الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل والمستحاضة ومن به سلس البول والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ يتوضؤون لوقت كل صلاة، فيصلون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل
ــ
[البناية]
[فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم]
م: (فصل) ش: الفصل منها فصل لا ينون ومنها فصل ينون لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب وعقد هذا الفصل لأحكام الاستحاضة وقدمها على النفاس لأنها أكثر وقوعاً.
م: (والمستحاضة) ش: مبتدأ وقد تكلمنا فيها أول الباب مستقصى م: (ومن به سلس البول) ش: وكلمة "من" موصولة عطف على ما قبله، وسلس البول كلام إضافي مبتدأ وخبره مقدم وهو قوله:(به) ، والجملة صلة الموصول. وسلس البول بفتح اللام، والرجل سلس البول بالكسر يقال: شيء سلس أي سهل، وأصل سلس بالكسر أي لين معتاد وفلان سلس البول بالكسر إذا كان لا يستمسك، وسلس بوله بالكسر يسلس بالفتح من باب علم يعلم.
م: (والرعاف الدائم) ش: بالرفع عطف على ما قبله وهو دم الأنف لا يرقأ أي لا يسكن م: (والجرح الذي لا يرقأ) ش: بالرفع أيضاً عطف على ما قبله يقال: رقأ الدمع يرقأ رقاء ورقوا أي سكن وكذلك الدم.
م: (يتوضؤون) ش: جملة في محل الرفع على أنه خبر المبتدأ المذكورة أعني قوله: المستحاضة وما أضيف إليه م: (لوقت كل صلاة) ش: اللام فيه للتعليل م: (فيصلون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل) ش: وبه قال الأوزاعي والليث وأحمد هكذا ذكره عنه أبو الخطاب في الهداية، ولم يحك خلافاً، وفي " المغني " لابن قدامة تتوضأ لكل صلاة وبه قال الشافعي وأبو ثور، وعزى هذا إلى أصحابنا أيضاً وهو غلط منه.
وقال ابن تيمية الحراني في هذه رواية عن أحمد، وقال مالك رضي الله عنه: لا يجب الوضوء على المستحاضة ومن به سلسل البول ونحوه، وهو قول ربيعة وعكرمة وأيوب، وأما الوضوء به مستحب لكل صلاة عنده ذكره في " التمهيد " وذكر كثير من أصحابنا في كتبهم عنه أنها تتوضأ لكل صلاة. وقال الثوري رحمه الله: والمستحاضة تتوضأ لكل فريضة وهو مذهب الشافعي رحمه الله أيضا كما نذكره الآن.
وقال النخعي: تغتسل في آخر وقت الظهر، أول وقت العصر، والعصر في آخر وقته، وكذلك تغتسل في آخر وقت المغرب فتصلي وكذلك في العشاء والفجر، وعن ابن عمر رحمه الله وجوب الغسل عليها لكل صلاة وعندنا لا يجب عليها الغسل إلا مرة واحدة لخروجها عن الحيض وهو قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كعلي وابن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
مسعود وابن عباس وعائشة وعروة وأبي سلمة وعبد الرحمن والشافعي وأحمد ومالك في رواية.
وقال بعضهم: تغتسل كل يوم غسلا، روي ذلك عن عائشة رضي الله عنها وابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب. وقال بعضهم: تجمع بين الظهر والعصر بغسل وبين المغرب والعشاء وتصلي الصبح بغسل.
احتج من قال بوجوب الغسل لكل صلاة بما «روت عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل لكل صلاة» والجواب عن ذلك أن هذا لم يرفعه إلا محمد بن إسحاق عن الزهري، وأما سائر أصحاب الزهري فإنهم يقولون فيه عن عروة عن عائشة رضي الله عنها «عن أم حبيبة بنت جحش [أنها] استحيضت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إنما هو عرق وليس بالحيضة، فأمرها أن تغتسل وتصلي» ففهمت ذلك عنه فكانت تغتسل لكل صلاة.
وقال أبو عمر في " التمهيد " عن عائشة رضي الله عنها أنها استفتت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة، فأفتوها بذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، دلت على نسخ ما روت عنه صلى الله عليه وسلم إذ لا يسوغ لها خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحمل ذلك على الاستحباب أو على الثانية [أي] أيام عادتها فافهم.
فإن قلت: روي أبو داود: «أن امرأة كانت تهريق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند كل صلاة» .
قلت: أجاب النووي عن ذلك أن الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل لكل صلاة، فليس فيها شيء ثابت، وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها، واحتج من قال: تغتسل في كل يوم مرة في أي وقت شاءت من النهار، بما رواه أبو داود في "سننه " من حديث معقل الخثعمي عن علي رضي الله عنه قال: المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم لأجل الاحتياط، وأما الصوف التي فيها السمن أو الزيت فإن بها يدفع الدم وينشفه. ومعقل بالعين المهملة وبالقاف.
وقال الشافعي رحمه الله: تتوضأ المستحاضة لكل مكتوبة لقوله عليه السلام: «المستحاضة تتوضأ لكل صلاة»
ــ
[البناية]
واحتج من قال بأنها تغتسل من طهر إلى طهر بما رواه مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن قال: سألت سعيد بن المسيب رحمه الله عن المستحاضة فقال: تغتسل من طهر إلى طهر وتتوضأ لكل صلاة، فإن كان عليها الدم استثفرت. الجواب عن ذلك أن أبا داود قال: قال مالك: إني لا أظن حديث ابن المسيب من ظهر إلى ظهر بالظاء المعجمة، إنما هو من طهر إلى طهر بالطاء المهملة ولكن الوهم دخل فيه، فعليه الناس من ظهر إلى ظهر بالمعجمة.
وقال الخطابي: لأنه لا معنى للاغتسال من وقت صلاة الظهر إلى مثلها ولا أعلمه قولاً لأحد من الفقهاء، وإنما هو من طهر إلى طهر بالمهملة فيهما وهو انقطاع دم الحيض، وقد يجيء بما روي من الاغتسال من ظهر إلى ظهر بالمعجمة فيهما في بعض الأحوال لبعض النساء، وهو أن تكون المرأة قد نسيت الأيام التي كانت عادتها ونسيت الوقت أيضاً، إلا أنها تعلم أنها كلما انقطع دمها في أيام العادة كانت وقت الطهر فهل يلزمها أن تغتسل عند كل طهر وتتوضأ لكل صلاة وما بينهما وبين الطهر من اليوم الثاني، فقد يحتمل أن يكون سعيد بن المسيب إنما سئل عن امرأة هذه حالها فنقل الراوي الجواب ولم ينقل السؤال على التفصيل.
وفي " الاستذكار " ليس في ذلك وهم لأنه صحيح عن سعيد معروف من مذهبه في الاستحاضة تغتسل كل يوم من ظهر إلى ظهر، وكذلك رواه ابن عيينة عن موسى مولى أبي بكر ابن عبد الرحمن قالت: سألت سعيد بن المسيب عن المستحاضة فقال: تغتسل من ظهر إلى ظهر وتتوضأ لكل صلاة، فإن كان عليها استثفرت وصلت.
واحتج مالك فيما ذهب إليه من أن المستحاضة ليس عليها وضوء بما رواه في الموطأ عن هشام ابن عروة عن أبيه «عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: "إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة [فإذا أقبلت] فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي» وأخرجه الجماعة. وجه التمسك به أنه عليه السلام قال لها: "فاغتسلي وصلي" ولم يذكر الوضوء لكل صلاة. والجواب عنه الوضوء مذكور في غيره على ما نذكره.
م: (وقال الشافعي رحمه الله تتوضأ المستحاضة لكل مكتوبة لقوله صلى الله عليه وسلم: «المستحاضة تتوضأ لكل صلاة» ش: الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وتصوم» رواه أبو داود، ولفظه: والوضوء عند كل صلاة، وله شواهد، منها ما أخرجه أبو داود، وابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي
ولأن اعتبار طهارتها لضرورة أداء المكتوبة فلا تبقى بعد الفراغ منها
ــ
[البناية]
حبيش.. الحديث، وفي آخره:«اغتسلي وتوضئي لكل صلاة» .
ومنها: ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه " من حديث فاطمة بنت أبي حبيش وفي آخره: «فاغتسلي وتوضئي لكل صلاة» ".
ومنها: ما رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده " من حديث جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة» .
م: (ولأن اعتبار طهارتها) ش: دليل عقلي، أي طهارة المستحاضة م:(لضرورة أداء المكتوبة فلا تبقى) ش: أي الضرورة م: (بعد الفراغ منها) ش: أي من المكتوبة، وقال الأترازي في جواب دليل الشافعي رحمه الله بأن طهارة المستحاضة ضرورية لكن لا نسلم أن لا ضرورة لها في حكم أداء مكتوبة أخرى.
قلت: للشافعي رحمه الله أن يقول بعد التسليم أنها ضرورية كيف يمنع عدم الضرورة في حقها مكتوبة أخرى، ومطلق الضرورة موجود عند كل مكتوبة، وتقدير الطهارة في المكتوبة والنافلة يقدر بتلك الضرورة لأنه ليس من المعقول التجاوز عن قدر الضرورة، ثم منع الأترازي هذا بقوله: ولا نسلم أنها تقدر بقدر الضرورة عند الشافعي رحمه الله، وقد جاز لها أداء النوافل ما شاءت بالاتفاق، وللشافعي رحمه الله، أن يقول: لا ضرورة في النوافل بعد أداء الفرض، ولكن هي تابعة للفرض فيدخل في حكم المتبوع بعد الشروع بخلاف مكتوبة أخرى، لأنها عبادة أخرى مستقلة تحتاج إلى طهارة أخرى، لكون الطهارة ضرورية في حق الأولى فلم يجاوز إلى غيرها.
ثم قال الأترازي: إنا نقول: هل بقيت الطهارة بعد المكتوبة الواحدة أم لا؟
فإن قلت: نعم، فقل: تصلي الفرائض والنوافل، وإن قلت: لا، فقل لا تصلي الفرائض والنوافل أصلاً، إلا بوضوء جديد، فالشافعي رحمه الله يقول: هذه الترديد مردود، فإني لم أقل إلا أنها تصلي فرضاً واحدا مع تبعية النفل ثم لا تصلي فرضا آخر إلا بوضوء جديد، لأن الشارع لما أسقط حكم سيلان الدم لضرورة الحاجة إلى أداء فرض الوقت الذي هو الأصل سقط كذلك في حق التبع بخلاف فرض آخر كما ذكرنا، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يقول الأترازي وهذا الإلزام شيء يسكت الخصم.
ولنا قوله عليه السلام: «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» وهو المراد بالأول، لأن اللام تستعار للوقت، يقال: آتيك لصلاة الظهر أي وقتها،
ــ
[البناية]
وقد أورد الأكمل هاهنا إيرادا على الشافعية ملخصه: أن الصلاة في قوله عليه السلام: لكل صلاة، أعم من أن تكون مكتوبة أو غيرها فاختصاصها بالمكتوبة تحكم. ثم أجاب عن ذلك بأن الصلاة مطلق وهو منصرف إلى الكمال والكامل هو المكتوبة ثم رد هذا بأن الصلاة عام بدخل كلمة كل فليس كما ذكرتم.
قلت: فلهم أن يقولوا سلمنا العموم ولكنه يحتمل التخصيص، وهاهنا التخصيص موجود وهو الضرورة المؤخرة للصلاة مع سيلان الدم، مع أن القياس لا يقتضي الجواز أصلاً ولكن النص حكم عليه للضرورة فيقتصر علها ويتقدر بقدرها. والجواب المسكت ورود لفظة: هذه الصلاة مقيدة بالوقت في حديث آخر على ما نقرره عن قريب.
ثم أجاب الأكمل بجواب آخر وهو أن الطهارة بعد أداء المكتوبة إن كانت باقية تساوت الفرائض والنوافل في جواز الأداء بها وإلا فلا، ثم قال: وفيه نظر. وجه التنظير هو أن يقال: نعم باقية بالنسبة إلى النوافل دون الفرائض.
م: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» ش: قال بعضهم: هذا غريب يعني بلفظ: لوقت كل صلاة، قلت: ليس كذلك لأنه لا يلزم من عدم اطلاعه عليه أن يكون غريباً، بل روي هذا الحديث بهذه اللفظة في بعض ألفاظ حديث فاطمة بنت أبي حبيش:"وتوضئي لوقت كل صلاة" ذكره ابن قدامة في " المغني "، ورواه الإمام أبو حنيفة رحمه الله هكذا:«المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» ، ذكره السرخسي في " المبسوط "، وروى أبو عبد الله بن بطة بإسناده عن حمنة بنت جحش أنه عليه الصلاة والسلام أمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة، والغسل يغني عن الوضوء فبطل الاشتراك لكل صلاة.
م: (وهو المراد بالأول) ش: هذه إشارة إلى الجواب عما احتج به الشافعي رحمه الله في كون الوضوء للصلاة أي لوقت الصلاة وهو المراد بالحديث الأول وهو ما احتج به الشافعي م: (لأن اللام تستعار للوقت، يقال: آتيك لصلاة الظهر أي لوقتها) ش: لأن اللام كثير الاستعمال في الوقت.
ورد ذلك في الكتاب والسنة ومتعارف الناس. أما الكتاب فقوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: 59](مريم: الآية 59) ، أي وقت الصلاة، وأما السنة فقوله عليه السلام:«جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا فأينما أدركتني الصلاة تيممت» أراد وقت الصلاة لأنه فعله وفعله لا يسبقه لأن المدرك هو الوقت لا الصلاة، وقال عليه الصلاة والسلام:«إن للصلاة أولا وآخرا كوقتها» ، وأما تعارف الناس فيقال: آتيك لصلاة الظهر أي لوقتها، فحينئذ يكون ما
ولأن الوقت أقيم مقام الأداء تيسيرا فيدار الحكم عليه
ــ
[البناية]
رواه الشافعي محتملاً، وما رواه الحنفي مفسراً بالوقت فيحمل المحتمل على المفسر، وهذا هو التوفيق بين الحديثين دفعاً للتعارض.
فإن قلت: لم لا ينعكس الحمل. قلت: لأنه يلزم ترجيح المحتمل على المفسر.
م: (ولأن الوقت أقيم مقام الأداء تيسيراً) ش: هذا دليل عقلي تقريره أن الشرع أسقط اعتبار الحدث للحاجة إلى الأداء، والناس يختلفون فيه، فمنهم المطول، ومنهم المقتصر، ومنهم من يرى الأداء في أول الوقت، ومنهم بالعكس، ومنهم من يحتاج إلى تأخيره لمانع منه لبعد الماء منه، ومنهم من يوسوس إلى إعادة الصلاة دفعاً للوسوسة فلذلك جعل الوقت مقام الأداء ليستوي الكل في بقاء [الأداء] تيسيراً للأمر على المأمور، فأدير الحكم على الوقت وسقط اعتبار الحدث، وإذا أقيم شيء مقام شيء آخر يكون المنظور إليه بذلك الشيء فيكون المنظور إليه هنا الوقت فتكون الطهارة باقية ما دام الوقت باقياً، فتقدير الطهارة بالوقت دفعاً للحرج.
فإن قلت: إذا قدرت طهارة كل شخص بأدائه ارتفع الحرج. قلت: هذا ممنوع، لأنه إذ قدر ذلك وفرض الفراغ منه وأوجب عليه وضوء آخر كل ما يصلي من قضاء أو واجب أو نذر في وقته أو مكتوبة أخرى في وقت آخر تحقق الحرج في موضع التخفيف وذلك باطل، ولأن الوقت معلوم ولا يتفاوت والأداء غير معلوم فيكون في تقدير الطهارة به بعض الجهالة.
م: (فيدار الحكم عليه) ش: أي على الوقت وأراد بالحكم جواز الصلاة، ودليل آخر أن الأصول شاهدة لاعتبار الوقت دون فعل الصلاة، لأنا فيها رخصة مقدرة بالوقت وهي المسح على الخفين، ولم نجد رخصة مقدرة بفعل الصلاة.
وقال الطحاوي: [ومذهبنا قوي من جهة النظر وذلك أنا عهدنا للأحداث إما خروج خارج أو خروج وقت، فخروج الخارج معروف، وخروج الوقت وانقضاء المدة حدث في المسح على الخفين، فرجعنا في هذا الحديث المختلف فيه، فجعلناه كالحديث المختلف فيه الذي أجمع عليه ووجد له أصل ولم يجعله كما لم يجمع عليه، ولم نجد له أصلاً لأنها لم يعهد الفراغ من الصلاة حدثا قط] .
وأجاب بعضهم عن الحديث الذي احتج به الشافعي رضي الله عنه أنه ضعيف، وقال: اتفق الحفاظ عل ضعف الحديث الذي فيه الوضوء لكل صلاة، حكاه النووي في " المهذب ".
قلت: هذه اللفظة: أعني قوله: وتتوضأ لكل صلاة، معلقة عند البخاري عن عروة في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
"صحيحه " وأخرجها الترمذي عن أبي معاوية متصلاً، ثم قال في آخره: حديث حسن صحيح.
وقال ابن رشد في قواعده: وصحح قوم من أهل الحديث هذه الزيادة يعني تتوضأ لكل صلاة، وقال في موضع آخر: صححها أبو عمر بن عبد البر، وذكر البيهقي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قيل له روينا أنه صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، قال: نعم، قد رويتم ذلك وبه نقول قياسا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء مما خرج من دبر أو ذكر أو فرج ولو كان محفوظاً لكان أحب إلينا من القياس. قلت: يلزم على قياس الشافعي رضي الله عنه أن لا تختص المستحاضة بفرض واحد كالوضوء مما يخرج من أحد السبيلين.
فإن قلت: الفرق أن حديث المستحاضة بعد الفرض موجود قائم.
قلت: فواجب أن لا تصلي بعد ذلك نافلة، ثم إنه خصص العموم وجوز من النوافل ما شاءت، وجعل التقدير لكل صلاة فرض، فكما أضمر ذلك فلزمه أن يضمر الوقت ويقول التقدير لوقت كل صلاة على أنا نقول قد روى ذلك على ما ذكرنا.
فإن قلت: ذكر البيهقي قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة» وحكي عن أبي بكر الفقيه أنه قال: أخبر عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى أمره بالوضوء إذا قام إلى الصلاة لا دخول وقت الصلاة أو خروجه.
قلت: ظاهره متروك بالإجماع بين الفقهاء، وإنما يؤمر بالوضوء من قام إلى الصلاة وهو فرض، ومن قال: بانتقاض طهارتها عند خروج الوقت أو دخوله لا يأمرها بالوضوء عند ذلك، وإنما يقول: طهارتها مقيدة بالوقت على مقتضى ما مر، فإذا خرج الوقت أو دخل على حسب اختلافهم عمل على حكم الحديث السابق.
فإذا أرادت الصلاة بعد ذلك فقد أرادتها وهي محدثة فتؤمر بالوضوء عملاً بذلك الحديث، ونظير هذا الماسح على الخف إذا انقضت مدته فإنه تنقض طهارته بلا خلاف وإن كان لم يقم إلى الصلاة، ولما ألغى الشافعي رضي الله عنه طهارتها في حق النوافل وإن كان في ذلك مخالفة لطرد هذا الحديث أعني قوله صلى الله عليه وسلم:«إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة» فلذلك خصه بنفي طهارتها في حق الصلاة كلها ما دام الوقت باقياً عملاً بحديث المستحاضة "تتوضأ لكل صلاة" بإضمار الوقت كما ذكرنا.
1 -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
فروع: المستحاضة تستوثق بالشد والثلجم وحشو فرجها بقطنة أو خرقة دفعاً للنجاسة أو تقليلاً لها إلا أن تكون صائمة أو يضرها ذلك، «وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها لتستثفر بثوب» وهو أن تشد ثوباً تحتجز به تمسك موضع الدم، «وفي حديث حمنة بنت جحش قال: فتلجمي قالت: إنما أشج شجاً» . الحديث رواه أبو داود والترمذي وصححه أحمد.
وفي " المبسوط " و " شرح مختصر الكرخي " للقدوري: قال: فاطمة بنت قيس لم تذكر في المستحاضات، والتي قالت: أشج، هي حمنة لا فاطمة، فالوهم بينهما في موضعين في جعل فاطمة بنت قيس المستحاضة، وفي نسبة شدها وتعصيب جسمها تيسير ولأنه نجس وحدث، فإن غلب الدم وخرج بعد الشد لم يقر في الوقت لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: اعتكفت امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكانت ترى الدم الصفرة والطست تحتها وهي تصلي، رواه البخاري، وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه به سلس البول وكان يداويه ما استطاع، فإذا غلبه توضأ ولا يبالي بما أصاب ثوبه، وعمر رضي الله عنه كان يصلي يثعب دما، رواه أحمد والدارقطني.
وفي " الذخيرة ": إذا حشت فرجها ومنعته من الخروج لا ينتقض وضوءها في إحدى الروايتين، وفي " الحاوي " قال: لا ينتقض، ولم يحك خلافا.
وفي " المبسوط " و" المحيط " وغيرهما: إذا أصاب ثوبها من ذلك الدم فعليها أن تغسله إن كان مقيداً بأن لا يصيبه مرة أخرى حتى لو لم تغسله وهو أكثر من قدر الدرهم لم يجزها، وإن لم يكن مقيداً بأن كان يصيبها مرة بعد مرة أخرى أجزأها ولا يجب غسله ما دام القدر قائماً، ومثله سلس البول والجرح السائل.
وفي " المحيط ": وقيل: إذا أصابه خارج الصلاة يغسله لأنه قادر على أن يفتتح الصلاة في ثوب طاهر وفي الصلاة لا يمكنه التحرز منه فسقط عنه.
وفي " الحاوي ": الرباط إذا امتنع منه السيلان لا ينتقض الوضوء وأجزأه من الحدث، فإن نشف الدم في الخرقة فهو سائل، وكان محمد بن مقاتل الرازي يقول في الدم ونحوه: عليه غسل ثوبه عند وقت كل صلاة مرة كالوضوء.
وغيره من المشايخ قال: لا يلزمه ذلك، وكذا لا يلزم عندنا إعادة الشد وغسل الدم ولا إبداله ولا الاستنجاء لوقت كل صلاة للحرج. ثم الطهارة إذا وقعت للسيلان لا ينتقض به في الوقت.
وينتقض بحدث آخر عند خروج الوقت، وشرط وقوعها السيلان بأن لا يكون السيلان مقارناً لها أو طارئاً عليها وهو يحتاج إليها لأجله، وعند خروج الوقت يظهر حكم الحدث السابق حتى يغسل التي هو فيها عند خروجه ويتوضأ ويستقبل ولا يبني، ولو كانت نافلة يجب القضاء لصحة
وإذا خرج الوقت بطل وضوؤهم واستأنفوا الوضوء لصلاة أخرى
ــ
[البناية]
الشروع فيها، ولو توضأ لأجل مكتوبة وسال من الأجزاء انتقض، ولو توضأ لهما فانقطع أحدهما فهو على وضوئه ما بقي الوقت. وعلى هذا القروح إن تجدد فيها زيادة بعد الوضوء أو انقطع الدم من بعضها.
م: (وإذا خرج الوقت بطل وضوؤهم واستأنفوا الوضوء لصلاة أخرى) ش: أي إذا خرج وقت صلاة المعذورين بطل وضوؤهم، وإضافة البطلان إلى الخروج مجاز لأنه لا يوصف بذلك فضلاً عن أن يكون حدثا، وإنما الانتقاض بالحدث السابق لكن أثره يظهر عنده، لأن الوقت مانع، فإذا زال أثره ظهر والشرط يقام مقام العلة في حق إضافة الحكم.
وقال: الأكمل: قيل قوله: واستأنفوا الوضوء مستدرك لأن بطلان الوضوء يستلزمه.
قلت: هذا السؤال مع جوابه للسغناقي ولكنه قال في الجواب قال شيخي في جوابه: جاز أن يبطل الوضوء بحق صلاة ولا يبطل بحق صلاة أخرى، ولا يجب عليهم الاستئناف في حق تلك الصلاة كما قال الشافعي رضي الله عنه ببطلان طهارة المستحاضة للمكتوبة بعد أدائها وبقاء طهارتها للنوافل وكذلك قوله في التيمم أيضاً، وكما قال بعض أصحابنا في حق المتيمم لصلاة الجنازة، وفي المضطر ببقاء تيممه في حق جنازة أخرى لو حضرت هناك على وجه لو اشتغل بالوضوء تفوته صلاة الجنازة ويبطل في حق غيرها.
وذكر صاحب " الدراية " أيضاً هذا السؤال ثم قال في جوابه: قال مولانا حافظ الدين في جوابه ما قاله الشيخ السغناقي وهو الشيخ عبد العزيز ولكنه لم يذكر من قوله وكما قال أصحابنا إلى آخره، ثم قال الأكمل: وفيه تمحل كما ترى أراد بالتمحل أن الكلام في الوضوء لا في التيمم. قلت: فيما قاله تمحل لأنه نظر في ذلك بما قاله الشافعي رضي الله عنه في الوضوء، وأما التيمم فإنه كالوضوء لأنه خلف عنه قائم مقامه، ثم قال الأكمل: يجوز أن يكون تأكيداً.
قلت: إنما يصح ذلك لو كان في قوله: بطل وضوؤه احتمال لعدم البطلان بوجه من الوجوه، وقال أيضاً: ويجوز أن يكون كالتفسير الأول، ثم علله بعلة لا تجدي، قلت: إنما يصح ذلك لو كان قوله: بطل وضوؤهم احتمالاً أو إبهاماً، وقال أيضاً: ويجوز أن يكون الأول لبيان المذهب والثاني نفي لقول زفر فإنه يقول بقوله إذا دخل الوقت.
قلت: وهذا صادر من غير تدور لأنه لا خلاف في الاستئناف المستلزم للبطلان وإنما الخلاف في أن البطلان بدخول الوقت أو خروجه أو بكليهما على ما يأتي بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى، فكيف يقول بنفي قول زفر وهو لا يقول بالاستئناف حتى ينفي قوله، ولئن سلمنا ما ذكره وأنه لا يحتاج إلى نفي قول زفر بقوله واستأنفوا لأنه خرج بقول زفر بقوله: وقال زفر:
وهذا عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله وقال زفر: استأنفوا إذا دخل الوقت، فإن توضؤوا حين تطلع الشمس أجزأهم حتى يذهب وقت الظهر، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله، ومحمد رحمه الله وقال أبو يوسف رحمه الله، وزفر رحمه الله: أجزأهم حتى يدخل وقت الظهر، وحاصله أن طهارة المعذور تنتقض بخروج الوقت بالحدث السابق عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -
ــ
[البناية]
استأنفوا على ما نذكره الآن.
م: (وهذا عند علمائنا الثلاثة) ش: أي بطلان الوضوء بخروج الوقت عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
م: (وقال: زفر رحمه الله استأنفوا) ش: أي وضوءهم م: (إذا دخل الوقت) ش: أي وقت صلاة أخرى م: (فإن توضؤوا حين تطلع الشمس أجزأهم حتى يذهب وقت الظهر) ش: أي فإن توضأ هؤلاء المعذورون وقت طلوع الشمس كفاهم هذا الوضوء إلى خروج وقت الظهر، وأصل هذا أن طهارة هؤلاء تبطل بخروج الوقت عند علمائنا الثلاثة، وعند أبي يوسف تبطل بالدخول أيضاً، وعند زفر لا تبطل بالدخول لا غير على رواية الشيخ الإمام إسماعيل الزاهد وبالدخول والخروج جمعاً على رواية الشيخ الإمام أبي عبد الله الخراجي كما هو قول أبي يوسف ذكر الروايتين عن زفر في " شرح الجامع الكبير " لأبي بكر محمد بن الحسين البخاري المعروف بخواهر زاده، وخواهر زاده ابن [
…
] القاضي نائب قاضي سمرقند، ولأن سير المصنف رحمه الله إلى الأصل المذكور، وإنما قدم هذه الصورة لكون أبي يوسف مع زفر أشار إليه بقوله م:(وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: أي هذا الذي ذكرنا ذكرنا من بقاء وضوئهم إلى أن يذهب وقت الظهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله.
م: (وقال أبو يوسف وزفر - رحمهما الله - أجزأهم حتى يدخل وقت الظهر) ش: أي كفاهم لوجود الدخول عندهما، وإنما ذكرنا هذه الصورة عقيب تلك الصورة إشارة لكون أبي يوسف مع زفر لا يخالفهما فيهما إلا أبو حنيفة ومحمد.
م: (وحاصله) ش: أي حاصل ما ذكرنا من الاختلاف في المسألة المذكورة م: (أن طهارة المعذور تنتقض) ش: محلا رفع لأنها مع اسمها وخبرها أعني قوله: تنتقض خبر المبتدأ أعني قوله: حاصله، م:(بخروج الوقت) ش: أي وقت المكتوبة أي عنده هذا تفسير لقوله: خروج الوقت يعني المراد بخروج الوقت عند الخروج م: (بالحدث السابق عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: لأن الخروج شرط الانتقاض والعلة هي الحدث السابق، وإنما لم يظهر أثره في الوقت للضرورة، فإذا خرج الوقت زالت الضرورة فظهر أثره، ولهذا لم يجز مسح المستحاضة بعد خروج الوقت على الخفين إذا كان الدم سائلاً وقت الوضوء أو اللبس.
وبدخول الوقت عند زفر رحمه الله، وبأيهما كان عند أبي يوسف رحمه الله وفائدة الاختلاف لا تظهر إلا فيمن توضأ قبل الزوال كما ذكرنا أو قبل طلوع الشمس
ــ
[البناية]
وقال الأكمل: وإنما قال: أي عنده لأن خروج الوقت ليس من مقدور الإنسان فضلاً أن يكون حدثا، فكان الانتقاض بالحدث السابق لكن الوقت مانع، فإذا زال ظهر أثر الحدث فكانت السببية إلى الخروج مجازاً واعترض بأن الانتقاض لو أسند إلى الحدث السابق لما وجب القضاء على ما شرع في التطوع ثم خرج الوقت لأنه ظهر أنه شرع فيه بلا طهارة. قلت: أخذ هذا كله من " الغاية " و" الذخيرة "، وتقدير الجواب ليس هذا بظهور من وجه أيضاً ومن وجه فأظهرنا الاقتصار في القضاء والظهور في حق المسح، وإنما لم يعكس الاقتصار والظهور لما ذكرنا ليكون عملاً بالاحتياط وفي عكسه لا يكون عملاً به.
م: (وبدخول الوقت عند زفر رحمه الله) ش: أي تنتقض بدخول الوقت فقط عند زفر م: (وبأيهما كان عند أبي يوسف رحمه الله) ش: يعني تنتقض بأي شيء كان من الدخول والخروج عنده م: (وفائدة الخلاف لا تظهر إلا فيمن توضأ قبل الزوال كما ذكرنا) ش: يعني ثمرة الاختلاف إنما تظهر في الصورتين، إحداهما: فيمن توضأ قبل الزوال، ثم دخل الوقت لا تنتقض طهارته ويصلي بها الظهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - خلافا لأبي يوسف وزفر - رحمهما الله - لوجود الدخول بلا خروج.
والثانية: هي قوله م: (أو قبل طلوع الشمس) ش: أي لو توضأ قبل طلوع الشمس بعد طلوع الفجر ثم طلعت الشمس تنتقض طهارته عندهما لوجود الخروج وكذا عند أبي يوسف لوجود أحد الأمرين خلافاً لزفر لعدم الدخول.
فإن قلت: لم حصرت الفائدة في الصورتين؟ لأن في الأول دخولاً بلا خروج، وفي الثانية خروجا بلا دخول، هذا ظاهر كلام المصنف، وقال المحققون من مشايخنا مثل فخر الإسلام ومن تابعه على قول أبي يوسف: لا تنتقض طهارته بدخول بلا خروج، وإنما تنتقض بخروج بلا دخول كما هو قولهما وفيما إذا توضأت المستحاضة قبل الزوال ودخل وقت الظهر إنما يحتاج إلى الطهارة لأجل الظهر عنده لا لكون طهارتها انتقضت بدخول الوقت بلا طهارة، لأن طهارتها ضرورية ولا ضرورة في تقديم الطهارة على الوقت.
وكذا ذكر فخر الإسلام أيضاً في طرق عن زفر رحمه الله أيضاً، وقال: فظن السائل أن زفر لم يجعل الخروج حدثا بل جعل الدخول حدثا وليس كذلك، بل الصحيح من مذهبه أن شيئاً من ذلك ليس بحدث، وإنما لم تنتقض الطهارة بطلوع الشمس عنده، لأن قيام الوقت جعل عذراً وقد بقيت شبهته حتى لو قضى صلاة الفجر قضاها مع سنتها فكان كمال الخروج بدخول وقت
لزفر رحمه الله أن اعتبار الطهارة مع المنافي للحاجة إلى الأداء ولا حاجة قبل الوقت فلا تعتبر. ولأبي يوسف رحمه الله أن الحاجة مقصورة على الوقت فلا تعتبر قبله ولا بعده، ولهما أنه لا بد من تقديم الطهارة على الوقت ليتمكن من الأداء كما دخل الوقت
ــ
[البناية]
آخر، ولم يوجد فبقيت شبهته فصلحت لبقاء حكم العذر تخفيفاً.
وقال السغناقي: وبهذا التقدير يعلم أن العلماء الأربعة كلهم متفقون على أن الحدث السابق إنما يعمل عند خروج الوقت لا غير إلا عند أبي يوسف رحمه الله تقديم الطهارة غير معتبر لعدم الحاجة فيجب عليها الوضوء ثانياً بعد خروج الوقت، وعند زفر رحمه الله لم يوجد الخروج من كل وجه ما لم يدخل وقت مكتوبة أخرى، فلذلك يجب عليها الوضوء بعد خول الوقت عنه.
م: (لزفر رحمه الله أن اعتبار الطهارة مع المنافي) ش: وهو سيلان الدم م: (للحاجة إلى الأداء ولا حاجة قبل الوقت فلا تعتبر) ش: أي الطهارة قبل الوقت.
فإن قيل: فغير المعتبر كيف يوصف بالانتقاض عند دخول الوقت. أجيب بأن عدم الاعتبار قبل الوقت إنما هو بالنسبة إلى الوقتية لقيامه مقام الأداء فلا تعتبر قبله وبعده. قلت: هذا السؤال والجواب للسغناقي ذكرهما الأكمل في شرحه.
م: (ولأبي يوسف رحمه الله أن الحاجة) ش: إلى الأداء م: (مقصورة على الوقت فلا تعتبر قبله ولا بعده) ش: أي فلا تعتبر الطهارة قبل الوقت ولا بعد الوقت.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (لا بد من تقديم الطهارة على الوقت ليتمكن من الأداء) ش: لأن الشرع أمر بالصلاة في أول الوقت، ولهذا استغرق جملة الوقت بالصلاة. فيجب أن يتمكن من ذلك ولا يتمكن منه إلا بتقديم الطهارة على الوقت، فلو كان دخول الوقت ناقضاً للطهارة لما انتفع بالتقديم.
فإن قلت: قوله: لا بد من تقديم الطهارة يورث وجوب التقديم، لأن لفظة لا بد تستعمل في الوجوب وليس كذلك. قلت: فيه تسامح، والمضاف محذوف تقديره لا بد من جواز تقديم الطهارة.
م: (كما دخل الوقت) ش: الكاف فيه للمفاجأة، وكلمة ما مصدرية وليست الكاف للتشبيه أي لتفاجئ تمكن الأداء بدخول الوقت، لأن الوقت قائم مقام الأداء وتقديمها على الأداء واجب فكان تقديمها على خلفه وهو وقت الأداء جائز.
ولهذا قال بعضهم على قياس قولهما لو توضأت للعصر قبل العصر جاز أن تصلي العصر
وخروج الوقت دليل زوال الحاجة فظهر اعتبار الحدث عنده، والمراد بالوقت وقت المفروضة حتى لو توضأ المعذور لصلاة العيد له أن يصلي الظهر به عندهما وهو الصحيح، لأنها بمنزلة صلاة الضحى، ولو توضأ مرة للظهر في وقته وأخرى فيه للعصر فعندهما ليس له أن يصلي العصر به لانتقاضه بخروج وقت المفروضة
ــ
[البناية]
به، وقال بعضهم: لا يجوز، لأن هذا دخول مشتمل على الخروج وبه تنتقض لا بالدخول، وإليه أشار المصنف بقوله: وعندهما أي عند أبي حنيفة ومحمد ليس له أن يصلي العصر به على ما يجيء عن قريب.
م: (وخروج الوقت دليل زوال الحاجة) ش: يعني أن خروج الوقت يدل على انقضاء الطهارة وانقضاؤها لا يستدعي بقاء الطهارة فنجعل الحدث السابق في انقضاء الطهارة، وأما دخول الوقت فيدل على تحقق الحاجة، وتحقق الحاجة يستدعي ثبوت الطهارة، فكان خروج الوقت الذي لا يستدعي بقاء الطهارة أحق بأن يضاف إليه انتقاض الطهارة من الدخول الذي يستدعي بقاؤها م:(فظهر اعتبار الحدث عنده) ش: أي عند خروج الوقت.
م: (والمراد بالوقت وقت المفروضة) ش: أي المراد بالوقت الذي اعتبر خروجه ودخوله وقت الصلاة المفروضة م: (حتى لو توضأ المعذور لصلاة العيد له أن يصلي الظهر به) ش: أي بذلك الوضوء وليس هذا بإضمار قبل الذكر، لأن قوله: توضأ يدل على الوضوء، كما في قَوْله تَعَالَى:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8](المائدة: الآية 8)، م:(عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد، وإنما خصهما بالذكر مع أن الحكم عند الكل كذلك لما أن الشبهة ترد على قولهما حيث جوز تقديم الوضوء على الوقت، وما قالا بالانتقاض بالدخول م:(وهو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعضهم أنه ليس له أن يصلي الظهر به لأن خروج وقت صلاة واجبة لأن صلاة العيد واجبة م: (لأنها) ش: أي لأن صلاة العيد.
وإنما ذكر الضمير إما باعتبار المذكور، وإما باعتبار لفظ العيد م:(بمنزلة صلاة الضحى) ش: من حيث إنها ليست بمفروضة. وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير ": فإن توضأ صاحب العذر يوم العيد بعد طلوع الشمس لصلاة العيد هل يصلي به الظهر؟ فقد قيل: ليس له ذلك، ثم قال: ولا رواية فيه، وقيل: بل هي صلاة الضحى في الأصل فأشبه سائر الأيام.
م: (ولو توضأ مرة للظهر في وقته وأخرى فيه) ش: أي توضأ مرة أخرى في وقت الظهر م: (للعصر) ش: أي لأجل صلاة العصر م: (فعندهما) ش: أي فعند أبي حنيفة ومحمد م: (ليس له أن يصلي العصر به) ش: أي بذلك الوضوء م: (لانتقاضه) ش: أي لانتقاض ذلك الوضوء م: (بخروج وقت المفروضة) ش: وهو صلاة الظهر.
والمستحاضة هي التي لا يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه
ــ
[البناية]
فإن قلت: ما الفائدة في وضع المسألة في وقت الظهر؟ قلت: لتبيين أنه ليس بين وقت العصر وبين وقت الظهر وقت مهمل، كما هو مذهب الحسن بن زياد فإنه روى عن أبي حنيفة أنه إذا صار الظل قائما يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر وهو الذي تسميته بين الصلاتين وليس هذا بصحيح.
م: (والمستحاضة هي التي لا يمضي عليها وقت الصلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه) ش: أي في الوقت هذا تعريف المستحاضة بعد ذكر أحكامها، وكان ينبغي تقديم تعريفها على بيان أحكامها ثم هذا الحد في حق الدوام والبقاء، وأما اشتراط استيعاب الوقت بالسيلان لثبوت العذر ليس بشرط عند المصنف، وهو الذي ذهب إليه صاحب " البدائع " و" فتاوى قاضي خان " و" المفيد " و" المزيد " و" الينابيع "، وإنما قلنا هكذا لئلا يرد عليه ما لو رأت الدم في أول الوقت ثم انقطع فتوضأت على الانقطاع ودام الانقطاع حتى خرج الوقت فإنه لا تنقض طهارتها، ولو لم يؤول كلامه إلى ما ذكرنا لما كانت طهارة المستحاضة تنتقض بخروج الوقت فلا بد من العناية المذكورة لدفع هذا الإيراد.
وذكر في " الذخيرة " و" فتاوى المرغيناني " و" الواقعات و" الحاوي " و" خير مطلوب " و" جامع الخلاطي " و" المنافع " و" الحواشي " أنه يشترط استيعاب الوقت بالسيلان فلا يثبت حكم الاستحاضة حتى يستمر الدم في وقت صلاة كامل. وذكر في " الذخيرة ": ولو سال الدم في وقت صلاة فتوضأت وصلت ثم خرج الوقت ودخل وقت صلاة أخرى، وانقطع دمها ودام الانقطاع إلى آخر الوقت توضأت وأعادت تلك الصلاة، وإن لم ينقطع في وقت الصلاة الثانية حتى يخرج الوقت لا تعيدها لأن في الوجه الأول لم يستوعب السيلان وقت صلاة، فلم يحكم باستحاضتها وفي الوجه الثاني تستوعبه فيحكم باستحاضتها.
وقال تاج الشريعة في حد المصنف للاستحاضة: هذا حد المستحاضة بقاء، ولم يتعرض إلى شيء غير ذلك، وكذلك السغناقي وصاحب " الدراية "، ولم يتعرض إليه إلا الأترازي فإنه قال: هذا الذي قاله صاحب " الهداية " فيه نظر عندي، لأن التعريف ينبغي أن يكون جامعا ومانعا وهو ليس بجامع، لأن حقيقة المستحاضة لا يوجد بهذا القدر، قال: حتى يوجد الاستغراق في الابتداء وليس بمانع لدخول الحائض تحته، لأن الحائض قد تكون بهذه المثابة بأن لا يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه.
قلت: نظره ضعيف، لأنه إنما يلزم ما ذكره لو لم يحمل كلامه على ما بعد الثبوت أي بعد ما ثبت أنها مستحاضة، لأنا ذكرنا أن حده الذي ذكره في حق الدوام والبقاء، وكذا قال الإمام حميد الدين الضرير في "شرحه " هذا حد المستحاضة بقاء، أما في قوله: مستحاضة ابتداء، فالشرط أن
وكذا كل من هو في معناها وهو من ذكرناه ومن به استطلاق بطن وانفلات ريح، لأن الضرورة بهذا تتحقق وهي تعم الكل. والله أعلم.
ــ
[البناية]
يكون الحدث مستغرقا لجميع الوقت حتى لو لم تستغرق كل الوقت لا تكون مستحاضة، وإنما استغرق مدة لا تحتاج إلى الاستغراق بعد ذلك بل وجوده في الوقت مرة كاف، وقال الأترازي وبعد أن قال فيه نظر، وهذا الذي قال الإمام حميد الدين لأنه قال: هذا حد المستحاضة بقاء.. إلخ، وذلك يقتضي تعدد حقيقة الشيء وهو فاسد، وأخذ الأكمل منه فقال: يلزم اختلاف حقيقة الشيء بالنسبة إلى الحالتين والحقائق لا تختلف.
قلت: هذا أعجب من العجب لأن عدم وجواز اختلاف الحقائق بالنظر إلى ذات الشيء، وأما بالنظر إلى صفاته فلا مانع منه، لأن ذات المستحاضة من سال دمها في غير أوقات معلومة، ومن غير عرق الحيض.
وأما صفتها التي هي التعريف الشرعي فهو الذي ذكره المصنف مع قيد في الدوام والبقاء، وأما كونه مستحاضة ابتداء فله شرط آخر على ما ذكرناه، ثم طول الأترازي في حد الاستحاضة، وادعى أنه وقع في خاطره من الأنوار الربانية والأسرار الإلهية، وكذلك طول الأكمل فيه، وقال ولعل الصواب أن يقال في تعريفها إلى آخر ما ذكره، وطوينا ذكرهما خوفاً من التطويل لما فيهما من التعسف.
م: (وكذلك كل من هو في معناها) ش: أي في معنى المستحاضة أن يكون حكمه حكم المستحاضة م: (وهو من ذكرناه) ش: أراد به قوله: ومن به سلس البول الرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ م: (ومن به استطلاق بطن) ش: عطف على قوله: من ذكرناه، واستطلاق البطن عبارة عن الإسهال.
وقال الجوهري: استطلاق البطن فيه م: (وانفلات ريح) ش: عطف على ما قبله، والانفلات خروج الشيء فلتة أي بغتة، كذا قاله المطرزي م:(لأن الضرورة بهذا) ش: أي بما ذكر من الانفلات أو بما ذكر من الأحداث م: (تتحقق وهي) ش: أي الضرورة م: (تعم الكل والله أعلم) ش: أي تشمل كل ما ذكر فيكون حكم الكل حكم المستحاضة، ويعرف المعذور بمن حصل به دوام حدث وقت صلاة كاملة ثم لا يخلو عنه منذ توضأ فيه.