الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله:
ألا ليت شعري، هل يلومنّ قومه
…
زهيرا على ما جرّ من كلّ جانب
الصفة الثانية أن يكون سليما من التعقيد
وهو ألّا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المعنى الذي يراد منه، وهو على ضربين:
الضرب الأوّل
- وهو الذي يسميه ابن الأثير: المعاظلة «1» المعنوية- ألّا يكون ترتيب الألفاظ على وفق ترتيب المعاني بسبب تقديم أو تأخير، أو حذف، أو إضمار، أو غير ذلك مما يوجب صعوبة فهم المراد، وإن كان ثابتا في الكلام، جاريا على القوانين، كقول الفرزدق في مدح إبراهيم «2» بن هشام بن إسماعيل المخزومي، خال هشام بن عبد الملك:
وما مثله في الناس إلا مملّكا
…
أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه
أي وما مثل هذا الممدوح في الناس حيّ يقاربه ويشبهه في الفضائل إلا مملّكا، أبو أمّ ذلك المملّك أبو الممدوح، فيكون الممدوح خال المملّك، والمعنى أنه لا يماثل أحد هذا الممدوح الذي هو إبراهيم بن هشام إلا ابن أخته هشام، أفسده وعقّد معناه، وأخرجه عن حدّ الفصاحة إلى حدّ اللّكنة؛ وكذلك قوله في الوليد بن عبد الملك:
إلى ملك، ما أمّه من محارب
…
أبوه، ولا كانت كليب تصاهره
يريد إلى ملك ما أمّ أبيه من محارب، وقوله:
تعال فإن عاهدتني لا تخونني
…
نكن مثل من ياذئب يصطحبان
يريد نكن يا ذئب مثل من يصطحبان، وقوله:
وليست خراسان التي كان خالد
…
بها أسد، إذ كان سيفا أميرها
يريد أن خالد بن عبد الله كان قد ولي خراسان ووليها أسد «1» بعده، فمدح خالدا بأنه كان سيفا، بعد أن كان أسد أميرها، فكأنه يقول وليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفا إذ كان أسد أميرها «2» .
قال ابن الأثير: وعلى هذا التقدير ففي كان الثانية ضمير الشأن والحديث، والجملة بعدها خبر عنها، وقد قدّم بعض ما إذ مضافة إليه وهو أسد عليها، وفي تقديم المضاف إليه أو شيء منه على المضاف من القبح ما لا خفاء به. قال: وأيضا فإن أسدا أحد جزأي الجملة المفسّرة للضمير، والضمير لا يكون تفسيره إلا من بعده، ولو تقدّم تفسيره قبله لما احتاج إلى تفسير، ولما سماه الكوفيون الضمير المجهول؛ وعلى نحو ذلك ورد قول الآخر:
فأصبحت بعد خطّ بهجتها
…
كأنّ قفرا رسومها قلما
يريد فأصبحت بعد بهجتها قفرا كأنّ قلما خط رسومها، فقدّم خبر كأنّ وهو خطّ عليها فجاء مختلّا مضطربا.
قال في «المثل السائر» : وهذا البيت من أقبح هذا النوع لأن معانيه قد تداخلت، وركب بعضها بعضا؛ على أن ذلك قد وقع لجمع من فحول شعراء العرب؛ كقول امرىء القيس:
هما أخوا في الحرب من لا أخا له
…
إذا خاف يوما نبوة فدعاهما
يريد أخوا من لا أخوي «1» له في الحرب؛ وقول النابغة:
يثرن الثّرى حتّى يباشرن برده
…
إذا الشمس مجّت ريقها بالكلاكل «2»
قال أبو هلال العسكريّ: وهذا البيت مستهجن جدّا لأن المعنى تعمّى فيه، يريد يثرن الثرى حتى يباشرن برده بالكلاكل إذا الشمس مجّت ريقها، وقول أبي حيّة النّميريّ «3» :
كما خطّ الكتاب بكّفّ، يوما،
…
يهوديّ يقارب أو يزيل
يريد كما خط الكتاب بكف يهوديّ يوما يقارب أو يزيل؛ وقول ذي الرمة:
نضا البرد عنه وهو من، ذو، جنونه
…
أجاريّ، صهّال وصوت مبرسم «4»
يريد وهو من جنونه ذو أجاريّ؛ قال في «الصناعتين» : كأنه تخليط كلام مجنون أو هجر مبرسم؛ وقول الشماخ «5» :
تخامص عن برد الوشاح إذا مشت
…
تخامص حافي الخيل «6» في الأمعز الوجي «7»
يريد تخامص حافي الخيل في الوجي، الأمعز «8» .