الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لانعدام المعدن، وقيل: لا يفسده لعدم الدم وهو الأصح، والضفدع البحري، والبري فيه سواء، وقيل: البري يفسد لوجود الدم وعدم المعدن، وما يعيش في الماء ما يكون توالده ومثواه في الماء، ومائي المعاش دون مائي المولد مفسد،
قال: والماء المستعمل لا يجوز استعماله في طهارة الأحداث
ــ
[البناية]
سلمة وأبو معاذ البلخي وأبو مطيع، وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله.
م: لانعدام المعدن) ش: قال الأترازي: فيه نظر لأنه لا يجوز التعليل على وجود الشيء بالعدم، وأجاب عنه الأكمل بأنه ليس بتعليل بل هو البيان انتفاء المانع، فإنا قد ذكرنا أن النجاسة لا تعطى حكمها في معدنها، فكان المعدن مانعا عن ثبوت الحكم عليها، قلت: ويمكن أن يجاب عنه بأن الموجب للتنجيس هو لدم وهو مجود إذ اللون ما دون الدم والرائحة رائحته والمانع هو المعدن وهو مفقود فعمل المقتضى عمله.
م: (وقيل) ش: قائله أبو عبد الله البلخي ومحمد بن مقاتل م: (لا يفسده لعدم الدم) ش: قال الأترازي: فيه نظر؛ لأن عدم العلة لا يوجب عدم الحكم لجواز أن يكون الحكم معلولا بعلل شتى إلا أن العلة إذا كانت متعينة يلزم من عدمها عدم المعلول لتوقفه على وجودها، وهذا النظر والذي قبله للشيخ حافظ الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - والأترازي أخذ مما بينه، وأجاب الأكمل عنه بأن العلة الشخصية يستلزم انتفاؤها انتفاء الحكم، وهاهنا كذلك لأن كونه دما ممتزجا هو المنجس لا غير.
قلت: ويجاب أيضا بأن العلة متحدة وهي الدم فإذا عدم لا يثبت الحكم في مثله، وفي مثله يجوز التعليل بالعدم كقول محمد رحمه الله ولكن المغصوب لم يضمن؛ لأنه لم يغصب م:(وهو الأصح) ش: أي القول الثاني هو الأصح وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله وهشام عن محمد رحمه الله، وهو اختيار المصنف أيضا؛ لأنه لا دم فيها.
م: (والضفدع البحري والبري فيه سواء) ش: أي في الحكم المذكور ويعرف البحري من البري، فإن البحري ما يكون بين أصابعه سترة دون البري م:(وقيل: البري يفسد لوجود الدم وعدم المعدن) ش: وجود الدم هو العلة، وعدم المعدن هو انتفاء المانع.
م: (وما يعيش في الماء) ش: كلمة ما موصولة بمعنى الذي، ويعيش في الماء صلته، وارتفاعه على الابتداء محلا وخبره هو قوله:(ما يكون توالده ومثواه) ش: أي منزله ومقره م: (في الماء) ش: أراد بهذا بيان ما يعيش في الماء؛ لأنه ذكره ولم يبينه م: (ومائي المعاش دون مائي المولد مفسد) ش: كالبط والأوز والجاموس.
[حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث]
[المقصود بالماء المستعمل وأقسامه]
م: (والماء المستعمل لا يجوز استعماله في طهارة الأحداث) ش: هذا حكم الماء المستعمل قدمه
خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله - هما يقولان: إن الطهور ما يطهر غيره مرة بعد أخرى كالقطوع.
ــ
[البناية]
لأنه هو المقصود وقيد بطاهرة الأحداث إشارة إلى أنه يطهر الأخباث فيما روي عن أبي حنيفة رحمه الله وهو الموافق لمذهبه، فإن إزالة النجاسة المعينة بالمائعات يجوز عنده على ما يأتي. وفي " جامع الإسبيجابي " الماء المستعمل ثلاثة أنواع: نوع طاهر بالإجماع كالمستعمل في غسل الأعيان الطاهرة، ونوع نجس بالاتفاق كالمستعمل في الأعيان النجسة، وفي " الإسبيجابي " قبل أن يحكم بطهارة ذلك الموضع، ونوع مختلف فيه وهو الذي توضأ به محدث أو اغتسل به جنب إن لم تكن على أعضائه نجاسة حقيقية.
م: (خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله -) ش: فإن عندهما يطهر الأحداث، ونصب خلافا على الإطلاق غير موجه على ما نذكره، أما عند مالك فإن المذكور في كتبهم منها " الجواهر " أن الماء المستعمل في طهارة الحدث طاهر ومطهر إذا كان الاستعمال لم يغيره لكنه مكروه مع وجود غيره مراعاة للخلاف وهو قول الزهري والأوزاعي في أشهر الروايتين عنهما، وأبي ثور وداود، قال المنذري عن علي وابن عمر رضي الله عنهما وأبي أمامة والحسن وعطاء ومكحول والنخعي أنهم قالوا: فمن نسي مسح رأسه فوجد في لحيته بللا يكفيه مسحه بذلك البلل، وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهرا وبه أقول. وقيل: طاهر ومشكوك في تطهيره، يتوضأ وبه ويتيمم ويصلي صلاة واحدة. وقال النووي: إن في المسألة قولين وهو الصواب.
واتفقوا على أن المذهب الصحيح أنه ليس بطهور وعليه التفريع. وحكى عيسى ابن أبان أنه طهور، قال في " المهذب ": الصحيح أنه ليس بطهور، ومن أصحابنا من لم يثبت هذه الرواية. وقال المحاملي: قوله: من يدر رواية عيسى بن أبان ليس بشيء؛ لأنه ثقة وإن كان مخالفا، وقال بعضهم: عيسى ثقة لا يتهم فيما يحكيه، ففي المسألة قولان. وقال صاحب " الحاوي ": نصه في الكتب القديمة والجديدة وما نقله جميع أصحابه سماعا، ورواية أنه غير طهور. وحكى عيسى بن أبان في الخلاف عن الشافعي رحمه الله أنه طهور.
وقال أبو ثور: سألت الشافعي عنه فتوقف. وقال أبو إسحاق وأبو حامد المروزي فيه قولان. وقال ابن شريح وأبو علي بن أبي هريرة: ليس بطهور قطعا وهذا أصح لأن عيسى بن أبان وإن كان ثقة فيحكي ما يحكيه أهل الخلاف ولم يلقه الشافعي رحمه الله ليحكيه سماعا، ولا وجده منصوصا فيأخذ من كتبه، ولعله تأول كلامه بصيرورة طهارته ردا على أبي يوسف فحمله على جواز الطهارة به.
م: (هما) ش: أي مالك والشافعي (يقولان: إن الطهور ما يطهر غيره مرة بعد أخرى كالقطوع) ش: ولا يكون كذلك إلا إذا لم ينجس بالاستعمال، وتكلمت الشراح هاهنا بكلام كثير، فقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
صاحب " الدراية " وفي " الكافي " هذا أنسب في القوانين ثم أطال الكلام، ولخصه الأكمل، فقال: والجواب أنه يحكى عن ثعلب أراد الطهور ما يطهر غيره إلى آخره. قال: ورد عليه بأن هذا إن كان لزيادة بيان نهايته في الطهارة كان سديدا، ويعضده قَوْله تَعَالَى:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11](الأنفال: الآية 11) وإلا فليس نقول من التعليل في شيء، وإن كانت بيانا لنهاية فيها لا يستدل على تطهير الغير فضلا عن التكرار فيه.
وقال صاحب " الدراية " في آخر كلامه: ولم يتضح لي سر هذا الكلام. وقال الأترازي: قوله كالمقطوع فيه تسامح؛ لأن المشبه يقال من الفعل اللازم والمشبه به من الفعل المتعدي، إلا أن المبالغة في الطهارة بأن يظهر أثرها في العين فصار بمعنى المطهر.
وقال السغناقي: قال الشيخ رحمه الله الماء مطهر لغيره؛ لأن الطهور بمعنى المطهر، بل علم ذلك بسبب العدول من صيغة الطاهر إلى صيغة الطهور التي هي للمبالغة في ذلك الفعل كالمغفور والشكور فيهما مبالغة ليس في الغافر والشاكر، وليس تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلا باعتبار أنه يطهر غيره؛ لأن في نفس الطهارة كلتا الصيغتين سيان، فلا بد من معنى زائدة في الطهور وليس في الطهارة، ولا ذلك إلا بالتطهير لا أن الطهور جاء بمعنى المطهر لأنه من طهر الشيء وهذا لا يستفاد منه التعدي.
قلت: تقدير هذا الكلام أن مالكا والشافعي - رحمهما الله - احتجا بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48](الفرقان: الآية 47) ووجه ذلك أن الطهور مصدر، ومنه «مفتاح الصلاة الطهور» «وطهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب» «ولا صلاة إلا بطهور» نص عليه سيبويه والخليل والمبرد في " الكامل " والأصمعي وابن السكيت.
ثم قولهما: إن الطهور ما يطهر غير مرة بعد أخرى غير مثبت في القولين، واحتج لهما من ينصرهما بما روي عن ثعلب: الطهور ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره كالقطوع فإن فيه معنى التكرار والصيغتان أوردا عليه بما ذكر الآن، وتحقيق الردين قياسه الطهور الذي هو من طهر اللازم على ما هو مشتق من الأفعال المتعدية كتطوع وتنوع غير صحيح، والصيغة إذا أخذت من الفعل اللازم كانت للمبالغة والتكثير في الفاعل نحو مات زيد وموت ونام ونوم، ولا يتعلق به الفعول البتة، وإن كان الفعل متعديا كان الثلاثي في مفعوله نحو قطعت الثوب.
والطهور مأخوذ من فعل ثلاثي لازم فكيف يتصور أن يؤخذ منه معنى الرباعي المتعدي فيكون المراد به التكرار وتكثير المفعول، ألا ترى أنك إذا قلت: فلان صبور من صبر فمعناه كثير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
الصبر لا أنه يصبر مرة بعد أخرى، ومثال ذلك كثير، ويدل على تحقيق هذا قَوْله تَعَالَى:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21](الإنسان: الآية 21) ومعلوم أن أهل الجنة لا يحتاجون إلى التطهير إلى التطهير من حدث أو خبث بل هو عبارة عن الطاهر الشديد الطهارة. وقال جرير:
عذاب الثنايا
…
ريقهن طهور
والريق لا يطهر به عندهم، وقال صلى الله عليه وسلم:«التيمم طهور المسلم» والتيمم لا يرفع الحدث عندهم.
قلت: يمكن المناقشة بأن يقال: لا نسلم قولكم بأن المبالغة والتكرير تكون في الفاعل إذا كانت الصيغة من الفعل اللازم على الإطلاق، بل قد يكون التكثير في الفعل دون الفاعل نحو حولت وطرقت، وقد يكون في الفاعل نحو سومت الإبل، وقولكم: إن الطهور من طهر وهم لازم لا يشابه المشتق من الفعل المتعدي كتطوع وتنوع فلا يقاس عليه غير مانع قطعا؛ لأنه قد يستعمل على سبيل المجاز، أهل الصرف جوزوا ذلك فقال بعضهم: إن المراد بالتكثير في الفعول لا يستعمل بالتضعيف إلا إذا كان الفعل جمعا نحو قولهم: غلقت بالتضعيف فإنه لا يستعمل إلا إذا قال: غلقت الأبواب حتى إذا كان واحدا لا يقال: إلا غلقت بالتخفيف إلا على سبيل المجاز، فحينئذ قياسهم الفعول من اللازم على الفعول من المتعدي صحيح بهذه الطريقة.
ويؤيد ذلك ما قاله تاج الشريعة في هذا الموضع في شرحه أن الطهور وإن كان اشتقاقه من فعل وهو لازم لكنه جعل متعديا شرعا بواسطة ظهور أثره في الغير فصح الإلحاق، ويمكن أن يمنع استدلالهم بلفظ الطهور فيما احتجوا به بأن يقال: الطهور اسم لما يتطهر به كالسجود والوقود فليس فيه ما يدل على أنه مطهر غيره مرة بعد أخرى ولا فيه مبالغة.
فإن قالوا: نحن نحتج بأشياء غير ذلك الأول «أنه صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح رأسه ببل لحيته» . وعن ابن عباس رضي الله عنهما «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل فنظر لمعة من بدنه لم يصبها الماء فأمر يده بما عليه ذلك» .
الموضع الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «الماء طهور لا ينجسه شيء» . وهو حديث صحيح.
وقال زفر رحمه الله: وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله: إن كان المستعمل متوضئا
ــ
[البناية]
الثالث: أن ما لاقى طاهرا يبقى مطهرا كما لو غسل به ثوبه.
والرابع: أن ما أدي به الفرض مرة لا يمنع أن يؤدى به ثانيا، كما يجوز للجماعة أن يتيمموا في موضع واحد.
والخامس: «أن النبي عليه السلام كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه» . رواه البخاري.
والسادس: أنهم كانوا يتوضؤون والماء يتقاطر على ثيابهم ولا يغسلونها.
الجواب عن الأول: أنه حديث ضعيف، فإن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، فلا يحتج بروايته إذا لم يخالفه غيره، فكيف وقد عارضته الروايات الصحيحة منها ما رواه مسلم أبو داود وغيرهما «عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فذكر صفة الوضوء إلى أن قال: ومسح رأسه بماء غير فضل يديه وغسل رجليه» وهذا هو الموافق لروايات الأحاديث الصحيحة في أنه عليه السلام أخذ لرأسه ماء جديدا.
والذي روي عن ابن عباس ضعيف ضعفه البيهقي والدارقطني، وقال البيهقي: إنما هو كلام النخعي وعلى تقدير صحته فبدن الجنب كعضو واحد، ويجوز نقل البلة من موضع إلى آخر.
والجواب عن الثاني: أنه استعمل في الذي تغيرت صفته من الطهورية إلى الطهارة كما في الصدقة لما أقيم به القربة تغيرت صفته وزال عنه صفة كونه حلالا للجميع، حتى لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم وقرابته على ما يجيء عن قريب.
وعن الثالث: فقياسهم غير صحيح؛ لأن في غسل الثوب لم يرد فرض ولا أقيم به عن قريب.
وعن الرابع: فقياس على تيمم الجماعة غير صحيح؛ لأن المستعمل ما تعلق بالعضو والأرض ليست كالماء فلا تقبل صفة الاستعمال.
وعن الخامس: أنه يجوز أن يكون اقتتالهم على ما فضل من وضوئه، قال في بعض الروايات الصحيحة:«فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به» وفي لفظ النسائي في هذا الحديث: وأخرج عن بلال رضي الله عنه فضل وضوئه فابتدره الناس، وليس المراد الساقط من وضوئه عليه السلام.
وعن السادس: بأن حكم الاستعمال لا يثبت إلا بالاستقرار على الأرض أو في إناء على قوله، وإن ثبت بالمزايلة على قوله لكنه في الثياب ضروري فعفي عن ذلك.
م: (وقال زفر رحمه الله وهو أحد قولي الشافعي) ش: الضمير يرجع إلى القول الذي دل
فهو طهور، وإن كان محدثا فهو طاهر غير طهور؛ لأن العضو طاهر حقيقة، وباعتباره يكون الماء طاهرا لكنه نجس حكما، وباعتباره يكون الماء نجسا، فقلنا بانتفاء الطهورية وبقاء الطهارة عملا بالشبهين. وقال محمد رحمه الله: وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله هو طاهر غير طهور،
ــ
[البناية]
عليه. وقال زفر رحمه الله م: (إن كان المستعمل متوضئا) ش: أراد أنه إن كان على وضوء م: (فهو) ش: أي الماء الذي استعمله، م:(طهور) ش: يعني طاهر في نفسه على حاله ولم يتغير منه شيء فهو طهور لغيره، م:(وإن كان) ش: أي المستعمل، م:(محدثا فهو طاهر) ش: في نفسه م: (غير مطهر) ش: لغيره م: (لأن الأعضاء) ش: أي الأعضاء المستعملة م: (طاهرة حقيقة) ش: لا [......] التنجيس كما لو غسل به ثوب طاهر م: (وباعتباره) ش: أي وباعتبار أمر الحقيقة م: (يكون الماء طاهرا) ش: وطهورا؛ لأنه لم يتغير منه شيء، والأعضاء طاهرة، ولهذا كان عرق المحدث والجنب طاهرا، وكذلك سؤرهما، وتجوز صلاة حاملهما.
م: (لكنه) ش: أي لكن الماء م: (نجس حكما) ش: أي من حيث الحكم أراد به النجاسة الحكمية بسبب إزالة الحدث أو التقرب على الاختلاف م: (وباعتباره) ش: أي وباعتبار النجس الحكمي م: (يكون الماء نجسا) ش: فإذا كان كذلك صار هنا اعتباران م: (فقلنا بانتفاء الطهورية) ش: لغيره م: (وبقاء الطهارة) ش: في نفسه م: (عملا بالشبهين) ش: شبه الطهارة، وشبه النجاسة، فباعتبار الشبه الأول يكون طاهرا مطهرا، وباعتبار الشبه الثاني لا يكون طاهرا أصلا. والحكم عليه بأوجه منها إبطال للآخر. وإعمالهما ولو بوجه أولى من إهمال أحدهما فعمل بهما بإسقاط الطهورية وبقاء الطهارة.
فإن قلت: عملا منصوب بماذا؟ قلت: يجوز أن يكون تمييزا أي من حيث العمل، ويجوز أن يكون حالا بمعنى فعلت كذا، فكذا حال كوننا عملنا بالشبهين، ويجوز أن يكون نصبه على المصدرية التقدير فعلت كذا وكذا وعملنا بالشبهين.
م: (وقال محمد رحمه الله: وهو) ش: أي قول محمد دل عليه قال م: (رواية عن أبي حنيفة رحمه الله: هو) ش: أي الماء المستعمل م: (طاهر) ش: في نفسه م: (غير طهور) ش: لغيره وبه أخذ مشايخ العراق، ورواه زفر رحمه الله أيضا عن أبي حنيفة رحمه الله وعافية القاضي قال: أو هو طاهر غير طهور عند أصحابنا، حتى كان قاضي القضاة أبو حازم عبد الحميد العراقي يقول: أرجو أن لا يثبت رواية النجاسة فيه عن أبي حنيفة رحمه الله، وهو اختيار المحققين من مشايخنا بما وراء النهر. قال في " المحيط: وهو الأشهر الأقيس. قال في " المفيد ": هو الصحيح. وقال الأسبيجابي: وعليه الفتوى، وبه قال أحمد، وهو الصحيح من مذهب الشافعي وهو رواية عن مالك، ولم يذكر ابن المنذر عنه غير ذلك. قال النووي: وهو قول جمهور
لأن ملاقاة الطاهر لا توجب التنجيس، إلا أنه أقيمت به قربة فتغيرت به صفته كمال الصدقة. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف - رحمهما الله -: هو نجس لقوله عليه السلام: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسلن فيه من الجنابة» ولأنه ماء أزيلت به النجاسة الحكمية فيعتبر بماء أزيلت به النجاسة الحقيقية.
ــ
[البناية]
السلف والخلف.
م: (لأن ملاقاة الطهارة الطاهر لا يوجب التنجيس) ش: الطاهر الأول الماء، والطاهر الثاني: العضو المغسول، والملاقاة مصدر لاقى مضاف إلى فاعله، والطاهر الثاني منصوب به، فإذا لاقى الطاهر لا يتغير الملاقي كما لو غسل به ثوب طاهر م:(إلا أنه) ش: أي أن الماء والاستثناء من قوله لا يوجب التنجيس م: (أقيمت به قربة) ش: أي تقرب إلى الله تعالى، والتقرب إلى الله تعالى يكون بما فيه الخير والعمل الصالح، وليس المراد منه قرب الذات والمكان على ما عرف في موضعه م:(فتغيرت بصفته) ش: فلم يكن طيبا م: (كمال الصدقة) ش: الذي أقيم به القربة، وقد تغيرت صفته حتى لم تحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيته، ولكنه في نفسه طاهر حلال في نفسه حتى يحل لغيره، ومع هذا سمى الزكاة أوساخ أموال الناس فإذا أعطى هاشمي بنية الزكاة لا يجوز وبنية الهبة يجوز، وإن كان المال واحدا وفي صدقة التطوع عليه روايتان.
م: (وقال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله -: هو) ش: أي الماء المستعمل م: (نجس) ش: إما حقيقة وأما حكما على الخلاف كما يأتي إن شاء الله تعالى م: (لقوله عليه السلام: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم» ش: الحديث في هذا الباب ورواية أبي هريرة رضي الله عنه وجه الاستدلال به أنه عليه السلام كما نهى عن النجاسة الحقيقية وهي البول، فكذلك نهى عن الحكمية وهو الاغتسال، فدل على أن الاغتسال فيه كالبول فيه. الحديث يجوز فيه الرفع والنصب أما الرفع فعلى الابتداء، وخبره محذوف تقديره الحديث بتمامه، وأما النصب فعلى تقدير أمر الحديث أو أتمه وتمامه ولا يغتسل فيه من الجنابة.
م: (ولأنه) ش: دليل عقلي أي ولأن الماء المستعمل م: (ماء أزيلت به النجاسة الحكمية) ش: لأن عضو المحدث والجنب له حكم النجاسة شرعا، وقد أزيلت تلك النجاسة بالماء فينجس كما في الحقيقة، والدليل على ذلك قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6](المائدة: الآية 16) والتطهير عبارة عن إزالة النجاسة، وقد أزيلت تلك النجاسة بالماء فاستعمل حكم النجاسة إليه كما في الحقيقة م:(فيعتبر بماء أزيلت به النجاسة الحقيقية) ش: أي فإذا كان كذلك يعتبر الماء الذي أزيلت به النجاسة الحكمية بالماء الذي أزيلت به النجاسة الحقيقية.
فإن قلت: كيف يتصور هذا الانتقال والأعراض لا تقبل الانتقال من محل إلى محل باتفاق
ثم في رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه نجس نجاسة غليظة اعتبارا بالماء المستعمل في النجاسة الحقيقية، وفي رواية أبي يوسف رحمه الله عنه وهو قوله: نجاسة خفيفة لمكان الاختلاف،
والماء المستعمل هو ماء أزيل به حدث، أو استعمل في البدن على وجه القربة، قال رحمه الله: وهذا
ــ
[البناية]
قلت: لا يعني بصيرورة الماء نجسا إلا اتصافه بالخبث شرعا كمال الصدقة سلمنا عدم قبول الأعراض الانتقال من محل إلى محل آخر، ولكن الأمور الاعتبارية الحكمية يجوز أن تعتبر قائمة بعد قطع الاعتبار عن قيامها بمحل آخر، ألا ترى أن الملك للبائع أمر اعتيادي حكمي، وبعد أن قال: بعت وقبل المشتري انتقل من البائع إليه.
فإن قلت: سلمنا هذا في المحدث والجنب، فأما المتوضئ إذا توضأ ثانية بنية القربة فلا نسلم أنه يكون مستعملا؛ لأنه لم يكن بأعضائه من النجاسة الحكمية شيء حتى يزول عن أعضائه وينقل إلى الماء.
قلت: نوى القربة فقد أراد به طهارة على طهارة، ونور على ما جاء في الخبر، ولا يكون طهارة جديدة حكما إلا بإزالته حكما فصارت الطهارة على الطهارة وعلى الحدث سواء.
م: (ثم في رواية الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه) ش: أي أن الماء المستعمل م: (نجس نجاسة غليظة) ش: أشار بهذا إلى أنه لما بين نجاسة الماء المستعمل احتيج إلى بيان صفة هذه النجاسة هل هي غليظة أم خفيفة، فاختلفت الروايات فيه، فروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنه نجس مغلظ م:(اعتبارا بالماء المستعمل في النجاسة الحقيقية) ش: أي نجاسة خفيفة وارتفاعها على أنه مبتدأ وخبره قوله في رواية مقدما م: (لمكان الاختلاف) ش: أي لأجل اختلاف العلماء في الماء المستعمل، فإن عند مالك طاهر وطهور كما ذكرنا، واختلاف العلماء يورث الإخفاف.
م: (والماء المستعمل هو ماء أزيل به حدث) ش: هذا شروع في بيان حقيقة الماء المستعمل وكان حقه التقديم كل قدم الحكم؛ لأنه هو المقصود، وقوله: الماء مبتدأ والمستعمل صفته وهو قوله: مبتدأ ثان، وقوله: ما أزيل به حدث خبره والجملة خبر المبتدأ الأول، م:(أو) ش: كلمة أو للتنويع يعني يكون الماء مستعملا بأحد الأمرين إزالة الحدث م: (استعمل) ش: أي الماء م: (في البدن على وجه القربة) ش: أي التقرب إلى الله تعالى بأن يتوضأ وهو على الوضوء، أو اغتسل وهو طاهر.
م: (قال رحمه الله) ش: أي قال المصنف رحمه الله م: (وهذا) ش: أي هذا الذي
عند أبي يوسف رحمه الله، وقيل: هو قول أبي حنيفة رحمه الله أيضا. وقال محمد رحمه الله: لا يصير مستعملا إلا بإقامة القربة،
ــ
[البناية]
ذكرنا أن كون الماء مستعملا بأحد الأمرين م: (قول أبي يوسف) ش: فإن عنده بأحد الأمرين م: (وقيل هو) ش: أي قول أبي يوسف رحمه الله م: (قول أبي حنيفة رحمه الله أيضا) ش: يعني استعمال الماء عنده أيضا بأحد الأمرين المذكورين.
م: (قال محمد رحمه الله لا يصير) ش: أي الماء م: (مستعملا إلا بإقامة القربة) ش: فقط وعند زفر والشافعي رحمه الله بإزالة الحدث لا غير، ولو توضأ محدث بنية القربة صار مستعملا بالإجماع، ولو توضأ متوضئ للتبرد لا يصير الماء مستعملا بالإجماع، ولو توضأ المحدث للتبرد صار مستعملا عندهما وعند زفر رحمه الله خلافا لمحمد رحمه الله لعدم قصد القربة، وكذا عند الشافعي رحمه الله لعدم إزالة الحدث عنده بلا نية. ولو توضأ المتوضئ بقصد القربة صار مستعملا عند الثلاثة خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله -. ولو توضأ بماء الورد لا يصير مستعملا إجماعا.
وفي " المبسوط ": المحدث أو الجنب إذا أدخل يده في الماء أو الجب لأجل الاغتراف لا يصير الماء مستعملا بلا خلاف، إلا إذا نوى إيصال اليد للاغتسال، ولو أدخل رجله في البئر ولم ينو به الاغتسال ذكر الشيخ الإمام أنه يصير مستعملا لعدم الضرورة، وعلى هذا إذا وقع الكوز في الجب وأدخل يده في الجب لإخراج الكوز لا يصير الماء مستعملا في الرواية المعروفة عن أبي يوسف رحمه الله.
وفي " الفتاوى " إذا أدخل في الإناء إصبعا أو أكثر منه دون الكف يريد غسله لم يتنجس الماء، ولو أدخل الكف يريد غسله يتنجس. وفي " المضمرات " هذا قول أبي يوسف، وعند محمد: طاهر وعليه الفتوى، وفي " الظهيرية " حيث رفع الماء بقية من أرى الحمام وغسل به يديه لا رواية لهذا في الأصل، وقال محمد بن الفضل فيه: نجس ويداه نجستان والماء الذي خرج من فيه نجس مستعمل، وقال بعضهم: الماء مستعمل ويداه نجستان وفمه طاهر والأول أصح.
وإذا غسل فخذه لا لنجاسة هل يأخذ حكم الاستعمال لا نص فيه عن أصحابنا، وفي " الخلاصة " الأصح أنه لا يصير مستعملا، وفي " الذخيرة " ابن سماعة عن محمد رجل على جراحته جبائر فغمسها في الإناء يريد به المسح عليها أجزأه، ولا يفسد الماء في " المبسوط " إذا غسل يده للطعام قبل الأكل، وبعده يصير الماء مستعملا، بخلاف ما لو غسل يده من الوسخ والعجين فإنه لا يصير مستعملا؛ لأنه لا قربة ولا إزالة حدث.
وفي " الطحاوي ": قال بعضهم قبل الطعام وبعده يصير مستعملا وفي الطعام لا، وإذا
لأن الاستعمال بانتقال نجاسة الآثام إليه وأنها تزال بالقرب، وأبو يوسف رحمه الله يقول: إسقاط الفرض مؤثر أيضا، فيثبت الفساد بالأمرين، ومتى يصير الماء مستعملا؟ الصحيح أنه كما زال عن العضو صار مستعملا؛
ــ
[البناية]
أدخل الصبي يده في الإناء على قصد القربة فالأشبه أن يكون الماء مستعملا إذا كان الصبي عاقلا؛ لأنه من أهل القربة، وامرأة أوصلت الماء إلى ذوائبها فغسلت ذلك الشعر بالماء لا يصير مستعملا، بخلاف ما لو غسلت شعرها النابت من رأسها، ولو غسل رأس مفتول قد بان منه صار مستعملا.
م: (لأن الاستعمال بانتقال نجاسة الآثام إليه) ش: أي إلى الماء المستعمل، فإن قلت: كيف يصف الإثم بالنجاسة، وبعد الاتصاف بها كيف تقبل الأعراض لانتقالها، قلت: أما اتصافه فلقوله صلى الله عليه وسلم: «من أصاب من هذه القاذورات فليستتر بستر الله» ، وهذا الشارع أطلق على الاسم قذرا، والقذر نجس فلقوله عليه السلام:«من غسل وجهه تساقطت خطاياه مع آخر قطر الماء» ، وأما فلها حكم الجواهر في الشرع م:(وأنها) ش: أي وأن نجاسة الآثام م: (تزال بالقربة) ش: أي بإرادة القربة، قال الله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114](هود: الآية 114) وقال عليه السلام: «أتبع السيئة الحسنة تمحها» .
م: (وأبو يوسف يقول: إسقاط الفرض) ش: وهو إزالة الحدث م: (مؤثر أيضا) ش: في كون الماء مستعملا؛ لأن الحدث الحكمي أغلظ من النجاسة العينية بالماء تنجسه، فإزالة النجاسة الحكمية أولى، ولهذا قال أبو حنيفة في رواية الحسن عنه م:(فيثبت الفساد) ش: أي فساد الماء م: (بالأمرين) ش: أي بإسقاط الفرض وهو إزالة الحدث وإقامة القربة.
م: (ومتى يصير الماء مستعملا؟) ش: كلمة متى للاستفهام نحو: متى نصر الله، وهو أحد معانيه الخمسة، وهذا بيان لوقت أخذه حكم الاستعمال م:(الصحيح أنه) ش: أي أن الماء م: (كما زال عن العضو صار مستعملا) ش: قال السغناقي: الكاف هنا للمفاجآت لا للتشبيه كما تقول: كما خرجت من البيت رأيت زيدا، أي فاجأت ساعة خروجي ساعة رؤية زيد أي يصير الماء مستعملا مفاجأة وقت زواله عن العضو وقت الاستعمال من غير توقف إلى وقت الاستقرار في موضع، كما زعم بعضهم وتبعه صاحب " الدراية " و" الأكمل " في كون الكاف هنا للمفاجأة.
لأن سقوط حكم الاستعمال قبل الانفصال للضرورة ولا ضرورة بعده.
ــ
[البناية]
قلت: ذكر النحاة أن الكاف إذا كانت بعدها ما الكافة يكون لها ثلاثة معان: أحدها: تشبيه مضمون جملة لمضمون الأخرى، كما كانت قبل الكف كتشبيه المفرد، قال الله تعالى:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138](الأعراف: الآية 138) والثاني أن تكون بمعنى لعل، حكى سيبويه عن العرب: انتظرني كما آتيك أي لعل ما آتيك، قال رومة: لا تشتم الناس كما لا تشتم، والثالث: أن تكون بمعنى قران الفعلين في الوجود نحو أدخل كما يسلم الإمام، وكما قام زيد قعد عمرو، الكاف في قوله: كما زائل عن العضو من هذا القبيل فالمعنى أن الماء يصير مستعملا مقارنا زواله عن العضو من غير توقف إلى استقراره في مكان.
وبعضهم قالوا: إن الكاف التي بعدها ما الكافة تكون بمعنى المبادرة أيضا نحو سلم كما تدخل وصل كما تدخل الوقت ذكره ابن الخيار والسيرافي، ومع هذا قالوا: هو غريب وهذا في المعنى مثل قران الفعلين الذي ذكرناه، ولم أر أن أحدا منهم قال: إن الكاف للمفاجأة بهذه العبارة وإن كان معناها قريبا بما ذكرنا.
م: (لأن سقوط حكم الاستعمال) ش: أي سقوط حكم كون الماء مستعملا م: (قبل الانفصال) ش: أي قبل انفصال الماء عن عضو المتوضئ م: (للضرورة) ش: أي لأجل ضرورة تعذر الاحتراز عنه م: (ولا ضرورة بعده) ش: أي عبد الانفصال وفي " المحيط " أن الماء إنما يأخذ حكم الاستعمال إذا زايل البدن، والاجتماع في المكان ليس بشرط هذا هو مذهب أصحابنا.
قلت: بل نص عليه المصنف بقوله: الصحيح أنه كما زايل عن العضو صار مستعملا. وذكر في الأصل إذا مسح رأسه بما أخذه من لحيته لم يجز عندنا، وكذا لو مسح على خفيه وبقي على كفه بلل فمسح به رأسه، وكذا لو توضأ إنسان بالماء المتقاطر عن المتوضئ بأن يكون في موضع عال وهو يأخذ الماء من الهواء قبل وصوله إلى الأرض لا يجوز.
وفي " شرح الطحاوي " الماء وإنما يأخذ حكم الاستعمال إذا زايل البدن واستقر في مكان، وبه قال سفيان الثوري وإبراهيم النخعي وبضع مشايخ بلخ رحمهم الله، وهو اختيار الطحاوي وبه كان يفتي ظهير الدين المرغيناني. وفي " خلاصة الفتاوى " المختار أنه لا يعتبر مستعملا ما لم يستقر في مكان، وسكن عن التحرك.
فإن قلت: فعلى ما ذكر المصنف ينبغي أن ينجس ثوب المتوضئ الذي ينشف به إذا أصاب الماء. قلت: أجابوا بأن ذلك سقط للحرج.
فإن قلت: إذا أصاب ثوب غير المتوضئ، قلت: قيل: هذا لا ضرورة فيه فينجس، وقيل الضرورة في حق المتوضئ لا في حق المغتسل؛ لأنه قليل الوقوع.