الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا ملأ القرطاس سود سطوره
…
فتلك أسود تتّقى وأساود «1»
وتلك جنان تجتنى ثمراتها
…
ويلقاك من أنفاسهنّ بوارد
وهنّ برود ما لهنّ مناسج
…
وهنّ عقود ما لهن معاقد
وهنّ حياة للوليّ رضيّة
…
وهنّ حتوف للعدوّ رواصد
الجملة الثانية في اشتقاقه
وقد اختلف في ذلك؛ فقيل: سمّي قلما لاستقامته كما سميت القداح أقلاما في قوله تعالى: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ
«2» قال بعض المفسرين تشاحّوا في كفالتها فضربوا عليها بالقداح، والقداح مما يضرب بها المثل في الاستقامة؛ وقيل: هو مأخوذ من القلّام وهو شجر رخو فلما ضارعه القلم في الضعف سمي قلما؛ وقيل: سمي قلما لقلم رأسه، فقد قيل إنه لا يسمّى قلما حتّى يبرى، أما قبل ذلك فهو قصبة. كما لا يسمّى الرمح رمحا إلا إذا كان عليه سنان وإلا فهو قناة، ومنه قلامة الظفر؛ وإلى ذلك يشير أبو الطّيّب الأزديّ بقوله:
قلم قلّم أظفار العدا
…
وهو كالإصبع مقصوص الظّفر
أشبه الحيّة حتّى إنه
…
كلّما عمّر في الأيدي قصر
وقيل لأعرابيّ: ما القلم؟ ففكّر ساعة وقلب يده، ثم قال: لا أدري، فقيل له: توهمه، قال: هو عود قلّم من جوانبه كتقليم الظّفر، فسمي قلما.
الجملة الثالثة في صفته
قال إبراهيم بن العباس لغلام بين يديه يعلمه الخطّ: ليكن قلمك صلبا بين
الدّقة والغلظ، ولا تبره عند عقدة فإن فيه تعقيد الأمور، ولا تكتب بقلم ملتوي، ولا ذي شقّ غير مستوي؛ وإن أعوزك البحريّ والفارسيّ، واضطررت إلى الأقلام النبطية فاختر منها ما يميل إلى السّمرة.
وقال إبراهيم بن محمد الشيباني «1» : ينبغي للكاتب أن يتخيّر من أنابيب القصب أقلّه عقدا، وأكثفه لحما، وأصلبه قشرا، وأعدله استواء. وقال العتابي:
سألني الأصمعيّ يوما بدار الرشيد: أيّ الأنانبيب للكتابة أصلح وعليها أصبر؟
فقلت: ما نشف بالهجير ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه؛ من التّبريّة القشور، الدّرّيّة الظهور، الفضية الكسور.
وكتب عليّ بن الأزهر إلى صديق له يستدعي منه أقلاما:
أما بعد، فإنا على طول الممارسة لهذه الكتابة التي غلبت على الاسم، ولزمت لزوم الوسم؛ فحلّت محل الأنساب، وجرت مجرى الألقاب، وجدنا الأقلام الصخريّة أجرى في الكواغد «2» ، وأمرّ في الجلود؛ كما أن البحريّة منها أسلس في القراطيس، وألين في المعاطف، وأشدّ لتصرّف الخط فيها؛ ونحن في بلد قليل القصب رديئه، وقد أحببت أن تتقدّم في اختيار أقلام صخرية، وتتنوّق «3» في اقتنائها قبلك، وتطلبها من مظانّها ومنابتها، من شطوط الأنهار، وأرجاء الكروم؛ وأن تتيمن «4» باختيارك منها الشديدة الصّلبة، النقيّة الجلود، القليلة الشحوم، الكثيرة اللحوم، الضيّقة الأجواف، الرزينة المحمل، فإنها أبقى على
الكتابة، وأبعد من الخفاء، وأن تقصد بانتقائك الرقاق القضبان، المقوّمات المتون، الملس المعاقد، الصافية القشور، الطويلة الأنابيب، البعيدة ما بين الكعوب، الكريمة الجواهر، المعتدلة القوام، المستحكمة يبسا، وهي قائمة على أصولها لم تعجل عن إبّان ينعها، ولم تؤخّر إلى الأوقات المخوفة عليها من خصر «1» الشتاء، وعفن الأنداء «2» ، فإذا استجمعت عندك، أمرت بقطعها ذراعا [ذراعا]«3» قطعا رفيقا، ثم عبّأت منها حزما فيما يصونها من الأوعية «4» ، وتكتب معه بعدّتها وأصنافها من غير تأخير ولا توان.
وأهدى ابن الحرون إلى رجل من إخوانه الكتّاب أقلاما، وكتب إليه:
إنه لما كانت الكتابة (أبقاك الله) أعظم الأمور، وقوام الخلافة، وعمود المملكة، أتحفتك من آلتها بما يخف محمله، وتثقل قيمته، ويعظم نفعه، ويجلّ خطره؛ وهي أقلام من القصب النابت في الصخر، الذي نشف بحرّ الهجير في قشره ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه، وهي كاللآليء المكنونة في الصّدف، والأنوار المحجوبة في السّدف «5» ؛ تبريّة القشور، درّيّة الظهور، فضّيّة الكسور؛ قد كستها الطبيعة جوهرا كالوشي المحبّر، ورونقا كالديباج المنيّر.
ومن كتاب لأبي الخطاب الصابيء يصف فيه أقلاما أهداها في جملة أصناف:
وأضفت إليها أقلاما سليمة من المعايب، مبرّأة من المثالب؛ جمّة المحاسن؛ بعيدة عن المطاعن؛ لم يربها طول ولا قصر، ولا ينقصها ضعف خور؛ ولا يشينها لين ولا رخاوة، ولم يعبها كزازة «6» ولا قساوة؛ وهي آخذة بالفضائل من جميع
جهاتها، مستوفية للممادح بسائر صفاتها؛ صلبة المعاجم، لدنة المقاطع؛ موفية «1» القدود والألوان، محمودة المخبر والعيان؛ وقد استوى في الملاسة خارجها وداخلها، وتناسب في السّلاسة عاليها وسافلها؛ نبتت بين الشمس والظل، واختلف عليها الحرّ والقرّ؛ فلفحها وقدان الهواجر، ولفعها سمائم شهر ناجر «2» ؛ ووقذها الشّفّان بصرده «3» ، وقذفها الغمام ببرده، وصابتها الأنواء بصيّبها، واستهلّت عليها السحائب بشآبيبها؛ فاستمرّت مرائرها على إحكام، واستحصد سجلها «4» بالإبرام؛ جاءت شتّى الشّيات، متغايرة الهيئات، متباينة المحالّ والبلدان؛ تختلف بتباعد ديارها، وتأتلف بكرم نجارها.
فمن أنانيب قنا ناسبت رماح الخط في أجناسها، وشاكلت الذهب في ألوانها، وضاهت الحرير في لمعانها؛ مضابطة الحفاء، نمرة القوى؛ لا يسيطها القطّ، ولا يشعّب بها الخط.
ومن مصريّة بيض كأنها قباطيّ «5» مصر نقاء، وغرقيء «6» البيض صفاء؛ غذاها الصعيد من ثراه بلبّه، وسقاها النيل من نميره وعذبه؛ فجاءت ملتئمة الأجزاء، سليمة من الالتواء؛ تستقيم شقوقها في أطوالها، ولا تنكّب عن يمينها ولا شمالها، مقترن بها صفراء كأنها معها عقيان قرن بلجين «7» ، أو ورق خطّ بعين؛
تختال في صفر ملاحفها، وتميس في مذهب مطارفها، بلون غياب الشمس، وصبغ ثياب الورس «1» .
ومن منقوشة تروق العين، وتونق النفس؛ ويهدي حسنها الأريحيّة إلى القلوب، ويحلّ الطّرف لها حبوة الحليم اللبيب؛ كأنها اختلاف الزّهر اللامع، وأصناف الثمر اليانع.
ومن بحريّة موشيّة اللّيط «2» ، رائقة التخطيط؛ كأنّ داخلها قطرة دم، أو حاشية رداء معلم؛ وكأنّ خارجها أرقم، أو متن واد مفعم؛ نشرت ألوانا تزري بورد الخدود، وأبدت قامات تفضح تأوّد القدود.
ومن كلام ابن الزيات «3» : خير الأقلام ما استحكم نضجه، وخف بزره؛ قد تساعدت عليه السعود في فلك البروج حولا كاملا، تؤلفه بمختلف أركانها وطباعها، ومتباين أنوائها وأنحائها؛ حتّى إذا بلغ أشدّه واستوى، وشقّت بوازله «4» ، ورقّت شمائله، وابتسم من غشائه، وتأدّى من لحائه، وتعرّى عنه ثوب المصيف، بانقضاء الخريف، وكشف عن لون البيض المكنون، والصّدف المخزون؛ قطع ولم يعجّل عن تمام مصلحته، ولم يؤخّر إلى الأوقات المخوفة عاهاتها عليه من خصر الشتاء، وعفن الأنداء؛ فجاء مستوي الأنابيب معتدلها، مثقّف الكعوب مقوّمها.
وقد حرر الوزير أبو عليّ بن مقلة «5» رحمه الله مناط الحاجة من هذه