المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الطهارات ــ ‌ ‌[البناية] [كتاب الطهارات] ‌ ‌[تعريف الوضوء] م: (كتاب الطهارات) ش: الكتاب - البناية شرح الهداية - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌كتاب الطهارات

- ‌[تعريف الوضوء]

- ‌[حكم الطهارة]

- ‌[فرائض الطهارة]

- ‌[صفة غسل الأعضاء في الوضوء]

- ‌[حد المرفق والكعب في الوضوء]

- ‌[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء]

- ‌سنن الطهارة

- ‌[غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء]

- ‌تسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء

- ‌[السواك من سنن الوضوء]

- ‌[فضل السواك وأوقات استحبابه]

- ‌[كيفية الاستياك]

- ‌[فيما يستاك به وما لا يستاك به]

- ‌[حكم من لم يجد السواك]

- ‌[المضمضة والاستنشاق في الوضوء]

- ‌[مسح الأذنين في الوضوء]

- ‌[تخليل اللحية في الوضوء]

- ‌[تخليل الأصابع في الوضوء]

- ‌[تكرار الغسل ثلاث مرات في الوضوء]

- ‌[النية في الوضوء]

- ‌[استيعاب الرأس في الوضوء]

- ‌[ترتيب أعضاء الوضوء]

- ‌[البداءة بالميامن في الوضوء]

- ‌[فصل في نواقض الوضوء] [

- ‌ما خرج من السبيلين من نواقض الوضوء]

- ‌[خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء]

- ‌[القيء والدم من نواقض الوضوء]

- ‌[النوم من نواقض الوضوء]

- ‌[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء]

- ‌فصل في الغسل

- ‌[فرائض الغسل]

- ‌[سنن الغسل]

- ‌[البدء بغسل اليدين في الغسل]

- ‌[الوضوء من سنن الغسل]

- ‌المعاني الموجبة للغسل:

- ‌[إنزال المني من موجبات الغسل]

- ‌[التقاء الختانين من موجبات الغسل]

- ‌ الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام

- ‌[الأغسال المسنونة]

- ‌[باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز]

- ‌[ماء البحر]

- ‌[الوضوء بما اعتصر من الشجر والثمر]

- ‌[الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم]

- ‌[الطهارة بماء غلب عليه غيره]

- ‌[الطهارة بالماء الذي خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه]

- ‌[الوضوء بالماء الذي وقعت فيه نجاسة]

- ‌[حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء]

- ‌[حكم موت ما يعيش في الماء فيه]

- ‌[حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث]

- ‌[المقصود بالماء المستعمل وأقسامه]

- ‌الجنب إذا انغمس في البئر

- ‌[طهارة الجلود بالدباغ]

- ‌[طهارة جلد الكلب والخنزير]

- ‌[هل الكلب نجس العين]

- ‌ الانتفاع بأجزاء الآدمي

- ‌ ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة

- ‌شعر الميتة وعظمها طاهر

- ‌[الأعيان الطاهرة]

- ‌شعر الإنسان وعظمه

- ‌فصل في البئر

- ‌[حكم وقوع النجاسة في البئر]

- ‌فصل في الأسآر وغيرها

- ‌[سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه]

- ‌سؤر الكلب

- ‌[سؤر الحائض]

- ‌[سؤر الخنزير وسباع البهائم]

- ‌سؤر الهرة

- ‌[سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن البيوت]

- ‌[سؤر الحمار والبغل والفرس]

- ‌[حكم الطهارة بنبيذ التمر]

- ‌باب التيمم

- ‌[تعريف التيمم]

- ‌[شرائط التيمم]

- ‌[عدم وجود الماء]

- ‌[العجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه]

- ‌[خوف الضرر من استعمال الماء]

- ‌[أركان التيمم]

- ‌[كيفية التيمم]

- ‌[تيمم الجنب]

- ‌[تيمم الحائض والنفساء]

- ‌[ما يتيمم به]

- ‌[التيمم بالغبار مع وجود الصعيد]

- ‌والنية فرض في التيمم

- ‌[نية التيمم للحدث أو الجنابة]

- ‌[مبطلات التيمم]

- ‌[ما يباح بالتيمم]

- ‌[التيمم لصلاة الجنازة والعيدين ونحوها]

- ‌[التيمم لصلاة الجمعة]

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌[حكم المسح على الخفين]

- ‌[شروط المسح على الخفين]

- ‌[مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر]

- ‌[كيفية المسح على الخفين]

- ‌[المسح على خف فيه خرق كبير]

- ‌[المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل]

- ‌[نواقض المسح على الخفين]

- ‌[المسح على الجرموقين]

- ‌ المسح على الجوربين

- ‌[المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما]

- ‌ المسح على الجبائر

- ‌[حكم المسح على الجبائر]

- ‌باب الحيض والاستحاضة

- ‌[تعريف الحيض وأركانه]

- ‌أقل الحيض

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[أكثر الحيض]

- ‌[ما يسقطه الحيض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض]

- ‌[ما تقضيه الحائض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض والجنب]

- ‌[دخول الحائض والجنب المسجد]

- ‌[طواف الحائض والجنب]

- ‌[قراءة القرآن للحائض والجنب]

- ‌[مس المصحف للمحدث والحائض والجنب]

- ‌[فروع فيما يكره للحائض والجنب]

- ‌[دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين]

- ‌[انقطاع دم الحيض لأقل من عشرة أيام]

- ‌[حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]

- ‌أقل الطهر

- ‌[حكم دم الاستحاضة]

- ‌[فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم]

- ‌فصل في النفاس

- ‌[تعريف النفاس]

- ‌السقط الذي استبان بعض خلقه

- ‌[أقل النفاس وأكثره]

- ‌باب الأنجاس وتطهيرها

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[ما يجوز التطهير به وما لا يجوز]

- ‌[الماء القليل إذا ورد على النجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الخف الذي لحقته نجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الثوب الذي لحقته نجاسة]

- ‌[حكم المني وكيفية تطهيره]

- ‌النجاسة إذا أصابت المرآة والسيف

- ‌[الحكم لو أصاب المني البدن]

- ‌[كيفية تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة]

- ‌[ما يعفى عنه من النجاسات]

- ‌[حكم الروث أو أخثاء البقر]

- ‌ بول الحمار

- ‌[حكم بول الفرس]

- ‌[حكم خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور]

- ‌ لعاب البغل والحمار

- ‌[قدر الدرهم من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار]

- ‌[أنواع النجاسة]

- ‌فصل في الاستنجاء

- ‌[حكم الاستنجاء]

- ‌[ما يجوز به الاستنجاء به وما لا يجوز]

- ‌[ما يكون به الاستنجاء]

- ‌[الاستنجاء بالعظم والروث]

الفصل: ‌ ‌كتاب الطهارات ــ ‌ ‌[البناية] [كتاب الطهارات] ‌ ‌[تعريف الوضوء] م: (كتاب الطهارات) ش: الكتاب

‌كتاب الطهارات

ــ

[البناية]

[كتاب الطهارات]

[تعريف الوضوء]

م: (كتاب الطهارات) ش: الكتاب والكتابة في اللغة جمع الحروف من الكتب، وهو الجمع، تقول: كتبت البلغة إذا جمعت بين شفريها بحلقة، أو سير من كتب يكتب من باب نصر ينصر، ويكتب من باب ضرب يضرب وكتبا كتابة، وكتبت القرية إذا أحرزتها فهي كتيب، والكتيبة بالضم الحرزة، والكتيبة الجيش، وكتبت الخيل إذا اجتمعت، والكتابة تصوير اللفظ بحروف هجائية؛ لأن فيها جمع الحروف والكلمات، والكتاب العرض، والحكم، والقدر، قال النابغة الجعدي:

يا بنت عمي كتاب الله أخرجني

عنكم وهلا متعن الله ما فعلا

ويقال: أراد بالكتاب هاهنا المكتوب مجازا، كالحساب بمعنى المحسوب، ويقال في تعريف الكتاب: الكتاب طائفة من المسائل الفقهية اعتبرت مستقلة، اشتملت أنواعا أو لم تشتمل، فقوله:" طائفة " كالجنس، وقوله " من المسائل الفقهية " اخرج به غيرها، وقوله:" اعتبرت مستقلة " أي مع قطع النظر عن تبعيتها للغير أو تبعية غيرها إياها، ليدخل فيه هذا الكتاب، فإنه تابع للصلاة ويدخل كتاب الصلاة فإنه مستتبع للطهارة، وقد اعتبرا مستقلين. أما كتاب الطهارة فلكونه المفتاح، وأما كتاب الصلاة فلكونه المقصود الأصلي، فظهر من هذا أن اعتبار الاستقلال قد يكون لانقطاعه عن غيره ذاتا، كانقطاع كتاب " اللقطة " عن كتاب " الآبق "، وكتاب " المفقود " وانقطاعها عن كتاب الصلاة والزكاة، وقد يكون لمعنى يؤثر ذلك كانقطاع الصرف عن " البيوع "، و " الرضاع " عن " النكاح " و " الطهارة " عن " الصلاة " كما ذكرنا.

وقوله: " اشتملت أنواعا أو لم تشتمل " لدفع قول من يقول: الكتاب جنس يدخل تحته أنواع من الجملة، وكل نوع يسمى بالباب والباب اسم لنوع مشتمل على أشخاص تسمى فصولا فإن الكتاب قد يكون كذلك، وقد لا يكون، فإن من الكتب ما لم يذكر فيه لا باب ولا فصل، " ككتاب اللقطة واللقيط " و " الآبق " وغيرهما على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، فلو لم يذكر ذلك ربما توهم ذلك، فذكره دفعا لذلك.

الطهارة: في اللغة النظافة، وفي الاصطلاح: عبارة عن صفة تحصل لمزيل الحدث والجنب عما تعلق به الصلاة سواء كان طبعا أو شرعا.

فإن قلت:، ذكر أو في الحدود لا يجوز. قلت: أو هاهنا ليست بمانعة الجمع، فلا يضر الحد، وإنما قال: عما تعلق به الصلاة ليتناول المكان فإن طهارته شرط على ما سيأتي.

قال صاحب " الدراية ": الطهارة لغة النظافة، وشرعا نظافة الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس.

ص: 137

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

قلت: هذا تعريف غير صحيح؛ لأن الطهارة أعم من الوضوء والتعريف المذكور لا يطلق إلا على الوضوء.

1 -

والوضوء نوع من أنواع الطهارة. وهي على وزن فعول بضم الفاء من الوضاءة وهي الحسن.

قال الجوهري: الوضاءة الحسن والنظافة، تقول منه: وضاء الرجل، أي صار وضيئا، وتوضأت للصلاة، ولا تقول توضيت، وبعضهم يقول ذلك.

والوضوء بالفتح: الماء الذي يتوضأ به.

والوضوء أيضا مصدر من توضأت للصلاة، مثل الولوع والقبول. وقال اليزيدي: الوضوء: بالضم المصدر، وحكي عن أبي عمرو بن العلاء القبول بالفتح مصدر لم يسمع غيره، وذكر الأخفش في قَوْله تَعَالَى:{وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6](التحريم: الآية 6) فقال: الوقود بالفتح هو الحطب، والوقود بالضم الإيقاد وهو الفعل، قال: ومثل ذلك الوضوء وهو الماء، والوضوء وهو الفعل، ثم قال: وزعموا أنهما لغتان بمعنى واحد، تقول الوقود والوقود ويجوز أن يعني بهما الحطب ويجوز أن يعني بهما الفعل، وقال غيره: القبول والولوع مفتوحان وهما مصدران شاذان وما سواهما من المصادر فمبني على الضم، وفي اصطلاح الشريعة هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس، ويقال: هو عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة، ومسح عضو مخصوص.

فإن قلت: لم اختار لفظ الجمع في الطهارات دون المفرد، كما ذكره غيره.

قلت: للتصريح بإرادة أنواع الطهارة؛ لأنه لو ذكرها بلفظ الإفراد لكان فهم الأنواع على سبيل الاحتمال لا القطع؛ لأن الجنس واقع على الأدنى مع احتمال الكل.

فإن قلت: إذا دخلت الألف واللام على الجمع تبطل الجمعية وتكون للجنس أيضا فأي فائدة في جمعها حينئذ.

قلت: هذا فيه خلاف على ما تقرر في موضعه فيجوز أن يكون المصنف أراد به مطلق الجمع كما هو مذهب البعض في اللام إذا دخلت في الجمع.

فإن قلت: الطهارة مصدر فلا يثنى ولا يجمع.

قلت: إذا أريد به النوع يجوز أن يجمع.

فإن قلت: فلم لم يجمع الصلاة والزكاة ونحوهما.

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

قلت: هذا لا يتمشى فيهما، أما الصلاة فلأنها متحدة أنواعها؛ لأنها عبارة عن الأركان المعهودة، وأما الزكاة فإنها عبارة عن إيتاء الربع من العشر وهو واحد، بخلاف الطهارة، فإن أنواعها مختلفة كما يرى من اختلاف طهارة الحدث، والجنب، والطهارة بالتيمم، ولا ترد علينا صلاة الجنازة؛ لأنها ليست بصلاة حقيقة لأنها دعاء، ولهذا جازت ركوبا قياسا استحسانا، ويجوز بالتيمم عند وجود الماء حتى إن الشعبي لم يشترط فيها الطهارة أصلا.

وقوله: " كتاب الطهارة " كلام إضافي مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هذا كتاب الطهارة، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر أي كتاب الطهارة هذا، ويجوز أن ينصب الكتاب على تقدير هات كتاب الطهارات، أو خذه، أو نحو ذلك.

فإن قلت: ما هذه الإضافة؟

قلت: إضافة معنوية بمعنى في، أي: هذا كتاب في الطهارات أي في بيانها؛ لأن الكتاب ليس في نفس الطهارة، ويجوز أن تكون بمعنى اللام للاختصاص وإنما قدم العبادات على غيرها من المعاملات والزواجر لكونها أهم؛ لأن العبادة هي التي تحقق معنى العبودية وما خلق الثقلان إلا لهذا، قال الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56](الذاريات: الآية 56) .

فإن قلت: لم قدم الصلاة على غيرها من العبادة؟

قلت: لأنها ثانية الإيمان في الكتاب والسنة، ولأنها عماد الدين، والبيت لا يقوم إلا على الأعمدة.

فإن قلت: الأصل في العبادات الإيمان، فكان ينبغي أن يقدم.

قلت: هو متعلق بعلم الكلام، وهو علم مستقل بذاته فذكره هنالك أولى، وتقديم الطهارة على الصلاة؛ لأنها شرط الصلاة، وشرط الشيء يسبقه وجملته تعقبه، والشرط ما يتوقف على وجوده الشيء، ولا يكون منه فبالضرورة يكون مقدما على المشروط، فقدم عليه أيضا وضعا ليوافق الوضع الطبع، وتقديمها على سائر الشروط كاستقبال القبلة وستر العورة ونحوهما لأنها لا تسقط بالأعذار بخلاف غيرها، ولأن الله تعالى استقصى في بيانها ما لم يستقص في غيرها فكان التقديم بها أهم، وإنما قدم بيان الوضوء الذي هو طهارة صغرى على الغسل الذي هو طهارة كبرى، إما اقتداء بالكتاب العزيز، فإنه ذكر على هذا الترتيب، وإما باعتبار شدة الاحتياج إلى علم الوضوء باعتبار كثرة دورانه.

1 -

فإن قلت: ما سبب الوضوء؟ قلت: عند الظاهرية القيام إلى الصلاة لظاهر النص؛ لأنه يقتضي وجوب الطهارة بعد القيام إلى الصلاة؛ لأنه جعل القيام إليها شرطا لفعل الطهارة، وحكم الجزاء

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

أن يتأخر عن الشرط، ألا ترى أن من قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، إنما يقع الطلاق بعد الدخول، وهذا لا خلاف فيه بين أهل اللغة؛ لأنه مقتضى اللفظ، وحقيقته فعلى هذا كل من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ.

قلت: هذا باطل «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد، فقال له عمر رضي الله عنه: رأيتك اليوم تفعل شيئا لم تكن تفعله، فقلا عليه السلام: " عمدا فعلت، كيلا تحرجوا» والحديث أخرجه مسلم من طريق مسلم بن يزيد عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه، فقال له عمر رضي الله عنه: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه، فقال: " عمدا صنعته يا عمر» رواه الترمذي أيضا، ولفظه:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح صلى الصلوات الخمس كلها بوضوء واحد.» الحديث، وأخرجه الطحاوي نحو رواية مسلم، فدل هذا على أن القيام إلى الصلاة غير موجب للطهارة إذ لم يجدد النبي صلى الله عليه وسلم طهارة لكل صلاة، فثبت بذلك أن في الآية مقدرا يتعلق به في إيجاب الوضوء وهو: إذا قمتم إلى الصلاة من مضاجعكم، وروى الطحاوي في " معاني الآثار " وأبو بكر الرازي في " الأحكام "، والطبراني في " الكبير " من طريق جابر بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم «عن عبد الله بن علقمة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب أو أهرق الماء إنما نكلمه فلا يكلمنا ونسلم عليه فلا يرد علينا.. حتى نزل قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6](المائدة: الآية 6) » ، فدل هذا الحديث على أن الآية نزلت في إيجاب الوضوء من الحدث عند القيام إلى الصلاة، وأن التقدير في الآية في إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون.

فإن قلت: حديث جابر الجعفي غير ثابت، فلا يتم به الاستدلال.

قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن سفيان يقول: كان جابر ورعا في الحديث، ما رأيت في الحديث أورع منه، وعن شعبة: هو صدوق في الحديث، وقال: هذا الحديث مطلقا للدوران وجودا

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وعدما، وهو أيضا باطل؛ لأنا نعلم أن الدوران دليل الغلبة ولئن سلمنا لكن لا نسلم أن الدوران وجودا موجود؛ لأنه قد يوجد الحديث ولا يجب الوضوء ما لم تجب الصلاة بالبلوغ ودخول الوقت، وعندنا هو الصلاة بدليل الإضافة إليها وهي أمارة السببية لكن شرطه الحدث؛ لأنه تعالى ذكر التيمم معلقا بالحدث والنص في البدل نص في الأصل؛ لأنه لا يفارقه بشرط وسببه هكذا ذكره الشيخ حافظ الدين النسفي رحمه الله واعترض عليه الشيخ قوام الدين، وقال: لا نسلم أن البدل لا يفارق الأصل بشرطه وسببه وقد فارقه في النية وهي شرط في التيمم دون الوضوء.

قلت: هو عين النية؛ لأن التيمم في اللغة عبارة عن القصد، قال الشاعر:

وما أدري إذا يممت أرضا

أريد الخير أيهما يسلني

أي: إذا قصدت والقصد هو عين النية، فإذا كان كذلك كيف يطلق على النية أنها شرط التيمم والحال أن شرط الشيء خارج عن ذاته فإذا سقط الاعتراض المذكور.

فإن قلت: قد صرح بذكر الحدث في الغسل والتيمم دون الوضوء فعلم بذلك أن الحدث هو سبب الوضوء.

قلت: السبب الصلاة، وشرطه الحدث، لما ذكرنا، ولقوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] ، أي من مضاجعكم وهو كناية عن النوم، وهو الحدث، وأما التصريح بذكر الحدث في الغسل والتيمم دون الوضوء فليعلم أن الوضوء يكون سنة وفرضا والحدث شرط في الفرض دون السنة؛ لأن الوضوء على الوضوء نور على نور، والغسل على الغسل، والتيمم على التيمم ليس كذلك، وهو المشهور فيهما عند الشافعي رحمه الله.

قال المتولي من الشافعية: في موجب الوضوء: ثلاثة أوجه:

أحدها: الحدث، فلولاه لا يجب.

الثاني: القيام إلى الصلاة؛ لأنه لا يتعين عليه قبله.

الثالث: وهو الصحيح عند المتولي وغيره أنه يجب بهما ثم الحدث يحل جميع البدن في وجه كالجنابة حتى منع من مس المصحف بظهره وبطنه والاكتفاء بغسل الأعضاء الأربعة تخفيف، وفي وجه يختص بالأربعة وعدم جواز المس لعدم طهارة جميع البدن بالنجاسة الحقيقية وفي الأصح اختلاف عندهم، فقال الشافعي: العموم، وقال النووي وغيره: الاختصاص ورجحه

ص: 141

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

النووي.

فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الأعضاء الأربعة في الوضوء قلت لأن الله تعالى لما نهى آدم عليه السلام في الجنة عن قربان تلك الشجرة وتناولها صارت هذه الأعضاء الأربعة مذنبة فمن الرجلين المشي ومن اليدين فإن قلت: كان ينبغي أن تجب المضمضة أيضا؛ لأن الفم حصل منه ما حصل.

قلت: آدم عليه السلام ما كان ممنوعا من الأكل، وإنما كان ممنوعا من القربان إليها بقوله:{وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة: 35](البقرة: الآية 35) ولم يحصل من الفم القربان بخلاف الأعضاء المذكورة، وقيل فعل الفم كان بعد حصول ما حصل من آدم، فلم يكن له ذنب، وقيل: إنما لم يجب غسل الفم لأن مطهر الأبدان قد طهره، وهو قول:" لا إله إلا الله محمد رسول الله "، وطهارة جميع الأعضاء بالفم واللسان، ألا ترى أن الكافر إذا لم يقل ذلك يسمى نجسا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28](سورة التوبة: الآية 28) .

فإن قلت: ما الحكم في تخصيص الأعضاء الثلاثة بالغسل والرأس بالمسح قلت الرأس لم يحصل منه شيء في قضية القربان فلم يبين له الغسل ولذا اختص بالمسح باليد المقترفة إليه وذلك كما ذكرنا أنه وضع يده على رأسه لما أصابه من الغم، وقيل: إنما اختصت هذه الأعضاء الأربعة أما الوجه فلأنه أحسن الأعضاء، وأما اليدان فلأن سائر الحيوانات ليست لها أيد باطشة، ولا آخذة، بل أخذها الأشياء بفهمها حتى لا تميز بين الخبيث والطيب، وأما الرجلان فلأن الله تعالى خلق ابن آم خلقة مستوية وخلق سائر الحيوانات خلقة منكوسة فأمر بغسل هذه الأعضاء شكرا لما صنع، وأما الرأس فقد رفع عنه السيف والجزية بدين الإسلام، فاكتفى بالمسح شكرا على ذلك، وقيل: لما كانت الصلاة مناجاة ومحل القرب أمرهم بتطهير هذه الأعضاء الذميمة وقيل: إنما أمر بغسل هذه الأعضاء الثلاثة لما ارتكبوا بها من الحرام؛ لأن مباشرة العبد لا تكون إلا بهذه الأعضاء، وأما الرأس فلأنه مجمع الحواس فكذلك خص أيضا بالتطهير واكتفي فيه بالمسح لأن الغسل ربما يضره، وقيل إن العبد إذا شرع في الخدمة يجب أن يجدد نظافته وأيسرها تنقية الأعضاء التي تنكشف كثيرا لتحصل بها نظافة القلب إذ تنظيف الظاهر يوجب

ص: 142

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] .

ــ

[البناية]

تنظيف الباطن.

م: (قال الله تعالى) : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] ش: (المائدة: الآية 6) الآية الكريمة، مقول القول، وافتتح الكتاب بالآية المذكورة لكونها أصلا في استنباط مسائل هذا الباب، أو لأجل التبرك في افتتاح الكتاب، وإن كان حق الدليل أن يؤخر عن المدلول؛ لأن الأصل في الدعوى تقديم المدعي، وهي مفتتحة بالنداء الذي هو نوع الطلب؛ لأنه طلب إقبال المخاطب بحرف نائب مناب أدعو إما بحرف نداء للبعيد حقيقة أو حكما، وقد ينادى بها القريب توكيدا، وقيل: هي مشتركة بين البعيد والقريب، وقيل بينهما وبين المتوسط، وهي أكثر حروف النداء استعمالا ولهذا لا يقدر عند الحذف سواها نحو:{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29](يوسف: الآية 29) ، ولا ينادى اسم الله والاسم المستغاث وأيتها وأيها ولا المندوب إلا بها أو بهيا، وقوله من قال أن " يا " مشتركة بين القريب والبعيد هو الأصح؛ لأن أصحاب اللغة ذكروا أن " يا " حرف ينادى به القريب والبعيد.

فإن قلت: ما تقول في قول الداعي يا الله، قال الله تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16](ق: الآية 6) .

قلت: هذا استقصار منه لنفسه، واستبعاد عن مظان القبول لعلمه. و " أي " اسم لخمسة معان:

الأول للشرط نحو {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110](الإسراء: الآية 110) . الثاني: الاستفهام. نحو: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124](التوبة: الآية 124) .

الثالث: يكون موصولا نحو: {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} [مريم: 69](مريم: الآية 69) والتقدير لننزعن الذي هو أشد، نص عليه سيبويه.

الرابع: يكون صفة للنكرة، نحو: زيد رجل: أي رجل: أي كامل في صفة الرجال، وجاء للمعرفة نحو مررت بعبد الله أي رجل.

الخامس: يكون صلة لما فيه (ال) نحو يا أيها الرجل ومنه قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6](المائدة: الآية 6) ، وزعم الأخفش أن أيا هذه هي الموصولة حذف صدر صلتها وهو العائد، والمعنى: يا من هو الرجل، وكذلك التقدير هاهنا على قوله: يا من هم الذين إذا قمتم إلى الصلاة. وها تستعمل على ثلاثة أوجه:

الأول: أن يكون اسم الفعل نحو خذ تقول للمذكر " ها " بالفتح و " ها " للمؤنث بالكسر وها

ص: 143

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وهان وهاؤم قال الله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19](الحاقة: الآية 19) .

الثاني: أن يكون ضميرا للمؤنث نحو ضربها وغلامها.

الثالث: أن تكون للتنبيه فتدخل على أربعة:

الأول: الإشارة نحو لهذا.

الثاني: ضمير رفع المخبر عنه باسم إشارة نحو أنتم أولاء.

الثالث: اسم الله تعالى في القسم عند حذف الحرف نحو ها الله بقطع الهمزة ووصلها وكلاهما مع إثبات ألفها وحذفها.

الرابع: نعت " أي " في النداء نحو يا أيها الرجل، وهي في هذا واجبة للتنبيه على أنه المقصود بالنداء ومنه قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: 43] ، والذين اسم موصول موضوع لجمع الذي؛ لأن الذين عام لذي العلم وغيره، والذي يختص بذي العلم، ولا يكون الجمع أخص من مفرده، فمن هذا قول قوام الدين في شرحه: إن الذين جمع الذي صادر من غير تحقيق، والذي لا يخلو إما أن يكون صفة لأي، أو يكون موصوفها محذوفا، تقديره: يا أيها الناس الذين آمنوا، ويا أيها القوم الذين آمنوا، ونحو ذلك؛ لأن الموصولات وضعت وصلة إلى المعارف بالجمل و " أي " ليس بمعرفة فلا يكون الذي صفة له.

فإن قلت: كيف يكون الذي صفة " لأي " وصفة " أي " هو المفرد من الناس أو القوم؟ قلت: المجموع كلمة هو صفة " أي " لا المقدر وحده، ولا الموصول وحده، فعن هذا سقط اعتراض الشيخ قوام الدين رحمه الله على الشيخ حافظ الدين النسفي في قوله:" الذين آمنوا صفه لأي " لأنه ليس كذلك لأن صفة أي هو المقدر من القوم، أو الناس ثم " آمنوا " صفة لتلك الصفة المقدرة " لأي " بواسطة " الذين، " قوله " آمنوا " فعل ماض لجمع المذكر الغائبين من أمن يؤمن إيمانا، وهي جملة من الفعل والفاعل وضعت صلة للموصول ولا محل لها من الإعراب؛ لأنها لم تقع موقع المفرد، وهي فعل الشرط.

وقوله: {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] جواب الشرط فلذلك دخلت الفاء، ثم اعلم أن القياس في قوله: آمَنُوا أن يقال آمنتم لأن من حق المنادى بكونه مخاطبا أن يعبر عنه فيقال: يا إياك، يا أنت، إذ مقتضى الحال في المخاطب أن يعبر عنه بضميره، لكن لما كان النداء لطلب الإقبال ليخاطب بعده بالمقصود المنادى إذا ذهل عن كونه مخاطبا نزل منزلة الغائب فعبر عنه بالضمير الذي هو الغائب ليكون أقصى لحق البيان ولما جاء الاختلاف بقوله: آمنوا وآمنتم ذهب بعضهم إلى أن هذا من قبيل الالتفات؛ لأن آمنوا للغائب وآمنتم مخاطب، وممن قال ذلك الشيخ حافظ الدين

ص: 144

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

النسفي في " المستصفى شرح المنافع "، وشنع عليه الشيخ قوام الدين في شرحه، ونسبه في ذلك إلى الغلط، وقال: ليس الأمر كذلك؛ لأن الالتفات لا يكون إلا فيما إذا كان حق الكلام بالغيبة وذكر بالخطاب أو بالعكس ولم يقع الكلام في الآية إلا في الموضع الذي اقتضاه.

قلت: على تقدير كلام النسفي صحيح، والحط عليه مردود يفهم ذلك من التقرير الذي سبق، بل الصحيح أن منع الالتفات هاهنا مبنى على أن " آمَنُوا " صلة " الذين " والموصولات غيب، والضمير الذي يكون راجعا من الصلة إلى الموصول لا يكون إلا غائبا ويكن الجملة كلها أعني قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: 43] في حكم الخطاب لأنه منادى فوجب أن يكون ما بعده خطابا، فكان قولهم: قمتم بالخطاب واقعا في محله، مخرجا على مقتضى ظاهره، فلا يكون من الالتفات؛ لأنه انتقال من صيغة إلى صيغة أخرى سواء كان الضمير بعضها إلى بعض، أو من غيرها. وذهب بعضهم بناء على ما ذكر من أن قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: 43] في حكم الخطاب إلا أن الغائبين إنما يدخلون تحت الخطاب بالدلالة أو بالإجماع، وقال بعضهم: إنما قال: آمَنُوا دون آمنتم ليدخل تحته كل من آمن إلى يوم القيامة، ولو قال: آمنتم لاختص لمن كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم اعلم أن تقييد الفعل بحرف الشرط في أكثر الكتب يكون لاعتبارات شتى لا يعرف ذلك إلا بمعرفة أدوات الشرط التي هي إن، وأما، وإذا، وإذما، وإذ، ومتى، وكيفما، وأين، وأينما، وحيث، وحيثما، ومن، وما، ومهما، وأي، ولو، وصاحب " العناية " لا يتكلم إلا في " إذا " أو " إذا " و " لو " لكثرة دورانها مع تعلق اعتبارات لفظية بهما، أما " إن " و " إذا " فللشرط في الاستقبال يعني: لتعليق الفعل في الزمان المستقبل، لكن أصل " إن " عدم الجزم بوقوع الشرط: يعني: عدم جزم القائل بوقوع شرطها، ولا وقوعه، بل بتجويز كل منهما لكونه غير متحقق الوقوع كما في " إن طلعت الشمس " وإلا لا وقوع كما في " إن طار إنسان " ونحو " إن يكرمني أكرمك: إذا لم يعلم القائل أنه يكرمه أم لا، وأصل " إذا " الجزم. أي جزم القائل بوقوع الشرط تحقيقا وخطابا كقولك إذا جاء يحيى فإن مجيئه ليس قطعيا تحقيقا كطلوع الشمس، بل تقديرا باعتبار خطابي أو ظني وهو أن المحب يزور الحبيب. فإذا تمهد هذا فنقول ذكرها في الآية الكريمة " بإذا " دون " إن " وذكر في آية الغسل بإن دون إذا، وذلك أنه لما كان القيام إلى الصلاة من الأمور الملازمة والأشياء الغالبة بالنسبة إلى حال المؤمن ذكرها " بإذا " التي تدخل على أمر كائن أو منتظر لا محالة بخلاف الجنابة فإنها بالنسبة إلى القيام إلى الصلاة قليلة جدا، وهي من الأشياء المترددة الوجود والأمور العارضة، فلذلك خصت " بإن ".

فإن قلت: ما تقول في قوله: إن مات فلان؟

ص: 145

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

قلت: هذه لجهالة وقت الموت لا في وقوعه فلا يقدح ذلك، واعلم أن هاهنا إرادة الفعل بالفعل؛ لأن معنى قوله:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلوا كما في قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98](النحل: الآية 98) التقدير: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله، قال الزمخشري رحمه الله: فإن قلت: لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل. قلت: لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له، وهي قصده إليه وخلوص داعيته فكما عبر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم الإنسان لا يطير، والأعمى لا يبصر أي لا يقدر على الطيران والإبصار، وذلك لأن الفعل مسبب عن القدرة والإرادة فأقيم المسبب مقام السبب للملاءمة بينهما ولإيجاز الكلام.

فإن قلت: ما الحكمة في إضمار الحذف؟

قلت: كراهية أن يفتتح آية الطهارة بذكر الحدث، كما في قَوْله تَعَالَى:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2](سورة البقرة: الآية 2) حيث لم يقل هدى للضالين الصائرين للتقوى بعد الضلال كراهية أن يفتح أول الزهراوين بذكر الضلالة.

1 -

قوله: {إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] الصلاة على وزن فعلة من صلى كالزكاة من زكى واشتقاقها من الصلى، وهو العظم الذي عليه الإليتان؛ لأن المصلي يحرك صلويه في الركوع والسجود، وقيل للتاله من خيل السباق المصلي لأن رأسه يلي صلو التالي، ويقال للصلاة الدعاء ومنه قول الأعشى في وصف الخمر:

وقابلها الريح في دنها

وصلي على دنها وارسم

أي: دعا لها بالسلامة والبركة.

وأما في الشرع: فهي عبارة عن الأفعال المعهودة والأركان المعلومة.

فإن قلت: كيف يكون المعنى في الوجهين؟

قلت: على الوجه الأول: تكون لفظة الصلاة من الأسماء المعتبرة شرعا، وعلى الوجه الثاني: تكون من الأسماء المنقولة شرعا لوجود المعنى اللغوي مع زيادتها شرعا، وفي الفعل المعنى اللغوي مراعى، وفي التغيير يكون باقيا، ولكنه زيد عليها شيء آخر وكلمة " إلى " تأتي لثمانية معان:

الأول: إنه للغاية الزمانية، نحو:{أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187](البقرة: الآية 187)، والمكانية نحو:{مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1](الإسراء: الآية 1) .

ص: 146