المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حكم الطهارة بنبيذ التمر] - البناية شرح الهداية - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌كتاب الطهارات

- ‌[تعريف الوضوء]

- ‌[حكم الطهارة]

- ‌[فرائض الطهارة]

- ‌[صفة غسل الأعضاء في الوضوء]

- ‌[حد المرفق والكعب في الوضوء]

- ‌[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء]

- ‌سنن الطهارة

- ‌[غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء]

- ‌تسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء

- ‌[السواك من سنن الوضوء]

- ‌[فضل السواك وأوقات استحبابه]

- ‌[كيفية الاستياك]

- ‌[فيما يستاك به وما لا يستاك به]

- ‌[حكم من لم يجد السواك]

- ‌[المضمضة والاستنشاق في الوضوء]

- ‌[مسح الأذنين في الوضوء]

- ‌[تخليل اللحية في الوضوء]

- ‌[تخليل الأصابع في الوضوء]

- ‌[تكرار الغسل ثلاث مرات في الوضوء]

- ‌[النية في الوضوء]

- ‌[استيعاب الرأس في الوضوء]

- ‌[ترتيب أعضاء الوضوء]

- ‌[البداءة بالميامن في الوضوء]

- ‌[فصل في نواقض الوضوء] [

- ‌ما خرج من السبيلين من نواقض الوضوء]

- ‌[خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء]

- ‌[القيء والدم من نواقض الوضوء]

- ‌[النوم من نواقض الوضوء]

- ‌[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء]

- ‌فصل في الغسل

- ‌[فرائض الغسل]

- ‌[سنن الغسل]

- ‌[البدء بغسل اليدين في الغسل]

- ‌[الوضوء من سنن الغسل]

- ‌المعاني الموجبة للغسل:

- ‌[إنزال المني من موجبات الغسل]

- ‌[التقاء الختانين من موجبات الغسل]

- ‌ الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام

- ‌[الأغسال المسنونة]

- ‌[باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز]

- ‌[ماء البحر]

- ‌[الوضوء بما اعتصر من الشجر والثمر]

- ‌[الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم]

- ‌[الطهارة بماء غلب عليه غيره]

- ‌[الطهارة بالماء الذي خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه]

- ‌[الوضوء بالماء الذي وقعت فيه نجاسة]

- ‌[حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء]

- ‌[حكم موت ما يعيش في الماء فيه]

- ‌[حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث]

- ‌[المقصود بالماء المستعمل وأقسامه]

- ‌الجنب إذا انغمس في البئر

- ‌[طهارة الجلود بالدباغ]

- ‌[طهارة جلد الكلب والخنزير]

- ‌[هل الكلب نجس العين]

- ‌ الانتفاع بأجزاء الآدمي

- ‌ ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة

- ‌شعر الميتة وعظمها طاهر

- ‌[الأعيان الطاهرة]

- ‌شعر الإنسان وعظمه

- ‌فصل في البئر

- ‌[حكم وقوع النجاسة في البئر]

- ‌فصل في الأسآر وغيرها

- ‌[سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه]

- ‌سؤر الكلب

- ‌[سؤر الحائض]

- ‌[سؤر الخنزير وسباع البهائم]

- ‌سؤر الهرة

- ‌[سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن البيوت]

- ‌[سؤر الحمار والبغل والفرس]

- ‌[حكم الطهارة بنبيذ التمر]

- ‌باب التيمم

- ‌[تعريف التيمم]

- ‌[شرائط التيمم]

- ‌[عدم وجود الماء]

- ‌[العجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه]

- ‌[خوف الضرر من استعمال الماء]

- ‌[أركان التيمم]

- ‌[كيفية التيمم]

- ‌[تيمم الجنب]

- ‌[تيمم الحائض والنفساء]

- ‌[ما يتيمم به]

- ‌[التيمم بالغبار مع وجود الصعيد]

- ‌والنية فرض في التيمم

- ‌[نية التيمم للحدث أو الجنابة]

- ‌[مبطلات التيمم]

- ‌[ما يباح بالتيمم]

- ‌[التيمم لصلاة الجنازة والعيدين ونحوها]

- ‌[التيمم لصلاة الجمعة]

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌[حكم المسح على الخفين]

- ‌[شروط المسح على الخفين]

- ‌[مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر]

- ‌[كيفية المسح على الخفين]

- ‌[المسح على خف فيه خرق كبير]

- ‌[المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل]

- ‌[نواقض المسح على الخفين]

- ‌[المسح على الجرموقين]

- ‌ المسح على الجوربين

- ‌[المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما]

- ‌ المسح على الجبائر

- ‌[حكم المسح على الجبائر]

- ‌باب الحيض والاستحاضة

- ‌[تعريف الحيض وأركانه]

- ‌أقل الحيض

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[أكثر الحيض]

- ‌[ما يسقطه الحيض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض]

- ‌[ما تقضيه الحائض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض والجنب]

- ‌[دخول الحائض والجنب المسجد]

- ‌[طواف الحائض والجنب]

- ‌[قراءة القرآن للحائض والجنب]

- ‌[مس المصحف للمحدث والحائض والجنب]

- ‌[فروع فيما يكره للحائض والجنب]

- ‌[دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين]

- ‌[انقطاع دم الحيض لأقل من عشرة أيام]

- ‌[حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]

- ‌أقل الطهر

- ‌[حكم دم الاستحاضة]

- ‌[فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم]

- ‌فصل في النفاس

- ‌[تعريف النفاس]

- ‌السقط الذي استبان بعض خلقه

- ‌[أقل النفاس وأكثره]

- ‌باب الأنجاس وتطهيرها

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[ما يجوز التطهير به وما لا يجوز]

- ‌[الماء القليل إذا ورد على النجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الخف الذي لحقته نجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الثوب الذي لحقته نجاسة]

- ‌[حكم المني وكيفية تطهيره]

- ‌النجاسة إذا أصابت المرآة والسيف

- ‌[الحكم لو أصاب المني البدن]

- ‌[كيفية تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة]

- ‌[ما يعفى عنه من النجاسات]

- ‌[حكم الروث أو أخثاء البقر]

- ‌ بول الحمار

- ‌[حكم بول الفرس]

- ‌[حكم خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور]

- ‌ لعاب البغل والحمار

- ‌[قدر الدرهم من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار]

- ‌[أنواع النجاسة]

- ‌فصل في الاستنجاء

- ‌[حكم الاستنجاء]

- ‌[ما يجوز به الاستنجاء به وما لا يجوز]

- ‌[ما يكون به الاستنجاء]

- ‌[الاستنجاء بالعظم والروث]

الفصل: ‌[حكم الطهارة بنبيذ التمر]

وسؤر الفرس طاهر عندهما، لأن لحمه مأكول، وكذا عنده في الصحيح؛ لأن الكراهة لإظهار شرفه

فإن لم يجد إلا نبيذ التمر.

ــ

[البناية]

هذا الماء وعدمه سواء، وإنما يجمع بينهما لعدم العلم بالمطهر بهما عينا، وفي " النهاية " المراد بالجمع أن لا تخلو صلاة واحدة عنهما حتى لو توضأ بالسؤر وصلى ثم أحدث وتيمم وصلى تلك الصلاة جاز، لأنه جمعهما في صلاة واحدة.

فإن قيل: هذا الطريق مستلزم أداء الصلاة بغير طهارة في أحد المرتين لا محالة وهو مستلزم الكفر لتأديته إلى الاستخفاف بالدين فينبغي أن لا يجوز، ويجب الجمع في أداء واحد، قلت: إذا كان فيما أدى بغير طهارة بيقين، فأما إذا كان أداؤه بطهارة من وجه فلا استخفاف؛ لأنه عمل بالشرع من وجه وهاهنا كذلك لأن واحدا من السؤر والتراب مطهر من وجه دون وجه فلا يكون الأداء بغير طهارة من كل وجه، فلا يلزم منه الكفر كما لو صلى حنفي بعد الفصد والحجامة لا تجوز صلاته ولا يكون كافرا لمكان الاختلاف وهذا أولى بخلاف ما لو صلى بعد البول في " جامع المستوفى " عن نصير في رجل لم يجد إلا سؤر حمار يهرق ذلك حتى يصير عادما للماء ثم يتيمم، واختار الصفار ذلك وعن محمد "في النوادر ": توضأ بسؤر الحمار وتيمم ثم أصاب ماء نظيفا ولم يتوضأ به حتى ذهب الماء ومعه سؤر الحمار أعاد التيمم دون الوضوء؛ لأنه إذا كان مطهرا فقد توضأ به، وإن كان نجسا فليس عليه الوضوء في المرة الأولى ولا في المرة الثانية.

م: (وسؤر الفرس طاهر عندهما) ش: أي عند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - م:(لأن لحمه مأكول) ش: عندهما، وذكر في الأصل لا بأس بسؤر الفرس من غير ذكر خلاف. وفي " المبسوط " سؤر الفرس طاهر في ظاهر الرواية م:(وكذا عنده في الصحيح) ش: أي وكقولهما طاهر عند أبي حنيفة رحمه الله في المروي الصحيح وهو ورواية كتاب الصلاة. وفي " المحيط ": وفي سؤر الفرس عن أبي حنيفة رحمه الله أربع روايات، روى البلخي عنه: أحب إلي أن يتوضأ بغيره. وروى الحسن عنه: أنه مكروه كلحمه، وروي أنه: مشكوك كسؤر الحمار، وفي رواية: طاهر كقولهما.

م: (لأن الكراهة) ش: أي كراهة لحمه م: (لإظهار شرفه) ش: لأنه يرهب به عدو الله فيقع إعزاز الدين وإعلاء كلمة الله كما يقع بالآدمي لهذا اختص من بين الحيوانات بإفراد السهم كالآدمي فلا يؤثر تحريمه في سؤره كما في الآدمي.

[حكم الطهارة بنبيذ التمر]

م: (فإن لم يجد إلا نبيذ التمر) ش: أي فإن لم يجد من يريد الصلاة وهو محدث إلا نبيذ

ص: 496

قال أبو حنيفة رحمه الله: يتوضأ به ولا يتيمم،

ــ

[البناية]

التمر، وجه المناسبة في ذكره هذه المسألة هاهنا هو أن له شبها خاصا بسؤر البغل والحمار على قول محمد، فإنه يقول بضم التيمم إلى الوضوء به احتياطا كما يجيء عن قريب، فلذلك قال: فإن لم يجد بالفاء فإن فيه بيان الجمع بين التيمم والسؤر وهذا أحسن من ذكره بالواو؛ لأنه لمجرد العطف بخلاف الفاء، فإنه يدل على معان مختلفة مع العطف كما ذكر في موضعه.

ثم إن النبيذ فعيل بمعنى مفعول في نبذت الشيء إذا طرحته وهو الماء الذي نبذ فيه تمرات لتخرج حلاوتها إلى الماء، وفي " النهاية" لابن الأثير: النبيذ ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك، يقال: نبذت التمر والعنب إذا نزلت عليه الماء ليصير نبيذا مصرف من مفعول إلى فعيل، وأنبذته إذا اتخذته نبيذا وسواء كان مسكرا أو غير مسكر فإنه يقال له: نبيذ ويقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ كما يقال للنبيذ خمر، وقال ابن فارس في " المجمل ": نبذت الشيء أنبذه إذا ألقيته من يدك، ونبيذ التمر يلقى في الآنية ويصب عليه الماء.

قلت: هو من باب فعل بالفتح في الماضي والكسر في المضارع كضرب يضرب وكذا ذكره صاحب " الدستور "، وقال ابن سيده: النبيذ طرحك الشيء وكل طرح نبيذ، والنبيذ التمر المطروح، والنبيذ ما نبذته من عصير ونحوه، وقد نبذ وانتبذ ونبذ، وفي " الصحاح " العامة تقول: أنبذت وكذا ذكره في كتاب " الشرح " لابن درستويه، وذكر الخيالي في " نوادره " ومن خط الحافظ أنبذت لغة لكنها قليلة وذكره أيضا في كتاب فعلت وأفعلت، وفي " الجامع " للفراء وكثرة الناس يقولون: نبذت النبيذ بغير ألف. وحكى الفراء عن الرازي: أنبذت النبيذ قال: ولم أسمعها أنا من العرب، وفي " الكافي " أنبذت النبيذ لغة عامة ونبذت الشيء نبذا شدة للمبالغة.

م: (قال أبو حنيفة رحمه الله يتوضأ به) ش: أي نبيذ التمر م: (ولا يتيمم) ش: لتعيين نبيذ التمر، وقال أبو بكر الرازي في كتابه " أحكام القرآن " عن أبي حنيفة رحمه الله فيه ثلاث روايات، وهذه هي المشهورة، قال قاضي خان: وهي قوله الأول وهو قول زفر رضي الله عنه. قال الرضي وقاضي خان: ذكر في كتاب الصلاة إن تيمم معه أحب إلي وروي عنه الجمع بين سؤر الحمار وبه قال محمد رحمه الله، وروى عنه نوح بن أبي مريم وأسد بن عمر والحسن أنه يتيمم ولا يتوضأ، قال قاضي خان: هو الصحيح وهو قوله الأخير، وقد رجع إليه وبه قال أبو يوسف ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله وغيرهم من العلماء وهو اختيار الطحاوي.

وروى الحسن والمعلى عن أبي يوسف الجمع بينهما وذكر قاضي خان ولو وجد نبيذ التمر

ص: 497

(لحديث ليلة الجن)

ــ

[البناية]

والماء المشكوك فيه والتراب يتوضأ بالنبيذ لا غير، وعن أبي يوسف رحمه الله يجمع بين المشكوك والتيمم. وعند محمد يجمع بين الثلاث، ولو ترك واحدا منهما لا تجوز ذكر ذلك المرغيناني والأسبيحابي والتقديم والتأخير في ذلك سواء. وحكي عن ابن طاهر الدباس رحمه الله أنه قال: إنما اختلفت أجوبة أبي حنيفة رحمه الله لاختلاف الأسئلة فإنه سئل عن التوضؤ إذا كانت الغلبة للحلاوة، قال: يتيمم ولا يتوضأ، وسئل عنه أيضا إذا كان الماء والحلاوة سواء ولم يغلب أحدهما على الآخر، قال: يجمع بينهما، وقال السغناقي: وعلى هذه الطريقة لا يختلف الحكم بين نبيذ التمر وسائر الأنبذة، وسئل عنه أيضا إذا كانت الغلبة للماء فقيل يتوضأ به ولا يتيمم.

وذكر القدوري في شرحه عن أصحابنا التوضؤ بنبيذ التمر لا يجوز إلا بالنية كالتيمم؛ لأنه بدل عن الماء كالتيمم حتى لا يجوز التوضؤ به حال وجود الماء، ولو توضأ بالنبيذ ثم وجد ماء مطلقا ينتقض وضوءه كما ينتقض التيمم بوجود الماء.

قلت: وبقول أبي حنيفة قال عكرمة والأوزاعي وحميد بن حبيب والحسن بن جني وإسحاق فإنهم ذهبوا إلى جواز التوضؤ بنبيذ التمر عند عدم الماء المطلق، وقال ابن قدامة في " المغني " وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء بنبيذ التمر وبه قال الحسن. وفي " الحلية " النبيذ نجس عندنا. وفي " شرح الوجيز " والجمادات كلها على الطهارة إلا الخمر والنبيذ، والمسكر، والحيوانات كلها على الطهارة إلا الكلب والخنزير وفروعهما.

م: (لحديث ليلة الجن) ش: قال السغناقي: حديث الجن هو ما روى أبو رافع وابن المغيرة عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات ليلة ثم قال: "ليقم معي من لم يكن في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقام ابن مسعود رضي الله عنه فحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع» نفسه، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:«خرجنا من مكة فخط رسول الله حولي خطا وقال لا تخرج عن هذا الخط فإنك إن خرجت لم تلقني إلى يوم القيامة ثم ذهب يدعو الجن إلى الإيمان ويقرأ عليهم القرآن حتى طلع الفجر ثم رجع بعد طلوع الفجر» .

ص: 498

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وقال تاج الشريعة في شرحه: حديث ليلة الجن هو ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات ليلة إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فمن يتبعني قالها ثلاثا وأطرقوا إلا أنا قال فانطلقنا حتى إذا كنا على مكة في شعب الحجون خط لي خطا وقال لا» .

وقال صاحب " البدائع ": حديث ليلة الجن ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا أصحاب النبي جلوسا في بيته فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليقم منكم من ليس في قبله مثقال ذرة من كبر» فقمت، وفي رواية:«فلم يقم منا أحد فأشار إلي بالقيام فقمت ودخلت البيت فتزودت إداوة من بيته فخرجت فخط لي خطا فقال إن خرجت من هذا لم ترني إلى يوم القيامة فقمت قائما حتى انفجر الصبح فإذا أنا برسول الله صلى» فأخذ ذلك وتوضأ وصلى الفجر.

قلت: روي حديث ابن مسعود هذا من أربعة عشر طريقا وليس فيها ما يوافق ما ذكر هؤلاء لا متنا ولا إسنادا [كما] يلي:

روى ابن ماجه في "سننه" من طريق ابن لهيعة حدثنا قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود رضي الله عنه ليلة الجن: "أمعك ماء؟ " قال: لا إلا نبيذ التمر في سطيحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمرة طيبة وماء طهور صب علي" فصب عليه فتوضأ به» .

وأخرجه الطحاوي: حدثنا ربيع بن المؤذن قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: أخبرنا قيس بن الحجاج عن حابس الصبابي عن ابن عباس «عن ابن مسعود رضي الله عنهم خرج مع النبي عليه الصلاة والسلام ليلة الجن، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "اصبب علي" فتوضأ به وقال: "شراب طهور» ورجاله ثقات غير أن عبد الله بن لهيعة فيه مقال على ما نذكره، وظاهر هذا الفظ يقتضي أنه من سند ابن عباس رضي الله عنهما لكن الطبراني في معجمه جعله من سند ابن مسعود.

ص: 499

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وكذا البزار في مسنده ولفظهما بالإسناد المذكور عن ابن عباس عن ابن مسعود رضي الله عنهما أنه خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجنب بنبيذ فتوضأ وقال: "ماء طهور" قال البزار: هذا حديث لا يثبت؛ لأن ابن لهيعة كان كتبه قد احترقت وبقي يروي من كتب غيره نصا في أحاديثه مناكير. ورواه الدارقطني في "سننه " وقال: تفرد به ابن لهيعة وهو ضعيف.

ورواه أبو داود: حدثنا هناد وسليمان بن داود العبكي قال: حدثنا شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن «عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة الجن: "ماذا في إداوتك؟ " فقال: نبيذ، فقال: "تمرة طيبة وماء طهور".» وقال أبو داود: قال سليمان بن داود عن أبي زيد قال: كذا قال شريك ولم يذكر هناد ليلة الجن.

وأخرجه الترمذي من حديث أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن «عبد الله بن مسعود قال: سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما في إداوتك؟ " قلت: نبيذ التمر، فقال: "تمرة طيبة، وماء طهور" قال: فتوضأ منه» . ووهم الشيخ علاء الدين في عزوه هذا الحديث إلى النسائي أيضا فإنه لم يخرجه، وقد ضعفوا هذا الحديث بثلاث علل: أحدها: جهالة أبي زيد، والثاني: التردد في أبي فزارة هل هو راشد بن كيسان أو غيره. والثالث: أن ابن مسعود رضي الله عنه لم يكن مع النبي عليه الصلاة والسلام ليلة الجن.

بيان الأول: قال الترمذي أبو زيد رجل مجهول لا يعرف له غير هذا الحديث، وقال ابن حبان في "كتاب الضعفاء ": أبو زيد شيخ يروي عن ابن مسعود رضي الله عنه ليس يدرى من هو، ولا يعرف له أبوه ولا بلده ومن كان بهذا النعت ثم لم يرو إلا خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس استحق مجانبة ما رواه.

وقال ابن أبي حاتم في "كتاب العلل ": سمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي فزارة في الوضوء بالنبيذ ليس بصحيح وأبو زيد مجهول، وذكر ابن عدي عن البخاري قال: أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ مجهول لا يعرف بصحبته عبد الله ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو خلاف القرآن.

وبيان الثاني: وهو التردد في أبي فزارة فقيل: هو راشد بن كيسان وهو ثقة أخرج له مسلم، وقيل: هما رجلان، وأن هذا ليس براشد بن كيسان وإنما هو رجل مجهول.

ص: 500

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وبيان الثالث: وهو إنكار كون ابن مسعود مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، وروى مسلم من حديث الشعبي عن «علقمة قال: سألت ابن مسعود هل شهد منكم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا ولكن كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا: استطير أو اغتيل قال: فبتنا ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء، فقلت: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة قال: أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت عليها القرآن وانطلق بنا فأرانا آثارهم وأثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال: "لكم كل عظم، ولكم كل بعرة علقا لدوابكم، ثم قال: لا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم"، وفي لفظ مسلم، قال: لم أكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ووددت أني كنت معه. وفي لفظ: وكانوا من جن الجزيرة» .

ورواه أبو داود مختصرا لم يذكر القصة ولفظه عن علقمة قال: قلت لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من كان منكم مع النبي عليه السلام قال: ما كان معه منا أحد.

ورواه الترمذي بتمامه في " الجامع " في تفسير سورة الأحقاف. وقال البيقهي في دلائل النبوة وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ابن مسعود رضي الله عنه لم يكن مع النبي عليه السلام ليلة الجن، وإنما كان معه حين انطلقوا به وبغيره يريه آثارهم وآثار نيرانهم.

والجواب عن العلة الأولى أن أبا بكر بن العربي ذكر في شرحه للترمذي وأبو زيد مولى عمرو بن حريث روى عنه راشد بن كيسان العبسي الكوفي وأبو روق وبهذا يخرج عن حد الجهالة ولا يعرف إلا بكنيته، فيجوز أن يكون الترمذي أراد به أنه مجهول الاسم، ولا يضر ذلك، فإن جماعة من الرواة لا تعرف أسماؤهم وإنما عرفوا بالكنى.

وعن العلة الثانية: أن صاحب " الإمام " قال أبو فزارة روى عنه جماعة من أهل العلم مثل سفيان الثوري وشريك بن عبد الله والجراح بن مليح الرؤاسي، ووكيع وقيس بن الربيع، وزاد ابن العربي جعفر بن برقان وجرير بن حازم وعلي ابن عائشة، فإين الجهالة بعد هذا فبطل دعوى الجهالة، وقال أبو أحمد بن عدي: أبو فزارة ثقة ثقة، وقال ابن عبد البر: أبو فزارة مشهور ثقة عندهم، وقال أبو حاتم: صالح روى له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.

فإن قلت: قيل هو فيها، فهما رجلان وأن هذا ليس براشد بن كيسان وإنما هو رجل مجهول، وذكر البخاري أن أبا فزارة العبسي غير مسمى فجعلهما اثنين، وقالوا: إن أبا فزارة كان نباذا بالكوفة، وروى هذا الحديث لنفق سلعته.

قلت: روى هذا الحديث عن أبي فزارة جماعة فرواه عنه شريك كما أخرجه أبو داود والترمذي وكما رواه عنه الجراح كما أخرجه ابن ماجه ورواه عنه إسرائيل كما أخرجه البيهقي

ص: 501

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

ورواه عنه قيس بن الربيع كما أخرجه عبد الرزاق فأين الجهالة بعد ذلك؟ وقد جزم ابن عدي بأنه راشد بن كيسان وحكي عن الدارقطني أنه قال: أبو فزارة في حديث النبيذ اسمه راشد بن كيسان، وقولهم: كان نباذا بالكوفة باطل وهم لا يجوزون الرواية عن المستور فكيف يروي هؤلاء الأعلام عن الخمار وفساده ظاهر لا يخفى على أحد.

وعن الثالثة: بأن أربعة عشر رجلا رووه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما رواه أبو زيد عنه مصرح فيها أن ابن مسعود كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وله سبع طرق مصرح فيها أن ابن مسعود كان معه عليه السلام.

الأول: عن أحمد في " مسنده " والدارقطني في " سننه " من حديث يونس عن أبي رافع عن ابن مسعود رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة الجن: "أمعك ماء؟ " قال: لا، قال: "أمعك نبيذ؟ " قال: أحسبه قال: نعم فتوضأ به» .

الثاني: عن الدارقطني من حديث أبي عبيدة وابن الأحوص «عن ابن مسعود قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خذ معك إداوة من ماء" ثم انطلق وأنا معه. فذكر حديث ليلة الجن، ثم قال: فلما أفرغت عليه من الإداوة إذ هو نبيذ، فقلت: يا رسول الله أخطأت بالنبيذ فقال: "ثمرة حلوة وماء عذب» .

الثالث: عن الدارقطني أيضا من حديث ابن غيلان الثقفي أنه سمع «عبد الله بن مسعود يقول دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن بوضوء فجئته بإداوة فإذا فيها نبيذ فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فأتاهم فقرأ عليهم القرآن فقال لي رسول» .

الرابع: عنه أيضا من حديث أبي وائل قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه يقول: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم.

الخامس: عن الطحاوي من حديث قابوس عن أبيه قال: «انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى برار فخط خطا وأدخلني فيه وقال لا تبرح حتى أرجع إليك ثم انطلق فما جاء حتى السحر وجعلت أسمع أصواتا ثم جاء فقلت أين كنت يا رسول الله قال أرسلت إلى» قال الطحاوي: ما علمنا لأهل الكوفة حديثا أثبت أن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمعك ماء؟ " قال: لا، إلا النبيذ في إداوة قال: "تمرة طيبة وماء طهور» .

السابع: عن أبي داود من حديث أبي زيد عن عبد الله بن مسعود وقد ذكرناه.

ص: 502

فإن النبي عليه السلام: توضأ به حين لم يجد الماء. وقال أبو يوسف رحمه الله: يتيمم ولا يتوضأ به، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله، وبه قال الشافعي رحمه الله عملا بآية التيمم لأنها أقوى، أو هو منسوخ بها لأنها مدنية، وليلة الجن كانت مكية.

ــ

[البناية]

فإن قلت: هذه الطرق كلها مخالفة لما في " صحيح مسلم " أنه لم يكن معه كما ذكرناه عن قريب.

قلت: التوفيق بينها أنه لم يكن معه عليه السلام حين المخاطبة وإنما كان بعيدا عنه، وقد قال بعضهم إن ليلة الجن كانت مرتين، ففي أول مرة خرج إليهم ولم يكن مع النبي عليه السلام ابن مسعود ولا غيره كما هو ظاهر حديث مسلم.

ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى كما روى ابن أبي حاتم في تفسيره في أول سورة الجن من حديث ابن جريح قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذين لقوه بنخلة فمن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فهم من نصيبين.

قال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": وروي كونه يعني ابن مسعود مع النبي صلى الله عليه وسلم في خبر أجمع العلماء على العمل به وهو أنه طلب منه ثلاثة أحجار فأتاه بحجرين وروثة، الحديث، وقال ابن العربي صحته في البعض استوقفه وبعد عنه عليه السلام ثم عاد إليه فصح أنه لم يكن معه عند الجن لا نفس الخروج، وروى ابن شاهين بسنده عن ابن مسعود أنه قال: كنت مع النبي عليه السلام ليلة الجن، والإثبات مقدم على النفي.

م: (فإن النبي عليه السلام توضأ به) ش: أي بنبيذ التمر م: (حين لم يجد الماء) ش: أي الماء المطلق.

م: (وقال أبو يوسف رحمه الله يتيمم ولا يتوضأ به) ش: أي بالنبيذ م: (وهو) ش: أي قول أبي يوسف رحمه الله م: (رواية عن أبي حنيفة رحمه الله) ش: وقد ذكرنا أنه روي عنه ثلاث روايات م: (وبه) ش: أي وبقول أبي يوسف رحمه الله م: (قال الشافعي رحمه الله) ش: ومالك وأحمد والطحاوي رحمهم الله م: (عملا بآية التيمم) ش: أي عمل أبو يوسف عملا بآية التيمم فإنها تنقل التطهير من الماء ونبيذ التمر من وجه فيرد الحديث بها م: (لأنها أقوى) ش: أي لأنها أقوى من هذا الحديث م: (أو هو منسوخ بها) ش: أي أو هو هذا الحديث منسوخ بآية التيمم م: (لأنها مدنية) ش: لأن آية التيمم نزلت بالمدينة م: (وليلة الجن كانت مكية) ش: يعني قضية ليلة الجن التي ورد فيها الحديث المذكور كانت وقعت بمكة.

فإن قلت: نسخ السنة بالكتاب لا يجوز عند الشافعي فكيف يستقيم قوله: أو هو منسوخ بآية التيمم قلت: على هذا رواية رويت عنه أنه يجوز ذلك.

ص: 503

وقال محمد رحمه الله يتوضأ به ويتيمم، لأن في الحديث اضطرابا وفي التاريخ جهالة، فوجب الجمع احتياطا، قلنا: ليلة الجن كانت غير واحدة فلا يصح دعوى النسخ،

ــ

[البناية]

وقال الأكمل: ذلك جواب أبي يوسف رحمه الله خاصة والمشترك بينهما هو قوله: عملا بآية التيمم. قلت: هذا جواب عن سؤال لصاحب " الدراية " فالأكمل أخذهما منه.

م: (وقال محمد يتوضأ به) ش: أي بالنبيذ م: (ويتيمم) ش: يعني يجمع بينهما احتياطا م: (لأن في الحديث اضطربا) ش: أي مقالا في ثبوته. قال الأترازي في معنى الاضطراب: بعضهم قالوا بتنجسه وبعضهم قالوا: بعدم تنجسه، وبعضهم قالوا: كان ابن مسعود رضي الله عنه ليلة الجن، وبعضهم قالوا: لم يكن، فوقع الشك، فوجب الضم احتياطا.

وقال السغناقي: معنى الاضطراب وذلك لأن مداره على أبي زيد مولى عمرو بن الحريث روى أنه كان نباذا روى هذا الحديث ليهون على الناس أمر النبيذ وتبعه على هذا المعنى الشنيع صاحب " الدراية " و" الأكمل "، وقد قلنا: إنه روى عنه الأعلام الأثبات والأئمة الثقات، فكيف يستحسن هذا الكلام فيه طعن على الذين ردوا منهم.

م: (وفي التاريخ جهالة) ش: فيه نظر لأن أهل السير ذكروا أن قدوم وفد جن نصيبين كان قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، وفي " جامع قاضي خان ": تمسكوا في انتساخ هذا الحديث بجهالة التاريخ. قال بعضهم: نسخ ذلك بآية التيمم. وقال بعضهم: لم ينسخ؛ لأنها نزلت في شأن الأسفار والنبيذ يستعمل في المفازات فيما قرب من الأمصار فيجب الجمع احتياطا. ويحتمل أن تكون ليلة الجن بعد آية التيمم.

قلت: فيه نظر لأن الآية مدنية وليلة الجن مكية اللهم إلا إذا كانت غير واحدة كما ذكره المصنف م: (فوجب الجمع) ش: أي بين السور والنبيذ م: (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط في أمر الدين، قلنا إشارة إلى الجواب عما قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -.

م: (قلنا: ليلة الجن كانت غير واحدة) ش: يعني تكررت، وذكر النسفي في تفسيره أن الجن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعتين فيجوز أن تكون الدفعة الثانية في المدينة بعد آية التيمم م:(فلا يصح دعوى النسخ) ش: قال السروجي: قوله قلنا: ليلة الجن كانت غير واحدة يوهم أنها كانت بالمدينة أيضا، ولم ينقل ذلك في كتب الحديث فيما علمته.

قلت: حفظ شيئا وغابت عنه شيئا، وقد روى أبو نعيم في كتاب " دلائل النبوة " بإسناده إلى عمرو بن غيلان الثقفي قال: «أتيت ابن مسعود رضي الله عنه فقلت حدثت أنك كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن فقال أجل قلت حدثني كيف كان قال إن أهل الصفة أخذ كل رجل منهم رجلا يعشيه إلا أنا فإنه لم

ص: 504

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

يأخذني أحد، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم م، فقال:"من هذا" قلت: أنا ابن مسعود، فقال:"ما أجدك أحد يعشيك" قلت: لا يا رسول الله، قال:"فانطلق لعلي أجد لك شيئا" فانطلقنا حتى أتى حجرة أم سلمة رضي الله عنها فتركني ودخل إلى أهله، ثم خرجت الجارية، فقالت: يا ابن مسعود إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجد لك عشاء، فارجع إلى مضجعك، فرجعت إلى المسجد فجمعت حصى المسجد فتوسدته، والتففت بثوبي فلم ألبث إلا قليلا حتى جاءت الجارية وقالت: أجب رسول الله عليه السلام، فاتبعتها حتى بلغت مقامي فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عسيب نخل، فعرض به على صدري، فقال:"انطلق أنت معي حيث أنطلقت" فانطلقنا حتى أتينا بقيع الغرقد، فخط بعصاه خطة، ثم قال:"اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك" ثم انطلق يمشي وأنا أنظر إليه حتى إذا كان من حيث لا أراه ثارت مثل العجاجة السوداء، ففزعت وقلت في نفسي هذه هوازن مكروا برسول الله عليه السلام ليقتلوه فهممت أن أسعى إلى البيوت فأستغيث الناس، فذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن لا أبرح وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفزعهم بعصاه، ويقول "اجلسوا" فجلسوا حتى كاد ينشق عمود الصبح، ثم ثاروا وذهبوا، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أنمت بعدي"؟ قلت: لا والله، ولقد فزعت الفزعة الأولى حتى هممت أن آتي البيوت فأستغيث الناس، حتى سمعتك تفزعهم بعصاك، فقال:"لو أنك خرجت من هذه الحلقة ما أمنت عليك أن يخطفك بعضهم، فهل رأيت من شيء منهم"؟ قلت: رأيت رجالا سودا مستفزين عليهم ثياب بيض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أولئك وفد جن نصيبين، فسألوني المتاع الزاد والمتاع، فمتعتهم بكل عظم حائل أو روثة أو بعرة" فقلت: وما يغني عنهم ذلك؟ قال: "إنهم لا يجدون عظما، إلا وجدوا لحمه الذي كان عليه يوم أكل، ولا روثة إلا وجدوا فيها حبة الذي كان فيها يوم أكلت، فلا يستنقي أحد منكم بعظم ولا روثة» .

وأخرج أبو نعيم أيضا عن بقية بن الوليد: حدثني نمير بن يزيد القيني حدثنا أبي حدثنا قحافة بن ربيعة حدثني الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح في مسجد المدينة، فلما انصرف قال: "أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة فأمسك القوم ثلاثا، فمر بي فأخذ بيدي فجعلت أمشي معه حتى خنست عنا جبال المدينة كلها وأفضينا إلى أرض براز فإذا رجال طوال كأنهم الرماح مستنفرين ثيابهم من بين أرجلهم، فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة» ، ثم ذكر نحو حديث ابن مسعود، فلا يصح دعواه النسخ يعني وإذا كانت ليلة الجن غير واحدة فلا

ص: 505

والحديث مشهور عملت به الصحابة وبمثله يزاد على الكتاب وتمسكه

ــ

[البناية]

يصح دعواه النسخ. م: (والحديث مشهور) ش: أي الحديث المذكور مشهور ثبت بطرق مختلفة شتى م: (عملت به الصحابة) ش: مثل علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود، وأما الذي روي عن علي رضي الله عنه أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء بالنبيذ وضوء من لم يجد الماء.

وأما الذي روي عن ابن مسعود فظاهر، وعن عكرمة: النبيذ وضوء من لم يجد الماء، وقال إسحاق: حلو أحب إلي من التيمم وجمعهما أحب إلي، ولهذا الذي ذكرنا، غير أن الحديث ورد مورد الشهرة والاستفاضة حتى عمل به الصحابة وتلقوه بالقبول. فصار موجبا علما استدلاليا كخبر المعراج والقدر خيره وشره من الله تعالى وأخبار الرواية والشفاعة وغير ذلك مما كان الراوي في الأصل واحدا ثم اشتهر وتلقاه العلماء بالقبول وهذا معنى قول المصنف والحديث مشهور. وقال صاحب " الدراية ": وفي كون الحديث مشهورا تأمل.

قلت: ليس التأمل إلا في قول من يقول: إنه غير مشهور، أفلا يكفي شهرته عمل هؤلاء الكبار من الصحابة، وهم أئمة كبار ونبلاء الصحابة فكان قولهم معمولا به؟

م: (وبمثله) ش: أي بمثل هذا الحديث (يزاد على الكتاب وتمسكه) ش: أي وتمسك هذا الحديث مبني على الكتاب كما في المطلقة ثلاثا فإنه يراد الدخول عليه بالحديث المشهور، وقال السروجي: فيه نظر كبير؛ لأن المشهور عندنا ما تلقته الأئمة بالقبول وعملت به.

وقال البزدوي: ما كان من الآحاد ثم انتشر بنقل قوم لا يمكن تواطؤهم على الكذب، وهذا الحديث إن عمل به واحد واثنان من الصحابة لم يعمل به الباقون فكيف يكون مشهورا.

قلت: قال شيخ الإسلام: شرط كون الخبر مشهورا أن يكون آحادا في الأصل بأن يكون الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرتبة الآحاد متواتر النقل بأن ينقله في القرن الثاني وما بعده قوم لا يتوهم تواطؤهم على الكذب.

وهذا الحديث كذلك ويعرف بالتأمل ويؤيد ذلك ما روي من فتاوى نجباء الصحابة في زمان أشد فيه باب الوحي. وقال أبو بكر الرازي في " أحكام القرآن ": يستدل بقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6](المائدة: الآية 6) على جواز الوضوء بنبيذ التمر من وجهين: أحدهما: بقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] عموم في جميع المائعات؛ لأنه يسمى غاسلا بها إلا ما قام الدليل فيه، ونبيذ التمر ما شمله العموم.

الثاني: قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43](المائدة: الآية 6) ، فإن ما أباح إلا عند عدم كل جزء من الماء لأنه لفظ منكر يتناول كل جزء منه سواء كان مخالطا بغيره أو منفردا بنفسه ولا يمنع

ص: 506

وأما الاغتسال به فقد قيل: يجوز عنده اعتبارا بالوضوء استحسانا، وقيل: لا يجوز لأنه فوقه، والنبيذ المختلف فيه الذي يجوز الوضوء به أن يكون حلوا رقيقا يسيل على الأعضاء كالماء، وما اشتد منها صار حراما لا يجوز التوضؤ به وإن غيرته النار فما دام حلوا فهو على الخلاف، وإن اشتد فعند أبي حنيفة رحمه الله: يجوز التوضؤ به لأنه يحل شربه عنده، وعند محمد رحمه الله لا يتوضأ به لحرمة شربه عنده،

ــ

[البناية]

أحد أن يقول في نبيذ التمر ماء فلما كان كذلك وجب أن لا يجوز التيمم مع وجوده بالظاهر، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بمكة قبل نزول الآية في التيمم

م: (وأما الاغتسال به) ش: أي بنبيذ التمر فكأن هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: قد ذكرت عن أبي حنيفة رحمه الله جواز الوضوء بالنبيذ فهل حكم الاغتسال به مثل الوضوء أم لا فقال: وأما الاغتسال

إلخ، ولا نص عن أبي حنيفة في الاغتسال به ولكنهم اختلفوا م:(فقد قيل: يجوز عنده) ش: أي عند أبي حنيفة رحمه الله م: (اعتبارا بالوضوء) ش: وهو الأصح؛ لأن الخصوص عن القياس بالنص ملحق به ما هو في معناه من كل وجه وأشار إلى ذلك م: (استحسانا) ش: أي استحسنه استحسانا.

م: (وقد قيل: لا يجوز) ش: أي الاغتسال به م: (لأنه فوقه) ش: أي لأن الاغتسال فوق الوضوء؛ لأن الحديث ورد في الوضوء والاغتسال فوقه فلا يلحق به، لأن الجنابة أغلظ الحدثين والضرورة فيه دون الوضوء. وقال في " المبسوط ": الأصح فيه أنه يجوز الاغتسال به، وقال في المفيد: لا يجوز به وهو الأصح.

م: (والنبيذ المختلف فيه) ش: أشار به إلى بيان نبيذ م: (الذي يجوز الوضوء به) ش: الذي اختلفنا فيه م: (أن يكون حلوا رقيقا يسيل على الأعضاء كالماء) ش: قد بينا في أول المسألة حقيقة النبيذ وحاصله أنه لا يجوز الوضوء به إلا بشرطين: أحدهما: أن يكون رقيقا، والآخر: أن يكون سائلا كالماء ولا يكون مشتدا. وشرط آخر: أن لا يكون مسكرا أشار إليه بقول: (وما اشتد منه صار حراما لا يجوز التوضؤ به) ش: أي لا يجوز الوضوء به إجماعا لأنه صار مسكرا حراما.

م: (وإن غيرته النار) ش: وإن غيرت النبيذ النار بأن طبخوه فيها م: (فما دام حلوا فهو على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور وهو جواز الوضوء إجماعا عن أبي حنيفة رحمه الله لأنه لم يخرج عن كونه طهورا كالماء، وعند أبي يوسف يتيمم، وعند محمد: يجمع بينهما م: (وإن اشتد) ش: أي وإن اشتد النبيذ الذي غيرته النار وصار مسكرا م: (فعند أبي حنيفة رحمه الله يجوز التوضؤ به لأنه يحل شربه عنده وعند محمد لا يتوضأ به لحرمة شربه عنده) ش: يعني شربه حرام عند محمد.

وفي " المفيد "" والمزيد ": الماء الذي ألقي فيه تمرات فصار حلوا ولم يزل عنه اسم الماء وهو رقيق يجوز الوضوء به بلا خلاف بين أصحابنا، وإن طبخ أدنى طبخة لا يجوز الوضوء به حلوا

ص: 507

ولا يجوز التوضؤ بما سواه من الأنبذة جريا على قضية القياس.

ــ

[البناية]

كان أو مرا أو مسكرا، قال: وهو الأصح لأن المتنازع فيه المطبوخ الذي زال عنه اسم الماء بالحديث.

وقال الكرخي: وهو المطبوخ وأدنى طبخه يجوز الوضوء به حلوا كان أو مسكرا إلا عند محمد في المسكر. وقال أبو طاهر الدباس: لا يجوز، قال في " المحيط ": وهو الأصح كمرق الباقلاء، وقال المرغيناني والأسبيجابي: منع محمد على أبي يوسف في الزيادات فقال: يجوز التوضؤ به بسؤر الحمار، ولم يرو فيه أثرا ويمنع بنبيذ التمر، وقد ورد فيه الأثر.

قلت: ناقض المصنف كلامه الذي في باب الماء الذي يجوز به الوضوء فإنه قال هناك: وإن تغير بالطبخ بعدما خلط به غيره لا يجوز التوضؤ به لأنه لم يبق في معنى المنزل من السماء إذ النار غيرته.

م: (ولا يجوز التوضؤ بما سواه من الأنبذة) ش: أي بما سوى نبيذ التمر كنبيذ الزبيب والتين والحنطة والذرة ونحوها هذا عند عامة العلماء. وقال الأوزاعي: يجوز التوضؤ بالأنبذة كلها حلوا كان أو غير حلو، مسكرا أو غير مسكر، نيئا كان أو مطبوخا إلا الخمر خاصة. وقال ابن أبي ليلى: يجوز التوضؤ بماء العنب إذا لم يكن مشتدا كما في التمر.

م: (جريا على قضية القياس) ش: لأن القياس كان يقتضي أن لا يجوز استعمال النبيذ في إزالة الأحداث ولكنه خص بالأثر على خلاف القياس، فيقتصر على مورد النص ويبقى الباقي على موجبه؛ ولأنه في الحديث علل باسمه وصفته فقال:«تمرة طيبة» وهو من العلل القاصرة، فلما لم يوجد في غيره لم يجز غيره.

قلت: ينبغي أن يجوز التوضؤ بسائر الأنبذة كما قاله الأوزاعي إما بدلالة الأنبذة بالنص، وإما أنه صلى الله عليه وسلم نبه على العلة حيث قال:«تمرة طيبة» وهذا المعنى موجود في نبيذ الزبيب وغيره، فصار كالهرة الطائفة على العلة فيها بقوله:«فإنها من الطوافين والطوافات» قيس عليها سائر سواكن البيوت لوجود المعنى.

فإن قلت: جريا منصوب بماذا. قلت: الجري مصدر من جرى الماء وغيره لازم والمتعدي أجري وانتصابه على التعليل أي لأجل الجري على قضية القياس، ويجوز أن جريا بمعنى جاريا ويكون منصوبا على الحال والتقدير في الأول: عدم جواز التوضؤ بما سواه من الأنبذة لأجل الجري على قضية القياس، وفي الثاني: حالة كونه جاريا على قصية القياس.

ص: 508