الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زعم أنه لم يزل يطوف حتّى أصبح وأشرف على الكثيب، فمن أين صار الحصى بصفحتيه! وقول المرقّش الأصغر «1» :
صحا قلبه عنها على أن ذكرة
…
إذا خطرت دارت به الأرض قائما «2»
وكيف صحا عنها من إذا ذكرت دارت به الأرض!
الصنف الخامس ما كان غلطا، وهو أن تريد الكلام بشيء فيسبق لسانك إلى خلافه، كقولك: ضربني زيد وأنت تريد ضربت زيدا
قال في «الصناعتين» : فإن تعمدت ذلك، صار كذبا، وهذا النوع أكثر وقوعا من الذي قبله، قال: وقد وقع فيه الفحول من الشعراء.
وأصناف الغلط في المعاني كثيرة، فمن ذلك الغلط في الأوصاف، وهي على وجوه: منها وصف الشيء بخلاف ما هو عليه وذكره بما ينافيه.
فمن غريب هذا النوع قول الراعي «3» في وصف المسك:
يكسو المفارق واللّبّات ذا أرج
…
من قصب معتلف الكافور درّاج
فجعل المسك من قصب الظّبي، وهو معاه، وجعل الظّبي يعتلف الكافور فيتولد منه المسك، وهذا من طرائف الغلط. وقريب منه قول زهير يصف الضّفادع:
يخرجن من شربات ماؤها طحل
…
على الجذوع تخاف «1» الغمّ والغرقا «2»
ظن أن الضفادع يخرجن من الماء مخافة الغرق، ونشوؤها فيه. وقريب منه قول ذي الرّمّة:
إذا انجابت الظّلماء أضحت رؤوسها
…
عليهن من جهد الكرى وهي ضلّع «3»
فوصف الرءوس بالضّلع؛ قال ابن أبي فروة «4» : ما أغفلت هذا، ولقد قلت لذي الرمة: ما علمت أحدا أضلع الرؤوس غيرك، قال: أجل.
قال في «الصناعتين» : ومما لم يسمع مثله قط قول عديّ بن زيد «5» في الخمر:
والمشرف الهيدب «6» يسعى بها
…
أخضر مطموثا بماء الحريص «7»
فوصف الخمر بالخضرة، والحريص: السحابة تحرص وجه الأرض أي تقشرها، ومنه سميت إحدى الشّجاج في الرأس الحارصة لأنها تشق الجلد.
ومنها وصف الشيء على خلاف المعهود والعادة المعروفة.
فمن ذلك قول المرّار «1» :
وخال على خدّيك يبدو كأنه
…
سنا البدر في دعجاء باد دجونها
والمعروف أن الخيلان سود أو سمر، والخدود الحسان إنما هي البيض، فأتى هذا الشاعر بقلب المعنى؛ ومثله قول الآخر:
كأنّما الخيلان في وجهه
…
كواكب أحدقن بالبدر
قال أبو هلال العسكريّ: ويمكن أن يحتجّ لهذا الشاعر بأن يقال: تشبيه الخيلان بالكواكب من جهة الاستدارة لا من جهة اللون.
ومن ذلك قول امريء القيس في وصف الفرس أيضا:
وللسوط ألهوب وللساق درّة
…
وللزّجر منه وقع أخرج مهذب «2»
قال أبو هلال العسكريّ: فلو وصف أخسّ حمار وأضعفه، ما زاد على ذلك؛ وقول القائل «3» :
صببنا عليها ظالمين سياطنا
…
فطارت بها أيد سراع وأرجل
فجعل ضربها بالسوط من باب الظلم لأنها لا تحوجه إلى ذلك؛ ومن ذلك قول امريء القيس:
وأركب في الرّوع خيفانة
…
كسا وجهها سعف منتشر
شبه ناصية الفرس بسعف النخلة لطولها، وإذا غطّى الشعر عين الفرس لم يكن كريما.
ومثله قول طرفة يصف ذنب البعير:
كأنّ جناحي مضرحيّ تكنّفا
…
حفافيه، شكّافي العسيب بمسرد «1»
فجعل ذنبه كثيفا، طويلا عريضا؛ وإنما توصف النجائب بخفة الذّنب ورقّة الشعر.
ومنها أن يجري في مقاصد المعاني على خلاف المألوف المعروف، وذلك قول جنادة «2» :
من حبها أتمنّى أن يلاقيني
…
من نحو بلدتها ناع فينعاها
لكي يكون فراق لا لقاء له
…
وتضمر النفس يأسا ثم تسلاها
فإذا تمنّى المحب للحبيب الموت فماذا عسى أن يتمنّى البغيض لبغيضه؛ وقول الآخر:
ولقد هممت بقتلها من حبّها
…
كيما تكون خصيمتي في المحشر
فذكر أن شدّة الحبّ حملته على قتل محبوبته حتّى تخاصمه في الحشر لطلب حقها، وشدّة الحب لا تحمل إلا على الإكرام والبرّ، على أنها قد تكون