الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومسح الأذنين وهو سنة بماء الرأس عندنا خلافا للشافعي
ــ
[البناية]
داود هذا الحديث سكت عنه، وذا يدل على أنه عنده حديث صحيح، وكذا سكت عنه المنذري في " مختصر السنن "، ونقل النووي على هذا غير صحيح، وأما إنكار أبي حاتم لكونه جد طلحة صحابيا فليس بموجه، قال الخلال: عن أبي داود: سمعت رجلا من ولد طلحة يقول: إن لجدي صحبة، وحكى عثمان الدارمي عن علي بن المديني: سألت عبد الرحمن بن مهدي عن اسم جده، فقال: عمرو بن كعب، وعمرو بن أبي كعب، وكعب بن عمرو، وكانت له صحبة، وقال الذهبي في تجزئة أسماء الصحابة: كعب بن عمرو الهمداني الثاني صحابي نزل الكوفة وجد طلحة بن مصرف حديثه عنده ذكره في باب كعب بن عمرو، وذكره أيضا في باب عمرو بن كعب، وقول ابن القطان يرده ما ذكره ابن السكن وابن مردويه أن طلحة بن مصرف وكذا ذكره يعقوب بن سفيان في " تاريخه " وابن أبي خيثمة أيضا، وآخرون.
وأما حديث مصرف، فقد قال الذهبي في " مختصر تهذيب الكمال ": وثقه أبو زرعة ثم في تقديم المضمضة والاستنشاق اختيار رائحة الماء وطعمه كيلا يكون وضوءه بما لا يجوز بسبب التغير؛ لأن اللون شاهد هنا لاختيار الرائحة والطعم، وقيل الاستنشاق بالشمال لأن اليسار للأقذار وإزالة المخاط باليد اليسرى، وفي " المجتبى " لو رفع الماء من كف واحدة للمضمضة جاز، والاستنشاق لا يجوز لصيرورة الماء مستعملا، وفي " جامع قاضي خان " و " المحيط ": المبالغة فيها سنة إجماعا لقوله عليه السلام للقيط بن صبرة «بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما فأرفق» رواه الأئمة الخمسة، وصححه الترمذي، والمبالغة في المضمضة والغرغرة وفي الاستنشاق أن يأخذ بمنخريه حتى يصعد الماء إلى ما اشتد من الأنف.
[مسح الأذنين في الوضوء]
م: (ومسح الأذنين) ش: بالرفع عطف على ما قبله، والتقدير ومن سنن الوضوء مسح الأذنين م:(وهو) ش: أي مسح الأذنين، (سنة بماء الرأس عندنا) ش: أي عند أصحابنا، م:(خلافا للشافعي) ش: متعلق بقوله بماء الرأس لا بقوله: سنة، فإنه عنده أيضا، وقال قوام الدين: متعلق بمجموع قوله " سنة بماء الرأس " لا " بسنة " وحدها، ولا " بماء الرأس " وحده، كما ظن بعض الشارحين. قلت: أراد به السغناقي، ومن تبعه، وهذا عجيب منه؛ لأن الخلاف في موضع واحد، فكيف يتعلق بالموضعين. و " خلافا " منصوب على أنه مفعول مطلق بإضمار فعله تقديره: نحن في هذا نخالف خلافا للشافعي، أو هذا المذكور في معنى يخالف خلافا للشافعي وكان مصدرا مؤكدا مضمون الجملة كقوله علي ألف درهم اعترافا.
لقوله عليه السلام: «الأذنان من الرأس»
ــ
[البناية]
م: (لقوله عليه السلام: «الأذنان من الرأس» ش: أكثر الشراح لم يتعرضوا لهذا الحديث من جهة التخريج والتصحيح ونحوهما، فنقول: هذا الحديث روي عن ثمانية أنفس من الصحابة وهم: أبو أمامة، وعبد الله بن زيد، وابن عباس، وأبو هريرة، وأبو موسى، وأنس، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم.
فحديث أبي أمامة عند أبي داود، والترمذي، وابن ماجه عن أبي أمامة «توضأ النبي صلى الله عليه وسلم فغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا، وقال: " الأذنان من الرأس» ولفظ ابن ماجه وقال: قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأذنان من الرأس» .
وقال أبو داود والترمذي قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي أمامة يعني حديث الأذنين، وقال الترمذي: حديثه ليس بذلك القائم، ورواه الدارقطني في " سننه "، وقال رفعه، وهم شهر بن حوشب ليس بالقوي، وقد رفعه سليمان بن حرب وهو ثقة، ثم أخرجه عن سليمان بن حرب حدثهما عن حماد بن زيد به، وفيه قال أبو أمامة:«الأذنان من الرأس» وقال ابن دقيق العيد في " الإمام ": وهذا الحديث معلول بوجهين:
أحدهما: لشهر بن حوشب.
والثاني: بالشك في رفعه، قلت: شهر وثقه أحمد، ويحيى، والعجلي، ويعقوب ابن شيبة. وسنان بن ربيعة أخرج له البخاري، وصحح حديث شهر الترمذي عن أم سلمة «أن النبي صلى الله عليه وسلم نشر على الحسن والحسين وعلي وفاطمة رضي الله عنهم كساء، وقال: هؤلاء أهل بيتي» ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وقال: أشهر إسناد فيه حديث حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة، وكان حماد يشك في ربيعة، وكان سليمان ابن حرب يقول: هو من قول أبي أمامة.
قلت: قد اختلف فيه على حماد، فوقفه ابن حرب عنه، ورفعه أبو الربيع، وإذا رفع ثقة حديثا ووقفه آخر وقبلهما شخص واحد في وقتين يرجح الرفع؛ لأنه أتى بزيادة، ويجوز أن يسمع الرجل حديثا فيقف به في وقت، ويرفعه في وقت آخر، وهذا أولى من تغليط الراوي.
وحديث عبد الله بن زيد عن ابن ماجه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأذنان من الرأس» وإسناده أمثل إسناد لاتصاله وثقة رواته وقواه المنذري وابن دقيق العيد.
وحيث ابن عباس عند الدارقطني قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأذنان من الرأس» قال ابن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
القطان: إسناده صحيح لاتصاله وثقة رواته فإن قلت: أعله الدارقطني بالاضطراب في إسناده، وقال: إن إسناده وهم، وإنما هو مرسل، قلت: لا يقدح ذلك، وما يمنع أن يكون فيه حديثان مسند مرسل، قال البزار: إسناد حديث ابن عباس جيد، فانظر كيف أعرض البيهقي عن حديث عبد الله بن زيد وحديث ابن عباس المذكورين واشتغل بحديث أبي أمامة وزعم أن إسناده أشهر إسناد بهذا الحديث، وترك هذين الحديثين وهما أمثل ومن هنا يظهر تحامله.
وجد حديث أبي هريرة عند ابن ماجه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأذنان من الرأس» ، وأخرجه الدارقطني في " سننه " وفي إسناده البختري بن عبيد وقال: هو ضعيف وأبوه مجهول، وفي إسناد ابن ماجه عمرو بن الحصين وبان علاثة، قال الدارقطني: كلاهما ضعيفان.
وحديث أبي موسى عند الدارقطني والطبراني، وفي إسناده عن الحسن عن أبي موسى، قال الدارقطني: الحسين لم يسمع من أبي موسى، ثم أخرجه موقوفا.
وحديث أنس عند الدارقطني من طرق عبد الحكم عن أنس وهو ضعيف.
وحديث ابن عمر عند الدارقطني من طرق وأعل جميعها.
وحديث عائشة رضي الله عنها عند الدارقطني أيضا، وقال: الأصح أنه موقوف، وفي إسناده محمد بن الأزهر وكذبه أحمد ثم مذهب الشافعي رحمه الله أن الأذنين ليسا من الرأس، ولا من الوجه، نقله النووي في " شرح المهذب " ويأخذ لهما ماء جديدا، ولو أمسك بعض أصابعه عليه الماء الذي أخذه للرأس فمسح به أذنيه صح، وفي الرواية قال الشافعي: يمسح
والمراد بيان الحكم دون الخلقة
ــ
[البناية]
أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد ثلاثا، ويأخذ لصماخه ماء جديدا، وهو قول أبي ثور، وقال مالك: الأذنان من الرأس إلا ويمسحهما مع الرأس على رواية الاستيعاب ويجزئ مسحهما بماء مسح الرأس، وقال الشعبي والحسن بن صالح: ما أقبل منهما من الوجه فيغسل معه، وما أدبر منهما من الرأس فيمسح معه، وعن ابن شريح أنه كان يغسلهما مع الوجه ويمسحهما من الرأس احتياطا في العمل، هذا مذهب العلماء، وقد غلط من غلطه زاعما أن الجمع لم يقل به أحد، فإن الشافعي استحب غسل الأذنين مع الوجه وأنهما يمسحان مع الرأس، وقال ابن المنذر: روايتان الأذنان من الرأس عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي موسى، وبه قال عطاء، وابن المسيب، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي، وابن سيرين، والحسن، وابن جبير، وقتادة، ومالك وهو قول أصحابنا، وقال أبو عيسى الترمذي: وهو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم وبه قال السدي وابن المبارك، وأحمد، وروي عن إسحاق بن راهويه أن من تركها عمدا لم تصح صلاته وعن الشعبي لا يستحب مسحها.
م: (والمراد بيان الحكم دون الخلقة) ش: أي مراد النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: «الأذنان من الرأس» بيان حكم مسح الأذنين دون خلقتهما؛ لأنهما مشاهدة والنبي صلى الله عليه وسلم بعث ببيان الأحكام دون حقائق الأشياء.
قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله المراد إما أن يكون الحقيقة وهو مشاهد لا يحتاج إليه وإنهما ممسوحتان كالرأس وهذا بعيد؛ لأن اتفاق العضوين في وظيفة لا يوجب إضافة أحدهما إلى الآخر، فتعين أنهما ممسوحتان بالماء الذي مسح به الرأس.
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الأذنين من أبعاض الرأس حكما حيث قرنهما بكلمة " من "، ولو كان من أبعاض الرأس حقيقة يسن مسحهما بماء واحد فكذا إذا كانتا من أبعاضه حكما إذ الحكمي يلحق بالحقيقي. ووجه ثالث: أن استيعاب الرأس بالمسح بماء واحد سنة ولا يتم بدونهما حيث جعلتا من الرأس.
فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن يجزئ مسحهما عن مسح الرأس.
قلت: كون الأذنين من الرأس ثبت بخبر الواحد فلا يقع مجزئا عما ثبت بالكتاب، كما أن التوجه إلى الحطيم لا يجزئ لأن كونه من البيت ثبت بخبر الواحد والتوجه إلى البيت ثابت بالكتاب فلا يجزئ عنه ما ثبت بخبر الواحد، لئلا يلزم نسخ الكتاب به، وقوله عليه السلام في السنن أنه من ذلك لا يقتضي إلا المشاركة إياه في حكم، ولا يقتضي مساواة الأول للثاني في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
جميع الأحكام، وذلك عند قوله عليه السلام «سلمان منا أهل البيت» وقوله:«إن مولى القوم منهم» لم يرد أن سلمان شارك أهل البيت في كرامتهم، واستحقاقهم التام ولأن مولى القوم الهاشمي لا يكون من غسالة الناس من الصدقات كما لا يكون الهاشمي، ألا ترى أن من حلف في شيء على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يحنث بسلمان، وكذا من حف في شيء على بني فلان فلم يكن يحنث بمواليهم.
فإن قلت: لم لا يجعل الحديث بيانا على أن وظيفتهما المسح لا الغسل من غير إثبات التبعية فكان الحديث بيانا أنهما من الممسوح.
قلت: لا يلزم من كون وظيفة الشيء المسح كونه من الرأس كالخف.
فإن قلت: إذا كانا من الرأس فينبغي أن يسقط فرض مسح الرأس إذا مسح أذنيه.
قلت: المسنون لا يقوم مقام المفروض، وفي " المبسوط ": إن مسح أذنيه دون رأسه لم يجزئ، وقال خواهر زاده: الرأس من الحلقوم إلى فوق إلا أنه تعالى فصل في الأحكام فجعل وظيفة الوجه الغسل، ووظيفة الرأس بعده المسح، فأشبه الأذنين أن وظيفتهما من أيهما، فبين عليه السلام بقوله:«الأذنان من الرأس» أن وظيفتهما من الرأس؛ لأنه عليه السلام ما بعث لبيان الحقائق.
ووجه آخر في الاستدلالات أن كلمة " من " للتبعيض فوجب أن يكون بعض الرأس حقيقة وحكما، أو حكما لا حقيقة، وحكم الرأس من ذلك المسح، فكذا حكمهما ثم كيفية مسحهما، ذكر في " المجتبى " يمسحهما بالسبابتين داخلهما والإبهامين خارجهما، وفي " الأصل " يمسح داخلهما مع الوجه، وفوقهما مع الرأس، والمختار هو الأول، وعن الحلواني وشيخ الإسلام خواهر زاده يدخل الخنصر في صماخ الأذنين ويحركهما كذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم واعلم أن الشافعي استدل بقوله: أن يأخذ لكل واحدة من الأذنين ماء جديدا بحديث عبد الله بن زيد «أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وأخذ لأذنيه ماء جديدا خلاف الماء الذي أخذه لرأسه» ورواه البيهقي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وقال: إسناده صحيح، واستدل أيضا بما «رواه أبو أمامة الباهلي أنه عليه السلام أخذ لأذنيه ماء جديدا» ولأن الأذن مع الرأس كالفم والأنف مع الوجه ثم يأخذ لهما ماء جديدا فهذا مثاله.
والجواب عن الأول: أنه محمول على أنه لم يبق في كفه بلل فلهذا أخذ ماء جديدا، فعلموا الدليل على ما رواه أبو داود من حديث عثمان رضي الله عنه «أنه سئل عن الوضوء فدعا بماء أه. وفيه فأخذ ماء فمسح برأسه وأذنيه.» وفي " الغاية " للسروجي: وتأويل حديث عبد الله بن زيد «أنه عليه السلام أخذ خلاف الماء الذي أخذه لرأسه» أنه لم يستعمله، ويحمل على الجواز؛ لأن السنة لا تثبت بمرة واحدة، وهكذا يكون جوابا عن الثاني. ولنا حديث أمثل من الكل، أخرجه ابن منده وابن خزيمة في " صحيحيهما " والحاكم في " مستدركه " من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ألا أخبركم بوضوء رسول الله، فأخذ غرفة فمسح برأسه وأذنيه، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه "، ولفظه:«ثم غرف غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه.»
وأما الجواب عن قوله: ولأن الأذن مع الرأس إلى آخره، أن الفم والأنف وإن كانا من الوجه في وجه، ولكنهما خصا بماء جديد ليحصل الامتياز بسنة الوجه عن غسل الفم بضرب حفنة، كما يحصل الامتياز لفرض المسح عن فرض الغسل بضرب حفنة ولهذا لا يقام الثلث فيهما إلا بماء جديد.
1 -
فرع: أما مسح الرقبة، فلم يرد فيه رواية عن أصحابنا المتقدمين، قال في " شرح الطحاوي ": كان الفقيه أبو جعفر يمسح عنقه اتباعا لما روي أن ابن عمر كان يمسح عنقه، وفي " التحفة " اختلف المشايخ في مسح الرقبة قال أبو بكر الأعمش إنه سنة، وقال أبو بكر الإسكاف إنه أدب.
فإن قلت: قال محمد الجرجي: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " غسل الرقبة أمان من الغسل " ثم قال: ولم يوهن أئمة الحديث إسناده، فحصل التردد في أن هذا الفعل سنة أو أدب، وتعقبه الإمام بما حاصله أنه لم يجز الأصحاب ترددا في حكم مع تضعيف الحديث الذي يدل عليه.
قلت: قال القاضي أبو الطيب: لم ترد فيه سنة ثابتة، وقال القاضي أبو الحسين: لم ترد فيه سنة، وقال الغوراني: لم يرد فيه خبر وأورده الغزالي في " الوسيط " وتعقبه ابن الصلاح فقال: هذا الحديث غير معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول بعض السلف، وقال النووي في " شرح