الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
الثاني: البعد، نحو:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52](آل عمران: الآية 52) .
الثالث: التبيين، وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعدما يقعد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم التفضيل {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [يوسف: 33] (يوسف: الآية 33) .
الرابع: بمعنى اللام، نحو:{إِلَى إِلَهِكَ} [طه: 97](طه: الآية 97) .
الخامس: بمعنى في نحو: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النساء: 87](النساء: الآية 97) .
السادس: الابتداء كقوله:
تقول وقد عاليت بالكور فوقها
…
فلا يلوي إلى ابن أحمر
السابع: بمعنى عند، نحو: انتهى إلي من الرحيق السلسبيل: أي عندي.
الثامن: التوكيد، وهي الزائدة، أثبت ذلك الفراء مستدلا بقراءة بعضهم:{أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37](إبراهيم: الآية 37) بالفتح.
وقوله: {إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] يتناول سائر الصلوات من الفروض والنوافل؛ لأن الصلاة اسم الجنس، فاقتضى أن يكون من شروط الصلاة الطهارة، أي صلاة كانت، واستدلت بظاهر الآية طائفة أن الوضوء لا يجوز إلا بعد دخول الصلاة، وكذلك التيمم، وهو فاسد؛ لأنه لم يقيد في النص دخول وقت الصلاة، ويؤيد ما ذكرناه ما رواه النسائي وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وراح في الساعة الأولى، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» ، فهذا نص جلي على جواز الوضوء للصلاة قبل دخول الوقت بها؛ لأن الإمام يوم الجمعة لا بد ضرورة من أن يخرج قبل الوقت أو بعده وأي الأمرين كان يظهر هذا الربح من أول النهار كان قبل وقت الجمعة بلا شك.
[حكم الطهارة]
1
قوله: {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] يقتضي إيجاب الغسل وهو اسم لإمرار الماء على الموضع إذا لم يكن هناك نجاسة، فإن كانت فغسلها إزالتها بإمرار الماء أو ما يقوم مقامه، وليس عليه ذلك الموضع بيده، وإنما عليه إمرار الماء حتى يجري على الموضع، وقال أبو بكر الرازي رحمه الله وقد اختلفت في ذلك على ثلاثة أوجه، فقال مالك بن أنس: عليه إمرار الماء ودلك الموضع به وإلا لم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
يكن غاسلا، وقال أصحابنا وعامة الفقهاء: عليه إجراء الماء عليه وليس عليه دلكه به. روى هشام عن أبي يوسف أنه إن مسح الموضع بالماء كما يمسح بالدلك أجزأه، وفي " التحفة " الغسل: تسييل الماء على الموضع، والمسح: إمراره عليه، فقد فسر المسح بما فسر الرازي الغسل به، وفي " البدائع ": لو استعمل الماء من غير إسالته كالتدهين به لا يجوز في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف أنه يجوز وعلى هذا لو توضأ بالثلج، ولم يقطر منه شيء لا يجوز، ولو قطر قطرتان أو ثلاث جاز لوجود الإسالة، وفي " الذخيرة ": تأويل ما روي عن أبي يوسف إن سال من العضو قطرة أو قطرتان، ولم يتدارك وفي " الأحكام " لابن بريدة صفة الغسل في الأعضاء المغسولة أن يبل العضو بالماء بلة، وقال أبو يوسف: إذا مسح الأعضاء كمسح الدهن يجوز، وقال بعض التابعين: ما عهدناهم يلطمون وجهوهم بالماء، وجماعة العلماء على خلاف ما قاله أبو يوسف؛ لأن تلك الهيئة التي قال بها لا تسميه العرب غسلا البتة.
قوله: {وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] جمع وجه، وحكى الفراء في الوجوه، وهي الأوجه، وقال ابن السكينة: ويفعلون ذلك كثيرا في الواو، إذا انضمت، والوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة وهي المقابلة، وحده في الطول من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين وهما عظما الحنك ويسميان التكثرة وعليهما منابت الأسنان السفلى، ومن الأذن إلى الأذن، وقال أبو بكر الرازي والأقطع: حده من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن إلى شحمة الأذن، حكى ذلك أبو الحسن الكرخي عن أبي سعيد البردعي.
وقال الرازي: ولا يعلم خلافا بين الفقهاء في هذا المعنى، ولذلك يقتضي ظاهر الاسم إذا كان إنما يسمى وجها لظهوره، ولأنه يواجهه الشيء، ويقابل به، وهذا الذي ذكرنا من تحديده هو الذي يواجهه الإنسان ويقابله من غيره فإن قيل: فينبغي أن تكون الأذنان من الوجه لهذا المعنى، قيل له: لا يجب ذلك؛ لأن الأذنين يستران بالعمامة والقلنسوة والإزار ونحوها، وفي " البدائع " لم يذكر الوجه في ظاهر الرواية وذكر في غير رواية الوصول كما ذكره في الكتاب، وقال: هذا حديث صحيح مستخرج داخل العينين والأنف والفم وأصول شعر الحاجبين واللحية والشارب وونيم الذباب ودم البراغيث بخروجه من الوجه، وقال أبو عبيد الله البلخي: لا يسقط، وبه قال الشافعي في الجديد والمزني وأبو ثور وإسحاق بن راهويه مطلقا، وحكى الرافعي قولا، وقال في " المبسوط " العين غير داخل في غسل الوجه، كما في إيصال الماء إليها حرج؛ لأنه شحم لا يقبل الماء، ومن تكلف من الصحابة فيه كف بصره في آخر عمره كابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم.
وفي كتاب " العناية " للسروجي عن أحمد بن إبراهيم أن من غمض عينيه في غسل الوجه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
غمضا شديدا لا يجزئه الوضوء، وقيل: من رمدت عينه فرمضت الماء واجتمع رمضها تكلف إيصال الماء إلى الآماق، كذا في " المنتخبة " وفي " المغني " الوجه من منابت شعر الرأس إلى ما اتحد من اللحيين والذقن إلى أصول الأذنين ولا يعتبر كل واحد بنفسه بل لو كان أصلع ينزع شعره عن مقدم رأسه إلى منابت الشعر في الغالب، والانتزاع الذي ينزل شعره إلى الوجه يجب عليه غسل الشعر الذي ينزل من حد الغالب، وفي " الأحكام " لابن بريدة: للوجه حد طولا وعرضا فحده طولا من منابت الشعر المعتاد إلى الذقن، وقولنا: المعتاد احتراز من الأعمى، والأقرع، واختلفت المذاهب في حده عرضا على أربعة أقوال: فقيل: من الأذن إلى الأذن، وقيل: من العذار إلى العذار، في حق الملتحي، ومن الأذن إلى الأذن في حق الأمرد، والقول الرابع: إن غسل البياض الذي بين الصدغ والأذن سنة، انتهى.
واللحية يحمل أن يكون من الوجه؛ لأنها مواجهة المقابل، ولا تغطي في الأكثر كسائر الوجه فيقتضي ذلك وجوب غسلها، ويحتمل أن لا تكون من الوجه؛ لأن الوجه ما واجهك من بشرته دون الشعر النابت عليه هذا ما كانت البشرة ظاهرة دونه، فلذلك اختلفوا في غسل اللحية وتخليلها ومسحها على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وما ذكرنا من حد الوجه يدل على أن المضمضة والاستنشاق غير واجبين لمن قال بهما بالآية إذ ليس داخل الأنف والفم منه إذ هما غير مواجهين لمن قابلهما، فمن قال بإيجابهما فقد زاد على الكتاب، وهو غير جائز.
وقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] يقتضي جواز الصلاة بوجود الغسل سواء قارنته النية أو لم تقارنه، وذلك لأن الغسل اسم شرعي مفهوم المعنى في اللغة وهي إمرار الماء على الموضع، وليس عبارة عن النية، فمن شرط فيه النية فقد زاد على النص، وسيجيء مزيد الكلام فيه في موضعه إن شاء الله تعالى.
قوله: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] أي واغسلوا أيديكم، والأمر يدل على فرضية غسل اليدين، والأيدي جمع يد وأصلها يدي على وزن فعل بسكون العين، ويدل على هذا الجمع ويجمع على يد أيضا، وأصلة يدوي على وزن فلوس، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون وأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، وقد جمعت الأيدي في الشعر على أياد، قال جند بن المثنى:
كأنه بالفحيمان الأبخل
…
قطن شجاع بأياد غزل
وهو جمع الجمع مثل أكوع، وأكاوع، ولغة بعض العرب أيد بحذف الياء من الأصل مع الألف واللام، كما يقلون في المهتدي المهتد، وبعضهم يقولك يدي مثل رحى ويثني على هذه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
اللغة يديان مثل رحيان، ويقال في التنبه: يدوي كما يقال رحوي، ثم اليد اسم يقع على هذا العضو، وهي من طرف الأصابع إلى المنكب، والدليل على ذلك «أن عمارا رضي الله عنه تيمم إلى المنكب وقال: " تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المناكب» ، وكان ذلك بعموم قَوْله تَعَالَى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ، ولم ينكر عليه من جهة اللغة بل هو كان من أهل اللغة فكان عنده أن الاسم للعضو إلى المنكب فثبت بذلك أن الاسم يتناول إلى المنكب، فإذا كان الإطلاق يقتضي ذلك، ثم ذكر التحديد فجعل المرفق غاية؛ لأن ذكرها لإسقاط ما ورائها، وسيجيء الكلام فيه في موضعه إن شاء الله تعالى.
ثم اعلم أنه يجب غسل ما كان مركبا على اليدين من الأصابع الزائدة والكف الزائدة على التفسير الذي ذكرنا وإن خلق على العضد غسل ما يحاذي محل الفرض لا ما فوقه، وفي " المغني ": وإن خلق له إصبع زائدة أو يد زائدة في محل الفرض وجب عليه غسلها مع الأصلية، وإن كانت في غير محل الفرض كالعضد والمنكب لم يجب غسلها سواء كانت طويلة أو قصيرة، هذا قول ابن حامد وابن عقيل، وقال القاضي: إن كان بعضها يحاذي محل الفرض غسل ما يحاذيه منها، والأول أصح.
واختلف أصحاب الشافعي في ذلك كما ذكرنا. وإن تعلقت جلدة في غير محل الفرض حتى تدلت في محل الفرض وجب غسلها لأن أصلها في محل الفرض، فأشبهت الإصبع الزائدة، وإن تعلقت في محل الفرض غسلها قصيرة كانت أو طويلة بلا خلاف، وإن تعلقت في أحد المحلين يجب غسل ما يحاذي محل الفرض من ظاهرها وباطنها وغسل ما يجب من محل الفرض، وفي " الحلية ": لو خلق له يدان على المنكبين إحداهما ناقصة فالكاملة هي الأصلية، والناقصة خلقت زائدة، فإن حاذى منها محل الفرض وجب غسله عندنا والشافعي، ومن أصحابه من قال لا يجب غسلها بحال، وفي " الغاية " ومن شلت يده اليسرى، ولم يجد من يصب عليه الماء والماء جار لا يستنجي بيمينه وإن وجد ذلك يستنجي بيمينه، وإن شلت يداه مسح يديه بالأرض ووجهه بالحائط ولا يدع الصلاة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أن مقطوع اليدين من المرفقين والرجلين من الكعبين يوضئ وجهه ويمسح أطراف المرفقين والكعبين بالماء ولا يجزئه غير ذلك، وهو قول أبي يوسف.
وفي " الدراية ": لو قطعت يده من المرفق لا فرض عليه.
وفي " المغني ": وإن قطعت من دون المرفق غسل ما بقي من محل الفرض، وإن قطعت من المرفق غسل العظم الذي هو طرف العضد، وإن كان من فوق المرفقين سقط الغسل لعدم محله، وإن كان أقطع اليدين فوجد من يوضؤه متبرعا لزمه ذلك لأنه قادر عليه، وإن لم يجد من يوضؤه إلا بأجر يقدر عليه لزمه أيضا كما يلزمه شراء الماء، وقال ابن عقيل: يحتمل أن لا يلزمه كما لو عجز عن القيام لم يلزمه استئجار من يعتمد عليه وإن عجز عن الأجر أو لم يقدر على من يأجر صلى على حسب حاله كعادم الماء والتراب، وإن وجد من ييممه ولم يوجد من يوضؤه لزمه التيمم وهذا مذهب الشافعي ولم أعلم فيه خلافا، وفي " مبسوط بكر " قال الإسكاف: يجب إيصال الماء إلى ما تحت العجين والطين في الأظفار دون الدرن لتولده منه، وقال الصفاء: يجب إيصال الماء إلى تحته إن طال الظفر، وإلا فلا.
وفي " النوازل ": يجب في حق المصري لا القروي؛ لأن في أظفار المصري رسومة تمنع إيصال الماء إلى ما تحته، وفي أظفار القروي طين لا تمنع ولو كان خلاب أو خبز ممصوغ جاف يمنع وصول الماء لم يجزه. وفي ونيم الذباب والبرغوث: جاز وفي " الجامع الأصغر ": إذا كان واسع الأظفار وفيها طين أو عجين أو المرأة تصنع التخي جاز، وإنما جاز في القروي والمدني إذ لا يستطاع الامتناع منه إلا بحرج، قال الدبوسي: وهذا صحيح وعليه الفتوى، وفي " فتاوى ما وراء النهر ": لو بقي من موضع الغسل قدر رأس إبرة أو لصق بأصل ظفره طين يابس لم يجزه، ولو تلطخ يده بحمرة أو حناء جاز.
وفي " المغني ": إذا كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء إلى ما تحته فقال ابن عقيل: لا تصح طهارته حتى يزيله، ويحتمل أن لا يلزمه ذلك لأن هذا يسير عادة، وفي " الأحكام " لابن بزيزة: إذا طالت الأظفار فقد اختلف العلماء: هل يجب غسلها لأنها من اليدين حسا وإطلاقا وحكما، ومن العلماء من يوجب غسل الزائد على المعتاد، ولم يوجب بعض العلماء غسل الأظفار إذا طالت.
وفي " المجتبى ": لا يجب نزع الخاتم، وتحريكه في موضعه، إذا كان واسعا، وفي الضيق اختلاف المشايخ. وروى الحسن عن أبي حنيفة: اشتراط النزع والتحريك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
فإن قلت: روى الدارقطني «أن النبي كان إذا توضأ حرك خاتمه» .
قلت: في سنده معمر بن محمد بن عبد الله هو وأبوه ضعيفان، وفي " الأحكام " لابن بزيزة تحريك الخاتم في الوضوء والغسل اختلف العلماء فيه، فقيل: يحركه في الوضوء والغسل، والتيمم، وقيل لا يحركه مطلقا، وقيل: إن كان ضيقا حركه، وإن كان واسعا لا يحركه، وقيل: يحركه في الوضوء والغسل ويزيله.
قوله: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] يدل على أن المرفق غاية، وهل تدخل الغاية تحت المغيا أم لا؟ فيه خلاف نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى، وهو جمع مرفق بكسر الميم وفتح الفاء، وعلى العكس، وهو مجتمع طرف الساعد والعضد. قلت: الأول على وزن اسم الآلة، كالمخلب، والثاني على وزن اسم المكان، فيجوز فيه فتح الميم والفاء على أن تكون مصدرا، أو اسم مكان على الأصل.
1 -
قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] هذا يدل على فرضية مسح الرأس وسيجيء ذكر الخلاف فيه إن شاء الله تعالى.
{وَامْسَحُوا} [المائدة: 6] أمر من مسح يمسح مسحا من باب فتح يفتح، قال الجوهري: مسح برأسه، ويمسح بالأرض، ومسح الأرض مساحة أي ذرعها، ومسح المرأة أي: جامعها، ومسحه بالسيف أي قطعه، ومسحت الإبل نوامها أي: سارت، ومسح الرجل بالكسر مسحا في الأصح وهو الذي يصيب إحدى ربليه إلى الأخرى، قلت: الربلة بفتح الراء وسكون الباء الموحدة وبفتحها أيضا هو باطن الفخذ، وقال الأصمعي: الفتح أفصح والجمع ربلات، والمسح في الشرع الإصابة، وقد يجيء بمعنى الغسل على ما نذكره إن شاء الله تعالى، والرؤوس جمع رأس، وهو جمع كثرة، وجمع القلة أرؤس.
{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6](المائدة: الآية 6) فيه ثلاث قراءات: الرفع: قرأ به الحسن البصري، تقديره وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة إلى الكعبين وقرأ به نافع، وروى عنه الوليد بن مسلم، وهي قراءة الأعمش أيضا. والنصب قرأ به على، وابن عباس، وابن مسعود، وإبراهيم، والضحاك، وابن عامر. والكسائي، والخفض: عن عاصم، وعلي بن حمزة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وقال الأزهري وهي قراءة الأعمش وحفص عن أبي بكر ومحمد بن إدريس الشافعي، والجر قرأ به ابن عباس في رواية عكرمة وحمزة وابن كثير، وقال الحافظ أبو بكر بن المغربي: وقرأ يونس، وعلقمة، وأبو جعفر بالخفض، والمشهور قراءة الجر، والنصب وبينهما تعارض فالحكم في تعارض القراءتين كالحكم في تعارض الآيتين، وهو أنه إن أمكن العمل بهما يعمل مطلقا، وإن لم يمكن.. يعمل بهما بالقدر الممكن، وهاهنا لا يمكن الجمع بين الغسل والمسح في عضو واحد في حالة واحدة؛ لأنه لم يقل به أحد من السلف، ولأنه يؤدي إلى تكرار المسح؛ لأن الغسل يتضمن المسح، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار، ولا يحتمله، فيعمل في حالتين، فيحمل قراءة النصب على ما إذا كانت الرجلان باديتين ويحمل على قراءة الجر على ما إذا كانتا مستورتين بالخفين توفيقا بين القراءتين وعملا بهما بالقدر الممكن، وقد يقال إن قراءة من قرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بالخفض معارضة لمن نصبها فلا حاجة إذن لوجود المعارضة فإن قيل: نحن نحمل قراءة الجر على أنها منصوبة المحل فإذا حملناه على ذلك لم يكن بينهما تعارض بل يكون معناهما النصب، وإن اختلف اللفظ فيهما، ومتى أمكن الجمع لم يجز الحمل على التعارض، والاختلاف، والدليل على جواز العطف على المحل قَوْله تَعَالَى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1](النساء: الآية 1) وقال الشاعر:
ألا حي عثمان عمرو بن عامر
…
إذا ما تلاقينا اليوم أو غدا
فنصب " غدا " على المحل، ويجاب بأن العطف على المحل خلاف السنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم أما السنة: فحديث عمرو بن عيينة الذي أخرجه مسلم، وفيه:«ثم يغسل قدميه إلى الكعبين» ، الحديث.
وأما الإجماع فهو ما روى عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: بينما يوم والحسن يقرأ على علي رضي الله عنه وجلس قاعدا إلى علي يحازيه فسمع قارئا يقرأ: وأرجلكم، ففتح عليه الحسن بالخفض، فقال علي وزجره: إنما هو فاغسلوا وجوهكم واغسلوا أرجلكم في القرآن تقديم للتعظيم وتأخيره. وكذلك عن عروة ومجاهد، والحسن، ومحمد بن الحسن، وعبد الرحمن بن الأعرج، والضحاك، وعبد الرحمن بن عمرو بن غيلان، زاد البيهقي، وعطاء، ويعقوب الحضرمي، وإبراهيم بن زيد التميمي، وأبي بكر بن عباس. وذكر ابن الحاجب في " أماليه " أنه نصب على الاستئناف وقيل: المراد بالمسح في حق الرجل: الغسل، ولكن أطلق عليه لفظ المسح للمشاكلة كقوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40](سورة الشورى: الآية 40)، وقيل: إنما ذكر بلفظ المسح لأن الأرجل من بين سائر الأعضاء مظنة إسراف الماء بالصب فعطف على الممسوح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وإن كانت مغسولة للتنبيه على وجود الاقتصار في الصب لا التمسح، وجيء بالغاية فقيل إلى الكعبين إماطة لظن ظان يحسبها أنها ممسوحة إذ المسح لم تعرف له غاية.
ثم اعلم أن النصب له وجهان: أحدهما أن يكون معطوفا على {وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] فيشاركها في حكمها وهو الغسل، وإنما أخر عن المسح بعد المغسولين لوجوب تأخير غسلهما عن مسح الرأس عند قدوم الاستجابة عند آخرين، والوجه الثاني: أن يكون عامله مقدرا، وهو {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] لا بالعطف على {وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] كما تقول: أكلت الخبز واللبن أي: وشربت، وإن لم يتقدم الشرب بذكر، وهاهنا تقدم للغسل ذكر فكان أولى بالإضمار، ومنه قوله: علفتها تبنا وماء باردا أي سقيتها، وقال: ورأيت زوجك في الوغا مقلدا سيفا ورمحا، أي وحاملا رمحا، وقال: تشوبت البان وتمرا أقط أي وأكل تمرا أقط، ويجاب عن الجر بأجوبة:
الأول: أنها جرت على أنها مجاورة رؤوسكم وإن كانت منصوبة كقوله تعالى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: 26](سورة هود: الآية 26) ، على جر أليم، وإن كان صفة للعذاب، وكقولهم: هذا جحر ضب خرب بجر " خرب "، وإن كان مرفوعا. فإن قلت: جحرا ضب خربين وجحرة ضباب خربة لم يجزه الخليل في التثنية وأجازه في الجمع واشترط أن يكون الآخر مثل الأول وأجازه سيبويه في الكل.
الجواب الثاني: أنها عطف على الرؤوس؛ لأنها تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة لإسراف الماء المنفي عنه لا التمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصار في صب الماء عليها، فجيء بالغاية ليعلم أن حكمها مخالف لحكم المعطوف عليه؛ لأنه لا غاية في الممسوح، قاله صاحب " الكشاف ".
والجواب الثالث: أنه محمول على مسألة لبس الخف، والنصب على الغسل عند [......] ، روى همام بن الحارث «أن جرير بن عبد الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: أنت تفعل هذا، قال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله» وكان يعجبهم حديث جرير رضي الله عنه لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال ابن العربي: اتفق الناس على صحة حديث جرير، وهذا نص يروي ما ذكروه، فإن قيل: روى محمد بن عمر الواقدي أن جريرا أسلم في سنة عشر في شهر رمضان وأن المائدة نزلت في شهر ذي الحجة يوم عرفة قيل: هذا لا يثبت لأن الواقدي ضعيف رمي بالكذب، وإنما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
نزلت يوم عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3](المائدة: الآية 3) .
الجواب الرابع: أن المسح يستعمل بمعنى الغسل الخفيف، يقال: مسح على أطرافه، إذا توضأ، قاله أبو زيد، وابن قتيبة، وأبو علي الفارسي، وفيه نظر. وما ذكر عن ابن عباس قال محمد بن جرير: إسناده ضعيف، والصحيح الثابت عنه أنه كان يقرأ:{وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بالنصب، ويقول عطف على المفعول، هكذا رواه الحفاظ عنه منهم القاسم بن سلام، والبيهقي، وغيرهما، «وثبت في صحيح البخاري عنه أنه توضأ وغسل رجليه وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
» وأما قَوْله تَعَالَى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10](سبأ: الآية 10) بالنصب على المحل فممنوع لأنه مفعول معه، ولو سلم العطف على المحل فإنما يجوز مثل ذلك عند عدم اللبس، نقل ذلك عن سيبويه وهاهنا لبس فلا يجوز، وأما البيت فغير مسلم فإنه ذكر في العقد أن سيبويه غلط فيه، وإنما قاله الشاعر بالخفض والقصيدة كلها مجرورة فكان مضطرا إلى أن ينصب هذا البيت ويحتال بحيلة ضعيفة قال:
مغاري أننا بشر فانجح
…
فلسنا بالجذيل ولا الجديد
أكلتم أرضنا وجعلوا تمرنا
…
فهل من قائم أو من حصيد
أتطمع في الخلود إذا هلكنا
…
وليس لنا ولا لك من خلود
وقيل: هما قصيدتان مجرورة ومنصوبة وفيه بعد. فإن قلت: إن القراءتين النصب والجر نقلهما الأئمة تلقيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يختلف أهل اللغة أن كل واحدة من القراءتين محتملة للمسح لعطفهما على الرأس ومحتملة للغسل لعطفهما على المغسول. قلت: لا يخلو القول من أحد معان ثلاثة: إما أن يقال: إن المراد هما جميعا مجموعان، فيكون عليه أن يمسح أو يغسل أو يكون أحدهما على وجه التخيير يفعل المتوضئ أيهما شاء ويكون ما يفعله هو المفروض، أو يكون المراد أحدهما بعينه لا على وجه التخيير، فلا سبيل إلى الأول لاتفاق الجميع على خلافه، وكذا لا سبيل إلى الثاني، إذ ليس في الآية ذكر التخيير ولا دلالة عليه، فتعين الوجه الثالث، ثم يحتاج في ذلك إلى طلب الدليل على المراد منهما، فالدليل على أن المراد الغسل دون المسح اتفاق الجميع على أنه إذا غسل فقد أدى فرضه، وأتى بالمراد، وأنه غير ملوم على ترك المسح، فتبين أن المراد الغسل، وأيضا فهو صار في حكم المجمل المقتصر إلى البيان فيما ورد فيه من البيان عن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعل أو قول، علمنا أنه مراد الله تعالى، وقد ورد البيان عنه بالغسل قولا وفعلا:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
أما فعلا فهو ما ثبت بالنقل المستفيض والنصوص المتواترة أنه عليه السلام غسل رجليه في الوضوء ولم تختلف الأمة فيه، وأما قولا: فما رواه جابر، وأبو هريرة، وعائشة، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنهم، أما حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه ما أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، وقال: حدثنا أبو الأحوص عن إسحاق عن سعيد بن أبي كريب عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل للعراقيب من النار» وأخرجه الطحاوي ولفظه: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدم رجل لمعة لم يغسلها، فقال: " ويل للعراقيب من النار.» وأخرجه ابن ماجه من طريق ابن أبي شيبة.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فما أخرجه البخاري، وقال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا شعبة «حدثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة وكان يمر بنا والناس يتوضؤون من المطهرة فقال: أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: " ويل للأعقاب من النار» أخرجه مسلم أيضا.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه مسلم من طريق سالم مولى شداد قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم يوم توفي سعد بن أبي وقاص فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقالت: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«ويل للأعقاب من النار» وأخرجه الطحاوي أيضا.
وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود، وقال: حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا منصور عن هلال بن بشار عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قوما وأعقابهم تلوح، فقال: " ويل للأعقاب من النار، وأسبغوا الوضوء» وهذا إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وأبو يحيى اسمه مصدع مولى عبد الله بن عمرو، وروى له الجماعة سوى البخاري، والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه أيضا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وأما حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي فأخرجه أحمد في " مسنده "، وقال: حدثنا هارون قال: حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني حيوة بن شريح أخبرني عروة بن مسلم عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل للأعقاب من النار، وبطون الأقدام من النار» وإسناده حسن، وقد أخرجه الطحاوي، والطبراني أيضا. فقوله:" ويل للأعقاب من النار " وعيد لا يجوز أن يخلف إلا بترك الفروض، وهذا يوجب استيعاب الرجل بالغسل،
وفي " العناية ": وأما وظيفة الرجلين ففيها أربعة مذاهب.
الأول: هو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل السنة والجماعة أن وظيفتهما الغسل، ولا يعتد بخلاف من خالف ذلك.
الثاني: هو مذهب الإمامية من الشيعة أن الفرض مسحهما.
الثالث: وهو مذهب الحسن البصري، ومحمد بن جرير الطبري، وأبي علي الجبائي: أنه مخير بين المسح والغسل.
الرابع: مذهب أهل الظاهر وهو رواية عن الحسن أن الواجب الجمع بينهما، وعن ابن عباس رضي الله عنهما هما غسلان، ومسحان، وعنه ما أمر الله بالمسح للناس إلا بالغسل، وروي أن الحجاج خطب بالأهواز فذكر الوضوء فقال:" اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم فإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب من جنبه من قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما "، فسمع ذلك أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: صدق الله، وكذب الحجاج، قال الله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] ، وكان عكرمة يمسح رجليه، ويقول: ليس في الرجلين غسل، وإنما هو مسح، وقال الشعبي: نزل جبريل عليه السلام بالمسح، وقال قتادة: فرض الله غسلين ومسحين، ولأن قراءة الجر محله في المسح؛ لأن المعطوف يشارك المعطوف عليه في الكلمة؛ لأن العامل الأول ينصب عليهما إنصابة واحدة بواسطة الواو عند سيبويه، وعند البصريين يقدر الثاني جنس الأول، والنص يحتمل العطف على الأول على بعد، فإن أبا علي قال: قد أجاز قوم النصب عطفا على {وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وإنما يجوز وأشبهه في الكلام المعتبر، وفي ضرورة الشعر، وما يجوز على مثله هجنة العي وظلمة للبس وتقديره أعط زيدا
..
....
....
....
..
ــ
[البناية]
وعمرا جوائزها، ومر ببكر وخالد فأي بيان الكلام في هذا، وأي لبس أقوى من هذا ذكره المرسي حاكيا عنه في " ري الظمآن "، ويحتمل العطف على محل {بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] كقوله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10](سبأ: الآية 10) بالنصب عطفا على المحل؛ لأنه مفعول به، وقد ذكرنا الجواب عن هذا عن قريب.
وورد في الأحاديث المستفيضة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه غسل رجليه، وهو حديث عثمان رضي الله عنه المتفق على صحته وحديث علي، وابن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله ابن زيد، والربيع بنت معوذ بن عفراء، وعمرو بن عنبسة، وثبت أنه عليه السلام رأى جماعة يتوضؤون وبقيت أعقابهم تلوح لم يمسها الماء فقال، «ويل للأعقاب من النار» ، ولم يثبت عنه عليه السلام أنه مسح رجليه بغير خف في حضر ولا سفر، أما تفسير " الكعب " فسيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى، ويستفاد من الآية الكريمة فوائد:
الأولى: يدل على أن الغسل مرة واحدة، إذ ليس فيها ذكر العدد فلا يوجب تكرار الفعل، فمن غسل مرة فقد أدى الفرض، وقد وردت الآثار بالمرة والمرتين والثلاث على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الثانية: إن الأمر في هذه الآية لا يدل على وجوب الترتيب، ولا على الموالاة لإطلاق النص على ذلك على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
الثالثة: تدل على أن التسمية على الوضوء ليست بفرض؛ لأنه أباح الصلاة بغسل هذه الأعضاء ومسح الرأس من غير شرط التسمية على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى.
الرابعة: تدل على أن الاستنجاء ليس بفرض، وأن الصلاة جائزة بتركه إذا لم يتعد الموضع، بيان ذلك أن معنى قوله:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6](المائدة: الآية 6) : إذا قمتم وأنتم محدثون كما ذكرنا، وقال في أثناء الآية:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43](النساء: الآية 43) فحققت هذه الآية الدلالة من وجهين على ما قلنا:
أحدهما: إيجابه على المحدث غسل هذه الأعضاء، وإباحة الصلاة به، وموجب الصلاة الاستنجاء فرض ما منع من الآية، وذلك يوجب المسح وهو غير جائز، والوجه الأخر: من دلالة الآية: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] إلى آخرها، فأوجب التيمم على من جاء من الغائط، وذلك كناية عن قضاء الحاجة فأباح صلاته بالتيمم من غير استنجاء فدل على ذلك على أنه غير فرض.
الخامسة: استدل بعض الناس بقوله: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] في قراءة الجر على جواز المسح على الخفين والمعنى: وامسحوا بأرجلكم في حال استعمال الخف، وإنما ترك ذكر الخف