المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[كيفية المسح على الخفين] - البناية شرح الهداية - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌كتاب الطهارات

- ‌[تعريف الوضوء]

- ‌[حكم الطهارة]

- ‌[فرائض الطهارة]

- ‌[صفة غسل الأعضاء في الوضوء]

- ‌[حد المرفق والكعب في الوضوء]

- ‌[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء]

- ‌سنن الطهارة

- ‌[غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء]

- ‌تسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء

- ‌[السواك من سنن الوضوء]

- ‌[فضل السواك وأوقات استحبابه]

- ‌[كيفية الاستياك]

- ‌[فيما يستاك به وما لا يستاك به]

- ‌[حكم من لم يجد السواك]

- ‌[المضمضة والاستنشاق في الوضوء]

- ‌[مسح الأذنين في الوضوء]

- ‌[تخليل اللحية في الوضوء]

- ‌[تخليل الأصابع في الوضوء]

- ‌[تكرار الغسل ثلاث مرات في الوضوء]

- ‌[النية في الوضوء]

- ‌[استيعاب الرأس في الوضوء]

- ‌[ترتيب أعضاء الوضوء]

- ‌[البداءة بالميامن في الوضوء]

- ‌[فصل في نواقض الوضوء] [

- ‌ما خرج من السبيلين من نواقض الوضوء]

- ‌[خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء]

- ‌[القيء والدم من نواقض الوضوء]

- ‌[النوم من نواقض الوضوء]

- ‌[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء]

- ‌فصل في الغسل

- ‌[فرائض الغسل]

- ‌[سنن الغسل]

- ‌[البدء بغسل اليدين في الغسل]

- ‌[الوضوء من سنن الغسل]

- ‌المعاني الموجبة للغسل:

- ‌[إنزال المني من موجبات الغسل]

- ‌[التقاء الختانين من موجبات الغسل]

- ‌ الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام

- ‌[الأغسال المسنونة]

- ‌[باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز]

- ‌[ماء البحر]

- ‌[الوضوء بما اعتصر من الشجر والثمر]

- ‌[الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم]

- ‌[الطهارة بماء غلب عليه غيره]

- ‌[الطهارة بالماء الذي خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه]

- ‌[الوضوء بالماء الذي وقعت فيه نجاسة]

- ‌[حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء]

- ‌[حكم موت ما يعيش في الماء فيه]

- ‌[حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث]

- ‌[المقصود بالماء المستعمل وأقسامه]

- ‌الجنب إذا انغمس في البئر

- ‌[طهارة الجلود بالدباغ]

- ‌[طهارة جلد الكلب والخنزير]

- ‌[هل الكلب نجس العين]

- ‌ الانتفاع بأجزاء الآدمي

- ‌ ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة

- ‌شعر الميتة وعظمها طاهر

- ‌[الأعيان الطاهرة]

- ‌شعر الإنسان وعظمه

- ‌فصل في البئر

- ‌[حكم وقوع النجاسة في البئر]

- ‌فصل في الأسآر وغيرها

- ‌[سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه]

- ‌سؤر الكلب

- ‌[سؤر الحائض]

- ‌[سؤر الخنزير وسباع البهائم]

- ‌سؤر الهرة

- ‌[سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن البيوت]

- ‌[سؤر الحمار والبغل والفرس]

- ‌[حكم الطهارة بنبيذ التمر]

- ‌باب التيمم

- ‌[تعريف التيمم]

- ‌[شرائط التيمم]

- ‌[عدم وجود الماء]

- ‌[العجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه]

- ‌[خوف الضرر من استعمال الماء]

- ‌[أركان التيمم]

- ‌[كيفية التيمم]

- ‌[تيمم الجنب]

- ‌[تيمم الحائض والنفساء]

- ‌[ما يتيمم به]

- ‌[التيمم بالغبار مع وجود الصعيد]

- ‌والنية فرض في التيمم

- ‌[نية التيمم للحدث أو الجنابة]

- ‌[مبطلات التيمم]

- ‌[ما يباح بالتيمم]

- ‌[التيمم لصلاة الجنازة والعيدين ونحوها]

- ‌[التيمم لصلاة الجمعة]

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌[حكم المسح على الخفين]

- ‌[شروط المسح على الخفين]

- ‌[مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر]

- ‌[كيفية المسح على الخفين]

- ‌[المسح على خف فيه خرق كبير]

- ‌[المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل]

- ‌[نواقض المسح على الخفين]

- ‌[المسح على الجرموقين]

- ‌ المسح على الجوربين

- ‌[المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما]

- ‌ المسح على الجبائر

- ‌[حكم المسح على الجبائر]

- ‌باب الحيض والاستحاضة

- ‌[تعريف الحيض وأركانه]

- ‌أقل الحيض

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[أكثر الحيض]

- ‌[ما يسقطه الحيض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض]

- ‌[ما تقضيه الحائض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض والجنب]

- ‌[دخول الحائض والجنب المسجد]

- ‌[طواف الحائض والجنب]

- ‌[قراءة القرآن للحائض والجنب]

- ‌[مس المصحف للمحدث والحائض والجنب]

- ‌[فروع فيما يكره للحائض والجنب]

- ‌[دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين]

- ‌[انقطاع دم الحيض لأقل من عشرة أيام]

- ‌[حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]

- ‌أقل الطهر

- ‌[حكم دم الاستحاضة]

- ‌[فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم]

- ‌فصل في النفاس

- ‌[تعريف النفاس]

- ‌السقط الذي استبان بعض خلقه

- ‌[أقل النفاس وأكثره]

- ‌باب الأنجاس وتطهيرها

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[ما يجوز التطهير به وما لا يجوز]

- ‌[الماء القليل إذا ورد على النجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الخف الذي لحقته نجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الثوب الذي لحقته نجاسة]

- ‌[حكم المني وكيفية تطهيره]

- ‌النجاسة إذا أصابت المرآة والسيف

- ‌[الحكم لو أصاب المني البدن]

- ‌[كيفية تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة]

- ‌[ما يعفى عنه من النجاسات]

- ‌[حكم الروث أو أخثاء البقر]

- ‌ بول الحمار

- ‌[حكم بول الفرس]

- ‌[حكم خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور]

- ‌ لعاب البغل والحمار

- ‌[قدر الدرهم من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار]

- ‌[أنواع النجاسة]

- ‌فصل في الاستنجاء

- ‌[حكم الاستنجاء]

- ‌[ما يجوز به الاستنجاء به وما لا يجوز]

- ‌[ما يكون به الاستنجاء]

- ‌[الاستنجاء بالعظم والروث]

الفصل: ‌[كيفية المسح على الخفين]

والمسح على ظاهرهما خطوطا بالأصابع

ــ

[البناية]

[كيفية المسح على الخفين]

م: (والمسح على ظاهرهما) ش: أي محل المسح على ظاهر الخفين، وهو المستحب عندنا، ومسح أسفل الخفين غير مستحب، وفي " البدائع " المستحب عندنا الجمع بن ظاهره وباطنه في المسح إذا لم يكن به نجاسة، وبه قال الشافعي، حكاه في " المهذب " حيث قال: والمستحب أن يمسح أعلى الخف وأسفله، والواجب عنده أقل جزء من أعلاه. وقال السغناقي: قال الإمام السرخسي في " المبسوط ": فإن مسح باطن الخف دون ظاهره لم يجز، فإن موضع المسح ظهر القدم.

وقال الشافعي: المسح على ظاهر الخف فرض، وعلى باطنه سنة. وقال صاحب " الهداية ": قوله على ظاهرهما احترازاً عن قول الشافعي، والزهري، ومالك، فإن السنة عندهم المسح على الخف وأسفله، إلا أن يكون على أسفله نجاسة، ولكن لو اقتصر على مسح أعلاه يجوز عندهم، ولو اقتصر على مسح أسفله لم يجز على ظاهر المذهب، وأظهر القولين عن الشافعي، ويجزئه في قول.

وأما مسح العقب فمن أصحابه من قال: يمسحه قولاً واحداً، ومنهم من قال: فيه قولان، أصحهما: أنه يمسحه، وفي الاقتصار على العقب قولان، الأظهر: أنه يجوز، وعندنا، والثوري وداود، وأحمد: لا مدخل لأسفل الخف في المسح ولا للعقب.

قلت: ما ذكر في " البدائع " هو قول علي، وأنس، وقيس بن سعد، وعروة بن الزبير، والحسن البصري، الشعبي، وعطاء، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وغيرهم، واختاره ابن المنذر، وروي عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك وجوب مسح ظاهرهما وباطنهما، وحكى النووي عن ابن المنذر أن مسح أسفلهما استحباب عندهم، وبه قال الشافعي، وهو قول لمالك: السنة مسح أعلى الخف وأسفله.

قلت: هذا مخالف لما نقله النووي وما نقله السغناقي عن الشافعي رحمه الله وقال الأكمل: وفي " المغني ": ولا يسن مسح أسفله ولا عقبه، وبذلك قال عروة، وعطاء، وإسحاق، والنخعي، والأزواعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، ولا نعلم أحداً قال يجزئه مسح أسفل الخف إلا أشهب من أصحاب مالك، وبعض أصحاب الشافعي، والمنصوص عن الشافعي: أنه لا يجزئه. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يقول بالمسح على الخفين، ويقول: لا يجزئه المسح على أعلى الخف.

م: (خطوطاً بالأصابع) ش: قال الأكمل: هو منصوب على الحال بمعنى مخطوطاً.

قلت: أخذه من السغناقي، وكذا قال صاحب " الدراية "، وتاج الشريعة، ولم يبين أحد منهم أن لفظ " الخطوط " مصدر أو جمع، وأن ذا الحال ما هو فنقول: و " الخطوط " جمع خط. قال الجوهري: الخط واحد الخطوط، وكذا قال في " العبارات " فإن كان الخطوط مصدراً والمصدر

ص: 588

يبدأ من قبل الأصابع إلى الساق،

ــ

[البناية]

الخط يقال: خط الكتابة خطاً. قال السغناقي: يقال خطه فلان كما يقال كتبه فلان، ثم قال في آخر الباب: وأكثر كتبه يدل على أنه من باب نصر ينصر، كذا في " دستور اللغة " وذا الحال هو المبتدأ، أي قوله: و " المسح " لأنه مرفوع على الابتداء، والخبر متعلق قوله: على ظاهرهما، وهو كائن أو جائز أو نحو ذلك، و " خطوطاً " على حاله من غير تأويل.

فإن قلت: المطابقة بين الحال وذي الحال شرط، وها هنا الحال جمع وذو الحال مفرد.

قلت: المصدر يتناول القليل والكثير، ويمكن أن يقال: إن ذا الحال محذوف والخطوط حال منه، والتقدير: ومسح الماسحين على ظاهر الخفين حال كونهم مخططين بالأصابع، فحينئذ يجوز خطوطاً بالمخططين على صيغة اسم الفاعل، لا للتأويل بالمفرد على ما قالوا من غير روية.

وقال الأترازي: وقوله خطوطاً بيان السنة لا شرط الجواز، وقال: هذا احتراز عن قول عطاء، فإنه يقول بتثليث المسح اعتبارا بالغسل، وذلك؛ لأن الخطوط إنما تبقى إذا مسح مرة واحدة.

قلت: هذا ليس باحتراز عن قول عطاء، فإنه لو قيل: خطوطا بالأصابع مرة كان احترازا عن قول عطاء قول؛ لأن الخطوط إنما تبقى إذا مسح مرة وفيه نظر؛ لأن بقاء الخطوط ليس بشرط، وغاية ما في الباب أن عطاء قاس مسح الخف على الغسل.

م: (يبدأ من قبل الأصابع إلى الساق) ش: هذا كيفية المسح أن يبدأ الماسح، وابتداؤه من قبل أصابع الرجل وانتهاؤه إلى الساق، وفيه إشارة إلى أن الساق لا يدخل؛ لأن الغاية لا تدخل تحت المغيا، وعن هذا قال الحسن عن أبي حنيفة أنه يمسح ما بين أطراف الأصل إلى الساق، وهذا الذي ذكره هو مقدار الواجب في المسح. وقال أحمد: الواجب مسح أكثر ظاهره، وعند مالك " مسح جميعه إلا مواضع، وعند الشافعي: إن اقتصر على جزء من أعلاه أجزاء بلا خلاف، وإن اقتصر على بعض أسفله لا يجزئه، نصه في البويطي و " مختصر المزني ".

ولهم فيه طرق ثلاث: طريقة جمهورهم عدم الإجزاء ذكره النووي في " شرح المذهب ".

وقال أبو عمر: حديث المغيرة يبطل قول أشهب أنه لا يجوز الاقتصار على ظاهر الخف. وفي " المغني " عن أشهب وبعض الشافعية أنه يجوز الاقتصار على أسفله. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يقول بالمسح على الخفين أنه يجزئ المسح أعلى الخفين. وقال ابن بطال: الصحابة مجمعون على أنه إن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه. وفي " المحيط ": السنة إكمال الفرض في محله كالعقب، والساق، والجوانب، والكعب، ولو مسح بأصبع واحدة في ثلاثة مواضع أو بدءاً من الساق أو من ظهر القدم عرضاً جاز، ولو كان بعض خفه خالياً ومسح قدر ثلاثة أصابع على المغسول جاز على الحال، والبداءة من رءوس الأصابع مستحبة اعتباراً بالغسل، وهو قول

ص: 589

«لحديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على خفيه ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما مسحة واحدة، وكأني أنظر إلى أثر المسح على خف رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوطا بالأصابع» .

ــ

[البناية]

المرغيناني وظاهرهما من رءوس الأصابع إلى مقدار شراك النعل.

وفي " جوامع الفقه ": ولو مسح على إحدى رجليه مقدار إصبعين وعلى الأخرى مقدار خمسة أصابع لا يجزئه، فيعتبر مقدار ثلاث أصابع من رجل. ونص محمد على أن المعتبر فيه أكثر آلة المسح، ذكره في " المحيط " و " الزيادات " وقال الكرخي: ثلاث أصابع من الرجل واعتبره بالخرق، والأول أصح، ولا يجزئه أصبع ولا أصبعان كما في مسح الرأس، ولو أصابه مطر أو مشى على حشيش مبتل بالصر يجزئه، وكذا بالطل؛ لأنه ماء، وقيل: لا يجزئه؛ لأنه نفس دابة في البحر يجذبه الهواء فيرش على الأرض.

قال المرغيناني: الصحيح الأول، وفي " فتاوى قاضي خان ": وكيفية المسح أن يضع بعض أصابع يده اليمنى، وأصابع يده اليسرى على مقدم خفه الأيسر، ويمدهما إلى الساق فوق الكعبين ويفرج بين أصابعه، ولو بدأ من أصل الساق ومد إلى الأصابع جاز، وفي " المجتبى " إظهار الخطوط ليس بشرط في ظاهر الرواية. وقال الطحاوي: المسح على الخفين خطوط بالأصابع.

م: (لحديث المغيرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على خفيه ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما مسحة واحد، وكأني أنظر إلى أثر المسح على خف رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوطًا بالأصابع» ش: قلت: حديث المغيرة بن شعبه لم يرو على هذا الوجه، وإنما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا الحنفي، عن أبي عامر الخزاز، ثنا الحسن، «عن المغيرة بن شعبة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم جاء حتى توضأ ومسح على خفيه، (ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن) ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة، حتى كأني أنظر إلى أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين.» هذا الحديث مع غرابته يدل على أحكام:

الأول: أن السنة وضع اليدين على الخفين.

وعن محمد يضع أصابع يديه مقدم الرجل ويمدها، أو يضع كفه مع الأصابع إلى أعلاهما، والمد سنة؛ لأنه ورد «أنه صلى الله عليه وسلم مسح بالمد وبغير المد» .

ص: 590

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

الثاني: أن السنة في كيفية الوضع وضع يده اليمنى للأيمن واليسرى للأيسر.

الثالث: أن السنة المسح مرة واحدة.

فإن قلت: أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة «عن المغيرة قال: وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلا الخف وأسفله» .

قلت: ضعف هذا الحديث، فقال أبو داود: بلغني أن ثوراً لم يسمعه من رجاء، قال الترمذي: حديث معلول لم يسنده عن ثور غير الوليد بن مسلم، وسألت محمدا وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور عن رجاء. قال: حديث كاتب المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. وقال الدارقطني في " العلل ": حديث لا يثبت؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلاً، وكذا ضعفه أحمد بن حنبل رحمه الله.

قلت: حاصل ما ذكروا في الحديث أربع علل.

الأولى: أن ثوراً لم يسمعه من رجاء، ويجاب عن هذا بأن البيهقي أسنده عن داود بن رشيد، حدثنا الوليد، عن ثور، حدثنا رجاء، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة، وقد صرح فيها بأن ثوراً قال: حدثنا رجاء، وإن كان من رواه عنه قال عن رجاء.

الثانية: أن كاتب المغيرة قد أرسله، ويجاب عن هذا بأن الوليد مسلم زاد في الحديث ذكر المغيرة، وزيادة الثقة مقبولة.

الثالثة: أن كاتب المغيرة مجهول، ويجاب عن هذا بأن المعروف بكاتب المغيرة هو مولاه، وزاد الثقفي وكنيته أبو سعيد، ويقال: أبو الورد، سمع المغيرة، وروى عنه الشعبي، ورجاء بن حيوة، وأبو عون وغيرهم، وروى له الجماعة، وصرح ابن ماجه في " سننه " فقال: عن رجاء عن داود كاتب المغيرة، فصرح باسمه.

الرابعة: أن الوليد مدلس، ويجاب عن هذه بأن أبا داود قال عن الوليد: أخبرني ثور، فأمن بذلك تدليسه، فلذلك استدل به جماعة منهم الشافعي أن مسح أسفل الخفين مستحب عندهم.

قلت: وعن هذا قال صاحب " البدائع ": المستحب عندنا الجمع بين ظاهره وباطنه، وقد ذكرناه.

ص: 591

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وجمهور أصحابنا استدلوا بما روي من حديث الأعمش عن أبي إسحاق عبد خير «عن علي رضي الله عنه قال: " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح عليه من ظاهره، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما» ، رواه أبو داود وأحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أبو داود أيضاً من حديث الأعمش بإسناده قال:«ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالمسح، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه.» وقال أبو داود: «أبو السوداء عن أبيه، قال: رأيت علياً رضي الله عنه توضأ فغسل ظاهر قدميه، وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله لظننت بطونهما أحق بالمسح» وقال البيهقي: والمرجع فيه إلى عبد خير، وهو لم يحتج به صاحبا " الصحيح ".

قلت: عدم احتجاج صاحبي " الصحيح "ليس بقادح في روايته، [....] وقد احتج به غيرهما، وحديثه صحيح. وقال إمام الحرمين في " النهاية في الحديث ": الصحيح أنه عليه السلام مسح على خفيه خطوطا فكأنه تبع القاضي حسين، فإنه قال: روي «حديث علي رضي الله عنه: كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، قال: فحكي عنه أنه قال: ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر الخف خطوطاً بالأصابع» وتبعه الغزالي في " الوسيط ".

وقال النووي في "شرح المهذب ": هذا الحديث ضعيف، روي عن علي مرفوعاً، وعن الحسن البصري موقوفاَ.

قلت: وروى ابن أبي شيبة أثر الحسن البصري قال: من السنة أن يمسح على الخفين خطوطَا.

وقال في " التنقيح ": قول إمام الحرمين: إنه صحيح، غلط فاحش، لم نجده من مرويات علي، ولكن روى ابن أبي شيبة أثر الحسن المذكور.

قلت: كأن النووي أراد بقوله: هذا الحديث ضعيف، هو الذي نقله إمام الحرمين، وأما الذي رواه أبو داود فهو صحيح كما قلنا، والدليل على ذلك ما قاله صاحب " التنقيح ". وقال السروجي: في تعليل ترك مسح باطن الخفين؛ لأن المسح إذا تكرر على أسفل الخف خلق وبلى، وأضر به مع الدوس بالبلل على الأرض، كما ذكروا في ساق الخف، بل أولى؛ لأنه لا يلحق الأرض.

ص: 592

ثم المسح على الظاهر حتم

ــ

[البناية]

قلت: هذا التعليل معدول لا يخفى، وقال أيضاً: ولأنه معدول عن القياس فيقتصر على ما ورد به الشرع وهو ظاهر الخف دون باطنه.

قلت: القياس يقتضي مسح الظاهر والباطن؛ لأنه يدل على الغسل، والشرع كما ورد بالظاهر ورد بالباطن كما ذكرنا مستقصى.

م: (ثم المسح على الظاهر حتم) ش: أي ثم مسح الخف على ظاهره حتم أي واجب. قال الأترازي: يعني أنه واجب لا يحتمل غيره.

قلت: إن أراد بعدم الاحتمال عقلاً فممنوع ومنعه ظاهر، وإن أراد به شرعاً فممنوع أيضاً؛ لأنه ورد «أنه عليه السلام مسح على باطن خفه» كما مر من حديث المغيرة بن شعبة.

وقال صاحب " الدراية ": فإن قيل: ينبغي أن يجوز المسح على الباطن والقعر؛ لأنه خلف عن الغسل، فيجوز في جميع محل الغسل كما في مسح الرأس، فإنه يجوز المسح في جميع الرأس، وإن ثبت مسحه عليه السلام في الناصية.

قلت: لا يجوز؛ لأن فعله عليه الصلاة والسلام ابتداء شرع وهو غير معقول المعنى، فيعتبر جميع ما ورد به الشرع من رعاية الفعل والمحل بخلاف مسحه عليها، فإنه بيان ما ثبت بالكتاب لا نصب الشرع، فيجب العمل بمقدار ما يحصل به البيان وهو المقدار؛ لأن المحل معلوم بالنص فلا حاجة إلى فعله بياناً له.

قلت: إن أراد بقوله لا يجوز يعني مسح البطن والعقب مع مسح الظاهر فلا نسلم بذلك؛ لأنه ورد مسح الظاهر والباطن بقوله، فيعتبر جميع ما ورد في الشرع من رعاية الفعل والمحل لا دليلاً لمدعي الاقتصار على الظاهر؛ لأنه ورد في الشرع فعل الباطن. وثبت أنه محل أيضاً لفعله عليه السلام، فكما أنه يراعى الفعل والمحل لو ورد الشرع بهما، فكذلك ينبغي أن يراعى ذلك في الباطن أيضاً، فإن الشرع ورد بهما أيضاً.

وقوله: لأن المحل معلوم بالنص فلا حاجة إلى نقله بياناً له - غير مسلم في حق المقدار.

قال صاحب " الدراية ": فإن قيل: ينبغي أن يجوز المسح على الباطن مع الظاهر لكونهما مرويين والجمع ممكن، فثبت فرضية مطلق المسح وسنية المسح عليهما كما قال الشافعي.

قلت: هذا السؤال غير وارد فلا يحتاج إلى قوله ينبغي.. إلخ، والعمل بما قاله الشافعي لو ورد حديث الظاهر والباطن، وإمكان الجمع بينهما في العمل وتأويله في جواب هذا السؤال بقوله: يحتمل أن يكون المراد من أعلاه مما يلي الساق، ومن أسفل ما يلي الأصابع، فلا يثبت سنية مسح الباطن، فالشك غير صحيح؛ لأن هذا مفسر فلا يحتاج إلى التأويل إذا لم يمكن الجمع، وقد أمكن كما ذكرنا.

ص: 593

حتى لا يجوز على باطن الخف، وعقبه، وساقه؛ لأنه معدول به عن القياس فيراعى فيه جميع ما ورد به الشرع، والبداية من رءوس الأصابع استحباب

ــ

[البناية]

م: (حتى لا يجوز على باطن الخف وعقبه وساقه) ش: هذه نتيجة قوله: ثم المسح على الظاهر حتم، قلت: إن أراد بقوله: لا يجوز الاقتصار على الباطن أو العقب أو الساق فمسلم. وإن أراد به مع الظاهر فغير مسلم كما ذكرنا. وقال الأكمل: يعني لا يجوز على باطن الخف وعقبه خلافاً للشافعي في قوله.

قلت: هذا لا يصح، فإنه لم ينقل عن الشافعي أنه أجاز مسح الباطن وحده، بل نص في الأم وغيره أن مسح الباطن وحده لا يجوز.

م: (لأنه معدول به عن القياس) ش: أي لأن المسح معدول به عن القياس؛ لأن المسح لا يطهر شيئاً ولا يزيله، فجعل قائما مقام الغسل للتخفيف رخصة. وقال الأترازي: قوله معدول به عن القياس إشارة إلى ما ذكرنا من حديث علي رضي الله عنه قال: «لو كان الدين بالرأي» الحديث. قلت: يفهم من كلامه هذا أن القياس مسح الباطن، وعدل به عنه إلى الظاهر، وليس كذلك، بل القياس أن لا يجوز المسح أصلاً كما ذكرنا الآن.

م: (فيراعى فيه جميع ما ورد به الشرع) ش: هذه نتيجة قوله: لأنه معدول به عن القياس، ولكن ظاهر هذا الكلام لا يستقيم؛ لأن استيعاب ظاهر الخف والبداءة من رءوس الأصابع غير معتبر في الوجوب، فلو روعي جميع ما ورد به الشرع لوجب ذلك [

] .

م: (والبداءة من رءوس الأصابع استحباب) ش: الخبر لا يطابق المبتدأ في المعنى، والمطابقة مستحبة وهو يتضمن الاستحباب، اللهم إلا إذا جعل هذا من قبيل زيد عدل، فافهم. ونتيجة قوله:" استحباب " أنه لو بدأ من الساق جاز. وسأل الأكمل ها هنا سؤالاً، وملخصه: أنه كان ينبغي أن تكون البداءة من الأصابع حتما لا مستحبا كالمسح على ظاهرهما؛ لأن الشرع ورد بمد اليدين من الأصابع إلى أعلاهما، ثم أجاب عن ذلك بقوله ما روي أنه عليه السلام مسح على خفيه من غير مد إلى الساق. قلت: في حديث المغيرة الذي ذكره المصنف ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما.

فإن قلت: إن هذا غريب لم يرو حديث المغيرة هكذا.

قلت: روي في حديث جابر رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق» ، ورواه ابن ماجه.

ص: 594