الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والدم والقيح إذا خرجا من البدن فتجاوزا إلى موضع يلحقه حكم التطهير
والقيء ملء الفم،
ــ
[البناية]
رواه مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وجد واحدكم من بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» .
وثبت عن عبد الله بن زيد بن عاصم «قال: شكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» رواه البخاري، ومسلم، والجواب عن حديث صفوان، وهو أنه بين فيه جواز المسح ونقض ما يمسح بسببه ولم يقصد بيان جميع النواقض أو بين فيه جواز المسح من الحدث الأصغر دون الأكبر. .
[خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء]
م: (والدم والقيح إذا خرجا من البدن فتجاوزا إلى موضع يلحقه حكم التطهير) ش: هذا معطوف على قوله: "كل ما خرج من السبيلين من المعاني التي تنقض الوضوء " الدم والقيح إن أخرجا من البدن وههنا قيود.
الأول: الخروج لأن نفس النجاسة غير ناقضة ما لم يوصف بالخروج وإلا لما حصلت الطهارة لشخص ما.
والثاني: من البدن وأراد به الحي لأنه إذا خرجت من بدن الميت بعد غسله لا يوجب إعادة غسله بل توجب غسل ذلك الموضع على ما سيأتي.
والثالث: التجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير وهو احتراز عما يبدو ولم يتجاوز فإنه لا يسمى خارجا، ولكن يسمى باديا وفيه رد لزفر رحمه الله فإنه ظن أن البادي خارج فأوجب فيه الوضوء.
والشرط الرابع: أن يلحق ذلك موضع التطهير في الجملة كما في الجنابة حتى لو سال الدم من الرأس إلى قصبة الأنف ينتقض الوضوء بخلاف البول إذا نزل إلى قصبة الذكر ولم تظهر لأن النجاسة هناك لم تصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير، وفي الأنف وصلت إلى ذلك إذ الاستنشاق فرض في الجنابة، والفاء في قوله: فتجاوز تفسيرية لأنها تفسر الخروج والإضافة في قوله: "حكم التطهير" من إضافة العام إلى الخاص كقولهم: علم الطب، أي حكمه هو تطهير في الجملة كما ذكرنا.
[القيء والدم من نواقض الوضوء]
م: (والقيء ملء الفم) ش: بالرفع عطفا على قوله: "الدم، والقيح" وسيجيء الكلام في حكم القيء مفصلا إن شاء الله تعالى، واعلم أن الخارج النجس من غير السبيلين ينقض الوضوء عند علمائنا وهو قول العشرة المبشرة بالجنة، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي موسى الأشعري، وأبي الدرداء وثوبان، وصدور التابعين، وقال ابن عبد البر روي ذلك عن علي وابن مسعود، وعلقمة والأسود وعامر الشعبي وعروة بن الزبير وإبراهيم
وقال الشافعي رحمه الله الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء لما روي «أن النبي عليه السلام قاء فلم يتوضأ»
ــ
[البناية]
النخعي، وقتادة، والحكم بن قتيبة وحماد، والثوري والحسن بن حي، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وقال الخطابي: وهو قول أكثر الفقهاء.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء) ش: وبه قال مالك وهو قول ابن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن أبي أوفى وجابر، وأبي هريرة، وعائشة، وسعيد بن المسيب في رواية، وسالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وطاووس وعطاء في رواية ومكحول وربيعة، وأبي ثور، وداود م:(لما روي أن النبي عليه السلام قاء فلم يتوضأ) ش: هذا الحديث غريب لا ذكر له في كتب الحديث واستدل الشافعي ومن تبعه فيما ذهب إليه بأحاديث منها:
ما روي عن «النبي عليه السلام أنه قاء فغسل فمه فقيل له: ألا تتوضأ وضوءك للصلاة؟ فقال: "هكذا الوضوء من القيء» ، وروي أنه عليه السلام، قال:«لا وضوء إلا من حدث، قيل: وما الحدث، قال: الخارج من السبيلين» .
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح» رواه الترمذي.
وروى ثوبان «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه» رواه الدارقطني، وفي رواية «سكت، فقال: "لو كان لوجدته في كتاب الله» .
وعن جابر أن «النبي عليه السلام خرج من غزاة ذات الرقاع فقال من يكلؤنا في الليلة فقال رجل من الأنصار ورجل من المهاجرين نحن نعم الشعب فقام الأنصاري واضطجع المهاجري فجاء رجل من المشركين فرماه بسهم فنزعه» ورماه بآخر حتى رماه ثلاثة أسهم فلما خاف على نفسه أيقظ صاحبه، فلما رأى الدم يسيل منه قال: هلا أيقظتني في أول، فقال: كنت أتلو سورة فلم أحب ان أقطعها حتى أنفذها فلما تابع على الرمي ركعت فآذنتك، وأيم الله لولا أني أخاف ان أضيع أمرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لما أيقظتك فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
لهما. رواه أبو داود ولم يأمره بالوضوء ولا إعادة الصلاة.
وأخرج هذا أيضا ابن حبان في "صحيحه " والبخاري أيضا معلقا، ورواه الدارقطني والبيهقي في "سننيهما "، إلا أن البيهقي رواه بإيضاح في كتاب " دلائل النبوة "، وقال فيه:«فنام عمار بن ياسر وقام عباد بن بشر يصلي، وقال: كنت أصلي بسورة وهي الكهف، فلم أحب أن أقطعها» .
الجواب عن الحديث الأول أنه غريب فلا يعارض المشهور، والحديث الثاني: لا يعرف له أصلا، والثالث: متروك الظاهر لأن الوضوء يجب من غير الصوت والريح بالاتفاق، والرابع: فيه عتبة بن السكن، قال الدارقطني: هو متروك، والخامس: يحتمل أنه عليه السلام لم يعلم بحاله على الفور ثم علم فأمره بالإعادة بغير علم الراوي، ولو وقع التعارض لطلبنا الترجيح وذلك من وجهين:
أحدهما: إجماع الصحابة على مثل مذهبنا ولو كانت الأخبار غير ثابتة لما أجمعوا، والثاني: أن أخبارنا مثبتة وأخباره منفية والمثبت يقدم كذا قاله صاحب " أرباب الإنصاف " من أصحابنا ولا يخلو عن نظر.
وقال صاحب " كتاب اللباب " وقيل هذا لا يصح الاستدلال به فإن الدم حين خرج أصاب بدنه وثوبه فينبغي أن يخرج من الصلاة ولم يخرج فلما لم يدل مضيه في الصلاة على جواز الصلاة مع النجاسة كذلك لا يدل مضيه فيها على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء فإن قيل: أصاب الدم شيئا من بدنه، أو ثيابه شك فيه أو شك أنه يصير عمل في الصلاة أو كثير لا يحتمل فيها، وأما خروجه فإنه ينجس به لأنه خارج من بدنه، قيل له، قيل له: هذه مكابرة كيف يحصل له الشك، وقد قال جابر رضي الله عنه فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، والمهاجري قد رآه بالليل ويقال: ما رأى الدماء ببدنه وثيابه لأنه قال: ما بالأنصاري من الدماء، ولم يقل ما بالأرض والدم السائل في الليل لا يكون يسيرا فكيف قد جمع الدم في رواية حيث قال: فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله وذلك لأنه وقد أصابه بثلاثة أسهم والظاهر أنها في ثلاثة مواضع، ثم إن هذا نقل واحد من الصحابة ولعل هذا كان مذهبا له وكان غيره عالما بحكمه، وقال الخطابي أكثر الفقهاء على انتقاض الوضوء بسيلان الدم وهذا أقوى إلى الاتباع.
ولأن غسل غير موضع الإصابة أمر تعبدي فيقتصر على مورد الشرع وهو المخرج المعتاد، ولنا قوله عليه السلام:«الوضوء من كل من كل دم سائل»
ــ
[البناية]
م: (ولأن غسل غير موضع الإصابة أمر تعبدي فيقتصر على مورد الشرع وهو المخرج المعتاد) ش: هذا دليل الشافعي من جهة العقل، قوله:"تعبدي" أي أمر تعبدنا به حين كلفنا الله به من غير معنى يعقل إذ العقل إنما يقتضي وجوب غسل موضع إصابة النجاسة فيقتصر على مورد الشرع وهو المخرج المعتاد، ويجوز أن يكون معناه أمر تعبدي أن القياس يقتضي وجوب غسل كل الأعضاء كما في المني بل بطريق الأولى لأن الغائط أنجس من المني للاختلاف في نجاسته دون الغائط فالاقتصار على الأعضاء الأربعة أمر تعبدي.
م: (ولنا قوله عليه السلام: «الوضوء من كل دم سائل» ش: هذا أخرجه الدارقطني في "سننه " من حديث عمر بن عبد العزيز عن تميم الداري، وقال الدارقطني: عمرو بن عبد العزيز لم يسمع من تميم، ورآه وفي مسنده يزيد بن خالد عن يزيد بن محمد وكلاهما مجهولان.
قلت: الحديث هذا مرسل والمراسيل عندنا حجة لما عرف في أصولنا، ويعزى هذا لزيد بن ثابت نحوه أخرجه ابن عدي في " الكامل " في ترجمة أحمد بن فرج عن بقية حدثنا عن شعبة عن محمد بن سليمان عن عاصم عن عمر بن الخطاب عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الوضوء من كل دم سائل» ، قال ابن عدي: هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث أحمد لهذا، وهو عمن لا يحتج بحديثه ولكنه يكتب فإن الناس مع ضعفه قد احتملوا حديثه.
وقال ابن أبي حاتم: في كتاب " العلل " كتبنا عنه، ومحمله عندنا الصدق، وجه الاستدلال به أن مثل هذا التركيب يفهم منه الوجوه كما في قوله:«في خمس من الإبل شاة» ولا خلاف في الفرضية، فكان معناه توضأ من كل دم سائل من البدن، وإنما عبر بلفظ الخبر لكونه آكد في الدلالة على الوجوب كأنه أمر فامتثل أمره فأخبر عن ذلك، وهو آية كونه واجبا فإن الأمر إذا كان ممن لا يكذب في كلامه يعبر عن مطلوبه بلفظ الخبر تأكيدا للطلب، كذا قاله الأكمل وأخذه من
وقوله عليه السلام: «من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم»
ــ
[البناية]
حاصل كلام السغناقي فإنه قال: فإن قلت: هذا مبتدأ وخبره ما اقتضاه الجار والمجرور وهو مستحب، أو سنة، أو واجب فما الوجه في تعيين الواجب؟
قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن هذا إخبار آكد في الدلالة على الوجوب. الوجه الثاني: أنه وصف الدم بالسيلان والدم السائل نجس مطلقا كالغائط فكان ملحقا به بدلالة بالنص.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المراد به الوضوء اللغوي لأنه قد ورد ذلك في لسان الشرع الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم. قلت: أجاب السغناقي بأن النبي عليه السلام أخرج ذلك على طريق المشاكلة لجواب سائل في قوله: "ألا تتوضأ وضوءك للصلاة" وأجاب الأكمل بأن ذلك مجاز شرعي ولا تترك الحقيقة الشرعية في كلام الشارع بلا دليل.
وقال تاج الشريعة: الوضوء من كل دم سائل واجب لأنه محل صالح لإتمام الكمال، فيصار إليه وغيره من الأحكام غير ثابت بعضها نحو الحرمة والكراهة، وبعضها ثابت بدون سيلان الدم وهو الندب والإباحة، لأن كلمة "من" للجزئية والبعضية أو لبيان أن أحدهما يتفرع من الآخر وبعضه كما يقال الثمرة من النخلة، وهذه الحقيقة غير مرادة ههنا لاستحالة أن يكون الوضوء متفرعا من الدم السائل أو بعضه فيحمل على السببية لأنها من لوازم الحقيقة، إذ المتفرع لا بد له أن يكون سببا فيصير تقدير الحديث، والله أعلم بالصواب، يجب بسبب كل دم سائل، وقد وجد الدم السائل فيجب الوضوء وهذا أدق وأوجه من الوجهين اللذين ذكرهما السغناقي فلذلك قال صاحب " الدراية " فيهما تأمل.
م: (وقوله عليه السلام: «من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» ش: قال الأكمل: رواه ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
الرازي في " شرح الطحاوي "، ولذا قال الأترازي: وهذا عجز منهما، بل رواه ابن ماجه في "سننه " من حديث إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة ولفظه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس فلينصرف ثم يبن على صلاته وهو في ذلك» .
ورواه الدارقطني في "سننه " ولفظه: «إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس فلينصرف ثم يبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم» . وروى الدارقطني أيضا من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قاء أحدكم أو رعف وهو في الصلاة أو أحدث فلينصرف فليتوضأ ثم ليجيء فليبن على ما مضى» .
فإن قلت: قد طعنوا في الحديثين: أما حديث عائشة، فقال الدارقطني: أصحاب ابن جريج يروونه عن ابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وقال ابن عدي: رواه ابن عياش مرة هكذا، ومرة عن ابن جريج عن أبيه عن عائشة وكلاهما غير محفوظ. وأخرجه البيهقي من حديث البزار عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن صحت فتحمل على سبيل غسل الدم لا على الوضوء. وأما حديث أبي سعيد فهو معلول بأبي بكر الداهري الذي في سنده قال ابن الجوزي عن أحمد: إنه ليس بشيء، وقال ابن حبان: يضع الحديث.
والجواب عن الأول: أن إسماعيل بن عياش وثقه ابن معين وغيره، وقال يعقوب بن سفيان ثقة عدل، وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أحفظ منه، وما يضر الحديث إذا رواه الثقة بإسنادين مرسل ومسند في حالة واحدة، ومن رواه بالإسنادين جميعا الربيع بن نافع وداود بن رشيد وهذه المقالة تفيد الخطأ على ابن عياش فإنه لو رفع ما وقفه الناس ربما يتطرق الوهم إليه، فأما إذا وافق الناس على المرسل وزاد عليهم بالمسند فهو مشعر بتحفظ وتثبت الزيادة عن الثقة بقوله، ولئن سلمنا أنه مرسل مطلقا فنحن نحتج به.
وأما حمل الشافعي الوضوء على غسل بعض الأعضاء يدفعه ما جاء في الحديث المذكور أو المذي، فإن المذي يوجب الوضوء الشرعي ولا يكفي فيه غسل بعض الأعضاء بالإجماع، وقد يقال في دفعه أنه لو حمل هذا الوضوء في هذا الحديث على غسل الدم فقط لبطلت الصلاة التي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
هو فيها بالانصراف ثم بالغسل ولما جاز له أن يبني على صلاته بل يستقبلها.
وأما الجواب عن الثاني: فنقول إنه اعتمد بحديث عائشة رضي الله عنها ولئن رددناه بالكلية فحديث عائشة كاف سواء كان مسندا أو مرسلا، ثم وجه الاستدلال بالحديث المذكور من وجوه:
الأول: أنه أمر بالبناء وأدنى درجات الأمر الإباحة، والجواز، ولا جواز للبناء إلا بعد الانتقاض فدل بعبارته على البناء وعلى الانتقاض بمقتضاه. والثاني: أنه أمر بالوضوء ومطلق الأمر للوجوب. والثالث: أنه أباح الانصراف وهو لا يباح بعد الشروع إلا به، فإن قلت: جاز أن يكون الأمر بالانصراف واقعا لغسل النجاسة الحقيقية كرعاف أصاب بدنه وثوبه لا للحدث، قلت: أخرج عليه بطريق المشاكلة لجواب السائل في قوله: ألا تتوضأ وضوءك للصلاة مع أن غسل النجاسة الحقيقية مبطل للصلاة، ومانع للبناء بها بالاتفاق ألا ترى أن فيه [مني] أو مذي، وعن المذي يجب الوضوء الشرعي فكذا بالقيء أو الرعاف كذا في " الأسرار ".
فإن قلت: البناء المعطوف على الانصراف غير واجب، فكذا الانصراف والتوضئ لتتناسب أحكام المعطوفات. قلت: هذا من الاستدلال بالأدلة الفاسدة فإن القران في النظم لا يوجب القران في الحكم، وقد يعطف الأمر المقتضي للوجوب على الأمر المقتضي للإباحة كما في قَوْله تَعَالَى:{كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ} [سبأ: 15](سبأ: الآية 15) فالأكل مباح والشكر واجب في قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141](الأنعام: الآية 141) . فالثاني للوجوب لا الأول ولما أمر بالانصراف ظن ظان أن ذلك مفسد للصلاة فأمر بالبناء لنفي هذا الظن.
وقوله: رعف بضم العين، وقال السعدي: فتح العين هو الصحيح، يقال: رعف إذا سال رعافه، أو قلس بالتحريك، وقيل: بالسكون وهو ما يخرج من الجوف ملء الفم أو دونه، وليس بقيء فإن عاد فهو قيء، واعلم أن لنا أحاديث أخر في هذا الباب: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة، قال: "لا إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة فإذا أقبلت فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت» فأخرجه أحمد وابن ماجه، «وتوضئي عند كل صلاة، وإن قطر الدم على الحصير» وهذا فيه دليل على وجوب الوضوء من الدم، ونبه على العلة بقوله:"عرق".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
فإن قلت: قالوا: قوله: «وتوضئي لكل صلاة» من قول عروة. قلت: قد صححه الترمذي، ولا يمكن أن يقال هذا من قبيل نفسه، لأنه عطف الأمر بالتوضؤ على الأوامر المتقدمة من قوله:«فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، وتوضئي لكل صلاة» فلما قال: " توضئي شيئا " كل ما قبله من أمره عليه السلام، ولأن من أثبت الإسناد كان أولى.
فإن قلت: «فاغسلي عنك الدم» ، ثم صلي مشكل في ظاهره لأنه لم يذكر الغسل إلا بعد انقضاء الحيض من الغسل.
قلت: هذا مذكور في رواية أخرى صحيحة. قال فيها: «فاغتسلي» قوله " أستحاض " على بناء المفعول، قوله:«أفأدع الصلاة» سؤال قوله: " عرق " أي دم عرق، قوله:«وإذا أدبرت» المراد من الإدبار انقطاع الحيض وعلامة إدبار الحيض انقطاعه وحصوله في الطهر عندنا بالزمان والعادة وهو الفصل بينهما فإذا أظلت عادتها تحرت وإن لم يكن لها ظن أخذت بالأقل وهو اليقين، وعند الشافعي وأصحابه اختلاف الألوان هو الفصل فالأسود أقوى من الأحمر، والأحمر أقوى من الأشقر، والأشقر أقوى من الأصفر، والأصفر أقوى من الأكدر، إذا جعلا حيضا فتكون حائضا في أيام القوة مستحاضة في أيام الضعف.
وحديث سعد بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن «النبي عليه السلام قاء فتوضأ فلقيته في مسجده فذكرت له ذلك، فقال: صدق أنا صببت وضوءه» رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسين المعلم أصح شيء في هذا الباب.
وحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس في القطرة ولا القطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون دما سائلا» رواه الدارقطني. وحديث سلمان رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سال من القيء دم الحديث لما أحدث يكفي الوضوء» رواه البزار في "مسنده"، وسكت عنه.
ولأن خرج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة وهذا القدر في الأصل وهو معقول والاقتصار على الأعضاء الأربعة غير معقول لكنه يتعدى ضرورة تعدي الأول
ــ
[البناية]
وحديث ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رعف في صلاته توضأ ثم بنى على صلاته» رواه الدارقطني وأعله بعمر بن رياح، والترجيح معنا لوجوه أربعة: الأول: أنه أكبر الصحابة. الثاني: أخبارنا مثبتة وأخبارهم نافية، والمثبت أولى بالقبول، الثالث: أن أخبارنا أكثر وأصح، وليس لهم خبر صحيح. الرابع: ما صرنا إليه أحوط في الدين في باب العبادة.
م: (ولأن خروج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة) ش: هذا جواب لقول الشافعي حيث قال: غسل غير موضع الإصابة تعبدي ليس بمعقول، وفيه إثبات لصفة النجاسة لما يخرج من غير السبيلين بطريق القياس، ومعنى قوله: يؤثر في زوال الطهارة ظاهر لأن النجاسة إذا وجدت في محل تنفي الطهارة عن ذلك المحل، وإذا زالت عنه توجد الطهارة فيه لأن بينهما منافاة، وقال تاج الشريعة: النجاسة معنى إذا اختص بمكان يوجب الإخلال بالتقرب إلى المعبود ويمنع كمال التعظيم في العبادة، والطهارة يعني إذا اختصت بمحل يوجب كمال التقرب به إلى المعبود، وتمام التعظيم في العبادة، والنجاسة ضد الطهارة ومن الضرورات بتحقق أحد الضدين انتفاء الضد الآخر.
م: (وهذا القدر) ش: أي كون النجاسة تؤثر في زوال الطهارة م: (في الأصل وهو) ش: الخارج من السبيلين م: (معقول) ش: يعني يدركه العقل فيقاس عليه غيره، وهو الخارج من غير السبيلين م:(والاقتصار على الأعضاء الأربعة غير معقول) ش: لأنه غسل غير موضع الإصابة م: (لكنه يتعدى ضرورة تعدي الأول) ش: أي لكن الاقتصار على الأعضاء الأربعة يتعدى ضرورة تعدي المنصوص عليه وإن كان غير معقول إلى صورة النزاع حكما حتى يتعدى في ضمن الأول، وهو زوال الطهارة بخروج النجاسة.
وتحقيق هذا الكلام أن نقول: نحن لا نتعدى الحكم المخالف للقياس ضرورة أن ههنا حكمين:
أحدهما: ثبوت أحكام النجاسة، وهو المنع للصلاة ومن المضمضة وغيره أنه موافق للقياس لأنه محل تعظيم المعبود لأن القيام لعبادة الله ببدن نجس لا يكون مثل العبادة ببدن طاهر، والآخر الاقتصار على الأعضاء الأربعة وهو حكم مخالف القياس في الأصل، أعني السبيل فإذا تعدى الموافق للقياس تعدى إلى الفرع بصفة وأصل الحكم لما وافق القياس لا بد من تعديته لأنا أمرنا
غير أن الخروج إنما يتحقق بالسيلان إلى موضع يلحقه حكم التطهير
ــ
[البناية]
بالقياس فإذا عدي لا سبيل أنه تعدى وحده لأنه خلاف وضع القياس، إذ القياس مثل تعدي الحكم الثابت في الأصل إلى الفرع وإذا كان الحكم في الأصل موصوفا بصفة لا يجوز تعديته بدونه فتعين أن يتعدى بصفته وإن كانت مخالفة للقياس، وهذا لأن الشيء إذا ثبت في ضمن غيره لا يعطى له حكم نفسه، وإنما يعطى له حكم التضمن كالوكالة الثابتة في ضمن الرهن فإنها تلزم والجندي يصير مقيما في المغازي بنية إقامة السلطان في السفر، وقال الأترازي: يعني قوله "لكنه" أي لكن الخارج من غير السبيلين يتعدى حكمه إلى غير موضع الإصابة ويثبت فيه ضرورة تعدي الأول وهو الخارج من السبيلين لأن شمول العلة تستلزم شمول الحكم، والمراد من الأول الخارج من السبيلين لأنه مذكور أولا وغير الخارج من السبيلين مذكور آخرا.
فإن قلت: ما الأصل، وما الفرع، وما شروط القياس فإنا لم نعلم هذه من كلام المصنف قط.
نقول: أولا القياس إبانة مثل حكم أحد المذكورين بمثل علته في الآخر، فالمذكور الأول هو الأصل والثاني هو الفرع، وشرطه أن لا يكون الأصل مخصوصا بحكم آخر كشهادة خزيمة رضي الله عنه وأن لا يكون معدولا به عن القياس كبقاء الصيام مع الأكل ناسيا، وإن تعدى الشرع الثابت بالنص بعينه إلى فرع هو نظيره ولا نص فيه والأصل ههنا هو الخارج من السبيلين أعني الغائط والبول، والفرع هو الخارج من غير السبيلين، وعلماؤنا استنبطوا أن الخارج من السبيلين كان حدثا لكونه نجسا خارجا من بدن الإنسان من قَوْله تَعَالَى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43](النساء: الآية 43) وهو نص من أنه معلول بذلك الوصف لظهور أثره في عين الحكم المعلل به، وهو انتقاض الطهارة بخروج دم الحيض والنفاس، ووجدوا مثل ذلك في الخارج من غير السبيلين فتعدى الحكم الأول إليه، وتعدى الحكم الثاني وهو الاقتصار على الأعضاء الأربعة أيضا ضرورة تعدي الأول لأنه لو لم يتعد إليه تغير حكم النص بالتعليل وذلك يفسد القياس.
م: (غير أن الخروج إنما يتحقق بالسيلان إلى موضع يلحقه حكم التطهير) ش: هذا جواب إشكال وهو أن يقول: إن الحكم في الفرع لا بد وأن يكون على وفق الحكم في الأصل كما عرف ثم في الأصل يستوي القليل والكثير ولا يستوي ذلك في الفرع، وتقدير الجواب أن المؤثر في نقض الطهارة إنما هو المخروج من الباطن إلى الظاهر، والخروج إنما يتحقق إذا وجد السيلان إلى موضع يلحقه حكم التطهير في البدن كله موضع النجاسة والرطوبات والدماء السائلة فإذا انقطعت البشرة كانت الدماء والرطوبات مادية لا خارجة بخلاف البول إذا ظهر على الإحليل ولم يسل لأنه وجد الخارج من الباطن إلى الظاهر لأن موضع تلك النجاسة هي المثانة لا الإحليل، والمراد من السيلان أن يعلو الشيء على رأس الجرح وينحدر.
وبملء الفم في القيء لأن بزوال القشرة تظهر النجاسة في محلها فتكون بادية لا خارجة بخلاف السبيلين؛ لأن ذلك الموضع ليس بموضع النجاسة فيستدل بالظهور على الانتقال والخروج
ــ
[البناية]
م: (وبملء الفم في القيء) ش: أي وغير أن الخروج يتحقق بملء الفم في القيء يعني إذا قاء ولم يكن ملء الفم لا ينتقض وضوؤه وإنما اشترط ذلك باعتبار أن الفم له شبهان شبه الداخل، وشبه الخارج فاعتبر الكثير خارجا، والقليل غير خارج عملا بشبهي الفم.
فإن قلت: كان القياس أن لا يكون القيء حدثا لأن الحديث خارج بقوة نفسه، والقيء يخرج بقوة غيره فإن من طبع السليمة أن لا تسيل إلى فوق إلا بدافع يدفعها أو جاذب يجذبها كالدم الظاهر على رأس الجرح فمسحه بخرقة.
قلت: ترك القياس بالآثار عند ملء الفم فبقي مأذونا على أصل القياس لأنه من القليل يكون فإن امتلأ معدته يعلو إلى حلقه إذا ركع فجعل عفوا م: (لأن بزوال القشرة تظهر النجاسة في محلها فتكون بادية) ش: أي ظاهرة م: (لا خارجة) ش: لأن حقيقة الخروج هو الانتقال من الباطن إلى الظاهر والنجس ما دام في محله لا يأخذ حكم النجاسة لعدم إمكان تطهيره فاشترط التجاوز إلى موضع آخر م: (بخلاف السبيلين لأن ذلك الموضع ليس بموضع النجاسة) ش: أي لأن موضع الطهر ليس محل النجاسة وهو الإحليل، وموضع النجاسة المثانة فبالظهور يعلم أنه قد انتقل عن محله إلى محل آخر وهو معنى قوله م:(ويستدل بالظهور على الانتقال والخروج) ش: بخلاف غير السبيلين فإنه لم يعلم مجبر والظهور والخروج لأن تحت كل جلد رطوبة ودما فلا ينتقض الطهارة ما لم يوجد السيلان الذي هو يحقق الخروج.
فروع - تورم رأس الجرح فظهر به قيح أو نحوه لا ينقض ما لم يجاوز الورم وعن محمد لو صار أكبر من رأس الجرح نقض.
والصحيح الأول ولو نزل الدم إلى ما لان من الأنف أو إلى صماخ الأذن نقض، وقال الحسن بن زياد: الماء والقيح والصديد طاهر بمنزلة الريق، والعرق، والدمع، والمخاط، والنخامة والبصق فلا ينقض الوضوء، والصحيح أن ذلك بمنزلة الدم لأنه دم رقيق لم يتم نضجه فكان لونه لون الماء وفي " المجتبى ": الدم، والقيح، والصديد، وماء الجرح، والسفطة، والبشرة، والقذي في العين والأذن كله سواء على الأصح، وهذا يدل على أن من رمدت عينه وسال منها الماء يجب الوضوء والناس عنها غافلون ويؤمر به لوقت كل صلاة لاحتمال أن يكون من جرح في الجفون. وعن الحسن أن ماء النفطة لا ينقض. قال الحلواني: وفيه توسعة لمن به جرب أو جدري أو حكة بيده، والدم إذا أخذ من غرز الإبرة أو قطع السكين أكثر من النقبة حديث على الأصح، وذكر الحسن فيه عن محمد أنه ينتقض وعن أبي يوسف أنه لا ينتقض وبه أخذ الزمخشري.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وفي " المحيط " مص القرادة عضوا فامتلأ إن كان صغيرا لا ينقض كما لو مص الذباب والبعوض وإن كان كبيرا ينقض كما لو مصت العلقة، ولو سال من فمه ماء أصفر نقض ولو ظهر بول المجبوب إن كان يقدر على إمساكه متى شاء نقض وإلا لا ينقض إلا بالسيلان وفي " المحيط " توضأ فرأى بللا سائلا من ذكره أعاد وضوءه وإن لم يعلم ما هو مضى على صلاته لأنه من وساوس الشيطان وينضح فرجه بالماء لتحليله عليه وفي " الذخيرة " إذا تبين أن الخنثى رجل أو امرأة فالفرج أخر منه بمنزلة القرحة لا ينقض الخارج منه ما لم يسل.
قال: وفي الكتاب قال أحب أن يعيد الوضوء وهو إشارة إلى أنه غير واجب وهو اختيار محمد بن إبراهيم الميداني وأكثر المشايخ على إيجابه، والدم المساوي للريق ينقض استحسانا كالغالب بخلاف الناقض ولو كان لون الريق أحمر نقض وإن كان أصفر لا ينتقض خرج من أذنه قيح أو صديد بدون الوجع لا ينتقض ومع الوجع ينقض لأنه دليل الجرح هكذا أفتى الحلواني. باشر امرأته من غير حائل فاشتد ذكره لها انتقض وضوؤه عندهما استحسانا خلافا لمحمد إلا بخروج شيء ولم يشترط في ظاهر الرواية مماسة الفرج بالفرج واشترط في رواية الحسن وهو الأظهر الدم السائل من الجرح إذا لم يتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير طاهر في الأظهر وهو قول أبي يوسف وبه أخذ الكرخي، وكذا كل ما لا ينقض الوضوء من القيء وغيره خلا دم الاستحاضة وبه كان يفتي أبو عبد الله القلانسي، ومحمد بن سلمة، وأبو نصر، وأبو القاسم، وأبو الليث. وعن محمد بن الحسن أنه نجس وبه كان يفتي أبو بكر الإسكاف، وأبو جعفر، وعلى الأول لو امتلأ الثوب منه لا يمنع جواز الصلاة كما يكون لأصحاب القروح يصيب ثيابهم مرة بعد مرة من غير تجاوز لمكان العذر ولا يمنع وإن كثر، روى ذلك بعض أصحابنا عن ابن عمر رضي الله عنه وحكي عن أبي يوسف وعليه الفتوى، وفي " الينابيع " أقطر دهنا في إحليله ثم سال منه لا ينقض عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف ومحمد. أدخل الحقنة في دبره ثم أخرجها لا وضوء عليه مع أنه لا يخلو من خروج شيء معها من النجاسة، وكل شيء غيبه في دبره ثم أخرجه أو خرج بنفسه نقض وأفسد الصوم وإن دخل بعضه وطرفه خارج لا ينقض ولا يفسد الصوم عمم ولم يفسد ومراده غير الذكر أما إذا لم يكن عليه بلة وفي " قاضيخان " روايتان والصحيح إذا لم تغب فيه تعتبر البلة والرائحة فإنه ليس بداخل من كل وجه حتى لا يفسد صومه ولا ينقض الوضوء بنزول البول إلى قصبة الذكر وإلى القلفة ينقض. والريح الخارج من ذكر الرجل وقبل المرأة لا ينقض الوضوء.
في " المحيط " هكذا حكاه الكرخي عن أصحابنا إلا أن يكون مفضاة وهي التي صار مسلك بولها ووطئها والتي صار مسلك الغائط والوطء منها واحد ولا يحل وطؤها إلا أن يعلم أنه لا
وملء الفم أن يكون بحال لا يمكن ضبطه إلا بتكلف لأنه يخرج ظاهرا فاعتبر خارجا
ــ
[البناية]
يجاوز قبلها فحينئذ يستحب لها الوضوء لاحتمال أنها خرجت من دبرها لا من قبلها، وفي " المفيد " و " الذخيرة " عن محمد أنه حدث من قبلها قياسا على دبرها وعن الكرخي أن الريح من الذكر لا ينقض وإنما هو اختلاج.
وقال أبو حفص الكبير: يجب في المفضاة، وقيل إن كانت الريح منتنة يجب وإلا فلا، وفي " الذخيرة " والدودة الخارجة من قبل المرأة على هذه الأقوال وفي " القدوري " يوجب وفي الذكر لا ينتقض، وإن خرجت الدودة من الفم، أو الأنف، أو الأذن، لا تنقض، حشى إحليله بقطنة أو ربط الجراحة إن تعدى البلل إلى خارجها نقض وإلا فلا، وإن حشت المرأة بقطنة فابتل داخلها إن كانت على الشفرين نقض وإن كانت داخل الفرج فلا وضوء عليها، وإن أدخلت أصبعها في فرجها انتقض وضوؤها لأنها لا تخلو عن بلة ولو وصل المائع إلى الدماغ بالسعوط، أو الوجوز، أو الأقطار ثم خرج لا ينقض لأنه خرج من مكان طاهر.
وعن أبي يوسف إن خرج من الفم نقض، ولو غرز إبرة في يده وظهر الدم أكثر من رأس الإبرة لم ينتقض، وكان محمد بن عبد الله يميل إلى القول بالنقض ويراد سائلا وكذا في " فتاوى النسفي " وإذا عصرت القرحة فخرج منها شيء كثير ولو لم يعصرها لا يخرج منها شيء ينقض وضوءه كذا في " مجموع النوازل "، وفيه أيضا جرح ليس فيه شيء من الدم والصديد فدخل الحمام أو الحوض فدخل الماء الجرح وسال منه الماء لا ينقض وذكر الإمام علاء الدين أن من أكل خبزا أو فاكهة ورأى أثر الدم فيه من أصول أسنانه ينبغي أن يضع إصبعه أو طرف كفه على ذلك الموضع فإن وجد فيه أثر الدم انتقض وضوؤه وإلا فلا.
م: (وملء الفم أن يكون بحال لا يمكن ضبطه إلا بتكلف) ش: هذا التعريف عن رواية الحسن بن زياد رحمه الله وقيل حد ملء الفم أن يمنعه من الكلام، وقيل: أن يزيد على نصف وقيل: أن يعجز عن تغطية الفم، وقيل: ما جاوز الفم، وقيل ليس فيه حد مقرر بل هو مفوض إلى رأي المبتلى به إن كان يراه ملء الفم انتقضت طهارته وإن لم يره لا ينقض وهذا أشبه مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه فيما لم يرد فيه من الشرع تقدير ظاهر وهو اختيار شمس الأئمة الحلواني م:(لأنه) ش: أي لأنه ملء الفم وهذا دليل لقوله "وبملء الفم من القيء" وليس بدليل لقوله: وملء الفم لمن يكون بحال اه.
حتى لا يقال التعرب لا يستدل عليها لأنه ما قبل تعريف ملء الفم م: (يخرج ظاهرا) ش: لأنه لا يقدر على ضبطه إلا بكلفة م: (فاعتبر خارجا) ش: فلا يكون تبعا لذلك بخلاف ما إذا قل فإنه تبع للريق فلا يقتضي وحاصل الكلام ههنا أن الفم تجارى فيه دليلان: أحدهما يقتضي كونه باطنا والآخر يقتضي كونه ظاهرا نظير ذلك في الصائم إذا أخذ الماء بفيه ثم مسحه لا يفسد صومه، وإذا
وقال زفر: قليل القيء وكثيره سواء، وكذا لا يشترط السيلان، اعتبارا بالمخرج المعتاد ولإطلاق قوله عليه السلام:«القلس حدث» ولنا قوله عليه السلام: «ليس في القطرة والقطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون سائلا»
ــ
[البناية]
ابتلع ريقه فكذلك، فورد على الدليلين حكمها، فقيل إذا كثير ينقض وإذا قل لا ينقض.
م: (وقال زفر رحمه الله: قليل القيء وكثيره سواء) ش: وبه قال الثوري والحسن البصري ومجاهد م: (وكذا لا يشترط السيلان) ش: أي في الخارج من غير السبيلين كالدم ونحوه م: (اعتبارا) ش: أي يعتبر اعتبارا وانتصابه بالمقدر م: (بالمخرج المعتاد ولإطلاق قوله «القلس حدث» ش: هذا قياس ظاهر لأنه لما كان الخارج من غير السبيلين حدثا بما دل عليه من الدليل، وجب أن يستوي فيه القليل والكثير.
قال الأترازي والأكمل أيضا هذا الحديث رواه سوار بن مصعب عن زيد بن علي عن بعض آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره أبو بكر الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي، وهذا عجز منهما من ثلاثة أوجه:
الأول: أن هذا أخرجه الدارقطني في "سننه " حيث لم يرجعا إليه.
والثاني: غير الإسناد إلى زيد بن علي غير سوار بن مصعب وهو متروك.
والقلس بفتح اللام وقيل بسكونها. قاله ابن الأثير واختلف فيه فقال المرغيناني القلس ما كان ملء الفم والقيء دونه، وقيل على العكس دل عليه قول محمد فإن قلس أقل من ملء الفم وقول مجاهد وطاووس لا وضوء في القلس حتى يكون القيء. ذكره النسائي وفي " المغرب " القلس ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بقيء فإن عاد فهو القيء. وقلس الكأس إذا قذف بالشراب لشدة الامتلاء.
وقال خواهر زاده: القلس ما يخرج من المعدة عند غثيان النفس واضطرابها والقيء ما يخرج منها عند سكون وقرار، فكان في القلس زيادة شدة ليست في القيء.
م: (ولنا قوله صلى الله عليه وسلم «ليس في القطرة والقطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون سائلا» ش: رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريقين كلاهما ضعيف، لأن في أحدهما محمد بن الفضل وفي الأخرى حجاج بن نصير وهما ضعيفان، والقطرة والقطرتان عبار عن قلة الدم، وسماه قطرة لأنه لم يوجد السيلان والدليل على ذلك قوله:«إلا أن يكون سائلا» فإن كان السيلان سابقا على حال القطر، فإن زاد السيلان بازدياد الدم واجتمع في موضع لو حصل له صلاحية ازدياد السيلان يحصل القطرة، فإذا كان كذلك لو كانت القطرة على حقيقتها لا يصح استثناء حالة السيلان منها، لأن استثناء الشيء بمنزله غايته، فلا يجوز تقديم الغاية على المغيا لأن
وقول علي رضي الله عنه حين عد الأحداث جملة أو دسعة تملأ الفم
ــ
[البناية]
الغاية تعقب المغيا أبدا، فكذلك حالة القطرة تعقب حالة السيلان على ما ذكرنا، ولا يجوز أن تعقب حالة السيلان حالة القطرة كذلك وهذا كما إذا قال الرجل لامرأته وهي خارجة الدار إذا قعدت وسط الدار فأنت طالق إلا إذا دخلت تلك الدار أو دخلت فإنه لا يصح لأن حال الدخول سابقة على حال القعود، نظيره ليس في اللقمة واللقمتين من أكل الجزء، واختيار قطع الصلاة إلا أن يكون المصلي أدخله في فيه لا يصح.
وحاصل معنى الحديث ليس في القطرة والقطرتين بالقود من الدم وضوء لكن إذا سال الدم ففيه الوضوء.
وفي " المغني " لا وضوء في الدم القليل لكن في الكثير وضوء وهو السليل فالاستثناء منقطع، لأن حقيقته ليست بمرادة لحصولها بعد السيلان، والمجاز وهو القليل لا يتناول السائل فلا يكون متصلا، ولا يجوز أن يكون المراد قطر الدم من رأس الجرح من غير أن يسيل فإنه قول خارق للإجماع لعدم القائل بالفصل فلا يصح، لأن كل من قال بانتقاض الطهارة بالسيلان، فقائل بانتقاضها في هذه الصورة ومن قال بعدم الانتقاض مطلقا لا يقول بالانتقاض في هذه الصورة، فالقول بالتناقض بالسيلان وبعدم الانتقاض بالقطر قول لم يقل به أحد.
م: (وقول علي رضي الله عنه حين عد الأحداث جملة أو وسعة تملأ الفم) ش: هذا غريب لم يثبت عن علي رضي الله عنه، والعجب من الأكمل قال: الظاهر أنه قاله سماعا من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا بعد ثبوته عن علي رضي الله عنه.
وأعجب من هذا قول الأترازي أورده [......] أن عليا رضي الله عنه عد الأحداث وقال: يعاد الوضوء من كذا ثم قال: أو وسعة تملأ الفم، ولم يقف على أصل الأثر كيف لفظه: ولا وقف على صحته، ولا عرف هل هو موقوف، أم مرفوع حتى يصرف فيه من عنده، ثم قال وذكر الناطقي في الأجناس وقال، روى زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «يعاد الوضوء من سبع: من نوم غالب، والقيء، وغائط، وبول، ودسعة تملأ الفم، ودم سائل، والقهقهة في الصلاة» الحديث.
قال "صاحب الدراية " روى البيهقي و "صاحب المحيط " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «يعاد الوضوء
…
» إلى آخره، نحوه وليس فيه والحدث.
وذكر السروجي في شرحه كما ذكره صاحب " الدراية " وقال في آخره لا يصح وكلهم أظهروا العجز في ذلك والحديث أخرجه البيهقي في " الخلافيات " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يعاد الوضوء في سبع: من إقطار البول، والدم السائل، والقيء، ومن وسعة تملأ الفم، ونوم المضطجع، وقهقهة الرجل في الصلاة، وخروج الدم» فأضعفه فإن فيه سهل بن عفان والجارود بن
وإذا تعارضت الأخبار، يحمل ما رواه الشافعي رحمه الله على القليل، وما رواه زفر رحمه الله على الكثير، والفرق بين المسلكين ما قدمناه، ولو قاء متفرقا بحيث لو جمع يملأ الفم، فعند أبي يوسف رحمه الله يعتبر اتحاد المجلس، وعند محمد رحمه الله يعتبر اتحاد السبب وهو الغثيان،
ــ
[البناية]
زيد وهما ضعيفان.
وقال ابن الأثير في "النهاية ": الوسيع الدفع، ثم قال: ومنه حديث علي رضي الله عنه، وذكر ما يوجب الوضوء، وقال: ووسعة تملأ الفم يريد الدفع الواحدة من القيء. وجعله الزمخشري حديثا عن النبي عليه السلام، وقال: هي من ريع السرمومة إذا نزعها من كرشه وألقاها إلى فيه.
م: (وإذا تعارضت الأخبار، فيحمل ما رواه الشافعي رحمه الله على القليل وما رواه زفر رحمه الله على الكثير) ش: وهذا إلى أن الأصل في تعارض الأخبار التوفيق، لأن الأصل في الأدلة الإعمال دون الإهمال. وههنا تعارض ما رواه الشافعي رحمه الله ما رواه من «أنه عليه السلام قاء فلم يتوضأ» . وما رواه رحمه الله من قوله عليه السلام «القلس حدث» . والعمل بهما ممكن فيحمل ما رواه الشافعي على القليل وما رواه زفر على الكثير، وذلك لأن القيء ملء الفم من كثرة الأكل. ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان عن ذلك بمعزل، والقياس مصدر قلس إذا قاء ملء الفم، كذا في الأسامي، ولأن ما رواه الشافعي إن صح فهو حكاية حال فلا عموم له أو أنه لم يتوضأ عن القيء في فوره ذلك.
م: (والفرق بين المسلكين ما قدمناه) ش: أي الفرق بين المخرج المعتاد وغيره وهو جواب لزفر عن اعتباره غير المعتاد بالمعتاد، وقال صاحب " الدراية " أراد بالمسلكين السبيلين وغيرهما أو الفم أو السبيل. قال السغناقي: والفرق بين المسلكين أي: بين الفم والسبيلين ويروى والفرق بين المسألتين قوله ما قدمناه يعني في مسألة الدم من كون القليل ناقضا في السبيلين غير ناقض في غير السبيلين أو عند قوله: غير أن الخروج إلى آخره. م: (ولو قاء متفرقا) ش: أي قيئا متفرقا. وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف م: (بحيث لو جمع) ش: أي القيء. فإن قلت: القيء لم يذكر، قلت: دل عليه قوله قاء م: (يملأ الفم) ش: جواب لو.
م: (فعند أبي يوسف يعتبر اتحاد المجلس) ش: أي: مجلس القيء، لأن للمجلس أثرا في جمع المتفرقات، وكذا التلاوات المتعددة للسجدة متحد باتحاد المجلس.
م: (وعند محمد: اتحاد السبب) ش: أي: ويعتبر عند محمد اتحاد السبب في القيء المتفرق م: (وهو) ش: أي السبب م: (الغثيان) ش: وهو مصدر غثت نفسه إذا جاءت. وقال الجوهري:
ثم ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا يروى ذلك عن أبي يوسف وهو الصحيح، لأنه ليس بنجس حكما حيث لم تنتقض به الطهارة
ــ
[البناية]
الغثيان خبث النفس وتدعت نفسه عينا وعناة وأما عل سبيل المرتع [......] عزا إذا جمع بعضه إلى بعض، ومنه الغثاء بالضم والمد وهو ما يحمل السيل من العمامين، وقال محمد: لأن الحكم يثبت على حسب ثبوت السبب من الصحة والفساد فيتحد باتحاده، ألا ترى أنه إذا جرح جراحات ومات منها قبل البرء يتحد الموجب، وإن تخلل البرء اختلف ويعتبر الاتحاد في الغثيان، وإن بقي ثانيا قبل سكون النفس عن الغثيان الأول فإن سكنت ثم قاء فهو حدث جديد، وقيل: قول محمد رحمه الله أصح ثم المسألة على أربعة أوجه: إما أن يتحد السبب في المجلس، أو يتعدد، أو يتحد الأول دون الثاني، أو على العكس. ففي الأول: يجمع اتفاقا، وفي الثاني: لا يجمع اتفاقا، وفي الثالث: يجمع عند الثالث، وفي الرابع: يجمع عند الثاني.
م: (ثم ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا) ش: الذي لا يكون حدثا هو القليل من القيء وغير السائل من الدم لا يكون نجسا، ألا ترى أنه لا تنقض به الطهارة فيكون طاهرا م:(يروى ذلك عن أبي يوسف) ش: وبه أخذ الكرخي وفي " جامع الكردري " هو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما وأمر به أبو عبد الله الغساني ومحمد بن سلمة وأبو نصر وأبو القاسم وأبو الليث.
م: (وهو الصحيح) ش: أي ما روي عن أبي يوسف هو الصحيح، وهو اختيار المصنف أيضا. واحترز به عن قول محمد فإنه نجس عنده، واختاره بعض المشايخ احتياطا، وأفتى به أبو بكر الإسكاف، وأبو جعفر. وفائدة الخلاف تظهر فيما أخذه بقطنة وألقاه في الماء لا ينجس الماء عند أبي يوسف أرفق خصوصا في مثل أصحاب القروح والجدري، حتى لو أصاب الثوب منه كثير لا يمنع جواز الصلاة.
م: (لأنه) ش: تعليل وجه الصحة أي لأن ما لا يكون حدثا م: (ليس بنجس حكما) ش: أي من حيث الحكم الشرعي م: (حيث لم تنتقض به الطهارة) ش: معناه أن الخارج النجس من بدن الإنسان، أي يستلزم كونه حدثا معه انتفى اللازم، وانتفاؤه يستلزم انتفاء الملزوم قيل: فيه مصادرة على المطلوب، بناء على أن معنى كلامه ليس كذلك بل معناه ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا، لأن ما لا يكون حدثا ليس بنجس حكما لأن حكمه بالنجاسة يستلزم كونه حدثا، وليس بحدث؛ لما دل عليه من الدليل، فلا يكون نجسا.
فإن قلت: ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا ينعكس بأن يقال: ما يكون حدثا يكون نجسا. قلت: لا ينعكس فإن النوم والإغماء والجنون أحداث وليست بنجسة.
فإن قلت: يرد عليك دم الاستحاضة، والجرح السائل فإنه ليس بحدث، قلت: بل هو حدث لكن لا يظهر أثره حتى يخرج الوقت.
وهذا إذا قاء مرة أو طعاما أو ماء، فإن قاء بلغما فغير ناقض عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف رحمه الله ناقض إذا قاء ملء الفم. والخلاف في المرتقي من الجوف، أما النازل من الرأس فغير ناقض بالاتفاق، لأن الرأس ليس بموضع النجاسة لأبي يوسف رحمه الله أنه نجس بالمجاوزة، ولهما أنه لزج لا تتخلله النجاسة وما يتصل به قليل والقليل في القيء غير ناقض
ــ
[البناية]
فإن قلت: كيف يجوز الاستدلال بعدم نقض الطهارة على عدم النجاسة لأن عدم النقض يجوز أن يكون انتفاؤه لكونه غير خارج دون انتفاء الوصف الآخر.
قلت: غير الخارج لا يعطى له حكم النجاسة لكونها في محلها فإن من صلى، وهو حامل حيوانا غير نجس أو حامل بيضة حال محها، وما جازت صلاته فكان انتفاء الخروج مستلزما لانتفاء النجاسة.
م: (هذا) ش: إشارة إلى القيء ملء الفم م: (إذا قاء مرة) ش: بكسر الميم وتشديد الراء. قال الجوهري: المرة إحدى الطبائع الأربع، وقال: المراواة التي فيها المراة والمرة القوة أيضا. قلت: المراد بها الصفراء وهي إحدى الطبائع م: (أو طعاما) ش: أي: أو قاء طعاما م: (أو ماء) ش: أي: قاء ماء فإن هذه الأشياء ربما تنقض الطهارة إذا كانت ملء الفم.
م: (فإن قاء بلغما فغير ناقض) ش: للوضوء م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: إذا كان بلغما صرفا لا يشوبه طعام، ولم يذكر ما إذا اختلط بالطعام، قالوا: تعتبر فيه الغلبة فإن كان الطعام غالبا ينقض وإلا فلا.
م: (وقال أبو يوسف ناقض إذا كان ملء الفم والخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين الثلاثة م: (في المرتقي) ش: أي الصاعد م: (من الجوف) ش: أي المعدة م: (أما النازل من الرأس فغير ناقض بالاتفاق لأن الرأس ليس بموضع النجاسة) ش: فالنازل منها رطوبة تنزل إلى أعلى الحلق فيرق فيصير بزاقا، وإذا استقر في أسفل الحلق يتخفف فيصير بلغما م:(لأبي يوسف أنه) ش: أي البلغم المرتقي من الجوف م: (ينجس بالمجاوزة) ش: أي مجاوزة ما في المعدة من النجاسة، وقد خرج إلى موضع يلحقه حكم التطهير، فيكون ناقضا للوضوء.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي البلغم المرتقي من الجوف م: (لزج) ش: أي لصق. وهو بفتح اللام وكسر الزاي المعجمة م: (لا تتخلله النجاسة) ش: أي لا يتداخله النجاسة ولا يدخل في أجزائه م: (وما يتصل به قليل والقليل في القيء غير ناقض) ش: لأنه لا يحتمل السيلان، والسيلان في غير السبيلين أقيم مقام الخروج ولم يوجده.
ولو قاء دما وهو علق يعتبر فيه ملء الفم، لأنه سوداء محترقة، وإن كان مائعا فكذلك عند محمد رحمه الله اعتبارا بسائر أنواعه، وعندهما إن سال بقوة نفسه ينقض الوضوء، وإن كان قليلا؛ لأن المعدة ليست بمحل الدم فيكون من قرحة في الجوف.
ــ
[البناية]
فإن قيل: ينتقض هذا ببلغم يقع في النجاسة، ثم يرفع عنها يحكم بنجاسته.
أجيب بأنه لا رواية في هذه المسألة، ولئن سلم فالفرق بينهما أن البلغم ما دام في البطن يزداد ثخانة فيزداد لزوجة، فإذا انفصل عن الباطن ثقل ثخانته فتقل لزوجته، فإذا قلت لزوجته ازدادت رقته، فجاز أن يقبل النجاسة. وكان الطحاوي رحمه الله يميل إلى قول أبي يوسف حتى روي عنه أنه يكره أن يأخذ الإنسان بلغمه بطرف ردائه ويصلي به، كذا في " الفوائد الظهيرية ".
وفي " جامع المحبوبي " هذا الاختلاف راجع إلى اختلافهم في أن البلغم طاهر أو نجس، فعند أبي يوسف نجس وعندهما لا.
م: (ولو قاء دما وهو علق) ش: أي والحال أنه علق بفتح العين واللام وهو المتجمدة.
م: (يعتبر فيه ملء الفم) ش: حتى إذا لم يكن ملء الفم لا ينقض م: (لأنه) ش: أي: لأن الدم العلق سوداء محترقة وليس بدم على الحقيقة.
فإن قلت: ما موصوف السواد فإنها صفة لا بد لها من موصوف. قلت: موصوفها المرة أي: مرة سوداء احترقت من شدتها، والسوداء المحترقة تخرج من المعدة وما يخرج منها لا يكون حدثا ما لم يكن ملء الفم م:(وإن كان) ش: أي: الدم م: (مانعا فكذلك) ش: أي فكان الحكم المذكور يعتبر فيه ملء الفم م: (عند محمد اعتبارا) ش: أي اعتبر محمد اعتبارا م: (بسائر أنواعه) ش: أي بسائر أنواع القيء وهي خمسة: الطعام، والماء، والمرة، والصفراء، والسوداء. كذا قال الأكمل أخذه من " الدراية "، وصاحب " الدراية " أخذه من المحبوبي وفيه نظر لأن المرة هي الصفراء كما ذكرنا، وهي السوداء أيضا، ولذلك قالت الأطباء الأخلاط أربعة: الدم، والمرة السوداء، والمرة الصفراء، والبلغم فطبع الأول حار رطب، والثاني بارد يابس، والثالث حار يابس، والرابع بارد رطب.
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف (إن سال بقوة نفسه ينتقض الوضوء وإن كان قليلا) ش: الاعتبار عندهما بالسيلان بقوة نفسه، لا بقوة المزاج م:(لأن المعدة ليست بمحل للدم) ش: يعني أنها ليست من مظان الدم ومواضعه م: (فتكون من قرحة في الجوف) ش: فالمعتبر هناك السيلان فكذلك هناك.
فإن قلت: لم اختص هذا الحكم بما يخرج من المعدة فينبغي أن يكون عاما ولا ينتقض الوضوء