الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تطهير النجاسة واجب من بدن المصلي وثوبه والمكان الذي يصلي عليه
ــ
[البناية]
النجاسة فلا بد من التأويل فذكر الحال وأراد به المحل عكس قوله في البئر نزحت فإنه ذكر المحل وأراد به الحال، والنجاسة محل معنى إذا حلت بالمحل يوجب الاختلال بالثوب إلى المعبود ويمنع كمال التعظيم له سبحانه وتعالى.
[حكم تطهير النجاسة]
م: (تطهير النجاسة) ش: أي تطهير محل النجاسة، لأن النجاسة لا تثبت فيها صفة الطهارة أصلاً بل تثبت في محلها بإزالتها عنه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وإنما أنشأ الضمير لأنه إضافة إلى ضمير الأنجاس. م:(واجب) ش: أي فرض، وهذا كما قالوا: الزكاة واجبة، وإنما ذكر لفظ الواجب ليشمل الكل إذ الفرض هو الأصل م:(من بدن المصلي وثوبه والمكان الذي يصلي عليه) ش: كلمة من تتعلق بقوله: تطهير النجاسة وهو في الأصل لابتداء الغاية، لكن اللائق هاهنا أن تكون للمجاورة، وهذه ثلاثة أشياء:
الأول: بدن المصلي، فإن كان عليه نجاسة أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته وفيما دونه تجوز وتكره.
الثاني: الثوب كذلك ويحتسب بغلظ النجاسة وتخفيفها، وقال أبو عمر: ذهب مالك وأصحابه [إلى] أن إزالة النجاسة من البدن والثوب سنة وليست بفرض، وقال هشام: يعيد صلاته في النجاسة والجنابة في الوقت وبعده، وهو قول أبي قلابة والشافعي وأحمد وأبي ثور والطبري.
وقال أبو عمر: روى ابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والزهري ويحيى بن سعيد في الذي يصلي في الثوب النجس ولا يعلم إلا بعد الصلاة أنه لا إعادة عليه، وبه قال إسحاق بن راهويه، وعن الحسن في الثوب يعيد في الوقت وفي جسده في الوقت وبعده.
الثالث: المكان، والمعتبر في طهارة المكان [ما] تحت قدم المصلي، حتى لو افتتح الصلاة وتحت قدميه أكثر من قدر الدرهم من النجاسة فصلاته فاسدة، فكذا إذا كان تحت إحدى قدميه وهو الأصح، وقيل يجزئه، وإذا كان في موضع السجود دون القدم ففي رواية محمد عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يجوز، وهو الأصح وهو قولهما.
وفي رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة: أنه يجوز، وإن كان في موضع يديه أو ركبتيه يجزئه عندنا خلافاً للشافعي وزفر - رحمهما الله -، ولو صلى على مكان طاهر، وسجد عليه، لكن إذا سجد وقعت ثيابه على الأرض النجسة جازت صلاته ولو افتتحها على مكان طاهر ثم تحول إلى مكان نجس ثم تحول منه إلى مكان طاهر جازت صلاته، إلا أن يمكث. ولو صلى على بساط
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4](المدثر: الآية 4)، وقال عليه السلام:«حتيّه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء ولا يضرك أثره»
ــ
[البناية]
وفي طرف منه نجاسة، قيل: يجوز في الكبير دون الصغير وحده إذا رفع أحد طرفيه لا يتحرك الطرف الآخر وإن تحرك الصغير، والأصح أنه يجوز مطلقاً. ولو قام على النجاسة وفي رجله جوربان أو نعلان لم تجز صلاته، ولو فرش نعليه وصلى عليهما جازت لأنه بمنزلة ما لو بسط الثوب الطاهر على الأرض النجسة وصلى عليها جازت واللبنة والآجر إذا كان أحد وجهيها نجساً وقام على الوجه الطاهر وصلى عليها إن كانت مفروشة جازت، وإن لم تكن مفروشة روي عن محمد أنه لا يجوز. وعن أبي يوسف أنه يجوز، ولو سجد على مكان نجس ثم أعاد السجدة على مكان طاهر جاز، وعن محمد: لو سجد على ميت وعليه لبد إن كان لا يجد حجم الميت جاز، وإن وجد حجمه لا يجوز:
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) ش: أي طهرها من النجاسة، والأمر للوجوب، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وابن زيد والحسن وابن سيرين: اغسلها بالماء ونقها من الدرن ومن القذر. وقال الأكمل: فإن قيل: قال المفسرون: معناه فقصر فلا يتم دليلاً على إزالة النجاسة.
أجيب بأن ذلك مجاز والأصل هو الحقيقة، على أن تقصير الثياب يستلزم الطهر عادة فيكون أمراً بتطهير الثوب اقتضاء: قلت: أخذ هذا من " الدراية "، وقوله: قال المفسرون، من هم هؤلاء المفسرون حتى يؤخذ هذا عنهم؟ ثم يحتاج إلى الجواب مع أنه قيل: وما نقل من هذا في تفسير الآية لا يوافق ظاهر اللغة.
فإن قلت: نقل ذلك عن الفراء ذكره أبو الليث في تفسيره. قلت: الأصل في التفسير تفسير ابن عباس و [من] مثله من الصحابة ومن بعدهم من التابعين الكبار كالحسن وابن سيرين وغيرهما، والفراء ومثله أئمة اللغة والنحو، مع أن تفسيره هذا خلاف اللغة.
م: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حتيه اقرصيه ثم اغسليه بالماء ولا يضرك أثره» ش: هذا أصل [له] في الحديث الصحيح، ولكن ما روي بهذا اللفظ، و [إنما] روى الأئمة الستة في "كتبهم" واللفظ لمسلم من حديث هشام بن عروة عن امرأته فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت:«جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع به؟ قال: "تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه» وفي رواية لأبي داود: «حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه» .
وفي رواية له: «فإن رأت فيه دماً فلتقرصه بشيء من ماء ولتنضح ما لم تر وتصلي فيه» . رواه
إذا وجب التطهير في الثوب وجب في البدن والمكان، لأن الاستعمال في حالة الصلاة يشتمل الكل
ــ
[البناية]
ابن أبي شيبة في "مصنفه "، وفيه قال:«اقرصيه بالماء واغسليه وصلي فيه» ، ورواه الإمام أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود في كتاب " المنتقى ":«حتيه واقرصيه ورشيه بالماء» .
قوله: حتيه: من حت يحت من باب نصر ينصر إذا قشر بيده. قوله: واقرصيه، من قرص يقرص من باب نصر ينصر أيضا، وهو الدلك بأطراف الأصابع والأظفار مع صب الماء عليه حتى يذهب أثره وهو أبلغ في غسل الدم من غسله بجميع يده.
وقال الخطابي: أصل القرص أن يقبض بأصبعيه على الشيء ثم يغمزه غمزاً جيدا. وقال أبو عمر في " التمهيد ": ويروى: "فلتقرصه" بفتح التاء وضم الراء وكسرها، ويروى فلتقرصه بالتشديد على التكثير أي فلتقطعه بالماء، ومنه تقريص الطحين، والنضح الرش. وقال الخطابي: وقد يكون بمعنى الصب والغسل، وقال المهلب: النضح: كثرة الصب وهو بالحاء المهملة، هي الرواية، ولو قال: بالخاء المعجمة لكان أقرب إلى معنى الغسل لأنه أكثر من المهملة، وقيل: النضح هو الرش في موضع الشك لدفع الوسوسة.
وجه الاستدلال بالحديث المذكور: أنه يدل على وجوب الطهارة في الثياب، وفيه دلالة على نجاسة الدم، وهو إجماع المسلمين ودلالة على أن العدد لا يشترط في إزالة النجاسات، بل المراد الإنقاء.
فإن قلت: استدل به البيهقي في "سننه " على أصحابنا في وجوب الطهارة بالماء دون غيره من المائعات الطاهرة. قلت: هو مفهوم لقب لا يقول به إمامه.
فإن قلت: الحدث ورد في أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما حين سألت عن دم الحيض يصيب الثوب فيقتصر عليه. قلت: قال في " الدراية ": العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم قال: كذا قيل، وفيه تأمل ظاهر، والأوجه أن يقال: الموجب لوجوب تطهير الحيض كونه نجساً فلا خصوصية له بذلك فكل من كان نجساً يلحق به. ثم إن المصنف رحمه الله استدل بالآية والحديث المذكور على وجوب طهارة ثياب المصلي ويأتي وجه وجوب طهارة البدن والمكان.
م: (إذا وجب التطهير) ش: أي تطهير المصلي بما ذكرنا م: (في الثوب) ش: أي في اشتراط طهارة ثوب المصلي بما ذكره من الآية والحديث م: (وجب في البدن) ش: أي وجب التطهير في بدن المصلي م: (والمكان) ش: أي وفي المكان الذي يصلي عليه م: (لأن الاستعمال) ش: أي استعمال المصلي م: (في حالة الصلاة يشتمل الكل) ش: أي الثوب والبدن والمكان، وجه ذلك أن التمسك بالنص يكون بطرق أربعة: بالعبارة والدلالة والإشارة والاقتضاء، ثم وجوب تطهير الثوب ثبت