الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصوم
ولا تدخل المسجد، وكذا الجنب؛ لقوله عليه السلام:«فإني لا أحل المسجد لحائض، ولا جنب» .
ــ
[البناية]
وبئست الطريقة، والحرورية طائفة من الخوارج نسبوا إلى حروراء قرية على ميلين من الكوفة تمد وتقصر، وكان أول اجتماعهم فيها على عهد علي رضي الله عنه، وقيل: إنها خرجت عن الجماعة وخالفت السنة كما خرج هؤلاء عن جماعة المسلمين، وقيل: كانوا يرون على الحائض قضاء الصلاة وشددوا في ذلك، وكانوا يتعمقون في أمور الدين حتى خرجوا منه، والسائلة أيضاً كأنها تعمقت في سؤالها فكذلك قالت لها عائشة رضي الله عنها: أحرورية أنت؟
فإن قلت: وجوب القضاء يبنى على وجود الأداء في الأحكام، فكيف تخلف هذا الحكم هاهنا. قلت: الأصل هذا، ولكنه ثبت على خلاف القياس.
م: (ولأن في قضاء الصلوات إحراجا) ش: هذا دليل عقلي لوجود الحرج م: (لتضاعفها) ش: أي لتضاعف الصلاة؛ لأنها خمس صلوات في كل يوم وليلة م: (ولا حرج في قضاء الصوم) ش: لأنه في السنة مرة واحدة مع انضمام النص إليه فوجب.
[ما يحرم على الحائض والجنب]
[دخول الحائض والجنب المسجد]
م: (ولا تدخل المسجد) ش: أي لا تدخل الحائض المسجد وبه قال مالك والثوري وابن راهويه، وهو مروي عن ابن مسعود رضي الله عنه م:(وكذا الجنب) ش: أي كالحائض لا يدخل المسجد الجنب أيضاً م: (لقوله عليه الصلاة والسلام «فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» ش: هذا شطر من حديث رواه أبو داود بإسناده من حديث دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: «جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابنا شارعة في المسجد فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد" ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل لهم رخصة، فقام إليهم بعد فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» . وأخرجه البخاري في " تاريخه الكبير " وفيه زيادة، وذكر بعده حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم «سدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر» ، ثم قال: وهذا أصح، وقال ابن القطان في "كتابه ": قال أبو محمد عبد الحق في حديث جسرة هذا أنه لا يثبت من قبل إسناده، ولم يبين ضعفه ولست أقول: إنه حديث صحيح، وإنما أقول: إنه حسن، لأن أبا داود يرويه عن مسدد وهو يرويه عن عبد الواحد ابن زياد وهو ثقة لم يذكر بقدح، وعبد الحق احتج به في غير موضع من كتابه وهو يرويه عن فليت ابن خليفة، قال أحمد: ما أرى به بأساً، وسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: شيخ.
وفليت بضم الفاء، ويقال: أفلت أيضاً وهو يروي عن جسرة بفتح الجيم وسكون السين المهملة بنت دجاجة بكسر الدال بخلاف واحدة الدجاج. قال أحمد: تابعية ثقة، وذكرها ابن حبان في "الثقات ". وقال البخاري: إن فليتا سمع من جسرة بنت دجاجة.
وهو بإطلاقه حجة على الشافعي رحمه الله في إباحة الدخول على وجه العبور والمرور
ــ
[البناية]
فإن قلت: قال الخطابي: وضعفوا هذا الحديث، وقالوا: إن أفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه.
قلت: قد قال المنذري: فيما قاله نظر، فإنه فليت بن خليفة ويقال: أفلت كذا يري، ويقال: الدهلي كنيته أبو حسان حديثه في الكوفيين، روى عنه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد ويؤيد هذه الرواية ما رواه ابن ماجه في "سننه " عن أبي بكر بن أبي شيبة والطبراني في "معجمه " عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:«دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته: "إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض» ".
قوله: ووجوه بيوت أصحابه: البيت أبوابها ولذلك قيل لناحية البيت التي فيها الباب وجه الكعبة، ومعنى شارعة في المسجد مفتوحة فيه، يقال: شرعت الباب إلى الطريق أي أنفذته إليه فالشارع الطريق الأعظم، قوله: وجهوا هذه البيوت، أي اصرفوا وجوهها عن المسجد، يقال: وجهت الرجل إلى ناحية كذا إذا جعلت وجهه إليها ووجهته إذا صرفته عن وجهها إلى جهة غيرها. قوله: رجاء أن تنزل لهم رخصة أي لترجي بنزول الرخصة ونصبه على التعليل، وأن مصدرية محلها الجر بالإضافة، فخرج إليهم بعد ذلك. قوله: فإني لا أحل من الإحلال من الحل الذي هو ضد الحرام، والألف واللام في المسجد للعهد وهو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وحكم غيره مثل حكمه، ويجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه جميع المساجد وهو أولى.
فإن قلت: لم قدم الحائض على الجنب. قلت: للاهتمام في المنع والحرمة لأن نجاستها أغلظ والنفساء مثل الحائض، وروى الترمذي في "جامعه " في مناقب علي رضي الله عنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك» وقال: حديث حسن غريب. وقال أبو نعيم: قال ضرار بن صرد: معناه لا يحل لأحد يطرقه جنباً غيري وغيرك.
م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (بإطلاقه) ش: يعني بكونه غير مقيد بشيء م: (حجة على الشافعي رحمه الله في إباحة الدخول على وجه العبور والمرور) ش: أي في إباحة دخول المسجد على وجه العبور من غير مكث، والمرور بأن كان فيه طريق يمر فيه الناس، وبقوله قال أحمد، وعن أحمد: له المكث فيه إن توضأ وهو خلاف قول الجمهور، ولأنه لا أثر للوضوء في الجنابة لعدم تحريكها اتفاقاً. وعن الحسن البصري، وابن المسيب، وابن جبير، وابن دينار، مثل قول الشافعي رضي الله عنه، وقول المزني، وداود، وابن المنذر: يجوز له المكث فيه مطلقا، ومثله عن زيد بن أسلم واعتبروه بالشرك بل أولى، وتعلقوا بقوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
لا ينجس» ، قلنا: معناه لا يصير نجس العين حتى لو تلطخ بالنجاسة منع عن الصلاة ودخول المسجد لتنجسه بمجاورة النجاسة.
وفي " شرح الوجيز " في العبور وجهان: لو خافت تلويث الدم إما لغلبة الدم، وإما أنها لم تستوثق، فليس لها العبور صيانة له، وكذا المستحاضة ومن به سلس البول، فإن أمنت التلويث فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز لإطلاق الحديث وأصحهما الجواز.
واحتج الشافعي رضي الله عنه في الجنب بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43](النساء: الآية 43)، قلنا: إلا هاهنا بمعنى لا قاله أهل التفسير، ونظير قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) والمعنى لا خطأ. وقال الزجاج: معنى الآية: ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنبا إلا عابري سبيل أي إلا مسافرين، قال: لأن المسافر قد يفوته الماء فخص المسافرين بذلك، وقال أبو بكر الرازي في " أحكام القرآن ": روي علي، وابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بعابري السبيل المسافرين إذا لم يجدوا الماء يتيممون ويصلون به، قال: والتيمم لا يرفع الجنابة فأبيح لهم الصلاة به تخفيفا من الله تعالى عن المكلف.
قلت: هذا اختياره، وظاهر المذهب أن التيمم رفع الحدث إلى غاية القدرة على استعمال الماء الكافي، ولكن لما كان يعود جنبا عند ذلك سماه جنبا باعتبار عاقبته. وقال الزمخشري من فسر الصلاة بالمسجد مع ما بعده فمعناه لا تقربوا المسجد جنبا إلا مجتازين فيه إذا كان الطريق إلى الماء أو كان الماء فيه، وقول الشافعي رضي الله عنه ليس في الصلاة عبور سبيل، إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد. قلنا عبور السبيل هو السفر، ففي الصلاة حينئذ عبور سبيل فاندفع قوله. أما إذا حملنا الصلاة على المسجد مجازاً فليس له جواب عن قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ، فإن حمل الصلاة والمسجد معاً فقد جمع بين الحقيقة والمجاز في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياماً فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا مكانكم ثم رجع فاغتسل وخرج إلينا ورأسه يقطر فكبرنا وصلينا معه» .
وقال ابن بطال في شرحه: قال أبو حنيفة رضي الله عنه إذا كان الماء في المسجد يتيمم الجنب ويدخل المسجد فيخرج الماء عنه قال وهذا الحديث يدل على خلاف قوله لأنه لما لم يلزمه التيمم للخروج كذا من المضطر إلى المرور فيه جنب لا يحتاج إلى التيمم. قلت: هذا الحديث لم يرد في دخول المسجد وإنما ورد في خروجه منه والخروج ضد الدخول فلا يدل عليه بوجه من وجوه الدلالات الثلاث المطابقة والتضمن والالتزام فثبت أن الحديث لا يدخل على إباحة الدخول بوجه