الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ رحمه الله (غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ مَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ نَهْشِ حَيَّةٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لِكَوْنِهِ حُرًّا يَدًا مَعَ أَنَّهُ رَقِيقُ رَقَبَةٍ فَالْحُرُّ يَدًا وَرَقَبَةً أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا ضَمَانُ إتْلَافٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ وَالصَّبِيُّ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَهَذَا لِأَنَّ نَقْلَهُ إلَى أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ أَوْ إلَى مَكَانِ الصَّوَاعِقِ إتْلَافٌ مِنْهُ تَسَبُّبًا وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِتَفْوِيتِ يَدِ الْحَافِظِ وَهُوَ الْمَوْلَى فَيَضْمَنُ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعَ وَالصَّوَاعِقَ لَا تَكُونُ فِي كُلِّ مَكَان فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْهُ فَإِذَا نَقَلَهُ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَقَدْ أَزَالَ حِفْظَ الْمَوْلَى عَنْهُ مُتَعَدِّيًا فَيُضَافُ إلَيْهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِلَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ تَعَدِّيًا كَالْحَفْرِ فِي الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان تَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ يَقُولُ إنَّهُ يَضْمَنُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِهِ قَتْلًا تَسَبُّبًا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ يَلْحَقُ بِالْكَثِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ إلَّا بِرِضَاهُ كَالْبَالِغِ وَالْحُرِّ الصَّغِيرِ يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ بِدُونِ رِضَاهُ فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى فَمَاتَ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَضْمَنُ.
وَالْمُكَاتَبُ لَا يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ كَالْحُرِّ الْكَبِيرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ مِمَّا صَنَعَ مِنْ قَيْدٍ وَنَحْوِهِ يَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ وَكَالْحُرِّ الْكَبِيرِ أَيْضًا كَمَا يَضْمَنُ الصَّغِيرُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى الْغَاصِبِ بِتَقْصِيرِ حِفْظِهِ قَالَ رحمه الله (كَصَبِيٍّ أَوْدَعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ وَإِنْ أَوْدَعَ طَعَامًا وَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ يَضْمَنُ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ كَمَا يَضْمَنُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ إذَا قَتَلَ عَبْدًا أَوَدَعَ عِنْدَهُ وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُودَعِ وَالطَّعَامِ الْمُودَعِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُضْمَنُ الصَّبِيُّ الْمُودَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْدَعَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَا يُؤْخَذُ بِالضَّمَانِ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَارُ فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَكَذَا الْإِعَارَةُ فِيهِمَا ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله شَرَطَ فِي الْجَامِعِ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي عُمْرُهُ اثْنَيْ عَشْرَ سَنَةً وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّ التَّسْلِيطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا أَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ فِي الْحِفْظِ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ وَكَمَا إذَا أَتْلَفَ غَيْرَ مَا فِي يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الِاسْتِهْلَاكِ فِيهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَلَا يُؤَاخَذُ بِضَمَانِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ.
وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ حَقًّا لَهُ وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ وَضَعَهُ فِي يَدٍ غَيْرِ مَانِعَةٍ فَلَا يَبْقَى مَعْصُومًا إلَّا إذَا أَقَامَ غَيْرُهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الْحِفْظِ وَلَا إقَامَةَ هُنَا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ حَتَّى يَلْزَمَهُ وَلَا وِلَايَةَ لِلصَّبِيِّ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَلْتَزِمَ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ كَالْبَالِغِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ إذْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ فَكَانَتْ عِصْمَتُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِكِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكٍ حَتَّى يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ بِالتَّسْلِيطِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكِ عَبْدِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ تَسْلِيطُهُ فَيَضْمَنُ الصَّبِيُّ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَإِذَا اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَقَبِلَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيِّهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِنْزَالِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَهُوَ تَقْسِيمٌ حَسَنٌ اهـ.
[بَابُ الْقَسَامَةِ]
(بَابُ الْقَسَامَةِ) لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتِيلِ يَئُولُ إلَى الْقَسَامَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ ذَكَرَ هَاهُنَا فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ فِي آخِرِ الدِّيَاتِ.
وَالْكَلَامُ فِي الْقَسَامَةِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهَا شَرْعًا وَالثَّالِثُ فِي رُكْنِهَا وَالرَّابِعُ فِي شَرْطِهَا وَالْخَامِسُ فِي صِفَتِهَا وَالسَّادِسُ فِي دَلِيلِهَا اعْلَمْ أَنَّ الْقَسَامَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْأَقْسَامِ كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ أَخْذًا مِنْ الْمُغْرِبِ وَقَالَ فِي
مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الْقَسَامَةُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَقْسَمَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دِرَايَةٌ بِعِلْمِ الْأَدَبِ وَأَمَّا فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ فَهِيَ أَيْمَانٌ يَقْسِمُ بِهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ بِهِ أَثَرٌ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ وَاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا فَمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ دَارِ رَجُلٍ فِي الْمِصْرِ إنْ كَانَ جِرَاحَةً أَوْ أَثَرَ ضَرْبٍ أَوْ أَثَرَ خَنْقٍ وَلَا يُعْلَمُ قَاتِلُهُ يَقْسِمُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كُلٌّ مِنْهُمْ يَقُولُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا. اهـ.
أَقُولُ: مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةُ الْقَسَامَةِ شَرْعًا فَإِنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرَاتِ وَمَا ذُكِرَ فِيهَا تَصْدِيقٌ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِيَّاتِ كَمَا تَرَى نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ تَفْسِيرُ الْقَسَامَةِ شَرْعًا بِتَدْقِيقِ النَّظَرِ لَكِنَّهُ فِي مَوْضِعِ بَيَانِ مَعْنَى الْقَسَامَةِ شَرْعًا فِي أَوَّلِ الْبَابِ تَعَسُّفٌ خَارِجٌ عَنْ سُنَنِ الطَّرِيقِ وَأَمَّا رُكْنُهَا فَهُوَ أَنَّهُ يَجْرِي مِنْ أَنْ يُقْسِمَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يُقْسِمُ بِهَا عَلَى لِسَانِهِ ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ.
وَأَمَّا شَرْطُهَا فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُقْسِمُ رَجُلًا بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا فَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقَسَامَةِ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْعَبْدُ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمَيِّتِ الْمَوْجُودِ أَثَرُ الْقَتْلِ وَأَمَّا لَوْ وُجِدَ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ وَمِنْ شَرْطِهَا أَيْضًا تَكْمِيلُ الْيَمِينِ بِالْخَمْسِينَ. اهـ.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا كَذَلِكَ وَمِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا أَنْ لَا يُعْلَمَ قَاتِلُهُ فَإِنْ عُلِمَ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَكِنْ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ أَوْ الدِّيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلَا قَسَامَةَ فِي بَهِيمَةٍ وُجِدَتْ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ وَمِنْهَا الدَّعْوَى مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ يَمِينٌ وَالْيَمِينَ لَا تَجِبُ بِدُونِ الدَّعْوَى كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى وَمِنْهَا إنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَظِيفَةُ الْمُنْكِرِ وَمِنْهَا الْمُطَالَبَةُ فِي الْقَسَامَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي وَحَقُّ الْإِنْسَانِ يُوَفَّى عِنْدَ طَلَبِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْقَتِيلُ مِلْكًا لِأَحَدٍ أَوْ فِي يَدِ أَحَدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَا فِي يَدِ أَحَدٍ أَصْلًا فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ فِي قِنٍّ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ مَأْذُونٍ وُجِدَ مَقْتُولًا فِي دَارِ مَوْلَاهُ نَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى هَاتِيك الشُّرُوطِ كُلِّهَا بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ زِيَادَةِ تَفْصِيلٍ وَأَوْرَدَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ.
إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ مُكَاتَبٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَإِذَا حَلَفَ يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ حُرٌّ يَدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا رَقَبَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ فَوُجِدَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ فَجَازَ اشْتِرَاطُنَا الْحُرِّيَّةَ فِي الْقَسَامَةِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَأَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ وُجُوبُ الْأَيْمَانِ وَأَمَّا دَلِيلُهَا فَالْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَأَمَّا سَبَبُهَا فَوُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ.
قَالَ رحمه الله (قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ لَمْ يُدْرَ قَاتِلُهُ حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ عَنْ الْجَمِيعِ وَأَمَّا عِنْدَ الْحَلِفِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ فَيَجْرِي عَلَى يَمِينِهِ مَا قُلْنَا يَعْنِي جَمِيعًا وَلَا يُعْكَسُ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ قَاتِلًا لَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اسْتَحْلَفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُقْضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله يُقْضَى بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَاللَّوْثُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ يَشْهَدُ عَدْلٌ أَوْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ لَوْثٌ اُسْتُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ.
فَإِنْ حَلَفُوا لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ مَا ادَّعَاهُ لَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الدَّمِ وَالْأَمْوَالِ عَلَى ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَمَا رُوِيَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَوْمٍ قَالَ يَسْتَحْلِفُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَهُوَ كَقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ قَتِيلٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ جُرِحَ رَجُلٌ فِي قَبِيلَةٍ وَلَمْ يُعْلَمْ جَارِحُهُ فَإِمَّا أَنْ يَصِيرَ صَاحِبَ فِرَاشٍ أَوْ يَكُونَ صَحِيحًا بِحَيْثُ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا ضَمَانَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الثَّانِي لَا شَيْءَ فِيهِ. اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي الْقَتِيلِ فَشَمِلَ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ وَالدَّعْوَى بِذَلِكَ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ وَادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ وَلِيُّهُ فَإِنْ ادَّعَى عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا وَلِيَّهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ هُوَ
الَّذِي قَتَلَهُ وَلِيُّهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَأَنْكَرَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا فَإِنْ حَلَفُوا غَرِمُوا الدِّيَةَ وَإِنْ نَكَلُوا فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُمْ حَتَّى يُحَلِّفَهُمْ وَفِي الذَّخِيرَةِ هَذَا الْحَبْسُ بِدَعْوَى الْعَمْدِ وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي الْخَطَأَ فَإِذَا نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ يُقْضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ اهـ.
وَقَوْلُهُ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ يَعْنِي يَخْتَارُ الصَّالِحِينَ دُونَ الطَّالِحِينَ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَقِيمَتُهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِمَنْزِلَةِ الْأَحْرَارِ فِي حَقِّ الدِّمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْأَمْوَالِ عِنْدَهُ وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّهُ نَاقِصُ الْخِلْقَةِ اهـ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ حَلَفُوا فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الدِّيَةُ وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَحْلِفُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم يَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ أُغْرِمُوا الدِّيَةَ فَقَالَ الْحَالِفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَحْلِفُ وَيَغْرَمُ فَقَالَ نَعَمْ الْحَدِيثَ هَذَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ لَا بِأَعْيَانِهِمْ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لَا يُمَيَّزُونَ عَنْ الْبَاقِينَ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ تَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَيُقَالُ لِلْوَلِيِّ أَلَك بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَالَ لَا يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَالنُّصُوصُ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى فَيُجَابُ بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ لَا بِالْقِيَاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ فَلَوْ أَوْجَبْنَاهُمَا لَأَوْجَبْنَاهُمَا بِالْقِيَاسِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ثُمَّ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ فَفِي دَعْوَى الْمَالِ يَثْبُتُ وَفِي دَعْوَى الْقِصَاصِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ لِيُتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا) لِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَجَبَتْ بِالنَّصِّ فَيَجِبُ تَمَامُهُ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوُقُوفُ عَلَى الْفَائِدَةِ فِيمَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ الدَّمِ فَيَتَكَمَّلُ وَتَكْرَارُ الْيَمِينِ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ مُمْكِنٌ شَرْعًا كَمَا فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ وَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ كَامِلًا فَأَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يُكَرِّرَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى التَّكْرَارِ ضَرُورَةُ الْإِكْمَالِ وَقَدْ كَمُلَ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَإِنَّمَا هُمْ أَتْبَاعٌ وَالنُّصْرَةُ لَا تَقُومُ بِالِاتِّبَاعِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْيَمِينُ قَوْلٌ قَوْلُهُ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِهَا أَقُولُ: يُشْكَلُ إطْلَاقُ هَذَا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهَا الْقَسَامَةُ تُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَسَامَةُ أَيْضًا عَلَى الْعَاقِلَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ أَوْ يَسِيلُ دَمٌ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ بِخِلَافِ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ) لِأَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ فِي الْقَتِيلِ.
وَهَذَا لَيْسَ بِقَتِيلٍ وَإِنَّمَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَا قَسَامَةَ وَلَا غَرَامَةَ لِأَنَّ الْغَرَامَةَ تَتْبَعُ فِعْلَ الْعَبْدِ، وَالْقَسَامَةَ لِاحْتِمَالِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ أَثَرٍ يَكُونُ بِالْمَيِّتِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ دَمُهُ مِنْ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَادَةً إلَّا مِنْ كَثْرَةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ قَتِيلًا ظَاهِرًا فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ وَلَوْ وُجِدَ بَدَنُ الْقَتِيلِ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَى أَهْلِهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَإِنْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ أَوْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ وَكَانَ مَعَهُ الرَّأْسُ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ عُرِفَ بِالنَّصِّ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْبَدَنِ وَلَكِنْ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَأَجْرَيْنَا عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ وَالْأَقَلُّ لَيْسَ مَعْنَاهُ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَإِلَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لَاجْتَمَعَتْ الدِّيَاتُ وَالْقَسَامَاتُ بِمُقَابَلَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِأَنْ تُوجَدَ أَطْرَافُهُ فِي الْقُرَى مُفَرَّقَةً وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ كَالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ قَالَ الشَّارِحُ وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ جَنِينٌ أَوْ سَقَطَ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ لَا شَيْءَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَفُوقُ الْكَبِيرَ حَالًا وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا إلَى آخِرِهِ أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فُتُورٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْجَنِينَ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ الْوَلَدُ مَا دَامَ فِي الْبَطْنِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يُوجَدُ فِيهِمْ
جَنِينٌ وَحْدَهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَأَمَّا وُجُودُهُ مَعَ أُمِّهِ بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ لِكَوْنِ الْحُكْمِ هُنَاكَ لِلْأُمِّ دُونَ الْجَنِينِ.
وَالثَّانِي أَنَّ ذِكْرَ الْجَنِينِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ السِّقْطِ لِأَنَّ السِّقْطَ عَلَى مَا صُرِّحَ بِهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْوَلَدُ الَّذِي يَسْقُطُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَالْجَنِينُ يَعُمُّ تَامَّ الْخَلْقِ وَغَيْرَ تَامِّهِ وَالثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ غَيْرُ كَافٍ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِهِ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ وَالْخَنْقِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا سَبَقَ فَالِاقْتِصَارُ هُنَا عَلَى نَفْيِ أَثَرِ الضَّرْبِ تَقْصِيرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ وَلَدٌ صَغِيرٌ سَاقِطٌ لَيْسَ فِيهِ أَثَرُ الْقَتْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فَتَدَبَّرْ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَلِسَانِهِ وَذَكَرِهِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ صِحَّتُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ سَلَامَتُهَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْأَطْرَافِ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ صِحَّتُهَا مَا يَجِبُ فِي السَّلِيمَةِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَلَيْسَ تَعْظِيمٌ كَتَعْظِيمِ النَّفْسِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ بِخِلَافِ الْجَنِينِ فَإِنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا انْفَصَلَ تَامَّ الْخَلْقِ وَبِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَجَبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ تَعْظِيمًا لِلنُّفُوسِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الْقَتْلِ وَهُوَ الْأَثَرُ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ تَامِّ الْخَلْقِ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا وَأَمَّا إذَا وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَا هَذَا قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ.
وَرَدَّ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ جَوَابَهُمْ الْمَزْبُورَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابُ وَهَذَا كَمَا تَرَى مَعَ تَطْوِيلِهِ لَمْ يَرِدْ السُّؤَالُ وَرُبَّمَا قَوَّاهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا سُلِكَ بِهِ مَسْلَكَهَا فَلَأَنْ يَكُونَ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ خَطَرًا أَوْلَى انْتَهَى وَلِأَنَّ الْجَنِينَ نَفْسٌ فَاعْتَبَرْنَا جِهَةَ النَّفْسِ إنْ انْفَصَلَ حَيًّا فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِتَمَامِ الْخَلْقِ وَعُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتَبَرْنَا جِهَةَ الْعُضْوِ إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْخَلْقِ.
قَالَ رحمه الله (قَتِيلٌ عَلَى دَابَّةٍ وَمَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ فِيهَا السَّائِقُ وَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْقَتِيلَ فِي أَيْدِيهِمْ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي دَارِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لِلدَّابَّةِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَدْبِيرَ الدَّابَّةِ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لَهَا وَتَدْبِيرُ الدَّارِ إلَى مَالِكِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا وَقِيلَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ فَعَلَى هَذَا أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ إلَّا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا مُخْتَفِيًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْقُلُ قَرِيبَهُ الْمَيِّتَ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان لِلدَّفْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الدَّابَّةِ أَحَدٌ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ الْقَتِيلُ عَلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَحْدَهُ عَلَى الدَّابَّةِ كَوُجُودِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الدَّابَّةُ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَوْ كَانَ الرَّجُلُ يَحْمِلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَهُوَ كَاَلَّذِي مَعَ الدَّابَّةِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ مَعْرُوفًا أَوْ لَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ لِلدَّابَّةِ مَالِكٌ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَلْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلدَّابَّةِ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَالِكُ الدَّابَّةِ مَعْرُوفًا فَإِنَّمَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ نَظِيرُ هَذَا مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً فِي يَدِهِ ثُمَّ أَقَرَّ إنَّهَا لِفُلَانٍ إنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ مَالِكًا مَعْرُوفًا لِهَذِهِ الْجَارِيَةِ صُدِّقَ الْمُسْتَوْلَدُ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَرُّ لَهُ مَالِكًا مَعْرُوفًا لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَكَذَلِكَ هُنَا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ سَوَاءٌ كَانَ لِلدَّابَّةِ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ عَلَى الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّابَّةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَوْ وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَبَيْنَ السَّائِقِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ السَّائِقِ أَنَّ الدَّابَّةَ دَابَّتُهُ.
قَالَ رحمه الله (مَرَّتْ دَابَّةٌ عَلَيْهَا قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ بِأَنْ يُذْرَعَ فَوُجِدَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ» قِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ وَأَمَّا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ لَا يُمْكِنُهُمْ الْغَوْثُ وَهَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِبَارَةُ الْمَاتِنِ ظَاهِرُهَا الْإِطْلَاقُ وَأَمَّا إذَا وُجِدَ فِي فَلَاةٍ فِي أَرْضٍ فَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِإِنْسَانٍ فَهُمَا عَلَى الْمَالِكِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ فَإِنْ كَانَتْ يُسْمَعُ مِنْهَا الصَّوْتُ
مِنْ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ فَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْمَعُ فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلِاحْتِطَابِ وَالْكَلَأِ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ انْقَطَعَتْ عَنْهَا مَنْفَعَةُ الْمُسْلِمِينَ فَدَمُهُ هَدَرٌ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَبِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مِلْكًا لِأَحَدِكُمَا قَالَ إذَا كَانَ يُسْمَعُ مِنْهَا الصَّوْتُ مِنْ الْمِصْرِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقَرْيَتَيْنِ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ مِثَالٌ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ مَحَلَّتَيْنِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَمَّا إذَا وُجِدَ فِي فَلَاةِ مُبَاحٍ فَإِنْ وُجِدَ فِي خَيْمَةٍ أَوْ فُسْطَاطٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى مَالِكِهَا وَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ يَسْكُنُهَا لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ كَمَا فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهَا فَعَلَى الْقَبِيلَةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا قَبَائِلَ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَالِّ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْمُقِرِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ إزْعَاجُهُمْ عَنْ هَذَا الْمَكَانِ.
وَلَوْ وُجِدَ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فَعَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ وُجِدَ بَيْنَ الْمَحَلَّتَيْنِ وَبَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ هَذَا إذَا نَزَلُوا بَيْنَ قَبَائِلَ مُتَفَرِّقِينَ فَإِنْ نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلِطِينَ وَوُجِدَ الْقَتِيلُ خَارِجَ الْخِيَامِ فَعَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ كُلِّهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا جُمْلَةً صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْأَمْكِنَةَ كُلَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى جَمِيعِ الْعَسْكَرِ لَا إلَى الْبَعْضِ وَإِنْ كَانَ الْعَسْكَرُ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَسْكَرَ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِمَنْزِلَةِ السُّكَّانِ وَالْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُمَا سَوَّيَا بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الدَّارِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَرَّقَ فَإِنَّ عِنْدَهُ فِي الدَّارِ تَجِبُ عَلَى السُّكَّانِ دُونَ الْمُلَّاكِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَسْكَرَ نَزَلُوا فِي هَذَا الْمَكَانِ لِلِانْتِقَالِ وَالِارْتِحَالِ لَا لِلْقَرَارِ وَمَا لَا قَرَارَ لَهُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ فَأَمَّا السُّكَّانُ فِي الدَّارِ لِلْقَرَارِ لَا لِلِانْتِقَالِ وَالْفِرَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ قَدْ لَقُوا عَدُوَّهُمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتْلُ الْعَدُوِّ وَلَوْ جُرِحَ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ فَحُمِلَ مَجْرُوحًا وَمَاتَ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّتِي جُرِحَ فِيهَا لِأَنَّ الْقَتْلَ حَقِيقَةً وُجِدَ فِي الْمَحَلَّةِ الْأُولَى دُونَ الْأُخْرَى رَجُلٌ جُرِحَ وَحَمَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِهِ فَمَكَثَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الْحَامِلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَفِي قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا إذَا جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ ثُمَّ مَاتَ فِي أَهْلِ قَبِيلَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَصَارَ وُجُودُهُ مَجْرُوحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ فِي مَحَلَّتِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَلَا يَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ وَلَنَا أَنَّ الْمُلَّاكَ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِنُصْرَةِ الْمَنْفَعَةِ عَادَةً دُونَ السُّكَّانِ وَلِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارَهُمْ أَدْوَمُ وَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَتَحَقَّقَ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ وَفِي الْأَصْلِ وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الدَّارِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الدَّارِ يَعْنِي أَهْلَ الْخُطَّةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَصْلِ وَذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى قَوْمِ صَاحِبِ الدَّارِ فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى قَوْمِهِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْقَسَامَةِ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا تَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي وَحُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ وَفَّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ إنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ خَاصَّةً إذَا كَانَ قَوْمُهُ غُيَّبًا وَمَعْنَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ إنَّهَا تَكُونُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ أَنْ يَكُونَ قَوْمُهُ حُضُورًا حَتَّى لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ فِي الْمَحَلَّةِ ثُمَّ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِهِمْ أَيْ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِهِمْ وَفِيهَا سُكَّانٌ وَمُشْتَرُونَ فَإِنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
فَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى السُّكَّانِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِينَ الَّذِينَ هُمْ مُلَّاكٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَقُولُ تَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالسُّكَّانِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارٍ فَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ أَنَا قَتَلْته لِأَنَّهُ أَرَادَ أَخْذَ مَالِي وَعَلَى الْمَقْتُولِ سِيمَا السُّرَّاقِ وَهُوَ مُبْهَمٌ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ إنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ لَا الْقِصَاصَ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِقَتْلِهِ وَلَا نَقْتُلُهُ وَتُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي الْيَنَابِيعِ رَجُلٌ وَجَدَ قَتِيلًا فَادَّعَى وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْتُولِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ الْوَلِيُّ احْلِفْ أَنَّك قَتَلْته وَآخُذُ مِنْك الْجِنَايَةَ أَيْ الدِّيَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَوْلُهُ دَارُ إنْسَانٍ مِثَالٌ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي حَانُوتٍ، وَالْكَرْمُ وَالْأَرْضُ فِي الْحُكْمِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الدَّارِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ خَرِبَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ
وَبِقُرْبِهَا مَحَلَّةٌ عَامِرَةٌ فِيهَا أُنَاسٌ كَثِيرَةٌ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْل الْمَحَلَّةِ الْعَامِرَةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْأَمَاكِنِ إلَيْهَا وَلَوْ وُجِدَ فِي دَارِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ أَوْ امْرَأَةٌ فِي دَارِ زَوْجِهَا تَجِبُ فِيهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَلَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ حُكْمًا بِتَرْكِ الْحِفْظِ وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ امْرَأَةٍ كَرَّرَ عَلَيْهَا الْيَمِينَ خَمْسِينَ مَرَّةً.
وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ رَجُلَانِ كَانَا فِي بَيْتٍ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَوُجِدَ أَحَدُهُمَا مَذْبُوحًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ الْآخَرُ الدِّيَةَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ الْآخَرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا حُكْمَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْآخَرَ قَتَلَ نَفْسَهُ وَأَنَّ الْآخَرَ قَتَلَهُ فَلَا أُضَمِّنُهُ بِالشَّكِّ وَلَوْ أَنَّ دَارًا مُغْلَقَةً لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ وَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ رَبِّ الدَّارِ.
قَالَ رحمه الله (وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ السُّكَّانِ وَالْمُشْتَرِينَ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ وَأَهْلُ الْخُطَّةِ هُمْ الَّذِينَ خَطَّ لَهُمْ الْإِمَامُ الْأَرْضَ بِخَطِّهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْكُلُّ مُشْتَرِكٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَكَذَا فِي تَرْكِ الْحِفْظِ فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ لِلْخُطَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ لَمَا شَارَكَهُمْ الْمُشْتَرِي وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ فِي الْعُرْفِ وَكَذَا فِي الْحِفْظِ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ أَصِيلٌ وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ الْحِفْظِ عَلَى الْأَصِيلِ دُونَ الدَّخِيلِ وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وِلَايَةُ تَدْبِيرِهَا إلَى الْمَالِكِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْقَرْيَةِ وَالْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ مُشْتَرٍ وَصَاحِبِ خُطَّةٍ فَإِنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْمَحَلَّةِ أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ كَانَتْ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ تَدْبِيرَ الْمَحَلَّةِ لِأَهْلِهَا دُونَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَتَدْبِيرَ الدَّارِ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ قَالَ وَهُمَا عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ الدِّيَةُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ مُتَأَخِّرٌ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ لِزَوَالِ مَنْ يُزَاحِمُهُمْ ثُمَّ إذَا وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ تَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَدْخُلُ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَخَصُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا عَوَاقِلُهُمْ فَصَارُوا كَمَا إذَا كَانُوا غَائِبِينَ وَلَهُمَا أَنَّهُمْ فِي الْحُضُورِ لَزِمَتْهُمْ نُصْرَةُ الْبُقْعَةِ كَمَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الدَّارِ فَيُشَارِكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ وُجِدَ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى التَّفَاوُتِ فَهِيَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) أَيْ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ أَنْصِبَاؤُهُمْ فِيهَا مُتَفَاضِلَةٌ بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ مَثَلًا لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلثَّالِثِ السُّدُسُ تُقْسَمُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَلَا يُعْتَبَرُ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الْكَثِيرِ فِي التَّدْبِيرِ فَكَانُوا سَوَاءً فِي الْحِفْظِ وَالتَّقْصِيرِ فَيَكُونُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ دَارٌ نِصْفُهَا لِرَجُلٍ وَعُشْرُهَا لِآخَرَ وَلِآخَرَ مَا بَقِيَ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَهِيَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الرِّجَالِ دُونَ تَفَاوُتِ الْمِلْكِ حَتَّى أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا وُجِدَ فِي دَارٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَثْلَاثًا فَالدِّيَةُ تَجِبُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا دَارٌ بَيْنَ بَكْرٍ وَزَيْدٍ أَثْلَاثًا فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ أَثْلَاثًا.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى عَدَدِ الْمِلْكِ وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى عَدَدِ أَهْلِ الْقَرْيَتَيْنِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي دَارٍ بَيْنَ تَمِيمِيٍّ وَبَيْنَ أَرْبَعَةٍ مِنْ هَمْدَانَ وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ الدِّيَةُ أَخْمَاسًا وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ وَهُوَ فِي الْقُرْبِ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ وَوُجِدَ فِي إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ أُنَاسٌ كَثِيرَةٌ وَفِي الْأُخْرَى أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَالدِّيَةُ عَلَى الْقَرْيَتَيْنِ نِصْفَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ ثَلَاثِ دُورٍ دَارٌ لِتَمِيمِيِّ وَدَارَانِ لِهَمْدَانَ وَهُوَ فِي الْقُرْبِ مِنْهُمَا جَمِيعًا عَلَى السَّوَاءِ فَالدِّيَةُ نِصْفَانِ وَاعْتَبَرَ الْقَبِيلَةَ دُونَ الْقُرْبِ وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ جَمِيعًا أَثْلَاثًا وَتَمَامُ الْخَمْسِينَ عَلَى الْعَوَاقِلِ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَحَلَّةِ فَالْمُعْتَبَرُ عَدَدُ الْقَبَائِلِ وَالْقَبَائِلُ هُنَا ثَلَاثٌ فَالدِّيَةُ أَثْلَاثٌ وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ إذَا جَمَعَهُمْ دِيوَانٌ وَاحِدٌ وَقَاتِلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ عَلَى أَهْلِ دِيوَانِهِ لَا عَلَى أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ بِيعَ فَلَمْ يَقْبِضْ
فَهِيَ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَفِي الْخِيَارِ عَلَى ذِي الْيَدِ) أَيْ إذَا بِيعَتْ الدَّارُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي وَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي فِي يَدِهِ.
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي يَصِيرُ لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُزِّلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَدِيعَةً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودِعِ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ وَفِي الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ يُعْتَبَرُ قَرَارُ الْمِلْكِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ وَلَا يَقْدِرُ بِالْمِلْكِ بِدُونِ الْيَدِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَفِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ الْيَدُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَذَا فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ دُونَ الْبَاتِّ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ تَصَرُّفًا وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَهُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ فَيُعْتَبَرُ يَدُهُ إذْ بِهَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى الضَّامِنِ وَهَذِهِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ فَتَجِبُ عَلَى الضَّامِنِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمِلْكُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَلَا مِلْكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ تَرْكِ الْحِفْظِ وَهُوَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ وَهُوَ مَنْ لَهُ يَدُ أَصَالَةٍ لَا يَدُ نِيَابَةٍ وَيَدُ الْمُودَعِ يَدُ نِيَابَةٍ.
وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُرْتَهِنُ وَكَذَا الْغَاصِبُ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَنَا ذِكْرُهُ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنْ قُلْتُ: لَوْ جَنَى الْعَبْدُ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ قَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّدِّ وَإِمْضَائِهِ وَهُنَا لَا يُخَيَّرُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّارَ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِوُجُودِ الْقَتِيلِ فِيهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا بِالْجِنَايَةِ وَفِي مُخْتَصَرِ خواهر زاده وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ يَتَامَى الْمُسْلِمِينَ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْيَتَامَى وَالْأَصْلُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَعْتَبِرُ لِوُجُودِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ الْيَدَ الْحَقِيقِيَّةَ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ وَهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْمِلْكَ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِذِي الْيَدِ) أَيْ إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَا تَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهُ حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ لِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْيَدِ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى تَعْقِلَ عَاقِلَتُهُ عَنْهُ وَالْيَدُ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَكِنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ فَلَا تَكْفِي إلَّا بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى لِلِاسْتِحْقَاقِ وَتَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَلَا يَخْتَلِجُ فِي وَهْمِك صُورَةُ تَنَاقُضٍ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْيَدِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه لِلْيَدِ لِأَنَّ الْيَدَ الْمُعْتَبَرَةَ عِنْدَهُ هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِالْأَصَالَةِ لَكِنْ كَيْفَ يَتِمُّ عَلَى أَصْلِهِ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ لِصَاحِبِ الْيَدِ حَتَّى تَعْقِلَ الْعَوَاقِلُ عَنْهُ.
وَهَلْ لَا يُنَاقِضُ هَذَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ آنِفًا فَإِنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ لِلْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّ الدِّيَةَ عِنْدَهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْيَدِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَلَا يَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ أَنْ يَعْتَبِرَ الْيَدَ فِي اسْتِحْقَاقِ الدِّيَةِ كَمَا قَالَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُوجَدُ فِيهَا قَتِيلٌ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ يَدَ الْمَالِكِ لَا مُجَرَّدَ الْيَدِ فَلَمْ تَثْبُتْ هُنَا يَدُ الْمَالِكِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ اهـ.
وَذُكِرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا يُوَافِقُهُ حَيْثُ قَالَ وَفِي جَامِعِ كَرْبِيسِيٍّ اعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه مُجَرَّدَ الْيَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُنَاكَ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَيْهِ. اهـ.
أَقُولُ: هَذَا التَّوْجِيهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي لَا مَحَالَةَ وَعَنْ هَذَا نَشَأَ النِّزَاعُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَصَاحِبَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمِلْكُ أَيْضًا لِلْبَائِعِ لَمَا صَارَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ هُنَا لِلْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الْبَائِعُ أَنَّ ذَاكَ يَدُ الْمَالِكِ إذْ ثُبُوتُ يَدِ الْمِلْكِ لَهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ نَفْسِ الْمِلْكِ أَيْضًا لَهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مِلْكَانِ وَهُمَا مِلْكُ الْبَائِعِ وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُحَالٌ وَإِنْ أُرِيدَ بِيَدِ الْمِلْكِ غَيْرُ مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ أَيْ الْيَدُ الَّتِي كَانَتْ لِصَاحِبِهَا مِلْكًا فِي الْأَصْلِ وَإِنْ زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ فِي الْحَالِ بِالْبَيْعِ فَمَا مَعْنَى اعْتِبَارِ مِثْلِ ذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُزِيلِ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَهَلْ يَلِيقُ أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ أَصْلًا لِإِمَامِنَا الْأَعْظَمِ فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ.
وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْكَرَ الْعَوَاقِلُ
أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَأَقَرُّوا بِهَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ قُصِدَ بِهَذَا الْكَلَامِ إذَا أَنْكَرَ الْعَوَاقِلُ كَوْنَ الدَّارِ لَهُ وَقَالُوا هِيَ وَجِيعَةٌ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ إلَّا أَنْ يُقِيمُوا بَيِّنَةً عَلَى الْمِلْكِ كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ عَلَى الْهِدَايَةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ الْمَوْجُودُ فِيهَا صَاحِبَ الدَّارِ أَوْ غَيْرَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
قَالَ رحمه الله (وَفِي الْفُلْكِ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ وَالْمَلَّاحِينَ) لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيَسْتَوِي الْمَالِكُ وَغَيْرُهُ فِي الدَّارِ فِيهِ وَعَلَى هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَسْتَوِي الْمَالِكُ وَالسَّاكِنُ فِي الدَّارِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْفُلْكَ يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَيَكُونُ فِي الْيَدِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ وَفِي الْمُحِيطِ وَقِيلَ يَجِبُ عَلَى سُكَّانِ السَّفِينَةِ دُونَ مَالِكِهَا لِأَنَّ السَّفِينَةَ تَحْتَ يَدِ السَّاكِنِ دُونَ الْمَالِكِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى رَاكِبِ السَّفِينَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكٌ مَعْرُوفٌ وَإِنْ كَانَ لَهَا مَالِكٌ مَعْرُوفٌ فَعَلَى مَالِكِ السَّفِينَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ عَلَى الرَّاكِبِ مُطْلَقًا وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَازِلِ الْجَوَابَ عَلَى هَذَا.
قَالَ رحمه الله (وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ لَهُمْ وَفِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ لَا قَسَامَةَ وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَالْقَسَامَةُ لِنَفْيِ تُهْمَةِ الْقَتْلِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَدِيَتُهُ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ.
وَكَذَلِكَ الْجُسُورُ الْعَامَّةُ وَالسُّوقُ الْعَامَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الشَّوَارِعِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ لَا إلَى أَهْلِ السُّوقِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ السُّوقُ الْأَعْظَمُ نَائِبًا عَنْ الْمَحَالِّ وَأَمَّا الْأَسْوَاقُ الَّتِي فِي الْمَحَالِّ فَهِيَ مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَكَذَا فِي السُّوقِ النَّائِي عَنْ الْمَحَالِّ إذَا كَانَ لَهَا سُكَّانٌ أَوْ كَانَ لِأَحَدٍ فِيهَا دَارٌ مَمْلُوكَةٌ وَأَمَّا كَوْنُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْحِفْظُ بِخِلَافِ الْأَسْوَاقِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَهْلِهَا أَوْ الَّتِي فِي الْمَحَالِّ وَالْمَسَاجِدِ الَّتِي فِيهَا حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِيهَا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى الْمَالِكِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَرْبَابِهَا أَوْ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي صَفٍّ مِنْ السُّوقِ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الصَّفِّ يَبِيتُونَ فِي حَوَانِيتِهِمْ فَدِيَةُ الْقَتِيلِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَبِيتُونَ فِيهَا فَالدِّيَةُ عَلَى الَّذِينَ لَهُمْ مِلْكُ الْحَوَانِيتِ وَلَوْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَهْلِهِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ.
قَالَ رحمه الله (وَيُهْدَرُ لَوْ فِي)(بَرِّيَّةٍ أَوْ وَسَطِ الْفُرَاتِ) لِأَنَّ الْفُرَاتَ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَلَا فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النَّهْرُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ رَبُّهُ الشُّفْعَةَ حَيْثُ يَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَى أَهْلِهِ لِقِيَامِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ.
وَكَذَا الْبَرِّيَّةُ لَا يَدَ لِأَحَدٍ فِيهَا وَلَا مِلْكَ فَيُهْدَرُ مَا وُجِدَ فِيهَا مِنْ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْبَرِّيَّةُ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ أَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ وَعَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ زِحَامِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِعَرَفَةَ فَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ قَسَامَةٍ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي الْمُنْتَقَى وَفِيهِ أَيْضًا وَكُلُّ قَتِيلٍ يُوجَدُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَلَا يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ لَا يَدْرِي مَنْ هُوَ أَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَتَلُوهُ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ فَهُوَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَإِذَا وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ لِقَبِيلَةٍ فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِ الدُّورِ مِنْهُ إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَبَنَاهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ الَّذِي اشْتَرَى الْمَسْجِدَ وَبَنَاهُ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ أَوْ مُصَلَّاهُ وَاحِدٌ كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ أَصْحَابِ الدُّورِ الَّذِينَ فِي الدَّرْبِ وَفِيهِ أَيْضًا وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَبِيلَةٍ فِيهَا عِدَّةُ مَسَاجِدَ فَهُوَ عَلَى الْقَبِيلَةِ كُلِّهَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَبِيلَةٌ فَهُوَ عَلَى أَصْحَابِ الْمَحَلَّةِ وَأَهْلُ كُلِّ مَسْجِدٍ مَحَلَّةٌ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ فَهُوَ كَوُجُودِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ مَعْلُومِينَ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ الْمَحْسُوبُ لِلْعَامَّةِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ عَلَى الْجِسْرِ أَوْ عَلَى الْقَنْطَرَةِ فَذَلِكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَإِنَّ النَّهْرَ الْعَظِيمَ إذَا كَانَ انْصِبَابُ مَائِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ انْصِبَابِ مَائِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَتِيلَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيُهْدَرَ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ مُحْتَبِسًا بِالشَّاطِئِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى) أَيْ لَوْ كَانَ الْقَتِيلُ مُحْتَبِسًا بِالشَّاطِئِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِأَنَّ الشَّطَّ فِي أَيْدِيهِمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ دَوَابَّهُمْ فَكَانُوا أَخَصَّ بِنُصْرَتِهِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ كَانَ الشَّطُّ مِلْكًا لِأَحَدٍ فَإِنْ كَانَ مِلْكًا خَاصًّا فَهُوَ كَالدَّارِ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا عَامًّا فَهُوَ كَالْمَحَلَّةِ
فَأَمَّا إذَا كَانَ نَهْرًا صَغِيرًا انْحَدَرَ مِنْ الْفُرَاتِ أَوْ نَحْوِهِ لِأَقْوَامٍ مَعْرُوفِينَ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى أَصْحَابِ النَّهْرِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ وَفِي الْكَافِي وَالنَّهْرُ الصَّغِيرُ مَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَإِلَّا فَهُوَ عَظِيمٌ كَالْفُرَاتِ وَجَيْحُونَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا إذَا وُجِدَ فِي بَيْتِ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ بَعْضُ الْحُرِّيَّةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ وُجِدَ الْمُكَاتَبُ قَتِيلًا فِي دَارٍ اشْتَرَاهَا لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَفِي الْمُكَاتَبِ سَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا بَيْنَ مَا إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ قَتِيلًا إلَّا أَنَّهُ إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ قَتِيلًا لَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لِلْمُكَاتَبِ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ عَاقِلَتَهُ نَفْسَهُ وَلَوْ وُجِدَ جَمِيعُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَتَسْقُطُ الْقَسَامَةُ وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ فِيهِ قَسَامَةٌ وَلَا دِيَةٌ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ عَلَى سُكَّانِ الْقَبِيلَةِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَقْتُولِ دِيَةٌ قَالُوا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَرِوَايَةُ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْأُصُولِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَفِي شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ وَزَعَمَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَدَّعِ وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُمْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إذَا وُجِدَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ الَّذِي سَعَى فِي بَعْضِ قِيمَتِهِ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى عَوَاقِلِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ فِي الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَهَذَا يُجْعَلُ كَجِنَايَةٍ عَلَى الْبَهَائِمِ وَلِهَذَا قَالَ بِأَنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إذَا كَانَ خَطَأً وَإِذَا كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَأَمَّا مُعْتَقُ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْحُرُّ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فِي الْحُكْمِ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ عِنْدَهُ هَذَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ تُكَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ فَإِنْ حَلَفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ إلَّا عَشَرَةً لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَاقِلَةُ نَفْسِهِ وَفِي التَّجْرِيدِ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ وَالْكَافِرُ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ وَإِذَا وُجِدَ الْعَبْدُ قَتِيلًا فِي دَارِ مَوْلَاهُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ قَاتِلًا لَهُ حُكْمًا بِمِلْكِ الدَّارِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ بَاشَرَ وَلَوْ بَاشَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ فَكَذَا هَذَا قَالُوا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَأُجْلُوا عَنْ قَتِيلٍ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى أُولَئِكَ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ) لِأَنَّ الْقَتِيلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْحِفْظَ عَلَيْهِمْ فَتَكُونَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا أَبْرَأَهُمْ الْوَلِيُّ بِدَعْوَى الْقَتِيلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَيَبْرَأُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ.
وَلَا يَثْبُتُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَّا بِحُجَّةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِيَسْتَقِيمَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ يَبْرَءُونَ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَءُونَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَبَيَّنَّاهُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ فَلَا يَسْتَقِيمُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الَّذِينَ الْتَقَوْا بِالسُّيُوفِ وَيَسْتَقِيمُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ هَذَا إذَا كَانَ الْفَرِيقَانِ غَيْرَ مُتَنَاوِلَيْنِ اقْتَتَلُوا عُصْبَةً وَإِنْ كَانَ مُشْرِكِينَ أَوْ خَوَارِجَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ إصَابَةِ الْعَدُوِّ وَإِذَا كَانَ الْقِتَالُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُدْرَى الْقَاتِلُ يُرَجَّحُ حَالُ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ فِي أَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَالِ وَيَقْتُلُونَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ قَاتِلَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَحَلَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ خُصَمَائِهِ قُلْنَا قَدْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى قَاتِلِهِ حَقِيقَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ وَهُوَ وُجُودُهُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّتِهِمْ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ مَا بِالْحُكْمِ تَجْعَلُونَ هَذَا الظَّاهِرَ وَهُوَ وُجُودُهُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّتِهِمْ مُوجِبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ الظَّاهِرَ وَهُوَ كَوْنُ قَاتِلِهِ خُصَمَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ دَفْعًا لِلْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الشَّائِعَ أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ فَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فَبَقِيَ حَالُ الْقَتْلِ مُشْكِلًا فَأَوْجَبْنَا الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِإِضَافَةِ الْقَتِيلِ إلَيْهِمْ عِنْدَ الْإِشْكَالِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِمَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ أَوْلَى وَسَيَأْتِي مِثْلُ هَذَا عَنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ لَقَوْا قِتَالًا