الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وموت ما ليس له نفس سائلة في الماء لا ينجسه كالبق والذباب والزنابير
ــ
[البناية]
وقيل: ماء الحمام كالماء الجاري لا ينجس بإدخال اليد النجسة للضرورة، ولو انصب ماء الحوض النجس وجفت أرضه حتى طهرت ثم دخله الماء ففي كونه نجسا روايتان عن الإمام والأصح تنجيسه. وكذا المني لو أصابه ماء بعد فركه، وجلد الميتة بعد تتريبه وتشميسه، والبئر إذا عاد ماؤها بعد ما تنجسه ثم عاد الماء. قال نصر بن يحيى: يحكم بطهارتها وهذا أرفق بالناس. وقال محمد بن سلمة: ينجس وهو أوثق. وروى هشام عن محمد كقول محمد بن سلمة.
وفي " الفتاوى الظهيرية " الماء إذا كان له طول ولا عرض له إن كان بحال لو جمع يصير عشرا في عشر وصار عمقه بقدر شبر جاز الوضوء فيه عند الميداني، وبه أخذ الزندروسي، وقال بكر ابن طرجاز: لا يجوز، وفي التجنيس ما له طول وعمق ولا عرض له ولو قدر يصير عشرا في عشر فلا بأس بالوضوء منه تيسيرا على المسلمين.
خندق طوله أربعون ذراعا وعرضه ذراع قال أبو سليمان: يجوز الوضوء منه، قيل: لو وقعت فيه نجاسة؟ قال: ينجس من كل جانب عشرة أذرع، وفي " المجتبى " حوض كبير تنجس فدخل فيه ماء طاهر حتى كثر فهو نجس، وقيل: يطهر إذا خرج مثله وإن قل، وفي " المحيط " وهو الأصح، وقيل: إذا خرج مثله، وقيل: ثلاثة أمثاله، وقيل: يطهر. وقال الوصاني: وبه يفتى. ولو تنجس حوض الماء فدخل فيه ماء حتى خرج مثله يطهر، وقيل: ثلاثة أمثاله، ولو خاض في ماء الحمام يجب غسل قدميه، وقيل: لا يجب، والأصح أنه إن علم أن في الحمام خبثا يجب، وإلا فلا والأول أحوط كذا في " المجتبى ".
[حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء]
م: (قال: وموت ما ليس له نفس سائلة في الماء لا ينجسه) ش: المراد من النفس الدم وفي " المستصفى " النفس بسكون الفاء الدم وتأنيثه باعتبار لفظ النفس، قال الله تعالى {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] (النساء: الآية 1) والمراد به آدم عليه السلام، ويقال: النفس إما دم أو الدم محل النفس على حسب اختلاف الحكماء، فكان إطلاقا لاسم الحال على المحل. م:(كالبق) ش: جمع بقية وهي البعوضة. قال الجوهري: وأهل المصر يقولونه لدويبة تنشأ في الحصر والأخشاب وغير ذلك له ريحة كريهة م: (والذباب) ش: جمع ذبابة ولا يقال ذبانة، وجمع القلة أذببة، والكثير ذباب مثل غراب وأغربة وغربان، م:(والزنابير) ش: جمع زنبور بضم الزاي، قالت الشراح: إنما جمع الزنابير دون غيرها؛ لأنها أنواع شتى، قلت: الكل مذكور بلفظ الجمع كما ذكرنا ولا معنى لتخصيص الزنابير بذلك.
فإن كانت القلة في ذكر المصنف الزنابير بذكر الجمع هي كونها على أنواع شتى فكذلك البواقي هي البعوض على أنواع شتى وهي التي يقول لها أهل المصر الناموس، وكذلك الذباب
والعقارب ونحوها، وقال الشافعي رحمه الله: يفسده؛
ــ
[البناية]
على أنواع شتى.
م: (والعقارب) ش: جمع عقرب والأنثى عقربة وعقرب مصروف وغير مصروف، والذكر عقربان بالضم وهو دابة له أرجل طوال وليس ذنبه كذنب العقارب، وهذا كما رأيت جمع عقرب ذكره المصنف بلفظ الجمع، فكيف قالت الشراح: إنما جمع الزنابير دون غيرها؟
فإن قلت: البق والبقة والذباب والذبابة مثل التمر والتمرة بخلاف الزنابير فلذلك قالت الشراح: إنما جمع الزنابير دون غيرها.
قلت: يرد عليك ذكره العقارب فافهم فإنه لا يخفى.
م: (ونحوها) ش: مثل القراد والجراد والخنفساء والنحل والنمل والصراصير والجعلان وبنات وردان وحمار قبان والبرغوث والقمل، والخنفساء بضم الفاء وفتحها، والجعلان بضم الجيم جمع جعيل، وهي دويبة تكون في الزبل، وحمال قبان علم على فعلان لدويبة يمنع ويصرف بتقدير زيادة الألف والنون، وأحمالها من قب أو قب في الأرض، وهذه الأشياء طاهرة عندنا فلا تنجس بالموت.
وقال ابن المنذر في كتاب " الإجماع ": قال في " الأشراف ": ولا أعلم فيه خلافا إلا أحد قولي الشافعي، قال النووي وجماعة بعد الشافعي: أتى خرق الإجماع في قوله بالتنجيس، قال: ونقل عن محمد بن المنكدر ينجسه بموت العقرب فيه.
م: (وقال الشافعي: يفسده) ش: أي موت هذه الأشياء المذكورة ينجس الماء إذا ماتت فيه، وهذا أحد قوليه، والقول الآخر كمذهبنا وهو الذي صححه جمهور أصحابه. وشذ المحاملي في " المقنع " والروياني في " البحر " فرجح النجاسة، وقال النووي: وهذا ليس بشيء والصواب الطهارة، وهو قول جمهور العلماء، ونقل الخطابي وغيره عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: ينجس الماء بموت العقرب فيه، ونقل ذلك عن محمد بن المنكدر وهما إمامان من التابعين فلا يخرق الشافعي الإجماع.
قلت: سلمنا في العقرب وما يقال في غيره، وقال النووي: القولان عن الشافعي إنما هو في نجاسة الماء بموت هذا الحيوان، أما الحيوان نفسه ففيه طريقان:
أحدهما: أن في نجاسته القولين إن قلنا: نجس نجس الماء وإلا فلا وهذا القول اختاره البقالي.
والثاني: القطع بنجاسة الحيوان، وبهذا قطع العراقيون وغيرهم، وهو الصحيح لأنه من جملة الميتات. قال: وذكر صاحب " التقريب " قولا ثالثا في المسألة الأولى وهو أن ما يعم لا ينجسه كالذباب والبعوض ونحوهما، وما لا يعم كالخنافس والعقارب ينجسه لتعذر الاحتراز
لأن التحريم لا بطريق الكرامة آية النجاسة، بخلاف دود الخل، وسوس الثمار؛ لأن فيه ضرورة. ولنا قوله عليه السلام فيه:«هذا هو الحلال أكله وشربه والوضوء منه»
ــ
[البناية]
وعدمه، قال: وهذا القول غريب.
م: (لأن التحريم لا بطريق الكرامة آية النجاسة) ش: أي علامة النجاسة، واحترز بقوله: لا بطريق الكرامة عن الآدمي فإنه حرام لكرامته، وقال أبو زيد: حرمة الشيء مع صلاحيته للغذاء دليل نجاسته كالكلب والخنزير م: (بخلاف دود الخل وسوس الثمار) ش: هذا من كلام الشافعي رحمه الله، وهذا كأنه جواب لمن يقول ما تقول في دود الخل وسوس الثمار، فقال: كلامنا في موت حيوان أجنبي عنه، أما الدود المتولد في الخل ونحوه والتين والتفاح ونحوهما لا ينجس ما مات فيه م:(لأن فيه ضرورة) ش: لأنه تولد منه، والضرورة تمنع الحكم بتنجيسه وحكاية الدارمي عن بعض أصحاب الشافعي أن ما مات فيه ينجس غلط ولا خلاف عندهم في ذلك، ولكن هذا الحيوان ينجس بالموت على المذهب عندهم ولا ينجس على قولهم.
وقال إمام الحرمين: وإن جمع منه شيئا وتعمد أكله فوجهان؛ لأنه كجزء منه طبعا وطعما ومع الطعام لا يحرمه أكله على الصحيح. م: (ولنا قوله عليه السلام فيه) ش: أي في الماء الذي مات فيه ما ليس له نفس سائلة، وهو الذي فسر به أوجه وأحسن من قول الأكمل أي في مثل هذه الحادثة، ونقل الأكمل ذلك عن شيخه صاحب " الدراية " وعن الأترازي في " النهاية ".
م: (هذا هو الحلال أكله وشربه والوضوء منه) ش: هذا الحديث رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا سلمان كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فيه فهو حلال أكله وشربه ووضوءه» رواه الدارقطني في "سننه " حدثني سعيد بن أبي سعيد الزبيدي عن بشر بن منصور عن علي بن زيد بن أحمد عن سعيد بن المسيب عن سلمان رضي الله عنه. قال الدارقطني: لم يروه غير سعيد بن أبي سعيد الزبيدي وهو ضعيف، ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بسعيد هذا، وقال: هو شيخ مجهول، وحديثه غير محفوظ، والعجب من شراح " الهداية " يذكرون هذا الحديث ولا يبينون حاله غير أن الأترازي قال: وقد روى أبو بكر الجصاص الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي بإسناده إلى سعيد بن المسيب عن سلمان رضي الله عنه الحديث، ولم يذكر رجال الإسناد حتى ينظر فيه هل هم المذكورون في إسناد الدارقطني وابن عدي أم غيرهم، وذكر الأكمل نحوه. وأما صاحب "الدراية " والسغناقي فاكتفيا بمجرد الذكر، وأما السروجي فإنه نسبه إلى الدارقطني ومضى.
ولأن المنجس هو اختلاط الدم المسفوح بأجزائه عند الموت حتى حل المذكي لانعدام الدم فيه ولا دم فيها، والحرمة ليست من ضرورتها النجاسة كالطين.
ــ
[البناية]
قلت: الحديث المذكور وإن ضعفوه فإن حديث ميمونة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم «أنها كانت تمر بالغدير وفيه الجعلان فتسقي لها وتشرب منه وتتوضأ» . رواه أبو عبيد في كتاب الطهور. م: (ولأن المنجس هو اختلاط الدم المسفوح بأجزائه عند الموت) ش: قيد به لأنه قيدهم المذكورون في إسناد الدارقطني، وإن كان حيا لا ينجس، ولهذا قلنا: إن المصلي إذا استصحب فأرة أو عصفورة حية لم تفسد صلاته ولو كانت نجسة لفسدت، ولو ماتت حتف أنفها واستصحبها ما فسدت، وهذا لأن الدم الذي في الحي في معدته وبالموت ينصب عن مجاريها فيتنجس اللحم بتشربه إياه ولهذا لو قطعت العروق بعده لم يسل منه الدم.
م: (حتى حل المذكي) ش: أي المذبوح من ذكى يذكي تذكية، م:(لانعدام الدم فيه) ش: أي في المذكي بعد التذكية وإلا فقبلها الدم فيه، ولو قال لزوال الدم منه لكان أولى، واستعمال ما انعدم بالتذكية خطأ، م:(ولا دم فيها) ش: أي للحيوانات المذكورة إذ البعوض كذلك فلا ينجس، فإنا قد نعلم أن النجس هو اختلاط الدم المسفوح فإن ذبيحة المجوسي ليس فيها دم مسفوح وهي نجسة، وذبيحة المسلم إذا لم يسل منها الدم بعارض بأن أكلت ورق الغاب حلال مع أن الدم لم يسل.
فالجواب أن القياس في ذبيحة المجوسي الطهارة كذبيحة المسلم، إلا أن صاحب الشرع أخرجه عن أهلية الذبح لقوله عليه الصلاة والسلام:«سنوا بهم سنة أهل الكتاب» غير إنكاح نسائهم وأكل ذبائحهم جعل ذبحه كلا ذبح، وكما جعل لذلك جعلوا ذبيحة المسلم إذا لم يسل منها الدم كذبيحته إذا سال إقامة لأهلية الذابح، واستعمال آلة الذبح مقام الإسالة لإتيانه ما هو المأمور به الداخل تحت قدرته ولا معتبر بالعوارض؛ لأنها لا تدخل تحت القواعد الأصلية.
م: (والحرمة ليست من ضرورتها النجاسة) ش: هذا جواب عن قول الشافعي: لأن التحريم لا بطريق الكرامة آية النجاسة أراد أن الحرام لا يستلزم النجاسة م: (كالطين) ش: فإنه أكله حرام لا لكرامته مع أنه ليس بنجس، وفي " جامع الكردري " وخص من الآية السمك والجراد باعتبار عدم الدم، والمتنازع فيه بمعناهما فلحق بهما، وكل لحوم السباع إذا ذبحت طاهرة ولا تؤكل. وفي " الحاوي " جازت الصلاة مع لحم البازي المذبوح، وكذا كل شيء لم يؤمر بإعادة الصلاة من سؤره مثل الحية والعقرب والفأرة وجميع الطيور وتجوز الصلاة من لحمها إن كانت مذبوحة، وقال نصر: إذا ذبح شيء من السباع فجلده طاهر ولحمه نجس بخلاف الطيور والحية والفأرة. وفي " الذخيرة " والحية طاهرة في حال الحياة ولحمه طاهر في الأصح، وكذا لو صلى معه سنور وفأرة تجوز الصلاة معه، ولو كان معه ثعلب أو جرو لم يجز.