الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأكثره عشرة أيام، وهو قول أنس رضي الله عنه وهو حجة على الشافعي رحمه الله في التقدير بيوم وليلة. وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه يومان، والأكثر من اليوم الثالث إقامة للأكثر مقام الكل، فقلنا: هذا نقص عن تقدير الشرع، وأكثره عشرة أيام، والزائد استحاضة
ــ
[البناية]
[أكثر الحيض]
م: (وأكثره عشرة أيام) ش: فقد أفادنا هذا الخبر مقدار الأقل والأكثر؛ لأن ما دون الثلاثة لا يسمى أياماً، ونقول ثلاثة إلى عشرة، ثم نقول أحد عشر يوماً، انتهى كلامه.
قلت: لم يبين من راوي هذا الحديث من الصحابة، ومن أخرجه من أهل الحديث، ورواه أبو داود والنسائي من «حديث فاطمة بنت أبي حبيش، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم فقال: " إذا أتاك قرؤك فلا تصلي، وإذا مر قرؤك فتطهري وصلي ما بين القرء إلى القرء» .
ورواه النسائي من حديث الزهري، عن عمرة من حديث عائشة رضي الله عنها «أن أم حبيبة رضي الله عنهما كانت مستحاضة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضها» ورواه ابن حبان من طريق هشام عن أبيه عنها نحوه.
ورواه البيهقي موقوفاً، والطبراني في " الصغير " مرفوعاً من طريق قمير بن أبي مسروق عنها وزاد:«إلى مثل أيام أقرائها» .
م: (وهو قول أنس رضي الله عنه) ش: أي المذكور في الحديث المذكور قول أنس بن مالك، وليس هذا في كثير من النسخ، وقد ذكرناه عن قريب مفصلاً.
م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على الشافعي في التقدير بيوم وليلة) ش: وعلى مالك أيضاً فيماً ذهب إليه من أن الدفعة حيض، وعلى أبي يوسف أيضاً فيما ذهب إليه من أن أقله يومان والأكثر من اليوم الثالث، ولكنه رواية عنه أشار المصنف إليه بقوله م:(وعن أبي يوسف أنه يومان والأكثر من اليوم الثالث إقامة الأكثر مقام الكل) ش: بضم الميم وإقامة نصب على أنه مفعول مطلق، والتقدير أقمنا إقامة أو أقيمت إقامة.
م: (قلنا هذا نقص عن تقدير الشرع) ش: هذا جواب عما ذهب إليه أبو يوسف، تقديره: أن الشرع نص على عدد معين فلا يجوز تغييره، فلو جاز النقص فيه لجاز في إقامة اليومين مقام الثلاثة؛ لأنها أكثرها ولأن العدد بعد النص عليه، يعتبر عليه كما له، كأعداد الركعات وأيام الصيام وغيره أي يومين لمراعاة نص العدد.
م: (وأكثره) ش: أي أكثر الحيض م: (عشرة أيام والزائد) ش: على العشرة م: (استحاضة) ش:
لما روينا وهو حجة على الشافعي رحمه الله في التقدير بخمسة عشر يوما
ــ
[البناية]
فتجري فيه أحكام الاستحاضة م: (لما روينا) ش: والمصنف لم يرو الحديث ولا يشير لأحد من الصحابة، وإنما ذكره م:(وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على الشافعي رحمه الله في التقدير) ش: أي في تقدير أكثر الحيض م: (بخمسة عشر يوماً) ش: وبه قال مالك، وأحمد في رواية، وأبو يوسف أيضاً في رواية، وأبو حنيفة أولاً، وداود، وأظهر الروايات عن أحمد: أنه سبعة عشر يوماً، وهو رواية عن مالك. وعنه: لا حد لقليله ولا لكثيره، ولم يذكر المصنف حجة الشافعي رضي الله عنه ولا حجة مالك.
وأما حجة الشافعي رضي الله عنه ومن وافقه فهو حديث رووه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تمكث إحداكن شطر عمرها أو دهر لا تصلي» وقال الشطر: النصف، فدل على أن أكثره خمسة عشر يوماً.
قلت: ذكر السغناقي هذا الحديث ولفظه لقوله صلى الله عليه وسلم في نقصان دين المرأة: " تقعد «إحداهن شطر عمرها لا تصوم ولا تصلي» ، وذكره الأترازي فقال قال صلى الله عليه وسلم:«ما رأيت ناقصات عقل ودين أقدر على سلب عقول ذوي الألباب، قيل: يا رسول الله! ما نقصان عقلهن ودينهن؟ فقال: أما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين شهادة رجل، وأما نقصان دينهن: فلأن إحداهن تمكث شطر عمرها لا تصلي» فعلم بهذا أن أكثر الحيض مقدر بخمسة عشر يوماً. وقال ابن منده: لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه، وقال ابن الجوزي: هذا لا يعرف. وقال النووي: هذا حديث باطل لا يعرف.
وقال البيهقي في كتاب " المعرفة ": والذي يذكره بعض فقهائنا من قعودها شطر عمرها أو دهرها لا تصلي، قد طلبت كثراً فلم أجده في شيء من كتب أصحاب الحديث، ولم أجد له إسناداً بحال، فهذا الحديث لم يثبت، وإنما الثابت من " الصحيحين " حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «ما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قال: وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر رمضان، فهذا نقصان الدين» والعجب من الأترازي يذكر هذا الحديث ويرضى به ويسكت، مع ادعائه أن له يداً في الحديث، ولم يكن له فيه غير قوله: لا نسلم أن مكث إحداهن شطر عمرها يدل على ما قلتم، بل المكث بهذه الصفة حاصل فيما قلنا، ألا ترى أن المرأة إذا بلغت بخمسة عشر سنة ثم حاضت من كل شهر عشرة أيام ثم ماتت بعد ستين سنة تكون تاركة الصلاة نصف عمرها لا محالة.
وقال السغناقي في جوابه: المراد ليس حقيقة الشطر؛ لأن في عمرها زمان الصغر ومدة الحبل وزمان الإياس، ولا يختص في شيء من ذلك، فعرفنا أن المراد به ما يقارب الشطر حيضاً، وإذا قدرنا بالعشرة بهذه الآثار فقد جعلنا ما يقارب الشطر حيضاً. وأما حجة مالك فإنه يقول: الكتاب
ثم الزائد والناقص استحاضة؛ لأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به، وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة والكدرة في أيام الحيض فهو حيض
ــ
[البناية]
مطلق عن التقييد بالزمان وهو قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222](البقرة: الآية 22) ، والتقييد ينافي الإطلاع، والجواب عنه أن الذي استدل به مجمل يحتاج إلى البيان، فالأحاديث المذكورة إجمالاً.
م: (ثم الزائد) ش: على العشرة م: (والناقص) ش: عن الثلاثة م: (استحاضة؛ لأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به) ش: أي غير تقدير الشرع بتقدير الشرع؛ لأن العقل لا ابتداء له في المقادير، ويقال: إن الدم الزائد والناقص إما أن يكون دم حيض، أو نفاس، أو استحاضة، فانتفى الأولان فتعين الثالث.
ثم اعلم أن هذه الأيام والليالي المقدرة في أقل الحيض والمرأة تعتبر بالساعات حتى لو رأت وقد طلع نصف قرص الشمس وانقطع في الرابع وقد طلع دون نصفه فليس بحيض فتتوضأ وتقضي الصلوات، ولو طلع تمام القرص تغتسل ولا تقضي، وكذا لو رأت معتادة بخمسة وقد طلع نصف الشمس وانقطع في الحادي عشر وقد طلع أكثرها اغتسلت وقضت صلوات خمسة أيام وإلا فلا.
وقال أبو إسحاق الحفاظ: هذا في أقل الحيض وأقل الطهر، وفيما سواها إن كانت المرأة أنها طهرت في الحادي عشر حد بها بعشرة وفي العاشرة سبعة وفي الطهر مثله، وما كان يتعرض للساعات وعليه الفتوى. م:(وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة والكدرة في أيام الحيض) ش: بضم الكاف وهي التي لونها كلون الماء الكدر في أيام الحيض م: (فهو حيض) ش: ارتفاع حيض على أنه خبر ما الموصولة أعني الألوان التي ذكرناها في أول الباب الموعود بذكره والألوان ستة: السواد، والحمرة، والصفرة، والكدرة، والخضرة، والتربية، وهي التي على لون التراب وهي نوع من الكدرة فحكمها حكم الكدرة وهي بضم التاء المثناة من فوق وسكون الراء وبكسر الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف.
وقال التربية: نسبة إلى الترب، والتراب والترب بضم التاء وهو التراب، وقيل: التاء بدل من الواو من لفظة ورأ؛ لأنها من لفظة ترى بعد الحيض. وقيل: هي تربية على وزن تفعله من برئي بفتح الباء وسكون الراء وكسر الهمزة وفتح الياء آخر الحروف، وقيل: فعلية ذكره الفراء. وقيل: تربة بتشديد الراء وتخفيفها مع الإدغام، وفي " قاضي خان ": الربية على وزن البرية. وذكر " المغرب " هي الرية؛ لأنها على لونها.
فإن قلت: لم يذكر السواد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
قلت: لا إشكال في كونه حيضاً، واستدل به صاحب " الدراية " ثم الأكمل في ذلك بقوله عليه السلام:«دم الحيض أسود غليظ محترم» ، وذكره الأترازي أيضاً ولم بين أحد منهم راويه من هو، ولا مخرجه من هو.
قلت: هذا روي من وجوه مختلفة، فروى أبو داود من حديث فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما ذلك عرق» .
وأخرجه النسائي أيضاً وزاد بعضهم فيه: و «أنه له رائحة» بعد قوله: " تعرف "، وليس كذلك بقولهما ودفع الشافعية تبعاً للنهاية بعد قوله: فإنما هو عرق انقطع، وأنكر ابن الصلاح والنووي وابن الرفعة قوله:" انقطع " وليس كذلك فإنه موجود في " سنن " الدارقطني والحاكم، والبيهقي، من طريق ابن أبي مليكة: جاءت خالتي فاطمة بنت حبيش إلى عائشة رضي الله عنها فذكر الحديث، وفيه:«فإنما هو داء عرض، أو ركضة من الشيطان أو عرق انقطع» .
وذكر الشافعية في صفته الأسود؛ لأنه محترم وليس له أصل، بل وقع في " تاريخ " العقيلي عن عائشة رضي الله عنها قالت: دم الحيض أحمر قاني، ودم الاستحاضة كغسالة اللحم، ووقعت الصفة المذكورة في كلام الشافعي في " الأم "، وذكروا أيضاً في صفته أنه أحمر سرق وليس له أصل، ولكن روى الدارقطني، والبيهقي، والطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعاً:«دم الحيض أسود خاثر تعلوه حمرة، ودم الاستحاضة أسود رقيق» ، وفي رواية:«دم الحيض لا يكون إلا أسود غليظا تعلوه حمرة، ودم الاستحاضة دم رقيق تعلوه صفرة» ، وذكر صاحب " المحيط " حديث فاطمة بنت أبي حبيش وفيه:«ليست بالحيضة، إنما هي ركضة من الشيطان، أو عرق عند، أو داء اعترض» .
قلت: قوله: " عرق عند "، ليس في كتب الحديث، وقوله:" أو داء اعترض " ذكره الدارقطني، ووقع في الطحاوي:«ولكن عرق فتقه إبليس» ، وذكر أصحابنا في الحديث «عرق انفجر» ، وهذا ذكره الشيخ تقي الدين في " شرح العمدة "، والذي وقع في البخاري ومسلم:«فإنما هو عرق» أي دم عرق، وهذا العرق يسمى العاذل. وفي " المبسوط ": قالت فاطمة بنت قيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أستحاض فلا أطهر، هذا وهم، وليست هي فاطمة بنت قيس، وإنما هي فاطمة بنت أبي حبيش كما مر آنفا، وفاطمة بنت قيس هي التي بت طلاقها زوجها، وقالت: لم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وقوله: محترم: بالحاء المهملة، قال الجوهري: احترام الدم اشتدت حمرته حتى يسود، وفسره الأكمل بقوله: أي طري شديد الحمرة إلى السواد. قلت: قوله: طري ليس له دخل تفسيره. قوله: " أو عرق عند " بفتح العين المهملة وكسر النون، ويقال له: العاذل أيضاً من عند العرق سال، ولم يرقأ. والعاذل: بالعين المهملة وكسر الذال المعجمة اسم للعرق الذي يسيل منه دم الاستحاضة، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن دم الاستحاضة فقال: ذاك العاذل يغذ وتستشفر بثوب ولتصل. وقوله: يعذر أي يسيل.
وأما الحمرة فهو اللون الأصلي للدم إلا عند غلبة السوداء يضرب إلى سواد. وعند غلبة الصفرة يضرب إلى الصفرة ويتبين ذلك لمن افتصد.
وأما الصفرة فهي من ألوان الدم إذا رق، وقيل: هي كصفرة البيض أو كصفرة القز. وفي " قاضي خان ": الصفرة تكون كلون السبر أو لون التين. وفي " المجتبى ": وهذه الثلاثة أعني الأسود والأحمر والأصفر حيض. وعن الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا: السواد والحمرة والصفرة حيض. وفي " مبسوط أبي بكر " عن أبي منصور الماتريدي: لو اعتادت أن ترى أيام طهرها صفرة وأيام حيضها حمرة فحكم صفرتها حكم الطهر بدلالة الحال.
وقيل: إنما اعتبر ذلك في صفرة عليها بياض ولها حكم الطهر على قول أكثر المشايخ، وعن أبي بكر الإسكاف: إن كانت الصفرة على لون البقم فهي حيض وإلا فلا، والمنقول عن الشافعي في " مختصر المزني ": الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، واختلف أصحابه في ذلك على ستة أوجه الصحيح المشهور ما قاله ابن شريح، وأبو إسحاق، المروزي، وجماعة من المتقدمين، أو من المتأخرين أن الصفرة والكدرة في زمان الإمكان، وهو خمسة عشر يوماً يكونان حيضاً سواء كانت مبتدأة أو معتادة خالف عادتها أو وافقها كما لو كان أسود أو أحمر وانقطع بخمسة عشر.
الثاني: قول الإصطخري أن الصفرة والكدرة في أيام العادة حيض وإن رأتهما مبتدأة أو معتادة في غير أيام العادة. قلت: محيض.
الثالث: أبو علي الطبري أنه إن تقدم الصفرة، والكدرة، دم أسود قوي أو أحمر، ولو بعض يوم كان حيضا، وإن لم يتقدم منها شيء لم يكن حيضاً تبعاً للقوي، وإن تقدمها دون يوم وليلة قبلت حيضاً.
الخامس: حكاه ابن كج إن تقدمها دم قوي كانت حيضاً وإلا كانت استحاضة.
السادس: حكاه السرخسي إن تقدمها دم قوي يوم وليلة ولحقها دم قوي يوماً وليلة كانت حيضاً وإلا فلا.
حتى ترى البياض خالصا. وقال أبو يوسف رحمه الله: لا تكون الكدرة من الحيض إلا بعد الدم؛ لأنه لو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي، ولهما ما روي أن عائشة رضي الله عنها جعلت ما سوى البياض الخالص حيضا
ــ
[البناية]
وأما الكدرة فهي حيض عند أبي حنيفة ومحمد سواء رأت في أول أيامها أو آخرها.
وأما الخضرة فقال في " البدائع ": اختلف المشايخ فيها، فقال الشيخ الإمام أبو منصور إذا رأتها في أول الحيض يكون حيضا، وإن رأتها في آخر الحيض واتصل بها أيام الحيض لا يكون حيضاً، وجمهور الأصحاب على كونها حيضاً كيفما كان، وفيل: الخضرة مثل الكدرة، وقيل الخضرة، والتربية، والكدرة، والصفرة إنما يكون حيضا على الإطلاق في غير العجائز، وفيهن إن وجدتها على الكرسف شدة وصفة تربية فهي حيض، وإن طالت لم تكن حيضاً؛ لأن أرحام العجائز تكون منتنة فيتغير الماء بطول المكث ودم النفاس كدم الحيض.
م: (حتى ترى البياض خالصاً) ش: كلمة حتى للغاية والمعنى أنها تراه الحائض من الألوان المذكورة في أيام الحيض حيض إلى أن تري البياض خالصاً على أنه حال من البياض.
م: (وقال أبو يوسف: لا تكون الكدرة حيضاً إلا بعد الدم) ش: يعني إذا رأتها في آخر أيام الحيض، وإذا رأتها في أول أيام الحيض لا تكون حيضاً وبه قال أبو ثور، واختاره ابن المنذر وقال داود: لا تكون الكدرة والصفرة حيضاً بحال. وقال الشافعي: إن كانتا في زمن الإمكان بأن لا يكون أقل من يوم وليلة حيض كما أيام العادة، ونقل ذلك ابن الصباغ صاحب " الشامل " عن ربيعة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق م:(لأنه) ش: أي؛ لأن الكدرة، إنما ذكر الضمير باعتبار الكدر أو باعتبار المذكور م:(لو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي) ش: لأن الكدرة من كل شيء يتبع صافيه، فلو جعلت حيضاً ولم يتقدم عليها دم كانت حيضاً مقصودة لا تبعاً.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (ما روي أن عائشة رضي الله عنها جعلت ما سوى البياض الخالص حيضاً) ش: روى مالك عن محمد في " موطئهما " عن علقمة بن أبي علقمة عن أمة مولاة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كانت النساء يبعثن إلى عائشة رضي الله عنها في الدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض فسألتها عن الصلاة فتقول لهن: لا تعلجن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيض.
ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر، عن علقمة بن أبي علقمة به سواء، أخرجه
وهذا لا يعرف إلا سماعا
ــ
[البناية]
البخاري في " صحيحه " تعليقاً، ولفظه: قال: وكن يبعثن إلى عائشة رضي الله عنها بالكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء.
قوله: بالدرجة: بكسر الدال وفتح الراء جمع درج، مثل حرج حرجة، وترس وترسة، والدرج كالغط الصغير، تضع فيه المرأة حق متاعها وطيبها، وقيل: إنما هي الدرجة، وبالضم تأنيث درج، وجمعها الدرجة بضم الدال.
والكرسف بضم الكاف، قال ابن الأثير: هو القطن، وقال غيره: الكرسف خرقة أو قطنة ونحو ذلك تدخله المرأة فرجها لتعرف هل بقي شيء من أثر الحيض أم لا، ويستحب أن تكون مطيبة بالمسك أو الغالية لتدفع رائحة دمها، قال عليه الصلاة والسلام لامرأة استحيضت:«خذي فرصة ممسكة» ، والفرصة بضم الفاء قطعة من صوف أو قطن أو خرقة، والممسكة المطيبة بالمسك، وفي رواية عن بعضهم حكاه أبو داود: قرصة، بالقاف، أي شيئاً يسيراً مثل القرصة بطرف الأصبعين، وحكي عن أبي قتيبة، قرضة بالقاف والضاد المعجمة أي قطعة من القرض هو القطع، والقصة بفتح القاف، وتشديد الصاد المهملة الجصة يشبة الرطوبة الصافية بعد الحيض بالجص، وقيل: القصة شيء يشبه الخيط الأبيض يخرج من قبل النساء في آخرهن أيامهن تكون علامة طهرهن، وقيل: ماء أبيض يخرج في آخر الحيض.
وفي " المحيط ": القصة في حديث عائشة رضي الله عنها الطين الذي يغسل به الرأس وهو أبيض يضرب لونه إلى الصفر، أرأيت أنها لا تخرج من الحيض حتى ترى البياض الخالص، ويخرج من الطين بالحفوف أيضاً. وفي " المبسوط ": القصة الببلون الذي يغسل به الرأس وهو أبيض يضرب لون إلى الصفرة.
قلت: الببلون بفتح الباء الموحدة وسكون الباء الأخيرة وضم اللام وسكون الواو وفي آخره نون وهو الذي يقال له الطفل وهو لغة بلدية.
م: (وهذا لا يعرف إلا سماعاً) ش: أي هذا الذي جعلته عائشة رضي الله عنها لا يعرف إلا من حيث السماع فيحمل على أنها سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم لأن العقل لا يهتدي لمثل هذا، وقال الأترازي: وهذا الذي قلنا مذهب علمائنا.
قلت: مقصوده هو الذي قاله لا يهتدي إليه إلا من طريق السماع من النبي صلى الله عليه وسلم والذي ذكرنا أجود وأصوب ولا يقال: إن قوله صلى الله عليه وسلم: «دم الحيض أسود عبيط محترم» يدل على أن هذه الأشياء ليست بحيض وهو أقوى من فعل عائشة رضي الله عنها فلا يجوز تركه به؛ لأنا نقول: تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه، وقد عرف في الأصول.
وفم الرحم منكوس فيخرج الكدر أولا كالجرة إذا ثقب أسفلها.
وأما الخضرة فالصحيح أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء تكون حيضا
ــ
[البناية]
م: (وفم الرحم منكوس) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف؛ لأنه لو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي، وتقريره أن يقال: نعم هو كذلك إذا لم يكن المخرج من أسفل، وفم الرحم منكوس: يعني من الأسفل لا من الأعلى، فيخرج الكدر أولاً ثم الصافي كالجرة إذا ثقب أسفلها فإنه يخرج الكدر أولاً، وإن من خاصة الطبيعة أنها تدفع الكدر أولاً كما في الفصد والبول والغائط.
قلت: على هذا لو خرج الصافي أولاً ثم الكدر لا ينبغي أن يكون الكدر حيضاً م: (فيخرج الكدر أولاً) ش: نتيجة قوله: وفم الرحم منكوس م: (كالجرة إذا ثقب أسفلها) ش: هذا شبه فم الرحم بالجرة إذا ثقب أي يحسن أسفلها فإنه حينئذ إذا كان فيها شيء من المائعات يخرج من الكدر منها أولاً، والرحم كذلك؛ لأن فيه من أسفل، والتشبيه بالجرة الموضوعة هكذا لا بالجرة المطلقة؛ لأن التشبيه لا يكون إلا في صفة مخصوصة كما في قولك: زيد كالأسد، فإن التشبيه فيه في الشجاعة مطلقاً.
واعلم أن للمرأة فرجاً داخلاً، وفرجا خارجا، فالداخل بمنزلة الدبر، والخارج بمنزلة الأليتين، فإذا وضعت الكرسفة في الخارج فابتدأ الجانب الداخل منه كان ذلك حيضاً وإن لم ينفذ إلى الخارج، وإن وضعته في الفرج الداخل فابتدأ منه لم يكن ذلك حيضاً؛ لأنه بمنزلة خصية الذكر وإن نفذت البلة إلى الجانب الخارج، فإن كان الدبر عالياً عمل على رأس الفرج أو محاذيا له يكون حيضاً لظهور البلة، وإن كان منتقلا عنه لم يكن حيضاً وعلى هذا التفصيل إذا حشى الرجل إحليله بقطنة فابتلت، وهذا كله إذا لم يسقط الكرسف، فإن سقط فهو حيض كيف ما كان لظهور البلة، وكذلك الحكم في النفاس.
وعن محمد بن سلمة أنه كان يكره للمرأة أن تضع كرسفها في الفرج الداخل؛ لأنه يشبه النكاح بيدها، ولو وضعت الكرسف في أول الليل ونامت فلما أصبحت فنظرت الكرسف فرأت البياض الخالص يلزمها قضاء العشاء؛ لأنا تيقنا بطهرها من حيث وضعت الكرسف، ولو كانت طاهرة حين وضعت الكرسف ونامت ثم أصبحت ووجدت البلة على الكرسف فإنها تجعل حائضاً من أقرب الأوقات، وهو ما بعد الصبح أخذا باليقين والاحتياط حتى يلزمها قضاء العشاء إن لم تكن صلت.
م: (وأما الخضرة فالصحيح أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء) ش: أي الحيض م: (تكون حيضاً) ش: هذا أحد ألوان الحيض، فلذلك ذكره بكلمة التفصيلية وقد ذكرنا أنا ستة فذكر منها الثلاثة الأولى وهي الحمرة والصفرة والكدرة، وذكر هنا الرابعة وهو الخضرة ولم يذكر اللونين وهما
ويحمل على فساد الغذاء،
وإن كانت كبيرة لا ترى غير الخضرة تحمل على فساد المنبت
ــ
[البناية]
الأسود والتربية. وقال صاحب " الدراية ": وإنما لم يذكر الثلاثة من ألوان الحيض؛ لأن الثلاث متداخلة في الثلاثة المذكورة؛ لأن الحمرة إذا اشتدت صارت سوادء والخضرة قريبة إلى الصفرة، والتربية تكون داخلة في الحمرة إذا رقت الحمرة تضرب إلى التربية.
قلت: ليس الأمر كذلك، فإنه ذكر الأربعة وهي الحمرة والصفرة والكدرة والخضرة، وأما الأسود فلأنه أصل في باب الحيض معهود فاستغنى عن ذكره، وأما التربية فإنها نادرة فلذلك تركها. وأما الخضرة فقد اختلف فيها مشايخنا، فمنهم من أنكر وجودها حتى استبعده أبو نصر بن سلام حين سئل عنها فقال: كأنها أكلت فصيلاً. وذكر أبو علي الدقاق: أن الخضرة نوع من الكدرة، وأشار المصنف إلى أن الصحيح من المذهب أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء تكون الخضرة حيضاً.
ثم أشار إلى سبب كون الدم أخضر بقوله م: (ويحمل ذلك على فساد الغذاء) ش: يعني يجعل كأنها أكلت غذاء فاسداً ففسد دمها فصار لونه أخضر، ولهذا قال أبو نصر: كأنها أكلت فصيلاً.
م: (وإن كانت) ش: أي المرأة م: (كبيرة) ش: أي آيسة م: (لا ترى غير الخضرة) ش: لا يكون حيضاً م: (تحمل) ش: ما تراه من الخضرة م: (على فساد المنبت) ش: بفتح الميم وسكون النون وكسر الياء الموحدة وفي آخره تاء مثناة من فوق وهو موضع النبات، والمعنى أنه يحمل الخضرة على أنها لم تكن في الأصل دماً، فإن الدم في الأصل لا يكون أخضر.
ثم اعلم أن قوله: وإن كانت كبيرة إشارة إلى الإياس، وإن لم يبين هنا حده، وقد ذكرنا في أول الباب أن الكلام في الحيض فقال أبو نصر بن سلام: ست سنين، وقيل: سبع سنين وقال محمد بن مقاتل: تسع سنين، وبه أخذ أكثر المشايخ، وهو قول الشافعي ومحمد، وقال أبو علي الدقاق: ثنتي عشرة سنة اعتباراً للعادة في زماننا، كذا في " المحيط "، وفي البخاري وغيره: قالت: عائشة رضي الله عنها: إذا بلغت تسع سنين فهي امرأة، قال ابن تيمية: ورواه القاضي أبو يعلى بإسناده، يعني إذا حاضت، وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: إذا أتى على الجارية تسع سنين فهي امرأة، ذكره ابن عدي، وروى الدارقطني عن عباد المهلبي قال: أدركت قبا يعني المهالبة امرأة صارت جدة وهي بنت ثماني عشرة سنة، ولدت تسع سنين بنتا، فولدت بنتها تسع سنين ابنا، وهو محمول على غير مدة الحمل فيهما، وإنما لم يذكر الراوي لنقصها عن السنة واجتماع سنة من الزيادتين لا تمنع قوله صارت جدة في ثماني عشرة سنة لا يحتمل أن تكون بترك الكسرين أو شك في قدره. وقال الأسبيجابي: ابنة لأبي مطيع البلخي صارت جدة في ثماني عشرة سنة وهو بالتفسير الذي تقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
واعلم أنه بقي من الأنواع العشرة نوعان: أحدهما وقت ثبوت الحيض والآخر حكمه، والمصنف ذكر حكمه على ما يأتي عن قريب.
وأما ثبوته فلا يكون إلا بالبروز، وعن محمد أنها إذا أحست بالبروز يثبت حكم الحيض والنفاس أيضاً إلا بالبروز. وثمرة الاختلاف تظهر فيما إذا توضأت المرأة ووضعت الكرسف ثم أحست أن الدم نزل منها فأدخلت الكرسف قبل غروب الشمس فالصوم تام عند محمد، وعندهم تقضي. ثم البروز إنما يعلم بمجاوزة موضع البكارة اعتباراً بنواقض الوضوء، والاحتشاء يسن للثيب ويستحب للكبر حالة الحيض، وأما في حالة الطهر فيستحب للثيب دون البكر، ولو صلتا بغير كرسف جاز. وفي " المفيد " قيل في بنت سبع سنين يكون ما تراه حيضاً، لقوله عليه الصلاة والسلام:«أمرههم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً» والأمر للوجوب، والصحيح أنه استحاضة والأمر للاستحباب ليتمرنوا على الصلاة، ويتخلقوا بها كما يؤمر المراهق بالغسل من الجماع تخلقا به، ولهذا لم يؤمر بوضوئه، بخلاف التسع «فإنه عليه السلام بنى بعائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين» والظاهر أنه كان بعد بلوغها.
وفي " الأسبيجابي " عن أبي نصر: بنت ست لو رأت الدم من غير آفة حيض، وما دون الست إجماع أنه ليس بحيض، وبنت ست اتفاق أنه حيض واختلفوا فيما بينهما، وفي " المفيد " الصغيرة جداً لو جعل ذلك منها حيضاً به بالغة وتبقى أهلاً للتكاليف الشرعية، وهي غير صالحة، وفي " المحيط ": ابنة ثنتي عشرة إذا رأت الدم من غير داء فهو حيض عند بعضهم، وفيه الكبيرة العجوز لو رأت الدم في مدة الحيض فهو حيض كما رأته على الدوام كان حيضاً فانقطاعه بينهما لا يمنع حيضاً؛ لأن في إياسها به فمتي عاودها الدم كان حيضاً ولم تكن آيسة لما تبين من عود الدم، وزوجة الخليل صلى الله عليه وسلم حاضت وولدت وهي بنت تسعين سنة أو ثنتي وثمانين، وزوجة زكريا صلى الله عليه وسلم ولدت يحيى عليه السلام وهي بنت ثمان وتسعين سنة، وكذا روي عن ابن عباس - رض الله عنهما. والإياس المبيح للاعتداد بالأشهر: أن لا تري الدم سن لا يحيض في مثله غالباً لا يقينا بدليل قوله: إن ارتبتم. وقال محمد بن مقاتل الرازي قاضي بغداد: حده خمسون سنة وما تراه بعده لا يكون حيضاً، وهو قول أبي عبد الله الزعفران، والثوري، وابن المبارك، واختاره أبو الليث، ونصر بن يحيى، وبه قال أحمد هذا إذا لم يحكم بإياسها، فإن حكم به ثم رأت الدم لا يكون حيضاً، قال في " المحيط ": وهو الصحيح؛ لأن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله؛ لأنه يجوز أن يكون الدم بعد ذلك فاسداً، وما نقل كان معجزة فلا يجود إلا على وجه الإعجاز.
وقيل: إن رأته سائلاً كما تراه في حيضها فهو حيض، وإن رأت بلة يسيرة لم يكن حيضاً بل يكون ذلك من نتن الرحم. وقيل: إن رأته أسود أو أحمر يكون حيضاً، وأصفر وأخضر لا يكون