المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء] - البناية شرح الهداية - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌كتاب الطهارات

- ‌[تعريف الوضوء]

- ‌[حكم الطهارة]

- ‌[فرائض الطهارة]

- ‌[صفة غسل الأعضاء في الوضوء]

- ‌[حد المرفق والكعب في الوضوء]

- ‌[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء]

- ‌سنن الطهارة

- ‌[غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء]

- ‌تسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء

- ‌[السواك من سنن الوضوء]

- ‌[فضل السواك وأوقات استحبابه]

- ‌[كيفية الاستياك]

- ‌[فيما يستاك به وما لا يستاك به]

- ‌[حكم من لم يجد السواك]

- ‌[المضمضة والاستنشاق في الوضوء]

- ‌[مسح الأذنين في الوضوء]

- ‌[تخليل اللحية في الوضوء]

- ‌[تخليل الأصابع في الوضوء]

- ‌[تكرار الغسل ثلاث مرات في الوضوء]

- ‌[النية في الوضوء]

- ‌[استيعاب الرأس في الوضوء]

- ‌[ترتيب أعضاء الوضوء]

- ‌[البداءة بالميامن في الوضوء]

- ‌[فصل في نواقض الوضوء] [

- ‌ما خرج من السبيلين من نواقض الوضوء]

- ‌[خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء]

- ‌[القيء والدم من نواقض الوضوء]

- ‌[النوم من نواقض الوضوء]

- ‌[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء]

- ‌فصل في الغسل

- ‌[فرائض الغسل]

- ‌[سنن الغسل]

- ‌[البدء بغسل اليدين في الغسل]

- ‌[الوضوء من سنن الغسل]

- ‌المعاني الموجبة للغسل:

- ‌[إنزال المني من موجبات الغسل]

- ‌[التقاء الختانين من موجبات الغسل]

- ‌ الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام

- ‌[الأغسال المسنونة]

- ‌[باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز]

- ‌[ماء البحر]

- ‌[الوضوء بما اعتصر من الشجر والثمر]

- ‌[الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم]

- ‌[الطهارة بماء غلب عليه غيره]

- ‌[الطهارة بالماء الذي خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه]

- ‌[الوضوء بالماء الذي وقعت فيه نجاسة]

- ‌[حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء]

- ‌[حكم موت ما يعيش في الماء فيه]

- ‌[حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث]

- ‌[المقصود بالماء المستعمل وأقسامه]

- ‌الجنب إذا انغمس في البئر

- ‌[طهارة الجلود بالدباغ]

- ‌[طهارة جلد الكلب والخنزير]

- ‌[هل الكلب نجس العين]

- ‌ الانتفاع بأجزاء الآدمي

- ‌ ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة

- ‌شعر الميتة وعظمها طاهر

- ‌[الأعيان الطاهرة]

- ‌شعر الإنسان وعظمه

- ‌فصل في البئر

- ‌[حكم وقوع النجاسة في البئر]

- ‌فصل في الأسآر وغيرها

- ‌[سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه]

- ‌سؤر الكلب

- ‌[سؤر الحائض]

- ‌[سؤر الخنزير وسباع البهائم]

- ‌سؤر الهرة

- ‌[سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن البيوت]

- ‌[سؤر الحمار والبغل والفرس]

- ‌[حكم الطهارة بنبيذ التمر]

- ‌باب التيمم

- ‌[تعريف التيمم]

- ‌[شرائط التيمم]

- ‌[عدم وجود الماء]

- ‌[العجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه]

- ‌[خوف الضرر من استعمال الماء]

- ‌[أركان التيمم]

- ‌[كيفية التيمم]

- ‌[تيمم الجنب]

- ‌[تيمم الحائض والنفساء]

- ‌[ما يتيمم به]

- ‌[التيمم بالغبار مع وجود الصعيد]

- ‌والنية فرض في التيمم

- ‌[نية التيمم للحدث أو الجنابة]

- ‌[مبطلات التيمم]

- ‌[ما يباح بالتيمم]

- ‌[التيمم لصلاة الجنازة والعيدين ونحوها]

- ‌[التيمم لصلاة الجمعة]

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌[حكم المسح على الخفين]

- ‌[شروط المسح على الخفين]

- ‌[مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر]

- ‌[كيفية المسح على الخفين]

- ‌[المسح على خف فيه خرق كبير]

- ‌[المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل]

- ‌[نواقض المسح على الخفين]

- ‌[المسح على الجرموقين]

- ‌ المسح على الجوربين

- ‌[المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما]

- ‌ المسح على الجبائر

- ‌[حكم المسح على الجبائر]

- ‌باب الحيض والاستحاضة

- ‌[تعريف الحيض وأركانه]

- ‌أقل الحيض

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[أكثر الحيض]

- ‌[ما يسقطه الحيض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض]

- ‌[ما تقضيه الحائض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض والجنب]

- ‌[دخول الحائض والجنب المسجد]

- ‌[طواف الحائض والجنب]

- ‌[قراءة القرآن للحائض والجنب]

- ‌[مس المصحف للمحدث والحائض والجنب]

- ‌[فروع فيما يكره للحائض والجنب]

- ‌[دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين]

- ‌[انقطاع دم الحيض لأقل من عشرة أيام]

- ‌[حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]

- ‌أقل الطهر

- ‌[حكم دم الاستحاضة]

- ‌[فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم]

- ‌فصل في النفاس

- ‌[تعريف النفاس]

- ‌السقط الذي استبان بعض خلقه

- ‌[أقل النفاس وأكثره]

- ‌باب الأنجاس وتطهيرها

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[ما يجوز التطهير به وما لا يجوز]

- ‌[الماء القليل إذا ورد على النجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الخف الذي لحقته نجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الثوب الذي لحقته نجاسة]

- ‌[حكم المني وكيفية تطهيره]

- ‌النجاسة إذا أصابت المرآة والسيف

- ‌[الحكم لو أصاب المني البدن]

- ‌[كيفية تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة]

- ‌[ما يعفى عنه من النجاسات]

- ‌[حكم الروث أو أخثاء البقر]

- ‌ بول الحمار

- ‌[حكم بول الفرس]

- ‌[حكم خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور]

- ‌ لعاب البغل والحمار

- ‌[قدر الدرهم من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار]

- ‌[أنواع النجاسة]

- ‌فصل في الاستنجاء

- ‌[حكم الاستنجاء]

- ‌[ما يجوز به الاستنجاء به وما لا يجوز]

- ‌[ما يكون به الاستنجاء]

- ‌[الاستنجاء بالعظم والروث]

الفصل: ‌[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء]

والغلبة على العقل بالإغماء والجنون لأنه فوق النوم مضطجعا في الاسترخاء، والإغماء حدث في الأحوال كلها، وهو القياس في النوم إلا أنا عرفناه بالأثر، والإغماء فوقه فلا يقاس عليه.

ــ

[البناية]

[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء]

م: (والغلبة على العقل بالإغماء) ش: الغلبة مرفوع عطفا على قوله: والنوم مضطجعا أي ومن نواقض الوضوء الغلبة على العقل بالإغماء. وقال في المغرب: هو ضعيف القوى لطلب الإغماء امتلاء بطون الدماغ من بلغم بارد غليظ. وعند الكمت: هو سهو يعتري الإنسان مع فتور الأعضاء.

والإغماء من أغمي على المريض فهو مغمى عليه، وغمي عليه فهو مغمى عليه على معقوله، وأصله من غماء مثل قضاء مقصور، يقال: تركت فلانا غمي أو مغمى عليه، وكذلك الإنسان والجمع والموت وإن شئت قلت: همام غمان وهم إغماء م: (والجنون) ش: بالرفع عطف على قوله: والغلبة والجر خطأ لأن العقل في الإغماء مغلوب، وفي الجنون مسلوب. ولهذا جاز الإغماء على الأنبياء دون الجنون، والجنون زوال العقل وفساده.

ومن النواقض العشر: السكر إذا لم يعرف الرجل من المرأة وهو اختيار الصدر الشهيد، وذكر في " الملتقطات " للخوارزمي وفي " الذخيرة " الصحيح ما نقله عن شمس الأئمة الحلوائي أنه إذا دخل في مشيه اختلال ولهذا يحنث به إذا حلف لا يسكر.

وعن أحمد في رواية يجب الغسل بالإغماء والجنون، فظاهر مذهب الشافعي كمذهبنا، وقال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وجماعة من الشافعية: إن كان الغالب من حال من يجد الإنزال وجب الغسل إذا أفاق وإن لم يتحقق الإنزال، كما يوجب النوم مضطجعا الوضوء.

وقال الماوردي في الحاوي عن أصحابنا: إن كان الإغماء لا ينفك عن الإنزال وجب الغسل وإن كان قد ينفك فلا. وقال النووي: الصحيح أنه يستحب الغسل مطلقا. م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الإغماء والجنون م: (فوق النوم مضطجعا) ش: أي حال كون النائم مضطجعا والألف واللام في النوم بدل من المضاف إليه بالتنبيه دونما م: (والإغماء حدث في الأحوال كلها) ش: يعني حال القيام والقعود والركوع والسجود لوجود الاسترخاء م: (وهو القياس في النوم) ش: يعني أن القياس على الإغماء يقتضي أن يكون النوم حدثا في الأحوال كلها، لأن خروج النجاسة أمر مظنون فدار الحكم على السبب الظاهر بالأثر م:(إلا أنا عرفناه) ش: أي النوم.

م: (بالأثر) ش: وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «لا وضوء على من نام قائما» الحديث.

م: (والإغماء فوقه) ش: أي والحال الإغماء فوق النوم م: (فلا يقاس عليه) ش: أي على النوم

ص: 286

والقهقهة في صلاة ذات ركوع وسجود تنقض الوضوء، والقياس أنها لا تنقض وهو قول الشافعي رحمه الله، لأنه ليس بخارج نجس، ولهذا لم يكن حدثا في صلاة الجنازة، وسجدة التلاوة، وخارج الصلاة،

ــ

[البناية]

في حكم يثبت بخلاف القياس ولا يلحق به دلالة إذ لا يلزم من أن لا يكون أدنى الغفلة ناقضا أن يكون أعلاه ناقضا، فإن قلت: لم لا يعلل المصنف للجنون، قلت: لأن كون الجنون ناقضا ليس لعلة الاسترخاء لأن المجنون أقوى من الصحيح. لكن باعتبار عدم مبالاته وتمييزه فيصير في الأحوال كلها حدثا، ومنهم من علله بعلة الاسترخاء وليس بوجه.

م: (والقهقهة) ش: بالرفع وليس بالعطف على ما قبله، بل هو مبتدأ وخبره قوله ينقض، أي من النواقض قهقهة المصلي م:(في كل صلاة ذات ركوع وسجود) ش: احترز به عن صلاة الجنازة فإنها لا ينتقض الوضوء وتبطلها م: (تنقض الوضوء) ش: جملة في محل الرفع لأنها خبر المبتدأ كما ذكرنا م: (والقياس أن لا تنقض) ش: لأنها ليست بخارج نجس بل هي صوت كالبكاء والكلام.

م: (وهو) ش: أي القياس فيها م: (قول الشافعي) ش: وبه قال مالك، وأحمد، وأبو ثور، وداود، وقول ابن مسعود، وجابر، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن خارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن بشار، ومكحول م:(لأنها) ش: أي لأن القهقهة م: (ليس بخارج نجس ولهذا) ش: أي ولكونها ليست بخارج نجس م: (لم تكن حدثا في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة وخارج الصلاة) ش: ولا هي حدث في حق الصبي، فلذلك قيد النفي في " الكافي " بقوله: وقهقهة المصلي البالغ، وقيد بعضهم بكونه يقظانا احتراز عن ققهقهة النائم في الصلاة. وذكر في " الذخيرة " أن قهقهة النائم لا تنقض لعدم الجناية منه. ويتعدى صلاته.

وفي " فتاوى المرغيناني " لو نام في الصلاة قائما أو راكعا أو ساجدا، ثم قهقه لا رواية لها في الأصول. وقال علام تفسد صلاته ووضوءه. وفي " المحيط ": لو قهقه بعد ما قعد قدر التشهد الأخير أو في سجود التشهد أو بعدما توضأ لحدث سبقه في الصلاة قبل أن يبني ينقض خلافا لزفر رحمه الله، وفي " فتاوى المرغيناني " الثاني في الحدث إذا جاء متوضئا وقهقه في الطريق بعد الصلاة ولا ينقض وضوؤه، اختلفوا في الصلاة المظنونة والأصح أنها تنقض قهقهة الإمام والقوم ثم بعد التشهد تنقض وضوءهم وإن تأخرت قهقهة القوم عنه فلا وضوء عليهم، ولو قهقه في الصلاة على الدابة خارج المصر نقضت اتفاقا، وفي المصر لا خلافا لأبي يوسف، وعلى هذا الخلاف، لو أتمها خارج المصر ثم دخلها راكبا ثم قهقه، ولو كان منهزما من عدو نقضت اتفاقا.

ص: 287

ولنا قوله عليه السلام: «إلا من ضحك منكم قهقهة، فليعد الوضوء والصلاة جميعا»

ــ

[البناية]

م: (ولنا قوله عليه السلام «إلا من ضحك منكم قهقهة، فليعد الوضوء والصلاة جميعا» ش: روي هذا الحديث عن ستة أنفس من الصحابة مرفوعا وهم أبو موسى الأشعري، وأبو المليح واسمه أسامة بن عمرو بن عامر بن قيس الهذلي الكوفي، وقال الزهري [......] روى عنه أبو المليح، ومعبد الجهني، ورجل من الأنصار.

أما حديث أبي موسى فرواه الطبراني في "معجمه " حدثنا أحمد بن زهير السدي حدثنا محمد بن عبد الملك الدمشقي حدثنا محمد بن أبي نعيم الواسطي حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أبي العالية عن أبي موسى رضي الله عنه قال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إذ دخل رجل فتردى في حفرة كانت في المسجد، وكان في بصره ضرر فضحك كثير من القوم وهم في الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة» وذكره البيهقي في " الخلافيات " نحوه ثم أعله بأن جماعة من الثقات رووه عن هشام عن حفصة عن أبي العالية عن النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: لم يقدر البيهقي على رده إلا بكونه مرسلا، ولهذا يترك هذا، والمرسل حجة عندنا، ومرسل أبي العالية صحيح.

فإن قيل: إن أبا عمرو محمد بن سيرين مولى أنس بن مالك وكان عالما بأبي العالية والحسن البصري قال: لا تأخذوا بمراسيلهما لا يسألان عمن أخذ عنه.

الجواب: هذا لا يستقيم من وجوه ثلاثة: الأول: أن المرسل لا تقوم به حجة عندهم فلا فائدة في هذه الوصية، ولا فرق بين مرسلهما ومرسل غيرهما.

الثاني: لا تصح هذه الحكاية عن ابن سيرين، وذلك أن ابن دحية الكلبي حكي عنه أنه رأى في المنام كان الجواز أن قدمت على الزنا فأخذ في وصيته، وقال: يموت الحسن بن أبي الحسن وأموت بعده، وهو أشرف مني فمات في شوال سنة عشرة ومائة بعد الحسن بمائة يوم. ذكرها في العلم المشهور مع ثنائه على الحسن وترفعه على نفسه وزكيه.

الثالث: إن صح ذلك عنه لا يسمع منه مثل هذا الكلام في حق الحسن البصري، وأبي العالية من جلالتهما ومكانتهما من العلم والدين الذي لا يتفق لغيرهما مثله. ومخيرات يروي عمن يعرفه أنه غير مأمور به على دين الله ولا ثقة لا تعتمد روايته مرسلا ولا مسندا.

وقول ابن عدي إنما قيل في أبي العالية ما قيل لهذا الحديث وإلا فسائر أحاديثه صالحه، يرد قول ابن سيرين فيه، وإذا صلحت سائر أحاديثه فلا مانع من صلاح حديثه هذا، وهذا الحديث

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

قد رواه غيره كما ذكرناه ومن أسند الحديث إلى إنسان فقد شهد عليه أنه رواه، فإذا أرسله فقد شهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يجوز الشهادة على غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف يجوز الشهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالباطل، مع علمه لقوله عليه السلام:«من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده في النار» وإذا سمع ممن لا يكون قوله معتبرا في دين الله وملته. ذلك كان عاما للمسلمين عمدا في زمنهم وذلك قادح في دينه فضلا عن عدالته، والحسن وأبو العالية من أعلام الدين ولهما المكانة العالية في الدين، والفضل والعلم والتقدم، فلا يلتفت إلى قول ساحر أو صاحب هوى. والعجب من أحمد بن حنبل أن مذهبه تقديم المراسيل والضعيف من الحديث على هذا القياس، هكذا حكاه عنه ابن الجوزي في " التحقيق "، وقد أخذ بالقياس هنا وترك أحد عشر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة واحدة كلها حجة عنده، ولا يجوز المصير إلى القياس عنده مع وجود حديث واحد معها. وأما مالك فالمراسيل حجة عنده.

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني في "سننه " عن عبد العزيز بن الحصين عن عبد الكريم أبي أمية عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قهقه أعاد الوضوء والصلاة» .

فإن قلت: قال الدارقطني: عبد العزيز ضعيف وعبد الكريم متروك وفيه انقطاع بين الحسن وأبي هريرة، وأنه لم يسمع منه قلت: لما عد في " التهذيب " وغيره من روي عنه ممن قال وعن أبي هريرة، ثم قال: وقيل لم يسمع منه، ولا يضرنا هذا الخلاف، لأن المثبت يقدم على النافي، ولئن سلمنا فالمرسل حجة عندنا.

وأما حديث عبد الله بن عمر فرواه ابن عدي في " الكامل " من حديث بقية حدثنا أبي حدثنا عمرو بن قيس الكوفي عن عطاء عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ضحك في الصلاة قهقهة فليعد الوضوء والصلاة» .

فإن قلت: قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " هذا حديث لا يصح، فإن بقية من عادته التدليس كأنه سمعه من بعض الفقهاء، فحذف اسمه.

ص: 289

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

قلت: هذا باطل لأنه قد صرح في هذه الرواية بقوله: حدثنا عمرو بن قيس المدلس متى صرح بالتحديث، وكان صدوقا زالت عنه تهمة التدليس وبقية من هذا القيد. وقد أخرج له مسلم وشرط المدلس إذا كان صدوقا أن يأتي بعبارة لا يصرح بالشرع وإلا كان كاذبا. وقال ابن عدي: وبعضهم يقول فيه عمرو بن قيس وإنما هو عمر.

وأما حديث أنس رضي الله عنه فأخرجه الدارقطني عن داود المحبر عن أيوب بن حوط عن قتادة عن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فجاء رجل ضرير البصر مثل الأول» .

فإن قلت: قال الدارقطني داود بن محبر متروك، وأيوب ضعيف، والصواب من ذلك قول من رواه عن قتادة عن أبي العالية مرسلا، ثم أخرج عن عبد الرحمن بن عمرو بن جيلة حدثنا سالم بن أبي مطيع عن قتادة عن ابن أبي العالية أن أعمى تردى فذكره.

قلت: له طريق أخرى رواه أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في " تاريخ جرجان " عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قهقه في الصلاة قهقهة شديدة فعليه الوضوء والصلاة» .

وأما حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه فأخرجه الدارقطني أيضا عن محمد بن يزيد بن سنان حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ضحك منكم في صلاته فليتوضأ ثم يعيد الصلاة» .

فإن قلت: قال الدارقطني: يزيد بن سنان ضعيف، ويكنى بأبي قرة الرهاوي، وابنه ضعيف أيضا، وقد وهم في هذا الحديث في موضعين: أحدهما: في رفعه إياه، والآخر في لفظه والصحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر من قوله:«من ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء» .

كذلك رواه عن الأعمش جماعة من الثقات منهم سفيان الثوري، وأبو معاوية الضرير،

ص: 290

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

ووكيع، وعبد الله بن داود الخريبي وعمرو بن علي المقدمي وغيرهم، وكذلك رواه شعبة وابن جريج عن يزيد بن خالد عن أبي سفيان عن جابر ثم أخرج عن جابر أنه قال:«من ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء» ، وزاد في لفظه:" إنما كان منهم ذلك حتى عجلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

قلت: الحديث المرفوع يدل على ما ذهبنا إليه، إذا كان المراد من الضحك القهقهة، وكذلك إذا كان الضحك على أصل معناه، فإن الحكم عندنا أنه ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء، وهذا الحديث حجة لنا سواء كان مرفوعا أو موقوفا، ولا يمكن لجابر رضي الله عنه أن يقول برأيه في مثل هذا الموضع. وأمره محمول على السماع على أنا نقول: وإن كان هذا الحديث ضعيفا فقد اعتضد بغيره من الأحاديث المروية في هذا الباب. وأما حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه فأخرجه الدارقطني أيضا عن إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس الملائي عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن عمران بن الحصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ضحك في الصلاة فليعد الصلاة والوضوء» .

فإن قلت: قال الدارقطني عمرو بن قيس المكي المعروف بسندل ضعيف، ذاهب الحديث، وعمرو بن عبيد قيل فيه إنه كذاب.

قلت: كان عمرو بن عبيد جالس الحسن وحفظ عنه، واشتهر بصحبته وكان له شهرة وإظهار زهد، فالكذب عنه بعيد. والبيهقي أخرجه عن عبد الرحمن بن سلامة عن عمرو بن قيس عن الحسن عن عمران بن الحصين مرفوعا، وأخرجه ابن عدي من طريق آخر عن بقية عن محمد الخزاعي عن الحسن عن عمران بن حصين، «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل ضحك في الصلاة: "أعد وضوءك» . وقال: محمد الخزاعي مجهول من مشايخ بقية، ويروي محمد بن شداد عن الحسن وابن راشد مجهول، هذا مردود لأن محمد الخزاعي هو ابن راشد، وابن راشد هذا وثقه أحمد ويحيى بن معين، وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحدا أورع في هذا الحديث منه.

وأما حديث أبي المليح عن أبيه فأخرجه الدارقطني أيضا من حديث محمد بن إسحاق حدثنا الحسن بن زياد عن الحسن البصري عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه قال: «بينا نحن نصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اقبل رجل ضرير البصر باللفظ الأول» . وقال ابن إسحاق: حدثني الحسن بن عمارة عن خالد الحذاء عن أبي المليح عن أبيه مثل ذلك.

ص: 291

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

فإن قلت: قال الدارقطني: الحسن بن دينار والحسن بن عمارة ضعيفان.

قلت: قيل لابن عيينة كان الحسن بن عمارة يحفظ، قال: كان له فقيل وغيره أحفظ منه، وقال عيسى بن يونس الرملي الناخوري: سمعت ابن سويد يقول: كنت عند سفيان الثوري فذكر الحسن بن عمارة فغمزه، فقلت: يا أبا عبد الله هو عندي خير منك، قال: وكيف ذاك، قلت: جلست معه غير مرة فيجري ذكرك فيما يذكرك إلا بخير، قال أبو أيوب: قال سفيان ما ذكر الحسن بن عمارة بعد ذاك إلا بخير حتى فارقته.

وأما حديث معبد الجهني فرواه أبو حنيفة رحمه الله عن منصور بن زاذان عن الحسن البصري عن معبد بن أبي معبد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قهقه في صلاته أعاد الوضوء والصلاة» .

فإن قلت: قال البيهقي: معبد لا صحبة له، وهو أول من تكلم بالبصرة في القدر.

قلت: في " معرفة الصحابة " لابن منده معبد بن أبي معبد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، ثم ذكر ابن منده مرور النبي صلى الله عليه وسلم بخيمتي وأنه بعث معبدا وكان صغيرا. الحديث، ثم قال: روى أبو حنيفة عن منصور بن زاذان إلى آخر ما ذكرنا، ثم قال: وهو حديث مشهور عنده، رواه أبو يوسف القاضي رحمه الله وأسيد بن عمرو وغيرهما، فظهر من هذا أن معبدا المذكور في هذا الحديث ليس هو الذي تكلم فيه في القدر كما زعم البيهقي، ولم يذكر ذلك بسند ينظر فيه، ثم لو سلمنا أنه الجهني المتكلم في القدر فلا نسلم أنه لا صحبة له، قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب " الاستيعاب ": ذكره الواقدي في الصحابة وقال: أسلم قديما وهو أحد الأربعة الذين حملوا ألوية الجهنية يوم الفتح.

قال: وقال أبو أحمد في " الكنى " وابن أبي حاتم: كلاهما له صحبة. وقال الذهبي في " تجريد الصحابة ": معبد بن خالد الجهني أبو رفاعة شهد الفتح له رواية. وقال ابن حزم: إنه روى مرسلا عن الحسن بن معبد بن صبيح أيضا. وقال ابن عدي: قال لنا ابن حماد وهو معبد وهو الذي ذكره البخاري في كتاب " تسمية الصحابة ". وقال الذهبي: معبد بن صبيح بصري روى عنه إسحاق حديثه في الوضوء من القهقهة ولا يثبت.

وأما حديث رجل من الأنصار فرواه الطبراني بإسناده عن وهيب عن حامد بن عبد الله الواسطي عن هشام بن حسان عن حفصة عن أبي العالية عن رجل من الأنصار عن النبي عليه

ص: 292

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

السلام. الحديث. قال الدارقطني: ولا يسميا الرجل ولا ذكرا له صحبة ولم يصنع خالد شيئا، وقد خالفه خمسة حفاظ.

قلت: زيادة خالد هذا الرجل الأنصاري زيادة عدل لا يعارضها نقصان من نقصها، وله خمسة مراسيل أيضا:

الأول: مرسل أبي العالية وهو أشهر ما روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أبي العالية، وهو عدل ثقة أن «أعمى تردى في بئر والنبي عليه السلام يصلي بأصحابه فضحك بعض من كان يصلي معه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان ضحك منهم أن يعيد الوضوء، ويعيد الصلاة» .

وأخرجه الدارقطني من جهة عبد الرزاق وعبد الرزاق من شيوخه من رجال الصحيحين.

الثاني: مرسل النخعي ورواه أبو معاوية عن الأعمش عن النخعي قال: جاء رجل ضرير البصر والنبي عليه السلام يصلي. الحديث. وقال ابن رشد المالكي: وهذا مرسل صحيح.

الثالث: مرسل الحسن البصري رواه الدارقطني بإسناده عن ابن شهاب عن الحسن الحديث، وهو أيضا مرسل صحيح.

الرابع: مرسل الزهري، والخامس: مرسل قتادة، وقال ابن عدي في " الكامل ": روى هذا الحديث الحسن البصري، وقتادة، وإبراهيم النخعي، والزهري مرسلا.

فإن قلت: روى البيهقي في "سننه " قال الإمام أحمد: لو كان عند الزهري أو الحسن فيه حديث صحيح لما اختار القول خلافه. وقد صح عن قتادة عن الحسن أنه كان لا يرى من الضحك في الصلاة وضوءا، وعن شعيب بن أبي حمزة أو غيره من الزهري أنه قال في الضحك في الصلاة يعاد الصلاة ولا يعاد الوضوء.

قلت: مخالفة الراوي للحديث ليس فيه جرح. وقد روى الدارقطني بسند صحيح عن أبي هريرة أنه قال: «إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه ثم اغسله ثلاثا» ولم يجعلوا ذلك حرجا في روايته مرفوعا الغسل سبعا.

ص: 293

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

فإن قلت: روى أحمد والترمذي وابن ماجه والبيهقي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح» .

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، فهذا يدل على أنه لا وضوء في القهقهة.

قلت: ظاهر هذا متروك بالإجماع لأن في البول والغائط يجب الوضوء وإن لم يوجد الصوت والريح، وكذا في الدم والقيح إن أخرجا من المخرج المعتاد، وخصوصا على مذهب الشافعي، فإن عنده يجب الوضوء في مس الذكر، ومس النساء، ولا صوت، ولا ريح، فلما لم يدل هذا الحديث على نفي الوضوء فيما ذكرنا من الصوت دل على أنه لا يدل على نفي الوضوء في القهقهة أيضا، على أنا نقول: إن هذا الحديث ورد في حق من شك في خروج الريح، والحكم فيه كذلك، أما في من تحقق الريح والصوت فلا.

فإن قلت: قال الشافعي: لو كانت القهقهة حدثا في الصلاة لكان حدثا خارجها، لأن نواقض الطهارة سوى فيها الصلاة وخارجها، كما في سائر الأحداث.

قلت: الفرق بينهما ظاهر، وهو أن المصلي في مناجاة الرب سبحانه، والمقصود بالصلاة إظهار الخشوع والخضوع والتعظيم لله تعالى، فالضحك قهقهة فيها جناية عظيمة فناسب ذلك انتقاض وضوئه زجرا له كتنجيس الخمر من الشرع إهانة لها، وزجرا للشاربين ليجتنبوها.

وهذه المعاني لا توجد خارج الصلاة ولأن من بلغ هذه الغاية من الضحك وربما غاب حسه، فأشبه نوم المضطجع فجعل حدثا في الصلاة لزيادة الجنابة على العبادة. ولأن النص إذ ورد على خلاف القياس لا لقياس على غيره بل يقتصر على مورده فلأجل هذا لم يجعل حدثا خارج الصلاة، ولا في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة.

فإن قلت: لم يكن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بئر ولا ركية ولا حفرة، فكيف وقع فيه الضرير.

قلت: المراد بالبئر حفرة عند المسجد يجتمع فيه المطر، وليس في أكثر الحديث أنه كان يصلي في المسجد، فيجوز أن يقال: كان يصلي في غير المسجد، وفي الموضع الذي كان فيه ركية. والذي فيه ذكر المسجد رواية أبي موسى وهو عدل ثقة ثبت فهو أولى.

ص: 294

وبمثله يترك القياس، والأثر ورد في صلاة مطلقة فيقتصر عليها.

ــ

[البناية]

فإن قلت: هذا لا يصح باعتبار أنه لا يتوهم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحك في الصلاة قهقهة خصوصا خلف النبي عليه السلام. قلت: كان يصلي خلفه الصحابة ومن غيرهم من المنافقين والأعراب الجهال، وهذا من باب حسن الظن بهم، وإلا فليس الضحك كبيرة، وهم ليسوا من الصغار بمعصومين، ولا من الكبائر على تقدير كونه كبيرة.

فإن قلت: ذكر البيهقي عن الشافعي أنه لو ثبت حديث الضحك في الصلاة لقال به. وقال ابن الجوزي: قال أحمد: ليس في الضحك حديث صحيح. وقال الذهبي: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضحك في الصلاة خبر. وقال أحمد: وحديث الأعمى الذي وقع في البئر مدرج، ومدار حديثه [على] أبي العالية، وقد اضطرب عليه فيه.

قلت: مذهب الشافعي أن المرسل إذا أرسل من وجه، وأسند من وجه آخر يقول به، وهذا الحديث أرسل من وجوه وأسند من طريق فيلزمه أن يقول به. وقال ابن حزم: كان يلزم المالكيين والشافعيين بشدة تواتره يخرج عن عدد مراسيله، قلت: ويلزم الحنابلة أيضا لأنهم يحتجون بالمراسيل، وعلى تقدير أنهم لا يحتجون به ما قيل إن أقل أحواله أن يكون ضعيفا والحديث الضعيف عندهم مقدم على القياس الذي اعتمدوا عليه في هذه المسألة، والعجب منهم أن يقولوا لعلمائنا أصحاب الرأي والقياس وينسبونهم إلى ترك كثير من الأحاديث بالقياس، وهم تركوا حديثا رواه جماعة من الصحابة ما بينا هذا عشرة فأرسله جماعة من التابعين الكبار وعملوا بالقياس. وأما قول أحمد والذهبي فنفي وما رواه أصحابنا إثبات وهو مقدم على النفي، على أنا نقول عدم علم الشخص بشيء لا يكون حجة على من علمه قبله.

م: (وبمثله) ش: أي وبمثل هذا الحديث الذي علمه الصحابة والتابعون. ولأن رواية من كان معروفا بالفقه والتقدم في الاجتهاد كأبي موسى وأصحابه م: (يترك القياس) ش: أي القياس الذي ذهب إليه الشافعي وغيره م: (والأثر) ش: أي الحديث المذكور م: (ورد في صلاة مطلقة) ش: أي كاملة م: (فيقتصر عليها) ش: أي على الصلاة المذكورة فلا يتعدى إلى صلاة الجنازة وسجدة التلاوة، وصلاة الصبي، وصلاة الباني بعد الوضوء على أحد الروايتين، وصلاة النائم؛ فإن الوضوء لا يفسد في جميع ذلك، وقوله: والأثر إلى آخره في الحقيقة جواب عن قياس الشافعي على صلاة الجنازة وسجدة التلاوة كما حققنا.

ص: 295

والقهقهة ما يكون مسموعا له ولجيرانه والضحك ما يكون مسموعا له دون جيرانه وهو على ما قيل يفسد الصلاة دون الوضوء

ــ

[البناية]

م: (والقهقهة ما كان مسموعا له ولجيرانه) ش: وأشار بهذا إلى تعريف القهقهة التي تفسد الصلاة والوضوء جميعا م: (والضحك ما يكون مسموعا له) ش: أي للضاحك دل عليه قوله: لأنه لا يقوم إلا بالضحك م: (دون جيرانه) ش: أراد أن لا يسمعه من كان حوله م: (وهو) ش: أي الضحك م: (على ما قيل) ش: في حديث جابر رضي الله عنه أن الضحك م: (يفسد الصلاة دون الوضوء) ش: يعني لا ينتقض ثم إنه فرق بين القهقهة والذكر، ولم يذكر التبسم لأنه ليس بمفسد للصلاة ولا للوضوء فليس له ههنا مدخل.

وروى الطبراني وأبو يعلى الموصلي والدارقطني من حديث جابر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه العصر فتبسم في الصلاة، فلما انصرف، قيل: يا رسول الله تبسمت وأنت تصلي قال: "إنه مر بي ميكائيل وعلى جناحه غبار فضحك لي فتبسمت» . وهو راجع من طلب القوم.

وفي " معجم الطبراني " ذكر جبريل عليه السلام مكان ميكائيل عليه السلام، ثم يسوي في القهقهة العمد والنسيان والسهو سواء بانت أسنانه أو لا. ويبطل التيمم أيضا دون الاغتسال وقيل يبطل الوضوء في الغسل أيضا حتى لا يجوز الصلاة بغير وضوئه، وبقولنا قال أبو موسى الأشعري والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري ومحمد بن سيرين والأوزاعي وعبيد الله.

فروع: لواحق من النواقض التي عند غير أصحابنا لم يذكرها صاحب " الهداية " منها: مس الذكر معابة لا ينقض الوضوء عندنا، وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعمار بن ياسر، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن الحصين، وأبي الدرداء، وسعد بن أبي وقاص عند أهل الكوفة وأبي هريرة في رواية عنه، هكذا حكاه أبو عمر بن عبد البر، ومن التابعين الحسن البصري، وسعيد بن المسيب وهو مذهب سفيان الثوري. وقال الطحاوي: لم يعلم أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتى بالوضوء منه غير ابن عمر، وقد خالفه في ذلك أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعي وأحمد وداود: يجب الوضوء منه.

واختلف أصحاب مالك في ذلك: منهم من شرط اللذة وباطن الكف، ومنهم من أوجب

ص: 296

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

ذلك في العمد دون النسيان، مروي عن مالك وداود، وقيل: الوضوء منه سنة غير واجب وهو الذي استقر عليه قول مالك عند أهل العرب، والرواية عنه مضطربة فيه لهم من ذلك حديث بسرة بنت صفوان بن نوفل خالة مروان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من مس ذكره فليتوضأ» . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد والترمذي وصححه، ولم يخرجه الشيخان، ورواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود من حديثها، ونقل عن البخاري أنه أصح شيء في هذا الباب، وصححه أيضا يحيى بن معين فيما حكاه ابن عبد البر.

قال البيهقي: هذا الحديث لم يخرجه الشيخان لاختلاف وقع في سماع عروة عنها، أو من مروان فقد احتجا بجميع رواته واحتج البخاري بمروان بن الحكم في عدة أحاديث، فهو على شرط البخاري بكل حال.

والجواب عن ذلك أن طريق حديث أبي داود والنسائي عن مالك عن عبيد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عروة بن الزبير قال: دخلت على مروان فذكرت ما يكون عند الوضوء فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مس ذكره فليتوضأ» . وطريق الترمذي وابن ماجه عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة وأن في الإسناد الأول أبي بكر بن عبيد الله، قال سفيان بن عيينة فيه: إنه من الجماعة الذين لم يكونوا يعرفون الحديث. وقد رأيناه يحدث عنهم سخرنا منه. رواه الطبراني بإسناده عن ابن عيينة، ثم أخرجه الأوزاعي حدثني الزهري حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: فثبت انقطاع هذا الخبر وضعفه.

وفي السند الثاني: فإن النسائي قال: لم يسمع هشام من أبيه هذا الحديث، وقال الطحاوي: إنما أخذه هشام من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم حدثني عروة فرجع الحديث إلى أبي بكر.

فإن قلت: يشكل عليه رواية الترمذي عن يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن بسرة، وكذلك رواية أحمد في "مسنده " حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام قال:

ص: 297

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

حدثني أبي أن بسرة بنت صفوان أخبرته، قال البيهقي في "سننه ": رواه يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة عن أبيه، فصرح فيه بسماع هشام من أبيه.

قلت: أخرجه الطحاوي أيضا من خمس طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة ثم قال إن هشام بن عروة لم يسمع هذا الحديث عن أبيه، عروة ثقة ثبت لم ينكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن غير أبيه فأنكر ذلك عليه أهل بلده، وكان يشهد أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه. وقال ابن خراش: كان مالك لا يرضاه وكان هشام صدوقا يدخل أخباره في الصحيح، بلغني أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق، والبيهقي حط على الطحاوي ينسب هشاما إلى التدليس، فقال: وأين يكون إذا يرويه عن أبي بكر وأبو بكر ثقة حجة عند كافة أهل العلم بالحديث، وإنما يضعف الحديث بأن يدخل الثقة بينه وبين من فوقه مجهولا أو ضعيفا فإذا أدخل ثقة معروفا قامت به الحجة.

قلت: اعترف البيهقي بالتدليس في الحديث المذكور، ولكن تحامله على الطحاوي الذي دعاه إلى ما قاله، وكيف يقول هذا ولا يخلصه من التدليس أن يكون بين الراوي وبين المروي عنه واحد أو أكثر سواء كان الواسطة ثقة أو ضعيفا، فانظر إلى تمثيل ابن الصلاح في صورة التدليس ترى فيه صحة ما قلنا على أن البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا منصور العناني يقول: سمعت الفضل بن محمد الشعراني يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: حدثني يحيى بن سعيد عن شعبة قال: لم يسمع هشام بن عروة حديث أبيه في مس الذكر. قال يحيى: فسألت هشاما فقال أخبرني أبي بهذا. شعبة صرح بأن هشاما لم يسمع هذا الحديث من أبيه عروة، فكيف يكون قول يحيى سمع من أبيه معارضا لقول شعبة أنه لم يسمع أباه.

فإن قلت: رواه عن عروة أيضا غير الزهري وغير هشام، وهو ما رواه الطحاوي حدثنا محمد بن حجاج وربيع المؤذن قال: أخبرنا أسد، قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا أبو الأسود أنه سمع عروة يذكر عن بسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: أجاب الطحاوي فقال: كيف يحتجون بابن لهيعة، وهو ليس دائما بمرضي لهذا يحتج به في مواضع، وإنه لا يجعلونه حجرا لخصمكم فيما احتج به عليكم. وفي هذا قلب الموضوع.

فإن قلت: ابن لهيعة مرضي عند الطحاوي، ولهذا يحتج به في مواضع من كتابه فيكون الحديث صحيحا عنده من هذا الطريق.

قلت: لا نسلم أنه يحتج به، ولكن يذكره في المتابعات. ولئن سلمنا أنه يحتج به وأنه ثقة عنده فالحديث ضعيف لاضطرابه ويكون المدار على عروة في طريق هذا الحديث، وأيضا إن عروة

ص: 298

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

لم يرفع بحديث بسرة يعني لم يعتبره ولم يلتفت إليه، وذلك إما لكون بسرة عنده ممن لا يوجد مثل ذلك الحكم عنها، ولو ذلك لكونها انفردت بهذه الرواية مع عموم الحاجة إلى معرفته، وما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا بين يدي كبار الصحابة، ولم ينقله أحد منهم إنما قاله بين يدي بسرة وقد كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها وإما لكون مروان ليس في حال من يجب القبول عن مثله فإنه خبر شرطي مروان عن بسرة دون خبره عنها فإن كان خبر مروان عنده غير مقبول، فخبر شرطية أخرى أن لا يكون مقبولا.

فإن قلت: مروان احتج البخاري به على ما ذكرنا.

قلت: لا يلزم من ذلك أن يكون ثقة عند عروة وإنما روى عروة خبره لعلة فيه قد ظهرت لعروة ولا سيما حين خرج على عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.

فإن قلت: قال ابن حزم مروان لا يعلم له خروج قبل خروجه على ابن الزبير، ولم يكن قط لقي عروة إلا قبل خروجه على أخيه لا بعد خروجه.

قلت: لا دليل على هذه الدعوى، فإذا قام دليل ينظر فيه. والجواب عن تصحيح الترمذي هذا الحديث هو أنه يعارضه قول يحيى بن معين، قلت: ثلاثة أحاديث لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها هذا، ويحيى بن معين هو العمدة في هذا الشأن، وإليه المرجع في التصحيح والتضعيف.

فإن قلت: قال بعض من عنده تعصبا فاسدا من أهل هذا الزمان سئل بعض المخالفين عن يحيى بن معين أنه قال: ثلاثة أحاديث لا تصح: حديث مس الذكر، ولا نكاح إلا بولي، وكل مسكر حرام. وقال: يعرف هذا عن سفيان ولا يعرف هذا عن ابن معين.

قلت: لم يقم الدليل على ذلك حتى ينظر فيه على أن الإثبات مقدم على النفي، وبذلك يجاب عن قول ابن الجوزي أيضا أن هذا لا يثبت عن ابن معين، والجواب عن قول البخاري أنه أصح شيء في هذا الباب، أن مراده هو على كلامه أصح من غيره من أحاديث الباب، وقد اعتد ابن العربي بهذه العبارة فحكى عن البخاري تصحيحه، وليس كذلك، فإن البخاري لو رضي به لأخرجه في صحيحه ولم يخرجه هو، ولا مسلم، ولئن تنزلنا وسلمنا بثبوته فتأويله من بال فيحمل مس الذكر كناية عن البول، لان من يبول يمس ذكره عادة لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43](النساء: الآية 43) ولكنى به عن الحدث، أو يكون المراد من قوله:"فليتوضأ" غسل اليدين كما في قوله: «الوضوء قبل الأكل ينفي الفقر» .

ص: 299

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

قلت: قال ابن حبان وليس المراد غسل اليدين وإن كانت العرب تسمي غسل اليدين وضوءا على أن في حديث بسرة فليتوضأ وضوءه للصلاة. قلت: استضعفه الطحاوي وجعله منقطعا كما ذكرنا، وعلى كل تقدير حديث بسرة معلول، وقال في " الإمام " هو عند البخاري معلول، وقال إبراهيم الحربي: حديث بسرة يرويه شرطي عن شرطي. وكان ربيعة يقول ويحكم بمثل هذا ما أخذ أحد ويعمل به لو شهدت بسرة على هذا البقل ما قبلت شهادتها. إنما قوام الدين الصلاة والصلاة بالطهور فلم يكن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقيم هذا الدين إلا بسرة، قال: حديث بسرة ضعفه جماعة. وقال ربيعة: لو وضعت يدي في دم أو حيض لم ينقض وضوئي فمس الذكر أيسر منه. وروي عن عمر رضي الله عنه لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لحديث امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، أحفظت أم نسيت. ويروى أن الأسود بن زيد أخذ كفا من حصى وحصب به الشعبي وقال: ويلك تحدث بمثل هذا.

فإن قلت: في هذا الباب عن أم حبيبة وأبي موسى، وأبي هريرة، روى ابنه أنيس وعائشة، وزيد بن خالد، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وطلق بن علي، وابن عباس، وسعد بن أبي وقاص، وأم سلمة، والنعمان بن بشير، ومعاوية بن حيدة، وأبي بن كعب، وقبيصة رضي الله عنهم، فحديث أم حبيبة عند ابن ماجه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» ، وأخرجه الطبراني أيضا، وصححه أبو زرعة والحاكم.

قلت: أعله البخاري لأن فيه مكحولا عن عتبة قال: لم يسمع عتبة بن أبي سفيان، وكذا قال يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائي أخرجه الطحاوي وقال: منقطع.

وحديث أبي موسى عند ابن ماجه أيضا قال: سمعت النبي عليه السلام يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» . وفيه إسحاق بن أبي فروة متروك باتفاقهم واتهمه بعضهم بالوضع.

وحديث أبي هريرة عند ابن حبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

فرجه وليس بينهما ستر، ولا حائل فليتوضأ» . ورواه الحاكم في "مستدركه " وصححه، ورواه أحمد في "مسنده "، والدارقطني في "سننه "، والبيهقي أيضا، ولفظه فيه:«من أفضى بيده إلى فرجه وليس دونها حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة» . وفيه يزيد بن عبد الملك، وقد أغلظ العلماء القول فيه، فقال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ضعيف سند الحديث، واختلط بآخره، فإذا عرفت تساهل ابن حبان والحاكم في الصحيح.

وحديث أروى عند ابن المنذر وأبي نعيم الأصبهاني عن هشام بن عروة عن أبيه عن أروى بنت أنيس عن النبي عليه السلام أنه قال: «من مس فرجه فليتوضأ» . وذكرها ابن الأثير في الصحابيات ثم ذكر هذا الحديث، ثم قال: وقيل أبو أروى الذؤابي حجازي، وهذا كما ترى فيه خلاف، وسئل الترمذي والبخاري عنه فقال: ما يصنع بهذا ألا تشتغل بغيره وحديث عائشة رضي الله عنها عند الدارقطني في "سننه " عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤون قالت عائشة بأبي وأمي هذا للرجال أفرأيت النساء قال إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة» وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن جعفر العمري، قال أحمد: كان كاذبا، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: متروك، زاد أبو حاتم: وكان يكذب. وقد روى أبو يعلى في "مسنده " ما ينافيه من حديث «سيف بن عبد الله الحميري قال دخلت أنا ورجل معي على عائشة فسألناها عن الرجل يمس فرجه أو المرأة تمس فرجها فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أبالي إياه مسست أو أنفي» .

وحديث زيد بن خالد الجهني عند أحمد في "مسنده " عن ابن إسحاق حدثني محمد بن

ص: 301

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن زيد بن خالد الجهني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» . ورواه البزار والطبراني، وقال ابن المديني: أخطأ فيه ابن إسحاق، وأخرجه الطحاوي أيضا، وقال: إنكم لا تجعلون محمد بن إسحاق حجة في شيء إذا خالفه فيه من خالفه في هذا الحديث ولا رضي إذا انفرد، ونفس هذا الحديث منكر، وأخلت به أن يكون غلطا، لأن عروة حين سأله مروان عن مس الفرج أجابه من رواية أن لا وضوء فيه، فلما قال له مروان عن بسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال قال له عروة: ما سمعت به وهذا بعد موت زيد بن خالد بكم ما شاء الله فكيف يجوز أن ينكر عروة على بسرة ما قد حدثه إياه زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي في كتاب "المعرفة ": وروى الطحاوي حديث زيد بن خالد الجهني من جهة محمد بن إسحاق بن يسار، ثم أخذ في الطعن على ابن إسحاق، وأنه ليس بحجة ثم ذهب إلى أنه غلط.

قلت: فيها الطعن من البيهقي كيف يفهم كلام المحققين، وكيف طعن الطحاوي على ابن إسحاق، والذي ذكره الطحاوي ليس طعنا منه فيه، وإنما قال للخصم: أنتم لا تجعلون محمد بن إسحاق حجة، وهذا القول لا يستلزم الطعن منه فيه، وإنما اشتهر بذلك عسكر الخصم، حيث يجعل محمد بن إسحاق حجة عند كون الحديث له، ويتركه ويطعن فيه عند كون الحديث حجة عليه، ولئن سلمنا أنه طعن فيه فما هو بأول طاعن فإن مالكا قال فيه: من الدجاجلة. وقال الخطيب قد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء، بأسباب منها: أنه كان يتشيع، وينسب إلى القدر، ويدلس في حديثه، فأما الصدق فليس بمرفوع عنه. وقال الذهبي فيما انفرد به نكارة وهو سيئ في حفظه.

وحديث جابر عند ابن ماجه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ» . وأخرجه الطحاوي وأعله بالإرسال، وقد قال الشافعي: سمعت جماعة من الحفاظ غير أبي نافع يرويه، ولا يذكرون فيه جابرا وهم لا يحتجون بالمرسل.

وحديث عبد الله بن عمرو عند أحمد والبيهقي عن عتبة بن الوليد عن محمد بن الوليد

ص: 302

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

الزبيدي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ» . وأخرجه الطحاوي وقال لهم: أنتم تزعمون أن عمرو بن شعيب لم يسمع من أبيه شيئا عنه، وإنما حديثه عن صحيفة فهذا غير قولكم منقطع، والمنقطع لا يجب أن ترونه حجة عندكم.

فإن قلت: إذا كان الطحاوي يحتج بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فما باله لم يقل لم يعمل بحديثه هذا.

قلت: لأنه عارضه حديث طلق بن علي فلم يكن العمل به لتأخر حديث طلق عنه، فثبت بذلك انتساخ أحاديث الانتقاض بمس الفرج.

فإن قلت: حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في هذا الباب ناسخ لحديث طلق لأن طلقا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الهجرة والمسجد على العريش وأبو هريرة أسلم سنة سبع من الهجرة فكان حديثه متأخرا والأخذ بأحد الأمرين واجب لأنه ناسخ. والطبراني أيضا مال إلى أن حديث طلق منسوخ. قلت: روى أبو داود «عن ابن طلق عن أبيه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله: ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما توضأ، قال: "هل هو إلا بضعة منك أو بضعة منه» ففي قوله ما ترى إلى آخره، دلالة على أنه كان بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع فيه الوضوء فأراد أن يتيقن ذلك، وإلا فالمستقر عندهم أن الأحاديث إنما كان من الخارج النجس وإلا فالعقل لا يهتدي إلى أن مس الذكر يناسبه نقض الوضوء، فعلى هذا يكون حديث طلق هو آخر الأمرين. وكان أبو هريرة تأخر سمعه من بعض الصحابة ثم أرسله.

وجواب آخر: دعوى النسخ إنما يصح بعد ثبوت صحة الحديث ونحن لا نسلم صحة حديث أبي هريرة رضي الله عنه وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عند الدارقطني في "سننه " عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من مس ذكره فليتوضأ وضوء الصلاة» .

ص: 303

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

ورواه الطبراني في "الكبير " والبزار في "مسنده " ولفظهما: «من مس فرجه فليتوضأ» . وأخرجه الطحاوي أيضا وأعله بصدقة بن عبد الله في سنده، وفي سند الطبراني العلائي بن سليمان، وفي سند البزار هاشم بن زيد وكلاهما ضعيفان جدا، وحديث طلق بن علي عند الطبراني، وفي الكبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من مس ذكره فليتوضأ» .

قلت: يعارضه حديثه الآخر رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن ملازم بن عمرو عن عبد الله بن زيد عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة، فقال: "هل هو إلا بضعة منك» . وقال الترمذي: هذا الحديث أحسن شيء في هذا الباب. ورواه ابن حبان في "صحيحه ".

وحديث ابن عباس عند البيهقي من جهة ابن عدي في " الكامل " وفي إسناده الضحاك بن حمزة وهو منكر الحديث، وحديث سعد بن أبي وقاص عند الحاكم وحديث أم سلمة عند الحاكم. وحديث النعمان بن بشير عند ابن منده، وأما حديث معاوية بن حيدة وحديث أبي بن كعب، وحديث قبيصة هذه الأحاديث كلها لا تخلو عن علة، والحديث الذي عليه العمدة حديث طلق، وقد ذكرنا الآن عن الترمذي ما قاله.

وذكر عبد الحق في "أحكامه " حديث طلق وسكت عنه فهو صحيح عنده على إعادته، وروي عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال: حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة، وتضعيف الخصم حديث طلق من جهة الطريق الذي فيه أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر وهما ضعيفان ولا يضر ذلك، لأن حديث طلق له أربعة طرق:

أحدها: عند أصحاب السنن عن ملازم بن عمرو. كما ذكرنا وهو صحيح.

ص: 304

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

والثاني: عن محمد بن جابر وهو ضعيف أخرجه ابن ماجه من هذا الطريق.

والثالث: عن عبد الحميد بن جعفر وهو ضعيف أخرجه ابن عدي.

والرابع: عن أيوب بن عتبة وهو ضعيف. وأخرجه الطحاوي بالطريق الأول: قال هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده، ولا شبه ثم أسند عن علي بن المديني أنه قال: حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة.

ولنا حديث آخر ولكنه ضعيف رواه أبو أمامة رضي الله عنه «أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مسست ذكري وأنا أصلي فقال: "إنما هو حدبة منك» قال ابن الأثير، قيل: هي بالكسر ما قطع من اللحم طولا.

ومن نواقض الوضوء عند الشافعي: مس المرأة على ما نذكره مفصلا وهو يحتج بدلائل وحجج، ونحن نحتج كذلك فإذا قطعنا النظر عن الكل يكفينا حديث عائشة المشهور رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سلمة «عن عائشة قالت: كنت أنام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، وإذا سجد غمزني قبضت رجلي، فإذا قام بسطتها» والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. وفي لفظ:«فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتها إلي ثم سجد» . طريق آخر أخرجه مسلم عن أبي هريرة «عن عائشة قالت: "تقدمت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فجعلت أطلبه بيدي فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد» . للحديث طريق آخر رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ قال عروة، فقلت لها من هي إلا أنت فضحكت» .

طريق آخر أخرجه أبو داود والنسائي عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ» .

ولحديث عائشة طريق آخر وما ذهب إليه الشافعي يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنه وابن عمر وزيد بن أسلم ومكحول، والنخعي، وعطاء بن السائب، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن

ص: 305

والدابة تخرج من الدبر ناقض، فإن خرجت من رأس الجرح، أو سقط اللحم منه لا ينقض. والمراد بالدابة الدودة

ــ

[البناية]

عباس، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم في الذي صححه أبو بكر بن الحربي، وابن الجوزي، ومذهب عبيدة السلماني بفتح العين المهملة، وعبيدة الضبي بالضم وعطاء وطاووس والحسن البصري، والشعبي، والثوري، والأوزاعي، أن اللمس والملامسة كناية عن الجماع، ولا يجب الوضوء على مس المرأة أو تقبيلها إذا تيقن بعدم خروج المذي، وبه قال أصحابنا. وذهب مالك إلى أنه إن لمس بشهوة ينتقض وإلا فلا، وهو مروي عن الحكم وحماد والليث وإسحاق، وعن أحمد ثلاث روايات بالمذاهب الثلاثة. وذهب داود إلى أنه إن لمس عمدا انتقض، وإلا فلا، وعن الأوزاعي إذا لمس بأعضاء الوضوء انتقض، وإلا فلا، وروي عنه أنه لا ينتقض إلا باللمس باليد.

وذهب عطاء إلى أنه إن لمس من يحل له انتقض وحجة الجمهور قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43](النساء: الآية 43) فالملامسة واللمس الجماع. وقال ابن رشد المالكي: وإن كانت دلالته على المعنيين على السواء أو قريبا من اللمس المسمى الأظهر عندي في الجماع؛ لأن الله تعالى قد كنى بالمباشرة والمس بالجماع، ولا فرق بين اللمس والمس في اللغة، ولأن الملامسة ظاهرة في الجماع، والمس سبب الجماع؛ لأنه محرك للشهوة، وذكر السبب وإرادة المسبب من أقوى طرق المجاز. وقال القرطبي: يلزم على مذهب الشافعي أن من ضرب امرأته أو لطمها أن ينقض وضوءه، وهذا لا يقوله أحد فيما أعلم، وحديث عائشة في التقبيل قد مر بطرقه.

ومن النواقض أكل لحم الجزور عند أحمد وإسحاق وأبي ثور ومحمد بن إسحاق ويحيى بن يحيى. وعند الجمهور لا ينقض. ومنها غسل الميت عند أحمد.

م: (والدابة) ش: مبتدأ وهي الدودة التي نبتت في البطن قوله م: (تخرج من الدبر) ش: جملة في محل النصب لأنها حال من الدابة وقوله: م: (ناقض) ش: خبر المبتدأ، فإن قلت: المطابقة شرط بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث. قلت: التقدير ههنا خروج الدابة التي تخرج من الدبر ناقض لأن النقض بالخروج لا بنفس الدابة فافهم.

م: (فإن خرجت) ش: أي الدابة، والفاء في فإن خرجت تفسيرية م:(من رأس الجرح أو سقط اللحم منه لا ينقض) ش: لأن عين الخارج ليست بنجسة، وما عليها قليل وهو الناقض في السبيلين معفو عنه في غيرهما، فأشبه الخارج من الجرح الجشاء في عدم النقض، والخارج من الدبر الفساء في نقض الوضوء به.

م: (والمراد بالدابة الدودة) ش: إنما فسر الدابة بالدودة لأن الدابة ما تدب على الأرض، ربما

ص: 306

وهذا لأن النجس ما عليها

ــ

[البناية]

يتوهم أن المراد بها ما يدخل الجرح كالذباب فيخرج منه فإنه لا ينقض، ففسره بيانا لذلك.

وقال الأترازي: إنما فسر الدابة بعد أن ذكرها مجملة ولم يقل ابتداء دودة تخرج لأنه بغير لفظ محله، ثم فسرها دفعا لتشنيع البعض بأن الدابة وهي الفرس أو الحمار كيف يخرج من الدبر، أو رأس الجرح. وهذا لأن الدابة في أصل اللغة اسم لكل ماش في الأرض.

ثم قال الأترازي: قال بعض الشارحين: وجدت بخط ثقة إنما فسر الدابة بالدودة لأن الدابة اسم لما يدب على وجه الأرض، فلو لم يفسرها بها لكان لقائل أن يقول المراد بالدابة هي التي تدخل من الذباب في الجرح ثم تخرج، فأما التي تنشأ فيه كان منشأها من الدم وخروجا كخروج الدم، فينتقض بها الوضوء في غير السبيلين، كما إذا خرج من السبيلين وهو أوجه، لكني وجدت بخط ثقة إلى آخر ما ذكرنا.

قلت: نظر الأترازي إلى أول الكلام من غير أن يستوفي ما قاله السغناقي، ثم شنع عليه بهذا التشنيع، وليس له وجه، لأنه قال: ويريد صحة هذا التفسير ما ذكره شمس الأئمة السرخسي في تعليل هذه المسألة بعلتين في " الجامع الصغير " بعدما ذكر خروجها من الجرح، فقال: بخلاف الدابة التي تخرج من الدبر لا يخلو من قليل بلة فبالنظر إلى العلة الأولى يجب أن لا ينقض الوضوء بالدابة التي تدخل الدبر ثم يخرج لأنها لم تستحل من العذرة، وكذا بالنظر إلى العلة الثانية أيضا لأنه قيد بالبلة وتحتمل أن تخرج بغير بلة، والدليل عليه ما ذكره في " المحيط " أنه إذا دخل العود في دبره وطرفه بيده ثم أخرجه فيه البلة نقض، وإن لم تكن البلة فلا وضوء عليه.

فإذا كان الأمر كذلك كيف يوجه الأترازي أن يشنع تشنيعا غير موجه سعة الغير المعرفة بقوله لأن الذباب الداخل إلى آخره فيطلق كلامه ويسكت عن تفسيره، حتى يتوصل به إلى التشنيع البارد، وهذا أشار به إلى الفرق بين المسألتين وهو قوله.

م: (وهذا لأن النجس ما عليها) ش: أو ما على الدودة، لا يقال إن المصنف ناقض في كلامه، لأنه قال فيما مضى ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا. وههنا قال لأن النجس ما عليها، لأنا نقول هذا على قول محمد والذي هناك على قول أبي يوسف، وجوابه وقال الأكمل ويجوز أن يقال أطلق النجس على ما يخرج من الجوف بطريق المشاكلة لما كان بالنسبة إلى الدبر نجسا، ذكر في الخروج لفظ النجس. وقال الأترازي: ويريد به حقيقته اللغوية لا الشرعية، فيكون معناه حينئذ ذلك النجس اللغوي قليله حدث في السبيلين دون غيرهما. قلت: هذا كلام عجيب فمن تأمله يقف على فساده، وذكر السغناقي هنا ثلاثة أوجه، منها على تقدير الشرطية وهي لو كان ثمة نجس فهو ما عليها، ورد عليه الأكمل فقال: وهو غير صحيح لأن على تقدير الشرطية إن كان على هذا الوجه لكن ثمة نجس فيكون ما عليها لم يستقم في الجرح، لأن ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا،

ص: 307

وذلك قليل وهو حدث في السبيلين دون غيرهما؛ فأشبه الجشاء والفساء بخلاف الريح الخارجة من القبل والذكر، لأنها لا تنبعث عن محل النجاسة حتى لو كانت المرأة مفضاة فيستحب لها الوضوء احتياطا لاحتمال خروجها من الدبر

ــ

[البناية]

وهو ليس بحدث في الجرح فلا يكون نجسا.

وإن كان على هذا الوجه لكن لم يكن نجس ما عليها فلا يكون نجسا لم يستقم في الدبر لأنه نجس وحدث.

م: (وذلك) ش: أي الذي عليها م: (قليل وهو حدث في السبيلين دون غيرهما) ش: أي دون غير السبيلين فإن القليل ليس بحدث في غيرهما م: (فأشبه الجشاء والفساء) ش: هذا لف ونشر فإن قوله الجشاء يرجع إلى القليل على الدود من غير السبيلين، والفساء يرجع إلى السبيلين. والجشاء على وزن فعال. وقال الأصمعي: كأنه من باب العطاس والبوال والدوار.

قلت: هو مهموز اللام يقال: تجشى تجشية وتجشا، والاسم الجشية مثل الهمزة. والفساء بالمد أيضا على وزن فعال اسم من فسا يفسو فسوا وهو معتل اللام الواوي. والجشاء صوت مع الريح يخرج من الفم عند الشبع. والفساء ريح منتنة تخرج من الدبر بلا صوت وربما يكون الجشاء منتنا أيضا لكثرة الامتلاء وفساد المعدة م:(بخلاف الريح الخارجة من القبل) ش: أي من قبل المرأة والذكر م: (لأنها لا تنبعث من محل النجاسة حتى لو كانت المرأة مفضاة) ش: أي التي صارت سبيلاها واحدا، وفي " الكافي " المفضاة هي التي اتحد مسلكا بولها وغائطها وخرجت من قبلها ريح منتنة. وفي " البدائع " وهي التي صار مسلك البول والوطء واحدا م:(فيستحب لها الوضوء احتياطا لاحتمال خروجها من الدبر) ش: فيكون فساء، ولا يجب لأنها كانت على وضوء بيقين ولا يزول إلا بيقين مثله.

فإن قيل: ينبغي أن يجب الوضوء في الريح مطلقا كما قال الشافعي لعموم قوله «عليه السلام حين سئل عن الحدث قال: ما يخرج من السبيلين» والعبرة في النصوص بعين النص لا بمعناه.

قلنا: عن محمد أنه يجب الوضوء. ومن المشايخ من قال في المفضاة إذا كان الريح منتنا يجب الوضوء وما لا فلا. والدودة الخارجة من قبل المرأة بمنزلة الريح على الخلاف المذكور. والخارجة من ذكر المرء لا وضوء فيها والخارجة من الفم قيل: لا ينقض وكذا الخارجة من الأنف والأذن لا ينقض الوضوء.

قلت: ينبغي أن يكون عدم النقض عند عدم البلة فافهم.

ثم اعلم أنهم اختلفوا في أن عين الريح نجس أو متنجس، فمن قال: متنجس وقال بنجاسة عينها، قال: يتنجس السراويل. ومن قال بطهارة عينها لم يقل به كما لو مرت الريح بنجاسة ثم

ص: 308

فإن قشرت نفطة فسال منها ماء أو صديد أو غيره إن سال عن رأس الجرح نقض الوضوء، وإن لم يسل لا ينقض، وقال زفر رحمه الله ينقض في الوجهين. وقال الشافعي رحمه الله لا ينقض في الوجهين وهي مسألة الخارج من غير السبيلين. وهذه الجملة نجسة لأن الدم ينضج فيصير قيحا، ثم يزداد نضجا فيصير صديدا، ثم يصير ماء هذا إذا قشرها فخرج بنفسه، وأما إذا

هذا إذا قشرها فخرج بنفسه، وأما إذا

ــ

[البناية]

مرت بثوب مبتل فإنه لا ينجس بها. وفي قول المصنف لاحتمال خروجها من الدبر.

فائدة أخرى: وهي أن المفضاة إذا طلقها زوجها ثلاثا وتزوجت بآخر ودخل بها الزوج الثاني لا تحل للأول ما لم تحمل لاحتمال أن الوطء كان في دبرها لا في قبلها كذا في " الفوائد الظهيرية ".

م: (فإن قشرت نفطة) ش: إنما ذكرها بالفاء لأنها من فروع المسائل السابقة، والنفطة بالحركات الثلاث في نونها يخرج البدن ملآن من قولهم انتفط فلان أي امتلأ غضبا، ثم النفطة إذا قشرت م:(فسال منها ماء أو صديد أو غيره) ش: نحو القيح م: (إن سال عن رأس الجرح نقض الوضوء وإن لم يسل لا ينقض) ش: أراد إن لم يتجاوز عن رأس الجرح لا ينقض الوضوء.

وعن أبي حنيفة: إذا خرج ماء صاف لا ينقض، وإن سال. م:(وقال زفر ينقض في الوجهين) ش: يعني سال عن رأس الجرح أو لم يسل.

م: (وقال الشافعي لا ينقض في الوجهين) ش: بناء على أصله م: (وهي) ش: أي هذه المسألة هي م: (مسألة الخارج من غير السبيلين) ش: بالخلاف المذكور فيها فيما تقدم، وإنما أعادها ههنا وإن كانت تعلم مما تقدم ليعلم الفرق بين الخارج والمخرج، أو لأن الماء لم يذكر من قبل فأعادها ليعلم ههنا أن حكم الماء حكم غيره.

م: (وهذه الجملة) ش: أي الماء والصديد وغيرهما م: (نجسة لأن الدم ينضج فيصير قيحا، ثم يزداد نضجا فيصير صديدا، ثم يصير ماء) ش: أشار بهذا إلى أن اللون الأصلي هو الحمرة فيصير دما، ثم بالنضج يصير قيحا، ثم يترقى فيصير صديدا، ثم يزداد النضج فتزول صفته فيصير ماء.

وقال ابن الأثير: القيح المدة، يقال قاحت القرحة. وقال الجوهري: القيح المدة لا يخالطها دم.

وقال ابن الأثير: الصديد الدم وليس كذلك، بل الصديد ماء الجرح الرقيق المختلط بالدم قبل أن تغلظ المدة، يقال: أصد الجرح أي صار فيه المدة قاله الجوهري.

م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا من النقض م: (إذا قشرها) ش: أي إذا قشر المتوضئ النفطة م: (فخرج بنفسه) ش: أي فخرج الماء أو الصديد أو القيح بنفسه من غير علاج من القاشر م: (وأما إذا

ص: 309

عصرها فخرج بعصره فلا ينقض، لأنه مخرج وليس بخارج والله أعلم

ــ

[البناية]

عصرها) ش: أي أما إذا عصر المتوضئ النفطة م: (فخرج) ش: أي أحد الأشياء المذكورة م: (بعصره) ش: أي بسبب عصره لا بنفسه م: (فلا ينقض لأنه مخرج) ش: بضم الميم م: (وليس بخارج) ش: والنقض بسبب الخارج كما عرفت. وهذا الذي ذكره اختيار بعض المشايخ واختاره المصنف أيضا.

وقال آخرون: ينقض. وقال الأكمل: قال بعض الشارحين: وهذا هو المختار عندي لأن الخروج لازم الإخراج، فلا بد من وجود اللازم عند وجود الملزوم، وفيه نظر، لأن الإخراج ليس بمنصوص عليه، وإن كان يستلزمه، فكان ثبوته غير قصدي ولا معتبر به.

قلت: أراد بقوله: قال بعض الشارحين الأترازي فإنه قال في شرحه: وقال في " الفتوى " و" الخلاصة " ينقض، وبعض مشايخنا على هذا، وهذا هو المختار عندي لأن الاحتياط فيه وإن كان الرفق بالناس في الأول، وتحقيقه من عندي أن الخروج لازم الإخراج إلى آخر ما ذكره، وجه النظر ما ذكره وفيه نظر، لأن ثبوت اللازم يستلزم ثبوت الملزوم غير قصدي، والاحتياط في كونه معتبرا لأنه من باب العبادة. وفي " النوازل " و " فتاوى العتابي " عصرت القرحة فخرج منها شيء ولو لم يعصر لا يخرج لا ينقض. ولكن قال: وفيه نظر.

وفي " الجامع" للإمام السرخسي: إذا عصرها فخرج الدم بعصرها انتقض، وهو حدث عمدا كالفصد والحجامة ولا يبني على صلاته، وفي " الكافي " الأصح أن المخرج ناقض.

ص: 310