الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصارا كخف ذي طاقين وهو بدل عن الرجل لا عن الخف،
بخلاف ما إذا لبس الجرموق بعدما أحدث؛ لأن الحدث حل بالخف فلا يتحول إلى غيره، ولو كان الجرموق من كرباس لا يجوز المسح عليه؛ لأنه لا يصلح بدلا عن الرجل إلا أن تنفذ البلة إلى الخف.
ولا يجوز
المسح على الجوربين
عند أبي حنيفة رحمه الله
ــ
[البناية]
م: (فصارا كخف ذي طاقين) ش: أي فصار الخف من هاتين الجهتين كخف ذي طاقين ثم نزع أحد طاقيه، أو كان الخف شعراً فمح عليه ثم حلق الشعر فإنه لا يجب إعادة المسح. قلت: لما كانت تبعية في الاستعمال والغرض لم يكن بالأصالة، فإذا زال بالنزع زالت التبعية وحل الحدث بما تحته فيجب إعادة المسح. وأما طاقا الخف فلشدة اتصال أحدهما بالآخر كانا كالشعر مع البشرة، وقد تقدم أنه إذا مسح على الرأس ثم حلقه لا يجب عليه إعادة المسح.
م: (وهو) ش: أي الجرموق م: (بدل عن الرجل لا عن الخف) ش: هذا جواب عن قول الشافعي: البدل لا يكون له بدل، وهو أن يقال: لا نسلم أنه بدل عن الخف، وإنما هو بدل عن الرجل كالخف لم ينعقد فيه حكم المسح بعد.
فإن قلت: لا نسلم، أليس أنه لو نزع الجرموقين يلزمه المسح على الخفين، ولا يجب غسل القدمين، ولو كان الجرموق بدلاً عن الخف لوجب غسل القدمين عند نزعهما كما في نزع الخفين.
قلت: عدم سريان الحدث إلى الرجل لا؛ لأن الجرموق كان بدلاً عن الخف، بل لأن الخف لم يكن محلاً للمسح بعد نزع الجرموقين. وقيل: حلول الحدث على الخف لا يصير محلاً، فإذا لم يكن محلاً لم يكن الجرموق بدلاً عنه.
م: (بخلاف ما إذا لبس الجرموق بعدما أحدث؛ لأن الحدث حل بالخف فلا يتحول إلى غيره) ش: وهو الجرموق فلا يمسح عليه.
م: (ولو كان الجرموق من كرباس لا يجوز المسح عليه؛ لأنه لا يصح بدلاً عن الرجل) ش: إذا لم يمكن تتابع المشي عليه م: (إلا أن تنفذ البلة إلى الخلف لرقته) ش: فيكون المسح عليه كالمسح على الخف.
[المسح على الجوربين]
م: (ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة رحمه الله) ش: الجورب يتخذ من جلد يلتبس في القدم إلى الساق لا على هيئة الخف، بل هو لبس فارسي معرب وجمعه جواربة، وفي " الصحاح ": ويقال جوارب أيضاً.
قلت: (الجورب هو الذي يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرد، وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول، يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب. وفي " المنافع ": وجورب مجلد إذا وضع
إلا أن يكونا مجلدين أو منعلين. وقالا: يجوز إذا كانا ثخينين لا يشفان
ــ
[البناية]
الجلد على أعلاه وأسفله، والمنعل هو الذي وضع جلد على أسفله كالنعل للقدم. وفي " الصحاح ": أنعلت خفي ودابتي وفعل فعلت. وفي " المغرب ": أنعل الخف ونعله جعل له نعلاً، والنعل في الجورب يكون إلى الكعب، وقيل: مقدار القدمين. والمسح على الجوربين في ثلاثة أوجه: في وجه يجوز بالاتفاق، وهو ما إذا كانا ثخينين منعلين. وفي وجه: لا يجوز بالاتفاق، وهو أن لا يكونا ثخينين ولا منعلين. وفي وجه: لا يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله عنه خلافاً لصاحبيه، وهو أن يكونا ثخينين غير منعلين.
م: (إلا أن يكونا مجلدين أو منعلين) ش: بضم الميم وسكون النون من أنعلت كما ذكرنا، وقيل: بالتشديد.
م: (وقالا: يجوز إذا كانا ثخينين) ش: ما تقوم على الساق من غير أن يشد بشيء م: (لا يشفان) ش: بفتح الياء آخر الحروف وكسر الشين المعجمة من شف الثوب إذا وصف ما تحته، من باب ضرب يضرب، والذي يقول: ها هنا لا ينشفان من نشف الثوب العرق، وهو من باب علم يعلم خطأ لا يعتمد عليه، وهذه الجملة في محل النصب إما على الحالية من ثخينين وإما على الوصفية، وإنما ذكرها تأكيداً للثخانية، وقولهما قول الجمهور من الصحابة كعلي بن أبي طالب، وأبي مسعود البدري، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وأبي أمامة البلوي، وعمر، وابنه، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن عمرو بن حريث، وسعيد، وبلال، وعمار بن ياسر، فهؤلاء الصحابة لا يعرف لهم مخالف، ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وعطاء، والنخعي، والأعمش، وسعيد بن جبير، ونافع مولى ابن عمر، وبه قال الثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وداود، وأحمد، وكره ذلك مجاهد، وعمرو بن دينار، والحسن ابن مسلم، ومالك، والأوزاعي.
وقال: الشافعي: يجوز المسح عليهما بشرط أن يكون صفيقا منعلاً، نص عليه في " الأم "، وفي " الحلية "، وبقول أبي حنيفة قال الشافعي. وبقولهما قال أحمد، وداود. وفي " الأسرار ": وقال الناطفي: لا يجوز على الكل. وفي " شرح الوجيز ": لا يجوز المسح على اللفائف والجورب المتخذة من اللبد والصوف؛ لأنه لا يمكن المشي عليهما، وكذا على الجوارب المتخذة من الجلد التي تكسر مع الكعب وهي الجوارب الصوفية، لا يجوز حتى تكون بحيث يمكن متابعة المشي عليها، يعتبر قعود [
…
] أو التجليد للقدمين والنعل على الأسفل والإلصاق بالكعب، وحكى بعضهم أنها كانت معقودة صفيقة، ففي اشتراط تجليد القدمين قولان. وكره مالك والأوزاعي المسح على الجوربين من [
] والرقيق من غزل أو شعر بلا خلاف، ولو كان ثخيناً بحيث يمشي به فرسخاً فصاعداً كجوارب أهل بدر فعلى الخلاف، وكذا الجورب من جلد رقيق
لما روي «أن النبي عليه السلام: مسح على جوربيه» .
ــ
[البناية]
على الخلاف، ويجوز على الجوارب اللبدية، ويجوز على الجورب المشقوق على ظهر القدم، ولو ازداد كخروق الخف يشد عليه فيستره؛ لأنه كغير المشقوق، وإن ظهر من ظهر القدم شيء فهو كلخف الدوراني الذي يعتاده سفهاء زماننا، فإن كان مجلداً يستر جلده الكعب يجوز وإلا فلا.
وفي " شرح الوجيز ": الخف المتخذة من الخشب أو الحديد إذا كانت رقيقاً يمكن المشي عليه ويجوز وإلا فلا. وفي " الوسيط ": يجوز المسح على الخف منه وإن عسر المشي عليه، وفي المتخذ من الذهب والفضة قولان.
م: (لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه» ش: هذا الحديث روي عن المغيرة، وأبي موسي، وبلال رضي الله عنهم.
وأما حديث المغيرة بن شعبة فروي من طريق أبي قيس عن هذيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة، «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين» .
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال النسائي في " سننه الكبرى ": لا نعلم أحدا تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين» .
وذكر البيهقي حديث المغيرة هذا وقال: إنه حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين.
وقال النووي: كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي، مع أن الجرح مقدم على التعديل، قال: واتفق الحفاظ على تضعيفه، ولا يقبل قول الترمذي: إنه حسن صحيح.
وذكر البيهقي في " سننه " أن أبا محمد يحيى بن منصور رضي الله عنه قال: رأيت مسلم بن الحجاج وضعف هذا الحديث. وقال: أبو قيس الأودي، وهذيل بن شرحبيل لا يحتملان، وخصوصاً مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الحديث عن المغيرة فقالوا: مسح على الخفين.
قلت: قال في " الإمام " أبو قيس: اسمه عبد الرحمن بن مروان، احتج به البخاري في " صحيحه " ووثقه ابن معين، وقال الجعفي: ثقة ثبت، وهذيل وثقه العجلي، وأخرج لهما البخاري في " صحيحه "، ثم إنهما لم يخالفا الناس مخالفة معارضة، بل رويا أمراً زائداً على ما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
رواه بطريق مستقل غير معارض، فيحمل على أنهما حديثان، ولهذا لما أخرجه أبو داود وسكت عنه وصححه ابن حبان والترمذي، فإذا كان كذلك كيف يقبل قول النووي في حق الترمذي: ولا يقبل قول الترمذي في أنه حسن صحيح، فإذا طعن في الترمذي في تصحيحه هذا الحديث فكيف يؤخذ بتصحيحه في غيره.
وأما البيهقي فإنه نقل ما قاله واعتمد عليه من غير رواية؛ لأنه ادعى في هذا الحديث المخالفة للأئمة الحملة، وقد قلنا: إنه ليس فيه مخالفة، بل أمر زائد مستقل، فلا يكابر في هذه الأسانيد متعصب.
وأما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فأخرجه ابن ماجه في " سننه " والطبراني في " معجمه " عن عيسى ابن سنان، عن الضحاك بن عبد الرحمن، عن أبي موسى «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين» .
فإن قلت: هذا الحديث لم يذكره ابن عساكر في " الأطراف " فلذلك قال الزيلعي: لم أجده في نسختي. قلت: عزاه ابن الجوزي في " التحقيق " لابن ماجه، وكذا ذكر في " الإمام " أنه لابن ماجه، ويمكن أن يكون ساقطاً من بعض النسخ.
فإن قلت: قال أبو داود: هذا الحديث ليس بمتصل ولا بالقوي، وقال البيهقي: والضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى بن سنان لا يحتج به. قلت: قال عبد الغني في " الكمال ": الضحاك بن عبد الرحمن سمع أباه، وأبا موسى الأشعري، وأبا هريرة، وعيسى بن سنان، قال يحيى بن معين: إنه ثقة.
وأما حديث بلال رضي الله عنه فأخرجه الطبراني في " معجمه " من طريق ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال رضي الله عنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والجوربين» واحتج الأترازي لهما بحديث أبي موسى ولم ينسبه إلى أحد، وكذا الأكمل ثم قال: على أن أبا داود طعن فيه، وقال: ليس بالمتصل ولا بالقوي، ولم أر أحداً منهم يشد مذهبه بكلام يرد خصمه رداً قطعياً، ولا تكلم في حال حديث حين يذكره للاحتجاج، غاية قولهم: ويروى افترى ونحو ذلك، وليس فيه نفع ولا نفيع.