الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يعارض بالنهي الوارد عن الانتفاع من الميتة بإهاب، وهو قوله عليه السلام:«لا تنتفعوا من الميتة بإهاب» ؛ لأنه اسم لغير المدبوغ وحجة على الشافعي رحمه الله في جلد الكلب،
وليس الكلب بنجس العين،
ــ
[البناية]
م: (ولا يعارض) ش: على صيغة المجهول أي لا يعارض المذكور م: (بالنهي الوارد عن الانتفاع من الميتة بإهاب وهو قوله عليه السلام: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب لأنه") ش: أي لأن الإهاب م: (اسم لغير المدبوغ) ش: فإن دبغ يصير أديما فحينئذ لا معارضة بين الحديثين، لأن المعارض يقتضي اتحاد المحل مع اتحاد حالته واختلاف حالته ينفي التعارض، وإن كان أصلهما واحدا كحرمة الخمر وحل الخل.
م: (وحجة على الشافعي رحمه الله) ش: عطف على قوله حجة على مالك، أي الحديث المذكور حجة أيضا على الشافعي رحمه الله فإنه يقول بعدم الطهارة م:(في جلد الكلب) ش: بالدباغ وقاسه الشافعي بجلد الخنزير والآدمي، وتخصيصه بالكلب ليس له زيادة فائدة؛ لأن عنده كل ما لا يؤكل لحمه لا يطهر جلده بالدباغ، والظاهر أنه إنما خص الكلب موافقة لما ذكر في " الأسرار " لأن فيه نص الخلاف بالكلب حيث قال بطهارة جلود السباع بالدباغ سوى الكلب والخنزير عند الشافعي.
وقال الأترازي: والعجب من الشافعي رحمه الله أنه يقول: إن الكلب المعلم إذا أكل صيدا يحل أكله، وإن ترك على الكلاب التسمية عمدا وقت الإرسال، ثم يقول: إن جلده لا يطهر بالدباغ؛ لأنه نجس العين، فكيف جاز الانتفاع بنجس العين بلا ضرورة، وكيف جاز صيده، ومثل هذا لا يجوز في الخنزير وهو نجس العين؟
قلت: كيف يتعجب منه، وليس فيه ما يورث التعجب؛ لأن حل صيده لا يستلزم جواز دباغ جلده، وكونه نجس العين لا يستلزم تحريم صيده وكل واحد من ذلك ورد بنص مستقل ومع هذا رواية عندنا أن الكلب نجس العين وما منعنا طهارة جلده إذا دبغ؛ لأن ذلك ليس يمشي على هذا، بل على عموم النص.
[هل الكلب نجس العين]
م: (وليس الكلب بنجس العين) ش: هذا جواب عن قياس الشافعي رحمه الله الكلب على الخنزير، وإن لم يذكر في الكتاب، واختلفت الروايات في كون الكلب نجس العين. ففي " المبسوط " الصحيح من المذهب عندنا عين الكلب نجسة، وقال بعض مشايخنا: ليس بنجس العين. قال في " البدائع " وهو رواية الحسن. وفي " الذخيرة " ذكره القدوري في " تجريده " أنه نجس العين عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - ، وفي " العيون " روى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله لا خير في جلد الكلب والذئب وإن دبغا ولا تحلهما الذكاة.
ألا ترى أنه ينتفع به حراسة؛ واصطيادا، بخلاف الخنزير؛ لأنه نجس العين إذ الهاء في قَوْله تَعَالَى:{فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145](الأنعام: الآية 145) منصرف إليه لقربه،
ــ
[البناية]
وقال الكاساني: والذي يدل على أنه ليس بنجس العين أنه جوز الانتفاع به حراسة واصطيادا وإجارة، وقال في " عمدة المعين ": لو استأجر الكلب للصيد يجوز، والسنور لا يجوز؛ لأن السنور لا يعلم. وقال في " التجريد ": لو استأجر كلبا معلما أو بايا صيودا ليصيد بهما فلا أجر له. وقال مشايخنا: ومن صلى وفي كمه جرو كلب تجوز صلاته، وقد حكم أبو حصير [
…
] فدل على أنه ليس بنجس العين.
م: (ألا ترى) ش: كلمة ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه والتوضيح م: (أنه) ش: أي أن الكلب م: (ينتفع به حراسة) ش: أي من حيث الحراسة سيما أهل البر م: (واصطيادا) ش: أي من حيث الاصطياد، فدل ذلك على أنه ليس نجس العين، ولا يشكل بالسرقين فإنه نجس لا محالة، وينتفع به إيقادا أو غيره؛ لأنه انتفاع بالإهلاك كالدنو من الخمر للإراقة، وهو الذي اختاره المصنف أيضا.
والذين ذهبوا إلى أنه نجس العين استدلوا بما ذكر أبو يوسف رحمه الله في " العيون " أن الكلب لو وقع في الماء فانتفض فأصاب ثوب إنسان منه أكثر من قدر الدرهم منع جواز صلاته، فسئل: إذا وصل الماء إلى جلده، ويقول محمد: ليس الميت بأنجس من الكلب والخنزير، فدل على أنه نجس العين، وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي.
وقال الأترازي: لا نسلم أن نجاسته تثبت في الكلب لهذا القدر من الكلام، فمن ادعى ذلك فعليه البيان، ولم يرد نص عن محمد في نجاسة العين.
قلت: قد ذكرنا الآن عن صاحب " الذخيرة " عن القدوري أنه نجس العين عند محمد.
م: (بخلاف الخنزير) ش: متصل بقوله: إلا جلد الخنزير م: (لأنه نجس العين إذا الهاء في قوله: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] ش: كلمة إذ للتعليل أي لأن الهاء هاء الضمير في قَوْله تَعَالَى: فإنه أي فإن الخنزير {رِجْسٌ} [الأنعام: 145] أي قذر قاله الفراء، وقيل: الرجس والرجز واحد. وقال البغوي: الرجس النجاسة.
م: (منصرف) ش: خبر المبتدأ وهو قوله الهاء م: (إليه) ش: أي إلى الخنزير لا إلى اللحم في قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145](الأنعام: الآية 145) م: (لقربه) ش: أي لقرب الخنزير أراد أن الضمير إلى الخنزير أقرب من اللحم.
فإن قلت: المقصود بالذكر في الكلام هو المضاف فيجب أن يرجع الضمير إليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
قلت: قد يكون المضاف إليه مقصودا، وإن كان يجوز أن يعود إلى المضاف إليه، وما نحن بصدده من هذا القبيل لكونه شاملا للمضاف أشد وأحوط في العمل؛ لأن الضمير إن رجع إلى اللحم لم يحرم غيره، وإن رجع إليه يشمل الجميع.
والعجب من الأترازي أنه أخذ في الجواب عن هذا السؤال محصل كلام المصنف، ثم قال: هذا الجواب مما سنح له خاطري.
وقال: أيضا: وقيل في صرفه إلى الخنزير عمل بهما لاشتماله على اللحم، ولا ينعكس. أقول: فيه نظر؛ لأن لقائل أن يقول: لا نسلم لأن الجلد على تقدير عود الضمير إلى اللحم لا يكون نجسا، وعلى تقدير عوده إلى الخنزير يكون نجسا، وفي كون الجلد نجسا وغير نجس منافاة فيكون العمل بهما أحوط. انتهى كلامه.
أقول: قوله - وقيل: هو صاحب التوشيح -: فإني رأيت بهذه العبارة فلا أدري هل هو من عنده أو نقله عن أحد. وقوله - في كونه نجسا أو غير نجس منافاة - غير مسلم؛ لأن المنافاة إنما تكون إذا كان كونه نجسا وغير بتقدير واحد. والذي قاله القائل المذكور بتقديرين فكيف تكون المنافاة.
ثم قال الأترازي: ومما ظهر لي في فؤادي من الأنوار الربانية والأجوبة الإلهامية أن الهاء لا يجوز أن ترجع إلى اللحم؛ لأن قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] خرج في مقام التعليل، فلو رجع إليه لكن تعليل الشيء بنفسه وهو فاسد لكونه مصادرة، وهذا لأن نجاسة لحمه عرفت من قَوْله تَعَالَى:{أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] لأن حرمة الشيء مع صلاحيته للغذاء لا للكرامة آية النجاسة فحينئذ يكون معناه كأنه قال: لحم خنزير نجس فإن لحمه نجس.
أما إذا رجع إلى الخنزير فحينئذ يكون معناه كأنه قال: لحم خنزير نجس لأن الخنزير نجس، يعني إن هذا الجزء من الخنزير نجس، لأن كله نجس. هذا هو التحقيق في الباب لأولي الألباب.
قلت: فيما قاله نظر؛ لأن دعواه بعدم جواز رجوع الضمير إلى اللحم غير صحيحة، لأن الأصل في هذا الباب رجوع الضمير إلى المضاف، وإن كان رجوعه إلى المضاف إليه صحيحا، وذلك لأن المضاف هو المقصود بالذكر كما في قولك: رأيت غلام زيد وكلمته، فإن الأصل أن يكون التكلم للغلام، فإن كان يجوز أن يكون لزيد كما في قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [الرعد: 25](البقرة: الآية 27) فإن الضمير يجوز أن يرجع إلى كل واحد من المضاف والمضاف إليه.
ثم تعليل الأترازي بقوله: رجس خرج في مقام التعليل اهـ -، وقوله - هذا هو التحقيق في