الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس للحائض والجنب والنفساء قراءة القرآن؛
ــ
[البناية]
فإن قلت: فعلى هذا يثبت الوجوب. قلت: يحمل على الاستحباب كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم «من ترك الجمعة بغير عذر فليتصدق بدينار فإن لم يجد فنصف دينار» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد.
فإن قلت: ما القرينة على أن الأمر للاستحباب. قلت: التخيير بين الدينار ونصفه إذ لا تخيير في جنس الواحد بين الأقل والأكثر وأمر أبو بكر رضي الله عنه فيه بالاستغفار وأن لا يعود.
واحتج: من أوجب العتق بحديث ابن عباس: «جاء رجل فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت امرأتي وهي حائض فأمره بعتق نسمة وقيمة النسمة يومئذ دينار» قلنا هذا ضعيف ولئن سلمنا صحته فالأمر للاستحباب كما ذكرنا ولا كفارة في الوطء بعد انقطاع الدم قبل الغسل عند الجميع خلافاً لقتادة والأوزاعي وهذا كله إذا وطئ عامداً عالماً بالتحريم فإن وطئها ناسياً أو جاهلاً به أو بأنها حائض لا شيء عليه. وقال بعض أصحاب الحديث يجيء على قوله القديم عليه الكفارة كذا في " شرح الوجيز "، قال أبو حنيفة وهو رواية عن أبي يوسف يجوز الاستمتاع بالحائض بما فوق السرة وما تحت الركبة.
وتحرم المباشرة بين السرة والركبة بدون الإزار، وهو قول سعيد بن المسيب، وسالم، والقاسم، وشريح، وطاووس، وقتادة، وسليمان بن يسار، ومالك، والشافعي رضي الله عنه وحكاه البغوي عن أكثر العلماء. وقال محمد: يجوز الاستمتاع بما دون السرة بلا إزار، ويجب عليه اجتناب شعار الدم وهو قول عطاء، والشعبي، والنخعي، والثوري، وأحمد، وأصبغ المالكي، وأبي ثور، وإسحاق، وابن المنذر، وداود، واحتجوا بما روي عن ابن عباس في قَوْله تَعَالَى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222](البقرة: الآية 222) ، أي فاعتزلوا نكاح فروجهن، وقوله عليه السلام:«اصنعوا كل شيء إلا النكاح» ، رواه الجماعة، وفي لفظ النسائي وابن ماجه:"إلا الجماع". ولهما ما روي في "الصحيحين «عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر ثم يباشرها» . وعن ميمونة نحوه، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية:«كان يباشر نساءه فوق الإزار؛» يعني في الحيض، والمراد بالمباشرة التقاء البشرتين على أي وجه كان.
والجواب عن الحديث المذكور: أنه محمول على القبلة ومس الوجه واليد ونحو ذلك، وفي " النوادر ": امرأة تحيض من دبرها لا تدع الصلاة لأنه ليس بحيض. ويستحب الاغتسال عند انقطاعه ويستحب للزوج أن لا يأتيها.
[قراءة القرآن للحائض والجنب]
م: (وليس للحائض والجنب والنفساء قراءة القرآن) ش: على قصد القرآن دون قصد الذكر
لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقرأ الحائض والجنب شيئا من القرآن»
ــ
[البناية]
والثناء، وكذلك ولا قراءة التوراة والإنجيل والزبور لأن الكل كلام الله إلا ما بدل منها وحرف وبه قال الحسن وقتادة وعطاء وأبو العالية والنخعي والزهري وإسحاق وأبو ثور والشافعي رضي الله عنهم في أصح قوليه، وهو قول عمر وعلي وجابر وأبي وائل رضي الله عنهم، وأباحها سعيد بن المسيب وحماد بن أبي سليمان وداود وعن ابن عباس كالمذهبين، ولو علم الصبيان حرفاً حرفاً فلا بأس به لحاجة.
م: (لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن» ش: الحديث روي عن ابن عمر، وعن جابر رضي الله عنهما.
أما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي وابن ماجه عن إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن» ورواه البيهقي في "سننه " وقال: قال البخاري فما بلغني عنه إنما روى هذا إسماعيل بن عياش عن موسى ابن عقبة، وأعرفه من حديث غيره، وإسماعيل منكر الحديث عن أهل الحجاز وأهل العراق، ثم قال: وقد روي عن غيره عن موسي بن عقبة وليس بصحيح، وقال ابن عرفة: هذا حديث تفرد به إسماعيل بن عياش، وروايته عن أهل الحجاز ضعيفة لا يحتج بها، قاله أحمد ويحيى بن معين وغيرهما من الحفاظ، وقد روي هذا عن غيره وهو ضعيف، وقال ابن أبي حاتم في "علله ": سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش هذا فقال: خطأ إنما هو من قول ابن عمر رضي الله عنه وقال ابن عدي في "الكامل ": هذا الإسناد لهذا الحديث، لا يروى عن غير إسماعيل بن عياش وضعفه أحمد والبخاري وغيرهما، وصوب أبو حاتم وقفه على ابن عمر رضي الله عنه.
وأما حديث جابر رضي الله عنه فرواه الدارقطني في "سننه " في آخر الصلاة من حديث محمد بن الفضل عن أبيه عن طاوس عن جابر مرفوعاً نحوه، ورواه ابن عدي في "الكامل " وأعله بمحمد بن الفضل، وأغلظ في تضعيفه عن البخاري والنسائي وابن معين.
فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فلم يبق في الحديث المذكور وجه الاستدلال في المذهب. قلت: روي حديث صحيح في منع الجنب عن القراءة، أخرجه الأربعة من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة بكسر اللام عن علي رضي الله عنه:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه أو لا تحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "المستدرك " وصححه.
قوله: لا يحجبه، ورواية أبي داود ولم يكن يحجره أو يحجزه الأول من الحجر بالراء المهملة
وهو حجة على مالك في الحائض، وهو بإطلاقه يتناول ما دون الآية فيكون حجة على الطحاوي في إباحته.
ــ
[البناية]
وهو المنع، والثاني بالزاي من حجزه بمعنى منعه أيضاً وكلاهما من باب نصر ينصر.
قوله: ليس الجنابة، بمعنى غير الجنابة، وهذا الحديث يقوي الحديثين الأولين.
م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على مالك رحمه الله في الحائض) ش: فإنه يجوزها للحائض لكونها معذورة محتاجة إلى القراءة عاجزة عن تحصيل الطهارة بخلاف الجنب فإنه قادر عليه بالغسل والتيمم م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور: م: (بإطلاقه) ش: أي بعمومه وشموله م: (يتناول ما دون الآية) ش: لأن قوله: شيئاً، نكره في سياق النفي يتناول ما دون الآية فتمنع قراءته كالآية م:(فيكون حجة على الطحاوي رحمه الله في إباحته) ش: أي في إباحة ما دون الآية.
قلت: فللطحاوي أن يقول هذا الحديث ما يثبت عندي، وعندي حديث ما يدل على ما ذهب إليه وهو ما رواه أحمد رحمه الله في "مسنده " حدثنا عائذ بن حبيب حدثني عامر بن السمط «عن أبي الغريف الهمداني قال: أنبأني علي رضي الله عنه بوضوئه فمضمض واستنشق ثلاثا وغسل وجه ثلاثا وغسل يديه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئاً من القرآن ثم قال: هذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية» ورواه الدارقطني موقوفاً بغير هذا اللفظ، وفيه «ثم قرأ صدراً من القرآن، ثم قال: اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابه فلا ولا حرفاً أو قال واحداً» قال الدارقطني: هو صحيح عن علي رضي الله عنه.
فإن قلت: كيف يساعد هذا الحديث الطحاوي.
قلت: مساعدة المرفوع ظاهرة وأما الموقوف فعليه، فإن قال الطحاوي: تمنع كون ما دون الآية من القرآن لوجود هذا المقدار في كلام من لا يعرف القرآن من الأعراب أصلاً مثل قوله: الحمد لله وبسم الله إلا إذا قصد الشخص به قراءة القرآن، وقال الفقيه أبو الليث في كتاب " العيون ": لا يقرأ الجنب آية كاملة، ويجوز أقل من آية، ولو أنه قرأ الفاتحة على سبيل الدعاء أو شيئاً من الآيات التي فيها معنى الدعاء ولم يرد به القراءة فلا بأس به. قال الأترازي: وهو المختار. وقال الهندواني: لا أفتي بهذا وإن روي في " العيون " وغيرها.
وأورد الحافظ بأن العزيمة لو كانت صغيرة من القرآن لكان ينبغي إذا قرأ الفاتحة في الأوليين بنية الدعاء يجزئه، وأجاب بأنها إذا كانت في محلها لا يتغير بالعزيمة حتى لو لم يقرأ في الأوليين فقرأ في الآخرين بنية الدعاء لا تجزئه.