الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصلحاء، وأرباب الرأي والنّصحاء؛ واستشارهم في ذلك فصوّبوه، ولم يروا العدول عنه إلى غيره بوجه من الوجوه.
ومن ذلك ما قلته فيها مشيرا إلى القبول: وقابل عقدها بالقبول بمحضر من القضاة والشهود فلزمت، ومضى حكمها على الصحة فانبرمت، إلى غير ذلك ممّا ينخرط في هذا من سائر الولايات وغيرها.
قلت: وكما يجب عليه معرفة الأحكام السلطانية، يتعين عليه معرفة ما عدا ذلك من الأمور الصناعية التي ينتظم أصحابها في سلك الولايات كالهندسة ونحوها، وسيأتي التنبيه فيما يجب على كل واحد من أرباب الولايات عند ذكر ولاية كل منهم في موضعها إن شاء الله تعالى.
الطرف الثاني في معرفة ما يحتاج الكاتب إلى وصفه في أصناف الكتابة مما تدعوه ضرورة الكتابة إليه على اختلاف أنواعها، ويشتمل على أنواع
النوع الأوّل ممّا يحتاج إلى وصفه النوع الإنساني، وهو على ضربين
الضرب الأوّل أوصافه الجسمية، وهي على ثلاثة أقسام
القسم الأوّل ما يشترك فيه الرجال والنساء، وهي عدّة أمور
منها: حسن اللون؛ والألوان في البشر ترجع إلى ثلاثة أصول؛ وهي البياض، والسّمرة، والسّواد؛ ويعبّر عن السواد بشدّة الأدمة «1» ، وربما عبّر عن البياض برقّة السمرة؛ ويستحسن من هذه الألوان البياض؛ وأحسن البياض ما كان
مشربا بحمرة؛ وقد جاء في حديث ضمام بن ثعلبة أنه حين سأل عن النبىّ صلى الله عليه وسلم عند وفوده عليه بقوله: «أيّكم ابن عبد المطّلب؟ قيل: هو ذاك الأمغر المتّكيء» :
والأمغر هو المشرب بحمرة، أخذا من المغرة؛ وهي الصّبغ «1» المعروف.
وقد جاء في وصفه صلى الله عليه وسلم أنه: «أزهر اللّون» ؛ والأزهر هو الأبيض بصفرة خفيفة. والسّمرة مستحسنة عند كثير من الناس، وهو الغالب في لون العرب، وقد قيل في قوله صلى الله عليه وسلم:«بعثت إلى الأحمر والأسود» ، إن المراد بالأحمر: العجم لغلبة البياض فيهم؛ والمراد بالأسود: العرب لغلبة السّمرة فيهم؛ أما السواد فإنه غير ممدوح بل قد ذمّ الله تعالى السواد، ومدح البياض بقوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ
«2» الآية؛ على أن كثيرا من الناس قد جنحوا إلى استحسان السّودان والميل إليهم، وتأنقوا في الاحتفال بأمرهم؛ وقد نص أصحابنا الشافعية على أنه لو قال لزوجته: إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق، لم تطلق وإن كانت زنجية سوداء؛ فقد قال تعالى: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ*
«3» . وبالجملة فالحسن في كل لون مستحسن؛ ولله القائل:
إن المليح مليح
…
يحبّ في كلّ لون
ومنها: حسن القدّ؛ وأحسن القدود الرّبعة: وهو المعتدل القامة، الذي لا طول فيه ولا قصر، وليس كما يقع في بعض الأذهان من أنّ المراد منه دون الاعتدال. وقد جاء في وصف النبيّ صلى الله عليه وسلم، «أنّه كان ربعة» . ويستحسن في القدّ القوام والرّشاقة، ويشبّه بالرمح وبالغصن، وأكثر ما يشبه به في ذلك أغصان البان لقوامها.
ومنها: سواد الشعر؛ وأكثر ما يكون ذلك في السّمر، فإن اجتمع مع البياض
سواد الشعر كان ذلك في غاية من الحسن، ويشبّه سواد الشعر بالليل؛ وربما وقعت المبالغة فيه فشبّه بفحمة الليل، وبدجى الليل، وبفحمة الدّجى؛ وقد يشبّه بالآبنوس ونحوه مما يغلب فيه حلك السّواد.
وقد اختلف الناس في جعودة الشعر وسبوطته أيّهما أحسن؟ فذهب قوم إلى استحسان الجعودة؛ وهي انقباض الشعر بعض انقباض، وهو مما يستحسنه العرب، وإليه ذهب الفقهاء حتّى لو شرط البائع في عبد كونه جعد الشعر وظهر سبط الشعر ردّ بذلك بخلاف العكس؛ وذهب آخرون إلى استحسان السّبوطة، وهي استرسال الشعر وانبساطه من غير انكماش؛ وأكثر ما يوجد ذلك في الترك ومن في معناهم. ثم الذاهبون إلى استحسان الجعودة يستحسنون التواء شعر الصّدغ، ويشبّهونه بالواو تارة وبالعقرب أخرى.
ومنها: وضوح الجبين، وسعة الجبهة، وانحسار الشعر عنها؛ فيستقبح الغمم؛ وهو عموم الجبهة أو بعضها بشعر الرأس.
ومنها: وسامة الوجه وحسن المحيّا. ويشبّه الوجه في الحسن بالشمس، وبالقمر، وبالسيف؛ إلا أن التشبيه بالشمس وبالقمر أتمّ من التشبيه بالسيف لما فيه من صورة الاستطالة؛ وقد جاء في بعض الآثار أنه قيل لبعض الصحابة رضي الله عنهم: هل كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كالسيف؟ فقال بل كالشمس والقمر.
ويستحسن في الوجه حمرة الوجنتين؛ ويشبّه لونهما بالورد، وبالشّقيق، وبالعقيق، وبالعندم «1» ؛ وما يجري مجرى ذلك مما تغلب فيه الحمرة المشرقة.
ومنها: بلج الحاجبين وزججهما، فالبلج: انقطاع شعر الحاجبين؛ بألا يكون بينهما شعر يصل ما بينهما، وهو خلاف القرن؛ وربما استحسن الخفيّ من القرن، وهو الذي دقّ فيه شعر ما بين الحاجبين حتّى لا يظهر فيه إلا خضرة خفيّة.
والزّجج: دقة الحاجب مع طوله بحيث ينتهي إلى مؤخر العين؛ وقد جاء في وصف النبيّ صلى الله عليه وسلم: أنّه كان أزجّ الحاجبين.
ويستحسن في الحاجبين سواد شعرهما، وأن يكونا مقوّسين؛ ويشبّه تقويسهما بالنون تارة، وبالقوس أخرى.
ومنها: حسن العينين؛ ويستحسن في العين الحور؛ وهو خلوص بياض العين؛ والنّجل: وهو سعتها، ويقال فيه حينئذ: أنجل، وربما قيل: أعين، ومنه قيل للحور: عين. والدّعج؛ وهو شدّة سواد الحدقة. والكحل؛ وهو أن تسودّ مواضع الكحل من العين خلقة.
وتشبه العين بالصاد تارة، وبالجيم أخرى؛ وتشبه بالنّرجس وربما شبهت بنور الباقلّى «1» ؛ واعترض بأن فيه حولا. وربما شبهت العين بالسيف، وبالسّهم، وبالسّنان؛ وقد يستحسن في العينين الفتور وضعف الأجفان.
ومنها: حسن الأنف؛ ويستحسن فيه القنا؛ وهو ارتفاع وسط الأنف قليلا عن طرفيه مع دقّة فيه، وهو الغالب في العرب؛ وقد جاء في وصفه صلى الله عليه وسلم: أنّه كان أقنى الأنف؛ ويستحسن فيه الشّمم أيضا؛ وهو استواء قصبة الأنف وعلّو أرنبته.
ويشبه الأنف بالسيف في بريقه.
ومنها: حسن الفم؛ ويستحسن فيه الضّيق، ويشبّه بالميم، وبالصاد، وبالخاتم.
ومنها: حسن الشفتين؛ ويستحسن فيهما الحمرة، وتشبّه حمرتهما بما تشبّه به الوجنة من الورد والعقيق والمرجان ونحوها؛ ويستحسن فيهما اللّمى؛ وهو سمرة تعلو حمرتهما.
ومنها: حسن الأسنان؛ ويستحسن فيها الشّنب؛ وهو بياض وبريق
يعلوهما. وتشبه الأنسان في البياض وحسن النظم باللؤلؤ، وبالبرد، وبالطّلع؛ وهو نبت أبيض، وبالأقاح، وبالحبب؛ وهو الذي يعلو الكأس عند شجّه «1» بالماء؛ وقد تشبه بالجوهر؛ ويستحسن فيها الأشر؛ وهو تحديد الأنسان كما يقع في كثير من الصّبيان؛ ويستحسن في السّنخ- وهو لحم الأسنان- حمرة لونه؛ ويشبه بالعقيق والورد وسائر ما يشبه به الخدّ.
ومنها: حسن الجيد؛ وهو العنق؛ ويستحسن فيه طوله وبياضه من الأبيض؛ ويشبه بإبريق فضة.
ومنها: دقّة الخصر؛ وهو مقعد الإزار حتّى إنهم يشبهونه بدور دملج «2» ، ودور خلخال وما أشبه ذلك.
قلت: وهذه الصفات وإن كان مستحسنة في الرجال والنساء جميعا فإنها في النساء آكد؛ فإن الأمر في الحسن منوط بهنّ؛ فمهما كانت المرأة أحسن كان أعظم لشأنها، وأعز لمكانها. وقد قيل لرجل من بني عذرة «3» : ما بال الرجل منكم يموت في هوى امرأة! إنما ذلك لضعف فيكم يا بني عذرة، فقال: أما والله لو رأيتم النّواظر الدّعج، فوقها الحواجب الزّج، تحتها المباسم الفلج «4» ، لاتّخذتموها الّلات والعزى! وقد أكثر الشعراء من التغزل بهذه المحاسن بما ملأ الدفاتر مما لا حاجة بنا إلى ذكره هنا.