الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعَهَا وَلَدٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ مَعَهَا.
وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ، فَإِذَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَبَطَلَ الْفَضْلُ، وَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُ مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ الْمُسَمَّى وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ أَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً وَطَلَّقَهَا.
وَفِي الْأَصْلِ وَلِلْأَبِ وَوَصِيِّهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ السَّفِيهِ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَفِي قَاضِي خان سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ عَنْ مَحْجُورٍ وُقِفَ عَلَيْهِ ضَيْعَةٌ فَقَالَ وَقْفُهُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْقَاضِي وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ، وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي اهـ.
قَالَ فِي الْمُحِيطِ امْرَأَةٌ مُسْرِفَةٌ سَفِيهَةٌ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا عَلَى مَالٍ وَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ مَحْجُورٌ عَنْ الْمَالِ، وَإِذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَقَعَ بَائِنًا وَفِي الْمُنْتَقَى، وَإِذَا دَفَعَ الْوَصِيُّ إلَى الْوَارِثِ حِينَ أَدْرَكَ وَهُوَ فَاسِدٌ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ بَرِيءٌ عَنْ الضَّمَانِ.
[يُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنْ مَالِ السَّفِيهِ]
وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنْ مَالِ السَّفِيهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ النَّفَقَةُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ حَقًّا لِقَرِيبِهِ، وَالسَّفَهُ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ النَّاسِ وَلَا حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَدْفَعُ إلَيْهِ قَدْرَ الزَّكَاةِ لِيُفَرِّقَهَا بِنَفْسِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِيتَاءُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ وَهُوَ عِبَادَةٌ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّتِهِ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي مَعَهُ أَمِينًا كَيْ لَا يَصْرِفَهَا إلَى غَيْرِ الْمَصْرِفِ، وَيُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَى أَمِينِهِ لِيَصْرِفَهَا إلَى مُسْتَحِقِّيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِفِعْلِ الْأَمِينِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ قَرِيبُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إلَّا الْوَالِدُ، وَالْوَلَدُ، وَالزَّوْجُ، وَالْمَوْلَى وَكَذَا الْمَرْأَةُ فِي سِوَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَوْلُودِينَ تَجِبُ بِالنَّسَبِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيهِ وَنَفَقَةُ غَيْرِهِمْ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ، وَالْعُسْرِ، وَالْحَاجَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ.
وَلَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَوْ نَذَرَ نَذْرًا مِنْ هَدْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَغَيْرِهَا بِالصَّوْمِ، وَإِذَا أَرَادَ حُجَّةَ الْإِسْلَامِ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا صُنْعٌ وَفِي الْفَرَائِضِ هُوَ مُلْحَقٌ بِالصُّلْحِ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهَا وَكَذَا الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَإِنْ اصْطَادَ فِي إحْرَامِهِ أَوْ حَلَقَ أَوْ فَعَلَ مَا يَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ صَامَ وَلَمْ يَدْفَعْ فِيهِ مَالًا وَلَوْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ إذَا ابْتَلَى بِأَذًى فَحَلَقَ أَوْ لَبِسَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَا يَفْعَلُهُ الْأَمِيرُ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي، وَإِنْ تَطَيَّبَ فِي إحْرَامِهِ أَوْ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّوْمُ فَهَذَا لَازِمٌ وَلَا يُؤَدِّيهِ حَتَّى يَصْلُحَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ، وَالْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ كَانَ جَزَاؤُهُ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ يَصُومُ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَالِ يَتَأَخَّرُ، وَالْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ لَا تُدْفَعُ إلَّا أَنْ يُصْلِحَ.
وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الطَّوَافِ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ وَيَتَأَخَّرُ إلَى أَنْ يُصْلِحَ وَلَوْ قَضَى حَجَّةً إلَّا طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَطُفْ طَوَافَ الصَّدْرِ لَا يَمْنَعُ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ لِلطَّوَافِ، وَإِنْ طَافَ جُنُبًا ثُمَّ رَجَعَ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ نَفَقَةُ الْعَوْدِ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ بِطَوَافِهِ جُنُبًا وَشَاةٌ لِطَوَافِ الصَّدْرِ، فَإِذَا حَضَرَ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ هَدْيٍ لِيَتَحَلَّلَ بِهِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مِقْدَارُ مَا لَوْ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ وَيُقَالُ لَهُ: إنْ شِئْت فَاخْرُجْ مَاشِيًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي وَسَّعَ فِي النَّفَقَةِ فَقَالَ أَنَا أُكْرِيَ بِذَلِكَ الْفَضْلِ وَأُنْفِقُ عَلَى نَفْسِي فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إسْرَافٌ، وَإِذَا مَرِضَ يُزَادُ فِي نَفَقَتِهِ لِزِيَادَةِ الْحَاجَةِ وَلَوْ حُصِرَ فِي حَجَّةِ التَّطَوُّعِ لَا يُبْعَثُ بِهَدْيٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ وَلَا مِنْ الْمُتْعَةِ أَرَادَ سَوْقَ هَدْيٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ فِي النَّفَقَةِ وَلَا يُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَيْهِ بَلْ يُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ لِيُنْفِقَهَا عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ كَيْ لَا يُبَذِّرَ وَيُسْرِفَ فِي النَّفَقَةِ.
[أَوْصَى السَّفِيه بِوَصَايَا فِي الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ]
وَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا فِي الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ وَصِيَّتُهُ كَمَا لَا تَجُوزُ تَبَرُّعَاتُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ لِكَيْ لَا يُتْلِفَ مَالَهُ وَيَبْقَى كَلًّا عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ لَا فِيمَا يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ وَفَاتِهِ حَالَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ هَذَا إذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ مُوَافِقًا لِوَصَايَا أَهْلِ الْخَيْرِيَّةِ، وَالصَّلَاحِ نَحْوَ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَالْأَوْقَافِ، وَالْقَنَاطِرِ، وَالْجُسُورِ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِغَيْرِ الْقِرَبِ عِنْدَنَا لَا يَنْفُذُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ جَائِزٌ وَفِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ الثَّانِي إعْتَاقُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَتَدْبِيرُهُ وَطَلَاقُهُ وَنِكَاحُهُ جَائِزٌ وَمِنْ مَالِ الصَّبِيِّ لَا تَجُوزُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ
، وَإِذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ صَحَّ وَلَا يَسْعَى فِي نُقْصَانِ التَّدْبِيرِ مَا دَامَ حَيًّا، وَإِذَا مَاتَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ يَعُدُّونَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ إسْرَافًا، فَإِنْ كَانُوا لَا يَعُدُّونَهَا إسْرَافًا بَلْ مَعْهُودًا حَالًا يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ إذَا كَانَ يُخْرِجُ مِنْ الثُّلُثِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَفِسْقٍ) يَعْنِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ فِسْقٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا بِسَفَهٍ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ كَالسَّفَهِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً لَهُ وَعِنْدَهُمَا الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ صِيَانَةٌ لِمَالِهِ، وَالْفَاسِقِ مُصْلِحٌ لِمَالِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] ؛ لِأَنَّ رُشْدًا نَكِرَةٌ فَتَعُمُّ فَتَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ إذْ الرُّشْدُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الْمُرَادُ بِهِ الْإِصْلَاحُ فِي الْمَالِ لَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَالْفِسْقُ الْأَصْلِيُّ، وَالطَّارِئُ سَوَاءٌ.
قَالَ رحمه الله (وَغَفْلَةٍ) يَعْنِي لَا يُحْجَرُ عَلَى الْغَافِلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَلَا يَقْصِدُهُ لَكِنْ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالسَّفِيهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ وَنَظَرًا لَهُ؛ لِأَنَّ «أَهْلَ مُنْقِذٍ طَلَبُوا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْحَجْرَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوعٌ قُلْنَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُجِبْهُمْ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ «قُلْ لَا خِلَابَةَ» الْحَدِيثَ وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَأَجَابَهُمْ إلَيْهِ.
قَالَ رحمه الله (وَدَيْنٍ، وَإِنْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ) يَعْنِي لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَلَوْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَلَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْفَتْوَى كَذَا فِي قَاضِي خان مِنْ بَابِ الْحِيطَانِ وَفِي الْكَافِي، وَالْكَلَامُ فِي الْحَجْرِ بِالدَّيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْكَبَهُ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَالِهِ أَوْ يَزِيدَ عَلَى أَمْوَالِهِ وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَحْجُرَ فَيَحْجُرَ عَلَيْهِ وَيُمْنَعَ مِنْ الْبَيْعِ، وَالتَّصَرُّفِ، وَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ وَفِي النَّوَادِرِ مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْلَاسِ عِنْدَهُمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيُمْكِنُ الْقَاضِي الْقَضَاءَ بِالْإِفْلَاسِ وَفِي الْعِنَايَةِ، وَإِذَا قَضَى بِالْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ يَخْتَصُّ بِالْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي الْحَالِ دُونَ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْكَسْبِ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْحَادِثِ نَفَذَ، وَإِذَا صَحَّ الْحَجْرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ صَارَ حَالُ هَذَا الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَحَالِ مَرِيضٍ عَلَيْهِ دُيُونُ الصِّحَّةِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَالْحَجْرُ يُؤَثِّرُ فِيهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ.
وَفِي النَّوَادِرِ، وَإِذَا حُبِسَ الرَّجُلُ فِي الدَّيْنِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ حَتَّى يَقْضِيَ دُيُونَهُ الَّتِي حُبِسَ فِيهَا قَالَ رحمه الله (وَحُبِسَ لِيَبِيعَ مَالَهُ فِي دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَالْمُمَاطَلَةُ ظُلْمٌ فَيَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ دَفْعًا لِظُلْمِهِ وَإِيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَبْسِ الْحَمْلُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ وَقَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَمَنَعَهُ مِنْ تَصَرُّفٍ يَضُرُّ بِالْغُرَمَاءِ كَالْإِقْرَارِ وَبَيْعِهِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «مُعَاذًا رَكِبَهُ دَيْنٌ فَبَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَالَهُ وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ» وَلِأَنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْغُرَمَاءِ لِئَلَّا يَلْحَقَهُمْ الضَّرَرُ بِالْإِقْرَارِ، وَالتَّلْجِئَةِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ إنْسَانٍ عَظِيمِ الْقَدْرِ لَا يُمْكِنُ الِانْتِزَاعُ مِنْهُ أَوْ بِالْإِقْرَارِ لَهُ ثُمَّ يَنْتَفِعَ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مَا كَانَ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يُؤَجِّرُهُ لِيَقْضِيَ مِنْ أُجْرَتِهِ دَيْنَهُ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً لَا يُزَوِّجُهَا لِيَقْضِيَ دَيْنَهَا مِنْ مَهْرِهَا وَتُحْبَسُ لِيُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَدَيْنُهُ دَرَاهِمَ قُضِيَ بِلَا أَمْرِهِ) وَكَذَا إذَا كَانَ كِلَاهُمَا دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِيَدِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَكَانَ الْقَاضِي مُعِينًا لَهُ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَنَانِيرُ أَوْ بِالْعَكْسِ بِيعَ مِنْ دَيْنِهِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَاسْتِحْسَانٌ بِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْقَاضِي بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَصَارَ كَالْعُرُوضِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا يَتَّحِدَانِ جِنْسًا فِي الثَّمَنِيَّةِ، وَالْمَالِيَّةِ وَلِذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ يَخْتَلِفَانِ فِي الصُّوَرِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا رِبَا الْفَضْلِ لِاخْتِلَافِهِمَا فَبِالنَّظَرِ إلَى الِاتِّحَادِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِاخْتِلَافِ يَسْكُتُ عَنْ الدَّائِنِ فَلَهُ الْأَخْذُ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَبِعْ عَرْضَهُ وَعَقَارَهُ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ صَادِقٌ بِحَالِ الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتِ