الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسؤر الخنزير نجس لأنه نجس العين على ما مر، وسؤر سباع البهائم نجس خلافا للشافعي رحمه الله فيما سوى الكلب والخنزير،
ــ
[البناية]
قوله محمول على الابتداء إي ابتداء الإسلام. قلت: هو أنه عليه السلام كان يشدد في أمر الكلاب حتى يمنعوا من الاقتناء، ونهاهم عن مخالطتهم كما أمر بكسر دنان الخمر، ثم ترك ذلك وقال: مالي وللكلاب، ثم رواية أبي هريرة وجه النسخ وقد ذكرناه.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المراد بغسل الإناء التعبد لا إزالة النجاسة كما ذهب إليه مالك قلت: الجمادات لا يلحقها حكم التطهير بعد إذ لا يوجب في غير موضع الإصابة كما في الحديث.
فإن قلت: الحجر الذي يستعمل به في رمي الجمار أنه يغسل إذا رمي به ثانيا. الحجر آلة الرمي فجاز أن تعين الآلة بنقل نجاستها والآثام إليها كالماء المستعمل وما الزكاة.
فإن قلت: لو كان للنجاسة لما احتيج إلى السبع، فإن لعابه لا يكون أنجس من العذرة وبول الإنسان والحمار. قلت: الحمل على التنجيس أولى لأنه متى دار الحكم بين كونه تعبدا أو معقول المعنى كان جعله معقول المعنى هو الوجه لندرة التعبد وكثرة العقل.
[سؤر الخنزير وسباع البهائم]
م: (وسؤر الخنزير نجس) ش: خلافا لمالك وداود، فإنه عندهما طاهر، ولكنهما ألحقاه بالكلب في العدد مع كونه تعبدا عندهما م:(لأنه نجس العين) ش: أي لأن الخنزير نجس العين فصار لحمه نجسا وللعاب يتولد منه والسؤر يمتزج به م: (على ما مر) ش: في باب الماء الذي يجوز به الوضوء عند قوله: "بخلاف الخنزير لأنه نجس العين".
م: (وسؤر سباع البهائم نجس) ش: سباع البهائم كالأسد والنمر والذئب، والدب والفهد ونحوها م:(خلافا للشافعي رحمه الله) ش: أي خالفنا نحن خلافا فيه للشافعي رحمه الله م: (فيما سوى الكلب والخنزير) ش: وما يتولد منهما، وبقوله قال مالك، وأحمد - رحمهما الله - ورواية ثم إن المصنف لم يذكر مستند الشافعي رحمه الله لا من حيث النقل ولا من حيث العقل ولا مستند أصحابنا من حيث النقل. وأما مستند الشافعي رحمه الله من حيث النقل في أحاديث:
أحدها: ما أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي بين مكة والمدينة، فقيل له: إن الكلاب والسباع ترد عليها، فقال: "لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شراب وطهور» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
الثاني: ما أخرجه الدارقطني في " سننه " عن داود بن الحصين عن أبيه عن جابر رضي الله عنه «قيل: يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: "نعم وبما أفضلت السباع» ورواه البيهقي، والشافعي، وعبد الرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن أبيه. ورواه الشافعي رحمه الله أيضا من حديث ابن أبي ذئب عن داود بن الحصين عن جابر بن عبد الرحمن من غير ذكر أبيه.
ثالثها: ما أخرجه ابن ماجه عن أبي مصعب المدني عن عبد الرحمن بن زيد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسار ليلا فمر على رجل عند مقراة له، فقال له عمر رضي الله عنه: يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك؟ فقال عليه السلام: "يا صاحب المقراة لا تخبرنا هذا تكلف، لها ما حلمت في بطونها» .
الرابع: ما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها، فقال:"لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي طهور".
والخامس: ما رواه مالك عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا أحواضا فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا صاحب الحوض لا تخبره فإنا نرد على السباع وترد السباع علينا".
وأما سند الشافعي من حيث العقل فهو أنها طاهرة جلدها وحرمة أكل لحمه لصون طباع بني آدم عن تعدي طباعها بواسطة التعدي دون النجاسة.
وأما مستند أصحابنا من حيث النقل فما رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله «أنه عليه
لأن لحمهما نجس ومنه يتولد اللعاب، وهو المعتبر في الباب،
ــ
[البناية]
السلام نهى عن كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور» والمراد بها الجوارح، فدل على أن كل ذي ناب حرام، نهي عن أكل كل ذي ناب حرام مع صلاحيته للغذاء لا لكرامته فيكون نجسا ولعابه متولد من اللحم النجس فيمزج بسؤره.
وقد استدل السغناقي وصاحب " الدراية " لأصحابنا بحديث مالك المذكور فقالا: ولولا أنهما - يعني أن عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص - كانا يريان التنجيس بورودهما وإلا لم يكن لسؤال عمرو ولا عمر لنهي. والمعنى في المسألة أنها في سؤر السباع يمكن الاحتراز عنه فكان نجسا قياسا على الخنزير. وقد استدل بعض الشراح للشافعي بهذا الحديث كما ذكرناه. ولنا من حيث العقل، فقد أشار المصنف إليه بقوله:
م: (لأن لحمهما) ش: أي لحم الكلب والخنزير م: (نجس ومنه يتولد اللعاب) ش: فيمتزج به السؤر، وفيه إيراد على المصنف وهو أنه يرى طهارة لحم الكلب وجلده بالذكاة وهو قول جماعة أيضا، وهاهنا تمسك بنجاسة السؤر بنجاسة اللحم، وقد ذكر أنه يطهر بالذكاة وكان نجسا بالمجاورة من الدماء والرطوبات النجسة فلزم أن يكون لعابه طاهرا، فإن لحم الشاة نجس أيضا بالمجاورة حتى لو لم يذك حكم بعدم تطهيرها.
وأجيب عنه بأن اللحم وإن كان نجس العين يحتمل أن يتبدل إلى الطهارة بأمر شرعي، فإن جلد الميتة نجس العين حتى لم يجز بيعه بالاتفاق، ولو كان نجسا بالمجاورة لجاز بيعه كالثوب النجس والدهن النجس، ثم الدباغ أثر فيه وطهره كتخليل الخمر، فعلم أن ما هو نجس العين يحتمل التبدل إلى الطهارة بأمر شرعي، ثم الذكاة تؤثر في الجلد الذي هو نجس العين إلى الطهارة، فيجوز أن يؤثر في اللحم أيضا فيكون اللحم نجس العين قبل الذكاة وبعدها طاهر كالخمر قبل التخليل نجس العين وبعده طاهر، ولا يلزم على هذا الخنزير؛ لأن الذبح لما لم يؤثر في جلده لإخراج الشرع إياه عن قبوله ولم يؤثر في لحمه أيضا، فثبت أن طهارة اللحم بالذبح لا تنافي النجاسة قبله، وفيه نظر لأنه يؤدي إلى تخصيص العلة، لأن نجاسة اللحم إنما عرفت من حرمة الأكل لا للكرامة مع صلاحية الغذاء وهي باقية بعد الذكاة، فلو قلنا بطهارة اللحم مع بقاء الحرمة المستدعية للتنجيس كان نقضا وتخصيصا، وحرمة بيع جلد الميتة ليست بنجاسة العين بل باعتبار اتصال الرطوبات النجسة بالجلد.
م: (وهو المعتبر في الباب) ش: أي الاستدلال بنجاسة اللعاب وطهارته المعتبرة في هذا الباب، وأراد بالباب نفس فقه هذا الموضع.
وأما الجواب عن أحاديث الشافعي، فحديث أبي هريرة رضي الله عنه معلول
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
بعبد الرحمن بن زيد، فعن أحمد والنسائي وأبي زرعة ضعيف، وعن أبي حاتم: ليس بقوي في الحديث، وكان في نفسه صالحا وفي الحديث أنه رواه، قال أبو داود: أولاد زيد بن أسلم كلهم ضعفاء وأمثلهم عبد الله، وأيضا يلزم الشافعي طهارة سؤر الكلب ولم يقل به.
وحديث جابر فيه داود بن الحصين ضعفه ابن حبان، وهو لم يلق جابر أيضا، وحديثه عن طريقين: أحدهما: عن الشافعي رحمه الله عن إبراهيم بن يحيى عن داود بن الحصين. والثاني: عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي حنيفة رحمه الله عن داود. قال النووي: الإبراهيمان ضعيفان عند أهل الحديث لا يحتج بهما، ثم قال: وإنما ذكرنا الحديث وإن كان ضعيفا لكونه مشهورا في كتب الأصحاب، وربما اعتمده بعضهم [ولذلك] نبهت عليه.
وحديث أبي سعيد فيه عبد الرحمن هذا أيضا.
وحديث مالك رحمه الله فيه أيوب بن خالد الحراني، قال ابن عدي: حدث عن الأوزاعي بالمناكير.
قوله: "يا صاحب المقراة"، بكسر الميم غير المهموز مأخوذ من قريت الماء الحوض قريا وقرى إذا أجمعته.
وقال ابن الأثير: المقري والمقراة الحوض الذي يجتمع فيه الماء. وقال ابن سيال: هي الحوض العظيم يجمع الماء فيه. وقال الجوهري: المسيل والموضع الذي يجتمع فيه ماء المطر من كل جانب.
وقوله: "ولنا ما غبر": بفتح الغين المعجمة والباء الموحدة أي ما بقي.
ثم إنا ولئن سلمنا بثبوت هذه الأحاديث فهي محمولة على الماء الكثير، أوهي محمولة على ما قبل تحريمها، أو المراد به حمر الوحش وسباع الطير.
وأما الجواب عن دليل الشافعي رحمه الله من حيث العقل فهو أن الله تعالى حرم أكل كل نجس بنفسه كالخمر أو للمجاورة كما وقعت فيه نجاسة، أو للاحترام كما في الآدمي، ولا احترام للسباع ولا خبث فيها فإنها كانت تؤكل قبل التحريم، فلم يبق إلا النجاسة، ولا يجوز أن تكون الحرمة لتعدي الطبع، فإن الطبائع نفرت عنها بخلاف الخمر، ولما حرم أكلها علم أنها نجس، فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز بيعها؛ لأنها نجس العين كالخنزير، ولكن الحرمة غير شاملة للجلد، والعظم، والشعر، والعصب، وما لا يؤكل منه طاهر فأشبه دهنا نجسا والمجاورة وجلده إنما يطهر بالدباغ؛ لأن بين الجلد وللحم جلدة يمنع مماسة اللحم للجلد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وقد رد على الشافعي رحمه الله بعضهم بقوله عليه السلام في الحياض التي تكون في الفلوات وما استوى بها من السباع، فقال عليه السلام:«إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا» أخرجه الأربعة، فلو كان سؤر السباع طاهرا لم يكن لذكر هذا الشرط فائدة، وكان التقييد به ضائعا.
وأجاب النووي عن هذا بأجوبة:
أحدها: أنه تمسك بدليل الخطاب، قال: وهم لا يقولون به. وقال السروجي: ما قاله صحيح نحن لا نقول به، ولا نعتقد صحة هذا الحديث أيضا؛ لأنه مطعون فيه لكنهم زعموا أنه صحيح ومفهوم الشرط حجة عندهم، فنحن نلزمهم ما هو حجة عليهم عندهم.
الثاني: أن السؤال كان الماء الذي ترده الدواب والسباع فتشرب منه وتبول فيه غالبا، وأجيب أنه لا يجوز تقييد التنجيس ببولها وحده لوجهين: أحدهما: أن ورود السباع على الماء للشرب لا للتبول فيه فلا يجوز ترك هذا الذي سبق الحديث لأجله. الثاني: أن كلمة "ما" عامة فلا تخصيص بالبول ويصرف عن غيره بلا دليل.
الجواب الثالث: أن الكلاب من جملة ما يردهما فالتنجيس بسببها، ويدل على دخولها في ذلك أوجه: أحدها: أنه جاء في رواية الدواب، ورد عليه السروجي بأن لو كان التنجيس بسبب الكلاب دون السباع لم يكن لذكر السباع وترك الكلاب التي منها يفسد الماء عندهم معنى إذ الكلاب لم تذكر في المشهور، وأيضا لو سلم ذكرها في بعض الطرق لما كان لضم السباع فيها فائدة إذ كان فساد الماء بسبب الكلاب لا غير عندهم، وقوله: إنها من جملة الكلاب لا يصح، فإن من قال: فلان قتل سبعا لا يفهم منه قتل كلب، والأصل عدم الاشتراك والترادف. وقوله إنها داخلة في الدواب لذوات الحوافر كالفرس والبغل والحمار كانت داخلة فيها لا يجوز إخراج غيرها بلا دليل.
قلت: إنكاره الكلب من السباع غير موجه؛ لأن السبع في اللغة كل حيوان مفترس، ولهذا ورد في الحديث:«السنور سبع» مع أن الكلب أقوى منه وأشد افتراسا، واستشهاده بقوله: فإن من قال. . إلخ، ليس تحته طائل؛ لأن هذا نجسا يعرف بين الناس، ودعواه بان قوله:"دخول الكلب في الدواب باطل" غير صحيحة، لأن الدابة في اللغة ما دب على الأرض. قال الجوهري: كل ما مشى على الأرض دابة ودبيب، والدابة التي تركب.
وقوله: "لأن لذوات الحوافر كالفرس، والبغل، والحمار" غير موجه، لأن التخصيص لهذه الثلاثة من أين، والدابة منقولة عما يدب على وجه الأرض على ذوات الأربع من الحيوان،