المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء] - البناية شرح الهداية - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌كتاب الطهارات

- ‌[تعريف الوضوء]

- ‌[حكم الطهارة]

- ‌[فرائض الطهارة]

- ‌[صفة غسل الأعضاء في الوضوء]

- ‌[حد المرفق والكعب في الوضوء]

- ‌[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء]

- ‌سنن الطهارة

- ‌[غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء]

- ‌تسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء

- ‌[السواك من سنن الوضوء]

- ‌[فضل السواك وأوقات استحبابه]

- ‌[كيفية الاستياك]

- ‌[فيما يستاك به وما لا يستاك به]

- ‌[حكم من لم يجد السواك]

- ‌[المضمضة والاستنشاق في الوضوء]

- ‌[مسح الأذنين في الوضوء]

- ‌[تخليل اللحية في الوضوء]

- ‌[تخليل الأصابع في الوضوء]

- ‌[تكرار الغسل ثلاث مرات في الوضوء]

- ‌[النية في الوضوء]

- ‌[استيعاب الرأس في الوضوء]

- ‌[ترتيب أعضاء الوضوء]

- ‌[البداءة بالميامن في الوضوء]

- ‌[فصل في نواقض الوضوء] [

- ‌ما خرج من السبيلين من نواقض الوضوء]

- ‌[خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء]

- ‌[القيء والدم من نواقض الوضوء]

- ‌[النوم من نواقض الوضوء]

- ‌[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء]

- ‌فصل في الغسل

- ‌[فرائض الغسل]

- ‌[سنن الغسل]

- ‌[البدء بغسل اليدين في الغسل]

- ‌[الوضوء من سنن الغسل]

- ‌المعاني الموجبة للغسل:

- ‌[إنزال المني من موجبات الغسل]

- ‌[التقاء الختانين من موجبات الغسل]

- ‌ الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام

- ‌[الأغسال المسنونة]

- ‌[باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز]

- ‌[ماء البحر]

- ‌[الوضوء بما اعتصر من الشجر والثمر]

- ‌[الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم]

- ‌[الطهارة بماء غلب عليه غيره]

- ‌[الطهارة بالماء الذي خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه]

- ‌[الوضوء بالماء الذي وقعت فيه نجاسة]

- ‌[حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء]

- ‌[حكم موت ما يعيش في الماء فيه]

- ‌[حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث]

- ‌[المقصود بالماء المستعمل وأقسامه]

- ‌الجنب إذا انغمس في البئر

- ‌[طهارة الجلود بالدباغ]

- ‌[طهارة جلد الكلب والخنزير]

- ‌[هل الكلب نجس العين]

- ‌ الانتفاع بأجزاء الآدمي

- ‌ ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة

- ‌شعر الميتة وعظمها طاهر

- ‌[الأعيان الطاهرة]

- ‌شعر الإنسان وعظمه

- ‌فصل في البئر

- ‌[حكم وقوع النجاسة في البئر]

- ‌فصل في الأسآر وغيرها

- ‌[سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه]

- ‌سؤر الكلب

- ‌[سؤر الحائض]

- ‌[سؤر الخنزير وسباع البهائم]

- ‌سؤر الهرة

- ‌[سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن البيوت]

- ‌[سؤر الحمار والبغل والفرس]

- ‌[حكم الطهارة بنبيذ التمر]

- ‌باب التيمم

- ‌[تعريف التيمم]

- ‌[شرائط التيمم]

- ‌[عدم وجود الماء]

- ‌[العجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه]

- ‌[خوف الضرر من استعمال الماء]

- ‌[أركان التيمم]

- ‌[كيفية التيمم]

- ‌[تيمم الجنب]

- ‌[تيمم الحائض والنفساء]

- ‌[ما يتيمم به]

- ‌[التيمم بالغبار مع وجود الصعيد]

- ‌والنية فرض في التيمم

- ‌[نية التيمم للحدث أو الجنابة]

- ‌[مبطلات التيمم]

- ‌[ما يباح بالتيمم]

- ‌[التيمم لصلاة الجنازة والعيدين ونحوها]

- ‌[التيمم لصلاة الجمعة]

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌[حكم المسح على الخفين]

- ‌[شروط المسح على الخفين]

- ‌[مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر]

- ‌[كيفية المسح على الخفين]

- ‌[المسح على خف فيه خرق كبير]

- ‌[المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل]

- ‌[نواقض المسح على الخفين]

- ‌[المسح على الجرموقين]

- ‌ المسح على الجوربين

- ‌[المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما]

- ‌ المسح على الجبائر

- ‌[حكم المسح على الجبائر]

- ‌باب الحيض والاستحاضة

- ‌[تعريف الحيض وأركانه]

- ‌أقل الحيض

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[أكثر الحيض]

- ‌[ما يسقطه الحيض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض]

- ‌[ما تقضيه الحائض من العبادات]

- ‌[ما يحرم على الحائض والجنب]

- ‌[دخول الحائض والجنب المسجد]

- ‌[طواف الحائض والجنب]

- ‌[قراءة القرآن للحائض والجنب]

- ‌[مس المصحف للمحدث والحائض والجنب]

- ‌[فروع فيما يكره للحائض والجنب]

- ‌[دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين]

- ‌[انقطاع دم الحيض لأقل من عشرة أيام]

- ‌[حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]

- ‌أقل الطهر

- ‌[حكم دم الاستحاضة]

- ‌[فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم]

- ‌فصل في النفاس

- ‌[تعريف النفاس]

- ‌السقط الذي استبان بعض خلقه

- ‌[أقل النفاس وأكثره]

- ‌باب الأنجاس وتطهيرها

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[حكم تطهير النجاسة]

- ‌[ما يجوز التطهير به وما لا يجوز]

- ‌[الماء القليل إذا ورد على النجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الخف الذي لحقته نجاسة]

- ‌[كيفية تطهير الثوب الذي لحقته نجاسة]

- ‌[حكم المني وكيفية تطهيره]

- ‌النجاسة إذا أصابت المرآة والسيف

- ‌[الحكم لو أصاب المني البدن]

- ‌[كيفية تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة]

- ‌[ما يعفى عنه من النجاسات]

- ‌[حكم الروث أو أخثاء البقر]

- ‌ بول الحمار

- ‌[حكم بول الفرس]

- ‌[حكم خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور]

- ‌ لعاب البغل والحمار

- ‌[قدر الدرهم من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار]

- ‌[أنواع النجاسة]

- ‌فصل في الاستنجاء

- ‌[حكم الاستنجاء]

- ‌[ما يجوز به الاستنجاء به وما لا يجوز]

- ‌[ما يكون به الاستنجاء]

- ‌[الاستنجاء بالعظم والروث]

الفصل: ‌[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء]

هو الصحيح ومنه الكاعب.

قال: والمفروض في المسح مقدار الناصية وهو ربع الرأس

ــ

[البناية]

الكعب هو العظم النابت في جانب القدم لأن الرمية إذا كانت من وراء الماشي لا تصيب ظهر القدم.

م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما روي عن هشام بن عبد الله الرازي أنه في ظهر القدم عند معقد الشراك، قالوا: إن ذلك سهو من هشام في نقله عن محمد بن الحسن رحمه الله؛ لأن محمدا قال في مسألة المحرم إذا لم يجد النعلين حتى يقطع خفيه أسفل الكعبين، وأشار محمد بيده إلى موضع القطع فنقله هشام إلى باب الطهارة، وقال ابن حجر في شرح البخاري: قال أبو حنيفة الكعب هو العظم الشاخص في ظهر القدم، قال: وأهل اللغة لا يعرفون ما قال. قلت: هذا جهل منه لمذهب أبي حنيفة فإن ما ذكر ليس قولا له ولا نقله عنه أحد من أصحابه فكيف يقول قال أبو حنيفة كذا وكذا وهذا جرأة على الأئمة منه.

م: (ومنه الكاعب) ش: أي ومن الكعب اشتقاق الكاعب وهي الجارية التي يبدو ثديها للنهود، وكذلك الكعاب بفتحتين بمعنى الكاعب، وقد كعبت تكعب بالضم كعوبا وكعب بالتشديد مثله، وأشار بذلك إلى تأييد قوله: الكعب والكعب هو الناتئ؛ لأن وجوه الاشتقاق يدل على ذلك، ولذا يقال للنواشر في أطراف الأنابيب كعوب، ومنه الكعبة لارتفاعها على سائر البيوت ويقال لربعها. فرع لو قطعت رجليه وبقي بعض الكعب يجب غسل البقية وموضع القطع وكذا في المرفق.

[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء]

م: (والمفروض في المسح مقدار الناصية) ش: أي المقدار على جهة الفريضة في مسح الرأس قدر الناصية، الألف واللام فيه للعهد يعني ذلك المسح الذي يثبت بالنص لا بخبر الواحد عندنا وأراد به الفرض اللغوي لا الشرعي فإن الآية مجملة والفرض لا يثبت بخبر الواحد، ويجوز أن يراد به الفرض الشرعي على الرواية التي هي أنه مقدر بثلاثة أصابع؛ لأن دخول الآلة تحت النص بطريق الاقتضاء يكون ثابتا بمقتضى النص لا بخبر الواحد.

فإن قلت: لو دخلت الآلة تحت النص كان ينبغي أن لا يتأدى المسح بدون الآلة وهي أكثر اليد وقد يتأدى بإصابة المطر بلا استعمال اليد، وقد نص في " المبسوط "" والخلاصة " وغيرهما بذلك.، قلت: ثبوت الآلة بطريق الضرورة لا بطريق القصد فإن من أمر بالصعود على السطح دخل بنصب السلم تحت الأمر ضرورة لا قصدا حتى لو حصل الصعود من غير مضيه سقط اعتباره لكونه غير مقصود.

م: (وهو ربع الرأس) ش: أي مقدار الناصية ربع الرأس وليست الناصية ربع الرأس على الحقيقة؛ لأن هذا لا يحتاج إلى تكسر ومساحة حتى يتبين أنها ربع الرأس على الحقيقة وإنما هي مقدار الناصية، قال ابن فارس: الناصية قصاص الشعر، ثم فسر القصاص بأنه نهاية منبت الشعر

ص: 166

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

من مقدم الرأس، فهذا أعم من أن يكون ربع الرأس على الحقيقة، أو باعتبار أنه أحد الأركان الأربعة وهي: القفا والناصية والقودان، والقفا يقاله له: القذال أيضا بفتح القاف والذال المعجمة. وقال الجوهري: القذال جمع مؤخر الرأس وهو معقد العذار من الفرس خلف الناصية، ويقال: القذالان ما اكتنفا ما بين القفا من يمين وشمال، ويجمع أقذلة وقذل، والقودان فتح القاف وسكون الواو تثنية قود، وقال الجوهري: قود الرأس جانبه. ثم اعلم أن للفقهاء في هذه المسائل ثلاثة عشر قولا: ستة عن المالكية حكاها ابن العربي والقرطبي.

قال ابن مسلمة صاحب مالك: يجزئه مسح ثلثيه، وقال أشهب، وأبو الفرج: يجزئه الثلث، وروى الرقي عن أشهب يجزئه مقدم رأسه، وهو قول الأوزاعي والليث وظاهر مذهب مالك الاستيعاب وعنهم: يجزئه أدنى ما يطلق عليه اسم المسح، والسادس: مسح كلها، ويعفى عن ترك شيء يسير منه يعزى إلى الطرطوسي، وللشافعية قولان: صرح أكثرهم بأن مسح شعرة واحدة يجزئه، وقالوا: يتصور ذلك بأن يكون رأسه مطليا بالحناء بحيث لم يبق ظاهرا إلا شعرة واحدة فأمر يده عليها وهذا ضعيف جدا، فإن الشرع لا يرد بالصورة النادرة التي يكلف في تصورها.

وقال ابن القاضي: الواجب ثلاث شعرات وهذا أخف من الأول ويحصل أضعاف ذلك بغسل الوجه وهو يجزئ عن المسح في الصحيح، والنية عند كل عضو ليست بشرط بلا خلاف عندهم، ودليل الترتيب ضعيف، وعندنا في المفروض منه ثلاث روايات في ظاهر الروايات ثلاثة أصابع ذكره في " المحيط " و " المفيد " وهو راوية هشام عن أبي حنيفة رضي الله عنه وفي رواية الكرخي والطحاوي مقدار الناصية وذكر في اختلاف زفر عن أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف أنهما قالا: لا يجزئه إلا أن يمسح مقدار ثلث رأسه أو ربعه. وروى ابن يحيى بن أكثم عن محمد أنه اعتم ربع الرأس، وقال أبو بكر: عندنا أعني فيه روايتان الربع والثلاث أصابع، وبعض المشايخ صحح رواية ثلاث أصابع احتياطا، وفي " جوامع الفقه " عن الحسن يجب مسح أكثر الرأس. وعن أحمد: مسح جميعه وعنه يجزئ مسح بعضه، والمرأة يجزئها مسح مقدم رأسها في ظاهر قوله، وفي " المغني ": لا خلاف بين الآية في وجوب مسح الرأس، وقد نص الله سبحانه وتعالى عليه بقوله:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] واختلف في قدر الواجب، فروي عن أحمد وجوب مسح الجميع في حق كل أحد، وهو ظاهر كلام الخرقي، ومذهب مالك، والرواية الثانية: يجزئ مسح بعضه، قال أبو الحارث: قلت لأحمد: فإن مسح برأسه وترك بعضه، قال: يجزئه ثم قال: ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله، ونقل عن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدام رأسه، وابن عمر مسح اليافوخ.

ص: 167

لما روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه»

ــ

[البناية]

وممن قال يمسح البعض الحسن، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي إلا أن الظاهر عن أحمد في حق الرجل وجوب الاستيعاب وفي حق المرأة يجزئها مقدم الرأس. قال الخلال: العمل في مذهب أبي عبد الله أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها وقال مهنا: قال أحمد أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل. واعلم أن قول المصنف و " المفروض في مسح الرأس مقدار الناصية " إشارة إلى أن الناصية لا تتعين حتى لو مسح القذال أو أحد القودين جاز ولا يجزئ مسح الأذنين عنه؛ لأن كون الأذنين من الرأس احتمالا لثبوته بخبر الواحد فأشبه التوجه إلى الحطيم هكذا ذكره وفيه نظر؛ لأن الحطيم من المسجد الحرام قطعا وقد أمرنا بالتولية بوجوهنا شطر المسجد الحرام بقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 149] الآية (البقرة: الآية 149) لكن قد أريد به الكعبة بالإجماع، وهو من باب ذكر الكل وإرادة الجزء.

م: (لما روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه» ش: الكلام فيه على أربعة أنواع: الأول المغيرة بضم الميم وكسرها ابن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن صعقب بعين مهملة وبالمثاة من فوق وباء موحدة ابن مالك بن كعب بن عمرو ابن سعد بن عمرو بن قيس بن منبه وهو ثقيف بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة ابن قيس غيلان بن نصر بن نزار يكنى أبا علي ويقال: أبا عبيد الله ويقال أبا محمد أسلم عام الخندق.

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وستة وثلاثين حديثا اتفقا على تسعة وللبخاري حديث ومسلم حديثان، روى عنه جماعة منهم عروة بن الزبير وأبو إدريس الخولاني والشعبي، وروى عنه بنو عروة وحمزة وعقار بنو المغيرة ومولاه، ومات بالمدينة سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين روى له الجماعة.

ص: 168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

الثاني: أن هذا الحديث مركب من حديثين رواهما المغيرة بن شعبة، جعلهما المصنف حديثا واحدا، وقد تبع في ذلك أبا الحسن القدوري رحمه الله وقال الشيخ أكمل الدين قيل هذا حديث واحد، وقيل حديثان، جمع القدوري بينهما. قلت: هذا عجز ظاهر منه حيث صرح بقوله: قيل: هذا حديث واحد، وهذا القول غير صحيح، والقول الثاني هو الصحيح، ومع هذا لم يبين كيف روى الحديثان، ولا التفت إليه والعجب منه ومن نظرائه الذين تصدوا لتأليف الشروح على مثل " الهداية " كيف قصروا فيما يتعلق بالأحاديث التي يستدل بها في هذا الكتاب، وهل مبنى هذا العلم إلا عليها وليس بناؤها على شفا جرف هار، فنحن بين ذلك بعون الله وتوفيقه.

أما الحديث الأول الذي فيه ذكر السباطة والبول، فأخرجه ابن ماجه في سننه حدثنا إسحاق ابن منصور حدثنا أبو داود حدثنا سعيد عن عاصم عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما، قال شعبة قال عاصم يومئذ» .

ورواه البخاري ومسلم عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما ثم دعا بماء فجئته به ثم توضأ. وزاد مسلم " ومسح على خفيه» ووهم الشيخ علاء الدين التركماني في هذا الحديث بعد أن حكاه بلفظ البخاري وزيادة مسلم أخرجاه وليس كذلك بل انفرد مسلم فيه بالمسح على الخفين وصرح بذلك عبد الحق بالجمع بين الصحيحين، وقال: لم يذكر البخاري فيه المسح على الخفين، ووهم المنذري أيضا فعزاه إلى المتفق وتبع في ذلك ابن الجوزي فوهم وتعقبه ابن عبد الهادي لما ذكرنا من تصريح عبد الحق.

وأما الحديث الثاني ففيه ذكر المسح على الناصية والخفين فأخرجه مسلم عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين» .

رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا وأخرجه الطحاوي من حديث الربيع ابن سليمان المؤذن قال: حدثنا يحيى بن حبان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وعليه عمامة فمسح على عمامته ومسح بناصيته» .

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وأخرجه الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا الشافعي إلى آخره نحو رواية الطحاوي وأخرجه البيهقي من هذا الطريق في كتاب " المعرفة " وأخرجه الطبراني حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي حدثنا محمد بن بكار حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن محمد بن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة قال: «مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناصيته وعمامته ومسح على خفيه وأنا أشاهد ذلك» وأخرجه أحمد أيضا في مسنده مطولا. ووهم الشيخ علاء الدين أيضا في هذا الحديث حيث جعل الحديث الذي ذكره المصنف مركبا من حديث المغيرة الذي فيه المسح على الناصية وعلى الخفين ومن حديث حذيفة الذي فيه ذكر السباطة والبول، وليس كذلك بل هو مركب من حديث المغيرة كما ذكرناه واضحا.

النوع الثالث: أن السباطة بضم السين الكناسة وهي المكنوسة من التراب وغيره، وأريد به المكان الذي تلقى فيه الكناسة بطريق إطلاق اسم الحال على المحل ثم الإضافة فيه قيل للاختصاص، وقيل: للملك؛ لأنها كانت مواتا مباحة، وقيل: لا موات في المدينة، وقيل: كانت للناس عامة وأضيفت إليهم لقربها منهم، وتباح عموما لكل مائل، وقيل: خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يكرهون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يحمل على الإذن في ذلك.

النوع الرابع: أن هذا الحديث صحيح لا نزاع فيه لأحد وهو حجة لمن يقول بأن الفرض في مسح الرأس مقدار الناصية فإن قلت: الحديث يقتضي بيان عين الناصية، والمدعى ربع غير معين، وهو مقدار الناصية، فلا يوافق الدليل المذكور.

قلت: الحديث يحتمل تعيين بيان المجمل وبيان المقدار وخبر الواحد يصح بيانا لمجمل الكتاب والإجمال في المقدار دون المحل؛ لأنه الرأس وهو معلوم فلو كان المراد منه العين يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد. فإن قلت: لا نسلم أن الإجمال في المقدار لأن المراد منه مطلق البعض بدليل الباء في المحل والمطلق لا يحتاج إلى البيان قلت: المراد بعض مقدار لا مطلق المقدار بوجوه:

الأول: أن المسح يطلق على أدنى ما يطلق عليه الاسم وهو مقدار شعرة غير ممكن إلا بزيادة غير معلوم.

الثاني: أن الله تعالى أفراد المسح بالذكر ولو كان المراد بالمسح مسح مطلق البعض وهو حاصل في ضمن الغسل لم يكن للإفراد بالذكر فائدة.

ص: 170

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

الثالث: أن المفروض في سائر الأعضاء غسل مقدر فكذا في هذه الوظيفة فكان مجملا في حق المقدار فيكون فعله عليه السلام بيانا.

الرابع: أن المذكور في الأحاديث المذكورة الإتيان إلى سباطة قوم والبول فيها قائما والتوضؤ والمسح على الناصية والخفين والعمامة مقدم عن قريب.

فإن قلت: قد روى الأربعة أنه عليه السلام إذا أراد حاجة أبعد فكيف بال في السباطة التي تقرب الدور. قلت لعله كان مشغولا بأمور المسلمين والنظر في مصالحه وطال عليه المجلس حتى خرقه البول فلم يمكنه التباعد ولو أبعد لكان تضرر وارتداد السباطة لدمسها وكان حذيفة يقربه بيده من الناس مع أنهم كانوا يؤثرون ذلك ولا يكرهون بل يضرجون به ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه والأكل من طعامه والاستهداد من مجرته، ولهذا ذكر علماؤنا من دخل بستان غيره يباح له الأكل من الفاكهة كالهبة إذا كان بينه وبين صاحب البستان انبساط ومحبة، وأما البول قائما فأخرجه البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «أتى سباطة قوم فبال قائما الحديث.» فيه وجوه: الأول لما كان به وجع الصلب إذ ذاك. والثاني ما رواه البيهقي برواية ضعيفة " أنه عليه السلام «بال قائما لعلة بمأبضه» والمأبضة بهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء موحدة وهو باطن الركبة، والثالث: أنه عليه السلام لم يجد مكانا للقعود فاضطر إلى القيام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان غالبا مرتفعا، والرابع: ما ذكره القاضي وهو كون البول قائما حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر في الغالب بخلاف حالة القعود، وكذلك قال عمر رضي الله عنه " البول قائما حض للدبر "، والخامس: أنه عليه السلام فعله بيانا للجواز في هذه المرة وكان عادته المستمرة للبول قاعدا يدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدا» رواه أحمد والنسائي والترمذي بإسناد جيد.

وقد روي في النهي عن البول قائما أحاديث ثابتة ولكن حديث عائشة رضي الله عنها هذا ثابت ولهذا قال العلماء يكره البول قائما إلا لعذر وهي كراهة تنزيه لا تحريم وقال ابن المنذر:

ص: 171

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

اختلف في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد رضي الله عنه أنهم بالوا قياما وذلك عن أنس وعلي وأبي هريرة رضي الله عنهم وفعل ذلك ابن سيرين وعروة بن الزبير. وكرهه ابن مسعود والشعبي وإبراهيم وابن سعد وكان إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائما.

وقال ابن المنذر: فيه قول ثالث أنه إذا كان يتطاير إليه من البول شيء فهو مكروه وإن كان لا يتطاير فلا بأس، وهو قول مالك، وقال ابن المنذر: البول جالسا أحب إلي وقائما مباح وكل ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الطحاوي رحمه الله: لا بأس بالبول قائما، وأما تعريضه عليه السلام فيجيء بيانه إن شاء الله تعالى.

1 -

وأما المسح على العمامة فقد اختلف فيه أهل العلم: فذهب إلى جوازه جماعة من السلف، وقال به من فقهاء الأمصار الأوزاعي، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور وداود وقال أحمد وجاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه، وشرط في جواز المسح على العمامة أن يقيم الماسح عليه بعد كمال الطهارة كما يفعله من يريد المسح على الخفين، وروي عن طاووس أنه قال: يمسح على العمامة التي تجعل تحت الذقن وإلى المسح على العمامة أكثر الفقهاء، وتأولوا الخبر في المسح على العمامة على معنى أنه كان يقتصر على مسح بعض الرأس فلا يجب كله مقدمه ومؤخره ولا ينزع عمامته عن رأسه ولا ينقضها، وجعلوا خبر المغيرة بن شعبة كالمفسر له وهو أنه وصف وضوءه ثم قال: ومسح بناصيته وعلى عمامته فوصل مسح الناصية بالعمامة وإنما وقع أداء الواجب من مسح الرأس بمسح الناصية إذ هي جزء من الرأس وصارت العمامة تبعا له كما وري أنه مسح أسفل الخف وأعلاه ثم كان مسح الواجب في ذلك مسح أعلاه وصار مسح أسفله كالتبع له. وأما الحديث الذي رواه أحمد في مسنده ورواه عنه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين.» فتأويله أنه يجوز أن يكون من قبيل ذكر الحال وإرادة المحل وذكر عاصب وأراد ما يحويه العصائب مجازا أو العصائب العمائم، سميت بذلك؛ لأن الرأس تعصب بها وكلما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو خرقة فهو عصابة والتساخين الخفاف وقيل واحدهما تسخن أو تسخان.

وذكر حمزة الأصبهاني أن الثخان فارسي معرب تسخان، وأما الحديث الذي رواه أبو داود

ص: 172

والكتاب مجمل فالتحق بيانا به

ــ

[البناية]

حدثنا عبد الله بن معاذ قال: حدثنا شعبة عن أبي بكر يعني ابن حفص بن عمر بن سعد سمع أبا عبيد الله عن أبيه عبد الرحمن السلمي أنه شهد «عبد الرحمن بن عوف سأل بلالا عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان يخرج فيقضي حاجته فآتيه بالماء فيتوضأ فيمسح على عمامته وموقيه» .

فالجواب عنه أن المراد به مسح ما تحته من قبيل إطلاق اسم الحال على المحل، وأوله بعض أصحابنا أن بلالا كان بعيدا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ولم يضع العمامة من رأسه فظن بلال أنه مسح على العمامة، وفي " الغاية " وبذكر المسح على العمامة تأويلان:

أحدهما: أن المسح عليها لم يكن عن قصد بل تبع بمسح البعض كما نشاهد ذلك إذا مسح على البعض وعلى الرأس عمامة.

الثاني: أنه يحتمل أن يكون به زكام فمسح على عمامته تكميلا للسنة بعد مسح الواجب منه يدل على ذلك اقتصاره على مقدم رأسه. وذكر المسح على عمامته في حديث رواه أبو داود عن أنس رضي الله عنه «أنه عليه السلام توضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يده تحت العمامة ومسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة» والقطرية بكسر القاف وسكون الطاء المهملة وكسر الراء ثياب حمر بها أعلام ينسب إلى قطر موضع بين عمان وسي البحر بكسر السين وسكون الياء آخر الحروف وهو ساحله، وقال الأزهري وقع في بعض الأحاديث الاقتصار على ذكر العمامة والخمار وفي بعضها على عمامته وخفيه أخرجه البخاري، وفي حديث المغيرة معهم الناصية، قال الخطابي والبيهقي في الجواب ما تحصيله أن المحتمل يحمل على الحكم وإنما حذف الراوي الناصية في بعضها لأن بعضها معلوم مقدمة فحذفه؛ لأن الله تعالى فرض مسح الرأس والعمامة ليست من الرأس فلا يترك اليقين بالمحتمل وقياسها على الخف بعيد؛ لأنه يشق نزعه.

م: (والكتاب مجمل فالتحق بيانا به) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال حديث المغيرة من أخبار الآحاد فلا يزاد به الكتاب، وتقرير الجواب أن هذا ليس من باب الزيادة على الكتاب بل الكتاب مجمل " فالتحق الخبر بيانا به " أي بالكتاب إذ التقدير التحق فعل النبي صلى الله عليه وسلم بيانا به، والمجمل ما ازدحمت فيه المعاني وأشبه المراد به اشتباها لا يدرك نفس العبارة بل الرجوع في الاستفسار ثم الطلب ثم التأمل.

فإن قلت: نسلم أن الكتاب مجمل؛ لأن المجمل ما لا يمكن العمل به، الإتيان من المجمل والعمل بهذا النص ممكن بحمله على الأقل لتيقنه، قلت لا نسلم أن العمل به قبل التبيان في

ص: 173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

المجمل وإلا قد يكون أقل من شعرة والمسح عليها لا يكون إلا بزيادة عليها وما لا يمكن الفرض إلا به فهو فرض والزيادة غير معلومة فتحقق الإجمال في المقدار.

فإن قلت: سلمنا أنه مجمل والخبر بيانا له ولكن الدليل أخص من المدلول فإن المدلول مقدار الناصية وهو ربع الرأس والدليل يدل على تعيين الناصية ومثله لا يفيد المطلوب.

قلت: البيان لما فيه الإجمال فكانت الناصية بيانا للمقدار لا للمجمل المسمى وهو الناصية والإجمال في المجمل فكان من باب ذكر الخاص وإرادة العام وهو مجاز شائع فكانا متساويين في العموم.

فإن قلت: لا نسلم أن مقدار الناصية فرض؛ لأن الفرض الخاص ما يثبت بدليل قطعي وخبر الواحد لا يفيد القطع ولئن سلمناه ولكن لازمه وهو تكفير الجاحد منتف فينفي الملزوم، قلت: الأصل في هذين خبر الواحد إذا لحق بيانا للمجمل كان الحكم بعده مضافا إلى المجمل دون البيان والمجمل من الكتاب والكتاب دليل قطعي ولا نسلم انتفاء اللازم؛ لأن الجاحد من لا يكون مؤولا وموجب الأقل أو الجمع متأول معتمد شبهة تقوية وقوة الشبهة تمنع التكفير من الجانبين ألا ترى أن أهل البدع لا يكفرون بما منعوا ما دل عليه الدليل القطعي في نظر أهل السنة لتأويلهم وقال السغناقي: فإن قيل الفرض هو الذي يوجب العلم اعتقادا باعتبار أنه ثابت بدليل مقطوع فيه فلهذا يكفر جاحده وكفر الجاحد غير ثابت هذا في حق أي في حق المقدار فكيف يكون فرضا؟

قلنا: إن لم يكن ثابتا في حق المقدار لكن الثلاثة أعني الوجوب والعلم وكون الدليل مقطوعا به وكفر الجاحد كلها ثابتة في حق أهل المسح فمسمى المقدار باسم أصل المسح إطلاقا للاسم المتضمن على المتضمن؛ لأن المقدار تفسير هذا المسح والمفسر متأول التفسير وإلا لا يكون تفسيرا له، ونقول الفرض على نوعين قطعي وهو ما ذكر، وظني وهو الفرض على زعم المجتهد كإيجاب الطهارة بالفصد والحجامة عند أصحابنا، فإنهم يقولون تعترض عليه الطهارة عند إرادة الصلاة، أو تقول يطلق اسم الفرض على الوجوب كما يطلق اسم الوجوب على الفرض في قوله الزكاة واجبة والحج واجب لاكتفائهما في معنى اللزوم على البدل وقال صاحب " الاختيار ": الإجمال في النص من حيث إنه يحتمل إرادة الجمع كما قال مالك ويحتمل إرادة الربع كما قلنا.

ويحتمل إرادة الأقل كما قال الشافعي وهذا ضعيف؛ لأن في احتمال إرادة الجميع تكون الباء في {بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] زائدة وهو بمنزلة المجاز لا يعارض الأصيل كما ذكرنا في الأصول والعمل هاهنا ممكن بأي بعض كان فلا يكون النص بهذين الاحتمالين مجملا، وقال أبو بكر الرازي رحمه الله في " الأحكام " قَوْله تَعَالَى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] يقتضي مسح بعضه

ص: 174

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وذلك أنه معلوم أن هذه الأدوات موضوعة لإفادة المعاني، وإن كانت قد يجوز دخولها في بعض المواضع صلة فتكون ملغاة ويكون وجودها وعدمها سواء ولكن لما أمكن استعمالها هاهنا على وجه الفائدة لم يجزئ إلغاؤها، فلذلك قلنا إنها للتبعيض، والدليل على ذلك أنك قلت مسحت يدك بالحائط كان المفعول مسحها ببعضه دون جميعه، ولو قلت: مسحت الحائط كان المفعول مسح جميعه دون بعضه فوضح الفرق بين إدخالها وإسقاطها في العرف واللغة فإذا كان كذلك تحمل الباء في الآية على التبعيض مستوفية لحقها وإن كانت في الأصل للإلصاق إذ لا منافاة بينهما؛ لأنها تكون مستعملة للإلصاق في تفسير المفروض.

والدليل على أنها للتبعيض ما روى عمر بن علي بن مقدم عن إسماعيل بن حماد عن أبيه حماد عن إبراهيم في قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] قال إذا مسح لبعض الرأس أجزأه فإذا قال وامسحو رؤوسكم كان الفرض مسح الرأس كله فأخبر أن الباء للتبعيض وقد كان من أهل اللغة مقبول القول فيها ويدل على أنه قد أريد بها التبعيض في الآية اتفاق الجميع على جواز ترك القليل من الرأس في المسح والاقتصار على البعض وهذا هو اشتمال اللفظ فحينئذ احتاج إلى دلالة في إثبات المقدار الذي حده.

فإن قيل: إذا كانت للتبعيض لما جاز أن يقال مسحت برأسي كله كما يقال مسحت ببعض رأسي كله، قيل له قدمنا أن حقيقتها إذا أطلقت للتبعيض مع احتمال كونها ملغاة فإذا قال مسحت برأسي كله علمنا أنه أراد أن تكون الباء ملغاة نحو قَوْله تَعَالَى {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] (الأعراف: الآية 59، 65، 73) ونحو ذلك.

فإن قلت: قال ابن جني وابن برهان من زعم أن الباء للتبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه. قلت: أثبت الأصمعي، والفارسي، والقتبي، وابن مالك التبعيض، وقيل: هو مذهب الكوفيين وجعلوا منه {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6](الإنسان: الآية 6) . وقول الشاعر:

شربنا بماء البحر ثم ترفعنا

وقال بعضهم الباء في الآية للاستعانة وإن في الآية حذفا وقلبا فإن " مسح " يتعدى إلى المزال عنه بنفسه وإلى المزيل بالباء فالأصل امسحوا رؤوسكم بالماء والتحقيق في هذا الموضع أن الباء للإلصاق بأن دخلت في الآلة المسح نحو مسحت الحائط بيدي يتعدى إلى المحل تقديره ألصقوا برؤوسكم فإذا لم يتناول كل المحل يقع الإجمال في قدر المفروض منه ويكون الحديث بينا لذلك كما قدرناه.

فإن قلت: أليس أن في حكم التيمم حكم المسح بقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43](سورة النساء: الآية 43) ثم الاستيعاب شرط فيه. قلت: أما على رواية الحسن عن أبي حنيفة لا يشترط فيه الاستيعاب لهذا المعنى وأما على ظاهر الرواية فعرفناه بإشارة الكتاب وهو أن الله تعالى

ص: 175

وهو حجة على الشافعي رحمه الله في التقدير بثلاث شعرات وعلى مالك رحمه الله في اشتراط الاستيعاب،

ــ

[البناية]

أقام التيمم في هذين العضوين مقام الغسل عند تعذره والاستيعاب في الغسل فرض وكذا فيما أقيم مقامه أو بالسنة المشهورة وهو «قوله صلى الله عليه وسلم لعمار رضي الله عنه ما يكفيك ضربة للوجه وضربة للذارعين» .

م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على الشافعي رحمه الله) ش: بيان كونه حجة على الشافعي أنه لما التحق بالكتاب على وجه البيان له صار الكتاب ردا له لذلك فصار حجة عليه.

م: (في التقدير بثلاث شعرات) ش: من شعر الرأس وهذا الذي نسبه إلى الشافعي وجه شاذ في مذهبه مذكور في " الروضة " والواجب في مسح الرأس ما يطلق عليه الاسم ولو بعض شعرة أو قدره في البشرة وفي وجه شاذ يشترط ثلاث شعرات، وشرط الشعر الممسوح أن لا يخرج حد الرأس لو سدل سبطا كان أو جعدا انتهى. م:(وعلى مالك) ش: أي هو حجة أيضا على مالك بن أنس، (في اشتراط الاستيعاب) ش: أي في اشتراط استيعاب الرأس بالمسح، واعلم أن الذي ذهب إليه الشافعي في مسح الرأس لم يوجد له نص في الأحاديث التي رويت في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ما ذهب إليه مالك وأصحابنا.

أما ما ذهب إليه مالك فهو حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رواه مالك، عن عمرو بن يحيى المازني «عن عبد الله قال شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم، فدعا بتور من ماء فتوضأ لهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكفأ على يده من التور فغسل يديه ثلاثا، ثم أدخل يده في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات، ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين مرة، ثم أدخل يده في التور فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه. أخرجه الجماعة كلهم من حديث مالك رحمه الله، وأما ما ذهب إليه أصحابنا فهو حديث المغيرة فيما مضى» .

فإن قلت: كان ينبغي أن يكون الفرض مسح جميع الرأس بمقتضى حديث عبد الله بن زيد كما ذهب إليه مالك قلت: لما روي عنه صلى الله عليه وسلم الاقتصار على الناصية دل على أن ما فوق ذلك مسنون ونحن نقول به فقد استعملنا الخبرين وجعلنا المفروض مقدار الناصية إذ لم يرو عنه أنه مسح أقل منها وجعلنا ما زاد عليها مسنونا ولو كان المفروض أقل من قدر الناصية كما ذهب إليه

ص: 176

وفي بعض الروايات قدره بعض أصحابنا بثلاث أصابع اليد؛ لأنها أكثر ما هو الأصل في آلة المسح قال:

ــ

[البناية]

الشافعي لاقتصر النبي صلى الله عليه وسلم في حال مسحه على مقدار المفروض كما اقتصر على الناصية في بعض الأحوال.

م: (وفي بعض الروايات قدره أصحابنا بثلاث أصابع) ش: هذه رواية عن محمد ذكرها عنه في " نوادره " أنه إذا وضع ثلاث أصابع ولم يمدها جاز في قول محمد في الرأس والخف جميعا، ولم يجز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف حتى يمدها بقدر ما يصيب البلة ربع رأسه وهما اعتبرا الممسوح عليه ومحمد اعتبر الممسوح به وهو عشرة أصابع وربعها إصبعان ونصف، إلا أن الإصبع الواحد لا يجري جعل المفروض قدر ثلاثة أصابع وقال الشيخ قوام الدين في تفسير قوله " وفي بعض الروايات " إلى آخره وهو ظاهر الرواية؛ لأنه المذكور في الأصل فكان ينبغي على هذا أن يقول وعلى ظاهر الرواية لأن لفظة " بعض الروايات " مستعمل في غير ظاهر الرواية وقال الشيخ أكمل الدين: قيل: هي ظاهر الرواية لكونها المذكورة في الأصل فكان ينبغي أن يقول على ظاهر الرواية، قلت: ظاهر الرواية هو أن المفروض في مسح الرأس هو مقدار الناصية، والرواية التي فيها التقدير بثلاث أصابع هي رواية " النوادر " وهي غير ظاهر الرواية حتى يرد ما ذكره.

فرع: إذا وضع ثلاث أصابع ولم يمدها جاز عند محمد كما ذكرنا ولو أعاد إصبعا واحدة إلى الماء ثلاث مرات جاز. وكذا لو مسح بإصبع واحدة بجوانبها الأربعة؛ لأن ظاهرها وباطنها يقومان مقام إصبعين وجانبها مقام إصبع واحدة وقال السرخسي: الأصح عندي أنه لا يجوز، وفي " البدائع " ولو مسح بثلاث أصابع منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة لم يجز؛ لأنه لم يأت بالمفروض ولو مدها حتى أبلغ المفروض لم يجز عندنا خلافا لزفر، وفي " المحيط " إن كان الماء يتقاطر جاز كأنه أخذ ماء جديدا أو بلة وكذا لو مسح بالإبهام والسبابة وبينهما مفتوح يجوز كذا في " المجتبى " وفيه أيضا مسح شعر رأسه وفي " شرح الوجيز " المسح على بشرة الرأس يجوز ولا يضر كونها تحت الشعر، وقال بعض أصحابنا لا يجوز لانتقال الفرض إلى الشعور، ولو غسله بدل المسح قيل لا يجوز؛ لأنه مأمور بالمسح، والأصح أنه يجوز؛ لأن الغسل مسح وزيادة، ثم هل يكره غسل بدل المسح قيل يكره؛ لأنه سرف كالغسلة الرابعة والأظهر أنه لا يكره. ولو بدأ رأسه ولم يمد اليد فيه قولان أصحهما أنه يجوز، وقال القفال: لا يجوز، ولو قطرت على رأسه قطرة لم يجزه فإن جرت كفي، وفي " مغني الحنابلة " إذا وصل إلى بشرة الرأس ولم يمسح على الشعر لم يجزه، وإن رد هذا النازل وعقده على رأسه لم يجزه المسح عليه، ولو نزل عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض فمسح عليه أجزأه، ولو خضب رأسه بما يستره أو طينه لم يجزه المسح على الخضاب والطين نص عليه أحمد في الخضاب، وإن غسل رأسه بدل مسحه فعلى وجهين: أحدهما لا يجزئه

ص: 177