الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رثّا، كان مردودا ولو احتوى على أجلّ معنى وأنبله، وأرفعه وأفضله. قال في «المثل السائر» : أما البداوة والعنجهيّة، فتلك أمة قد خلت، ومع أنها قد خلت وكانت في زمن العرب العاربة فإنها قد عيبت على مستعملها في ذلك الوقت، فكيف الآن وقد غلب على الناس رقة الحضر.
الصنف الثاني الغريب المتوحش عند كل قوم في كل زمن
وهو ما لم يكن متداول الأستعمال في الزمن الأوّل ولا ما بعده، بل كان مرفوضا عند العرب كما هو مرفوض عند غيرهم، ويسمّى الوحشيّ الغليظ، والعكر، والمتوعّر؛ وهو على ثلاثة أضرب:
الضرب الأوّل ما يعاب استعماله في النظم والنثر جميعا
قال في «المثل السائر» : والناس في قبح استعماله سواء، لا يختلف فيه عربيّ باد، ولا قرويّ متحضّر. قال: وليس وراءه في القبح درجة أخرى، ولا يستعمله إلا أجهل الناس ممن لم يخطر بباله شيء من معرفة هذا الفنّ أصلا، وهو ما مجّه سمعك، ونبا عنه لسانك؛ وثقل عليك النطق به؛ على أنه قد وقع منه ألفاظ لبعض الشعراء المفلقين من العرب والمحدثين. فمن ذلك لفظ الجحيش «1» في قول تأبط شرّا «2» من أبيات الحماسة:
يظلّ بموماة «3» ويمسى بغيرها
…
جحيشا ويعروري ظهور المسالك
فإن لفظه جحيش من الألفاظ المنكرة القبيحة.
قال في «المثل السائر» : ويالله العجب! أليس أنها بمعنى فريد؟ وفريد لفظة حسنة رائقة، لو وضعت في هذا البيت موضع جحيش لما اختل شيء من وزنه، فتأبط شرّا ملوم من وجهين: أحدهما استعماله القبيح، والثاني أنه كانت له مندوحة عن استعماله فلم يعدل عنها؛ وأقبح من ذلك لفظ اطلخمّ في قول أبي تمّام:
قد قلت لما اطلخمّ الأمر وانبعثت
…
عشواء تالية غبسا دهاريسا «1»
فإن لفظة اطلخمّ من الألفاظ المنكرة التي جمعت الوصفين القبيحين: من أنها غريبة، وأنها غليظة في السمع، كريهة على الذّوق، وكذلك لفظة دهاريس في آخر البيت المذكور.
وعلى حدّ ذلك ورد لفظ جيدر في قوله من أبيات في وصف فرس:
نعم متاع الدّنيا حباك به
…
أروع لا جيدر ولا جبس «2»
فلفظة جيدر وحشية غليظة؛ وأغلظ منها لفظة جفخت في قول أبي الطّيّب المتنبي:
جفخت وهم لا يجفخون بها بهم
…
شيم على الحسب الأغرّ دلائل
فإن لفظة جفخ مرّة الطعم، وإذا مرّت على السمع اقشعرّ منها، وكان له مندوحة عن استعمالها، فإن جفخت بمعنى فخرت وهما في وزن واحد، فلو أتى بلفظ فخرت ويفخرون مكان جفخت ويجفخون لاستقام وزن البيت وحظي في استعماله بالأحسن، فهو في ذلك كتأبّط شرّا في لفظة جحيش في توجه الملامة عليه من وجهين.