المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وكذا النفاس بالإجماع. قال: وسن رسول الله عليه السلام:‌ ‌ الغسل للجمعة - البناية شرح الهداية - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌كتاب الطهارات

- ‌[تعريف الوضوء]

- ‌[حكم الطهارة]

- ‌[فرائض الطهارة]

- ‌[صفة غسل الأعضاء في الوضوء]

- ‌[حد المرفق والكعب في الوضوء]

- ‌[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء]

- ‌سنن الطهارة

- ‌[غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء]

- ‌تسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء

- ‌[السواك من سنن الوضوء]

- ‌[فضل السواك وأوقات استحبابه]

- ‌[كيفية الاستياك]

- ‌[فيما يستاك به وما لا يستاك به]

- ‌[حكم من لم يجد السواك]

- ‌[المضمضة والاستنشاق في الوضوء]

- ‌[مسح الأذنين في الوضوء]

- ‌[تخليل اللحية في الوضوء]

- ‌[تخليل الأصابع في الوضوء]

- ‌[تكرار الغسل ثلاث مرات في الوضوء]

- ‌[النية في الوضوء]

- ‌[استيعاب الرأس في الوضوء]

- ‌[ترتيب أعضاء الوضوء]

- ‌[البداءة بالميامن في الوضوء]

- ‌[فصل في نواقض الوضوء] [

- ‌ما خرج من السبيلين من نواقض الوضوء]

- ‌[خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء]

- ‌[القيء والدم من نواقض الوضوء]

- ‌[النوم من نواقض الوضوء]

- ‌[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء]

- ‌فصل في الغسل

- ‌[فرائض الغسل]

- ‌[سنن الغسل]

- ‌[البدء بغسل اليدين في الغسل]

- ‌[الوضوء من سنن الغسل]

- ‌المعاني الموجبة للغسل:

- ‌[إنزال المني من موجبات الغسل]

- ‌[التقاء الختانين من موجبات الغسل]

- ‌ الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام

- ‌[الأغسال المسنونة]

- ‌[باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز]

- ‌[ماء البحر]

- ‌[الوضوء بما اعتصر من الشجر والثمر]

- ‌[الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم]

- ‌[الطهارة بماء غلب عليه غيره]

- ‌[الطهارة بالماء الذي خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه]

- ‌[الوضوء بالماء الذي وقعت فيه نجاسة]

- ‌[حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء]

- ‌[حكم موت ما يعيش في الماء فيه]

- ‌[حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث]

- ‌[المقصود بالماء المستعمل وأقسامه]

- ‌الجنب إذا انغمس في البئر

- ‌[طهارة الجلود بالدباغ]

- ‌[طهارة جلد الكلب والخنزير]

- ‌[هل الكلب نجس العين]

- ‌ الانتفاع بأجزاء الآدمي

- ‌ ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة

- ‌شعر الميتة وعظمها طاهر

- ‌[الأعيان الطاهرة]

- ‌شعر الإنسان وعظمه

- ‌فصل في البئر

- ‌[حكم وقوع النجاسة في البئر]

- ‌فصل في الأسآر وغيرها

- ‌[سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه]

- ‌سؤر الكلب

- ‌[سؤر الحائض]

- ‌[سؤر الخنزير وسباع البهائم]

- ‌سؤر الهرة

- ‌[سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن البيوت]

- ‌[سؤر الحمار والبغل والفرس]

- ‌[حكم الطهارة بنبيذ التمر]

- ‌باب التيمم

- ‌[تعريف التيمم]

- ‌[شرائط التيمم]

- ‌[عدم وجود الماء]

- ‌[العجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه]

- ‌[خوف الضرر من استعمال الماء]

- ‌[أركان التيمم]

- ‌[كيفية التيمم]

- ‌[تيمم الجنب]

- ‌[تيمم الحائض والنفساء]

- ‌[ما يتيمم به]

- ‌[التيمم بالغبار مع وجود الصعيد]

- ‌والنية فرض في التيمم

- ‌[نية التيمم للحدث أو الجنابة]

- ‌[مبطلات التيمم]

- ‌[ما يباح بالتيمم]

- ‌[التيمم لصلاة الجنازة والعيدين ونحوها]

- ‌[التيمم لصلاة الجمعة]

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌[حكم المسح على الخفين]

- ‌[شروط المسح على الخفين]

- ‌[مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر]

- ‌[كيفية المسح على الخفين]

- ‌[المسح على خف فيه خرق كبير]

- ‌[المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل]

- ‌[نواقض المسح على الخفين]

- ‌[المسح على الجرموقين]

- ‌ المسح على الجوربين

- ‌[المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما]

- ‌ المسح على الجبائر

- ‌[حكم المسح على الجبائر]

- ‌باب الحيض والاستحاضة

- ‌[تعريف الحيض وأركانه]

- ‌أقل الحيض

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[أكثر الحيض]

- ‌[ما يسقطه الحيض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض]

- ‌[ما تقضيه الحائض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض والجنب]

- ‌[دخول الحائض والجنب المسجد]

- ‌[طواف الحائض والجنب]

- ‌[قراءة القرآن للحائض والجنب]

- ‌[مس المصحف للمحدث والحائض والجنب]

- ‌[فروع فيما يكره للحائض والجنب]

- ‌[دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين]

- ‌[انقطاع دم الحيض لأقل من عشرة أيام]

- ‌[حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]

- ‌أقل الطهر

- ‌[حكم دم الاستحاضة]

- ‌[فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم]

- ‌فصل في النفاس

- ‌[تعريف النفاس]

- ‌السقط الذي استبان بعض خلقه

- ‌[أقل النفاس وأكثره]

- ‌باب الأنجاس وتطهيرها

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[ما يجوز التطهير به وما لا يجوز]

- ‌[الماء القليل إذا ورد على النجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الخف الذي لحقته نجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الثوب الذي لحقته نجاسة]

- ‌[حكم المني وكيفية تطهيره]

- ‌النجاسة إذا أصابت المرآة والسيف

- ‌[الحكم لو أصاب المني البدن]

- ‌[كيفية تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة]

- ‌[ما يعفى عنه من النجاسات]

- ‌[حكم الروث أو أخثاء البقر]

- ‌ بول الحمار

- ‌[حكم بول الفرس]

- ‌[حكم خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور]

- ‌ لعاب البغل والحمار

- ‌[قدر الدرهم من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار]

- ‌[أنواع النجاسة]

- ‌فصل في الاستنجاء

- ‌[حكم الاستنجاء]

- ‌[ما يجوز به الاستنجاء به وما لا يجوز]

- ‌[ما يكون به الاستنجاء]

- ‌[الاستنجاء بالعظم والروث]

الفصل: وكذا النفاس بالإجماع. قال: وسن رسول الله عليه السلام:‌ ‌ الغسل للجمعة

وكذا النفاس بالإجماع.

قال: وسن رسول الله عليه السلام:‌

‌ الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام

ــ

[البناية]

وإن لم تغتسل وفي أقل الحيض لا يقربها حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كامل وذهب الشافعي إلى أنه لا يقربها حتى تطهر وتنظف فيجمع بين الأمرين.

م: (وكذا النفاس بالإجماع) ش: أي وكذا الخروج من النفاس يوجب الغسل بالإجماع، وسنده أنه لا نص ورد فيه واكتفوا به عن نقله أو قياس على الحيض لأنه أقوى، ونقل الإجماع ابن المنذر وابن جرير الطبري وغيرهما.

[الأغسال المسنونة]

[الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام]

م: (وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام) ش: أما الجمعة ففي " الصحيحين " من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل» وليس الأمر للوجوب كما أخذ به أهل الظاهر، لأن الأمر بالغسل ورد على سبب وقد زال السبب فزال الحكم بزوال علته، لما رواه البخاري ومسلم من «حديث يحيى بن سعيد أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة فقالت سألت عائشة رضي الله عنها فقالت: كان الناس في مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم اغتسلوا» .

وأخرج مسلم عن عروة عنها قالت: «كان الناس يتناوبون يوم الجمعة في منازلهم ومن العوالي فيأتون الغبار ويصيبهم من الغبار فيخرج منهم الرجل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عندي فقال صلى الله عليه وسلم لو أنكم تطهرتم» ، ويأتي الكلام عن قريب إن شاء الله تعالى.

وأما العيدان فروي عن الفاكه بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة» ، وكان الفاكه بن سعد يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام، رواه ابن ماجه ورواه الطبراني في "معجمه " والبزار في "مسنده "، وزاد فيه يوم الجمعة قال ولا يعرف للفاكه بن سعد غير هذا الحديث، وهو صحابي مشهور، وفيه يوسف بن خالد السهمي قال في " الإمام ": تكلموا فيه.

وروى ابن ماجه من حديث ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى» . وفيه جبارة بن المغلس وهو ضعيف، وقال ابن عدي: لا بأس به. وروى البزار

ص: 338

نص على السنية وقيل: هذه الأربعة مستحبة، وسمى محمد رحمه الله الغسل في يوم الجمعة حسنا في الأصل، وقال مالك: وهو واجب لقوله عليه السلام: «من أتى الجمعة فليغتسل»

ــ

[البناية]

في "مسنده " عن مندل عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل للعيدين» . وذكر عبد الحق من جهة البزار وقال إسناده ضعيف.

وقال ابن القطان: وعلته محمد بن عبيد الله، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث. وأما عرفة فقد تقدم في حديث الفاكه بن سعد.

وأما الإحرام فأخرج مسلم في الحج «عن عائشة رضي الله عنها قالت: نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل» . والشجرة اسم موضع.

وأخرج الترمذي أيضا في الحج «عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل» . وقال حديث غريب.

م: (نص) ش: أي القدوري م: (على السنية) ش: يعني في هذه الأربعة م: (وقيل) ش: قائله فما قيل مالك في رواية عنه وعن مالك أنه حسن على ما نذكره.

م: (هذه الأربعة) ش: يعني غسل الجمعة والعيدين وعرفة والإحرام م: (مستحبة) ش: وهو قول طائفة من العلماء م: (وسمى محمد رحمه الله الغسل يوم الجمعة حسنا) ش: نص محمد على ذلك. م: (في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (وقال مالك: هو واجب) ش: أي غسل الجمعة واجب وبه قال الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والمسيب بن رافع وجماعة الظاهر.

م: (لقوله عليه السلام «من أتى الجمعة فليغتسل» ش: الحديث رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر باللفظ المذكور، وأخرجه البخاري ومسلم ولفظهما «من جاء منكم الجمعة فليغتسل» . وحديث آخر روياه يدل صريحا على الوجوب من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» .

وحديث آخر روياه أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حق الله

ص: 339

ولنا قوله عليه السلام: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل»

ــ

[البناية]

على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام زاد البزار والطحاوي وذلك يوم الجمعة» . ثم اعلم أن نقل صاحب " الهداية " عن مالك أن غسل الجمعة واجب غير صحيح، فإن ابن عبد البر قال في " الاستدراك " وهو أعلم بمذهب مالك: لا أعلم أحدا أوجب غسل الجمعة إلا أهل الظاهر، فإنهم أوجبوه، ثم قال: روى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو؟ قال هو سنة ومعروف، قيل في الحديث أنه واجب قال ليس كل ما جاء في الحديث يكون كذلك.

وروى أشهب عن مالك أنه سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو؟ قال: حسن وليس بواجب، وهذه الرواية عن مالك تدل على أنه مستحب وذلك عندهم دون السنة.

م: (ولنا قوله عليه السلام «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل» ش: روى هذا الحديث سبعة من الصحابة وهم سمرة بن جندب وأنس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر وعبد الرحمن بن سمرة وابن عباس رضي الله عنهم.

فحديث سمرة أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من توضأ "، إلى آخره.

وقال الترمذي حديث حسن صحيح، واختلف في سماع الحسن عن سمرة فعن ابن المديني أنه سمع منه مطلقا وذكر عند البخاري وقال صاحب " التنقيح " قال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة، وقال النسائي سمع منه حديث العقيقة فقط.

وحديث أنس عند ابن ماجه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت يجزئ عنه الفريضة ومن اغتسل فالغسل أفضل» وسنده ضعيف وله طريق آخر عند الطحاوي والبزار في "مسنده " سندا ضعيفا من ذلك وله طريق آخر عند الطبراني.

وحديث الخدري رواه البيهقي في "سننه " والبزار في "مسنده " عن أسيد بن زيد الجمال عن شريك عن عون عن أبي نصرة عن أبي سعيد فذكره، قال البزار: لا نعلم رواه عن عوف إلا يزيد، ولا عن شريك إلا أسيد بن زيد، وأسيد كوفي قد احتمل حديثا عن شيعية شديدة

ص: 340

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

كانت فيه.

وقال ابن القطان: قال الدوري: عن ابن معين أنه كذاب. وقال الساجي: له مناكير.

وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المنكرات ومع هذا فقد أخرج البخاري له وهو ممن عيب عليه الإخراج عنه.

وحديث أبي هريرة عن البزار في "مسنده " عن أبي بكر الهذلي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مسندا مرفوعا نحوه. ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بأبي بكر الهذلي واسمه سلمى بن عبد الله.

وحديث جابر عند أبي جميل في "مسنده " وعبد الرزاق في "مصنفه " وإسحاق بن راهويه في "مسنده " وابن عدي في " الكامل ".

وحديث ابن عباس رضي الله عنه عند البيهقي في "سننه ".

قوله: "فبها ونعمت" جواب الشرط أي فبهذه الخصلة أو الفعلة ينال الفضل "ونعمت" الخصلة هي فعل الوضوء. وقيل: معناه فبالسنة أخذ ونعمت الخصلة هذه أي الأخذ بالسنة، وحذف المخصوص بالمدح.

قلت: جميع شراح كتب الحديث وكتب الفقه فسروا هذا الحديث هكذا، ولم يوفوا حقه لأن فيه أشياء وهي الباء فلا بد لها من متعلق، والضمير فلا بد له من مرجع وإلا يلزم الإضمار قبل الذكر، وضمير آخر وهو قوله: فهو والمخصوص بالمدح في قوله: "ونعمت" وتأنيث الفعل فيه وفيه أفعل التفضيل، واستعماله في أحد الأشياء الثلاثة كما علم في موضعه، فنقول وبالله التوفيق إن هذا الحديث يتضمن شيئين أحدهما: الإتيان بالوضوء وهو فعل المتوضئ، والوضوء في نفسه فاضل، والآخر الإتيان بالغسل وهو أفضل بالنسبة إلى الوضوء لأن فيه الوضوء، وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأول بقوله:«من توضأ يوم الجمعة» ، يعني من فعل الوضوء يوم الجمعة فقد أتى بها أي بهذه الفعلة ونعمت هي، والمعنى: نعمت الفضيلة هي فصار قولنا أتى متعلقا بالباء

ص: 341

وبهذا يحمل ما رواه على الاستحباب

ــ

[البناية]

والضمير صار راجعا إلى الفعلة التي دل عليها قولنا: من فعل الوضوء.

وأما قولنا: يعني من توضأ من فعل الوضوء لأن كل فعل يفعله الشخص يأتي فيه هذا التقدير، فإذا قلت: قام زيد معناه فعل القيام، وإذا قلت: أكل معناه فعل الأكل، وعلى هذا سائر الأفعال لأن الفاء والعين واللام أعم الأفعال، ولهذا اختار الصرفيون هذه المادة في وزن الأشياء وتأنيث نعمت باعتبار أن الضمير يرجع إلى الفعلة المذكورة، والمخصوص بالمدح محذوف كما قلنا.

وأشار عليه السلام إلى الثاني بقوله: «ومن اغتسل» بمعنى ومن فعل الغسل يوم الجمعة فهو أفضل من الوضوء، والضمير في فهو يرجع إلى الفعل الذي يتضمن من فعل وهو الغسل، وفي نفس الأمر يرجع إلى الفعل الذي يدل عليه قوله اغتسل لأن كل فعل يدل على مصدره وهو من قبيل قَوْله تَعَالَى:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8](المائدة: الآية 8) أي العدل أقرب. وقد علم أن أفعل التفضيل يستعمل مجردا كما في قولنا الله أكبر أي أكبر من كل شي فإن قلت: أفعلية التفضيل تدل على الوجوب ولا تثبت المساواة، قلت: السنة بعضها أفضل من بعض فجاز أن يكون الغسل من تلك السنن، فإن قلت: ما ذكرنا يقتضي وما ذكرتم ناف فالأول راجح، قلت: قوله فبها ونعمت نص على السنة وما ذكرتم يحتمل أن يكون أمر إباحة فالعمل بما ذكرنا أولى.

م: (وبهذا) ش: أي وبهذا الحديث المذكور م: (يحمل ما رواه) ش: أي ما رواه مالك وهو قوله عليه السلام: «من أتى الجمعة فليغتسل» .

م: (على الاستحباب) ش: توفيقا بين الحديثين، فإن قلت: هذا الحديث ضعيف وحديث مالك صحيح فكيف التوفيق بين الصحيح والضعيف، قلت: قد روينا هذا الحديث عن سبعة أنفس من الصحابة رضي الله عنهم كما ذكرنا، فحديث سمرة صحيح كما نص عليه الترمذي.

وحديث أنس المذكور إنما ضعف لأجل يزيد بن أبان الرقاشي، قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به لرواية الثقات عنه، وقال ابن حبان: كان من خيار عباد الله القائمين بالليل، أو ضعفه لأجل الربيع بن صبيح، قال أبو زرعة: شيخ صالح صدوق، وقال ابن عدي: له أحاديث مستقيمة صالحة ولم أر له حديثا منكرا أرجو أنه لا بأس به. وصبيح بفتح الصاد. ولئن سلمنا ذلك فالأحاديث الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة فبها اجتمعت فيها من الحكم كذا قاله البيهقي وغيره.

ص: 342

أو على النسخ.

ــ

[البناية]

م: (أو على النسخ) ش: أي أو يحمل حديث مالك على أنه منسوخ قاله الأترازي لئلا تلزم المعارضة بين القطعي والظني، وهما آية الوضوء وخبر الواحد، قلت: ليس هذا دليل النسخ على ما لا يخفى بل يكون فيه مخالفة الكتاب بخبر الواحد لأنه يوجب غسل الأعضاء الأربعة عند القيام إلى الصلاة مع الحدث، فلو وجب الغسل لكان زيادة عليه بخبر الواحد وهذا لا يسمى نسخا بل يصير كالنسخ فافهم.

وقال الأكمل قوله: أو على النسخ: بدليل ما روي عن عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنه أنهما قالا: كان الناس عمال أنفسهم، وكانوا يلبسون الصوف ويعرقون فيه ويأتون المسجد فكان يتأذى بعضهم برائحة بعض فأمروا بالاغتسال، ثم انتسخ حين لبسوا غير الصوف وتركوا العمل بأيديهم.

قلت: هذا بعينه ذكره السغناقي وهو نقله عن المبسوط وليس ما روي عن عائشة رضي الله عنها وعن ابن عباس رضي الله عنه على هذه الصورة.

أما ما روي عن عائشة رضي الله عنها فقد ذكرناه عن قريب.

وأما ما روي عن ابن عباس فهو ما رواه أبو داود عن عكرمة أن ناسا من أهل العراق جاءوا فقالوا: يا ابن عباس أترى الغسل يوم الجمعة واجبا؟ قال: لا، ولكن أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدأ الغسل، كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف إنما عريش فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضا، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح قال:«يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه» .

قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذين كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق.

وأخرجه الطحاوي أيضا في " معاني الآثار "، ثم قال: فهذا ابن عباس يخبر أن ذلك الأمر الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغسل لم يكن للوجوب عليهم، وإنما كان لعلة، ثم ذهبت تلك العلة فذهب الغسل.

قوله: أطهر، وفي رواية الطحاوي ولكنه طهور أي مطهر وخير لمن اغتسل في الثواب.

ص: 343

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

قوله: كيف بدأ الغسل أي كيف كان ابتداؤه.

قوله: مجهودين من جهد الرجل فهو مجهود إذا وجد مشقة.

قوله: عريش وهو كان ما يستظل به والمراد أن سقفه كان من الجريد والسعف.

وقوله: ثارت أي هاجت من ثار يثور ثورا وثورانا إذا مطمع:

قوله: أفضل ما يجد، وفي رواية الطحاوي أمثل ما يوجد. قوله: ومن دهنه يتناول سائر الأدهان نحو الزيت ودهن السمسم وغير ذلك، وكذلك الطيب يتناول سائر أنواع الطيب نحو المسك والعنبر وغيرهما. قوله: ثم جاء الله بالخير إشارة إلى أن الله تعالى فتح الشام ومصر والعراق على أيدي الصحابة فكثرت أموالهم ومعاشهم وخدمهم، فغيروا السقف والبناء وغير ذلك.

فإن قلت: قال ابن حزم حديث ابن عباس روي من طريقين، أحدهما: من طريق محمد بن معاوية النيسابوري، وهو معروف بوضع الأحاديث والكذب، والثاني: من طريق عمرو بن أبي عمرة عن عكرمة وهو ضعيف لا يحتج به، ثم لو صح من طريق عمرو بن أبي عمرة فليس فيه لهم بل حجة لنا عليهم، لأنه ليس فيه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم إلا الأمر بالغسل فإيجابه وكل يتعلقوا به في إسقاط وجوب الغسل فليس من كلامه عليه، وإنما هو من كلام ابن عباس وظنه ولا حجة لأحد دونه عليه السلام.

قلت: الحديث صحيح وعمرو بن أبي عمرة احتجت به جماعة، وعكرمة مولى ابن عباس، قال البخاري: ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة. وقال العجلي: مكي تابعي ثقة بريء مما يرميه الناس به من الحرورية فلا التفات إلى تضعيف ابن حزم إياه لترويج مذهبه وقوله: فليس فيه حجة لهم، كلام ساقط لأن ابن عباس لو لم يدر عدم وجوب الغسل يوم الجمعة لما قال: لا، حين سئل عنه، وكيف وقد روي عنه عليه السلام أنه كان يأمر به وهو أعلم الناس بما وافق النصوص وعللها ومواردها وما يتعلق بأحكامها، ولما كان الأمر كذلك حمل بعضهم الأمر على الاستحباب، ولفظ الوجوب على التأكيد للاستحباب، كما تقول: كان حقك واجبا علي والعدة دين وهو أضعف من الأول، ويدل عليه ما قرن به مما ليس بواجب وهو الدهن والطيب.

وقال تاج الشريعة: قوله: أو على النسخ لأنه وجد دلالة التقديم، وهي ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان الصحابة في بدء الإسلام عمال أنفسهم ويلبسون الجلود والحرص الحجازي والمسجد قريب السقف فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل دفعا للرائحة فلما ظهرت الثروة والغنى فيهم قال صلى الله عليه وسلم: «من توضأ يوم الجمعة» الحديث.

ص: 344

ثم هذا الغسل للصلاة عند أبي يوسف رحمه الله وهو الصحيح لزيادة فضيلتها على الوقت واختصاص الطهارة بها، وفيه خلاف الحسن

ــ

[البناية]

قلت: لم يرد هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها على هذا الوجه، وإنما روي في " الصحيحين " أنها قالت:"كان الناس يتناوبون" الحديث وقد ذكرناه فيما مضى، واستدل تاج الشريعة بقولها:"فلما ظهرت الثروة" إلى آخره على النسخ، لأن قوله عليه السلام: من توضأ الحديث يدل على أنه مؤخر بمقتضى ما في هذه الرواية، والمتأخر ينسخ المتقدم، ولكن هذا إنما يصح إذا ثبت هذا عن عائشة رضي الله عنها على الوجه المذكور، على أن ابن الجوزي أنكر النسخ فقال: لا ناسخ معهم، ولكن سمعت حديث رواه ابن عدي في " الكامل " يدل على أنه ناسخ لأحاديث الوجوب، وهو ما رواه من حديث الفضل بن المختار عن أبان بن أبي عياش، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جاء منكم الجمعة فليغتسل فلما كان الشتاء قلت: يا رسول الله أخبرنا بالغسل للجمعة وقد جاء الشتاء ونحن نجد البرد، فقال: من اغتسل فبها ونعمت ومن لم يغتسل فلا حرج» قلت: قد شد بغيره.

فإن قلت: إذا ثبت النسخ ينبغي أن يرتفع الغسل يوم الجمعة.

قلت: المراد نسخ الوجوب لا كونه مشروعا، كما تقول نسخت الزكاة كل صدقة ونسخ صوم رمضان كل صوم.

م: (ثم هذا الغسل) : ش: أي غسل يوم الجمعة م: (للصلاة عند أبي يوسف) ش: أي لأجل الصلاة بمعنى لا يحصل له الثواب إلا إذا صلى يوم الجمعة بهذا الغسل حتى لو اغتسل أول اليوم وانتقض وضوؤه وتوضأ وصلى لا يكون مدركا لثواب الغسل. م: (وهو الصحيح) ش: أي ما ذهب إليه أبو يوسف هو الصحيح، واحترز به عن قول الحسن بن زياد فإنه قال لليوم على ما نذكره الآن. م:(لزيادة فضيلتها على الوقت) ش: أي لزيادة فضيلة الصلاة في يوم الجمعة على غيرها من الصلوات، لأنها تؤدي بجمع عظيم فلها من الفضيلة ما ليس لغيرها. م:(واختصاص الطهارة بها) ش: أي بالصلاة فإنها من شرائطها م: (وفيه) ش: أي وفي كون غسل يوم الجمعة للصلاة م: (خلاف الحسن) ش: فإنه يقول غسل يوم الجمعة لليوم إظهارا لفضيلته، قال عليه السلام:«سيد الأيام يوم الجمعة» .

والجواب عنه: أن سيادة اليوم باعتبار وقوع هذه الصلاة فيه، ويقول الحسن: قال داود في

ص: 345

والعيدان بمنزلة الجمعة، لأن فيهما الاجتماع فيستحب الاغتسال دفعا للتأذي بالرائحة، وأما في عرفة والإحرام فسنبينه في المناسك إن شاء الله تعالى. قال: وليس في المذي والودي غسل، وفيهما الوضوء؛ لقوله عليه السلام:«كل فحل يمذي وفيه الوضوء»

ــ

[البناية]

" المبسوط " وهو قول محمد وفي " المبسوط " وهو رواية عن أبي يوسف فعلى هذا عن أبي يوسف روايتان، وقيل: تظهر الفائدة من هذا الخلاف فيمن اغتسل بعد الصلاة قبل الغروب إن كان مسافرا أو عبدا أو امرأة ممن لا يجب عليه الجمعة، وهو بعيد لأن المقصود منه إزالة الروائح الكريهة لئلا يتأذى الحاضرون بها، وذلك لا يتأذى بعدها، ولو اتفق يوم الجمعة ويوم العيد أو يوم عرفة فاغتسل وقع عن الكل، وفي " صلاة الجلالي " لو اغتسل يوم الخميس أو ليلة الجمعة أتى بالسنة لحصول المقصود وهو قطع الرائحة.

م: (والعيدان) ش: أي عيد الفطر وعيد النحر م: (بمنزلة الجمعة لأن فيهما الاجتماع فيستحب الاغتسال دفعا للتأذي بالرائحة) ش: هذا التعليل يشعر أن كون الغسل في يومي العيدين سنة أو مستحب لدفع الرائحة الكريهة، فلا هو لليوم. ولا هو للصلاة، والمفهوم من كلام الجلالي أن العلة هي دفع الأذى من الروائح الكريهة في الجمعة أيضا.

م: (وأما في عرفة والإحرام فسنبينه في المناسك إن شاء الله تعالى) ش: قد بينا الأحاديث الواردة فيهما فيما مضى، واعلم أن صاحب " الخلاصة " ذكر للغسل أحد عشر نوعا: خمسة منها فريضة الغسل لالتقاء الختانين، ومن الإنزال، والاحتلام، والحيض، والنفاس، وأربعة سنة: غسل الجمعة، والعيدين، وعرفة، والإحرام، وواحد واجب: وهو غسل الميت، وواحد مستحب: وهو غسل الكافر إذا أسلم ولم يكن جنبا ولم يغتسل حتى أسلم ففيه اختلاف المشايخ.

وفي " المحيط " أنواع الغسل سبعة: ثلاثة فرض: غسل الجنابة، والحيض، والنفاس، وأربعة سنة: مثل ما ذكرنا، وواحد واجب: مثل ما ذكرنا، وواحد مستحب: وهو غسل الكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق والصبي إذا بلغ بالسن، وإن بلغ بالإنزال وجب.

وفي شرح " مختصر الطحاوي " نص على استحباب الثلاثة الكرماني في "مناسكه "، وينبغي أن يستحب الاغتسال لصلاة الكسوف والاستسقاء وكل ما كان في معنى ذلك لاجتماع الناس، وإن لم يذكر، وألا يجبر المسلم زوجته على غسل الجنابة لأنها غير مخاطبة بها ويمنعها من الخروج للكنائس.

م: (وليس في المذي والودي غسل) ش: لما روى مسلم «عن علي رضي الله عنه قال كنت رجلا مذاء فكنت أستحي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته عندي فأمرت المقداد بن الأسود فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يغسل ذكره ويتوضأ» ، وفي رواية فيه الوضوء م: (وفيهما الوضوء لقوله عليه السلام: «كل فحل يمذي وفيه الوضوء» ش: هذا خبر من حديث رواه ثلاثة من الصحابة - رضي الله

ص: 346

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

عنهم - وهم عبد الله بن سعد، ومعقل بن يسار وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم فحديث عبد الله بن سعد عن أبي داود رضي الله عنه عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حزام بن حكيم «عن عبد الله بن سعد الأنصاري قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل وعن الماء يكون بعد الماء فقال ذاك المذي وكل فحل يمذي فتغسل من ذلك فرجك وتوضأ وضوءك للصلاة» ، ورواه أحمد في مسنده.

وحديث معقل بن يسار عند الطبراني في "معجمه " من حديث إسماعيل بن عياش عن عطاء بن عجلان عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار أن «عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يلقى من المذي شدة فأرسل رجلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك المذي، قال: "ذلك المذي وكل فحل يمذي، اغسله بالماء وتوضأ وصل» .

وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند الطحاوي في " شرح معاني الآثار " عن صالح بن عبد الرحمن قال: "حدثنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا الأعمش عن منذر بن يعلى الثوري «عن محمد بن الحنفية قال سمعته يحدث عن أبيه قال كنت أجد مذيا فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك واستحييت أن أسأله لأن ابنته عندي فقال إن كل فحل يمذي فيغسل فإذا كان» . ورواه إسحاق بن راهويه أيضا في "مسنده " ولفظه: «أنه سئل عن المذي فقال: "كل فحل بمذي فيغسل ذكره ويتوضأ» .

قوله: كل فحل أي كل ذكر من بني آدم يخرج من ذكره مذي.

قوله: يمذي من أمذى ومن مذا بالتخفيف ومن مذي بالتشديد.

وأشار إلى نفي وجوب الغسل بعلة كثرة الوقوع بقوله: «كل فحل يمذي» .

فإن قلت: إذا كان الواجب الوضوء كان الواجب أن يذكرهما في فصل نواقض الوضوء.

قلت: لما كانا يشابهان المني ذكرهما في فصل الغسل. وقال الأكمل: الأوجه أن يقال: إنما ذكره هاهنا لأن أحمد يقول: بوجوب الغسل في رواية، فذكر هاهنا نفيا لما قاله. قلت: لم تجر عادة المصنف أن يذكر شيئا ليدل على نفي قول أحمد.

ص: 347

والودي: هو الغليظ من البول يتعقب الرقيق منه خروجا فيكون معتبرا به

ــ

[البناية]

فإن قلت: إذا كان حكمه الوضوء كان ذكره مستغنيا عنه بالكلية لأنه علم من قوله: «يخرج من السبيلين» .

قلت: لما ذكره هنا للتأكيد وإن كان فهم من ذاك هذا الجواب للأترازي وأخذ عنه الأكمل أيضا، وقال الأكمل أيضا: وقيل ذكره تصريحا بالنفي لقول مالك رحمه الله فإنه لا يقول بوجوب الغسل والوضوء بهما. وأجاب الأترازي بجواب آخر وهو أن يكون لبيان حكمها فيمن به سلس البول لأن طهارته لا تنقض بالبول في الوقت، وربما ينتقض.

وقال تاج الشريعة: إنما ذكرهما لكونهما متشابهين للبول والحال أن الغسل لا يجب بهما فمست الحاجة إلى الذكر.

م: (والودي) ش: بفتح الواو وسكون الدال المهملة، وفي " المطالع " وقد يقال معجمة وهو غير معروف ويقال أيضا بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء من ودي بفتح العين، ويقال: من أودى بالألف م: (هو الغليظ من البول يتعقب الرقيق منه) ش: أي من البول م: (خروجا) ش: أي من حيث الخروج م: (فيكون معتبرا به) ش: أي بالبول.

وقال أحمد: فإن قيل: نقض الوضوء بالودي غير متصور على التفسير المذكور في الكتاب لأنه لما خرج على أثر البول وقد وجب الوضوء بالبول فلم يجب بالودي.

أجيب بأجوبة منها: إذا بال وتوضأ للبول ثم أودى فإنه يجب عليه الوضوء، ومنها أن من به سلس البول إذا توضأ للبول ثم أودى حال بقاء الوقت تنقض طهارته، ومنها أن الوضوء يجب في الودي لو تصور الانتقاض به وفيه ضعف.

قال الأكمل: قلت هذا نظير تفريع أبي حنيفة رحمه الله في مسائل المزارعة، لو كان يقول بجوازها كان ذلك قياسا، ومنها أن المراد "يوجب الوضوء" يعني لا يوجد الاغتسال، ذكره الحلوائي، ومنها أن الوجوب بالبول لا ينافي الوجوب بالودي بعده فالوضوء منهما جميعا حتى لو حلف لا يتوضأ من رعاف فرعف ثم بال أو بال ثم رعف فتوضأ فالوضوء منهما جميعا ويحنث، أو حلف لا يغتسل من امرأته فلانة من جنابة فأصابها ثم أصاب غيرها واغتسل فهو منهما، هكذا في " المنتقى " ويحنث. وكذا المرأة إذا حلفت لا تغتسل من جنابة أو حيض فأصابها زوجها وحاضت فاغتسلت فهو منهما، وتحنث، وعن أبي حنيفة رضي الله عنه فيمن قال إن اغتسلت من زينب فهي طالق، وإن اغتسلت من عمرة فهي طالق، فجامع زينب ثم جامع عمرة فهما طالقان.

وقال أبو عبد الله الجرجاني: الاغتسال من الأول دون الثاني.

ص: 348

والمني خاثر أبيض ينكسر منه الذكر عند خروجه،

ــ

[البناية]

وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني إن اتحد الجنس بأن بال ثم رعف أو على العكس فالوضوء منهما جميعا، فعلى قول الجرجاني يكون الوضوء والغسل من الأول إن اتحد الجنس أو اختلف، وعلى قول الهندواني إن اتحد فمن الأول، وإن اختلف فمنهما جميعا، وعلى ظاهر الجواب الوضوء والغسل منهما جميعا كيف ما كان، وقيل: الودي ما يخرج بعيد الاغتسال من الجماع وبعد البول وهو من الزوج، فعلى هذا الإشكال ذكر الزوجة في الودي يخالف ما تقدم.

م: (والمني خاثر أبيض ينكسر منه الذكر عند خروجه) ش: وزاد غيره ويتولد منه الولد. قال الأترازي: يرد على هذا التعريف مني المرأة لأن منيها ليس بتلك الصفة فإذن يحتاج إلى التعريف الجامع بين مني الرجل والمرأة جميعا، وقال: فما وجدت فيما عندي من الكتب ولا كتب اللغة يوجد منه إلا أنه ذكر في كتاب الأجناس ناقلا عن المجرد ويقال: المني هو الماء الدافق يكون منه الولد وهذا حسن.

وقوله الماء الدافق احتراز عن الودي والمذي لأنه لا دفق فيهما. وقوله: المني يكون منه الولد، احترازا عن البول وعن ماء من الميزاب.

ثم قال: لا يقال: ماء المرأة ليس بدافق لأنا نقول: لا نسلم لأن الله تعالى أراد بالماء الدافق ماء الرجل والمرأة جميعا حيث قال: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6]{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7](الطارق: الآية 7) قلت: هذا كلام عجيب صادر من غير روية. والتعريف الذي فسر المصنف المني به هو مني الرجل ولا يرد عليه، لأن مني كل منهما يعرف بتعريف، فمني الرجل ماء أبيض خاثر رائحته كرائحة الطلع فيه لزوجة ينكسر منه الذكر ويتولد منه الولد، ومني المرأة ماء أصفر رقيق فتعريف أحد الماهتين المختلفتين كيف يورد عليها بتعريف الماهية الأخرى، ثم استحسانه لما ذكر في " المجرد " بأن المني هو الماء الدافق الذي يكون منه الولد غير مساعد له لأن هذا أيضا مني الرجل، والدفق أيضا من صفات مني الرجل، وليس في مني المرأة دفق وقَوْله تَعَالَى:{مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6](الطارق: الآية 6) أي مدفوق في رحم المرأة.

قال الإمام أبو الليث السمرقندي في "تفسيره " في قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5](الطارق: الآية 5) يعني فليعتبر الإنسان مم خلق، قال بعضهم: نزلت في شأن أبي طالب ويقال في جميع من أنكر البعث ثم بين أول خلقهم كي يعتبروا، فقال:{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] يعني من ماء مهراق في رحم الأم.

ويقال: دافق يعنى مدفوقا فهذا يدل صريحا على أن الدفق صفة ماء الرجل، جعله الله دافقا ليصل بقوة الدفق إلى قعر الرحم الذي يتولد منه الولد، ولولا الدفق لعقمت النساء الغائرات الأرحام. قال الزمخشري: الدفق صب فيه دفع وهذا لا يوجد إلا في مني الرجل وقوله:

ص: 349

والمذي رقيق يضرب إلى البياض يخرج عند ملاعبة الرجل أهله،

ــ

[البناية]

{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7](الطارق: الآية 7) . قال أبو الليث: يعني خلق من ماء الأب ومن ماء الأم، فماء الأب يخرج من الصلب، وماء المرأة يخرج من الترائب، وهو موضع القلائد.

فإن قلت: كان ينبغي أن يقال من ماءين.

قلت: قال الزمخشري ولم يقل ماءين لامتزاجهما في الرحم واتحادهما حين ابتداء خلقه، وقال أيضا الدفق في الحقيقة لصاحبه، والإسناد مجازي وصاحب الدفق هو الرجل، والمرأة ليس لها دفق.

وقال أبو إسحاق العراقي: المني يخرج من الدماغ بعد نضجه ويصير دما أحمر في فقار الظهر إلى أن يصل إلى الكليتين فينضجانه، ثم يصبانه إلى أنثيين فينضجانه منيا أبيض، وهو خاثر رائحته كرائحة الطلع فيه لزوجة ينكسر الذكر عند خروجه وهذه صفة مني الرجل دون المرأة.

والعجب من الأكمل أنه رضي بما قال الأترازي فقال: والتعريف الجامع لمني الرجل والمرأة أنه ماء دافق يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة، وقد قلنا: إن المرأة ليس لها دفق وهذا يمكن أن يكون تعريفا للمني المصبوب في رحم المرأة من جهتها الذي يتولد منه الولد إذا أراد الله.

أما المني الذي تتعلق به الأحكام فاثنان: أحدهما مني المرأة والثاني مني الرجل، فلكل واحد منهما تعريف وحده، وإلا فتعريف القسمين بما ذكره كتعريف الإنسان والفرس بأنهما حيوان. ثم الفعل من المني مني وأمنى ومنى بالتشديد. وفي " نكت ابن الصلاح " في المني لغتان تشديد الياء وتخفيفها ولم يحكه الجوهري.

م: (والمذي رقيق يضرب إلى البياض يخرج عند ملاعبة الرجل أهله) ش: المذي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة، يقال: مذى الرجل بالفتح وأمذى بالألف وفي المطالع هو ماء رقيق يخرج عند التذكار والملاعبة بسكون الذال وكسرها يقال: مذى وأمذى ومذي. وقال عياض: فيه وجهان مذي بالتخفيف ومذي بالتشديد. ويقال: المذي من المرأة أيضا قال المبرد في " الكامل ": كل فحل يمذي وكل أنثى تمذي. قلت: من مذت الشاة إذا ألقت من رحمها بياضا.

وقال الأترازي: فإن قلت: لم ذكر تعريف الودي سابقا والمني ثانيا والمذي ثالثا.

قلت: لأن المصنف ذكر المذي والودي بعدما ذكر حكم المني سابقا، واستدل على عدم الغسل في المذي لقوله صلى الله عليه وسلم:«كل فحل يمذي وفيه الوضوء» . ثم احتاج إلى الدليل في الودي فذكر

ص: 350

وهذا التفسير مأثور عن عائشة رضي الله عنها

ــ

[البناية]

تعريفه لقربه بالبول لأنه يخرج عقيبه، فوقع تعريفه ثانيا ثم أراد أن يعرف المني والمذي، فقدم المني على المذي لقوة في المني دون المذي، فوقع تعريف المني ثانيا، والمذي ثالثا.

قلت: هذا الذي ذكره مطولا ليس فيه مزيد الفائدة، والفقهاء لا ينظرون إلى رعاية محاسن التراكيب وإنما نظرهم في بيان المقصود ولا يرى ذلك إلا في التراكيب التي تقع في كلام الشارع لبيان الإعجاز وبيان الفصاحة، وسترى تساؤلا في كلام المصنف وغيره في الألفاظ والعبارات على ما ستقف عليه في مواضع إن شاء الله تعالى.

م: (وهذا التفسير) ش: أي التفسير المذكور في المني والمذي والودي م: (مأثور عن عائشة رضي الله عنها) ش: ثم لم يثبت هذا عن عائشة رضي الله عنها. روى عبد الرزاق في "مصنفه " عن قتادة وعكرمة قالا: هي ثلاثة المني والمذي والودي، فالمني هو الماء الدافق الذي يكون فيه الشهوة، ومنه يكون الولد ففيه الغسل، وأما المذي فهو الذي يخرج إذا لاعب الرجل امرأته فعليه غسل الفرج والوضوء، وأما الودي فهو الذي يكون مع البول وبعده. وفيه غسل الفرج والوضوء.

ص: 351