الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحائض، والكافر
و
سؤر الكلب
نجس، ويغسل الإناء من ولوغه ثلاثا
ــ
[البناية]
فإن المسلم ليس بنجس حيا ولا ميتا» . وقال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه.
[سؤر الحائض]
م: (والحائض) ش: بالرفع عطفا على قوله الجنب، والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنهما قالت:«كنت أشرب وأنا حائض فأناول النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب» . أخرجه مسلم، وأبو داود وابن ماجه.
وممن قال بطهارة سؤر الجنب: الحسن البصري، ومجاهد، والزهري، ومالك، والأوزاعي، والثوري، والشافعي رحمهم الله وأحمد رحمه الله. وروي عن النخعي أنه يكره فضل شرب الحائض، وقد روي عن جابر أنه سئل عن سؤر الحائض هل يتوضأ منه للصلاة فقال: لا. ذكر ذلك كله ابن المنذر في " الأشراف ".
فإن قلت: كان ينبغي أن ينجس الماء بشرب الجنب عند أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله لسقوط الفرض به.
قلت: هذا تعليل في مقابلة النص، فلا يجوز على أنه في مكان الضرورة، فلا يصير مستعملا للحرج. وقال خواهر زاده: ولأنه يشربه ولا محذور في السؤر.
م: (الكافر) ش: طاهر أيضا لما ثبت في " الصحيحين «أن النبي صلى الله عليه وسلم مكن ثمامة بن أثال من أن يمكث في المسجد قبل إسلامه» فلو كان نجسا لما مكنه من ذلك.
فإن قلت: قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28](التوبة: الآية 27)، قلت: النجاسة في اعتقادهم لا في ذاتهم. وقال ابن المنذر: وكان ممن لا يرى بسؤر الكافر بأسا: الأوزاعي، والشافعي، والثوري، وأبو ثور، ولا أعلم أحدا كره ذلك إلا أحمد، والحسن، فإنهما قالا: لا ندري ما سؤر المشرك.
[سؤر الكلب]
م: (وسؤر الكلب نجس) ش: وقال مالك وداود: طاهر، وإن ولغ في لبن أو سمن فلا بأس بأكله. ونقل الطحاوي: وعن مالك رحمه الله في اختلاف العلماء أنه كان يرى الكلب من أهل البيت.
م: (ويغسل الإناه من ولوغه ثلاثا) ش: أي ثلاث مرات. والولوغ من ولغ الكلب في الإناء بفتح اللام فيهما إذا شرب بأطراف لسانه. وعن ثعلب أنه يقال: يالغ بكسر اللام، ولكنها غير الصحيح، وتبعه على ذلك أبو علي وابن سيده، وابن القطان عنه، وأبو حاتم الأسبيجابي وسكن بعضهم اللام، وقال ابن جني: مستقبله يلغ بفتح اللام وكسرها، وفي مستقبل ولغ بالكسر يلغ
لقوله عليه السلام: «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا»
ــ
[البناية]
بالفتح، وزاد ابن القطان: ويلغ بكسر اللام كما في الماضي. وقال ابن خالويه: ولغ يلغ ولغا ولغانا، وولغ ولغا وولوغا ولغانا، قال أبو زيد: يقال ولغ الكلب بشرابنا وفي شرابنا ومن شرابنا. قال ابن الأثير: وأكثر ما يكون الولوغ في السباع. وابن فورك: كل ولغ شرب وليس كل شرب ولوغا والشرب أعم، ولا يكون الولوغ إلا للسباع، وكل من يتناول الماء بلسانه دون شفتيه، فإذن الولوغ صفة من صفات الشرب يختص بها اللسان، والشرب عبارة عن توصيل المشروب إلى محله من داخل الفم، ألا ترى أنه يقال: شربت الماء الشجر والأرض، والمصدر من ولغ الكلب الولوغ بالضم. قال الخطابي: وإذا أكثر فهو الولوغ بالفتح. وقال الترمذي: الولوغ الولغ من الكلاب والسباع كلها، هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع يحركه تحريكا قليلا أو كثيرا، وقال مكي في شرحه: فإن كان غير مائع يقال: لعقته ولحسته، قال المطهر: فإن كان الإناء فارغا يقال له لحس، وإن كان فيه شيء يقال: ولغ، وقال ابن درستويه معنى ولغ قطعه بلسانه شرب منه أو لم يشرب، كان فيه ماء أو لم يكن، ولا يقال: ولغ في شيء من جوارحه سوى لسانه.
م: (لقوله عليه السلام: يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا) ش: هذا الحديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه من طريقين الأول أخرجه الدارقطني في "سننه" عن عبد الوهاب ابن الضحاك عن إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا أو خمسا أو سبعا» .
الثاني: أخرجه ابن عدي في "الكامل" عن الحسين بن علي الكرابيسي حدثنا إسحاق الأزرق حدثنا عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله ثلاث مرات» .
فإن قلت: قال الدارقطني: تفرد به عبد الوهاب بن الضحاك عن ابن عياش وهو متروك وغيره يروى عن ابن عياش بهذا الإسناد «فاغسلوه سبعا» وهو الصواب، وقال البيهقي: في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
إسناده إسماعيل بن عياش وهو لا يحتج به وأنه إذا روى عن أهل الحجاز. قلت: ظاهر هذا الكلام، وإطلاق القول وأنه لا يصح الاحتجاج به وأنه إذا روى عن أهل الحجاز كان أشد في عدم الاحتجاج به، وعلى هذا قد خالف البيهقي ما ذكره هاهنا في باب ترك الوضوء من الدم، وقال: ما روى عن الشاميين صحيح، وقال القدوري في "تجريده": إن قولهم عبد الوهاب بن الضحاك عن إسماعيل بن عياش وهما ضعيفان غير معتد به حتى يبينوا صفة الضعف، فإن الجرح المبهم غير معتبر.
قلت: يلزم من كلام البيهقي أيضا أن يكون الراوي ثقة من وجه دون وجه، وهذا لا يصح، ومع هذا روى الدارقطني هذا الحديث بسند صحيح من حديث عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة:«إذا ولغ الكلب في إناء فأهرقوه، ثم اغسلوه ثلاث مرات» . وروي أيضا من حديث عطاء عن أبي هريرة أنه كان إذا ولغ الكلب في الإناء يهرقه ويغسله ثلاث مرات. وروى الطحاوي أيضا بإسناد صحيح.
فإن قلت: قال البيهقي: تفرد به عبد الملك من بين أصحاب أبي هريرة والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء وأصحاب أبي هريرة يروونه سبع مرات وعبد الملك لا يقبل منه؛ لأنه يخالف فيه الثقات، ولمخالفة أهل الحفظ والثقة في زمانه تركة ربيعة ولم يحتج به البخاري في " صحيحه ".
وقد اختلف عليه في هذا الحديث فمنهم من يرويه عنه مرفوعا، ومنهم من يرويه عنه موقوفا على أبي هريرة رضي الله عنه من قولهم: ومنهم من يرويه عنه من فعله، وقد اعتمد الطحاوي على الرواية المتواترة فيه في نسخ حديث السبع، وأن أبا هريرة لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه، وكيف يجوز ترك رواية الحفاظ الأثبات من أوجه كثيرة لا يكون مثلها غلطا رواية واحد قد عرفت مخالفته الحفاظ في بعض الأحاديث. قلت: هذا تحامل منه؛ لأن الحديث الذي رواه الطحاوي صحيح، وكذلك رواه الدارقطني عنه صحيح، وقال في " الإمام ": هذا مسند صحيح، ورواه ابن عدي أيضا عن عبد الملك كما ذكرناه، وعبد الملك قد أخرج له مسلم في "صحيحه". وقال أحمد والثوري: زين الحفاظ. وعن الثوري: هو ثقة متفق عليه. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة ثبت في الحديث. ويقال: كان الثوري يسميه الزمان، ولا يلزم من ترك
ولسانه يلاقي الماء دون الإناء، فلما تنجس الإناء من ولوغه فالماء أولى،
ــ
[البناية]
الاحتجاج به أن يترك قوله وتشنيعه على الطحاوي بأنه اعتمد على الرواية الموقوفة في نسخ حديث السبع باطل؛ لأنه لما صح عنده هذه الرواية حمل رواية السبع على النسخ توفيقا بين الكلامين وتسحينا للظن في حق أبي هريرة ولا سيما وقد تأكدت الرواية الموقوفة بالرواية المرفوعة.
وروى عبد الرزاق في "مصنفه" أيضا عن ابن جريج قال: قال لي عطاء: يغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب، قال: كل ذلك لك سبعا وخمسا وثلاث مرات.
فإن قلت: قال البيهقي: وقد روى حماد بن زيد عن أبيه عن ابن سيرين عن أبي هريرة فتواه بالسبع كما رواه، وفي ذلك دليل على خطأ رواية عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة في الثلاث، بل يحتمل أن يكون فتواه بالسبع قبل ظهور النسخ عنده أو يكون ذلك بطريق الندب و [من] يخطئ عبد الملك مخطئ.
وقد روي عن أبي هريرة مرة واحدة أيضا. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة في الهر يلغ في الإناء قال: غسله مرة واحدة، وإسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح. فهذا أدل دليل على ثبوت انتساخ السبع عنده، وأن مراده في رواية الثلاث هو أن يكون على الندب والاستحباب. وقال الطحاوي: ولو وجب أن يعمل بحديث السبع ولا يجع منسوخا لكان ما روى «فليغسله سبع مرات وعفروا الثامنة بالتراب» ، فهذا زاد على أبي هريرة رضي الله عنه والزائد أولى من الناقص فكان ينبغي لهذا المخالف أن يقول: لا يطهر الإناء حتى يغسل ثمان مرات السابعة بالتراب والثامنة كذلك لما أخذنا بحديثين جميعا، فإن يترك هذا الحديث فقد لزمه ما ألزمه خصمه في ترك السبع، وإلا فقد بينا أن أغلظ النجاسات يطهر فيها الإناء بغسل ثلاث مرات فما دونها أحق من أن يطهره ذلك.
فإن قلت: قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " في حديث الكرابيسي بعد أن رواه هذا حديث لا يصح لم يرفعه غير الكرابيسي، وهو ممن لا يحتج بحديثه.
قلت: قال ابن عدي بعد أن رواه: لم أجد له حديثا منكرا غير هذا، وإنما عليه أحمد بن حنبل من جهة اللفظ بالقرآن، فأما في حديث فلم أر به بأسا؟
م: (ولسانه يلاقي الماء دون الإناء، فلما تنجس الإناء من ولوغه فالماء أولى) ش: أي لسان الكلب يلاقي الماء الذي في الإناء ولا يلاقي الإناء فلا ينجس الإناء من ولوغه، وقد انعقد الإجماع على
وهذا الحديث يفيد النجاسة والعدد في الغسل،
ــ
[البناية]
وجوب غسل الإناء بولوغه، فالماء أولى بالتنجس بدلالة الإجماع. وقال الأكمل: قيل يجوز أن يكون المراد بولوغ الكلب في الإناء لحسه فيكون لسانه ملاقيا للإناء، فلا يتم الاستدلال، وأجيب بأن الولوغ حقيقة في شرب الكلب وأشباهه المائعات بأطراف لسانه، والكلام في الحقيقة إذا لم تصرف عنها قرينة.
قلت: هذا السؤال والجواب للسغناقي ولكن فيه نظر، لأن الولوغ هو اللط بلسانه شرب أو لم يشرب، وكان في الإناء مائع أو لم يكن.
م: (وهذا الحديث) ش: أي قوله عليه السلام: «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا» م: (يفيد النجاسة) ش: أي نجاسة سؤر الكلب، وفيه نفي قول مالك، لأن سؤر الكلب طاهر عنده لكون الكلب طاهرا عنده. وذكر أصحابه عنه أربعة أقوال: طهارته، ونجاسته، وطهارة سؤر المأذون في الكلب ودوده وغيره، والرابع لابن الماجشون يفرق بين البدوي والحضري.
ثم اختلف أصحابنا في الكلب، هل هو نجس العين كالخنزير أو لا، والأصح أنه ليس بنجس العين كذا في " البدائع "، وفي " الإيضاح ": فأما عين الكلب، فقد روي عن محمد أنه نجس، وكذا عن أبي يوسف رحمه الله وبعضهم قالوا: طاهر لأن طهارة جلده بالدباغ، وقال في فصل مسائل البئر: فأما الحيوان النجس كالكلب والخنزير والسباع ينزح كله لأنه نجس العين، ولهذا قالوا في كلب إذا ابتل وانتضح به على ثوب أكثر من قدر الدرهم لم تجز الصلاة فيه، وذكر في " قنية المنية ": الذي صح عندي من الروايات في " النوادر " و" الأماني " أن الكلب نجس العين عندهما، وعند أبي حنيفة رحمه الله ليس بنجس العين، وفائدته تظهر في كلب وقع في بئر وخرج حيا فأصاب ثوب إنسان ينجس الماء والشرب عندهما خلافا لأبي حنيفة رحمه الله، والظاهرية يفعلون بظاهر الألفاظ الواردة في هذا الباب وحكموا بأشياء مخالفة للإجماع. فقال ابن حزم: فإن أكل الكلب في الإناء ولم يلغ فيه أو أدخل رجله أو ذنبه أو وقع كله فيه لم يلزم غسل الإناء ولا يهراق ما فيه البتة وهو طاهر حلال أكله، وكذا لو وقع الكلب في بقعة في الأرض، أو في يد إنسان أو لا مما لا يسمى إنسانا فلا يلزمه غسل شيء من ذلك ولا يهراق ما فيه.
م: (والعدد في الغسل) ش: أي يقبل للعدد في غسل الإناء لأنه نص على الثلاث.
فإن قلت: إفادة العدد بطريق الوجوب أو الاستحباب؟
قلت: بطريق الاستحباب لأن راوي الحديث المذكور هو أبو هريرة كما ذكرناه، وقد روي عنه بإسناد صحيح أنه قال: اغسله مرة واحدة، فدل على أن مراده في رواية الثلاث الندب والاستحباب؛ ويدل على هذا انتساخ السبع للعدد على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وهو حجة على الشافعي رحمه الله في اشتراط السبع، ولأن ما يصيبه بوله يطهر بالثلاث،
ــ
[البناية]
وقد شنع ابن حزم هاهنا على أبي حنيفة رحمه الله وأساء الأدب وقد قال أبو حنيفة رحمه الله: لا يغسل الإناء من ولوغ الكلب إلا مرة واحدة، وأن كل ما في الإناء يهراق أي شيء كان، وهذا قول لا يحفظ عن أحد من الصحابة ولا من التابعين، واحتج له بعض مقلديه بأن أبا هريرة رضي الله عنه قد روي عنه أنه خالفه، وهو باطل؛ لأنه روى هذا الخبر الساقط عبد السلام بن حرب وهو ضعيف، وعلى صحة رواية شرط الثلاث فلم يحصلوا إلا على خلاف السنة وخلاف ما أعرضوا به عن أبي هريرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم اتبعوا ولا أبا هريرة الذي احتجوا به قلدوا.
قلت: هذا كلام في غاية السخافة والتفاهة، لأن السخافة والتفاهة لم يقل فيه بالرأي ولا أحد من أصحابه، بل مذهبه أن يغسل ثلاث مرات كما أفتى به أبو هريرة، وكيف يقول: هذا قول لا يحفظ عن الصحابة، والحكم عن حديث عبد السلام بالسقوط ساقط باطل، وعبد السلام ثقة مأمون حافظ أخرج له الجماعة واعترض أيضا ابن قدامة [في المغني] علينا حيث قال: قال أبو حنيفة رحمه الله لا يجب العدد في شيء من النجاسة إنما يغسل حتى يغلب على الظن نقاؤه من النجاسة، وفي الحديث الصحيح نص على السبع، وفي آخر خير بين الثلاث والخمس والسبع وحديثهم يرويه عبد الوهاب بن الضحاك وهو ضعيف.
قلت: قد مر الجواب عن هذا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور فيما مضى.
م: (وهو حجة على الشافعي في اشتراط السبع) ش: أي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور حجة على الشافعي رحمه الله في اشتراط السبع مرات في ولوغ الكلب في الإناء، وقد ذكرنا وجه ذلك، وقال بعضهم: وكان ينبغي أن يقول: وعلى مالك رحمه الله في عدم تنجيس الماء. قلت: لم يقل ذلك لأنه روي عنه ما يقتضي أنه النجاسة، وقال أصحابه: وإذا فرضنا الغسل بعد النجاسة فهل هو على الندب أو الوجوب، فيه روايتان، وكذلك في إلحاق الخنزير، وكذلك في اختصاص ذلك بالنهي عن اتخاذ الكلب أو تعميمه في جنس الكلاب، وأيضا هل يختص هذا الحكم بالماء أو بغيره أيضا؟ ففي رواية ابن القاسم في الماء خاصة، وفي رواية ابن وهب: إن إناء الطعام بمنزلة إناء الماء، وأيضا هل يراق الماء والطعام؟ فيه ثلاثة أقوال، إراقتها، وترك الإراقة فيها، وتخصيصها بالماء دون الطعام. وهل يغسل الإناء بالماء الذي ولغ فيه الكلب؟ فقال الغزوني من علمائهم: لا أعلم من أصحابنا نصا فيه، وحكى الشيخ أبو طاهر عن بعض أشياخه أنه ذكر أن المذهب على قولين في ذلك ثم عندهم: يغسل بجماعة الكلاب سبعا وللكلب الواحد إذا تكرر منه سبعا وقيل: سبعا سبعا.
م: (ولأن ما يصيبه بوله يطهر بالثلاث) ش: أي: ولأن ما يصيبه بول الكلب من الثياب وغيرها
فما يصيبه سؤره وهو دونه أولى، والأمر الوارد بالسبع محمول على ابتداء الإسلام.
ــ
[البناية]
يطهر بالغسل ثلاث مرات. قال الأترازي: أي بالإجماع وفيه نظر؛ لأن عند الشافعي بوله ودمه نجس منه لا يطهر إلا بالغسل سبعا، ذكره في " التهذيب " وفي " شرح الوجيز ": سائر فضلاته وأجزائه كلعابه، وفي وجه كسائر النجاسات.
فإن قلت: الحديث لا يدل على نجاسة لعابه لجواز أن تكون نجاسة الإناء باستعمال النجاسة غالبا لأكله الجيف والميتات.
قلت: إذا فرضنا لتطهر دمه بماء كثير فوقع في الإناء فإما أن يثبت وجوب غسله أو لا، فإن لم يثب وجب تخصيص العموم، وإن ثبت لزم ثبوت الحكم بدون علته وكلاهما على خلاف الأصل.
م: (فما يصيبه سؤره وهو دونه) ش: أي والحال أن سؤره دون بوله م: (أولى) ش: أي بالتطهير م: (والأمر الوارد بالسبع محمول على ابتداء الإسلام) ش: هذا جواب عما استدل به الشافعي بالأمر الوارد بالسبع. قال الأكمل رحمه الله: أراد بهذا ما رواه عبد الله بن مغفل رضي الله عنه فكذا قال غيره من الشراح مع عدم تعيين الراوي، وعن قريب نذكر ما رواه ابن المغفل، والوجه أن يقال: أراد بالأمر الواقع الوارد بالسبع ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات أولاهن وآخرهن بالتراب» . والحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم، أو وجه ذلك أن مراد المصنف بيان نسخ الأمر الوارد بالسبع، والخصم ما استدل إلا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا.
وفي حديث ابن المغفل ما هو حجة على ما بينه وهو أنه «روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الكلاب ثم قال: "مالي وللكلاب" ثم قال: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وعفروا الثامنة بالتراب» أخرجه الطحاوي هكذا، ولفظه:«أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال: "ما بالهم وبال الكلاب"، ثم رخص في كلب الصيد وكلب الماشية» وقال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبع مرات وعفروا الثامنة بالتراب» . ورواه أبو داود نحوه والنسائي أيضا إلا أنه ليس في روايته: «مالي وللكلاب» ، وابن ماجه رواه مقتصرا على قوله: إذا ولغ الكلب. . إلخ، وهذا فيه الأمر بالغسل سبع مرات وتعفير الثامنة بالتراب، وقد تركه الشافعي رحمه الله ولزمه ما ألزم هو خصمه في ترك السبع، وقد خصصنا فيه فيما مضى قوله:"عفروا"، قال صاحب " المطالع ": معناه اغسلوه بالتراب وهو من العفر بالتحريك وهو التراب، يقال: عفره بالتراب يعفره عفرا، وعفره تعفيرا أي إذا مرغته بشيء معفور ومعفر أي ترب. فإن قلت: ما الدليل على