الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويستوعب رأسه بالمسح وهو السنة
ــ
[البناية]
وجود المطلق والقصد فعل القلب فافهم.
[استيعاب الرأس في الوضوء]
م: (ويستوعب رأسه بالمسح) ش: بنصب الباء أي يستحب أن يستوعب رأسه عطفا على قوله: " أن ينوي الطهارة "، والتقدير يستحب نية الطهارة، فاستيعاب الرأس أي شموله بالمسح، وهو على اختيار القدوري، وعلى اختياره سنة، أشار إليه بقوله: م: (وهو سنة) ش: أي استيعاب الرأس بالمسح سنة، ذكرها في " المحيط " و " البدائع " و " التحفة " و" القنية "و " المفيد " و " شرح المبسوط "، وهو صحيح. وأشار بقوله: وهو سنة إلى الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي حسين سأل عبد الله بن زيد عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفيه «ثم أدخل يده يعني في التور فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة» .
ورواه الأربعة أيضا فأبو داود عن عبد الله بن سلمة عن مالك، والترمذي عن إسحاق بن موسى عن معن بن عيسى، والنسائي عن محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين كلاهما عن ابن القاسم عن مالك، وابن ماجه عن الربيع بن سليمان وحرملة بن يحيى كلاهما عن الشافعي عن مالك.
وأخرجه محمد بن الحسن في " موطئه " عن مالك، وقال: أخبرنا مالك بن أنس قال: أخبرنا عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسين المدني عن أبيه، ويحيى أنه سمع جده أبا حسين سأل عبد الله بن زيد بن عاصم، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ قال عبد الله بن زيد بن عاصم: نعم، فدعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين، ثم تمضمض ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم مسح من مقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه» قال محمد: هذا حسن، والوضوء ثلاثا ثلاثا أفضل الوضوء، والاثنان مجزئان والواحدة إذا أسبغت تجزئ أيضا، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله.
والكيفية المذكورة في هذا الحديث هي المشهورة، وبه استدل أصحابنا على أن السنة البداءة من مقدم الرأس، قال الحسن البصرى: السنة البداءة من الهامة يضع يديه عليها، ويمر بهما إلى مقدم الرأس ثم يعيدهما إلى القفا، وهكذا روى هشام عن محمد، والصحيح قول العامة للحديث المذكور، وفي " المحيط ": ويستحب فيه أن يضع من كل واحدة من يديه ثلاث أصابع عن مقدم رأسه، سوى الإبهام والسبابة، ويجافي بين كفيه، ويمرهما إلى القفا ثم يضع كفيه على مؤخر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
رأسه ويمرهما إلى مقدمه، ثم يمسح ظاهر كل أذن بكل إبهام وباطنه بمسبحة.
وفي الينابيع: والمسح أن يضع الخنصر والبنصر بكسر أولهما والصاد بينهما من كل يد على مقدم الرأس من منبت الشعر ويمررهما إلى نصف رأسه ثم يرفعهما، ويضع الوسطيين في وسط رأسه، ويمرهما إلى منبت الشعر من قفاه، ثم يعيدهما إلى وسط رأسه، ثم يضع الخنصر والبنصر في وسط رأسه ويمرهما إلى مقدم رأسه، ثم يمرهما إلى وسط رأسه، ثم يمرهما إلى قفاه، ثم يدخل السبابة في أذنه ويديرها في زواياها ويدير إبهامه من زوياها.
وفي " الدراية ": وكيفية الاستيعاب أن يبل كفه، وأصابع يديه ويضع بطون ثلاث من كل كف على مقدم الرأس، ويعزل السبابتين والإبهامتين. ويجافي الكفين ويمررهما إلى مؤخر الرأس ثم يمسح الفردين بالكفين ويمرهما إلى مقدم الرأس ويمسح ظاهر الأذنين بباطن الإبهامين وباطن الأذنين بباطن السبابتين ويمسح رقبته بظاهر اليدين، حتى يصير ماسحا ببلل لم يصر مستعملا، هكذا روت عائشة رضي الله عنها مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا المنقول عن السلف وعن أبي حنيفة ومحمد أنه يبدأ من أعلى رأسه إلى جنبيه ثم إلى قفاه عكسه كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ".
قلت: حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه النسائي، «أنها وصفت وضوءه عليه السلام ووضعت يديها في مقدم رأسها ومسحت إلى مؤخره، ثم مرت يديها بأذنيها، ثم مرت على خدين» قالوا: الذي ذكره صاحب " الدراية " ونسبه إلى عائشة، لم يذكره أحد من أئمة الحديث على الوجه المذكور ولا عن غير عائشة من الصحابة الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أبو داود عن محمد بن حسين، وقد ورد من حديث طلحة بن مصرف، وفيه «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه مرة واحدة حتى يبلغ القذال، وهو أول القفاء، وقال مرة: وقد مسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره حتى يخرج يديه من تحت أذنيه، وأخرجه الطحاوي، ولفظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مقدم رأسه حتى بلغ القذال من مقدم عنقه» .
وأخرج النسائي حديث عبد الله بن زيد وفيه «ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بهما إلى مؤخر رأسه ثم جره إلى قفاه ثم جره إلى مؤخره، وعند أبي داود وبدأ بالمؤخر ثم بمقدمه وبأذنيه كليهما، وفي لفظ مسح الرأس كله من قرن الشعر كل ناصيته لمنبت الشعر لا يحول الشعر عن هيئته، وفي لفظ: مسح رأسه وما أقبل وما أدبر وصدغيه» .
وأخرجه البزار من حديث أبي بكرة وفيه «مسح برأسه وما أقبل يقبل بيديه من مقدمه إلى
وقال الشافعي رحمه الله: السنة التثليث بمياه مختلفة اعتبارا بالمغسول
ــ
[البناية]
مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه» وأخرج ابن قانع من حديث أبي هريرة وفيه «ووضع يديه على النصف من رأسه ثم جرهما إلى مقدم رأسه ثم أعادهما إلى المكان الذي بدأ منه، وجرهما إلى صدغيه.» وأخرج أبو داود أيضا من حديث أنس، وفيه:«فأدخل يده من تحت العمامة، فمسح مقدم رأسه» وأخرج ابن السكن عنه ولفظه: «فمسح باطن لحيته وقفاه.»
وأخرجه البيهقي والبغوي وابن أبي خيثمة وفيه: مسح رأسه إلى سافله، فهذا أوجه كثيرة يختار المتوضئ أيها شاء، واختار بعض أصحابنا رواية عبد الله بن زيد رضي الله عنه وذكر السغناقي في كيفية المسح كلاما نقله عن الدراية ثم قال: كذا أعلمنا عين الأعيان الأستاذ المتفنن مولانا فخر الدين المايرمعي رحمه الله إلا أن الرواية منصوصة في " المبسوط " على أن الماء لا يعطى له حكم الماء المستعمل حال الاستعمال.
قال الأترازي: إن في المسنون يستوعب الحكم جميع الرأس كما في المغسولات، فكما أن في المغسولات الماء في العضو لا يصير مستعملا فكذلك في حكم إقامة السنة في المسموح، ولكن يجب أن يستعمل فيه ثلاث أصابع اليد في الاستيعاب؛ ليقوم الأكثر مقام الكل، حتى إنه لو مسح بإصبعه بجوانبها الأربعة لا يجوز في الأصح؛ لعدم استعمال أكثر الأصابع، فانظر هل ترى أحدا من الشراح، وهم أئمة كبار، أقام من الحديث شيئا مما ذكره من الصور المذكورة في كيفية مسح الرأس بالاستيعاب.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: السنة التثليث بمياه مختلفة اعتبارا بالمغسول) ش: لا خلاف بيننا وبين الشافعي في سنية استيعاب الرأس بالمسح وإنما الخلاف في تثليث المسح، فعنده السنة في التثليث بمياه مختلفة نص عليه في كتبه، وقطع به جماعة من جماهير أصحابه، حكي هذا عن الشافعي، ولكن حكى الرافعي وجها لأصحابنا أنه يسن مرة واحدة، وهو مذهب أكثر العلماء، وحكى الترمذي عنه أنه يمسح مرة كقولنا، قال النووي: لا أعلم أحدا من أصحابنا حكى هذا عن الشافعي، لكن حكى الرافعي وجها لأصحابنا أنه مسح مرة واحدة وهو مذهب أكثر العلماء، وقال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم.
وقال ابن عدي: كل الرواة قالوا: مسح الرأس مرة واحدة، وقال ابن المنذر: وممن قال به عبد الله بن عمر، وطلحة بن مصرف، والحاكم، وحماد، والنخعي، ومجاهد، وسالم بن عبد الله بن عمر، والحسن البصري، وأحمد، ومالك، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، واختاره ابن المنذر، ومذهب الشافعي حكاه ابن المنذر عن أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، وعطاء، وهو رواية عن أحمد، وداود، وقال ابن سيرين إنه يمسح مرتين، واحتج بحديث الربيع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
بنت معوذ «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه مرتين» وعن عبد الله بن زيد مثله، وقال أبو عبيد القاسم ابن سلام: لا نعلم أحدا من السلف جاء عنه استكمال الثلاثة في مسح الرأس إلا عن إبراهيم التيمي.
قلت: ذكرنا الآن عن الجماعة الذين ذكرهم ابن المنذر، ومن الغرائب أن الشيخ أبا حامد الاسفراييني حكى بعضهم أنه أوجب الثلاثة وحكاه صاحب " الإبانة " عن ابن أبي ليلى ثم إن المصنف رحمه الله احتج للشافعي من جهة القياس ولم يحتج له بشيء من الحديث، واحتج له بعض أصحابه بحديث عثمان رضي الله عنه «أن النبي عليه السلام توضأ ثلاثا ثلاثا» ورواه مسلم ووجه الدلالة منه أن قوله توضأ يشتمل الغسل والمسح، وحديث عثمان أيضا أنه «توضأ، ومسح رأسه ثلاثا، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا» رواه أبو داود بإسناد حسن ذكره النووي، وقال أيضا ابن الصلاح: حديث حسن. وحديث علي رضي الله عنه «أنه توضأ فمسح رأسه ثلاثا ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل» ورواه البيهقي وقال: أحسن ما روى عن علي ابنه الحسين بن علي فذكره بإسناده وذكر مسح الرأس ثلاثا، «وهكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ» وإسناده حسن.
وأما الذي احتج به المصنف بقوله: اعتبارا بالمغسول فأراد أن المسح ركن من الوضوء فكان التثليث فيه سنة كغسل الوجه واليدين والرجلين، وأيضا الرأس أحد أعضاء الوضوء والمسح أحد قسمي الوضوء فيسن تثليثه كالغسل. قلنا: هذا القياس ضعيف؛ لأن المسموح ليس من جنس المغسول، وكان من الواجب عليه أن يقيس الممسوح على الممسوح بأن يقول: لا يصلح تكرارا إنما شرع بحكم مرة كمسح الخف والجبيرة والتيمم، وهذا مسح فلا يكرر هو الذي قاله الأترازي، وقال صاحب " المفيد " والمزيد: هذا فاسد الوضع؛ لأن المسح مبناه على التوسعة، والتخفيف بخلاف الغسل وإلحاق ما مبناه على التيسير بما مبناه على التعسير فاسد في الوضع، واعتبار المسح بالمسح وجه كمسح الخف والجبيرة، وفي " البدائع " التعسير في الغسل يفيد زيادة النظافة وبزيادة
ولنا «أن أنسا رضي الله عنه توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح برأسه مرة واحدة، وقال: هذا وضوء رسول الله عليه السلام»
ــ
[البناية]
تكرار المسح لا يحصل زيادة نظافة؛ ولأن تكراره يقربه إلى السيلان فكان مخلا باسم المسح والسنة الإكمال لا الإخلال، وجواب المصنف عن ذلك يأتي عن قريب مع الجواب عن أحاديثه.
فإن قلت: اعتبارا منصوب بماذا. قلت: هو مصدر منصوب بفعل محذوف تقديره اعتبر الشافعي اعتبارا بالمغسول، ويجوز أن يكون اعتبارا بمعنى معتبرا على صيغة المفعول، ويكون نصب على الحال من التثليث.
م: (ولنا «أن أنسا رضي الله عنه توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح برأسه مرة واحدة، وقال: هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم» ش: هذا الحديث الذي نسبه إلى أنس غريب، والعجب من المصنف ذكر هذا، ولم يذكر ما «روي في " الصحيحين " من رواية عبد الله بن زيد أنه مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة» وحديث آخر أخرجه الأربعة عن سعيد بن جبير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه «أنه أتي بإناء فيه ماء وطست.. الحديث، وفيه ماء فمسح برأسه مرة واحدة، وقال في آخره: من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو هذا» .
ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن علي رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ ثلاثا ثلاثا إلا المسح فإنه مرة مرة» وحديث آخر أخرجه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما «أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.. الحديث، وفيه مسح برأسه وأذنيه مرة واحدة.»
وحديث آخر أخرجه الدارقطني في مسنده عن عثمان بن عفان رضي الله عنه «وفيه مسح برأسه مرة واحدة، وقال في آخره: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وكنت على وضوئه، ولكن أحببت أن أريكم كيف توضأ النبي صلى الله عليه وسلم» وقال أبو داود: وأحاديث عثمان الصحاح كلها تدل
والذي يروى من التثليث محمول عليه بماء واحد
ــ
[البناية]
على أن مسح الرأس مرة واحدة.
فإن قلت: روى أبو داود، والبزار، والدارقطني من طريق أبي سلمة عن حمران عن عثمان رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح رأسه ثلاثا» .
قلت: فيه عبد الرحمن بن وردان، وفيه مقال، وأخرجه البزار أيضا من طريق عبد الكريم بن حمران وإسناده ضعيف، ورواه أيضا من حديث أبي علقمة مولى ابن عباس عن عثمان وفيه ضعف، ورواه أيضا أبو داود، وابن خزيمة والدارقطني من حديث ابن دارة عن عثمان، وابن دارة مجهول الحديث. ورواه البيهقي من حديث عطاء بن أبي رباح عن عثمان، وفيه انقطاع ورواه الدارقطني أيضا من طريق السلماني عن أبيه عن عثمان والسلماني ضعيف جدا وأبوه ضعيف أيضا، وقال البيهقي: روي من أوجه غريبة عن عثمان وفيها: «مسح الرأس ثلاثا» إلا أنها مع خلاف الحفاظ الثقات ليست بحجة عند أهل المعرفة، وإن كان بعض أصحابنا احتج بها.
فإن قلت: روى أبو داود والدارقطني في " سننه " عن محمد بن محمود الواسطي عن شبيب عن أيوب عن أبي يحيى الحمال عن أبي حنيفة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي رضي الله عنه «أنه توضأ.. الحديث، وفيه أنه مسح رأسه ثلاثا» ثم قال: هكذا رواه أبو حنيفة رحمه الله عن علقمة بن خالد، وخالفه جماعة من الحفاظ الثقات فرووه عن خالد بن علقمة، وقالوا فيه: مسح رأسه مرة واحدة، ومع خلافه إياهم قال: إن السنة في مسح الرأس مرة واحدة.
قلت: الزيادة من الثقة مقبولة ولاسيما مثل أبي حنيفة رحمه الله وأما قوله: فقد خالف حكم المسح.. غير صحيح؛ لأن تكرار المسح مسنون عند أبي حنيفة أيضا، إذا كان بماء واحد على ما يذكره المصنف عن قريب.
م: (والذي يروى من التثليث محمول عليه بماء واحد) ش: هذا جواب عن الأحاديث التي فيها