الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
سنن الطهارة
غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء
ــ
[البناية]
والثاني يجزئ، ولو حصل على رأسه ماء المطر أو صب عليه إنسان ثم مسح يقصد بذلك الطهارة أجزأه وإن جعل الماء على رأسه من غير قصد أجزأه أيضا، وإن مسح رأسه بخرقة مبلولة أو خشبة أجزأه على أحد الوجهين. وإن وضع على رأسه خرقة مبلولة فانبل رأسه بها أو وضع خرقة ثم بلها حتى انبل شعره لم يجزئه ولو حلق رأسه أو لحيته لا يعيد المسح إجماعا وكذا إن قلم الظفر وكنسط الخف، وعند بعض الشافعية يجب إعادة المسح بعد حلق الشعر، وقال السروجي: ولو حلق رأسه بعد الوضوء أو جز شاربه أو قلم ظفره أو شرط خفه لا إعادة عليه، وقال ابن جرير: عليه الوضوء، وقال إبراهيم: عليه إمرار الماء على ذلك الموضع، ومسح العنق قيل سنة وقيل مستحب، ومسح الحلقوم بدعة، ولو مسحت المرأة على خمارها ووصل الماء إلى رأسها يجوز ما لم يتلون الماء ولو كانت الذؤابة مسدولة فوق رأسه كما يفعله النساء فمسح على رأسها الذؤابة لم يجز عند العامة وبعضهم جوزه إذا لم يرسل، وفي " هداية الناطفي " لو مسحت على الخضاب أو الوقاية لم يجز وإن وصل إلى الشعر، وقيل هذا قبل غسل الخضاب، وقيل هذا إذا خرج الماء من كونه ماء مطلقا، وفي " النظم " قال عامة العلماء: إن وصل إلى الشعر يجوز وإلا فلا مسح رأسه ببلل يبقى في كفه لم يجز.
[سنن الطهارة]
[غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء]
م: (وسنن الطهارة غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء) ش: لما فرغ من بيان فرائض الوضوء شرع في بيان سننه وتقديم الفرائض لكونها أقوى، والإضافة فيه للبيان إما بمعنى في أو اللام، والمراد من الطهارة الوضوء، وإنما ذكر الفرض بلفظ الواحد. والسنة بلفظ الجمع؛ لأن الفرض في الأصل يتناول القليل والكثير ويستغني عن الجمع بخلاف السنة فإنها اسم ولها أفراد فجمعها لتعم أفرادها، وهي بضم السين جمع سنة، وهي في اللغة: الطريقة مطلقا، وكذلك السنن بفتحتين، يقال: استقام فلان على سنن واحد ويقال امض على سنتك أي على وجهك وتنح عن سنن الجبل أي عن وجهه وعن سنن الطريق وسننه وسنته ثلاث لغات وهي: فتحة السين مع فتح النون وضمة السين وفتحة النون وضمهما معا، والسنة السيرة أيضا يقال: سنة العمرين أي سيرتهما، والسنة أيضا ضرب من التمر بالمدينة، وفي الشريعة: ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولم يتركه إلا مرة أو مرتين كذا في " المحيط "، وذكر في " المفيد " و " المزيد ": السنة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتركه إلا لعذر والأدب ما فعله مرة ومرتين ثم تركه.
قلت: مراده أدب شأنه دائما، وفي " المنافع " قال خواهر زاده: وحد السنة ما فعله عليه السلام على سبيل المواظبة ويؤمر بإتيانها ويلام على تركها، وفي " البداية " السنة ما يؤجر على إتيانها ويلام على تركها وهي تتناول القولية والفعلية، وقال الأترازي: السنة ما في فعله ثواب وفي تركه عتاب لا عقاب ثم قال وإنما قلت: في تركه عتاب احترازا عن النقل وإنما. قلت: لا عقاب احترازا عن الواجب والفرض، هذا التعريف أبدعه خاطري في هذا المقام، وقال الأكمل: السنة
إذا استيقظ المتوضئ من نومه لقوله عليه السلام «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده»
ــ
[البناية]
هي الطريقة المسلوكة في الدين وحكمها أن يثاب في الفعل ويستحق الملامة في الترك، وكل من التعريفين ناقص لا يخلو عن نظر، أما تعريف الأترازي الذي ادعى أنه من إبداع خاطره فليس بشيء، من الأول: أن في قوله: إن في فعله ثواب.. يشتمل الفرض والنفل أيضا، وقوله: في تركه عقاب.. لا يخرج الفرض؛ لأن العتاب نوع من العقاب ولئن سلمنا أن العتاب غير العقاب حينئذ يخرج السنن المؤكدة التي هي في قوة الواجب فإن في تركها عذابا أيضا، الثاني: أن تعريفه هذا يدخل في سنة غير النبي صلى الله عليه وسلم فإن سيرة العمرين لا شك في فعلها ثواب وفي تركها عقاب؛ لأنا أمرنا بالاقتداء بهما لقوله صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي» فإذا كان الاقتداء بهما مأمورا به يكون واجبا وتارك الواجب يستحق العقاب والعتاب، وأما تعريف الأكمل فإنه غير مانع لتناوله سنة غير النبي صلى الله عليه وسلم على ما لا يخفى.
وأحسن التعريفات تعريف خواهر زاده رحمه الله ثم كيفية غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء على أن يأخذ الإناء إن كان صغيرا ويصب علي يمينه فيغسلها ثلاثا، وإن كان كبيرا لا يمكنه رفعه يأخذ منه الماء بإناء صغير إن كان معه فيصبه على يمينه فيغسلها ثلاثا ثم يدخل اليمنى، والسنة تقديم غسل اليدين إلى الرسغ أما نفس الغسل ففرض حتى قال محمد في " الأصل ": ثم يغسل ذراعيه فلا يجب غسلهما ثانيا، وقال تاج الشريعة: قوله وسنن الطهارة غسل اليدين أي تقديم غسل اليدين لا نفس الغسل فإنه فرض.
م: (إذا استيقظ المتوضئ من نومه) ش: شرط ذلك عند استيقاظ المتوضئ من نومه نقل ذلك شمس الأئمة الكردري أنه شرط حتى إنه إذا لم يستيقظ لا يسن غسلهما، وقيل: هو شرط اتفاقي، خص المصنف غسلهما بالمستيقظ تبركا بلفظ الحديث والسنة تشمل المستيقظ وغيره وعليه الأكثرون وسيجيء مزيد الكلام في الحديث الذي يذكره المصنف. وقوله: المتوضئ يحتمل أمرين أحدهما أن يريد به من قام على وضوء فإذا سن ذلك في حقه فغيره أولى، والآخر أن يريد به من يريد الوضوء ففي الأول الكلام حقيقة وفي الثاني مجاز فافهم.
م: (لقوله عليه السلام «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده» ش: هذا الحديث صحيح أخرجه الجماعة بألفاظ مختلفة كلهم عن أبي هريرة، فالبخاري عن عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم يستنثر ومن استجمر فليوتر وإذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» وأبو الزناد بكسر الزاي المعجمة وتخفيف النون اسمه عبد الله بن ذكوان المقري المدني من رجال الستة، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز المدني من رجال [الستة]، ومسلم عن نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي قالا: حدثنا بشر بن المفضل عن خالد عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده» وأبو داود عن مسدد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده» ، وأبو معاوية اسمه محمد بن خازم بالمعجمتين من رجال الستة والأعمش اسمه سليمان بن مهران ثقة كبير وأبو رزين بفتح الراء وكسر الزاي اسمه مسعود بن مالك الأسدي أسد خزيمة من رجال مسلم والأربعة وأبو صالح اسمه زكوان الزيات ويقال النعمان من رجال الستة.
والترمذي عن الوليد الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده» ، وأبو الوليد اسمه الأوزاعي اسمه عبد الرحمن بن عمر إمام كبير مشهور ونسبته إلى أوزاع وهي من قبائل [......] وقيل الأوزاع من همدان وقيل الأوزاع قرية بدمشق والزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب ونسبته إلى زهرة بن كلاب بن كعب بن لؤي بن غالب وأبو سلمة اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ويقال اسمه وكنيته.
والنسائي عن قتيبة بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمسن يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» ، وابن ماجه عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما حدثاه أن أبا هريرة كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا فإنه لا يدري أحدكم أين باتت يده» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وأخرجه الطحاوي في " معاني الآثار " قال: حدثنا سليمان بن شعيب قال: حدثنا بشر بن بكير قال: حدثنا الأوزاعي وحدثنا سعيد بن نصر قال: حدثنا الفريابي قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا ابن شهاب قال: حدثنا سعيد بن المسيب أن أبا هريرة كان يقول: «إذا قام أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرة أو مرتين أو ثلاثا فإنه لا يدرى أين باتت يد أحدكم» . والفريابي بكسر الفاء وسكون الراء وبالياء آخر الحروف وبعد الألف باء موحدة مكسورة بعدها ياء النسبة نسبة إلى فارياب بليدة بنواحي بلخ ويقال الفريابي أيضا على الأصل وهو فيريابي بزيادة ياء بعد الفاء وهو محمد بن يوسف شيخ البخاري وغيره.
وهذا الحديث روي عن جابر وابن عمر، وأما حديث جابر فرواه الدارقطني من حديث أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده ولا على ما وضعها» إسناده حسن.
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما. فرواه الدارقطني من حديث ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده منه وأين طاف بيده» ، فقال له رجل:" أرأيت إن كان حوضا "، فحصبه ابن عمر، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول:" أرأيت إن كان حوضا ". إسناده حسن. ورواه ابن ماجه وابن خزيمة ولفظ المصنف في هذا الحديث لا يوافق الروايات المذكورة على النسق كما تراه، بل قوله إذا استيقظ أحدكم من منامه يوافق ما في رواية البخاري والدارقطني، قوله «فلا يغمسن يده» بنون التوكيد المشددة لم يقع في رواية هؤلاء إلا أنه وقع في رواية البزار فإنه رواه من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في طهوره حتى يفرغ علها» الحديث.
والذي وقع في رواية مسلم وهو قوله «فلا يغمسن» على صورة النهي وكذا في رواية النسائي، وقوله حتى يغسلها ثلاث مرات، وكذا وقع في رواية مسلم وأبي داود، وقع في رواية النسائي «حتى يغسلها ثلاثا» مثل لفظ المصنف وفي رواية الترمذي مرتين أو ثلاثا، وكذا في رواية أبي داود والترمذي، وفي رواية البخاري «فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» وكذا في رواية مسلم وأبي داود والترمذي وفي رواية البخاري «فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» وكذا في رواية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
النسائي وفي رواية ابن ماجه «فإن أحدكم لا يدري فيم باتت يده» وكذا في رواية الطحاوي وفي جميع الروايات عدم التعرض إلى العدد إلا في رواية البخاري «فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في وضوئه» .
وفي رواية مسلم: «فلا يغمسن يده في الإناء» وفي رواية النسائي: «فلا يغمسن يده في وضوئه.» وفي رواية أبي داود مثل رواية مسلم، وفي رواية الترمذي " حتى يفرغ عليها " من أفرغت الإناء إفراغا إذا قلبت ما فيه، وكذا أفرغته تفريغا، والمعنى حتى يصب على يديه مرتين أو ثلاثا، وفي " سنن البيهقي الكبير "" حتى يصب عليها صبة أو صبتين "، وفي جامع عبد الله بن وهب المصري صاحب مالك:«حتى يغسل يده أو يفرغ فيها فإنه لا يدري حيث باتت يده» وفي " علل ابن أبي حاتم الرازي ": " فليغرف على يديه ثلاث غرفات "، وفي لفظ:" فليغرف بيمينه من إنائه "، وعند ابن عدي من رواية الحسن عن أبي هريرة مرفوعا:«فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها فليرق ذلك الماء.»
قلت: أنكر ابن عدي على معلى بن الفضل الذي روى هذا الحديث عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن أبي هريرة زيادة: " فليرق ذلك الماء ". والحديث منقطع عند الأكثرين بعدم صحة الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه ثم الكلام فيه على أنواع:
الأول: استدل به أصحابنا على الغسل لليدين قبل الشروع في الوضوء سنة. بيان ذلك أن أول الحديث يقتضي وجوب الغسل للنهي عن إدخال اليد في الإناء قبل الغسل وآخره يقتضي استحباب الغسل للتعليل بقوله: «فإنه لا يدري أين باتت يده» يعني في مكان طاهر من بدنه أو نجس، فلما انتفى الوجوب لما في التعليل المنصوص تثبت فثبتت السنة؛ لأنها دون الوجوب.
فإن قلت: كان ينبغي أن لا يبين في التعليل هذه السنة؛ لأنهم كانوا يتوضئون من الأتوار فلذلك أمرهم عليه السلام بغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وأما في هذا الزمان فقد تغير ذلك.
قلت: السنة لما وقعت سنة في الابتداء بقيت ودامت وإن لم يبق ذلك المعنى؛ لأن الأحكام إنما يحتاج إلى أسبابها حقيقة في ابتداء وجودها لا في بقائها؛ لأن الأسباب تبقى حكما، وإن لم يبق ذلك المعنى للشارع ولاية الإيجاد والإعلام فجعلت الأسباب الشرعية بمنزلة الجواهر في بقائها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
حكما، وهذا كالرمل في الطواف ونحوه.
وفي " الأحكام " لابن بزيزة: واختلف الفقهاء في غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء فذهب قوم إلى أن ذلك من سنن الوضوء. وقيل إنه مستحب، وبه صدر ابن الخلاب في شرحه، وقيل: بإيجاب ذلك مطلقا، وهو مذهب داود وأصحابه، وقيل: بإيجابه في نوم الليل دون نوم النهار، وبه قال أحمد، وقال: هل يغسلان مجتمعين أو متفرقين ففيه قولان مبنيان على اختلاف لفظ الحديث الوارد في ذلك، ففي بعض الطرق يغسل يديه مرتين مرتين، وذلك يقتضي الإفراد، وفي بعض طرقه يغسل يديه مرتين، وذلك يقتضي الجمع.
وقال السروجي: اختلف الفقهاء في غسل اليدين قبل الوضوء، فقيل: إنه سنة بإطلاق، وهو المشهور، وهكذا ذكر في " المحيط " و " المبسوط "، ويدل عليه أنه عليه السلام لم يتوضأ قط إلا غسل يديه، وحديث عثمان رضي الله عنه متفق عليه. ومثله في " التحفة " و " الحواشي " و " المنافع "، وفيه تقديم غسلهما إلى الرسغين سنة تنوب عن الفريضة، كالفاتحة تنوب عن الواجب وفرض القراءة.
وقيل: إنه مستحب للتأكيد في طهارة يده مروي عن مالك، وقوله: إنه واجب على المنتبه من النوم بالليل دون النهار، قاله أحمد لحديث الترمذي وابن ماجه بقوله من الليل، ونحن نقول إن قيد الليل باعتبار الغالب وإلا فالحكم ليس مخصوصا بالقيام من الليل بل المعتبر الشك في نجاسة اليد، فمن شك في نجاستها كره له إدخالها في الإناء قبل غسلهما سواء قام من نوم الليل أو من نوم النهار أو شك في نجاستها في غير نوم، وهذا مذهب الجمهور. وعن أحمد: إن قام من الليل كره كراهة تحريم، وإن قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه داود الظاهري اعتمادا على لفظ الحديث.
النوع الثاني: إن هذا النهي نهي تنزيه لا تحريم حتى لو غمس يده لم يفسد الماء ولم يأثم الغاسل وعن الحسن البصري وإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري رحمهم الله أنه ينجس إن قام من نوم الليل.
النوع الثالث: إن قوله في الإناء محمول على ما إذا كانت الآنية صغيرة كالكوز أو كبيرة كالجب ومعه آنية صغيرة أما إذا كانت كبيرة، وليست معه آنية صغيرة فالنهي محمول على الإدخال على سبيل المبالغة وتمام الكلام قد مر.
النوع الرابع: يستفاد منه أن الماء القليل تؤثر فيه النجاسة كالقلتين بوقوع النجاسة فيه وإن لم تغيره وإلا لا يكون فائدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
النوع الخامس: يستفاد منه استحباب غسل النجاسات ثلاثا؛ لأنه إذا أمر به في المتوهمة ففي المتحققة أولى، ولم يزد شيء فوق الثلاث إلا في ولوغ الكلب كما سيجيء إن شاء الله تعالى.
النوع السادس: إن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل ولا يؤثر فيها الرش؛ لأنه عليه السلام قال: حتى يغسلها ولم يقل حتى يرشها عليها.
النوع السابع: فيه استحباب الأخذ بالاحتياط في أبواب العبادات.
النوع الثامن: استدل به أصحابنا على أن الإناء يغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرات، وذلك أن النبي عليه السلام أمر القائم من الليل بإفراغ الماء على يديه مرتين أو ثلاثا وذلك أنهم كانوا يتغوطون ويتبولون ولا يستنجون بالماء وربما كانت أيديهم تصيب الموضع النجس فنجس، فإذا كانت الطهارة تحصل بهذا العدد من البول أو الغائط وهما أغلظ النجاسات كان أولى وأحرى أن يحصل بما دونهما من النجاسات.
النوع التاسع: أن الماء ينجس بورود النجاسات عليه وهذا بالإجماع وأما ورود الماء على النجاسة فكذلك عندنا خلافا للشافعي، وقال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله: في هذا الحديث الفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه وأنها إذا وردت عليه تنجسه وإذا ورد عليها أزالها، وتقريره أنه قد نهى عن إدخال اليدين في الإناء لاحتمال النجاسة، وذلك يقتضي أن ورود النجاسة على الماء مؤثر فيه وأمر بغسلها بإفراغ الماء عليها للتطهير، وذلك يقتضي أن ملاقاتها الماء على هذا الوجه غير مفسد بمجرد الملاقاة للضرورة ولكن لا نسلم أنه يبقى طاهرا بعد إزالة النجاسة. وقال النووي أيضا: وفيه دلالة أن الماء القليل إذا وردت عليه نجاسة تنجسه.
وإن قلت: ما لم [......] لأن الذي يتعلق باليد ولا يرى قليل جدا، وإن كانت عادتهم استعمال الأواني الصغيرة التي تقرب من القلتين بل لا تقاربه. وقال القشيري: وفيه نظر عندي؛ لأن مقتضى الحديث أن ورود النجاسة على الماء يؤثر فيه ومطلق التأثير أعم من التأثير بالنجس ولا يلزم من ثبوت الأعم ثبوت الأخص العين فإذا سلم الخصم أن الماء القليل بوقوع النجاسة قد يكون مكروها فقد ثبت مطلق التأثير ولا يلزم ثبوت خصوص التأثير بالتنجس.
النوع العاشر: فيه استعمال الكنايات في المواضع التي فيها استحياء ولهذا قال عليه السلام: «فإنه لا يدري أين باتت يده» ولم يقل فلعل يده وقعت على دبره أو ذكره أو نجاسة ونحو ذلك، وإن كان هذا معنى قوله عليه السلام وهذا إذا علم أن السامع يفهم بالكناية المقصود فإن لم يكن كذلك فلا بد من التصريح لينفي اللبس والوقوع في خلاف المطلوب وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحا به.
ولأن اليد آلة التطهير فيسن البداية بطهارتها،
ــ
[البناية]
النوع الحادي عشر: أن قوله في الإناء، وإن كان عاما لكن القرينة دلت على أنه إناء الماء بدليل ما في الرواية الأخرى في وضوئه وهو الماء الذي يتوضأ به، ولكن الحكم لا يختلف بينه وبين غيره من الأشياء الرطبة.
النوع الثاني عشر: أن قوله: " فلا يغمسن يده " يتناول ما إذا كانت يده مطلقة أو مشدودة بشيء أو في جراب أو كون النائم عليه سراويله أو لم يكن لعموم اللفظ.
النوع الثالث عشر: أن قوله " أحدكم " خطاب للعقلاء البالغين المسلمين، فإن كان القائم من النوم صبيا أو مجنونا أو كافرا فذكر في " المغني " أن فيه وجهين: أحدهما: أنه كالمسلم البالغ العاقل؛ لأنه لا يدري أين باتت يده. والثاني: أنه لا يؤثر غمسه شيئا؛ لأن المنع من العمل إنما يثبت بالخطاب ولا خطاب في آخر هؤلاء.
النوع الرابع عشر: أن قول المصنف إذا استيقظ المتوضئ يدل على أنه كان نائما على الوضوء وهو لا يسن في حقه غسل يديه قبل إدخالهما الإناء فكيف عد ذلك من سنن الطهارة. قلت: قد مر جوابه عند قوله: " إذا استيقظ المتوضئ " وفي " المجتبى " و " الجنازية " خص المصنف غسلهما بالمستيقظ تبركا بلفظ الحديث، وإلا السنة شاملة للمستيقظ وغيره، فإنه ذكر في " المحيط " و " التحفة " وغيرهما أن غسلهما في الابتداء سنة على الإطلاق، وفي البداية قوله:«إذا استيقظ» اتفاقي، وعن شمس الأئمة الكردري كلمة الشرط تجري على حقيقتها حتى لم يسن إذا لم يستيقظ، وقيد في " الإيضاح " وفي " شرح مختصر الكرخي " وسائر شروح القدوري أن كونه سنة للمستيقظ من نومه فحسب؛ لأن النوم مظنة، واليد طوافة على البدن فلعلها أن تقع على موضع النجاسة، لكن هذا مردود بمن قام مستنجيا بالماء فإنه لا حاجة له إلى غسل اليدين أولا.
النوع الخامس عشر: أنه إذا أراد غسل يديه بعد غسل وجهه، هل يغسل ذراعيه لا غير أو يغسلهما من الأصابع، ذكر في الأصل غسل الذراعين لا غير لتقدم غسل اليدين إلى الرسغ مرة، وقال السرخسي على ما ذكره في " الذخيرة ": الأصح عندي أن يعيد غسل اليدين ظاهرهما وباطنهما؛ لأن الأول كان سنة افتتاح الوضوء فلا ينوب عن فرض الوضوء، وهو مشكل؛ لأن المقصود هو التطهير بأي طريق كان حصل فلا معنى لإعادته.
م: (ولأن اليد آلة التطهير فيسن البداية بطهارتها) ش: هذا بظاهره يدل على الوجوب باعتبار أن ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب، ولكن طهارة العضو حقيقة وحكما تدل على عدم الوجوب فثبتت السنة في المستيقظ وغيره.
فإن قلت: كيف طهارة العضو حقيقة، وحكما؟