المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها ــ ‌ ‌[البناية] وأما الاستحاضة فهو استفعال من - البناية شرح الهداية - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌كتاب الطهارات

- ‌[تعريف الوضوء]

- ‌[حكم الطهارة]

- ‌[فرائض الطهارة]

- ‌[صفة غسل الأعضاء في الوضوء]

- ‌[حد المرفق والكعب في الوضوء]

- ‌[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء]

- ‌سنن الطهارة

- ‌[غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء]

- ‌تسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء

- ‌[السواك من سنن الوضوء]

- ‌[فضل السواك وأوقات استحبابه]

- ‌[كيفية الاستياك]

- ‌[فيما يستاك به وما لا يستاك به]

- ‌[حكم من لم يجد السواك]

- ‌[المضمضة والاستنشاق في الوضوء]

- ‌[مسح الأذنين في الوضوء]

- ‌[تخليل اللحية في الوضوء]

- ‌[تخليل الأصابع في الوضوء]

- ‌[تكرار الغسل ثلاث مرات في الوضوء]

- ‌[النية في الوضوء]

- ‌[استيعاب الرأس في الوضوء]

- ‌[ترتيب أعضاء الوضوء]

- ‌[البداءة بالميامن في الوضوء]

- ‌[فصل في نواقض الوضوء] [

- ‌ما خرج من السبيلين من نواقض الوضوء]

- ‌[خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء]

- ‌[القيء والدم من نواقض الوضوء]

- ‌[النوم من نواقض الوضوء]

- ‌[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء]

- ‌فصل في الغسل

- ‌[فرائض الغسل]

- ‌[سنن الغسل]

- ‌[البدء بغسل اليدين في الغسل]

- ‌[الوضوء من سنن الغسل]

- ‌المعاني الموجبة للغسل:

- ‌[إنزال المني من موجبات الغسل]

- ‌[التقاء الختانين من موجبات الغسل]

- ‌ الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام

- ‌[الأغسال المسنونة]

- ‌[باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز]

- ‌[ماء البحر]

- ‌[الوضوء بما اعتصر من الشجر والثمر]

- ‌[الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم]

- ‌[الطهارة بماء غلب عليه غيره]

- ‌[الطهارة بالماء الذي خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه]

- ‌[الوضوء بالماء الذي وقعت فيه نجاسة]

- ‌[حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء]

- ‌[حكم موت ما يعيش في الماء فيه]

- ‌[حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث]

- ‌[المقصود بالماء المستعمل وأقسامه]

- ‌الجنب إذا انغمس في البئر

- ‌[طهارة الجلود بالدباغ]

- ‌[طهارة جلد الكلب والخنزير]

- ‌[هل الكلب نجس العين]

- ‌ الانتفاع بأجزاء الآدمي

- ‌ ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة

- ‌شعر الميتة وعظمها طاهر

- ‌[الأعيان الطاهرة]

- ‌شعر الإنسان وعظمه

- ‌فصل في البئر

- ‌[حكم وقوع النجاسة في البئر]

- ‌فصل في الأسآر وغيرها

- ‌[سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه]

- ‌سؤر الكلب

- ‌[سؤر الحائض]

- ‌[سؤر الخنزير وسباع البهائم]

- ‌سؤر الهرة

- ‌[سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن البيوت]

- ‌[سؤر الحمار والبغل والفرس]

- ‌[حكم الطهارة بنبيذ التمر]

- ‌باب التيمم

- ‌[تعريف التيمم]

- ‌[شرائط التيمم]

- ‌[عدم وجود الماء]

- ‌[العجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه]

- ‌[خوف الضرر من استعمال الماء]

- ‌[أركان التيمم]

- ‌[كيفية التيمم]

- ‌[تيمم الجنب]

- ‌[تيمم الحائض والنفساء]

- ‌[ما يتيمم به]

- ‌[التيمم بالغبار مع وجود الصعيد]

- ‌والنية فرض في التيمم

- ‌[نية التيمم للحدث أو الجنابة]

- ‌[مبطلات التيمم]

- ‌[ما يباح بالتيمم]

- ‌[التيمم لصلاة الجنازة والعيدين ونحوها]

- ‌[التيمم لصلاة الجمعة]

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌[حكم المسح على الخفين]

- ‌[شروط المسح على الخفين]

- ‌[مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر]

- ‌[كيفية المسح على الخفين]

- ‌[المسح على خف فيه خرق كبير]

- ‌[المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل]

- ‌[نواقض المسح على الخفين]

- ‌[المسح على الجرموقين]

- ‌ المسح على الجوربين

- ‌[المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما]

- ‌ المسح على الجبائر

- ‌[حكم المسح على الجبائر]

- ‌باب الحيض والاستحاضة

- ‌[تعريف الحيض وأركانه]

- ‌أقل الحيض

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[أكثر الحيض]

- ‌[ما يسقطه الحيض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض]

- ‌[ما تقضيه الحائض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض والجنب]

- ‌[دخول الحائض والجنب المسجد]

- ‌[طواف الحائض والجنب]

- ‌[قراءة القرآن للحائض والجنب]

- ‌[مس المصحف للمحدث والحائض والجنب]

- ‌[فروع فيما يكره للحائض والجنب]

- ‌[دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين]

- ‌[انقطاع دم الحيض لأقل من عشرة أيام]

- ‌[حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]

- ‌أقل الطهر

- ‌[حكم دم الاستحاضة]

- ‌[فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم]

- ‌فصل في النفاس

- ‌[تعريف النفاس]

- ‌السقط الذي استبان بعض خلقه

- ‌[أقل النفاس وأكثره]

- ‌باب الأنجاس وتطهيرها

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[ما يجوز التطهير به وما لا يجوز]

- ‌[الماء القليل إذا ورد على النجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الخف الذي لحقته نجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الثوب الذي لحقته نجاسة]

- ‌[حكم المني وكيفية تطهيره]

- ‌النجاسة إذا أصابت المرآة والسيف

- ‌[الحكم لو أصاب المني البدن]

- ‌[كيفية تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة]

- ‌[ما يعفى عنه من النجاسات]

- ‌[حكم الروث أو أخثاء البقر]

- ‌ بول الحمار

- ‌[حكم بول الفرس]

- ‌[حكم خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور]

- ‌ لعاب البغل والحمار

- ‌[قدر الدرهم من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار]

- ‌[أنواع النجاسة]

- ‌فصل في الاستنجاء

- ‌[حكم الاستنجاء]

- ‌[ما يجوز به الاستنجاء به وما لا يجوز]

- ‌[ما يكون به الاستنجاء]

- ‌[الاستنجاء بالعظم والروث]

الفصل: ‌ ‌أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها ــ ‌ ‌[البناية] وأما الاستحاضة فهو استفعال من

‌أقل الحيض

ثلاثة أيام ولياليها

ــ

[البناية]

وأما الاستحاضة فهو استفعال من الحيض، يقال: استحاضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة. وفي الشرع: اسم لما نقص عن أقل الحيض أو زاد على أكثره.

فإن قلت: ما وجه بناء الفعل للفاعل في الحيض والمفعول في الاستحاضة.

قلت: لما كان الأول معتاداً ومعروفا بني إليها، والثاني: لما كان نادراً غير معروف الوقت، وكان منسوباً إلى الشيطان، كما ذكرنا أنها ركضة من الشيطان بني لما لم يسم فاعله.

فإن قلت: ما هذه السين فيه؟ قلت: يجوز أن تكون للتحول كما في استحجر الطين، ويعني أيضاً تحول دم الحيض إلى غير دمه وهو دم الاستحاضة

[مدة الحيض]

[أقل الحيض]

م: (أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها) ش: أي أقل مدة الحيض، وإنما قيدنا هذا؛ لأن الأقل والأكثر بعض المضاف إليه، والثلاثة هي الأيام، والأيام ليست حيضاً فلا بد من التقدير ونظيره:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197](البقرة: الآية 197) أي مدة الحج أو زمانه أو وقته، ويجوز رفع ثلاثة أيام ونصبها، أما الرفع فلكونها خبر المبتدأ، وأما النصب على الظرف.

ثم اعلم أن ظاهر الرواية هو الذي ذكره المصنف، وبه قال الثوري، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه ثلاثة أيام وما يتخللها من الليالي، وهو الليلتان، ذكره في " المبسوط "، وقال في " الينابيع ": يريد بقوله: لياليها ليال تقع في بعض هذه الأيام، ولا يريد الثلاث ليال مقدرة لتقديره بثلاثة أيام، فعلى هذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه: لو رأت في أول اليوم غدوة دما وانقطع ثم رأته في اليوم الثاني ساعة، ثم رأته في اليوم الثالث ثم انقطع بالعشي، هذا حيض كله. ثم اعلم أن كون الدم يمتد إلى ثلاثة أيام بحيث لا ينقطع ساعة حتى يكون حيضاً غير شرط؛ لأن ذلك لا يكون إلا نادراً بل انقطاع ساعة أو ساعتين فصاعداً غير مبطل للحيض، وهو قوله عليه السلام في التقدير بيوم وليلة، وفي " الحلية ": أقل الحيض يوم، وقال في موضع آخر: يوم وليلة، فمن أصحابنا من قال: فيه قولان، ومنهم من قال قولاً واحداً يوم وليلة، وهو قول أحمد رضي الله عنه، وهو الأظهر، ونص عليه الشافعي وتفرع عليه أحكام الحيض. ومنهم من قال: يوماً قولاً واحداً وهو قول داود.

وقال مالك رضي الله عنه: لا حد لأقله في العبادات، وروى عنه ابن وهب: أن أقله في العدة والاستبراء خمسة أيام بلياليها، وقال محمد بن جرير الطبري: أجمعوا على أنها لو رأت الدم ساعة وانقطع لا يكون حيضاً كأنه لم يتصوره، بخلاف مالك رحمه الله فإنه يقول: أقله دفعة، وقالت: طائفة: ليس لأقله ولا لأكثره حد بالأيام، بل الحيض إقبال الدم المنفصل عن دم الاستحاضة.

ص: 623

فما نقص من ذلك فهو استحاضة لقوله عليه السلام: «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها»

ــ

[البناية]

م: (فما نقص من ذلك) ش: أي من أقل الحيض الذي هو ثلاثة أيام ولياليها م: (فهو) ش: أي الناقص م: (استحاضة) ش: عندنا ولو بساعة، وعليه الفتوى، قاله الصدر الشهيد؛ لأن الأيام إذا ذكرت بلفظ الجمع انتظمت ببيان أنها من التوالي، فنقصان ساعة منها تنفي الحيض كما ذكرنا م: (لقوله صلى الله عليه وسلم: «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها» ش: هذا الحديث روي عن عائشة رضي الله عنها[وعن بعض] من الصحابة رضي الله عنهم.

الأول: حديث أبي أمامة رواه الطبراني في " معجمه ". والدارقطني في " سننه " من حديث حسان بن إبراهيم، عن عبد الملك، عن العلاء بن كثير، عن مكحول، عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة، وأكثر ما يكون عشرة أيام، فإذا زاد فهي مستحاضة» .

الثاني: حديث واثلة بن الأسقع رواه الدارقطني في " سننه " من حديث حماد بن المنهال البصري، عن محمد بن راشد، عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام» .

الثالث: حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن محمد بن سعيد الشامي، حدثني عبد الرحمن بن غنم، سمعت معاذ بن جبل يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا حيض دون ثلاثة أيام، ولا حيض فوق عشرة أيام، فما زاد على ذلك فهي مستحاضة تتوضأ لكل صلاة إلا أيام أقرائها، ولا نفاس دون أسبوعين، ولا نفاس فوق أربعين يوماً، فإن رأت النفساء الطهر دون الأربعين صامت وصلت، ولا يأتيها زوجها إلا بعد أربعين» .

ص: 624

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

الرابع: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " من حديث أبي داود النخعي، حدثني أبو طوالة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أقل الحيض ثلاث وأكثره عشر، وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوماً» .

الخامس: حديث أنس رضي الله عنه أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن الحسن بن دينار، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أقل الحيض ثلاثة أيام وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة، فإذا جاوز العشر فهي مستحاضة» .

السادس: حديث عائشة رضي الله عنهما ذكره ابن الجوزي في " التحقيق " قال: وروى حسين بن علوان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أكثر الحيض عشر وأقله ثلاث» .

فإن قلت: هذه الأحاديث كلها ضعيفة فلا يصح الاحتجاج بها، ففي حديث أبي أمامة: عبد الملك مجهول، والعلاء بن كثير ضعيف الحديث، ومكحول لم يسمع من أبي أمامة، قاله الدارقطني.

وفي حديث واثلة: حماد بن المنهال، قال الطبراني: مجهول، وفيه محمد بن راشد، قال ابن حبان: كثير المناكير في روايته فاستحق الترك، وفي سنده أيضاً محمد بن أحمد بن أنس ضعيف.

وفي حديث معاذ: محمد بن سعيد، فالبخاري، وابن معين، والثوري قالوا: إنه يضع الحديث.

وفي حديث الخدري: أبو داود والنخعي، واسمه: سليمان، قال ابن حبان: كان سليمان يضع الحديث، وقال أحمد: كان كذاباً، وقال البخاري: هو معروف بالكذب. وفي حديث

ص: 625

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

أنس: الحسن بن دينار، وقال ابن عدي: إن جميع من تكلم في الرجال أجمع على ضعفه.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها حسين بن علون، قال ابن حبان: كان يضع الحديث، لا يحل كتب حديثه، كذبه أحمد ويحيى بن معين.

قلت: أجاب القدوري في " التجريد " أن ظاهر الإسلام يكفي لعدالة الراوي ما لم يوجد فيه قادح، وضعف الراوي لا يقدح إلا أن تقوى جهة الضعف، وقد ذكر النووي في " شرح المهذب " أن الحديث إذا روي من طرق ومفرداتها ضعيفة يحتج به. وقال الدارقطني: مكحول لم يسمع أبا أمامة، غير مسلم؛ لأنه أدرك أبا أمامة وسمع في عصره، وإذا روى عنه فالظاهر السماع؛ فإن الشرط عند مسلم إمكان اللقي، ولو ثبت إرساله فالمرسل حجة عندنا.

فإن قلت: قال أحمد: أخبرتني امرأة ثقة أنها تحيض سبعة عشر. وقال ابن المنذر: بلغني عن نساء الماجشون أنهن يحضن سبعة عشرة يوماً، وكذا حكى عنهن أحمد، وروى إسحاق بن راهويه أن امرأة من نساء الماجشون كانت تحيض عشرين، وعن ميمون بن مهران أن زوجته بنت سعيد بن جبير رضي الله عنه كانت تحيض شهرين من السنة. وقال يزيد بن هارون: عندي امرأة تحيض يومين، وعن عبد الرحمن بن مهدي: كانت امرأة يقال لها: أم العلاء، تقول: حيضتي من أيام الدهر يومان. قال النووي: روينا ذلك بإسناد صحيح.

قلت: [ذكر] مالك ما حكي عن نساء الماجشون، وقال إسحاق: كنت أرى ما زاد على خمسة عشر صحيحاً، وما ذكر عن إسحاق ويزيد بن هارون أنكره أبو بكر بن إسحاق الفقيه، على أنا نقول: قد شهد لمذهبنا عدة أحاديث من عدة عن الصحابة من طرق مختلفة كثيرة [يشد] بعضها بعضاً، وإن كان كل واحد ضعيفاً، لكن يحدث عند الاجتماع ما لا يحدث عند الانفراد، على أن بعض طرقها صحيحة، وذلك يكفي للاحتجاج؛ خصوصاً في المقدرات، والعمل به أولى من العمل بالبلاغات، والحكايات المروية عن نساء مجهولة، ولا يجوز ترك الحجة بغير الحجة، ولأنا لو فتحنا باب اتساع وجود الدم في كل ما يحدث يظهر الخطأ والاضطراب، ونحن مع هذا لا نكتفي بما ذكرنا، بل نقوي ما ذهبنا إليه بالآثار المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب. فمن ذلك ما روي عن أنس رضي الله عنه رواه البيهقي من حديث الجلد بن أيوب، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك أنه قال: قرء المرأة، أو قال: حيض المرأة ثلاث أو أربع حتى ينتهي إلى عشرة، فتزاد في رواية، ثم تغتسل وتصوم وتصلي، وزاد غيره: فإذا جاوزت العشرة فهي مستحاضة.

قال في " الإمام ": هذا مشهور برواية جعد عن أنس مرفوعاً، رواه جماعة من الأكابر منهم:

ص: 626

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

سفيان الثوري، وبه أخرجه الدارقطني من رواية وكيع، وأبي أحمد الزبيري عن الثوري، ففي رواية أبي أحمد: أدنى الحيض ثلاثة وأقضاه عشرة.

وقال وكيع: الحيض ثلاثة إلى عشرة، فما زاد فهو استحاضة. ومنهم حماد بن زيد، ولفظه عن أنس: الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشر. ومنهم إسماعيل بن إبراهيم [

] يكنى أبا بشر، مولى أنس بن خزيمة، بصري ثقة، ينسب إلى أمه علية، ذكر ذلك في " العلم المشهور ".

ومنهم: هشام بن حسان وسعيد، أخرجه الدارقطني، ولفظه: الحائض تنتظر ثلاثة أيام إلى عشرة أيام، فإذا جاوزت فهي مستحاضة تغتسل وتصلي، فإن البيهقي ذكر تضعيفه عن جماعة. وقال ابن عدي: لم ير للجعد حديثاً منكراً جداً، وقد جاء لحديثه متابعات من سواهن، منها ما أخرجه الدارقطني من حديث الربيع بن صبيح بفتح الصاد وكسر الباء الموحدة عمن سمع أنساً رضي الله عنه يقول: لا يكون الحيض أكثر من عشر، والربيع هذا وثقه يحيى بن معين، وقال أحمد رضي الله عنه: لا بأس به رجل صالح. وقال شعبة: هو من سادات المسلمين.

فإن قلت: قولهم: " عمن سمع أنساً ": مجهول.

قلت: هو معاوية بن قرة، صرح بذلك عبد الرزاق في " مصنفه "، وله طريقان آخران عن أنس أحدهما: أخرجه الدارقطني، والآخر أخرجه البيهقي، وروي أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه أخرجه الدارقطني، وروي أيضاً عن عثمان بن أبي العاص أخرجه الدارقطني أنه قال: الحائض إذا جاوزت عشرة أيام فهي بمنزلة الاستحاضة تغتسل وتصلي.

قال البيهقي: هذا الأثر لا بأس بإسناده. وحديث آخر رواه العقيلي عن معاذ بن جبل: لا حيض أقل من ثلاثة ولا فوق عشرة، وهو من حديث محمد بن الحسن الصدفي، وفي " الإمام ": عن جعفر بن محمد رضي الله عنه عن أبيه عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أقل الحيض ثلاث، وأكثره عشر، وأقل ما بين الحيضين خمسة عشر يوماً» وذكر أبو بكر الخطيب بسنده إلى يعقوب بن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال القدروي: وقد روي مثل قولنا عن عمر، وعلي، وابن عباس، وأنس، وابن مسعود، وعثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنهم، ولا يعرف لقولهم مخالف، فوجب تقليدهم، أو نقول: إن ما لا يدل عليه القياس يحمل فيه قول الصحابي على أنه قاله سماعاً، فكأنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولنا وجه آخر من هذا الباب احتج به الطحاوي، الثلاث والعشر، وهو «حديث أم سلمة أنها سألت عن المرأة تهرق الدم، فقال عليه الصلاة والسلام: " تنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيض

ص: 627

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

من الشهر، فلتترك قدر ذلك من الشهر، ثم تغتسل وتصلي» فأجابها بذكر عدد الليالي والأيام من غير مسألة لها عن مقدار حيضها قبل ذلك، وأكثر ما يتناوله الأيام عشرة وأقله ثلاثة.

قلت: روى هذا الحديث أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم من حديث سليمان بن يسار عنها. قال النووي: إسناده على شرطهما. وقال البيهقي: هو حديث مشهور، إلا أن سليمان لم يسمعه منها، وفي رواية لأبي داود عن سليمان أن رجلاً أخبره عن أم سلمة، والدارقطني عن سليمان: أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت فأمرت أم سلمة رضي الله عنها، وقال المنذري: لم يسمعه سليمان، وقد رواه موسى بن عقبة عن نافع، عن سليمان بن يسار عنها، وساقه الدارقطني من حديث جويرية عن نافع عن سليمان، أنه حدثه رجل عنهما.

قوله: تهراق على صيغة المجهول في الرواية والدم منصوب، وفي رواية: الدماء، أي تهراق هي الدماء فينصب الدماء على التمييز، وإن كان معرفة وله نظام، ويجوز رفع الدماء على تقدير تهراق دماءها وتكون الألف واللام بدلان عن الإضافة. وقوله:" لتنظر عدد الليالي والأيام "، أي تحتسب عدد الليالي والأيام التي تحيض فيها قبل أن يصيبها الذي أصابها وهو الاستحاضة فلتترك الصلاة قدر ذلك أي قدر ما كنت تراه قبل ذلك، مثلاً إن كانت عادتها من كل شهر عشرة أيام، إما من أولها وإما من أوسطها وإما من آخرها تترك الصلاة عشرة أيام من هذا الشهر فغير ذلك.

فإن قلت: من أين كانت تحفظ هذه المرأة عدد أيامها التي كانت تحيضها أيام الصحة.

قلت: ولم تكن تحفظ ذلك لم يكن لقوله صلى الله عليه وسلم «لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر» ، قبل أن يصيبها الذي أصابها معنى لا يجوز، يردها إلى رأيها ونظرها في أمر هي غير عارفة بكنهه.

فإن قلت: كيف الأمر فيمن لم تحفظ عدد أيامها.

قلت: هذه مسألة مشهور في الفروع، وهي أنه يجب من كل شهر عشرة أيام حيضها، ويكون الباقي استحاضة، واحتج الأترازي لأصحابنا بما احتج به أبو بكر الرازي في " شرح مختصر الطحاوي " على تقدير أقل الحيض وأكثره، فقال: والأصل فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لفاطمة بنت أبي حبيش «دعي الصلاة أيام محيضك» وفي بعض الألفاظ: أيام أقرائك من كل شهر، وقال: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، وأقل ما يتناوله اسم الأيام ثلاثة أيام.

ص: 628