المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[نية التيمم للحدث أو الجنابة] - البناية شرح الهداية - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌كتاب الطهارات

- ‌[تعريف الوضوء]

- ‌[حكم الطهارة]

- ‌[فرائض الطهارة]

- ‌[صفة غسل الأعضاء في الوضوء]

- ‌[حد المرفق والكعب في الوضوء]

- ‌[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء]

- ‌سنن الطهارة

- ‌[غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء]

- ‌تسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء

- ‌[السواك من سنن الوضوء]

- ‌[فضل السواك وأوقات استحبابه]

- ‌[كيفية الاستياك]

- ‌[فيما يستاك به وما لا يستاك به]

- ‌[حكم من لم يجد السواك]

- ‌[المضمضة والاستنشاق في الوضوء]

- ‌[مسح الأذنين في الوضوء]

- ‌[تخليل اللحية في الوضوء]

- ‌[تخليل الأصابع في الوضوء]

- ‌[تكرار الغسل ثلاث مرات في الوضوء]

- ‌[النية في الوضوء]

- ‌[استيعاب الرأس في الوضوء]

- ‌[ترتيب أعضاء الوضوء]

- ‌[البداءة بالميامن في الوضوء]

- ‌[فصل في نواقض الوضوء] [

- ‌ما خرج من السبيلين من نواقض الوضوء]

- ‌[خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء]

- ‌[القيء والدم من نواقض الوضوء]

- ‌[النوم من نواقض الوضوء]

- ‌[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء]

- ‌فصل في الغسل

- ‌[فرائض الغسل]

- ‌[سنن الغسل]

- ‌[البدء بغسل اليدين في الغسل]

- ‌[الوضوء من سنن الغسل]

- ‌المعاني الموجبة للغسل:

- ‌[إنزال المني من موجبات الغسل]

- ‌[التقاء الختانين من موجبات الغسل]

- ‌ الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام

- ‌[الأغسال المسنونة]

- ‌[باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز]

- ‌[ماء البحر]

- ‌[الوضوء بما اعتصر من الشجر والثمر]

- ‌[الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم]

- ‌[الطهارة بماء غلب عليه غيره]

- ‌[الطهارة بالماء الذي خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه]

- ‌[الوضوء بالماء الذي وقعت فيه نجاسة]

- ‌[حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء]

- ‌[حكم موت ما يعيش في الماء فيه]

- ‌[حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث]

- ‌[المقصود بالماء المستعمل وأقسامه]

- ‌الجنب إذا انغمس في البئر

- ‌[طهارة الجلود بالدباغ]

- ‌[طهارة جلد الكلب والخنزير]

- ‌[هل الكلب نجس العين]

- ‌ الانتفاع بأجزاء الآدمي

- ‌ ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة

- ‌شعر الميتة وعظمها طاهر

- ‌[الأعيان الطاهرة]

- ‌شعر الإنسان وعظمه

- ‌فصل في البئر

- ‌[حكم وقوع النجاسة في البئر]

- ‌فصل في الأسآر وغيرها

- ‌[سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه]

- ‌سؤر الكلب

- ‌[سؤر الحائض]

- ‌[سؤر الخنزير وسباع البهائم]

- ‌سؤر الهرة

- ‌[سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن البيوت]

- ‌[سؤر الحمار والبغل والفرس]

- ‌[حكم الطهارة بنبيذ التمر]

- ‌باب التيمم

- ‌[تعريف التيمم]

- ‌[شرائط التيمم]

- ‌[عدم وجود الماء]

- ‌[العجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه]

- ‌[خوف الضرر من استعمال الماء]

- ‌[أركان التيمم]

- ‌[كيفية التيمم]

- ‌[تيمم الجنب]

- ‌[تيمم الحائض والنفساء]

- ‌[ما يتيمم به]

- ‌[التيمم بالغبار مع وجود الصعيد]

- ‌والنية فرض في التيمم

- ‌[نية التيمم للحدث أو الجنابة]

- ‌[مبطلات التيمم]

- ‌[ما يباح بالتيمم]

- ‌[التيمم لصلاة الجنازة والعيدين ونحوها]

- ‌[التيمم لصلاة الجمعة]

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌[حكم المسح على الخفين]

- ‌[شروط المسح على الخفين]

- ‌[مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر]

- ‌[كيفية المسح على الخفين]

- ‌[المسح على خف فيه خرق كبير]

- ‌[المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل]

- ‌[نواقض المسح على الخفين]

- ‌[المسح على الجرموقين]

- ‌ المسح على الجوربين

- ‌[المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما]

- ‌ المسح على الجبائر

- ‌[حكم المسح على الجبائر]

- ‌باب الحيض والاستحاضة

- ‌[تعريف الحيض وأركانه]

- ‌أقل الحيض

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[أكثر الحيض]

- ‌[ما يسقطه الحيض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض]

- ‌[ما تقضيه الحائض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض والجنب]

- ‌[دخول الحائض والجنب المسجد]

- ‌[طواف الحائض والجنب]

- ‌[قراءة القرآن للحائض والجنب]

- ‌[مس المصحف للمحدث والحائض والجنب]

- ‌[فروع فيما يكره للحائض والجنب]

- ‌[دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين]

- ‌[انقطاع دم الحيض لأقل من عشرة أيام]

- ‌[حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]

- ‌أقل الطهر

- ‌[حكم دم الاستحاضة]

- ‌[فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم]

- ‌فصل في النفاس

- ‌[تعريف النفاس]

- ‌السقط الذي استبان بعض خلقه

- ‌[أقل النفاس وأكثره]

- ‌باب الأنجاس وتطهيرها

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[ما يجوز التطهير به وما لا يجوز]

- ‌[الماء القليل إذا ورد على النجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الخف الذي لحقته نجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الثوب الذي لحقته نجاسة]

- ‌[حكم المني وكيفية تطهيره]

- ‌النجاسة إذا أصابت المرآة والسيف

- ‌[الحكم لو أصاب المني البدن]

- ‌[كيفية تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة]

- ‌[ما يعفى عنه من النجاسات]

- ‌[حكم الروث أو أخثاء البقر]

- ‌ بول الحمار

- ‌[حكم بول الفرس]

- ‌[حكم خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور]

- ‌ لعاب البغل والحمار

- ‌[قدر الدرهم من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار]

- ‌[أنواع النجاسة]

- ‌فصل في الاستنجاء

- ‌[حكم الاستنجاء]

- ‌[ما يجوز به الاستنجاء به وما لا يجوز]

- ‌[ما يكون به الاستنجاء]

- ‌[الاستنجاء بالعظم والروث]

الفصل: ‌[نية التيمم للحدث أو الجنابة]

والماء طهور بنفسه على ما مر،

ثم إذا نوى الطهارة أو استباحة الصلاة أجزأه،

ولا يشترط نية التيمم للحدث أو للجنابة، وهو الصحيح من المذهب.

ــ

[البناية]

وليس كذلك الماء، فإنه بالطبع مطهر فلم تشترط فيه النية، وأشار إلى هذا بقوله: م: (والماء طهور بنفسه على ما مر) ش: أي بطبعه فلا يحتاج إلى النية، بخلاف التراب فإنه ملوث بطبعه فافترقا، وقال الأكمل: قوله: والماء طهور بنفسه جواب سؤال تقديره أن الماء أيضاً في الآية جعل طهورا في حالة مخصوصة كما ذكرتم، فكان الواجب أن تكون النية فيه شرطاً، وتقدير الجواب أن الماء طهور بنفسه أي عامل بطبعه، فلا يحتاج إلى النية كما في إزالة النجاسة العينية.

قلت: السؤال غير موجه؛ لأنا نقول فيه أن الماء أيضاً في الآية جعل طهوراً في حالة مخصوصة وليس كذلك، بل الماء مطهر في جميع الحالات، وليست طهارته مقتصرة على إرادة الصلاة بخلاف التراب، فإن طهارته مقتصرة على وقت إرادة الصلاة كما ذكرنا، وفي الجواب أيضاً نظر؛ لأن قياس الوضوء على إزالة النجاسة المعينة غير صحيح؛ لأن الوضوء من باب المأمورات، وإزالة النجاسة من باب المتروك كترك الزنا واللواطة ورد المغصوب قبل الطهارة ترك الحدث.

وعورض بأن الوضوء ليس ترك الحدث، بدليل الوضوء على الوضوء، أجيب بأنه ليس طهارة ترك الحدث على الحقيقة لتحصيل الحاصل، وإنما جعل طهارة مجازاً في حق الآخر، ولهذا لم يجعل الغسل على الغسل مثله عندنا، وعند الخصم على المذهب الصحيح المشهور على ما مر في باب أحكام المياه.

م: (ثم إذا نوى الطهارة أو استباحة الصلاة أجزأه) ش: لأن التيمم طهارة لا يلزمه نية أسبابها كما في الوضوء، فلا يشترط التعيين، ألا ترى أنه لو توضأ للظهر يجوز أداء العصر به، وكذا على العكس.

[نية التيمم للحدث أو الجنابة]

م: (ولا يشترط نية التيمم للحدث أو الجنابة) ش: لأن الشرط يراعى وجوده لا غير، فلا يشترط التعيين م:(وهو الصحيح من المذهب) ش: أي عدم اشتراط التعيين هو الصحيح من المذهب احترازاً عما روي عن الإمام أبي بكر الرازي رحمه الله فإنه كان يقول: يحتاج إلى نية للحدث أو الجنابة؛ لأن التيمم لهما بصفة واحدة، فلا يتميز أحدهما عن الآخر كصلاة الفرض عن النافلة وهو صحيح، فإن محمد بن سماعة روى عن محمد أن الجنب لو تيمم يريد به الوضوء أجزأه عن الجنابة، والحاجة إلى النية لتقع طهارة واستباحة الصلاة مثلها، وفي الجنابة ينوي استباحة الصلاة، ولو نوى رفع الحدث لم يصح تيممه في أصح الوجهين.

وعن بعض أصحاب أبي حنيفة أنه يرفع الحدث، ولا بد في استباحة الصلاة في التيمم للفرض عند أصحاب الشافعي، وهو قول مالك وأحمد، وهل يفترق إلى تعيين الفرض من ظهر وعصر؟

ص: 539

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

فيه وجهان، ففي قول: يباح الفرض بنية صلاة مطلقة أو نافلة، ولو تيمم للفرض استباح به النفل قبل الفرض وبعده، وفي قول: لا يجوز به النفل، وبعده يجوز وبه قال مالك وأحمد.

ولو تيمم لمس المصحف أو لقراءة القرآن أو للطواف استباح ما نواه، وهل يبيح به النفل؟ فيه وجهان، ثم اعلم أن المصنف رحمه الله لم يجب عن قول زفر؛ لأن الخلف لا يجوز أن يكون مخالفاً لأصله.

والجواب عنه أن الخلف قد فارق الأصل لاختلاف حالهما، ألا ترى أن الوضوء يجعل بأربعة أعضاء بخلاف التيمم، ومن التكرار في الوضوء دون التيمم.

فإن قلت: لا شك أن التيمم خلف عن الوضوء، فلا ينبغي أن يخالف الأصل قطعاً.

قلت: قد بينت لك أنه يخالف الأصل باختلاف الحال، على أنا لا نسلم أن التيمم خلف عن الوضوء عند الكل: فإن عند محمد خلف عن الوضوء، وعندهما خلف عن الماء في حصول الطهارة، حتى جازت إمامة المتيمم للمتوضئ عندهما خلافاً لما قاله، وسيجيء تحقيقه في باب الإمامة إن شاء الله تعالى.

واعلم أيضاً أن التيمم رافع للحدث أو مبيح، فعندنا رافع للحدث إلى وقت وجود الماء، وقال أبو بكر الرازي: لا يرفع، وبه قال الشافعي كالمسح على الخفين يرفع الحدث عن الرجل، والأول المذهب للحديث الذي في " الصحيحين «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» وحديث أنس «الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر حجج» .

فإن قلت: معنى الحديثين: فإن التراب قائم مقام الطهور في إباحة الصلاة، إذ لو كان طهوراً حقيقة لما احتاج الجنب بعد التيمم أن يغتسل، والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه قال:«كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس، فإذا هو برجل معتزل فقال: " ما منعك أن تصلي " قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: " يكفيك الصعيد» ، «واشتكى إليه الناس العطش فدعا علياً وآخر، فقال: "اذهبا فابتغيا الماء " فذهبا فجاءا بامرأة معها مزادتان، فأفرغ من أفواه المزادتين ونودي في الناس، فسقى واستقى، وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، فقال: " اذهب فأفرغه عليك» .

قلت: ليس في الحديث أنه تيمم، ويحتمل أنه عليه السلام عاجله بالماء قبل التيمم، أو أنه عليه السلام أمره بالاغتسال استحباباً لا وجوبا، وقد روى أبو داود من «حديث عمرو بن العاص قال: (احتلمت في ليلة باردة وأنا في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت

ص: 540

فإن تيمم نصراني يريد به الإسلام ثم أسلم لم يكن متيمما عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف رحمه الله: فهو متيمم؛ لأنه نوى قربة مقصودة، بخلاف التيمم لدخول المسجد ومس المصحف؛ لأنه ليس بقربة مقصودة،

ــ

[البناية]

فثم صليت بأصحابي الصبح، ثم أخبرت النبي عليه السلام فضحك ولم يقل شيئاً» ورواه الحاكم [وقال] على شرط الشيخين.

فلو كان الاغتسال بعد التيمم واجباً لأمره به، وفيه حجة على من أمر بإعادة الصلاة التي تصلى بالتيمم؛ لأن عليه السلام لم يأمره بالإعادة لا صريحاً ولا دلالة، وغزوة [ذات] السلاسل كانت في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، وذات السلاسل واد من وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أيام. فقوله:" فأشفقت ": أي خفت.

م: (فإن تيمم نصراني يريد به) ش: أي بالتيمم م: (الإسلام ثم أسلم لم يكن متيمما) ش: يعني لا تجوز الصلاة بذلك التيمم م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وهذه من مسائل " الجامع "، وشرط فيه كون التيمم للإسلام، فلذلك قال المصنف: يريد به الإسلام، وهو معتبر به، ولم يشترط في الأصل، وما في " الجامع " هو الصحيح، إذا الاختلاف ثابت فيما إذا أراد الإسلام، وهو بقربه، وفيما إذا لم يرده أولى أن تصح.

م: (وقال أبو يوسف: فهو متيمم) ش: يعنى إذا أرد به الصلاة فصلى به.

فإن قلت ها هنا: فإن الأولى في قوله: فإن تيمم نصراني، والثاني في قوله: فهو متيمم. قلنا: ذكرها في الأولى لكون المسألة متفرعة على ما قبلها، وفي الثاني: كأنها جواب شرط محذوف تقديره قال أبو يوسف: إن تيمم النصراني يريد الإسلام باق على تيممه م: (لأنه) ش: أي؛ لأن النصراني م: (نوى قربة مقصودة) ش: مع كونها قربة؛ لأن الإسلام أعظم القرب، وأما مقصودة فلأنها ليست في ضمن شيء آخر كالشرط، فإذا كان كذلك صح تيممه كالمسلم تيمم للصلاة. م:(بخلاف التيمم لدخول المسجد ومس المصحف) ش: أي بخلاف تيمم المسلم لدخول المسجد أو لمس المصحف، م:(لأنه) ش: أي؛ لأن تيممه لدخول المسجد أو مس المصحف م: (ليس بقربة مقصودة) ش: لحصوله في ضمن شيء آخر، وكذا لو تيمم لخروج المسجد بأن دخل متوضئاً ثم أحدث، أو تيمم للسلام، أو رده، أو للتعليم على الأصح، خلافاً لما رواه الحسن عن أبي حنيفة: تيمم لقراءة القرآن على ظهر القلب أو لزيارة القبور أو لدفن الميت أو للأذان، فإنه لا يجوز الصلاة

ص: 541

ولهما أن التراب ما جعل طهورا إلا في حال إرادة قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة، والإسلام قربة مقصودة تصح بدونها، بخلاف سجدة التلاوة؛ لأنها قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة. وإن توضأ لا يريد به الإسلام ثم أسلم، فهو متوضئ عندنا، خلافا للشافعي رحمه الله بناء على اشتراط النية،

ــ

[البناية]

به عند عامة العلماء؛ لأنه ليس بقربة مقصودة، وفيه خلاف أبي سعيد البلخي، حيث قال: تجوز الصلاة به عنده.

م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن التراب ما جعل طهوراً إلا في حال إرادة قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة، والإسلام قربة مقصودة تصح بدونها) ش: أي بدون الطهارة. قال السغناقي: في هذا اللفظ إشارة إلى أن الكافر إذا تيمم للصلاة ثم أسلم لا تجوز الصلاة بذلك التيمم، نص على هذا شيخ الإسلام في " مبسوطه "، بل المقبول في التعليل أن يقال: الكافر إذا تيمم للصلاة ثم أسلم لا تجوز الصلاة بذلك التيمم؛ لأنه ليس من أهل النية، والتيمم لا يصح بدونها، فلذلك قال: لا يصح منه التيمم، وعن هذا فرق أبو يوسف بين نية الإسلام ونية الصلاة فقال: يكون في الأول دون الثاني، وقال: لأن الإسلام يصح منه، فتصح نية التيمم منه للإسلام، بخلاف ما لو تيمم بنية الصلاة؛ لأن الصلاة قربة لا تصح من الكافر، ولا تصح نية الصلاة، فجعل وجود هذه النية وعدمها بمنزلته، فبقي التيمم من غير نية فلا يصح.

م: (بخلاف سجدة التلاوة؛ لأنها قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة) ش: قيل: هذا مخالف لما ذكر في الأصول حيث قال فيها: إنها قربة غير مقصودة.

قلنا: المراد بكونها مقصودة ها هنا أن لا يجب في ضمن شيء آخر بخلاف التبعية، بل شرعت ابتداء من غير أن يكون تبعاً لآخر، والمراد بما ذكر في الأصول أن هيئة السجدة ليست بمقصودة لذاتها عند التلاوة، بل لاشتمالها على التواضع المحقق لموافقة المؤمنين أو مخالفة المشركين، فلهذا لا يخص إقامة الواجب بهذه الهيئة، بل ينوب الركوع منابها، وحاصل هذا أن المعترض ادعى التناقض، والمجيب نفاه لاختلاف الجهتين على ما ذكرنا.

فإن قلت: يصح التيمم بنية الطهارة وهي ليست بمقصودة.

قلت: الطهارة شرعت للصلاة، فكانت نيتها نية إباحة للصلاة، حتى لو تيمم لتعليم الغير لا تجوز به الصلاة في الأصح على ما ذكرنا.

م: (وإن توضأ) ش: أي النصراني والحال م: (لا يريد به الإسلام) ش: أي المتوضئ الإسلام م: (ثم أسلم فهو متوضئ عندنا) ش: حتى لو صلى به يجوز م: (خلافاً للشافعي رحمه الله) ش: فإنه عنده ليس بمتوضئ، وأشار إلى دليل الشافعي بقوله م:(بناء على اشتراط النية) ش: فإن النية شرط

ص: 542

فإن تيمم مسلما ثم ارتد - والعياذ بالله - ثم أسلم فهو على تيممه. وقال زفر رحمه الله: يبطل تيممه؛ لأن الكفر ينافيه فيستوي فيه الابتداء والبقاء

ــ

[البناية]

عنده وهو ليس من أهلها، ويفهم منه أيضاً دليلنا؛ لأنه إذا لم تكن النية شرطاً عندنا صح وضوءه، وإن لم تعتبر نيته.

م: (فإن تيمم مسلم ثم ارتد - والعياذ بالله - ثم أسلم فهو على تيممه) ش: يعني له أن يصلي بهذا التيمم.

م: (وقال زفر: يبطل تيممه) ش: باعتراض الارتداد م: (لأن الكفر ينافيه) ش: أي ينافي التيمم ابتداء فكذا انتهاء م: (فيستوي فيه الابتداء والبقاء) ش: أي إذا كان الكفر ينافيه ابتداء فيستوي في هذا الحكم الابتداء والبقاء.

فإن قلت: الضمير في قوله: " فيه " يرجع إلى ماذا.

قلت: قد أشرت إليه بقولي: " فيستوي في هذا الحكم "، وقال بعضهم: أي يستوي في هذا الأمر المنافي حالة الابتداء وحالة البقاء، وهذا مثل الأول في المعنى. وذكر في " الجامع الصغير " للحسامي أن المنافاة بينهما باعتبار معنى العبادة، فإنه شرع مطهر غير معقول المعنى تعبداً فينافيه الكفر كسائر العبادات. وفي " المختلف " أنه عبادة فلا يجامع الكفر، فعلى هذا لا يتصور الخلاف المذكور إلا في التيمم المنوي؛ لأن غيره وإن كان مفتاحاً للصلاة عنده ليس بعبادة كالوضوء بلا نية فلا ينافيه الكفر، فبقي بعد الارتداد على أصله، والصحيح أن المنافاة بينهما باعتبار عدم الأهلية، فإن كافراً لو تيمم لا يصح التيمم مشروعاً في حقه، ويكون فعله كفعل البهيمة، فثبت أن الكفر مناف للتيمم يستوي فيه الابتداء والبقاء. فعلى هذا بطل تيممه عنده نوى أو لم ينو. وفي " الكافي ": ويبطل عنده؛ لأنه عبادة فينافيه الكفر، ثم سيق الكلام إلى أن قيل: فإنه إنما يصير عبادة بالنية وهي ليست بشرط عنده. قلنا: الكلام في المنوي أو في غيره لا خلاف. وقال عبد العزيز: يبعد ما ذكره.

قلت: إن أراد به أنه لا خلاف في بقائه على الصحة بعد الكفر فهو غير مستقيم؛ لأن هذا لا يصح أصلاً عندنا لعدم شرطه، فكيف بقي على الصحة، وإن أراد به لا خلاف في بطلانه وهو الظاهر فهو كما قال، إلا أن ما قال زفر على كونه عبادة فينافيه الكفر غير مستقيم لما بينا أن غير المنوي ليس بعبادة، فكيف يصح بناء بطلانه على الكفر المنافي للعبادة مع انتفاء صفة العبادة عنه.

فإن قلت: كان من حقه أن ينعكس الحكم لانعكاس العلة، فإنه من حقه أن لا يبطل تيمم المسلم بارتداده على قوله لعدم احتياجه إلى النية وهذه كالوضوء في ذلك.

قلت: قال شيخ الإسلام: هذه المسألة من زفر رواية منه أن التيمم لا يصح إلا بالنية، وروي

ص: 543

كالمحرمية في النكاح. ولنا أن الباقي بعد التيمم صفة كونه طاهرا فاعتراض الكفر عليه لا ينافيه كما لو اعترض على الوضوء، وإنما لا يصح من الكافر ابتداء لعدم النية منه، وينقض التيمم كل شيء ينقض الوضوء؛ لأنه خلف عنه فأخذ حكمه،

ــ

[البناية]

عنه أنه يصح بغير النية، فعلى هذا لا يبطل على مذهبه بالردة كالوضوء، فكان عنه روايتان أن التيمم من غير نية يتأدى أم لا.

وجواب آخر: أنه تكلم فيه على قول من يرى فيه وجوب النية كما تكلم أبو حنيفة في المزارعة على رأي من يرى صحتها وإن كان هو لا يرى بجوازها.

م: (كالمحرمية في النكاح) ش: بأن كان الزوجان رضيعين وقد زوج كلاً منهما أبوهما ثم أرضعتهما امرأة، أو كانا كبيرين وقد مكنت المرأة ابن زوجها بعد النكاح حيث قال: يرتفع النكاح بينهم بعد الثبوت كما لا ينعقد فيهما ابتداء. والأصل أن كل صفة منافية الحكم يستوي فيها الابتداء والبقاء م: (كالردة والمحرمية في النكاح) ش: والحدث العمد في الصلاة.

فإن قلت: لو سبقه الحدث في الصلاة لا يعيدها فينبغي أن يفسدها؛ لأنها لا تنعقد به ابتداء.

قلت: ذلك مخصوص بالنص وهو قوله عليه السلام: «من قاء أو رعف في صلاة فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» رواه ابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها. م: (ولنا أن الباقي بعد التيمم صفة كونه طاهراً) ش: يعني الباقي بعد التيمم صفة كون المرتد طاهراً بذلك التيمم م: (فاعتراض الكفر عليه) ش: أي على التيمم م: (لا ينافيه) ش: أي لا ينافي كونه طاهراً؛ لأن التيمم عند الكفر لا يكون موجودا حتى بطل لوجود ما ينافيه م: (كما لو اعترض على الوضوء) ش: أي كاعتراض الكفر على الوضوء، فإنه لا يبطله للبقاء فيه فكذا التيمم م:(لأنه) ش: أي لأن التيمم م: (خلف عنه) ش: أي عن الوضوء، ولا شك أن حال الخلف دون حال الأصل، فكان مبطلاً للأعلى فأولى أن يكون مبطلاً للأدنى، بخلاف الصوم والصلاة؛ لأن حكمهما بعد الفراغ عنهما الثواب، وهو لا يجامع الكفر، والتيمم له حكم آخر وراء الثواب وهو الطهارة والكفر يجامعها، فجاز أن ينفي التيمم بعد هذا الحكم، فإن السبب يبقى بعد بقاء أحد الحكمين وإن بطل الآخر، كما في الثواب والطهارة في الوضوء بعد الارتداد.

م: (فأخذ حكمه) ش: أي فأخذ الخلف حكم الأصل، فالخلف هو التيمم والأصل هو الوضوء، وقد ذكرنا أن كون التيمم خلفاً عن الوضوء مذهب محمد رحمه الله.

فإن قلت: الردة تحبط العمل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5](المائدة: الآية 5) ووضوءه وتيممه من عمله، فكيف يبقيان بعد الردة.

قلت: الردة تحبط ثواب العمل، وذلك لا يمنع زوال الحدث كمن توضأ رياء، فإن الحدث يزول

ص: 544