الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مؤاخاة النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ كرم الله وجهه يوم غدير خمّ وهو غدير على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق تصبّ فيه عين وحوله شجر كثير، وهي الغيضة التي تسمّى خمّا، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من حجّة الوداع نزل بالغدير وآخى بين الصحابة ولم يؤاخ بين عليّ وبين أحد منهم فرأى النبيّ صلى الله عليه وسلم منه انكسارا فضمّه إليه وقال «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي والتفت إلى أصحابه وقال من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» وكان ذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر من الهجرة.
والشيعة يحيون ليلة هذا العيد بالصلاة ويصلّون في صبيحتها ركعتين قبل الزوال وشعارهم فيه لبس الجديد، وعتق العبيد، وذبح الأغنام، وإلحاق الأجانب بالأهل في الإكرام. والشعراء والمترسلون يهنّئون الكبراء منهم بهذا العيد.
الجملة الثانية في أعياد الفرس
وكان دينهم المجوسية، وأعيادهم كثيرة جدّا حتّى إن عليّ بن حمزة الأصبهانيّ»
عمل فيها كتابا ذكر فيه أسباب اتخاذهم لها، وسبب سلوكهم فيها؛ وقد اقتصرنا منها على المشهور الذي ولع الشعراء بذكره، واعتنى الأمراء بأمره؛ وهي سبعة أعياد:
العيد الأوّل النّيروز
- وهو تعريب نوروز، ويقال إن أوّل من اتخذه جم شاد أحد ملوك الطبقة الثانية «2» من الفرس، ومعنى شاد الشّعاع والضياء «3» وإن سبب «4» اتخاذهم لهذا اليوم عيدا أن الدّين كان قد فسد قبله، فلما ملك جدّده
وأظهره فسمّي اليوم الذي ملك فيه نوروز أي اليوم الجديد. وفي بعض التعاليق أن جم شاد ملك الأقاليم السبعة والجنّ والإنس، فاتخذ له عجلة ركبها، وكان أوّل يوم ركبها فيه أوّل يوم من شهر افرودين ماه «1» ، وكان مدّة ملكه لا يريهم وجهه، فلما ركبها أبرز لهم وجهه، وكان له حظ من الجمال وافر، فجعلوا يوم رؤيتهم له عيدا، وسمّوه نوروزا. ومن الفرس من يزعم أنه اليوم الذي خلق الله فيه النّور، وأنه كان معظّما قبل جم شاد. وبعضهم يزعم أنه أوّل الزمان الذي ابتدأ الفلك فيه بالدّوران. ومدّته عندهم ستة أيام أوّلها اليوم الأوّل من شهر افرودين ماه «2» الذي هو أوّل شهور سنتهم. ويسمّون اليوم السادس النّوروز الكبير، لأن الأكاسرة كانوا يقضون في الأيام الخمسة حوائج الناس على طبقاتهم، ثم ينتقلون إلى مجالس أنسهم مع ظرفاء خواصّهم.
وحكى ابن المقفّع أنه كان من عادتهم فيه أن يأتي الملك رجل من الليل قد أرصد لما يفعله، مليح الوجه، فيقف على الباب حتّى يصبح، فإذا أصبح دخل على الملك من غير استئذان، ويقف حيث يراه، فيقول له: من أنت؟ ومن أين أقبلت؟ وأين تريد؟ وما اسمك؟ ولأيّ شيء وردت؟ وما معك؟ فيقول: أنا المنصور، واسمي المبارك، ومن قبل الله أقبلت، والملك السعيد أردت، وبالهناء والسلامة وردت ومعي السّنة الجديدة، ثم يجلس، ويدخل بعده رجل معه طبق من فضّة وعليه حنطة، وشعير، وجلبان وحمّص وسمسم، وأرزّ من كل واحد سبع سنبلات، وسبع حبّات وقطعة سكّر، ودينار ودرهم جديدان؛ فيضع الطبق بين يدي الملك، ثم تدخل عليه الهدايا، ويكون أوّل من يدخل عليه بها وزيره، ثم صاحب الخراج، ثم صاحب المعونة «3» ، ثم الناس على طبقاتهم، ثم يقدّم للملك رغيف كبير من تلك الحبوب مصنوع موضوع في سلّة، فيأكل منه ويطعم من حضر، ثم يقول: هذا يوم جديد، من شهر جديد، من عام جديد، يحتاج أن
يجدّد فيه ما أخلق من الزّمان، وأحق الناس بالفضل والإحسان الرأس لفضله على سائر الأعضاء؛ ثم يخلع على وجوه دولته، ويصلهم، ويفرّق عليهم ما وصل إليه من الهدايا.
وأما عوامّ الفرس فكانت عادتهم فيه رفع النار في ليلته، ورشّ الماء في صبيحته؛ ويزعمون أن إيقاد النّيران فيه لتحليل العفونات التي أبقاها الشّتاء في الهواء. ويقال إنما فعلوا ذلك تنويها بذكره، وإشهارا لأمره. وقالوا في رشّ الماء:
إنما هو بمنزلة الشّهرة «1» لتطهير الأبدان مما انضاف إليها من دخان النار الموقدة في ليلته.
وقال آخرون: إن سبب رش الماء فيه أن فيروز بن يزدجرد لما استتم سورجيّ، وهي أصبهان القديمة، لم تمطر سبع سنين في ملكه، ثم مطرت في هذا اليوم ففرح الناس بالمطر وصبّوا من مائه على أبدانهم من شدّة فرحهم به، فصار ذلك سنّة عندهم في ذلك اليوم من كل عام، وما أحلى قول بعضهم يخاطب من يهواه، ويذكر ما يعتمد في النيروز من شب النّيران وصبّ الأمواه:
كيف ابتهاجك بالنّيروز يا سكني
…
وكلّ ما فيه يحكيني وأحكيه
فتارة كلهيب النّار في كبدي
…
وتارة كتوالي عبرتي فيه
أسلمتني فيه يا سؤلي إلى وصب
…
فكيف تهدي الى من أنت تهديه
وأوّل من رسم هدايا النّيروز والمهرجان في الإسلام الحجّاج بن يوسف الثّقفيّ، ثم رفع ذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، واستمرّ المنع فيه إلى أن فتح باب الهديّة فيه أحمد بن يوسف الكاتب فإنه أهدى فيه للمأمون سفط ذهب فيه قطعة عود هنديّ في طوله وعرضه، وكتب معه: هذا يوم جرت فيه العادة، بإتحاف العبيد السادة، وقد قلت: