بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ
هَذَا إذَا أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ فَأَمَّا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ بَنَاتٌ لَا غَيْرَ دَخَلْنَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ بَنَاتٌ لَا شَيْءَ لَهُنَّ فَإِنْ كَانَ لِفُلَانٍ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَيَكُونُ ثُلُثُ مَالِهِ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ لَا يَفْضُلُ الذُّكُورُ عَلَى الْإِنَاثِ قَالَ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ حَامِلٌ دَخَلَ مَا فِي بَطْنِهَا فِي الْوَصِيَّةِ أَيْضًا وَلَا تَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ تَحْتَ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ كَوَلَدِ فُلَانٍ وَوَلَدِ فُلَانٍ وَوَلَدُ فُلَانٍ فِي الْحَقِيقَةِ مَنْ يُولَدُ لِفُلَانٍ وَلِلَّذِي يُولَدُ مِنْهُ ابْنُهُ وَابْنَتُهُ لِصُلْبِهِ فَأَمَّا وَلَدُ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتُهُ يُولَدُ مِنْ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ وَلَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ فُلَانٍ وَكَانَ حَقِيقَةُ هَذَا الِاسْمِ لِوَلَدِ الصُّلْبِ فَمَا دَامَ لِفُلَانٍ وَلَدُ صُلْبِهِ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ ابْنِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ فُلَانٌ أَبًا خَاصًّا فَإِذَا كَانَ هُوَ أَبَا فَخِذٍ فَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ حَالَ قِيَامِ وَلَدِ الصُّلْبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إلَّا وَلَدًا وَاحِدًا كَانَ الثُّلُثُ لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ وَلَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ.
وَإِذَا أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ أَوْلَادٌ لِصُلْبِهِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي دُخُولِ بَنِي الْبَنَاتِ أَمَّا بَنَاتُ الْبَنَاتِ لَا يَدْخُلُونَ فِي الْوَصِيَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً.
وَلَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَلَوِيَّةُ، وَالشِّيعِيَّةُ، وَالْفُقَهَاءُ، وَالْعُلَمَاءُ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَسُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى لِأَوْلَادِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَنَّ أَبَا نَصْرِ بْنَ يَحْيَى كَانَ يَقُولُ الْوَصِيَّةُ لِأَوْلَادِ الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ وَلَا تَكُونُ لِغَيْرِهِمَا فَأَمَّا الْعُمَرِيَّةُ فَهَلْ يَدْخُلُونَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ قَالَ يَنْظُرُ كُلُّ مَنْ كَانَ يُنْسَبُ إلَى الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِمَا فَأَمَّا الْعُمَرِيَّةُ فَهَلْ يَدْخُلُونَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَيَتَّصِلُ بِمَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رضي الله عنه زَوْجَ ابْنَتَيْهِ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ رضي الله عنه.
وَإِذَا أَوْصَى لِلْعَلَوِيَّةِ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الِاسْمِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْفَقْرِ أَوْ ذِي الْحَاجَةِ وَلَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاء الْعَلَوِيَّةِ يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا الْوَصِيَّةُ لِلْفُقَهَاءِ لَا تَجُوزُ وَلَوْ أَوْصَى لِفُقَرَائِهِمْ يَجُوزُ وَقَدْ يُحْكَى عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَلِّمِي الصِّبْيَانِ فِي الْمَسَاجِدِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عَامَّتَهُمْ فُقَرَاءُ، وَالْفَقْرُ فِيهِمْ هُوَ الْغَالِبُ فَصَارَ حُكْمُ غَلَبَةِ الْفَقْرِ كَالْمَشْرُوطِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: كَانَ الْإِمَامُ الْقَاضِي يَقُولُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا أَوْصَى لِطَلَبَةِ عِلْمِ كُورَةِ كَذَا أَوْ لِطَلَبَةِ عِلْمِ كَذَا يَجُوزُ وَلَوْ أَعْطَى الْوَصِيَّ وَاحِدًا مِنْ فُقَرَاءِ الطَّلَبَةِ أَوْ مِنْ فُقَرَاءِ الْعَلَوِيَّةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا صَرَفَ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهُمْ.
وَإِذَا أَوْصَى لِلشِّيعَةِ وَمُحِبِّيهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: اعْلَمْ بِأَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ شِيعَةٌ وَمُحِبٌّ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا مَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ الْوَهْمُ مِنْ أَنَّهُمْ الَّذِينَ يُعْرَفُونَ بِالْمَيْلِ إلَيْهِمْ وَصَارُوا مَوْسُومِينَ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ فَقَدْ قِيلَ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ قِيَاسًا إذَا كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ وَإِذَا أَوْصَى لِفُقَرَاء الْفُقَهَاءِ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ الْفَقِيهُ عِنْدَنَا مَنْ بَلَغَ مِنْ الْفِقْهِ الْغَايَةَ وَلَيْسَ الْمُتَّفِقَةُ بِفَقِيهٍ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِنَصِيبٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِنَا أَحَدٌ يُسَمَّى فَقِيهًا غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ شَيْخِنَا، وَقَدْ أَهْدَى أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ مَالًا كَثِيرًا لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ حِينَ نَادَوْهُ فِي مَجْلِسٍ أَيُّهَا الْفَقِيهُ.
وَإِذَا أَوْصَى لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلْدَةِ كَذَا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ أَهْلُ الْفِقْهِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَلَا يَدْخُلُ مَنْ يَتَعَلَّمُ الْحِكْمَةَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَدْخُلُ مَنْ يَتَعَلَّمُ الْحِكْمَةَ مِثْلَ كَلَامِ الْفَلْسَفَةِ وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ الْمُتَفَلْسِفَةَ لَا طَلَبَةَ عِلْمٍ وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُتَكَلِّمُونَ فَلَا ذِكْرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا فِي الْكُتُبِ.
وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ إنَّ كُتُبَ
الْكَلَامِ لَيْسَتْ كُتُبَ عِلْمٍ يَعْنِي فِي الْعُرْفِ وَلَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ كُتُبِ الْعِلْمِ فَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ الْمُتَكَلِّمُونَ وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ عَلَى فُقَرَاءِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى مَدْرَسَةٍ مَنْسُوبَةٍ فِي كُورَةِ كَذَا فَالْمُتَعَلِّمُ لِلْفِقْهِ إذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَا يَتَنَاوَلُ شَفْعَوِيُّ الْمَذْهَبِ، وَيَتَنَاوَلُ مَنْ يَقْرَأُ الْأَحَادِيثَ وَيَسْمَعُ، وَيَكُونُ فِي طَلَبِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ شَفْعَوِيَّ الْمَذْهَبِ أَوْ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَمَنْ كَانَ شَفْعَوِيَّ الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْأَحَادِيثَ وَلَا يَسْمَعُ وَلَا يَكُونُ فِي طَلَبِ ذَلِكَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ أَصْحَابِ الْأَحَادِيثِ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ
وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ فَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّا عَجَزْنَا عَنْ تَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنْهُ تَنْفِيذُهَا لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِوَاحِدٍ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْفُقَرَاءِ وَقَعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْفُقَرَاءُ مَصَارِفُ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ وَجَازَ صَرْفُهَا إلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مَعْلُومٌ فَوَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِبَنِي فُلَانٍ؛ لِأَنَّهَا تَنَاوَلَتْ الْأَغْنِيَاءَ كَمَا تَنَاوَلَتْ الْفُقَرَاءَ فَيَقَعُ لِلْغَنِيِّ لَا لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَرْتَدَّ بِرَدِّهِ، وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ فَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِلْعِبَادِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ تَنْفِيذُهَا ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ فُلَانٌ أَبَا قَبِيلَةٍ أَوْ فُلَانٌ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ أَبَا قَبِيلَةٍ وَهُمْ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ إذَا اخْتَلَطْنَ بِالرِّجَالِ يَدْخُلْنَ فِي خِطَابِ الرِّجَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَقَدْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ الرِّجَالَ، وَالنِّسَاءَ جَمِيعًا وقَوْله تَعَالَى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَقَدْ تَنَاوَلَ الذُّكُورَ، وَالْإِنَاثَ فَإِنْ كُنَّ إنَاثًا خُلَّصًا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَقَالُوا عَلَى قِيَاسِ تَعْلِيلِ مُحَمَّدٍ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَكُونُ الثُّلُثُ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ، وَقَالَ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ إذَا كَانَ فُلَانٌ أَبًا أَوْ جَدًّا وَلَهُ أَوْلَادٌ بَنَاتٌ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَبَنَاتٍ فَالثُّلُثُ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لِلذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَدْخُلُ الْإِنَاثُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِنَاثَ مَتَى اخْتَلَطَتْ بِالذُّكُورِ يَتْبَعْنَ الذُّكُورَ وَيَغْلِبُ الذُّكُورُ عَلَى الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ يُقَالُ بَنُو آدَمَ وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو تَمِيمٍ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ، وَالْإِنَاثَ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِإِخْوَةِ فُلَانٍ دَخَلَ الْإِخْوَةُ، وَالْأَخَوَاتُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآيَةِ لَهُمَا أَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا اللَّفْظِ يُطْلَقُ عَلَى الذُّكُورِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ حَالَةَ الِاخْتِلَاطِ مَجَازًا، وَالْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ مَعَ أَنَّ فِي اسْتِعْمَالِ هَذَا الْمَجَازِ اشْتِرَاكًا؛ لِأَنَّ فُلَانًا إذَا كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا.
فَكَمَا يُذْكَرُ اسْمُ الْأَبِ وَيُرَادُ بِهِ الذُّكُورُ، وَالْإِنَاثُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الذُّكُورُ خَاصَّةً دُونَ الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَخْلُو أَوْلَادُهُ عَنْ الْإِنَاثِ وَإِطْلَاقُ هَذَا الِاسْمِ عَلَى الذُّكُورِ خَاصَّةً حَقِيقَةً مُسْتَعْمَلَةً وَعَلَى الْإِنَاثِ خَاصَّةً مَجَازٌ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فَحَالَةُ الِاخْتِلَاطِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي دُخُولِ الْإِنَاثِ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِبَنِي تَمِيمٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ هُوَ الْأَعْيَانُ، وَالْأَشْخَاصُ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ الْأَسْبَابِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْإِخْوَةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَكُونُ وَصِيَّةً لِلْإِخْوَةِ دُونَ الْأَخَوَاتِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْإِخْوَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَخَوَاتِ بِحَقِيقَتِهِ بَلْ بِمَجَازِهِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] فَقَدْ فَسَّرَ الْإِخْوَةَ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ وَلَوْ تَنَاوَلَ اسْمَ الْإِخْوَةِ الْأَخَوَاتِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَلَوْ وُجِدَ فِي الْوَصِيَّةِ مِثْلُ هَذَا التَّفْسِيرِ بِأَنْ قَالَ بِإِخْوَةِ فُلَانٍ رِجَالًا وَنِسَاءً دَخَلَتْ الْأَخَوَاتُ فِيهَا وَلَيْسَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانُوا مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ وَلَدُ صُلْبٍ فَالْوَصِيَّةُ لِابْنِ ابْنِهِ دُونَ بَنَاتِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الِابْنِ يُسَمَّى وَلَدًا إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ فِي الْإِضَافَةِ، وَالِانْتِسَابِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ، وَالنَّاقِصُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الْمُضَافِ كَأَوْلَادِ الْبَنَاتِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى وَلَدِ الصُّلْبِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهَذَا الِاسْمِ فَإِنْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ تَجَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَلِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ قَائِمٌ مَقَامَ ابْنِ الصُّلْبِ حَالَ عَدَمِ الصُّلْبِ فِي الْمِيرَاثِ حَجْبًا وَاسْتِحْقَاقًا وَسَقَطَ اعْتِبَارُ نُقْصَانِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ شَرْعًا.
فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ بِالثُّلُثِ وَلَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ بَنُونَ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ لِبَنِيهِ الَّذِينَ حَدَثُوا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مِنْ الْمُوصِي لِلْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمُوصَى لَهُ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلِهَذَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عِنْدَ
الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ لِفُلَانٍ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ وَوُلِدَ لَهُ آخَرَانِ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَالثُّلُثُ لِلْبَاقِينَ وَلِلْمَوْلُودَيْنِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى بَنِي فُلَانٍ مُطْلَقًا وَلَمْ يُسَمِّ تَقَعُ الْوَصِيَّةُ لِبَنِيهِ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا لِبَنِيهِ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ الْمِلْكُ وَقْتَ الْمَوْتِ.
حَتَّى لَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِالثُّلُثِ لِبَنِي فُلَانٍ هَؤُلَاءِ وَسَمَّاهُمْ تَقَعُ لِبَنِيهِ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ حَتَّى تَبْطُلَ بِمَوْتِهِمْ وَلَا يَكُونُ لِبَنِيهِ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ قَالَ: لِوَلَدِ فُلَانٍ دَخَلَ الذُّكُورُ، وَالْإِنَاثُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ حَقِيقَةً وَكَذَلِكَ الْجَنِينُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْجَنِينِ بِشَرْطِ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا وَتَعْلِيقُ الْوَصِيَّةِ بِالشَّرْطِ، وَالْإِحْصَارِ جَائِزَةٌ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ لِلْمَعْدُومِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَنَاتٌ وَبَنُو ابْنٍ فَالْوَصِيَّةُ لِلْبَنَاتِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُهُ الْبَنَاتُ الصُّلْبِيَّةُ حَقِيقَةً وَوَلَدُ الِابْنِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ الِاسْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ التَّوْلِيدِ، وَالتَّفَرُّعِ.
وَالْبِنْتُ الصُّلْبِيَّةُ مُتَوَلِّدَةٌ عَنْهُ حَقِيقَةً وَوَلَدُ الِابْنِ مُتَوَلِّدٌ بِوَاسِطَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدُ صُلْبٍ فَالْوَصِيَّةُ لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ سَوَاءٌ كَانَ وَلَدُ الِابْنِ مُضَافًا أَوْ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْأَبِ، وَفِي الْإِضَافَةِ إلَيْهِ نَوْعُ قُصُورٍ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ الِاسْمُ إلَى الْوَلَدِ الصُّلْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ وَعِنْدَ عَدَمِهِ يُحْمَلُ عَلَى وَلَدِ الِابْنِ مَجَازًا وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَيْهِ وَمُضَافٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ دُونَ الْأُمَّهَاتِ عَلَى مَا مَرَّ بِشَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ فَكُلُّ الثُّلُثِ لَهُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ فَصَاعِدًا.
وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِأَكَابِرِ وَلَدِ فُلَانٍ وَلَهُ أَوْلَادٌ بَعْضُهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِينَ وَبَعْضُهُمْ أَبْنَاءُ سِتِّينَ وَبَعْضُهُمْ أَبْنَاءُ أَرْبَعِينَ فَالْوَصِيَّةُ لِأَبْنَاءِ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ أَوْ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ السَّيِّدُ إذَا قَالَ: أَكَابِرُ رَقِيقِي أَحْرَارٌ وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ وَلِأَحَدِهِمَا ثَلَاثُ بَنِينَ وَلِلْآخَرِ وَاحِدٌ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ ابْنٌ رُدَّ نِصْفُ الثُّلُثِ إلَى الْوَرَثَةِ، وَلَوْ قَالَ بَيْنَ أَعْمَامِي وَأَخْوَالِي وَلَهُ عَمٌّ وَخَالٌ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَالْمِيرَاثِ اثْنَانِ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ أَوْ عَمَّانِ وَلَيْسَ لَهُ خَالٌ رُدَّ نِصْفُ الثُّلُثِ لِلْوَرَثَةِ.
وَلَوْ قَالَ لِإِخْوَانِي وَلَهُ أَخٌ وَاحِدٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَلَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ.
وَلَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِبَنِيهِ وَلِلْمَسَاكِينِ فَإِذَا لِفُلَانٍ ابْنٌ وَاحِدٌ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا لِفُلَانٍ سَهْمٌ وَلِابْنِهِ سَهْمٌ وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ وَيَرْجِعُ سَهْمٌ إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لِبَنِي فُلَانٍ، وَالِابْنُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ بَنِينَ وَيَكُونُ الِابْنَانِ بَنِي فُلَانٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ يُطْلَقُ عَلَى الِابْنَيْنِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِآلِ فُلَانٍ أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِ فُلَانٍ وَلَيْسَ لَهُ بَيْتٌ وَلَا قَرَابَةٌ فَإِنَّهُ يُعْطِي الرَّجُلَ الَّذِي سَمَّاهُ وَعِيَالَهُ الَّذِي يَعُولُهُ مِنْ وَلَدِهِ وَتَدْخُلُ امْرَأَتُهُ فِيهِمْ الْفَتَاوَى رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَنِي فُلَانٍ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنْ كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا بَطَلَ ثُلُثُ الْوَصِيَّةِ فَالثُّلُثَانِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ لَوْ مَاتَ لَا يَبْقَى لَهُ وَلَدٌ سِوَاهُمَا فَانْصَرَفَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى عَدَدِهِمَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَلَمَّا مَاتَ أَحَدُهُمْ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ.
وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِقَرَابَةِ بَنِي فُلَانٍ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ دَخَلَ مَوَالِيهِمْ وَمَوَالِي مَوَالِيهِمْ وَمَوَالِي الْمُوَالَاةِ وَحُلَفَاؤُهُمْ يُقَسِّمُهُ بَيْنَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُنْسَبُونَ إلَى فُلَانٍ بِالْبُنُوَّةِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَحَلِيفَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ، وَالْحَلِيفُ مَنْ وَالَى قَوْمًا وَيَحْلِفُونَ لَهُ عَلَى الْمُوَالَاةِ، وَالْقَرِيبُ مَنْ يَصِيرُ بِغَيْرِ حِلْفٍ وَإِنْ أَعْطَى الْكُلَّ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْطِيهِ ابْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ أَبًا خَاصًّا وَلَيْسَ بِأَبِي قَبِيلَةٍ وَلَا جَدٍّ فَالثُّلُثُ لِبَنِيهِ لِصُلْبِهِ وَلَمْ تَدْخُلْ الْمَوَالِي، وَالْحَلِيفُ فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَوَالِيَهُمْ أَبْعَدُ إلَى فُلَانٍ مِنْ بَنِي بَنِيهِ وَبَنُو بَنِيهِ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ فَالْمَوَالِي أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْقَبِيلَةُ مُضَافَةً إلَيْهِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِيَتَامَى أَوْ أَرَامِلِ بَنِي فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ يُحْصَوْنَ أَوْ لَا قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَالْيَتِيمُ كُلُّ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَرْبَابِ اللُّغَةِ وَهَكَذَا قَالَ الْخَلِيلُ وَلِهَذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ» ثُمَّ الْيَتِيمُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْيُتْمِ وَهُوَ الِانْفِرَادُ، وَالْمُبَايَنَةُ عَنْ الشَّيْءِ كَمَا يُقَالُ هَذِهِ الدُّرَّةُ يَتِيمَةٌ لِانْفِرَادِهَا عَنْ أَشْكَالِهَا وَنَظَائِرِهَا وَتُسَمَّى الْمَرْأَةُ يَتِيمَةً مَجَازًا لِانْفِرَادِهَا عَنْ قُوَّةِ الْقَلْبِ إلَّا أَنَّهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَنْ انْفَرَدَ عَنْ أَبِيهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَالْأَرْمَلَةُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَقِيرَةٍ فَارَقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ حُجَّةٌ وَهَكَذَا قَالَ