المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[طهارة جلد الكلب والخنزير] - البناية شرح الهداية - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌كتاب الطهارات

- ‌[تعريف الوضوء]

- ‌[حكم الطهارة]

- ‌[فرائض الطهارة]

- ‌[صفة غسل الأعضاء في الوضوء]

- ‌[حد المرفق والكعب في الوضوء]

- ‌[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء]

- ‌سنن الطهارة

- ‌[غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء]

- ‌تسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء

- ‌[السواك من سنن الوضوء]

- ‌[فضل السواك وأوقات استحبابه]

- ‌[كيفية الاستياك]

- ‌[فيما يستاك به وما لا يستاك به]

- ‌[حكم من لم يجد السواك]

- ‌[المضمضة والاستنشاق في الوضوء]

- ‌[مسح الأذنين في الوضوء]

- ‌[تخليل اللحية في الوضوء]

- ‌[تخليل الأصابع في الوضوء]

- ‌[تكرار الغسل ثلاث مرات في الوضوء]

- ‌[النية في الوضوء]

- ‌[استيعاب الرأس في الوضوء]

- ‌[ترتيب أعضاء الوضوء]

- ‌[البداءة بالميامن في الوضوء]

- ‌[فصل في نواقض الوضوء] [

- ‌ما خرج من السبيلين من نواقض الوضوء]

- ‌[خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء]

- ‌[القيء والدم من نواقض الوضوء]

- ‌[النوم من نواقض الوضوء]

- ‌[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء]

- ‌فصل في الغسل

- ‌[فرائض الغسل]

- ‌[سنن الغسل]

- ‌[البدء بغسل اليدين في الغسل]

- ‌[الوضوء من سنن الغسل]

- ‌المعاني الموجبة للغسل:

- ‌[إنزال المني من موجبات الغسل]

- ‌[التقاء الختانين من موجبات الغسل]

- ‌ الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام

- ‌[الأغسال المسنونة]

- ‌[باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز]

- ‌[ماء البحر]

- ‌[الوضوء بما اعتصر من الشجر والثمر]

- ‌[الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم]

- ‌[الطهارة بماء غلب عليه غيره]

- ‌[الطهارة بالماء الذي خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه]

- ‌[الوضوء بالماء الذي وقعت فيه نجاسة]

- ‌[حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء]

- ‌[حكم موت ما يعيش في الماء فيه]

- ‌[حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث]

- ‌[المقصود بالماء المستعمل وأقسامه]

- ‌الجنب إذا انغمس في البئر

- ‌[طهارة الجلود بالدباغ]

- ‌[طهارة جلد الكلب والخنزير]

- ‌[هل الكلب نجس العين]

- ‌ الانتفاع بأجزاء الآدمي

- ‌ ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة

- ‌شعر الميتة وعظمها طاهر

- ‌[الأعيان الطاهرة]

- ‌شعر الإنسان وعظمه

- ‌فصل في البئر

- ‌[حكم وقوع النجاسة في البئر]

- ‌فصل في الأسآر وغيرها

- ‌[سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه]

- ‌سؤر الكلب

- ‌[سؤر الحائض]

- ‌[سؤر الخنزير وسباع البهائم]

- ‌سؤر الهرة

- ‌[سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن البيوت]

- ‌[سؤر الحمار والبغل والفرس]

- ‌[حكم الطهارة بنبيذ التمر]

- ‌باب التيمم

- ‌[تعريف التيمم]

- ‌[شرائط التيمم]

- ‌[عدم وجود الماء]

- ‌[العجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه]

- ‌[خوف الضرر من استعمال الماء]

- ‌[أركان التيمم]

- ‌[كيفية التيمم]

- ‌[تيمم الجنب]

- ‌[تيمم الحائض والنفساء]

- ‌[ما يتيمم به]

- ‌[التيمم بالغبار مع وجود الصعيد]

- ‌والنية فرض في التيمم

- ‌[نية التيمم للحدث أو الجنابة]

- ‌[مبطلات التيمم]

- ‌[ما يباح بالتيمم]

- ‌[التيمم لصلاة الجنازة والعيدين ونحوها]

- ‌[التيمم لصلاة الجمعة]

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌[حكم المسح على الخفين]

- ‌[شروط المسح على الخفين]

- ‌[مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر]

- ‌[كيفية المسح على الخفين]

- ‌[المسح على خف فيه خرق كبير]

- ‌[المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل]

- ‌[نواقض المسح على الخفين]

- ‌[المسح على الجرموقين]

- ‌ المسح على الجوربين

- ‌[المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما]

- ‌ المسح على الجبائر

- ‌[حكم المسح على الجبائر]

- ‌باب الحيض والاستحاضة

- ‌[تعريف الحيض وأركانه]

- ‌أقل الحيض

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[أكثر الحيض]

- ‌[ما يسقطه الحيض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض]

- ‌[ما تقضيه الحائض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض والجنب]

- ‌[دخول الحائض والجنب المسجد]

- ‌[طواف الحائض والجنب]

- ‌[قراءة القرآن للحائض والجنب]

- ‌[مس المصحف للمحدث والحائض والجنب]

- ‌[فروع فيما يكره للحائض والجنب]

- ‌[دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين]

- ‌[انقطاع دم الحيض لأقل من عشرة أيام]

- ‌[حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]

- ‌أقل الطهر

- ‌[حكم دم الاستحاضة]

- ‌[فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم]

- ‌فصل في النفاس

- ‌[تعريف النفاس]

- ‌السقط الذي استبان بعض خلقه

- ‌[أقل النفاس وأكثره]

- ‌باب الأنجاس وتطهيرها

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[ما يجوز التطهير به وما لا يجوز]

- ‌[الماء القليل إذا ورد على النجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الخف الذي لحقته نجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الثوب الذي لحقته نجاسة]

- ‌[حكم المني وكيفية تطهيره]

- ‌النجاسة إذا أصابت المرآة والسيف

- ‌[الحكم لو أصاب المني البدن]

- ‌[كيفية تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة]

- ‌[ما يعفى عنه من النجاسات]

- ‌[حكم الروث أو أخثاء البقر]

- ‌ بول الحمار

- ‌[حكم بول الفرس]

- ‌[حكم خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور]

- ‌ لعاب البغل والحمار

- ‌[قدر الدرهم من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار]

- ‌[أنواع النجاسة]

- ‌فصل في الاستنجاء

- ‌[حكم الاستنجاء]

- ‌[ما يجوز به الاستنجاء به وما لا يجوز]

- ‌[ما يكون به الاستنجاء]

- ‌[الاستنجاء بالعظم والروث]

الفصل: ‌[طهارة جلد الكلب والخنزير]

قال: وكل إهاب دبغ فقد طهر وجازت الصلاة فيه والوضوء منه

ــ

[البناية]

كأعضاء الوضوء، وقيل: لا يصير مستعملا ذكره في " قاضيخان " وإذا وقع الماء المستعمل في البئر لا يفسده عند محمد، ويجوز التوضؤ به ما لم يغلب على الماء، وهذا هو الصحيح، وفي التجنيس على المذهب المختار.

وإذا وقع الماء المستعمل في المطلق القليل قال بعضهم: لا يجوز الوضوء به، وإن قيل: وقيل يجوز وهو الصحيح، ومنهم من قال: الماء المستعمل إذا وقع في البئر عند محمد رحمه الله لا يجوز الوضوء به بخلاف بول الشاة مع أن كل واحد منها طاهر عنده، والفرق له أن الماء المستعمل من جنس ماء البئر فلا يستهلك فيه، وبول الشاة ليس من جنسه فيعتبر الغالب، وفي " قاضيخان ": لو صب الماء الذي توضأ به في بئر عند محمد ينزح منها عشرون دلوا؛ لأنه طاهر عنده فكان دون الفأرة.

قلت: وعلى القول الثاني لا يجوز استعمال ماء البئر وعندهما ينزح أربعين دلوا وقيل: تنزح جميع الماء هذا على القول بنجاسة الماء المستعمل.

[طهارة الجلود بالدباغ]

[طهارة جلد الكلب والخنزير]

م: (قال: وكل إهاب دبغ فقد طهر) ش: كلمة: كل إذا أضيفت إلى نكره توجب عموم الأفراد، وإذا أضيفت إلى معرفة توجب عموم الأجزاء والإهاب نكرة، فالمعنى كل واحدة من أفراد الإهاب إذا دبغ فقد طهر إلا ما استثني منه. والإهاب اسم لجلد لم يدبغ فكأنه تهيأ للدباغ، يقال: فلان تأهب للحرب إذا تهيأ واستعد، ويقال: تأهب للشتاء أي استعد.

وفي " الفائق ": سمي إهابا لأنه أهبته للحي وبنا للحماية له كما يقال: مسك لإمساكه ما وراؤه، والإهاب أعم من الجلد يتناول جلد المذكى، وغير المذكى، وجلد ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل، والمدبوغ لا يسمى إهابا بل يسمى أديما أو حورا أو أدما أو جرابا. ونحو ذلك، وإنما دخلت الفاء في فقد طهر؛ لأن في صدر الكلام معنى الشرط، إذ التقدير وكل إهاب إذا دبغ فقد طهر وإن لم يدبغ فلا يطهر.

وقوله: - طهر -: بضم الهاء وفتحها من باب كرم يكرم ونصر ينصر، والمصدر فيها طهارة، والطهر أيضا نقيض الحيض، والطهور ما يثبت الطهر به كالفطور والسحور، وقوله - طهر - أعم من طهارة الظاهر والباطن.

م: (وجازت الصلاة فيه) ش: أي في إهاب المدبوغ، بأن جعل ثوبا يصلي فيه؛ لأنه طاهر م:(والوضوء منه) ش: أي من الإهاب المدبوغ، أي جاز الوضوء منه بأن جعل قربة أو دلوا أو نحو ذلك، فإذا جازت الصلاة فيه جازت عليه أيضا بأن جعل مصلى؛ لأن البيان في الثوب بيان في المكان لزيادة الاستعمال، ولأن الثوب منصوص عليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر:

ص: 407

إلا جلد الخنزير والآدمي

ــ

[البناية]

الآية 4) وطهارة المكان تلحقه بالدلالة.

فإن قلت: قوله طهر أفاد حصول الطهارة فيشمل ذلك الصلاة فيه والوضوء منه، فما الفائدة في ذكرهما بعد ذلك.

قلت: أجيب بجوابين:

أحدهما: الاحتراز بذلك عن قول مالك: فإنه يقول: يطهر ظاهره دون باطنه فيصلى عليه لا فيه، ويستعمل في اليابس دون الرطب.

والثاني: أن ذلك توكيد لطهارته، ورد لقول من لا يقول بطهارة الجلد المدبوغ.

م: (إلا جلد الخنزير والآدمي) ش: الخنزير وزنه فعليل مثل قنديل رباعي والياء فيه زائدة، والنون أصلية مثلها خندريس؛ لأنها لا تزاد ثانية مطردة بخلاف الثالثة شريت وجحيل فقد نقل بأنها زائدة مطردة. وحكى ابن سيده: أنه مشتق من خزر العين أي ضيعها فهو على هذا ثلاثي مزيد فيه الياء والنون.

قلت: الشريت الغليظ الكفين والرجلين وصف به الأسيد. والجحيل بتقديم الجيم على الحاء الغليظ الشفة. الآدمي منسوب إلى آدم عليه السلام.

فإن قلت: في المسألتين منه ما هو.

قلت: معرفة هذا مبنية على معرفة شيء وهو أن جلد الخنزير يقيل الدباغ أو لا، وكذلك جلد الآدمي، فاختلف فيه، فقال بعضهم: جلد الخنزير لا يقبل الدباغ؛ لأن فيه جلودا مترادفة بعضها فوق بعض ذكره في " المحيط " و" البدائع ". وقيل: يقبل الدباغ ولكن لا يجوز استعماله؛ لأنه نجس العين لأنه رجس، والهاء في قَوْله تَعَالَى:{فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145](الأنعام: الآية 145) ينصرف إليه دون لحمة لقربه، فلذلك لا يجوز الانتفاع به ولا بيعه ولا جميع أنواع التملكات، ولا يضمن مثله للمسلم، وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله ذكره في " المحيط "، وهو مذهب الليث بن سعد وداود.

وأما جلد الآدمي فقد ذكر في " المحيط "" والبدائع ": أن جلد الإنسان يطهر بالدباغ ولكن يحرم سلخه ودبغة والانتفاع به احتراما له كشعره. وفي أحد قولي الشافعي: الآدمي ينجس بالموت ويطهر جلده بالدباغ في أحد الوجهين إلا أن المقصود منه لما لم يحصل استثني مع المستثنى. وقيل: جلد الآدمي أيضا لا يقبل الدباغ كجلد الخنزير.

فإذا عرفت هذا فقد توجه في الاستثناء وجهان:

ص: 408

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

أحدهما: أن يكون الاستثناء من الدبغ ويكون المعنى: وكل إهاب يقبل الدباغ إذا دبغ فقد طهر إلا جلد الآدمي والخنزير لا يطهر؛ لأنه لا يقبل الدباغ.

والوجه الثاني: أن يكون الاستثناء من قوله طهو، والمعنى: كل إهاب يقبل الدباغ إذا دبغ طهر إلا جلد الخنزير فإنه لا يطهر وإن كان يقبل الدباغ.

فإن قلت: هذا الوجه يقتضي أن يطهر جلد الآدمي؛ لأن تعليله بكرامته لا ينفي طهارته.

قلت: فعلى قول من يقول: لا يقبل الدباغ لا يطهر، وعلى قول من يقول: إنه يقبل يطهر، ولكن يحرم استعماله كما قلنا، فبالنظر إلى القول الأول قال: إلا جلد الخنزير ولم يقل إلا إهاب الخنزير؛ لأن الإهاب له تهيؤ واستعداد للدباغ، وجلد الخنزير ليس كذلك، فلذلك قال: إلا جلد الخنزير، وكذا الكلام في جلد الآدمي.

فإن قلت: إن كان عدم القابلية للدباغ يستلزم عدم الطهارة كان ينبغي أن يستثنى أيضا جلد الحية لأن في شرح الطحاوي قال: جلد الحية نجس لا يحتمل الدباغ، ويمنع جواز الصلاة أكثر من قدر الدرهم، وكذلك كان ينبغي أن يستثنى جلد الفيل عند محمد رحمه الله لأنه كالخنزير عنده.

قلت: اكتفى بذكر المتفق عليه، ولم يتعرض لما فيه الخلاف.

فإن قلت: ما تقول في مصارين الشاة والمثانة.

قلت: روي عن محمد رحمه الله أن المصارين إذا أصلحت والمثانة إذا دبغت فقد طهرت؛ ولهذا يتخذ من المصارين الأوتار.

فإن قلت: الأكراس: قلت: كالمصارين والمثانة. وقال أبو يوسف: كاللحم فلا يطهر.

فإن قلت: فلم فرع الخنزير على الآدمي. قلت: الموضع موضع الإهانة لكونه في باب النجاسة وتأخير الآدمي في ذلك أولى كما في قَوْله تَعَالَى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} [الحج: 40](الحج: الآية 40) .

فإن قلت: لم أخرج جلد الخنزير والآدمي عن العموم، وكان ينبغي أن يجوز تخصيص الميتة منه قياسا عليه أو بقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تنتفعوا من الميتة بإهاب» .

ص: 409

لقوله صلى الله عليه وسلم «أيما إهاب دبغ فقد طهر»

ــ

[البناية]

قلت: هذا قياس فيه إبطال النص، وهو الحديث الذي يأتي، والنهي عن الانتفاع بالإهاب، وقد مر أنه اسم لجلد غير مدبوغ فليس ذلك داخل في عمومه ليجوز تخصيصه لا تعارض بينهما لاختلاف المحل.

م: (لقوله صلى الله عليه وسلم: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» ش: الحديث رواه ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم فحديث ابن عباس أخرجه الأربعة، ورواه ابن حبان في صحيحه وأحمد في " مسنده " والشافعي وإسحاق بن راهويه والبزار في مسانيدهم، وكثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين عزوا هذا الحديث في كتبهم إلى مسلم وهو وهم، وممن فعل ذلك البيهقي في " سننه ".

وإنما رواه مسلم بلفظ: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» . واعتذر الشيخ تقي الدين بأن البيهقي وقع له مثل ذلك في كتبه كثيرا، ويزيد أصل الحديث لا كل لفظ منه ولا يقبل ذلك؛ لأن الفقهاء يختلف نظرهم باختلاف اللفظ، فلا ينبغي ذلك.

ومن أحاديث هذا الباب ما رواه البخاري ومسلم قال: «تصدق على مولاة لميمونة رضي الله عنها بشاة فماتت فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلا أخذتهم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا إنها ميتة فقال إنما حرم أكلها» . ورواه الدارقطني وزاد: «أو ليس في الماء والقرص ما يطهره» وفي لفظ: «إنما حرم عليكم لحمها، ورخص لكم في مسكها» . وفي لفظ: «إن دباغه طهور» ، أخرج هذه الألفاظ في حديث ميمونة رضي الله عنها ثم قال: وهذه الأسانيد كلها صحيحة.

وما رواه البخاري أيضا من حديث سودة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها، ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شنا» .

وما رواه ابن خزيمة في " صحيحه " والبيهقي في " سننه " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ من سقاء فقيل له: إنه ميتة، فقال: "ودباغه يزيل خبثه أو نجسه أو رجسه» . وقال البيهقي: إسناده صحيح ورواه الحاكم.

ص: 410

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وما رواه ابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دباغ جلود الميتة طهورها» . وما رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في "صحيحه" من حديث عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه عن عائشة رضي الله عنها «أن الرسول الله عليه السلام أمر أن ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت» . وأعله البزار بأم محمد غير معروفة، ولا يعرف لمحمد غير هذا الحديث، وسئل محمد عن هذا الحديث، فقال: من هي أمه، كأنه أنكره من أجل أمه.

وما رواه أبو داود والنسائي عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق «أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة، فقالت: ما عندي إلا قربة لي ميتة، قال: "ألست قد دبغتيها؟ " قالت: بلى، قال: " فإن دباغها طهورها» . ورواه ابن حبان في صحيحه وأحمد في " مسنده "، وأعله الأثرم بجون، ويحكى عن أحمد قال: لا أعرف من هذا الجون بن قتادة.

وما رواه الدارقطني ثم البيهقي من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا: «طهور كل أديم دباغه» ، وقالا: إسناده حسن ورجاله ثقات.

وأخرج الدارقطني من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استمتعوا بجلود الميتة إذا هي دبغت ترابا كان أو رمادا أو ملحا بعد أن يزيد صلاحه» وفيه معروف بن حسان، قال أبو حاتم: مجهول، وقال ابن عدي: منكر الحديث.

وأخرج أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إنما حرم رسول الله عليه السلام من الميتة لحمها» فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به، وفيه عبد الجبار، قال

ص: 411

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

الدارقطني: ضعيف. قلت: ذكره ابن حبان في " الثقات " في هذا الحديث.

وأخرج أيضا من حديث أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا بأس بجلد الميتة إذا دبغ، ولا بأس بشعرها وصوفها وقرونها إذا غسل بالماء» وفيه يوسف بن السفر، قال الدارقطني: متروك ولم يأت به غيره.

وأخرج أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا الأنعام الآية ألا كل شيء من الميتة حلال إلا ما أكل منها فأما الجلد والقرون والشعر والصوف والسن والعظم فكله» . وفيه أبو بكر الهذلي قال: وهو متروك.

وما رواه البيهقي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على شاة فقال: "ما هذه؟ فقالوا: ميتة، قال: "ابغوا إهابها فإن دباغها طهور» وفيه القاسم بن عبد الله ضعيف. وأخرج أيضا من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دباغ جلود الميتة طهورها» .

وما رواه الطبراني في معجمه والبزار في مسنده من حديث ابن عباس قال: «ماتت شاة لميمونة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فهلا استمتعتم بإهابها فإن دباغ الأديم طهوره» . وفيه يعقوب بن عطاء بن أبي رباح فيه مقال. قال أحمد رحمه الله: منكر الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات.

وهذه الأحاديث كلها حجة لنا على المخالفين. وفي هذه المسألة للعلماء سبعة مذاهب:

الأول: مذهبنا وقد ذكره المصنف.

الثاني: مذهب الشافعي رحمه الله أنه يطهر الكل إلا جلد الكلب والخنزير، وما يتولد منهما أو من أحدهما.

الثالث: يطهر الجميع، يروى عن أبي يوسف رحمه الله ذكره في " المحيط " وهو مذهب الليث وداود.

ص: 412

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

الرابع: كذلك ظاهره دون باطنه، يحكى عن مالك.

الخامس: ينتفع بها من غير دباغ في الرطب واليابس، يحكى عن الزهري.

السادس: يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم دون غيره، قاله الأوزاعي، وابن المبارك، وأبو ثور، وإسحاق.

السابع: لا يطهر شيء منها بالدباغ، يروى عن عمر وابنه وعائشة رضي الله عنهم، وهو رواية عن مالك رحمه الله.

وعن أحمد أحاديث التابعين منها غير ما رواه الأربعة من حديث عبد الله بن عكيم عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» . وقال الترمذي: حديث حسن ورواه ابن حبان في " صحيحه ". ومنها ما رواه ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنتفعوا من الميتة بشيء» .

ومنها ما رواه ابن جرير أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتفع من الميتة بإهاب» .

ومنها: ما رواه أبو داود والترمذي وصححه «أنه عليه السلام نهى عن جلود السباع التي تفترس» .

والجواب عن حديث ابن عكيم أنه معلول بأمور ثلاثة؛ الأول: أنه مضطرب سندا ومتنا. فالأول: عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه حدثنا شيخ لنا أن النبي عليه السلام كتب إليهم أن لا يستمتعوا من الميتة بشيء. رواه ابن حبان، وفي رواية حدثنا أصحابنا «أن النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في أرض جهينة إني كنت رخصت لكم في جلدة الميتة فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب» . رواه الطبراني في " معجمه الأوسط ".

الثاني: يعني اضطراب المتن وهو ما روي قبل موته بشهر وروي بشهر أو شهرين، وقال البيهقي: وجاء في لفظ آخر قبل موته بأربعين يوما، وروي قبل موته بثلاثة أيام.

والثاني: من العلة الاختلاف في صحبته، فقال البيهقي وغيره: لا صحبة له فهو مرسل، وعن الخلال أن أحمد رضي الله عنه توقف فيه لما رأى تزلزل الرواة فيه، وقيل: إنه رجع عنه.

ص: 413

وهو بعمومه حجة على مالك رحمه الله في جلد الميتة،

ــ

[البناية]

والثالث: قال في " الإمام " عن الحكم بن عتبة الكندي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه انطلق هو وناس إلى عبد الله بن عكيم قال: فدخلوا وقعدت على الباب فخرجوا إلي وأخبروني أن ابن عكيم أخبرهم «أن رسول الله عليه السلام كتب إلى جهينة قبل موته بشهرين لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» . ففي هذه الرواية أنه سمع من الناس الداخلين عليه وهم مجهولون. وقال الخلال: وطريق الإنصاف أن حديث ابن عكيم ظاهر الدلالة في النسخ ولكنه كثير الاضطراب، وحديث ابن عباس سماع وحديث ابن عكيم كتاب والكتاب والوجادة والمناولة كلها موقوف لما فيها من شبهة الانقطاع لعدم المشافهة، ولو صح فهو لا يقاوم حديث ابن عباس في الصحة، ومن شرط الناسخ أن يكون أصح سندا وأقوم قاعدة من جميع الرجحان، وغير خاف على كل جماعة الحديث أن حديث ابن عكيم لا يوازي حديث ابن عباس في جهة من جهات الترجيح فضلا عن جميعها.

والجواب عن حديث جابر أن في رواته زمعة وهو ممكن لا يعتمد على نقله. وعن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن عامة من في إسناده مجاهيل لا يعرفون.

وأما النهي عن جلود السباع فقد قيل: إنها كانت تستغل قبل الدبغ.

م: (وهو) ش: أي قوله صلى الله عليه وسلم: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» ، م:(بعمومه حجة على مالك في جلد الميتة) ش:، لأنه يقول: لا يطهر لكنه ينتفع به في الجامد من الأشياء دون المائع فيجعل جرابا للحبوب دون السمن والعسل ونحوهما، وأراد بعموم هذا النص أن الإهاب نكرة والنكرة إذا اتصفت بصفة عامة تعم، كقوله: أي عبيدي ضربك فهو حر، يعتق كلهم إذا ضربوه، تقديره أي إهاب مدبوغ فهو طاهر، وأيضا بعمومه يدل على طهارة ظاهره وباطنه فلا معنى لاستثناء باطنه.

وقال النووي: قال الماوردي يجوز هبة جلد الميتة قبل الدباغ، قال: وقال أبو حنيفة رضي الله عنه يجوز بيعه وهبته كالثوب النجس.

قلت: هذا سهو منه، بل لا يجوز بيع جلود الميتة قبل الدباغ ولا تمليكها، ذكره في " المحيط " و" شرح الطحاوي "، ولا يضمن بالإتلاف، ولو دبغه بالنجس صح في أحد الوجهين، ويغسل بعده عندهم وعندنا يطهر، وجلد الميتة المدبوغ مما يؤكل لحمه يحل أكله في الجديد، وكذا ما لا يؤكل لحمه في وجه ولا يحل بالذكاة.

ثم اعلم أن قوله - حجة على مالك - ليس كما ينبغي؛ لأن مالكا لا يقول بذلك، ففي " الجواهر " للمالكية أن جلد الميتة يطهر بالدباغ فهذا النقل عنه ضعيف، وإنما هذا الحديث حجة على أحمد فإن عنده جلد الميتة لا يطهر بالدباغ.

ص: 414